في طبيعة الأشياء

عودة للموسوعة

في طبيعة الأمور

طبعة پنگوين كلاسيكس من De rerum natura، تحت عنوان The Nature of Things، ترجمة A. E. Stallings

في طبيعة الأمور De rerum natura هي قصيدة تلقينية من القرن الأول ق.م. من تأليف الشاعر الروماني والفيلسوف لوكرشس بهدف شرح الفلسفة الإپيقورية للجمهور الروماني. القصيدة مكتوبة في نحو7,400 dactylic hexameters, is divided into six untitled books, and explores Epicurean physics through richly poetic language and metaphors. يقدم لوكرشس مبادئ الذرية؛ طبيعة العقل والروح؛ وشرح الإحساس والفكر؛ تطور العالم وظواهره؛ ويشرح تنويعة من الظواهر السماوية والأرضية. الكون كما تصفه القصيدة يعمل حسب تلك المبادئ الفيزيائية، بإرشاد من fortuna, "chance"، وليس في ذلك تدخل إلهي من الآلهة الرومانية التقليدية.

الملخص

افتتاحية De rerum natura، نسخة 1483 بقلم جيرولامودي مايوده توريس، مهداة إلى الپاپا سكستوس الرابع
المجلد الأول من De rerum natura، من طبعة 1675 التي أصدرها Tanaquil Faber

إذا حاولنا حتى نصوغ ما في جدل لكريشيوس من اضطراب حماسي في صورة منطقية، فإن فكرته الأساسية تتمثل في ذلك البيت المشهور:

Tantum religio potint suadere malorum

ما أكثر ما بعثه الدين في قلوب الناس من شرور!

فهويروي سيرة إفجينيا في أوليس، والضحايا البشرية التي يخطئها الحصر، والذبائح التي تقدم قرباناً للآلهة التي يمثلونها في صورة البشر النهمين، ويذكرنا بالأهوال التي تحيط بالسذج والشبان حين يضلون في أجام الآلهة المنتقمة الجبارة، وما يقذفه في قلوبهم الرعد والبرق والموت والجحيم من رعب، وبالأهوال السفلى التي يصورها الفن الإتروري والقصص الشرقية الغامضة الخفية. وهوينحى باللائمة على بني الإنسان لأنهم يفضلون مراسم التضحية على التعقل الفلسفي ويقول:

"أيها الخلائق البائسون ما بالكم تعزون إلى الآلهة هذه الأعمال الشائنة وهذا الغضب المرير! كم من أحزان يهيئها الناس لأنفسهم (بهذه العقائد) وكم من جراح تثخن بها أجسامنا، ودموع تذرفها أعين أبنائنا! ذلك حتى التقوى لا تكون في كثرة توجيه الرأس المقنع إلى الأحجار، ولا في الاقتراب من جميع مذابح القربان، ولا في الركوع والسجود... أمام هياكلقد يكون في طاقة الإنسان حتى ينظر إلى الأمور جميعها بعقل هادئ مطمئن"(7).

ولا ينكر لكريشيوس وجود الآلهة، ولكنه يقول إنها تقيم بعيدة عنا، سعيدة جميع السعادة في عزلتها وبعدها عن أفكار البشر ومتاعبهم، هنالك "وراء أسوار العالم المشتعلة" (extar flammantia moeine mundi) بمنأى عن ضحايانا وصلواتنا، وهي تعيش كما يعيش أتباع أبيقور بعيدة عن الشؤون الدنيوية، فائقة بتأمل الجمال وعمل ما تتطلبه الصداقة والسلام(8). وليست الآلهة في رأيه هي التي خلقت العالم، وليست هي سبب ما يقع فيه من الأحداث، فمن ذا الذي يظلمها ذلك الظلم الصارخ فيتهمها بأنها سبب ما في الحياة على الأرض من تلف، واضطراب، وآلام، ومظالم،يا ترى؟ كلا إذا هذا الكون اللانهائي الذي يضم عدة عوالم مستقل عما سواه، ولا شأن له بغيره، ولا يسيطر عليه قانون خارج عنه؛ فالطبيعة تعمل جميع شيء من نفسها. من ذا الذي أوتي من القوة ما يستطيع به حتى يتصرف في الأمور مجتمعة، ويقبض بيده على ذلك العنان القوي عنان الأبدية التي لا قرار لها،يا ترى؟ من ذا الذي يستطيع حتى يحرك السموات كلها دفعة واحدة.. ويهز السماء الصافية بالرعد القاصف، ويقذف بالبرق فيزلزل به في كثير من الأحيان هياكل الآلهة، ويرسل الصواعق فيقضي بها على البريء وينجومنها المجرم"(9). إذا إله الكون الذي لا إله سواه هوالقانون، وأصدق العبادات، والسبيل الوحيد إلى السلام حتى يعهد الناس ذلك القانون ويحبوه. إذا مخاوف العقل وظلمته لا تبددها أشعة الشمس... بل يبددها النظر في قوانين الطبيعة(11).

إلى غير ذلك "يمس" لكريشيوس "برحيق ربات الشعر" مادية دمقريطس الخشنة، ويصرح بأن مبدأه الأساسي المقرر حتى لا وجود إلا للذرات والفراغ"(12) أي المادة والفضاء، ثم ينتقل من فوره إلى مبدأ جوهري (وافتراض) من مبادئ الفهم الحديث، وهوحتى ما في العالم من مادة وحركة لا يتغير أبداً، وألا شيء ينشأ من لا شيء، وأن ليس الإتلاف والتحطيم إلا تغيراً في الشكل، وأن الذرات لا تتحطم، ولا تتبدل، وأنها صلبة، مرنة، عديمة الصوت والرائحة والذوق واللون، وأنها لا حدود لها، يتدخل بعضها في بعض ليتكوّن منها مُركبات وصفات لا حصر لها، وتتحرك حركة لا انقطاع لها، في سكون الأمور العديمة الحركة البادي للأنظار: "فكثيراً من نرى على سفوح الجبال.. الأغنام ذات الأصواف تزحف حيث يغريها بالزحف الكلأ الذي تتلألأ عليه قطرات الندى، وترى الحملان التي شبعت ورويت تلعب وتتناطح في لعبها برؤوسها. ولكن هذه كلها تنطمس للبعيد عنها حتى لا تستطيع العين حتى تميزها، وتبدولطخة بيضاء على تل أخضر. وتنتشر الجيوش الجرارة في بعض الأحيان في ميادين واسعة؛ وتتحرك حركات تمثل بها الحروب، تسطع دروعهم البرنزية فتضيء ما حولها، وتنعكس على قبة السماء، وتزلزل الأرض وتجلجل تحت أقدام الجند وسنابك الخيل، وتصطدم هذه الأصوات بالجبال فتدفع بها مرة أخرى إلى نجوم السماء. ومع هذا فإن في تلل الجبال مكاناً تبدومنه هذه الجيوش كأنها ساكنة لا تتحرك؛ ولا تعدوحتى تكون بقعة صغيرة بيضاء مستقرة فوق السهل"(13).

وتحتوي الذرات على المنيمات minima أو"أصغر الأمور"، وكل منيمة minimum جسم نهائي صلب، لا يقبل الانقسام، ولعل اختلاف ترتيب هذه الأجزاء هوالسبب في اختلاف أحجام الذرات وأشكالها، وهوالاختلاف الذي ينشأ منه تباين الطبيعة تبايناً يسر النفوس وينعشها. والذرات لا تتحرك في خطوط مستقيمة أومنتظمة، بل إذا في حركتها انحرافاً أوزيغاً دقيقاً لا يستطاع قياسه، وفيها تلقائية عنصرية تسري في جميع الأمور وتصل إلى غايتها في إرادة الإنسان الحرة .

لقد كانت جميع الأمور من قبل عماء، ولكن التوزيع التدريجي للذرات المتحركة حسب أحجامها وأشكالها قد أنتج- عن غير قصد- الهواء والنار والماء والتراب ومن هذه كلها نشأت الشمس والقمر والكواكب والنجوم؛ وفي الفضاء اللانهائي تنشأ باستمرار عوالم جديدة وتفتحت عوالم أخرى قديمة، والنجوم نيران مثبتة في حلقة من الأثير (وهوضباب من ذرات أرق من الذرات السابقة) المحيطة بكل مجموعة كوكبية. وهذا الجدار الكوني الناري هوالذيقد يكون "أسوار العالم الملتهبة". ثم انفصل جزء من الضباب البدائي عن هذه الكتلة وأخذ يدور وحده وبرد فتكونت منه الأرض. وليست الزلازل ناشئة من صراخ الآلهة بل من تمدد الغازات والمجاري التي تحت الأرض. كما حتى الرعد والبرق ليسا صوت الإله وأنفاسه بل هما نتيجتان طبيعيتان لتكاليف السحب واصطدامها بعضها ببعض. وليس المطر مرحمة من جوف بل هورجوع الرطوبة التي بخرتها الشمس إلى الأرض.

والحياة في رأيه لا تختلف في جوهرها عن غيرها من خصائص المادة، فهي نتيجة الذرات التي لا حياة في جميع منها بمفردها. وكما حتى الكون قد اتخذ صورته الخاصة به طوعاً لقوانين المادة المتأصلة فيها، فكذلك أخرجت الأرض جميع أنواع الكائنات الحية وأعضاءها بطريقة الانتخاب الطبيعي لا بغيرها من الطرق.

لا شيء ينشأ في الجسم ويقصد به حتى نستخدمه، ولكن ما ينشأ فيه ينتج بعد وجوده الغرض الذي يستخدم فيه(14).. فلم يكن هدف الذرات هوالذي جعلها ترتب نفسها ترتيباً قائماً على الذكاء والفطنة، بل السبب في ترتيبها هذا حتى كثيراً من الذرات منذ الأزل قد تحركت والتقت بطرق مختلفة لا حصر لها، وجربت جميع التراكيب المتنوعة.. ومن ثم نشأت مبادئ الأمور العظيمة... وأجيال الكائنات الحية(15). وما أكثر ما حاولت الأرض حتى توجده من الهولات، فمنها ما لم تكن له أقدام، ومنها ما لم تكن له يدان أوفم أووجه أوأطراف ملتصقة بجسمه.. ولكن هذه المحاولات كلها مضىت أدراج الرياح، فقد ضنت عليها الطبيعة بالنماء، ولم تستطيع هي حتى تجد لنفسها الطعام، أوحتى تتصل بعضها ببعض اتصالاً مبعثه الحب.. وما من شك في حتى كثيراً من الحيوانات قد بادت في ذلك الوقت لأنها عجزت عن الاحتفاظ بأنواعها عن طريق التزاوج والتناسل، وسبب ذلك حتى الأنواع التي لم تهبهما الطبيعة صفات "تحميها من أعدائها" كانت تحت رحمة غيرها، وسرعان ما هلكت وانقرضت(16). وليس العقل (Animue) إلا عضواً كالقدمين والعينين، وهومثلهما أداة أووظيفة لتلك الروح (Anime) أوالنسمة الحيوية، وهي مادة جداً رقيقة تنتشر في الجسم كله، وتبعث الحياة في جميع جزء من أجزائه. وعلى الذرات الشديدة الحساسية التي يتكون فيها العقل تسقط الصور أوالأشرطة التي لا ينبتر خروجها من سطوح الأمور. وهذا هومنشأ الإحساس. وينشأ الذوق والشم والسمع والبصر واللمس من جزيئات تخرج من هذه الأمور وتقع على اللسان أوالحالق أوالخياشيم أوالاذنيين أوالعينيين أوالجلد. والحواس كلها صور اللمس. وهي المحك النهائي للحقائق، فإذا ما افترض أنها أخطأت فليس ذلك إلا نتيجة لسوء التفسير، ولا يصحح خطأ إحدى الحواس إلا حاسة أخرى، ولا يمكن حتىقد يكون العقل محك الحقائق لأن العقل يعتمد على التجارب أي على الإحساس.

وليست النفس شيئاً روحياً، ولا هي خالدة، فهي لا تستطيع تحريك الجسم إلا إذا كانت ذات جسم، وهي تنمووتشيخ مع الجسم، وتتأثر بما يتأثر به من سقم ودواء وخمر، وتتبدد ذراتها تبدداً ظاهرياً حين يموت، ولووجدت النفس بغير الجسم لكانت عديمة الإحساس عديمة المعنى؛ وما فائدة النفس بغير أعضاء اللمس والذوق والشم والسمع والبصر،يا ترى؟ والحياة لا توهب لنا لتكون ملكاً خالصاً لنا بل عارية نستعيرها ونحتفظ بها ما دمنا على الانتفاع بها، فإذا ما استنفدنا قوانا وجب علينا حتى نغادر مائدة الحياة مغتبطين شاكرين، كما يغادر الضيف الوليمة. وليس الموت نفسه أمراً مخيفاً رهيباً، بل الذي يسبب رهبته هوخوفنا مما نلقاه في الدار الآخرة. ولكن الدار الآخرة لا وجود لها، والجحيم هوجحيم هذه الدنيا، فهوالعذاب الناشئ من الجهل والانفعالات والتخاصم والشره؛ والجنة توجد على ظهر هذه الأرض، وهي معابد الحكماء الصافية sapientum templa serena(17).

وليست الفضيلة في خوف الآلهة، ولا في تجنب الملذات وخشيتها، بل هي في تناسق أعمال الحواس والمواهب بإرشاد العقل؛ ومن الناس من يفنون أعمارهم من أجل تمثال يقام لهم، أوشهرة يتحدث بها الناس عنهم، ولكن "ثروة الإنسان الحقة هي حتى يعيش عيشة بسيطة وعقله في سلام" (vivere parce Aequo Animo)(18)، وخير من العيش الجامد المعنت في الأبهاء الممضىة "الرقود في جماعات على الكلأ الناعم بجوار غدير تحت أشجار باسقة"(19)، أوسماع الألحان الموسيقية العذبة اللطيفة، أوحتى يفقد الإنسان ذاته في حب أطفاله والعناية بهم، والزواج خير ولكن الحب المثير للعواطف جنون، يجرد العقل من صفائه وتدبيره. "فإذا أصابت الإنسان سهام فينوس- سواء أطلق هذه السهام غلام له أعضاء فتاة، أوأطلقتها امرأة يشع الحب من جسمها كله- فإنه ينجذب نحومصدر الضربة ويتوق إلى الاتحاد معه"(20). ولا يستطيع زواج ولا مجتمع أياً كان نوعه حتى يجد قاعدة سليمة يقوم عليها في هذا الغرام الجنوني.

ولما كان لكريشيوس قد وجه عواطفه كلها نحوالفلسفة ولم يجد في قلبه متسعاً للحب، فإنه أبى حتى يعود إلى العهد الروائي العاطفي القديم الذي يقول به اليونان الذين كانوا يمجدون الحياة البدائية، وينادون بالعودة إلى الطبيعة، كما مجدها روسوونادى بالعودة إليها.

نعم لقد كان الناس في ذلك الوقت أصلب عوداً، ولكنهم كانوا يعيشون في الكهوف، ولا يعهدون الناس، ويتناكحون بلا زواج، ويقتل بعضهم بعضاً بغير قانون، ويموت منهم جوعاً بقدر من يموت من المحتضرين بالتخمة(21).

أما الكيفية التي تمت بها الحضارة فيشرحها لكريشيوس في خلاصة موجزة لتاريخ الإنسان الطبيعي يقول فيها إذا التنظيم الاجتماعي قد وهب الإنسان القدرة على البقاء بعد حتى بادت الحيوانات التي كانت أشد منه قوة وبطشاً. وقد اهتدى إلى النار حين رآها تندلع من احتكاك أوراق الأشجار وأغصانها، وأنشأ من الإشارات والحركات لغة، وتفهم الغناء من الطير، وأنس الحيوان لمنفعته، كما استأنس هوبالزواج والقانون؛ ثم شق الأرض، ونسج الملابس، وصهر المعادن وصنع منها أدواته؛ ثم رصد كواكب السماء، وقاس الزمن وتفهم الملاحة؛ ثم رقى فن القتل، وتغلب على الضعفاء، وشاد المدن، وأقام الدول.

وليس التاريخ إلا موكب الدول والحضارات التي تنشأ وتزدهر ثم تضمحل وتفنى، ولكن كلاً منها تخلف وراءها تراثاً من العادات والأخلاق والفنون تتلقاه عنها الحضارات التي تأتي من بعدها "فهي كالعدائين في سباق يسلم جميع منهم مصباح الحياة إلى غيره"(22)

(et quasi cursores vitai lampada tradut) وكل ما ينمومن الأمور يضمحل: الأعضاء، والكائنات الحية، والأسر، والدول، والأجناس، والكواكب، والنجوم. والذرات وحدها هي التي لا تموت أبداً، وتوجد إلى جانب قوى الخلق والنماء قوى أخرى تعادلها وتوازنها وهي قوى التدمير، وهذه لا تنبتر عن العمل ما بين دفع وجذب وتراخ وانقباض، وحيات وموت. وفي الطبيعة خير وشر، والآلام يلقاها جميع كائن حي وإن لم يستحقها، والانحلال يتبع خطى جميع تطور، وأرضنا نفسها في طريقها إلى الموت والفناء، وها هي ذي الزلازل تخربها وتدمرها، والأرض تفقد قدرتها على الإنتاج والأمطار والأنهار تقرضها وتفتتها، وتنقل الجبال نفسها آخر الأمر إلى البحار، وسيأتي على عالمنا النجمي كله يوم يفنى فيه كما تفنى هذه الجبال؛ فتهاجم جدران السماء من جميع جوانبها وتتصدع ثم تتهدم وتخرب(23). ولكن ساعة الفناء نفسها تكشف عما في العالم من حيوية لا تقهر "ويمتزج بالعويل على الموتى البكاء على الطفل الوليد"(24) وتتكون عوالم جديدة ونجوم وكواكب جديدة، وتنشأ أرض أخرى وحياة غير الحياة الأولى، ويبدأ التطور من جديد.

وإذا ألقينا نظرة عامة على هذه القصيدة التي تعد "أروع نتاج الأدب القديم كله"(25)، فقد نلاحظ لأول وهلة ما فيها من عيوب: كاضطراب موضوعاتها التي حال موت الشاعر في مقتبل العمر دون مراجعتها، وتكرار عباراتها وأبياتها وفقرات منها برمتها، واعتقاده حتى الشمس والقمر والنجوم ليست في حقيقتها أكبر مما تبدوللناظر إليها(26)، وعجز النظام الذي تشرحه القصيدة عن حتى يفسر كيف من الممكن أن تستحيل الذرات الميتة إلى حياة وإدراك، وإغفال الشاعر ما يبعثه الإيمان في المؤمن من نظر ثاقب وطمأنينة وساوى، وإلهام وشاعرية قوية محركة، كما أغفل ما للدين من آثار اجتماعية. ولكن ما أقل هذه الأغلاط وما أضعف شأنها أمام المحاولة الجريئة التي بذلها الشاعر لتفسير العالم والتاريخ والدين والسقم تفسيراً منطقياً معقولاً ، وأمام ما صور به الطبيعة من أنها عالم يسيطر عليه القانون لا يعتري المادة والحركة فيه زيادة أونقصان. وأمام عظمة الموضوع الذي تحدث عنه ونبل الكيفية التي عرض بها؛ وأمام قوة الخيال المتصلة التي تشعر في جميع مكان "بجلال الأمور" وتسموبرؤى أنبادقليس، وفهم دمقرطيس، ومبادئ أبيقور الأخلاقية، إلى شعر يبلغ من الروعة والجمال أسمى ما بلغه الشعر المعروف في جميع العصور. فها هي ذي لغة كانت لا تزال بعد غير مصقولة ولا ناضجة تكاد في ذلك الوقت حتى تكون خلواً من المصطلحات الفلسفية والفهمية، بل خلقها ثم وجه الكلام القديم وجهات جديدة من حيث السقط والجرس، وصاغ الوزن السداسي صياغة أكسبته حيوية وقوة لم تكن له في أية لغة أخرى من اللغات المعروفة، وسما به بين الفينة والفينة إلى درجة من الرقة والجمال والسلاسة لا تقل من نظائرها في شعر فرجيل. وإن ما في القصائد لكريشيوس من حيوية لا نفارقه في وقت من الأوقات ليدل على أنه قد استمتع بحياته كلها، لم يكد يهجر فيها فترة قصيرة أوطويلة من يوم مولده إلى يوم وفاته إلا عاش خلالها على الرغم مما كان يحيط به من آلام متعددة وخيبة مريرة.


وفاة لكريشس

وكيف توفي لكريشيوس،يا ترى؟ يقول القديس جيروم Saint Jerome إذا "لكريشيوس قد جن على أثر تجرعه دواء يولد الحب، بعد حتى خط عدة خط. توفي منتحراً في الرابعة والأربعين من عمره"(28). وليس لهذه القصيدة ما يؤيدها، ويشك الكثيرون في صحتها، ولسنا نعتقد حتى قديساً يستطيع حتى يروي رواية عن حياة لكريشيوس منزهة عن الهوى. وقد عثر بعضهم ما يؤيد هذه السيرة في قصيدته نفسها؛ ذلك حتى منها شواهد على الذهن المكدود غير الطبيعي، فضلاً عن حتى موضوعاتها مهوشة غير منظمة، وأنها مقتضبة تنتهي انتهاء فجائياً غير متسقط(29). ولكن الإنسان ليس في حاجة إلى حتىقد يكون لكريشيوس- ولكريشيوس دون غيره- لكيقد يكون حاد المزاج سريع التهيج، مهوشاً، ولكي يموت.

نهجه

لقد كان لكريشيوس كما كان يوربديز رجلاً من الطراز الحديث، وكان تفكيره وإحساسه يوائمان عصرنا الحاضر أكثر مما يوائمان القرن الأول قبل ميلاد المسيح. وقد تأثر به هوارس وفرجيل في أيام شبابهما، وهما يذكرانه من غير حتى يبوحا باسمه في كثير من عباراتهما الجزلة، ولكن الجهود التي كان يبذلها أغسطس لإعادة الدين القديم قد جعلت هذين الشاعرين وهما صنيعتا أغسطس يريان حتى ليس من الحكمة حتى يعبرا في صراحة عن إعجابهما بلكريشيوس ويعترفا بما في عنقهما له من دين يضاف إلى هذا حتى الفلسفة الأبيقورية لن تكن توائم العقل الروماني، كما كانت أعمال الأبيقوريين توائم الذوق الروماني في عصر لكريشيوس ، فقد كانت رومه في حاجة إلى رجل ذي فلسفة ميتافيزيقية يمجد القوى الصوفية الباطنية لا القوانين الطبيعية، والى عالم أخلاقي ينشئ شعباً حربياً تام الرجولة لا شعباً من أصحاب النزعة الإنسانية المحبين للسلم والهدوء؛ وكانت في حاجة إلى فلسفة سياسية شبيهة بفلسفتي فرجيل وهوراس، تبرر سيطرة روما الإمبراطورية.

ولما بعث الدين من حديث بعد سنكا كاد الناس ينسون لكريشيوس، ولم يبدأ يظهر أثره في الفكر الأوربي إلا بعد حتى كشفه بجيوPoggio من حديث في عام 1418 ب.م. وقد أخذ طبيب من مدينة فيرونا Varona يدعى جيرولاموفراكاستوروGirolamo Fracastoro (1483-1553) عن الشاعر نظريته التي يقول فيها إذا المريض ينشأ من "بذور" Semina خبيثة تسبح في الهواء، وفي عام 1647 أحيا جاسندي Gassndi الفلسفة الذرية. وكان فلتير يقرأ في طبيعة الأمور في خشوع ويقول كما نطق أوفد Ovid إذا ما فيها من أبيات ثورية سيبقى ما بقيت الأرض(30).

وقد خاض لكريشيوس بمفرده أقسى الوقائع في زمانه ونعني بها إحدى وقائع الحرب الأبدية بين الشرق والغرب، بين "القلب الحنون" والإيمان الباعث للسلوى المخفف للأحزان من جهة، والعقل العنيد الجاسي والفهم المادي من جهة أخرى. ولسنا في حاجة إلى القول بأنه أعظم الشعراء الفلاسفة، وأنه هوالذي سما بالأدب اللاتيني ما سما به كاتلس وشيشرون إلى ذروة مجده؛ وبه انتقلت زعامة الأدب نهائياً من بلاد اليونان إلى روما.

القصيدة بعد وفاة صاحبها

تاريخ المخطوطة

Hitting front or religion, the great poem of Lucretius was completely forgotten during the Middle Ages until the discovery in 1417 of a manuscript of the ix th century by the Italian humanist Poggio during excavations in the library of a monastery. This manuscript has long been considered the only ancient copy of this poem to the subsequent discovery of two other manuscripts ix th century (ms oblongus and Quadratus in Leiden ), and in 1750 , the charred remains of a roll papyrus in the Villa of the Papyri in Herculaneum. When Poggio circulates his manuscript, the interest is very strong as evidenced by the many manuscript copies that have made ​​EET, including fifty survived 13 .

رسماً

أمثولة الربيع، بريشة بوتيچلي (1582)

ألهمت القصيدة بوتيچلي ليرسم لوحته الشهيرة أمثولة الربيع. It is specifically the invocation to Venus, which opens with this poem (I, 1-43), combined with a description of the arrival of spring (V, 737-740): "Spring Venus and comes with him before the winged herald of the goddess, Zephyr, the Zephyr not, Flore their mother preparing a road flower colors and fragrances. '


أعمال لاحقة بنفس العنوان

في مطلع القرن السابع، خط إيزيدوره من اشبيلية De natura rerum، وكان كتاباً في الفلك والتاريخ الطبيعي وأهداه لملك القوط الغربيين سيسبوت Sisebut. وبعد حوالي قرن، خط بده Bede كتاباً بنفس العنوان، مبني جزئياً على عمل إيزيدوره ولكن يظهر أنه لم يكن يدري بقصيدة لوكرشس.

الهامش

  1. ^ Greenblatt, Stephen (8 August 2011). "The Answer Man – An ancient poem was rediscovered—and the world swerved". The New Yorker. Condé Nast. LXXXVII (23): 28–33. ISSN 0028-792X.
  2. ^ In particular, De rerum natura 5.107 (fortuna gubernans, "guiding chance" or "fortune at the helm"): see Monica R. Gale, Myth and Poetry in Lucretius (Cambridge University Press, 1994, 1996 reprint), pp. 213, 223–224 online and Lucretius (Oxford University Press, 2007), p. 238 online.
  3. ^ (Greenblatt, p. 57)
  4. ^ (Greenblatt, p. 219)
  5. ^ (Salem, p. 22)
  6. ^ Bede: 'On the Nature of Things' and 'On Times' translated by Calvin B. Kendall, Faith Wallis, p 191

خطأ استشهاد: الوسم <ref> المُعرّف في <references> فيه خاصية group "lower-alpha" التي لا تظهر في النص السابق.

خطأ استشهاد: الوسم <ref> المُعرّف في <references> فيه خاصية group "lower-alpha" التي لا تظهر في النص السابق.

المصادر

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

المراجع

  • Anthony M. Alioto, (1987), A History of Western Science. Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall. ISBN 0-13-392390-8
  • G. E. R. Lloyd, (1973), Greek Science after Aristotle. New York: W. W. Norton. ISBN 0-393-04371-1
  • William Ramsay, "Lucretius" in William Smith (editor), (1867), Dictionary of Greek and Roman Biography and Mythology. Volume 2.
  • William Stahl, (1962), Roman Science. University of Wisconsin Press.

للاستزادة

ترجمات

  • Lucretius. On the Nature of Things: De rerum natura. Anthony M. Esolen, transl. Baltimore: The Johns Hopkins Univ. Pr., 1995. ISBN 0-8018-5055-X
  • Lucretius the Way Things Are: The De Rerum Natura. Rolfe Humphries, transl. Bloomington, Indiana: Indiana University Press, 1968. ISBN 0-253-20125-X.
  • Lucretius. On the Nature of the Universe. R. E. Latham, transl. London: Penguin Books, 1994. ISBN 0-14-044610-9.
  • Lucretius. On the Nature of Things (Loeb Classical Library No. 181). W. H. Rouse, transl., rev. by M. F. Smith. Cambridge, Mass.: Harvard Univ. Pr., 1992, reprint with revisions of the 1924 edition. ISBN 0-674-99200-8.
  • Lucretius. On the Nature of Things (Hackett Classics Series). Martin Ferguson Smith, transl. Indianapolis, Ind.: Hackett Publishing Co., 2001. ISBN 0-87220-587-8. (Review; responses to the review)
  • Lucretius: The Nature of Things (Penguin Classics). A.E. Stallings, trans. London. Penguin Books, 2007. ISBN 978-0-14-044796-5. Verse translation of De Rerum Natura.


تعليقات

  • Brown, P. Michael (ed.). Lucretius, De Rerum Natura III. Warminster: Aris & Phillips, 1997. ISBN 0-85668-694-8 (hb). ISBN 0-85668-695-6 (pb). (Review)
  • Campbell, Gordon. Lucretius on Creation and Evolution: A Commentary on De Rerum Natura Book Five, lines 772-1104. Oxford: Oxford Univ. Pr., 2003. ISBN 0-19-926396-5. (Review)
Sympathetic review of Campbell's book. At page 160, the reviewer concludes the following. "Lucretius on Creation and Evolution offers a bold and sophisticated attempt to come to terms with Lucretius' arguments on evolution in the spirit of the poem's most ambitious commentators. It deserves not only consultation but active perusal. I could not agree more with Campbell's commitment to putting Lucretius and Epicureanism into conversation with the present and with our own attempts to figure out where humans belong in a world of chance and impersonal necessity."
  • Fowler, Don. Lucretius on Atomic Motion: A Commentary on De Rerum Natura, Book Two, Lines 1–332. Oxford: Oxford Univ. Pr., 2002. ISBN 0-19-924358-1. (Review)
  • Gale, Monica R. Lucretius and the Didactic Epic. London: Bristol Classical Pr., 2001. ISBN 1-85399-557-6 (Review)
  • Greenblatt, Stephen, The Swerve: How the World Became Modern, W. W. Norton & Company, 2011, ISBN 978-0-39306447-6
  • Johnson, W.R. Lucretius and the Modern World. London: Duckworth, 2000. ISBN 0-7156-2882-8. (Review)
  • Kennedy, Duncan F. Rethinking Reality: Lucretius and the Textualization of Nature. Ann Arbor: Univ. of Michigan Pr., 2002. ISBN 0-472-11288-0. (Review)
  • Sedley, David. Lucretius and the Transformation of Greek Wisdom. Cambridge: Cambridge Univ. Pr., 1998. ISBN 0-521-57032-8. (Review)

وصلات خارجية

Latin Wikisource has original text related to this article:
اقرأ اقتباسات ذات علاقة بفي طبيعة الأمور، في فهم الاقتباس.
  • Text at thelatinlibrary.com
  • An English verse translation of On The Nature of Things at Project Gutenberg by William Ellery Leonard
  • Another English verse translation of at archive by John Selby Watson
  • نطقب:Librivox
  • David Sedley, "Lucretius", the Stanford Encyclopedia of Philosophy. Includes extensive discussion of On the Nature of Things
  • by section
  • Analysis of Lucretius' "conversion" challenge in terms of designing a "meme" that would compete with the surrounding memes of creationism; "as doctors sweeten bitter medicine with honey", so Lucretius sweetened the conversion pill as poetry.
  • Summarizing the creationist view of Lucretius's role: "As this is the viewpoint of modern evolutionists, the reader may appreciate that Lucretius, not Darwin, has been the principal spokesman for evolution during the last two millennia."
تاريخ النشر: 2020-06-04 11:45:11
التصنيفات: صفحات بأخطاء في المراجع, Pages with citations using unsupported parameters, Natural philosophy, Metaphysics literature, Epic poems in Latin, Epicureanism, Philosophy books, Ancient philosophical literature

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

أنشطة مكثفة لقيادة قوات الدفاع الشعبي والعسكري في شهر مارس

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-04 15:17:34
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

وزيرة التضامن: رفع كفاءة 120 منزلًا فى إسنا ضمن «حياة كريمة»

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-04 15:17:35
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

المرابط: الوضع الوبائي في المغرب لا يزال مستقرا ومتحكما فيه

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-04 15:17:16
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

ميسي ما يخوف

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-04 15:16:59
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 94%

«زي النهاردة».. اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-04 15:17:30
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

سيد علي الفلاحي مثالاً

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-04 15:16:58
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 99%

البابا ثيودروس يستقبل نائب سفير جورجيا

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-04 15:17:28
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

«سعفان» يسلم 30 عقد عمل لذوي الاحتياجات الخاصة بالقليوبية.. صور

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-04 15:17:30
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 64%

إسرائيل.. من عدوّ إلى شريك سلاح

المصدر: TRTعربي - تركيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-04 15:17:04
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 82%

تحميل تطبيق المنصة العربية