جعفر بن حنزابه
جعفر بن حنزابه، هوأبوالفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات المعروف بابن حنزابة؛ كان وزير بني الإخشيد بمصر مدة إمارة كافور، ثم استقل كافور بملك مصر واستمر على وزارته، ولما توفي كافور استقل بالوزارة وتدبير المملكة لأحمد بن علي بن الإخشيد بالديار المصرية والشامية، وقبض على جماعة من أرباب الدولة بعد موت كافور وصادرهم، وقبض على يعقوب بن كلس وزير العزيز العبيدي - الآتي ذكره - وصادره على أربعة آلاف دينار وخمسمائة وأخذها منه، ثم أخذه من يده أبوجعفر مسلم بن عبيد الله الشريف الحسيني، واستتر عنده، ثم هرب مستتراً إلى بلاد المغرب؛ ولم يقدر ابن الفرات على رضى الكافورية والإخشيدية والأتراك والعساكر، ولم تحمل إليه أموال الضمانات، وطلبوا منه مالاً يقدر عليه، واضطرب عليه الأمر فاستتر مرتين ونهبت دوره ودور بعض أصحابه، ثم قدم إلى مصر أبومحمد الحسين بن عبيد الله بن طغج صاحب الرملة فقبض على الوزير المذكور وصادره وعذبه واستوزر عوضه محرره الحسن بن جابر الرياحي، ثم أطلق الوزير جعفر بوساطة الشريف أبي جعفر الحسيني، وسلم إليه الحسين أمر مصر وسار عنها إلى الشام مستهل ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وثلثمائة.
سيرته
كان عالماً محباً للفهماء، وحدث عن محمد بن هارون الحضرمي وطبقته من البغداديين، وعن محمد بن سعيد البرجمي الحمصي، ومحمد بن جعفر الخرائطي، والحسن بن أحمد بن بسطام، والحسن بن أحمد الداركي، ومحمد بن عمارة بن حمزة الأصبهاني، وكان يذكر أنه سمع من عبد الله بن محمد البغوي مجلساً، ولم يكن عنده، فكان يقول: من اتىني به أغنيته، وكان يملي الحديث بمصر وهووزير، وقصده الأفاضل من البلدان الشاسعة، وبسببه سار الحافظ أبوالحسن علي المعروف بالدار قطني من العراق إلى الديار المصرية، وكان يريد حتى يصنف مسنداً فلم يزل الدار قطني عنده حتى فرغ من تأليفه، وله تواليف في أسماء ارجال والأنساب وغير ذلك. وذكر الخطيب أبوزكريا التبريزي في شحه ديوان المتنبي حتى المتنبي لما قصد مصر ومدح كافوراً مدح الوزير أبا الفضل المذكور بقصيدته الرائية التي أولها: بادك هواك صبرت أولم تصبرا
وجعلها موسومة باسمه، فتكون إحدى القوافي جعفرا، وكان قد نظم قوله في هذه القصيدة:
صغت السوار لأي كف بشرت بابن العميد وأي عبد كـبـرا
بشرت بابن الفرات فلما لم يرضه صرفها عنه ولم ينشده إياه، فلما توجه إلى عضد الدولة قص أرجان وبها أبوالفضل ابن العميد وزير ركن الدولة بن بويه والد عضد الدولة - وسيأتي ذكرهم إذا شاء الله - فحول القصيدة إليه ومدحه بها وبغيرها، وهي من غرر القصائد.
وذكر الخطيب أيضاً في الشرح حتى قول المتنبي في القصيدة المقصورة التي يذكر فيها مسيره إلى الكوفة ويصف منزلاً منزلاً ويهجوكافوراً:
- وماذا بمصر من المضحكات
- ولكنه صحك كـالـبـكـا
- بها نبطي من أهل السـواد
- يدرس أنساب أهل الـفـلا
- وأسود مشفـره نـصـفـه
- ينطق له أنت بدر الـدجـى
- وشعر مدحت به الكـركـدن
- بين القريض وبين الرقى
- فما كان ذلك مـدحـا لـه
- ولكنه كان هجـوالـورى
إن المراد بالنبطي أبوالفضل المذكور، والأسود كافور، وبالجملة فهذا القدر ما غض منه، فما زالت الأشراف تهجى وتمدح.
وأنشد أبواسحاق إبراهيم بن عبد الله النجيرمي بديها في الوزير أبي الفضل المذكور وقد نادى له داع فلحن في قوله: أدام الله أيامك، بخفض أيامك المنصوبة:
- لاغروحتى لحن الداعـي لـسـيدنـا
- وغص من دهشة بالعي والـبـهـر
- فمثل هيبته حـالـت جـلالـتـهـا
- بين البليغ وبين النطق بالـحـصـر
- وإن يكـن الأيام عــن دهـــش
- في موضع النصب أومن قلة البصر
- فقد تفاءلـت فـي هـذا لـسـيدنـا
- والفأل نأثره عـن سـيد الـبـشـر
- بأن أيامـه خـفـض بـلا نـصـب
- وأن دولـتـه صـفـوبـلا كـدر
أخباره
وذكر الوزير أبوالقاسم المغربي في كتاب"أدب الخواص": كنت أحادث الوزير أبا الفضل جعفرا المذكور وأجاريه شعر المتتنبي، فيظهر من تفضيله زيادة تنبه على ما في نفسه خوفاً حتى يرى بصورة من ثناه الغضب الخاص عن قول الصدق في الحكم العام، وذلك لأجل الهاتى الذي عرض له به المتنبي.
وكانت ولادته ثلاث خلون من ذي الحجة سنة ثمان وثلثمائة، وتوفي يوم الأحد ثالث عشر صفر، وقيل: في شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وثلثمائة بمصر، ، وصلى عليه القاضي حسين بن محمد بين النعمان، ودفن في القرافة الصغرى، وتربته بها مشهورة.
وحنزابة - بكسر الحاء المهملة وسكون النون وفتح الزاي وبعد الألف باء موحدة مفتوحة ثم هاء - وهي أم أبيه الفضل بن جعفر، هكذا ذكره ثابت بن قرة في تاريخه، والخزابة في اللغة: المرأة القصيرة الغليظة.
وذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، وأورد من شعره قوله:
من أخمل النفس أحياها وروحـهـا ولم يبت طاويا منها على ضـجـر إن الرياح إذا استدت عواصـفـهـا فليس ترمي سوى العالي من الشجر
ونطق: كان كثير الإحسان إلى أهل الحرمين، واقتنى بالمدينة داراً بالقرب من المسجد ليس بيتها وبين الضريح النبوي - على ساكنه أفضل الصلاة والسلام - سوى جدار واحد، وأوصى حتى يدفن فيها، وقرر مع الأشراف ذلك، ولما توفي حمل تابوته من مصر إلى الحرمين، وخرجت الأشراف إلى لقائه وفاء بما أحسن إليهم، فحجوا به وطافوا ووقفوا بعهدة ثم ردوه إلة المدينة ودفنوه بالدار المذكورة، وهذا خلاف ما ذكرته أولا، والله أفهم بالصواب، غير أني رأيت التربة المذكورة بالقرافة وعليها مكتوب هذه تربة أبي الفضل جعفر بن الفرات ثم إني رأيت بخط أبي القاسم ابن الصوفي أنه دفن في مجلس داره الكبرى ثم نقل إلى المدينة.
المصادر
مسقط الحكواتي