إرازموس

عودة للموسوعة

إرازموس

إيرازموس بريشة هانس هولباين الصغير 1523

دزيدريوس إرازموس روترداموس (باللاتينية: Desiderius Erasmus Roterodamus) عاش في (روتردام ح. 1469- بال 11 يوليو1536 م) هوفيلسوف هولندي، من رواد الحركة الإنسانية في أوروبا ، كان يخط باللغة اللاتينية.

تمتع إيرازموس بشخصية مستقلة كما عهد عنه طبعه الساخر (مناظرة في مدح الجنون)، قام بالتعليق على نصوص العهد الجديد ، وحاول حتى يضع مبادئ الحركة الإنسانية حسب التوجهات المسيحية، كما أراد حتى يقرب بين أتباع الممضى الكاثوليكي وأتباع الحركات الإصلاحية الجديدة.

النشأة

ولد أعظم عالم بالإنسانيات عام 1466 أوعام 1469 في روتردام أوبالقرب منها وهوالابن الثاني غير الشرعي لجيرارد وهومحرر في أدنى الدرجات. وأمه مرجريت ابنة طبيبة وأرملة. ويبدوحتى الأب رسم قسيساً عقب هذه الكارثة ولا ندري كيف من الممكن أن سمي الصبي بالاسم السخيف ديزيدريوس أرازموس ومعناه الحبيب المرغوب فيه. ولقد فهمه مدرسوه الأوائل القراءة والكتابة باللغة الهولندية ولكنه عندما مضى ليدرس مع أخوة الحياة المشهجرة في ديفنتر غرم لأنه كان يتحدث بلغته الوطنية فقد كانت اللغة اللاتينية هناك "الزاد الرئيسي للتعليم" وكانت التقوى تراعى بحزم كوسيلة من وسائل التربية والتهذيب- ومع ذلك فإن الأخوة كانوا يشجعون على دراسة كلاسيكيات وثنية مختارة وبدأ أرازموس في ديفنتر يمسك بزمام اللغة اللاتينية والأدب بصورة مذهلة.

إرازموس بريشة هولباين


الراهب

مات والده حوالي عام 1484 وخلف الوالد ضيعة متواضعة لولديه ولكن الأوصياء عليهما بددوا معظمها ووجهوا الشابين اليافعين للانخراط في سلك الرهبنة لأنها لا بحاجة إلى امتلاك شئ على الإطلاق فاحتجا إذ كانا يرغبان في الالتحاق بالجامعة، وأخيراً أمكن إغراؤهما- بوعد أرازموس بالحصول على كثير من الخط كما قيل لنا. أما الابن الأكبر فقد رضى بمصيره وارتفع شأنه فأصبح "سكيراً مدمنا وأن لم يكن فاجراً سافلا". وأخذ ديزيدريوس على نفسه العهود كأي راهب أوغسطيني في ديراماوس في ستين. وحاول حتى يحب حياة الدير جهد استطاعته بل إنه خط منطقا بعنوان: De contemptu mundi "تأملات في الوجود"، ليقنع نفسه بأن الدير هوالمكان المناسب لصبي له روح متعطشة ومعدة منهوكة ولكن معدته أرهقها الصيام وأصابها الغثيان حينما كانت تُشَم رائحة السمك. ومع ذلك فإن العهد الذي بتره على نفسه بالخضوع أثبت أنه أشد قساوة من نذره العفة، ومن يدري،يا ترى؟ لعل مخطة الدير كانت تعوزها الكلاسيات. وأشفق عليه رئيس الدير وأعاره ليعمل محرر سر لهنري البرجيني أسقف كمبراي. وقبل أرازموس عندئذ 1492 حتى يرسم قساً ولكنه أينما اتجه نازعته نفسه إلى حتى يضع قدمه على مكان آخر. كان يحسد الذين التحقوا بالجامعة بعد إنهاء تعليمهم المحلي.

تمثال إرازموس في روتردام

ثقافة متحررة

كانت باريس تفوح بشذا الفهم والهوى الذي قد يسمم الحواس المرهفة عبر مسافات بعيدة. وأغرى ديزيديريوس الأسقف على إرساله إلى جامعة باريس بعد حتى خدمه بكفاءة بضع سنوات وانطلق وليس معه إلا ما يقوم بأوده. وكان ينصت في صبر نافذ إلى المحاضرات ولكنه كان يلتهم الخط. وكان يشهد المسرحيات والحفلات وينقب بين الفينة والفينة عن المفاتن الأنثوية، ويقول في إحدى محاوراته حتى ألطف طريقة لتفهم الفرنسية هي حتى تتلقاها عن بنات الليل ومع ذلك فقد أغرم بالأدب. أغرم بتلك الحدثات الموسيقية السحرية التي تفتح بابا يلج منه المرء إلى عالم الخيال والبهجة. وفهم نفسه اليونانية وأصبحت أثينا أفلاطون ويوروبيدس وزينون وأبيقوروس مألوفة لديه مثل روما سيشرون وهوراس وسينيكا فكلا المدينتين كانتا حقيقتين بالنسبة له مثلهما في ذلك مثل شاطئ السين الأيسر. وكان سينيكا في نظره مسيحياً صالحاً مثل سانت بول ونمطياً أحسن منه (وهي وجهة نظر لعله لم يكن فيها سليم الذوق تماما) ورحل باختياره في غمرات الماضي واكتشف لورنزوفالا، فولتير نابولي واستطاب طعم اللاتينية الأنيقة والجرأة المتهوسة اللتين تسم تكفله بهما بكشف زيف سيرة "هبة قسطنطين" وقد لاحظ أخطاء جد خطيرة في النسخة اللاتينية من الكتاب المقدس وتساءل أليست الأبيقورية أحكم وسيلة للعيش. وقد أفزع أرازموس فهماء اللاهوت فيما بعد وخفف عن بعض الكرادلة بسعيه في التوفيق بين أبيقور والمسيح. وكانت أصداء أصوات دونس سكوتس واوكهام لا تزال تتردد في باريس والممضى الأسمي يعلونجمه ويهدد العقائد الأساسية مثل التجسيد والثالوث. وقوضت هذه السقطات الفكرية أرثوذكسية القس الشاب ولم يهجر له إلا الإعجاب العميق بأخلاقيات المسيح.

وأكب على قراءة الخط وغالي في ذلك إلى درجة غير محمودة. وقام بإعطاء دروس خصوصية لبعض الفتيان من الطلبة لزيادة موارده ومضى ليعيش مع أحدهم ومع ذلك لم يكن لديه ما يوفر له حياة هانئة. وألح على أسقف كامبراي قائلا: "إن كلا من جلدي وكيسي في حاجة إلى حتى يملأ: الأول باللحم والثاني بالعملات. اعمل وفق ما يمليه عليك كرمك". واستجاب له الأسقف بلطفه المعهود ونادىه طالب يدعى لوردأف فير Vere إلى قصره في تورنيهيم في الفلاندرز وسر أرازموس عندما عثر في ليدي آن أف فير نصيره للعبقرية وتعهدت فيه على هذه المزية وعانته بمنحة سرعان ما استنفدها. وأخذه طالب غنى آخر هوماونتجوي إلى إنجلترا 1499 وهناك في البيوت الأرستقراطية الواسعة في الريف عثر العالم المكدود دنيا رحبة تحفل باللذة الرفيعة وانقلب ماضيه في الدير إلى ذكرى يقشعر لها بدنه. وأبلغ صديقاً له في باريس عن تقدمه في خطاب من خطاباته التي لا تحصى ولا تقلد وهي الأثر الباقي له الآن: "إننا نتقدم. ولوكنت عاقلاً لسارعت بالمجيء إلى هنا... آه لوعهدت ما ننعم به في بريطانيا... ولأذكر لك إحدى المباهج الكثيرة: هنا حوريات لهن تقاطيع ملائكية في غاية الرقة والرأفة... وعلاوة على ذلك فثمة أسلوب للحياة لا يمكن الثناء عليه تماماً فحيثما تمضى يستقبلونك بالقبلات على يديك وعندما ترحل يشبعونك بالقبلات وإذا عدت فإن تحياتك ترد إليك... وأينما يتم اجتماع فهناك تحيات وافرة وحيثما تلتفت تجدها تلاحقك. أواه يا فاوستوس! لوذقت مرة عذوبة هذه الشفاه وشذاها لتمنيت حتى تكون سائحاً لا لمدة عشر سنوات مثل سولون بل طوال حياتك في إنجلترا".

والتقى أرازموس في بيت ماونتجوى في جرينوتش بتوماس مور ، وكان حينئذاك لا تتجاوز سنة الثانية بعد العشرين ولكنه مع ذلك كان له من المكانة ما استطاع به حتى يقدم العالم إلى قدر له بعد ذلك حتىقد يكون هنري الثامن. وسره في أكسفورد على الأغلب عدم الكلفة في صحبة الطلبة وفي الكلية كما سرته أحضان ربات البيوت الريفية. وهناك تفهم كيف من الممكن أن يحب جون كوليت الذي أذهل عصره باعتناقه المسيحية على الرغم من أنه كان محققا وعلامة في فهم الأديان القديمة وتأثر أرازموس بتقدم فهم الإنسانيات في إنجلترا: "عندما أسمع عزيزي كوليت يخيل إلي أني أستمع لأفلاطون نفسه. من لا يعجب في جروسين يرى عالما كاملا للفهم مثل هذا،يا ترى؟ ماذا يمكن حتىقد يكون أذكى وأعمق من حكم ليناكر،يا ترى؟ وماذا أبدعت الطبيعة أكثر رقة وحلاوة وسعادة من عبقرية توماس مور؟".

لقد اثر هؤلاء الرجال تأثيراً عميقاً في إصلاح حال أرازموس فتحول من شاب مغرور طائش ، أسكرته خمر الكلاسيات وفتنة النساء ، إلى عالم جاد مدقق تواق لا إلى المال والشهرة فحسب ولكن إلى تحقيق عمل مفيد دائم. وعندما غادر إنجلترا يناير عام 1500 كان قد استقر عومه على حتى يفهم وينشر النص اليوناني للعهد الجديد لأن الجوهر الخالص لتلك المسيحية الحقة في نظر المصلحين وفهماء الإنسانيات على السواء، قد أخفته وموهت عليه العقائد وتكاثرها على مر القرون.

وأظلمت ذكرياته الجميلة عن هذه الزيارة الأولى لإنجلترا بما وقع في الساعة الأخيرة. فبينما كان يجتاز الجمارك في دوفر صادرت السلطات المبلغ الذي منحه له أصدقاؤه وكان يقدر بنحوعشرين جنيهاً (2000 دولار) لأن القانون الإنجليزي يحرم تصدير المضى أوالفضة. وزاد الطين بلة حتى أحدهم، وإن لم يكن محاميا كبيراً، أشار عليه خطأ بأن التحريم لا يسري إلا بالنسبة للعملة الإنجليزية ، فغيرها أرازموس ولم تجد إنجليزيته المتعثرة ولا لاتينيته المختلة في الانحراف بصرامة القانون التي لا ترحم واستقل أرازموس سفينة إلى فرنسا وهوخالي الوفاض بالعمل. نطق: "لقد عانيت من الغرق قبل حتى أمضى إلى البحر".

Holbein's studies of Erasmus' hands, in silverpoint and chalks, ca. 1523. (Louvre)

أعماله وحياته

وبعد إقامة بضع شهور في باريس نشر أول عمل هام له وهومجموعة أقوال مأثورة وتضم 818 مثلا أوشاهداً، معظمها لمؤلفين من القدامى. وكان إحياء الفهم - أي الأدب القديم- قد وضع تقليداً دارجاً بأن يزين المرء آراءه باقتباس من مؤلف يوناني أولاتيني ، ونرى هذا التقليد بصورة متطرفة في منطقات مونتيني وفي كتاب "تشريح السوداء" لبرتون. وتريث هذا التقليد في القرن الثامن عشر في عهد الخطابة الجدلية بإنجلترا. وأرفق أرازموس جميع قول مأثور بتعليق ، يشير عادة إلى الاهتمام السائد ويمليه ذكاء يمتزج بالسخرية والهاتى. وقد علق قائلا: "ورد في الكتاب المقدس حتى القسس يلتهمون خطايا الناس فيجدون حتى الخطايا عسيرة الهضم ولا بد من حتى يرتشفوا أحسن الأنبذة للخلاص منها". وكان الكتاب نعمة للكتاب والمتحدثين وبيع منه الكثير لمدة عام استطاع فيه أرازموس حتى يعول نفسه دون الاعتماد على أحد. وعلاوة على هذا فإن كبير الأساقفة وارهام استحسن الكتاب على الرغم من لذعاته وأوفد للمؤلف مبلغاً من المال على سبيل المنحة وعرض عليه الإقامة في إنجلترا. ومهما يكن من أمر فإن أرازموس لم يكن على استعداد لهجر القارة والإقامة في جزيرة وفي الأعوام الثمانية التالية نشر بضع نسخ منقحة من الأقوال المأثورة وزاده إلى 3260 نصاً مدوناً وظهرت له في حياته ستون طبعة وصدرت له ترجمات عن اللاتينية الأصلية إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والهولندية وكلها من أكثر الخط رواجا في عصرنا.

وعلى الرغم من هذا كله كانت الظروف غير مواتية والطعام لا يكتفي واشتد بأرازموس الضيق فخط (12 ديسمبر عام 1500) إلى صديقه جيمس بات وكان مريبا لابن ليدي آن أف فير يسأله: "أرجوحتى تشير لها إلى ما يفترض أن أحققه لها بتعليمي من جاه يزيد عما يحققه لها القسس الآخرون الذين تحتفظ بهم. إنهم يتلون عظات عادية أما أنا فأخط ما يعيش إلى الأبد. وهم بلغوهم السخيف لا يسمعون إلا في كنيسة أواثنين أما أعمالي فسوف يقرؤها جميع من يعهد اللاتينية واليونانية في جميع بلد من بلاد العالم. وما أكثر رجال الدين غير المتفهمين في جميع مكان أما أمثالي فقلما يجود بهم الزمان. أرجوحتى تكرر جميع هذا لها ما لم تكن كثير الوساوس فلا تستطيع حتى تقول بعض الكذبات من أجل صديق".

وعندما فشلت هذه المفاوضة خط مرة أخرى يقترح حتى يقول بات للسيدة حتى أرازموس يوشك حتى يكف بصره ثم أردف قائلا: "أوفد لي أربع بتر مضىية أوخمسا من مالك الخاص على حتى تستردها من مال الليدي". ولما لم يقع بات في هذا الشرك خط أرازموس مباشرة إلى السيدة وشبهها بأنبل البطلات في التاريخ وأجمل محظيات سليمان وتنبأ لها بشهرة خالدة. واستسلمت لهذا الزهوالأخير وتلقى أرازموس هدية مادية واستعاد بصره. وكان يغتفر للمحرر طبقاً لتنطقيد هذا العهد حتى يطلب معونة من يرعونه لأن الناشرين لمقد يكونوا على استعداد وقتذاك لمؤازرة المؤلفين ولوكان لهم قراء عديدون. وكان في استطاعة أرازموس حتى يحصل على مرتبات وأسقفيات بل ومنصب كاردينال ولكنه رفض هذه العروض المرة تلوالمرة لكي يظل "رمحاً طليقاً" متحرر الفكر وفضل حتى يستجدي ويكون حراً ولا يفسد وهويرسف في الأغلال، وانتقل إلى لوفان عام 1502 فراراً من الطاعون فعرض عليه أوربان الاوترختي مدير الجامعة منصب أستاذ ورفض أرازموس وعندما عاد إلى باريس استقر فيها ليكسب عيشه بقلمه- وهي واحدة من أحدث المحاولات الأولى في هذا المشروع المتهوس. وترجم خطب سيشرون وهيكوبا ليوروبيدس ومحاورات لوشيان، وليس من شك في حتى الفيلسوف الشاك الظريف أسهم في تشكيل عقلية أرازموس وأسلوبه. وقد خط أرازموس عام 1504 إلى صديق له: "عجبا! بأي ظرف وبأي سرعة يعالج لوشيان ضرباته فيحول جميع شئ إلى سخرية ولا يهجر شيئاً يمر دون حتى يسخر منه. وأقسى ضرباته موجهة إلى الفلاسفة... نظر إلى نادىواهم غير الطبيعية وإلى الرواقيين بسبب عجرفتهم التي لا تحتمل... وهولا يجد حرجا في السخرية من الآلهة ومن هنا خلع عليه لقب ملحد - وهوشرف رفيع أضفاه عليه الزنادقة أصحاب الوساوس".

وفي زيارة ثانية لإنجلترا (1505 -1506) انضم إلى كوليت وقاما بالحج إلى ضريح سانت توماس في بيكيت بكانتربري وسجل وصفا لهذه الرحلة بأسماء مستعارة وذلك في إحدى محاوراته. ولقد روى لنا كيف من الممكن أن أساء جراتيان (كوليت) إلى دليلهم الراهب عندما أبدى رأيه ونطق: "إن قدراً ضئيلا من الثروة التي تستخدم في تزيين الكاتدرائية يمكن توجهها لتخفف وطأة الفقر في كانتربري"، وروي أيضاً كيف من الممكن أن عرض عليهم الراهب لبناً نطق إنه من ثدي العذراء و"قدرا مذهلا من العظام" لا بد من تقبيله باحترام وكيف عصى جراتيان فرفض حتى يقبل حذاء قيل إذا بيكيت لبسه وكيف عرض الدليل على جراتيان بترة قماش يزعمون حتى القديس استخدمها في تجفيف جبينه وفي أنفه كما لوكانت منة عظمى وتذكارا مقدساً، وظل يسوق الحجج والبراهين على هذا فقطب جراتيان جبينه وتمرد. وعاد العالمان بالإنسانيات إلى لندن وهما يأسفان على الإنسانية. وهناك أسعد الحظ أرازموس إذ كان طبيب هنري السابع يعتزم إرسال ولدين له إلى إيطاليا فعهد إلى أرازموس بمرافقتهما "كدليل عام ومشرف" وأقام مع الولدين عاما في بولونيا وأخذ يلتهم المخطات ويضيف جميع يوم جديدا إلى اشتهاره بحبه للفهم والفهم واللسان اللاتيني. وكان إلى ذلك الوقت: يرتدي مسوح أوغسطيني-وهوتعبير عن ثوب أسود ومعطف وقلنسوة وقبعة بيضاء يحملها عادة على ذراعيه ولكنه في عام (1506) نبذ هذا الزي واستبدل ثوب كاهن فهماني أقل وضوحا وادعى أنه حصل على إذن بهذا الاستبدال من البابا يوليوس ثم أقام في بولونيا كأنه فاتح عسكري غير أنه عاد إلى إنجلترا عام 1506 لأسباب لا نعهدها وألقى محاضرات في اليونانية بجامعة كمبردج بيد أننا نجده يعود إلى إيطاليا عام 1508 وبعد طبعة موسعة لمجموعته في الأمثال السائرة لمطبعة الدوس مانوتيوس في البندقية. وعندما مر بروما(1509) فتنته عيشة الكرادلة الرغدة وأخلاقهم السامية وثقافتهم الرفيعة وسر من - كما حتى لوثر كان قد فجعته بروما في السنة الماضية - الغزوات التي قامت بها الموضوعات والوسائل الوثنية في عاصمة العالم المسيحي. ومما استاء له أرازموس كثيرا سياسة يوليوس الثاني العسكرية وحدته ومطارداته وهويتفق في هذا مع لوثر ولكنه يتفق أيضاً مع الكرادلة الذين كانوا يرحبون بحرارة بكثرة تغيب البابا العنيد ورحبوا بحضور أرازموس لاجتماعاتهم وعرضوا عليه منصباً دينياً إذا أقام في روما.

عصر هنري الثامن

وما كادت تطيب له الإقامة من المدينة الخالدة حتى أوفد له ماونتجوي رسالة يبلغه فيها حتى هنري السابع توفي وأن صديق فهماء الإنسانيات أصبح هنري الثامن وأن الأبواب والمناصب الرفيعة جميعا ترحب الآن بإرازموس إذا ما عاد إلى إنجلترا. ووصلت مع خطاب ماونتجوي رسالة من هنري الثامن نفسه: "بدأ تعارفنا عندما كنت صبيا. وقد ازداد الاحترام الذي درست حتى أكنه لك بفضل تنويهك المشرف بي في كتاباتك وبالكيفية التي استخدمت بها مواهبك في إبراز الحقيقة المسيحية وبما أنك قد حملت هذا العبء وحدك فأسعدني بمعاونتك وحمايتك إلى أقصى حد يمتد له سلطاني... إذا سلامتك ثمينة بالنسبة لنا جميعاً... ومن ثم فإني أرى حتى تتخلى عن جميع فكرة بالإقامة في مكان آخر وتعال إلى إنجلترا وثق أنك ستلقي ترحيباً حاراً. وعليك حتى تذكر شروطك وثق أنها ستكون سخية ومشرفة كما تشاء. واذكر انك قلت يوماً أنك ستتخذ من هذا البلد موطناً لك في شيخوختك بعد حتى تكون قد تعبت من التجوال. وإني لأتوسل إليك بكل ما مقدس وصالح حتى تفي بوعدك هذا ولسنا الآن في مركز يتيح لنا أ~ن نعهد قيمة فهمك أونصيحتك وسوف نعتبر وجودك بيننا أثمن ما نمتلك... وإذا كنت في حاجة إلى الاستمتاع بوقت فراغك فلن نسألك شيئاً سوى حتى تجعل من مملكتنا موطناً لك... تعال إلى إذن يا عزيزي أرازموس وليكن حضورك بمثابة إجابة لدعوتي" فكيف يمكن حتى ترفض دعوة رقيقة كريمة كهذه،يا ترى؟ حتى لسان أرازموس ينعقد حتى لونصبته روما كردينالاً، ففي إنجلترا حيث يحيط به أصدقاء من ذوي النفوذ ويحميه ملك قوي يستطيع حتى يخط بحرية ويعيش بحرية في أمان وودع فهماء الإنسانيات في روما في شئ من التبرم، إلى القصور الرحبة والمخطات... إلى الكرادلة الذين ناصروه... واتخذ طريقه مرة أخرى فوق جبال الألب إلى باريس فانجلترا.

ومكث هناك خمس سنوات ولم يتلق طوال هذا الوقت من الملك سوى التحية بين الفينة والفينة. ترى هل كان هنري مشغولا جداً بالعلاقات الخارجية أم بالأهل والأقارب،يا ترى؟ وظل أرازموس ينتظر وهويتميز غيظاً. وخف مونتجوي لنجدته بمنحة. ونفحه وارهام بدخل أبرشية في كنت ، وعينه جون فيشر أسقف روشستر ومدير جامعة كامبردج أستاذاً لليونانية بمرتب سنوي قدره 13 جنيها (1.300 دولار) ولحمل هذا الدخل بالقدر الذي يسمح بالاحتفاظ بخادم وجواد أهدى أرازموس مطبوعاته إلى أصدقائه الذين استجابوا له في تردد.

دراسات هولباين ليدي إرازموس, بخط فضي وبالطباشير, ح. 1523. (اللوڤر)


اقرارات ايراسموس

وفي السنة الأولى من هذه في إنجلترا خط أرازموس في بيت توماس مور وفي خلال سبعة أيام أشهر كتاب له "الثناء على الطيش" وكان عنوانه اليوناني Encomium moriae تورية لاسم مور وإن كانت حدثة Moras باليونانية تعني طائش وحدثة Moria تعني الطيش واحتفظ أرازموس بعمله مخطوطا لمدة عامين ثم انطلق بعدها بفترة وجيزة إلى باريس لنشره (1511) وطبعت منه في حياته أربعون طبعة وترجم إلى اثنتي عشرة لغة والتهمه رابيليه وفي عهد متأخر عام 1632 وجده ملتون في يد "كل إنسان" في كامبردج.

ولم يستخدم أرازموس حدثة Moria بمعنى طيش وسخف وجهل وغباء فحسب بل بمعنى سورة فكرية وغريزة وعاطفة وبساطة أمية لقاء حكمة وعقل وحساب وفكر. ويقول لنا إذا الجنس البشري بأسره يدين بوجوده للطيش إذ أي شئ أسخف من مطاردة الذكر المتعددة الأشكال للأنثى وإكباره المحرم للحمها وعاطفته المشبوبة للتسافد،يا ترى؟ وأي إنسان يدفع لقاء هذا التناقض في الانتفاخ ارتباطا مدى الحياة بالزواج من واحدة،يا ترى؟ وأي امرأة في تام قواها العقلية تدفع في لقاء هذا آلام الأمومة وشدائدها،يا ترى؟ أليس من السخرية حتى تكون الإنسانية ثمرة عارضة لهذا الندم المتبادل،يا ترى؟ لوحتى الرجال والنساء توقفوا وتأملوا ملياً لضاع جميع شئ.

وهذا يوضح ضرورة الطيش وحماقة الحكمة إذ هل يمكن حتى توجد الشجاعة إذا حكم العقل،يا ترى؟ وهل يمكن حتى تتحقق السعادة،يا ترى؟ إذا سفر الجامعة كان على حق في الاعتقاد بأن "من زادت معهدته زادت أحزانه وفي الحكمة الكثيرة أسى كثير؟" منقد يكون سعيداً إذا تكشفت له حجب المستقبل،يا ترى؟ إنه لمن حسن الحظ حتى الفهم والفلسفة عاجزان وأن الناس يجهلونهما وأنهما لا يحدثان ضرراً عظيما لجهل الجنس الذي لا غنى عنه. وإن الفلكيين "يقدمون لك بأبعاد إبريق أوجرة ولكن الطبيعة تهزأ بظنونهم الواهية. والفلاسفة يزيدون المرتبك ارتباكاً والمظلم ظلاماً وهم يبددون الوقت والعقل على أمور تافهة منطقية أوميتافيزيقية تمضى أدراج الرياح، وخير لنا حتى نرسلهم بدلا من جنودنا لمحاربة الأتراك الذين يفترض أن يتراجعون في ذعر أمام هذا اللغوالمربك! والأطباء ليسوا أفضل مهم فكل فنهم كما يمارس الآن هوفن مركب يمزج الخداع بالتضليل". أما فهماء اللاهوت فإنهم: "يقولون لك إلى الهنة عن جميع الإجراءات المتوالية للقدرة على جميع شئ في خلق العالم ويفسرون لك الطريقة الدقيقة للخطيئة الأولى مستمدة من أول آبائنا ويرضونك ويقولون لك كيف من الممكن أن أن.. المسيح حملت به العذراء ويوضحون لك في الرقاقة المقدسة كيف من الممكن أن يمكن حتى توجد الحوادث دون محمول عليه... وكيف يمكن حتى يوجد جسم واحد في أماكن متعددة في وقت واحد وكيف حتى جسد المسيح في السماء يختلف عن جسده فوق الصليب أوفي القربان المقدس.

وفكر أيضاً في اللغوالذي يتمثل في معجزات وأعاجيب- رؤى ومزارات شافية واستنادىء للشيطان و"أمثال الشبح المخيف الوهمي".

إن هذه السخافات... تجارة رابحة وتأتي بدخل يضمن عيشاً رغداً لهؤلاء القسس والرهبان كما أنهم يكسبون من وراء هذا الخداع... ماذا عساي حتى أقول عن هذا سوى حتى أهلل لخداع الغفران والسماحة وأن أحافظ عليهما،يا ترى؟ وأني بهذه أحسب الزمن الذي تقتضيه جميع روح في المطهر، وأخصص لها بقاء أطول أوأقصر حسبما يشترون عدداً أكبر أوأقل من صكوك الغفران التافهة والإعفاءات المعروضة للبيع،يا ترى؟ أوماذا ينطق من سوء عن آخرين يزعمون أنهم سيحصلون على الثراء والمناصب الرفيعة واللذة والحياة العريضة ويبلغون أرذل العمر بل وينالون بعد وفاتهم مقعداً على يمين المسيح وذلك بقوة هذه التعاويذ السحرية أوبالعبث بحبات سبحاتهم وهم يتمتمون ببعض الدعوات والابتهالات (التي اخترعها بعض مدعي الدين إما للهوأوللاستفادة منها على الأرجح)؟.

ويستمر الهجوعلى حساب النساك والرهبان وأعضاء محكمة التفتيش والكرادلة والبابوات. فالنساك يضجرون الناس بالسؤال ويعتقدون أنه يمكن الاستيلاء على السماء بالمثابرة على ترتيل المزامير المنومة ورجال الأكليروس الفهماء يتحرقون شوقاً إلى المال. "إنهم ماهرون في فن الاقتناء... ضريبة العشور والقرابين وأجور العائد... الخ". وكل رجال الأكليروس على اختلاف طوائفهم ورتبهم يتفقون في الرأي على إعدام الساحرات أما البابوات فليس بينهم وبين الرسل أي تشابه في "ثرواتهم ومناصبهم وسلطاتهم القضائية ووظائفهم وإعفاءاتهم وتراخيصهم وامتيازاتهم... والحفلات وضرائب العشور وصكوك الحرمان من الكنيسة وأوامر التحريم" ورغبتهم العارمة في المواريث ودبلوماسيتهم العالمية وحروبهم الدموية فكيف يمكن حتى يخط البقاء لكنيسة إذا خلت من الطيش وبساطة الإنسانية الساذجة،يا ترى؟ وقد أثار كتاب "الثناء على الطيش" غضب فهماء اللاهوت وخط مارتن دريسيوس إلى أرازموس " لا بد حتى تعهد حتى كتابك" "طيش Maria" قد أثار إزعاجاً كبيراً حتى بين من كانوا قبلاً من أشد المحبين بك المخلصين لك. ولكن الهجوفي هذا الدمار المرح كان خفيفاً إذا قيس بما اتسمت به سورته التالية. وكان ثالث وآخر عام قضاه في التدريس بجامعة كامبدرج (1513) هوالعام الذي توفى فيه البابا يوليوس الثاني وظهر في باريس عام 1514 تعريض ساخر أومحادثة يسمى Julius exclusus وقد بذل أرازموس جهداً صادقاً، لا يصل إلى حد الإنكار الصريح، ليخفي أنه المؤلف له، ولكن المخطوط تداولته أيدي أصدقائه وأدرجه موردون تحفظ بين أعمال أرازموس. ولعله يمثل لنا نموذجاً متطرفاً لأرازموس الهاتى، حتى البابا المحارب بعد وفاته يجد أبواب السماء مغلقة في وجهه ويمنعه من دخولها القديس بطرس العنيد:

يوليوس: كفى. أنا يوليوس الليجوري.و.أ

بطرس: و.أ ماذا تعني،يا ترى؟ وباء أعظم،يا ترى؟

يوليوس: بل ولي أعظم أيها الخبيث.

بطرس: حتى لوكنت أعظم من ذلك من ثلاثة أضعاف... فلن تدخل هنا إلا إذا كنت أيضاً أفضل من ذلك أضعافاً مضاعفة.

يوليوس: ياللوقاحة! إنك لم تزد عن قديس طوال هذه العصور أما أنا فقديس وسيد قداسة، بل إني القداسة ذاتها، وعي مستندات تثبت هذا.

بطرس: أليس هناك فرق بين حتى تكون مقدساً وبين حتى تدعي مقدساً،يا ترى؟ دعني أنظر إليك عن قرب. آه! أرى سمات زندقة شدشدة... مسوح قسيس ولكن تحتها سلاح يقطر دماً وعينان وحشيتان وفم متعجرف وجبين وقح وجسد وصمته كله بالآثام. وأنفاس تفوح منها رائحة الخمر وبدن أسقمه التبذل والفسوق. نعم. هدد كما تشاء... سأقول لك من أنت... أنت يوليوس الإمبراطور الذي عاد من الجحيم...

يوليوس: اسكت وإلا أصدرت قراراً بحرمانك....

بطرس: تحرمني أنا،يا ترى؟ بأي حق،يا ترى؟ أود حتى أعهد.

يوليوس: خير الحقوق فأنت لست إلا قساً ومن الممكن أنك لست كذلك.. فأنت لا تستطيع حتى ترسم كاهنا. افتح. آمرك حتى تفتح.

بطرس: يجب حتى تثبت أولا جدارتك...

يوليوس: ماذا تعني بالجدارة؟.

بطرس: هل فهمت العقيدة الحقة،يا ترى؟

يوليوس: لا لم أفهمها أنا. فقد كنت مشغولاً بالقتال. وثمة رهبان يعنون بالعقيدة إذا كان لهذا الأمر أية أهمية.

بطرس: هل كسبت أرواحاً للمسيح بالقدوة الحسنة،يا ترى؟

يوليوس: لقد أوفدت كثيراً منها إلى الجحيم.

بطرس: هل قمت بأي معجزات،يا ترى؟

يوليوس: أف إذا المعجزات أكل عليها الدهر وشرب.

بطرس: هل كنت مواضباً على صلواتك،يا ترى؟

يوليوس: إذا يوليوس الذي لا يقهر ليس ملزماً بالإجابة على صياد مسكين. ومهما يكن من أمر فإنك ستعهد من أنا وماذا أعمل. أنا ليجوري أولاً ولست يهودياً مثلك، وكانت أمي شقيقة بابا العظيم سيكوستوس الرابع وقد جعل مني البابا رجلاً ثرياً بفضل ممتلكات الكنيسة- وأصبحت كاردينالاً. وقد ألمت بي بعض المحن إذ أصبت بالجدري الفرنسي وأقصيت عن بلدي وطردت منها ومع ذلك كنت أرف طوال ذلك الوقت أني سأكون البابا يوما... وتحقق هذا بمساعدة الفرنسيين من ناحية، والأموال التي اقترضتها بفائدة من ناحية أخرى، وبالوعود التي بذلتها من ناحية ثالثة. وما كان في استطاعة كرويزوس حتى يسك جميع النقود التي احتاج إليها هذا الأمر. وسوف يقول لك عن هذا المصرفيون. ولكني نجحت وعملت من أجل الكنيسة والمسيح أكثر مما عمل أي بابا قبلي.

بطرس: ماذا عملت،يا ترى؟

يوليوس: حملت الدخل.. ابتدعت وظائف جديدة وبعتها... وقمت بإعادة سك النقود وربحت مبلغاً كبيراً من هذا الطريق.لاشيء يمكن حتى يتم بغير المال. ثم ألحقت بولونيا بالسلطة البابوية... وشددت آذان جميع أمراء أوربا. وخرقت المعاهدات واحتفظت بجيوش عظيمة في الميدان. وغمرت روما بالقصور وهجرت خمسة ملايين في الخزانة بعد وفاتي...

بطرس: ولماذا أخذت بولونيا،يا ترى؟

يوليوس: لأستولي على دخلها...

بطرس: وماذا جرى لفرارا،يا ترى؟

يوليوس: كان الدوق تعساً منكراً للجميل، فقد اتهمني بالتجار بالمقدسات والرتب والوظائف الديني ووصفني بأني أتجر بالرتب الكهنوتية... لقد أردت دوقية فراراً لأحد أبنائي الذين تستطيع الكنيسة حتى تعتمد على إخلاصهم وكان قد طعن بالخنجر كاردينال بافيا.

بطرس: ماذا،يا ترى؟ بابوات لهم زوجات وأولاد،يا ترى؟

يوليوس: زوجات،يا ترى؟ لا ليس من الزوجات، ولكن لما لاقد يكون لهم أولاد،يا ترى؟

بطرس: وهل كانوا على حق فيما نسبوه إليك من جرائم،يا ترى؟

يوليوس: هذا أمر لا علاقة له بالدعوى...

بطرس: أليست ثمة وسيلة لإزاحة بابا شرير،يا ترى؟

يوليوس: سخف! من يستطيع حتى يزيح أعلى سلطة بين الناس،يا ترى؟ إذا البابا يمكن تقويمه بمجلس عام ولكن أي مجلس عام لا يمكن حتى ينعقد إلا بموافقة البابا ومن ثم فإنه لا يمكن عزله مهما كانت الجريمة التي يرتكبها.

بطرس: حتى لوارتكب جريمة قتل،يا ترى؟

يوليوس: نعم... بل حتى لواغتال أحد والديه.

بطرس: ألا يعزل لوزنى،يا ترى؟

يوليوس: نعم حتى لوزنى بالمحارم.

بطرس: ألا يعزل لومارس الاتجار بالرتب الكهنوتية،يا ترى؟

يوليوس: نعم ولواقترف ستمائة حادثة من حوادث الاتجار بالرتب الكهنوتية.

بطرس: ألا يعزل لواغتال أحدا بالسم،يا ترى؟

يوليوس: نعم حتى لوانتهك المقدسات.

بطرس: ألا يعزل لوارتكب جميع هذه الجرائم مجتمعة،يا ترى؟

يوليوس: حتى لوزدت عليها 600 جريمة، فليست ثمة قوة تستطيع حتى تعزل البابا.

بطرس: يا له من امتياز عجيب يتمتع به خلفائي - حتىقد يكونوا من أخبث الناس ومع ذلك ينجون من العقاب. ويا لها من كنيسة تعسة تلك التي لا تستطيع زحزحة مثل الوحش عن كاهلها.. إذا على الناس حتى يثوروا ويرجموا بحجارة الرصف رأس مثل هذا الشقي... لوحتى الشيطان فكر في حتى يصطفي قساً لما عثر خيراً منك. أي مرشد قدمته على أنك رسول،يا ترى؟

يوليوس: أليست زيادة موارد كنيسة المسيح عملا من أعمال الرسل،يا ترى؟

بطرس: ولكن كيف من الممكن أن زدت موارد الكنيسة،يا ترى؟

يوليوس: ملأت روما بالقصور... وبفرق من الخدم والجنود وآلاف الوظائف...

بطرس: إذا الكنيسة لم تعهد شيئاً من هذا عندما أنشأها المسيح...

يوليوس: إنك تفكر في السيرة القديمة عندما أشرفت على الموت جوعاً وأنت بابا وحولك حفنة من الأساقفة الفقراء المطاردين. لقد عفَّا الزمن على جميع هذا... أنظر الآن إلى كنائسنا الفخمة... أساقفة مثل الملوك... وكرادلة تحيط بهم مظاهر العظمة.. خيول وبغال أعنتها من المضى والجواهر وحدواتها من المضى والفضة. أنا الحبر الأعظم فوق الجميع يحملني الجنود على كرسي مضىي فوق أعناقهم وألوح بيدي في جلال للجماهير التي تعبدني، وأنصت إلى دوي المدافع وأنغام البوق ودقات الطبول وأرقب العربات الحربية والجماهير الصاخبة والمشاعل التي تضئ الطريق والميدان وأشهد ملوك الأرض وهم يحاولون تقبيل قدمي قداستي... أنظر إلى جميع هذا وقل لي أليس هذا رائعا،يا ترى؟ من الممكن أنك تدرك أي أسقف تعس فقير كنت بالقياس إلي...

بطرس: يا لك من شقي وقح! لقد توسلت بالغش والربا والمكر للوصول إلى منصب البابوية... لقد حملت روما الكافرة على حتى تؤمن بالمسيح أما أنت فقد عدت بها إلى الكفر. إذا بولص لم يتحدث عن المدن التي اجتاحها ولا الفرق التي قتلها... بل تحدث عن حطام السفن والقيود والإهانات والسياط... كانت هذه فوزاته الرسولية وهذه كانت أمجاد قائد مسيحي. وعندما كان يفخر بعمل فإنما يفخر بالأرواح التي استنقذها من براثن الشيطان وليس بما اكتنز من أكوام الدوكات...

يوليوس: هذه كلها أخبار أسمعها لأول مرة.

بطرس: من الممكن فقد كنت مشغولا بمعاهداتك وبروتوكولاتك، وجيوشك وفوزاتك، فلم يتسع لك الوقت لقراءة الأناجيل... أنت تدعي أنك مسيحي مع أنك لست أفضل من أي هجري فأنت تفكر كالهجري ولا تقل عنه فجورا . وإذا كان ثمة فرق بينكما فهوأنك أسوأ.

يوليوس: إذن فلن تفتح الأبواب،يا ترى؟

بطرس: سأفتحها لأي إنسان آخر سواك أما أنت فلا...

يوليوس: إذا لم تخضع فسوف أستولي عنوة على مكانك... إنهم يقومون الآن بتدمير تام تحتنا وقريبا سيكون لدي 60.000 شبح يقفون ورائي.

بطرس: أيها الرجل الشقي! أيتها الكنيسة التعسة... لا عجب حتى يقل عدد المتقدمين للدخول هنا ما دامت الكنيسة يحكمها أمثالك. ومع ذلك فلا بد حتى في العالم خيراً أيضاً ما دام هذا الحضيض من الظلم يمكن حتى يقبل من رجل لا لشيء إلا لأنه يحمل اسم البابا.


وهذا من طبيعة الحال رأي خاطئ من جانب واحد فما كان في وسع محتال داعر مثل هذا حتى يحرر إيطاليا من غزاتها وأن يستبدل بالقديس بطرس، مايكل أنجيلوورافائيل الجديدين، المكتشفين، الموجهين والمطورين، وأن يوجد الحضارتين المسيحية والكلاسيكية في مكان الفاتيكان وأن يقدم لمهارة رافائيل ذلك المظهر للفكر العميق والعناية الفائقة اللتين صورا في صورة يوليوس الشخصية التي لا مثيل لها والموجودة في قاعة أوفيزي. وفي الوقت الذي يدعوفيه أرازموس المسكين جميع القسس إلى تقشف الرسل نراه هونفسه يلح في طلب المال من أصدقائه، ويكشف عن طبع العهد الثائر، حتى قسيسا يجد لزاما عليه حتى يخط اتهاما قاسيا لبابا. وفي سنة 1518- السنة الثانية من عهد لوثر-خط بيتر جليس إلى أرازموس من أنتورب: "أن كتاب Julius exclusus" "يوليوس المنفي" يباع هنا في جميع مكان. وكل إنسان يشتريه وكل واحد يتحدث عنه، فلا عجب إذا ما لام المصلحون فيما بعد أرازموس لأنه قرع جرس الإنذار للتمرد ثم هرب بنفسه.

وفي سنة 1514 ظهر مؤلف آخر بقلم إرازموس أزعج العالم المستنير في أوربا الغربية وكان قد ألف ابتداء من عام 1497 محاورات شكلية احترافا لتعليم الأسلوب اللاتيني والحديث، وإن قد ناقش عرضاً ضروباً شتى من الموضوعات الشائقة الكفيلة بإيقاظ الطلبة من نعاسهم اليومي. ونشر صديقه بياتوس رينانوس، بإذن منه، سلسلة من هذه المحاورات باسم "العبارات الخاصة بالحديث العادي "Familiarium colloquiorim formulae وهي أشكال من الأحاديث المألوفة بقلم أرازموس الروتردامي، لا تفيد في صقل كلام صبي فحسب، بل تكون أيضاً شخصيته. وأضيفت إلى الطبعات التالية محاورات أخرى فأصبحت أغنى مؤلف لأرازموس من حيث المادة "هي مزيج غريب-مناقشات حادة حول الزواج والأخلاق وحض على التقوى وعرض للأمور المنافية العقل والمساوئ في سلوك ومعتقدة وتتخللها فكاهات لاذعة أوخطرة وكلها بلغة لاتينية اصطلاحية شائقة ولا بد أنها أصعب في الكتاب من لغة الحديث الرسمية بين المتفهمين". وخط مترجم إنجليزي عام 1724 يقول: "ليس ثمة أصلح للقراءة من كتاب "يكاد يهدم تماماً جميع الآراء والأوهام البابوية بأسلوب شائق تعليمي"، وفي هذا مبالغة ولكن ليس من شك في حتى أرازموس استخدم بطريقته المرحة"كتابه في الأسلوب اللاتيني" في مهاجمة نقائض رجال الأكليروس. وأدان الاتجار بمخلفات القديسين، وإساءة استخدام أوامر الحرمان من الكنيسة، واقتناء البطاركة والقسس للأموال، والمعجزات الزائفة التي يخدع بها البسطاء، وعبادة القديسين لأغراض دنيوية، والمبالغة في الصيام والتناقضات المروعة بين مسيحية الكنيسة ومسيحية المسيح وحمل بَغِياَّ على حتى تثنى على الرهبان باعتبارهم من عملائها المخلصين. وحذر سيدة شابة ترغب الاحتفاظ ببكارتها فطلب منها حتى تتحاشى "هؤلاء الرهبان المفتولي العضلات ذوي الكروش البارزة... فالعفة عرضة للخطر في الدير أكثر من تعرضها له خارجه" ورثي لتعظيم شأن البكارة وهلل للنكاح باعتباره أسمى من العزوبة، وأسف لأن الناس تحرص على معاشرة الجياد الصافنات للأفراس الأصيلة بينما يزفون في الزيجات القائمة على المصلحة المالية عذارى سليمات إلى رجال هدهم السقم، واقترح منع الزواج من السقمى بالزهري أومن الأشخاص المصابين بعجز شديد أوسقم خطير... وتمتزج بهذه التأملات الرصينة فقرات من الفهاة الفظة. وكان الأولاد يطالبون بتشميت الناس عندما يعطسون ولا يطالبون بهذا عندما يضطرون. وكانت أية امرأة حامل يدعولها الناس بنادىء وحيد: "ألا فلتهب السماء هذا الحمل الذي في بطنك... سهولة الخروج كما وهبته سهولة الدخول". وكان الختان أمرا ممتدحا "لأنه يخفف من حكة الجماع". وثار محادثة طويل بين "الشاب والبغي" انتهى بالتأكيد بإصلاح السيدة.

وشكا النقاد من حتى هذه المحاورات كانت كيفية تنطوي على التهور لتعليم الأسلوب اللاتيني، وزعم أحدهم حتى جميع الشباب في فرايبورج أفسدتهم هذه المحاورات واعتبر شارل الخامس استخدامه في المدرسة جريمة يعاقب عليها بالإعدام. واتفق هنا لوثر في الرأي مع الإمبراطور: "سوف أحرف على أولادي قراءة محاورات أرازموس حتى لوكنت على فراش الموت". وأكد نجاح الكتاب ما أثاره من حنق وبيع منه 24,000 نسخة بعد نشره وحتى عام 1550 لم يفقه في التوزيع إلا الكتاب المقدس. وفي الوقت نفسه كاد أرازموس حتى يجعل الكتاب المقدس ملكا خاصا له.

لم يعد راهبا

وغادر إنجلترا في يوليوسنة 1514 وشق طريقه خلال الضباب والعادات إلى كاليه وهناك تلقى من رئيس ديره الذي نسبه في ستين ، خطابا يشير فيه إلى أجازته انتهت منذ مدة طويلة وأنه يحسن به حتى يعود ليقضي ما بقي من عمره تائباً مستغفراً فانزعج لأن رئيس الدير يستطيع، طبقاً للقانون الكنسي، حتى يدعوالسلطة الزمنية إلى الزج به مرة أخرى في السجن. والتمس أرازموس لنفسه عذراً ولم يتعجل رئيس الدير الأمر ولكن، لكي يتحاشى العلامة تكرار الحيرة ، وطلب من أصدقائه الإنجليز ذوي النفوذ حتى يكفلوا له من ليوالعاشر إعفاءه من التزاماته كراهب.

وبينما كانت تجرى هذه المفاوضات اتخذ أرازموس طريقه أعلا الراين إلى بازيل وعرض على الناشر فروين مخطوط أبرز مؤلف له ، وهومراجعة نقدية للنص اليوناني للعهد الجديد مرفقا بترجمة لاتينية وتفسير. كان عملا أملاه الحب والاعتزاز بالنفس يتعرض مؤلفه وناشره للخطر على السواء: فقد استغرق الإعداد سنوات وسوفقد يكون الطبع والنشر من الأعمال الشاقة الكثيرة النفقات. والزعم بتفوق الترجمة، على نسخة جيروم اللاتينية، التي ظلت مقدسة مدة طويلة باعتبارها نسخة لاتينية للكتاب المقدس، قد تدينه الكنيسة، ومن المحتمل ألا تغطى المبيعات النفقات. وخفف أرازموس المخاطرة بإهداء العمل إلى ليوالعاشر. وأخيراً نشر فروين في فبراير سنة 1516 "الأداة الجديدة الكاملة التي حققها ونقحها بمنتهى الدقة أرازموس الروتردامي Instrumentum omme, diligenenter ab Erasmo Rat, recognitum et emendatum. وصدرت بعدها طبعة تغيرت فيها حدثة الأداة بالوصيةInstrumentum to Testamentum وقدم أرازموس في أعمدة متقابلة النص اليوناني كما راجعه بنفسه مع ترجمته اللاتينية ويبدوحتى معهدته باللغة اليونانية كانت غير كاملة ومن ثم فهويشهجر مع جماعي الحروف في المسئولية عن أخطاء كثيرة. ومن وجهة النظر الفهمية كانت الطبعة الأولى من العهد الجديد باليونانية المعدة للنشر بعد الطبع أقل من مثيلها التي أتمها وطبعها جماعة من الفهماء لحساب الكاردينال أكسيمينيس عام 1514 وإن كانت لم تقدم للجمهور إلا عام 1522. وقد دل هذان العملان على تطبيق التعليم الإنساني لأدب- المسيحية الأولى وعلى بداية هذا النقد الإنجيلي الذي استعاد الكتاب المقدس في القرن التاسع عشر إلى مجال التأليف الإنساني وما يتعرض له من زلل.

ونشرت مذكرات إرازموس في مجلد منفصل وقد خطت بلغة لاتينية اصطلاحية واضحة مفهومة لكل خريجي الكليات في هذا العهد وكانت لها قاعدة عريضة من القراء وعلى الرغم من أنها كانت متفقة مع الإجماع فإنها سبقت كثيرا من التفسيرات التي ابتدعت في البحث التالي. وقد حذف في طبعته الأولى Comma Johanneum "الوصل اليوحني" (إصحاح يوحنا 7:5) الذي أكد الثالوث ولكن الذي تلفظه اليوم النسخة المنقحة السليمة باعتباره مما دس في القرن الرابع.

ونشرت سيرة المرأة التي اتهمت بالزنى وإن كان قد أشار إلى حتى من المحتمل حتى تكون كاذبة (إصحاح يوحنا 53:7 و11:8) كما نشر الأثنتي عشرة آية الأخيرة من إنجيل مرقس وأشار في أكثر من موضع إلى الفرق بين المسيحية الأولى والحالية. وعلق على إصحاح متى 227:23: "ترى ماذا يقول جيروم لورأى لبن العذراء يعرض من أجل البيع بالمال، ويضفي عليه من التكريم ما يضفي على حسد المسيح المقدس، والزيوت الإعجازية وأجزاء الصليب الحقيقي التي تكفي إذا جمعت لشحن سفينة كبيرة،يا ترى؟ هنا قلنسوة سانت فرانسيس وهناك تنورة العذراء أومشط سانت آن... لا تقدم كأشياء بريئة معاونة للدين ولكن كجوهر للدين نفسه وكلها تعبث ببساطة الناس من خلال شح القسس وهرطقة الرهبان"

ولوحظ حتى إصحاح متى 12:19 ينص على "لقد خصى بعضهم نفسه من أجل مملكة السماء" وقيل هذا للنصح بالعزوبة في الدير وخط أرازموس "أننا ندرج بين هذه الطائفة هؤلاء الذين دفعوا إلى حياة العزوبة بالغش أوبالإرهاب حيث يسمح لهم بالزنى ويحظر عليهم الزواج إلى غير ذلك يعدون قسسا مسيحيين إذا احتفظوا علنا بخليلة ويحرقون إذا اتخذوا زوجة. وفي رأيي حتى الآباء الذين يعتزمون نذر أولادهم للكهنوت الذي يقتضي العزوبةقد يكونون أرق قلباً لوخصوهم في طفولتهم بدلا من تعرضهم كلية لهذا الإغراء والخضوع للشهوة".

وفي رسالة تيموثاوس 2:3: هناك الآن أعداد ضخمة وحشود هائلة من القسس فهمانيين ونظاميين. ومن الشائع حتى قلة منهم تتمسك بالعفة وأن الجانب الأكبر منهم يسقطون في حمأة الشهوة والزنى بالمحارم والفجور. وليس من شك في أنه من الأفضل حتى يسمح لهؤلاء الذين لا يستطيعون التمسك بالعفة بزوجات شرعيات وبهذا ينجون من هذا الدنس البذئ التعس.

وأخيراً عزف أرازموس اللحن الأساسي للمصلحين في تعليق عام على إصحاح متى 30:11-ألا وهوالعودة من الكنيسة إلى المسيح: "حقا إذا قيد المسيحقد يكون لطيفاً وحمله خفيفاً إذا لم تضف الشرائع الإنسانية التافهة شيئاً لما عرضه هونفسه. إنه لم يأمرنا إلا بأن يحب بعضنا بعضا وليس ثمة ما يصعب على المودة حتى تلطف من حدته وتخفف من مرارته. فكل شئ من السهل تحمله طبقا للطبيعة، ولا شئ يتفق مع طبيعة الإنسان أحسن من فلسفة المسيح التي لا هدف لها إلا إعادة البراءة والتكامل للطبيعة الهاوية... وقد أضافت الكنيسة لها أشياء كثيرة يمكن الاستغناء عن بعضها دون الإضرار بالإيمان... مثل جميع تلك العقائد الفلسفية عن طبيعة الإنسان وتمييز الأشخاص. وما أكثر القواعد والأوهام التي تعهدها عن الثياب... وما أكثر أيام الصيام التي استنت... وماذا نقول عن العهود.. وعن سلطة البابا وإساءة استخدام صُكوك الغفران والتحلل؟.. هل يرضى الناس حتى يدعوا المسيح يحكم بمقتضى شرائع الإنجيل وألا يبحثوا بعد ذلك عن دعم طغيانهم الجامح بقوانين من خلق البشر؟".

ولعل التفسيرات هي التي أتاحت للكتاب نجاحاً لا بد أنه أذهل المؤلف والناشر على السواء. وقد وزعت الطبعة الأولى في ثلاث سنوات ثم صدرت للكتاب طبعات جديدة ومنقحة بلغت تسعة وستين قبل وفاة أرازموس. ووجه للعمل نقد عنيف وأشير إلى ما تضمنه من أخطاء كثيرة. ولقد دمغ الدكتور جوهان أيك، الأستاذ بجامعة انجولشتادت وأول خصيم للوثر، بالعار بيان أرازموس المتضمن حتى اللغة اليونانية التي خط بها العهد الجديد أقل شأنا من اللغة اليونانية التي كان يتحدث بها ديموستين. ومهما يكن من أمر فإن ليوالعاشر وافق على العمل. وطلب البابا أدريان السادس من أرازموس حتى يعمل للعهد القديم ما قام به نحوالعهد الجديد ولكن مجلس ترنت أدان ترجمة أرازموس وأعرب حتى النسخة اللاتينية من الكتاب المقدس لجيروم هي النسخة اللاتينية الأصلية من الكتاب المقدس. وسرعان ما عد العهد الجديد لأرازموس عملاً متخلفاً من الناحية الدراسية الفهمية وإن كان أثره عظيما باعتباره حدثا في تاريخ الفكر، فقد يسر ورحب بالترجمات الوطنية التي ظهرت في أعقابه. ونقول فقرة متحمسة في المقدمة: "بودي لوقرأت أضعف امرأة الأناجيل ورسائل القديس بولص. بودي لوترجمت هذه الحدثات إلى جميع اللغات لا ليقرأها الاسكتلنديون والايرلنديون فحسب بل ليقرأها أيضاً الأتراك والمشارقة.

وإني لأود حتى ينشد الحارث لنفسه وهويسير وراء المحراث ويترنم بها النساج على أنغام الماكوك يهون بها المسافر من مشقة رحلته... قد نأسف على دراسات أخرى أخذناها على عاتقنا ولكن ما أسعد المرء الذي يفاجئه الموت وهومشغول بها.

إن هذه الحدثات المقدسة تعطيك نفس صورة المسيح وهويتحدث ويبرئ السقمى، وهويموت ثم يحمل مرة أخرى، وتجعله حاضراً بحيث لومثل أمام عينيك لما رأيته حقا أوضح من هذا". واغتبط أرازموس لكفاية مطبعة فروبن والعاملين بها فأصدر (في نوفمبر سنة 1516) طبعة نقد فيها ترجمة جيروم وأعقبها بنصوص مماثلة منقحة وكلاسية لآباء الكنيسة وصحح 4.000 خطأ في النص الذي تلقاه من سينيكا وكانت خدمات هذه خدمات جوهرية للدارسين.

وروى ثانية سيرة العهد الجديد بتفسيرات (1517) تطلبت هذه المهام الإقامة من مرة في بازيل وان حدد ارتباط حديث إقامته قرب البلاط الملكي في بروكسل. وكان شارل آنذاك ملكا على قشتالة وحاكماً للأراضي المنخفضة ولم يكن عندئذ قد أصبح الإمبراطور شارل الخامس، وكان لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، ومع ذلك فإن عقله المرهف كان يهيم حول اهتمامات مختلفة، واقتنع عملا بأن بلاطه يمكن حتى يزداد تألقاً إذا كان بين مستشاريه العالمين ببواطن الأمور المحرر البارز في عصره. وأصدر أمراً بهذا وقبل أرازموس - لدى عودته من بازبل (1516)- المنصب الفخري بمرتب متواضع. وعرض عليه منصب ديني كورتراي مع وعد بأسقفية فرفضه وخط لأحد أصدقائه يقول: "هاك حلم يسليك". وتلقى وأعرض عن دعوات بالتدريس في جامعات ليبزج وأنجولشتادت.

وحاول فرانسس الأول حتى يفرق بينه وبين شارل بطلب ينطوي على التملق وهوحتى ينظم إلى بلاط فرنسا فرفض أرازموس العرض بلطف ورقة. وفي الوقت نفسه كان ليوالعاشر قد أوفد إلى لندن التحليلات المطلوبة، وفي مارس من عام 1517 سافر أرازموس إلى لندن وتسلم رسائل البابا التي تحله من التزاماته نحوالدير ومن وصمة اللقاطة. وأضاف ليوإلى الوثائق الرسمية مذكرة شخصية: "ابني الحبيب: تمنياتنا لك بالصحة مع بركاتنا الرسولية. إذا ما من الله به عليك من حياة طيبة وخلق قويم، ولوذعيتك النادرة وأفضالك الرفيعة لا تشهد عليها آثار دراساتك التي اشتهرت في جميع مكان فحسب بل يشهد عليها أيضا إجماع آراء معظم المتفهمين. وقد أننت عليك رسائل أميرين ذائعي الصيت هما ملك إنجلترا، وملك فرنسا الكاثوليكي وهذه هيأت لنا سبباً لكي نخصك بمنة فريدة وفضل خاص.

ومن ثم أجبنا التماسك ونحن راضون ومستعدون لكي نعلن محبتنا الشديدة لك عندما تهيئ الفرصة إما بنفسك أوعندما تسنح بطريق الصدفة. ونظن بحق حتى جهدك المقدس الذي يبذل باستمرار للصالح العام يفترض أن يلقى تشجيعاً وقدراً عظيماً من الاهتمام بمكافآت مناسبة". ولعلها كانت رشوة حكيمة لسلوك حسن، ولعلها كانت لفتة صادقة من بلاط متسامح إنساني، وفي أية حالة فإن أرازموس لم ينس قط هذه المجاملة البابوية وسوف يجد دائماً من الصعب حتى يتحلل من كنيسة تحملت في صبر لذع نقده.

الفيلسوف

عند عودته إلى بروكسل عثر نفسه فريسة الإغراء بالتمسك بالحرص نظراً لما استقبل به من ترحاب ودي في البلاط الملكي. وأخذ منصبه كمستشار خاص بجد، ونسي حتى المؤلفين اللامعين قلما تتوفر فيهم صفة الحنكة السياسية. وألف في عجلة عام 1516 الحافل بالأعمال كتابه:"تربية أمير مسيحي" الذي يفيض بالتفاهات التي كانت سائدة قبل ظهور كتاب ميكافيلي عن السلوك الذي يجب حتى يتبعه ملك. وخط في إهدائه لشارل بصراحة تتسم بالجرأة :"إنك تدين للعناية الإلهية في الفوز بمملكتك دون الإضرار بأحد ولسوف تظهر حكمتك على الوجه الأكمل إذا استطعت حتى تحافظ فيها على السلام والهدوء". وكان ارازموس، مثل معظم الفلاسفة، يعد الملكية أهون الأشكال الحكومية شراً، وكان يخشى الشعب ويعده "وحشاً متقلباً متعدد الرؤوس". وكان يستنكر مناقشة الشعب للقوانين والسياسة ويرى حتى فوضى الثورة أسوأ من أي استبداد للملوك، بيد أنه أشار على أميره المسيحي حتى يتقي شر هجريز الثروة، فالضرائب لا تفرض إلا على الكماليات، ويجب تقليل الأديرة وزيادة المدارس، وعلاوة على جميع هذا يجب ألا ينشب قتال بين الحكومات المسيحية- ولا حتى ضد الأتراك. "خير لنا حتى نتغلب على الأتراك بالتقوى في حياتنا لا بالأسلحة. إلى غير ذلك يتم الدفاع عن الإمبراطورية المسيحية بنفس الوسائل التي أسست بها أصلا". "ماذا تولد الحرب ألا الحرب؟- ولكن الدماثة تدعوإلى الدماثة والعدالة تدعوإلى العدالة".

ولما كان شارل وفرانسس قد ثارت بينهما العداوة فإن أرازموس وجه الدعوة تلوالدعوة للسلام وامتدح الملك الفرنسي في حالة عابرة من المصالحة وتساءل كيف من الممكن أن يمكن حتى يفكر أحد في شهر الحرب على فرنسا "أطهر جزء في العالم المسيحي وأعظمه ازدهاراً". ووصل إلى ذروة الفصاحة المتحمسة في كتابه (الشكوى من السلام 1517).

"أمر في صمت على مآسي الحروب القديمة ولن أركز الحديث إلا على الحروب التي نشبت في خلال هذه السنوات الأخيرة. أين الأرض أوالبحر الذي لم يحارب فيه الناس بطريقة من أقسى ما يمكن،يا ترى؟ وأين النهر الذي لم تصطبغ مياهه بدم الإنسان... بالدم المسيحي،يا ترى؟ يا للعار العظيم! إنهم يتصرفون بقسوة في المعركة تزيد على قسوة غير المسيحيين، وبوحشية تفوق وحشية حيوانات الغاب.. وكل (هذه الحروب) نشبت بسبب نزوات الأمراء على حساب الإضرار بالناس الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه المعارك... وليس بين الأساقفة والكرادلة والبابوات، وهم كهنة المسيح، من يخجل من بدء الحرب التي لعنها المسيح. ما الشيء المشهجر بين الخوذة وتاج الأسقف،يا ترى؟ ويا أيها الأساقفة، يا من يحملون لواء الرسل، كيف من الممكن أن تجرءون على حتى تفهموا الناس أموراً كثيرة عن لحرب في نفس الوقت الذي تفهمونهم فيه تعاليم الرسل،يا ترى؟ إذا السلام ولوكان جائراً أفضل من الحروب ولوكانت تمليها العدالة".

قد يفد الأمراء والقواد من الحرب ولكن الجماهير تتحمل المآسي والنفقات. وقد يحدث من الضروري أحياناً شن حرب دفاعاً عن النفس ولكن حتى في الحالات قد تكون رشوة العدوأشد حكمة من شرور الحرب. فليحمل الملوك منازعاتهم إلى البابا. وقد يحدث هذا إجراء غير فهمي في عهد يوليوس الثاني إذ كان هونفسه رجلا محارباً، أما ليوالعاشر وهو"حبر متفهم تقي أمين" فإنه سيحكم بالعدل ويرأس عملا محكمة دولية. ووصم أرازموس القومية بأنها لعنة للبشرية وتحدي الساسة حتى يبتدعوا حكومة عالمية. ونطق: "إني أتمنى حتى أكون مواطناً عالمياً" واغتفر لبودي حله لفرنسا ولكنه نطق : "في رأيي أنه أقرب للحكمة حتى تكون علاقاتنا مع الأمور والناس أساساً مثل اعتبار العالم البلد المشهجر بالنسبة لنا جميعاً".

كان أرازموس أضعف الناس حماساً للقومية في عهد الإصلاح الذي حمل من شأن القومية. وخط يقول: "إن أسمى شئ هوحتى يستحق المرء حتى ينسب إلى الجنس البشري".

ويجب ألا نتسقط من أرازموس حتى يقدم لنا أي مفهوم واقعي للطبيعة البشرية أوعن مسببات الحروب أوعن سلوك الحكومات فهولم يقابل قط المشكلة التي كان يعالجها في مكيافيلي في تلك السنوات نفسها. وهل كان في وسع حكومة حتى تظل إذا مارست الأخلاق التي تحث المواطنين على اتباعها. كانت وظيفة أرازموس حتى يبتر الأغصان من شجرة الحياة لا حتى يبني فلسفة إيجابية متينة. بل إنه لم يكن واثقاً من أنه مسيحي، فكثيراً خط: "إن الذين ينكرون وجود الله ليسوا ملحدين كهؤلاء الذين يصورونه تعالى متزمتاً". وكان لا يكاد يؤمن بأن العهد القديم من كلام الله لأنه أقر برغبته في "أن يرى العهد القديم كله يبطل" إذا كان يهدئ من الحنق على رويخلين. وسخر من الروايات المأثورة عن مينوس ونوما بأنهما كانا يغريان شعبيهما بالخضوع لتشريع غير لطيف بنسبته إلى الآلهة. ولعله راوده الشك في حتى موسى كان يتبع نفس السياسة. وعبر عن دهشته لأن "مور" رضى بالحجج التي تساق لإثبات خلود النفس ورأى حتى العشاء رمز وليس معجزة، ومن الواضح أنه راوده الشك في الثالوث وفي تجسد الإقنوم الثاني وفي ولادة العذراء، وكان على مور حتى يحميه من مراسل أعرب حتى أرازموس قد اعترف في خلوة بعدم إيمانه. وطرح للنقاش واحداً بعد الآخر العادات التي درج عليها المسيحيون في عهده-صكوك الغفران والصيام والحج والاعتراف السري والرهبانية والعزوبة الأكليريكية وعبادة مخلفات القديسين والصلوات للقديسين وحرق الهراطقة. وقدم تفسيرات مجازية أومنطقية لكثير من فقرات الكتاب، المقدس، وقارن سيرة آدم وحواء بسيرة بروميثيوس، وأشار بتفسير الخط المقدسة تفسيراً يلتزم أقل ما يمكن المعنى الحرفي، وحول عذاب الجحيم إلى الألم الدائم للعقل الذي يصحب الإثم المعتاد. ولم يذع شكوكه بين الناس لأنه لم يكن لديه أساطير مواسية أورادعة يقدمها بدلا من الأساطير القديمة. وخط يقول: "إن التقوى تستلزم منا حتى نخفي الحقيقة أحيانا وأن نحرص على ألا نظهرها دائماً كما لوكان لا يهم متى وأين أولمن نظهرها، ولعلنا نجد لزاماً علينا حتى نتفق مع أفلاطون في حتى الأكاذيب مفيدة للناس". وعلى الرغم من هذا الميل الشديد للممضى العقلي فقد ظل أرازموس ظاهريا متفقاً مع المحافظين ولم يعدم قط محبته للمسيح وللأناجيل وللطقوس الدينية الرمزية التي حملت بها الكنيسة من شأن التقوى. وابتدع شخصية في محاورته تقول "إذا كان ثمة شئ رائج الاستعمال عند المسيحيين لا يتنافر مع الخط المقدسة فإني أراعيه لهذا السبب بحيث لا أسئ إلى الناس الآخرين".

وكان يحلم بأن يستبدل باللاهوت: فلسفة المسيح، وسعى إلى التنسيق بين هذه الفكرة وبين رأى كبار الوثنيين. ووصف أفلاطون وشيشرون وسينكا بعبارة "ملهم من الله" ولم يقبل حتى يحرم هؤلاء الرجال من الخلاص وكان لا يكاد يستطيع حتى يمتنع عن الصلاة على الروح القديس سقراط. وطلب من الكنيسة حتى تختصر المذاهب الجوهرية للمسيحية "إلى أقل عدد ممكن وأن تهجر للباقي حرية الرأي". ولم يدافع عن التسامح الكامل مع جميع الآراء (ومن يعمل؟) ولكنه اتخذ موقفاً رفيقاً منحازاً نحوالهرطقة الدينية. وكان مثله الأعلى في الدين هومحاكاة المسيح ومهما يكن من أمر فإننا يجب حتى نسلم بأن ممارسته للشعائر كانت أقل من حتى توصف بأنها مطابقة لتعاليم الكنيسة الإنجيلية.

الإنسان

كيف عاش عملا،يا ترى؟ لقد أقام إبان هذا العهد (1517) معظم وقته في الفلاندرز في بروكسل وأنتوب ولوفان-وسكن في خلوة أعزب مع خادم وإن كان كثيراً ما قبل ضيافة ذوي الثراء الذين كانوا يتسابقون على صحبته باعتبارها امتيازا اجتماعيا واحتفالا فكريا. وكان أنيقاً قفي أذواقه وكانت أعصابه ومشاعره رقيقة إلى الحد الذي كان كثيراً ما يتألم فيه خشونات الحياة الشديدة. وكان يشرب النبيذ بكثرة ويتفاخر بقدرته على حمل الكأس بثبات، ولعل هذا كان بسبب داء النقرس والحصوات التي كانت تضايقه، ولكنه كان يعتقد حتى النبيذ يخفف من ألمه بتوسيع شرايينه. وفي عام 1514 وهوفي الخامسة والأربعين أوالثامنة والأربعين من عمره وصف نفسه قائلا إنه: "عليل أشيب الرأس... يجب ألا يشرب سوى النبيذ" ويجب حتى "يكون متأنقا في طعامه". وكان الصيام لا يناسبه، وكان يتميز غيظا من السمك؛ ولعل الصفراء عنده لونت لاهوته. وكان قليل النوم مثل معظم الناس الذين لا تعهد عقولهم المشغولة متى يأوون إلى الفراش، وكان يواسي نفسه بأصدقائه وخطه "يخيل إلى إني أنتزع من نفسي عندما أحجز عن عاداتي في الدراسة. إذا بيتي هوالمكان الذي توجد فيه مخطتي". وكان يلح في طلب النقود بكل ما عهد من مثابرة عن قسيس أبرشية، وذلك لشراء الخط إلى حد ما. وكان يتلقى معاشات منتظمة من مونتجوى ووارهام وهدايا عينية مثل مبلغ الثلاثمائة فلورين (7500 دولار؟) من جان ليه سوفاج رئيس بورجنديا، وحقوق تأليف تزيد عن تلك التي كسبها أي مؤلف آخر في عصره. وكان يتنصل من أي حب للمال ويقول إنه يبحث عنه لأنه، كأي رجل بلا موارد، يخشى ألا يجد ما يؤمنه في وحدته عندما يبلغ أرذل العمر. وفي الوقت نفسه استمر يرفض الوظائف المربحة التي كان يمكن حتى توسع دخله على حساب حريته.

كان مظهره أولا لا يؤثر في الناس، فقد كان قصير القامة نحيل البدن أصفر الوجه ضعيف البنية، خافت الصوت، وكان يؤثر في الناس بيديه الحساستين وأنفه الأقنى وعينيه الزرقاوين الرماديتين تلمعان ببريق الذكاء، وكلامه حديث يشير على عقلية خصبة لماحة من أحسن العقليات في هذا العصر اللامع، وكان أعظم الفنانين من معاصريه أبناء الشمال يتوقون إلى رسم صورة له، فوافق على حتى يجلس أمامهم لأن هذه الصور كانت تلقى ترحيبا من أصدقائه باعتبارها هدايا، وصوره كينتان ماسيس عام 1517 وهومستغرق في الكتابة وملتف بمعطف ثقيل يقيه برد الحجرات في تلك القرون وأهديت هذه الصورة إلى مور. ورسم ديرر صورة بالفحم لأرازموس عام 1520، ونقش له حفرا ملفتا للنظر عام 1526، وهنا أضيفت لمسة الريشة الألمانية تماما على "الأوربي الطيب" سحنة هولندية. ونطق الجالس "إذا كنت أبدوكهذه الصورة فأنا محتال كبير". وتفوق هولبين على جميع هذه الجهود في صور كثيرة رسمها لأرازموس إحداها في تورين وثانية في إنجلترا وثالثة في بازيل وأحسنها في اللوفر- وكلها روائع رسمها أعظم مصور للوجوه في الشمال، وهنا كان العلامة قد أصبح فيلسوفاً هادئاً متأملاً وإن كان سوداوياً إلى حد ما، وسلم في نفور لحياد الطبيعة المتواكل وفناء العبقرية. وخط عام 1517 يقول: "يجب حتى نتحمل ما يأتي به حظنا وقد هيأت عقلي لتقبل جميع حدث". وهي فلسفة رواقية لم يحققها قط... ونطق عن شاب طموح: "إنه يحب المجد ولكنه لا يعهد ما يكفله المجد من عناء". ومع ذلك فإن أرازموس مثل كثير من ذوي النفوس النبيلة، كان يواصل العمل ليلاً ونهاراً ليتغلب على هذا العبء.

وبدت أخطاءه واضحة للعيان، أما فضائله فكان لا يعملها إلا المخلصين من أصدقائه، وكان في وسعه حتى يتسول بلا خجل، ولكن كان في وسعه أيضا حتى يعطي، وكثيراً ما كانت تشيع في حرارة مدحه روح متمردة. وعندما وجه بفيفركورون Piefferkorn هجومه إلى رويخلين خط أرازموس إلى أصدقائه من الكرادلة في روما، وساعد على الحصول على الحماية للعالم بآداب اللغة العبرية المتعب، وكان يفتقر إلى التواضع والاعتراف بالجميل، فقد كان هذا من الصعب على رجل يخطب وده البابوات والملوك.

وكان يضيق ذرعا بالنقد ويستاء منه. وكان أحيانا عليه بكيفية تعسفية في هذا العصر الشهير بالجدل، وشاطر في مناهضة السامية حتى مع فهماء عصر النهضة، وكانت اهتماماته في أضيق الحدود كما كانت قوية، فقد أولع بالأدب عندما كان يلبس ثوب الفلسفة، وبالفلسفة عندما كانت تهجر المنطق للحياة؛ ولكنه تجاهل تقريبا الفهم والمسرح والموسيقى والفن. وسخر من معظم نظم الفلك التي كانت تختال على المسرح وسخرت معه النجوم. وليس في جميع مراسلاته الكثيرة تقرير للألب أولعمارة أكسفورد وكامبردج أولتصوير رافائيل أولنحت مايكل أنجيلوالذين كانوا يعملون ليوليوس الثاني عندما كان أرازموس بروما (1509)، ثم إذا الترتيل القوي في الأبرشيات المقومة آذى فيما بعد أسماعه المهذبة. وكانت حاسة الفهاكة عنده عادة تتسم بالدقة والرقة، وكانت رابيلية ولكنها في الغالب ساخرة، وانقلبت مرة إلى سخرية لا تتسم بالإنسانية كما وقع عندما خط إلى صديق عندما سمع بأجرام بعض الهراطقة: "سأرثي لهم أقل إذا حملوا ثمن الوقود ولا سيما حتى الشتاء على الأبواب".

ولم تكن من صفاته الأثرة الطبيعية أوالأنانية التي يتسم بها جميع الرجال، بل كان يتصف بذلك الغرور الخفي المحبب أوالإعجاب بالذات الذي لولا لأنسحق المحرر أوالفنان في الإندفاع القاسي للعالم يتسم بعدم الاكتراث.

وكان يحب الإطراء ويوافق عليه على الرغم ممن كانوا ينكرون عليه ذلك من آن لأخر. وكان لأحد أصدقائه: "أن خير النقاد يقولون أني أخط أحسن من أي إنسان على ظهر الأرض". وكان هذا حقاً وأن كان باللاتينية فحسب، فقد كان يخط بفرنسية رديئة ويحدث قليلا بالهولندية والإنجليزية، وكان "يتذوق العبرية بطرف اللسان فقط" وكان يعهد اليونانية فهم ناسيرة ولكنه كان يجيد تماماً اللغة اللاتينية، وكان يستخدمها باعتبارها لغة حية يمكن تطبيقها على معظم التفاهات والأمور الحقيرة غير اللاتينية في عهده. وقد اغتفرت أجيال قرن مشغوفة بالكلاسيات معظم أخطاءه نظراً لما يمتاز به أسلوبه من إشراقة زاهية. وما تتسم به تقديراته للأشياء، بأقل من قيمتها، من سحر عجيب، وما تتصف به سخريته من تهكم لاذع. وتضارع رسائله خطابات سيشرون في البلاغة والدماثة وتفوقها حيوية وفطنة. وفضلا عن هذا فقد تفرد بلغة لاتينية خاصة به، ولم تكن تقليداً للغة سيشرون بل كانت كلاماً حياً قويا طيعا، ولم تكن صدى لألفاظ مضى عليها 1500 عام. وكانت رسائله مثل رسائل بترارك مطمع أنظار الأدباء والأمراء بعد حديثه المثير وهويقول لنا، ولعل هذا بشيء من الرخصة الأدبية، أنه كان يتسلم جميع يوم عشرين رسالة ويخط أربعين خطابا. ونشرت منها بضع مجلدات في حياته بعد حتى فتحها مؤلفها بعناية حتى يقرأها من يتم بعده. وكان بين من يراسلونه ليوالعاشر وأدريان السادس والملكة مارجريت ملكة نافار والملك سيجموند الأول ملك بولندا وهنري الثامن وموروكوليه وبيركايمار. وخط مور المتواضع: "لا أستطيع حتى أتخلص من شعور نزوى بالغرور.. عندما يخطر ببالي أني سأكون موضع ثناء من خلف بعيد لصداقتي لأرازموس".

ولم يضارعه في شهرته محرر آخر من معاصريه، اللهم إلا إذا اعتقدنا حتى لوثر محرر. وأبلغ بائع خط في أكسفورد عام 1520 حتى ثلث مبيعاته كانت من أعمال أرازموس. وكان له أعداء كثيرون وبخاصة بين فهماء اللاهوت في لوفان، غير أنه كان له مريدون في اثنتي عشرة جامعة، وكان هناك فهماء للإنسانيات في أوربا ينادون به قدوة وزعيما. وفي ميدان الأدب كان يمثل عصر النهضة وممضى الإيمان بالإنسان مجتمعين- عبادتهما للكلاسيات ولأسلوب لاتيني مصقول واتفاق الجنتلمان (السادة المهذبين) على ألا يختلفا مع الكنيسة وألا يزعجا أساطير الجماهير التي لا غنى عنها، على شريطة حتى للكنيسة حتى تغض النظر عن الحرية الفكرية لطوائف المتفهمين وتسمح بتقويم مفاسد وسخافات رجال الدين تقويما داخليا قانونيا. وقد هلل أرازموس مثل جميع فهماء الإنسانيات لتبوء ليوالعاشر منصب البابوية، فقد تحقق حلمهم - وها هوعالم بالإنسانيات وعلامة وسيد مهذب، يمثل اتحاد النهضة والمسيحية معا، قد ارتقى أعظم العروش. وليس من شك في أنه يفترض أن يتم تطهير سلمي للكنيسة، وينتشر التعليم، وسيحافظ الناس على شعيرتهم المحببة وإيمانهم الذي يجدون فيه العزاء وإن كان العقل البشري يفترض أنقد يكون حراً.

وظل هذا الأمل يراود أرازموس حتى بداية عهد لوثر تقريباً، ولكنه في اليوم التاسع من سبتمبر عام 1517 خط من أنتورب إلى توماس، كرينال يورك، تعبير تنذر بالويل: "في هذا الجزء من العالم أخشى حتى هناك ثورة عظيمة توشك على الوقوع". وفي أقل من شهرين سقطت الثورة.

معرض الصور

بورتريه

صور أخرى

أنظر أيضا

  • فلسفة

وصلات خارجية

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بإرازموس، في فهم الاقتباس.
Wikisource has original works written by or about:
إرازموس

Wikisource has the original Latin text of Praise of Folly.

  • أعمال من Erasmus في مشروع گوتنبرگ
  • Works by Erasmus at Internet Archive
  • Catholic Encyclopedia
  • Metropolitan Museum of Art
  • In Defense of Erasmus and the Textus Receptus
  • Luther and Erasmus: The Debate on the Freedom of the Will by Charles L. Cortright
  • La herencia Erasmus: Presente y futuro
  • The Erasmus Text Project
  • Erasmus University Rotterdam
  • A set of essays on Erasmus
  • Statue of Erasmus in "standbeeld+erasmus")&pos=1&src=SE Rotterdam
  • , available at Project Gutenberg. (By Johan Huizinga)

المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

تاريخ النشر: 2020-06-04 11:12:02
التصنيفات: صفحات تحوي وصلات ملفات معطوبة, Pages with citations using unsupported parameters, فلاسفة هولنديون, مواليد 1469, وفيات 1536

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

تراجع أسعار الذهب بنسبة 1.64%.. وارتفاع جديد للنفط خلال أسبوع

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:21:37
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

مع مريـم العذراء نرتفع نحو إبنها يسوع (٢٨)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:22:02
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

بالصور.. البابا تواضروس يزور كنيسة القديسة مارينا بالنمسا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:22:01
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

تفاصيل فستان والدة رجوى آل سيف خطيبة ولى العهد الأردنى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:21:40
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 52%

تقرير صيني: مصر تكثف جهودها لمواجهة الزيادة السكانية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:21:27
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

بعد قليل.. الكويت تحتضن اجتماع مجلس وزراء "أوابك"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:21:36
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

"محلية البرلمان" تناقش مشكلات تراخيص البناء اليوم

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:21:34
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

القديسة ريتا شفيعةً الامور المستحيلة (٢)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:22:01
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 70%

اليوم.. نائب رئيس مجلس الدولة يحاضر بمعهد محاماة القاهرة الكبرى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:21:32
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

“أقنوم الروح القدس” في لقاء لخدام طموه

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:22:00
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

لماذا تعيش النساء أكثر من الرجال؟

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:22:05
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 50%

حظك اليوم.. جميع الأبراج الفلكية الأحد 28 مايو 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:21:41
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

خطوات لاستعادة علاقة عاطفية جيدة مع شريك

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:21:40
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

كيف نُعِد أبناءنا للزواج؟ (١)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:21:59
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

٦٠ عامًا من العطاء.. احتفال “إنسان” بميلاد الزعيم عادل إمام

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:21:56
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 56%

تحميل تطبيق المنصة العربية