السيد أحمد الشريف

عودة للموسوعة

السيد أحمد الشريف

السيد احمد الشريف السنوسي

السيد أحمد الشريف (1873 -عشرة مارس 1933) مجاهد ليبي من الاسرة السنوسية. قاد الجهاد في شرق ليبيا ضد الغزوالايطالي.

مقدمة

الشيخ العالم والداعية الورع والمجاهد الفاضل السيد احمد الشريف السنوسي ابن العلامة السيد محمد الشريف بن محمد بن علي السنوسي وعمه العالم محمد المهدي السنوسي وجده الإمام محمد بن علي السنوسي، يصل نسبه إلى علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، وهواحد كبار المجاهدين الليبيين، جاهد وشارك وقاد معارك الجهاد في سبيل الله ضد الغزاة الفرنسيين والإنجليز والإيطاليين في تشاد والسودان ومصر وليبيا وساهم في نشر الدعوة الإسلامية وتعاليم الدين الحنيف في عموم افريقيا ، وهوصاحب كتاب ( السراج الوهاج في رحلة السيد المهدي من الجغبوب إلى التاج) الذي دوّن فيه الرحلات الدعوية التي رافق فيها عمه السيد محمد المهدي السنوسي.

نطق عنه محمد أسد في كتابه "الطريق إلى الإسلام":

"ما من رجل ضحى بنفسه تضحية كاملة مجردة، عن جميع غاية في سبيل مثل أعلى، كما عمل هو. لقد وقف حياته كلها، عالما ومحاربا، على بعث المجتمع الإسلامي بعثا روحيا، وعلى نضاله في سبيل الاستقلال السياسي"

ونطق عنه شكيب أوفدان في "حاضر العالم الإسلامي:

"اتحاد الحدثة على نزاهة هذا الرجل، وتجرده عن المآرب الشخصية، وعزوفه عن حظوظ الدنيا، وانصراف همه كله إلى الذب عن بيضة الإسلام بدون غرض سوى سقماة الله ورسوله، وحفظ استقلال المسلمين"

ولد في عام 1873م، بعد عام تقريباً من وفاة جده السيد محمد بن علي السنوسي في واحة الجغبوب.


زعامة الحركة السنوسية

تزعّم السيد أحمد الشريف الحركة السنوسية في عام 1902م، خلفاً لعمه السيد محمد المهدي والد الملك إدريس السنوسي الذي كان قد بلغ الثالثة عشرة من عمره آنذاك، ويبدوحتى صفات السيد أحمد الشريف الشخصية وشجاعته التي برزت خلال قيادته لمعارك الجهاد ضد الفرنسيين في مناطق "قرو" و"ودان" السودانية قد أهلته لتولي الزعامة.

استمر السيد/ أحمد الشريف في إمارة الحركة السنوسيّة من 1902 م إلى 1916 م، حيث تنازل عنها في ذلك العام لابن عمّه السيد/محَمّد إدريس بن محَمّد المهدي السنوسي وقبل حوالي عامين من مغادرته لليبيا مرغماً على ظهر غواصة ألمانيّة بعثتها له هجريا في أغسطس 1918 م لتنقله من البريقة بليبيا إلى النمسا ثمّ إلى دار الآستانة بهجريا.

جهاده ضد الغزوالايطالي

ومع بداية الغزوالإيطالي للشواطئ الليبية عام 1911م، كان السيد أحمد الشريف قد أعاد تنظيم الحركة السنوسية من خلال الزوايا التي انتشرت في بلدان كثيرة، كما سعى جاهداً لمد جسور التعاون والتناصح مع الحركات الإسلامية الأخرى وتدعيم وشائج الأخوة الإسلامية بينها، كما ارتبط أشد الارتباط بالخلافة الإسلامية التي كانت تمثلها الدولة العثمانية في هجريا، وما حتى وطأ البلاد جنود المستعمر الإيطالي حتى كان السيد أحمد الشريف قد حوّل زوايا الحركة السنوسية إلى معسكرات لإعداد قوة عسكرية من الأهالي والأتباع بقيادة جماعات من الضباط الأتراك واتخذ التدابير اللازمة لتزويد تلك القوات بالأسلحة والعتاد بشتى الطرق.

وعندما تناهى لأسماع السيد أحمد الشريف اعتزام هجريا إبرام الصلح مع إيطاليا، شكل وفداً من زعماء السنوسية وأهالي البلاد وبعثه إلى مدينة درنة للقاءة "أنور بك" الوالي العثماني، وسلّمه رسالة خطية اتى فيها :

"نحن والصلح على طرفي نقيض، ولا نقبل صلحاً بوجه من الوجوه، إذا كان ثمن هذا الصلح تسليم البلاد إلى العدو".

ونتيجة ذلك، وصل مبعوث الوالي العثماني السيد عزيز المصري بصفته ممثلاً للدولة العثمانية في ليبيا ومديراً للعمليات العسكرية فيها، وصل الجغبوب "مركز قيادة السنوسية" وأبلغ السيد أحمد الشريف حتى الخليفة قد منح البلاد الإستقلال وحق الدفاع عن نفسها وتقرير مصيرها، ولكن مع تذبذب الموقف الهجري من مسألة الصلح مع ايطاليا، عاد انور باشا لطرح فكرة القبول بالصلح على السيد أحمد الشريف فكان رده اكثر حزما، قائلا "والله لا نسلمهم من ارضنا طراحة حصان".

وبعد توقيع تقيام الحركيا معاهدة "لوزان" مع ايطاليا والتي سلمت فيها هجريا ليبيا إلى ايطاليا، بادر السيد أحمدالشريف باعلان الحكومة السنوسية لسد الفراغ المترتب على انسحاب القوات الهجرية من البلاد، وكان شعار تلك الحكومة "الجنة تحت ظلال السيوف". ثم اعلن الجهاد في منشور عممه على مشائخ الزوايا السنوسية والقبائل والاهالي وطلب من جميع فرد من سن 14 إلى سن 65، حتى يمضى إلى الميدان مزودا بمؤونته وسلاحه.

ومع توالي الهزائم الهجرية في البلقان، اصدرت القيادة الهجرية اوامرها بضرورة الانسحاب النهائي من الاراضي الليبية، ومع الانسحاب الكامل للقوات الهجرية من البلاد، قرر السيد أحمد الشريف الانتنطق بقواته التي بلغت حينئذ السبعة آلاف مقاتل، إلى منطقة امساعد على الحدود الشرقية مع مصر، مما فرض ظروفا واوضاعا جديدة على المنطقة وخاصة بعدما تبين ان السيد أحمد الشريف قد نجح في تحويل القوات السنوسية إلى جيش نظامي مدرب، ومستعد لخوض غمار حرب فدائية طويلة المدى ضد الطليان.

عند اشتداد معارك الجهاد وبسط إيطاليا وجودها على اجزاء من ليبيا كلف المجاهد الداعية السيد أحمد الشريف اخيه المجاهد الكبير صفي الدين السنوسي بقيادة منطقة غرب برقة والتنسيق مع قيادات طرابلس الغرب وفزان في محاربة العدوالإيطالي، وعملاً هجر السيد صفي الدين اجدابيا وتحرك مع كثير من المجاهدين إلى جهة سرت واتصل هناك بالكثير من قادة الجهاد الليبي امثال المجاهد الكبير رمضان السويحلي واحمد بك سيف النصر وغيرهم. وكان من ثمرة هذا التنسيق الإنتصار الذي تحقق في معركة القرضابية (أبي هادي) في 19 ابريل 1915 م وبهذا كان للمجاهد السيد أحمد الشريف واخيه المجاهد صفي الدين السنوسي الذي شارك في قيادة المعركة والحركة السنوسية دوراً كبيرأ وحاسماً في هذه المعركة التاريخية المجيده والتي ايضاً توحدت فيها الحدثة والجهود والراية لكل ليبيا.

الحرب العالمية الاولى

بعد اندلاع الحرب العالمية الاولى ، تعزز موقف السيد أحمد الشريف وقواته، حيث جعلت الاطراف المتحاربة تسارع لكسب ود السيد أحمد الشريف وقواته، هجريا والمانيا من جهة، وبريطانيا ومصر من جهة اخرى، فالاولى رغبت ان يقوم السيد أحمد الشريف بتخفيف الضغط على ايطاليا بمهادنتها، وبفتح جبهة جديدة ضد الانجليز في السلوم، والاخرى رغبت في مساعدة السيد أحمد الشريف للقضاء على الطليان، العدوالرئيسي للسيد أحمد الشريف آنذاك.

وبسبب الضغوط الشديدة التي مارستها الدولة العثمانية عليه، بالاضافة إلى الفوزات الالمانية ـ العثمانية على قوات الحلفاء في اوروبا، وظهور الثورات الشعبية ضد الانجليز في الهند وافغانستان والسودان، اختار السيد أحمد الشريف ان يقوم بالاغارة على قوات الانجليز في اوائل نوفمبر 1915م داخل الحدود المصرية وهزمهم في السلوم ولاحقهم حتى منطقة سيدي براني حيث اندمج بقواته مع القوات الوطنية المصرية بقيادة محمد صالح حرب، ولكن القوات البريطانية تمكنت من صد الهجوم في معركة العواقير 1916م التي اسر فيها جعفر العسكري، وهرب فيها نوري باشا وعبدالرحمن عزام ، وواصل السيد أحمد الشريف القتال من المحور الجنوبي واحتل عددا من الواحات، وسارع للاتصال بالسيد علي دينار، سلطان دارفور بالسودان، ومشائخ الصعيد في أسيوط والفيوم محاولا تكوين جبهة عريضة لقتال الانجليز، وخاض السيد أحمد الشريف بقواته عدة معارك آخرها معركة بئر تونس التي اضطر فيها للتراجع والانسحاب، وذلك بسبب عدم استجابة زعماء القبائل في الفيوم والصعيد ودارفور من جهة، وفشل قوات جعفر العسكري واستسلامه من جهة اخرى، فضلا عن التباين الكبير بين القوتين، فبينما كانت قوات السيد أحمد الشريف تقاتل ببنادق عادية وعلى ظهور الخيل في ارض مكشوفة، استخدم الانجليز المدفعية والطائرات، يضاف إلى ذلك صعوبة التموين بل وانقطاع موارده عن القوات السنوسية.

وهاجمت قوات الحركة السنوسيّة – عشرة آلاف مجاهد – بقيادة السيد/ أحمد الشريف القوات الإستعماريّة البريطانيّة في الصحراء الغربيّة المصريّة عند السلّوم. واستمر القتال بين السنوسيين والبريطانيين إلى 1917م العام الذي انتصر فيه البريطانيون بقيادة الجنرال بيتون (Peyton) على قوات المجاهدين.

وكانت حملة السلوم، نهاية المطاف في صراع السيد أحمد الشريف ضد الانجليز في ليبيا، وقد بادروا بتهديده بضرورة هجر الجغبوب فورا، تحت طائلة ضرب وتهديم ضريح قبر جده الاكبرالسيد محمد بن علي السنوسي بالطائرات واحتلال المدينة واستباحتها.


مغادرة الوطن

غادر السيد أحمد الشريف البلاد إلى المنفى في اوائل اغسطس 1918م على متن غواصة المانية من مرسى العقيلة ومعه كبار معاونية وقواده منهم محمد صالح حرب ونوري باشا وصالح ابوعرقوب البرعصي وعبدالوهاب الدرسي، اما باقي الاتباع وعلى رأسهم سيدي عمر المختار فقد انسحبوا إلى الجبل الاخضر، وقد كان إبعاد السيد أحمد الشريف فوزا لكافة الاطراف المعادية لنضال الشعب الليبي. وصل السيد أحمد الشريف إلى ميناء بولاوتريستا ومنها إلى النمسا ثم بالقطار إلى استانبول حيث استقبل استقبالا حافلا تدعيما لمواقفه وصموده، وقلده السلطان محمد السادس السيف "علامة السلطنة" ومُنحَه وساماً مجيدياً، وانعم عليه برتبة الوزارة.

نشاطه في المنفى

مباشرة بعد استقراره في المنفى اخذ السيد أحمد الشريف يحرض العثمانيين على اعطاء القضية الليبية الاهمية القصوى، وقد نجح بالعمل في اقناع عزت باشا، رئيس الوزراء آنذاك في اكتوبر 1918م، بأن يسمح له بالسفر خفية إلى طرابلس بعد تزويده بالمعدات والسلاح والاموال، إلا حتى اتفاق هدنة الحرب العالمية الاولى حال دون انجاح المهمة، ومع ذلك فقد انتقل السيد أحمد الشريف ورفاقه من استانبول إلى بروسه، استعدادا للعودة إلى برقة، اذا ما اخفقت جهود السلام.

وحتى بعد حتى اضطر لمغادرة البلاد، استمر في متابعة حركة الجهاد، والعمل على تأمين ما يستطيع من احتياجات المجاهدين، ولعل المهمة التي أوكلها إلى محمد أسد هي إحدى صور هذا الجهد، الذي كان السيد أحمد يبذله من المنفى لتقديم الدعم إلى المجاهدين، ولم تنبتر مراسلاته مع المجاهدين، حتى السنوات الأخيرة من الجهاد بعد استشهاد شيخ الشهداء عمر المختار، وعلى احتوائها على توجيهات إلى المجاهدين، خاصة الرسالة المؤرخة في 16 جمادى الآخرة 1350هـ، التي انتدب فيها السيد أحمد، المجاهد الكبير يوسف بورحيل المسماري لتولي القيادة بعد استشهاد عمر المختار.

لقد ادت نتائج الحرب العالمية الاولى إلى الانقسام في هجريا بين الخليفة في الاستانة، وانور بك في القوقاز، ومصطفى كمال اتاتورك في الاناضول، وحاول جميع منهم اجتذاب السيد أحمد الشريف إلى جانبه باعتباره زعيما دينيا موثوقا وذوشعبية كبيرة في هجريا ولكن السيد أحمد الشريف اتخذ موقف الحياد إزاء الزعماء الثلاث وإن كان يميل إلى انور باشا في احاديثه الخاصة، وكان الاخير قد وعده بتسهيل عودته إلى برقة بالسلاح والرجال والاموال إذا ما نجح في حسم الصراع لصالحه وكان ذلك غاية ما يتنماه السيد أحمد الشريف.

المهام والمناصب

بلغت ثقة الاتراك بالسيد أحمد الشريف حدا جعل مجلس المبعوثان يصدر قرارا بتعيينه ملكا على العراق في ابريل 1921م، ولكن فيصل بن الحسين ، بدعم الانجليز نجح في الوصول إلى العراق قبله، ويمضى بعض الباحثين إلى حتى مصطفى كمال اتاتورك قد عرض الخلافة على السيد أحمد الشريف ولكنه رفضها متعللا بأن احوال العالم الاسلامي آنذاك لا تشجع على اتخاذ مثل تلك المستوى.

شهدت سنتي 1921، 1922 تحركا سياسيا واسعا للسيد أحمد الشريف محاولا خلق جبهة اسلامية عريضة تضم الخديوي عباس "مصر" وعبد العزيز ال سعود "أمير نجد"، وابن الرشيد "امير حائل"، وأحمد الجابر الصباح "امير الكويت"، والحسن الادريسي "امير عسير"، وحميد الدين "امام اليمن"، هدفها تحرير العالم العربي الاسلامي من الاستعمار الايطالي والانجليزي والفرنسي، كما تدخل في الصراعات الدائرة بين قبائل شمر وعنزة وحقق الصلح بينهما، ثم انتقل إلى سوريا محاولا اثارة الشعور الديني، محرضا اهلها على العمل لطرد الفرنسيين بمساعدة الاتراك غير ان الفرنسيين كشفوا تحركاته وطردوه إلى هجريا عام 1924م.

وعلى اثر الانقلاب الذي قاده مصطفى كمال اتاتورك وإلغاء الخلافة العثمانية عام 1924 م، استوعب السيد أحمد الشريف حتى لامكان له في دولة اتاتورك الفهمانية، فانتقل إلى الحجاز بعد ان سدت في وجهه ابواب البلاد العربية الاخرى.

اقامته في الحجاز

كانت الفترة من 1924 إلى 1933م تمثل جانبا مهما في حياة السيد أحمد الشريف السنوسي في المنفى حيث اقام في الحجاز مستفيدا من العلاقة الخاصة التي كانت تربطه بعبد العزيز بن سعود، وبدا محركا وقائدا للمقاومة والجهاد في الداخل والتي كان يقودها في المنطقة الشرقية للبلاد شيخ المجاهدين سيدي عمر المختار ويعاونه قجة بن عبدالله السوداني، والفضيل بوعمر، ويوسف بورحيل، وحسين الجويفي، وعبدالله بوسلوم، وعبدالحميد العبار، وقد تظل من العائلة السنوسية بعد رحيل السيد ادريس السنوسي عام 1923 م إلى مصر جميع من محمد الصديق والسيد محمد الرضا والحسن الرضا.

ومن الروايات التي نقلها شكيب ارسلان في كتابه "حاضر العالم الاسلامي" عن السيد عبدالعزيز جاويش المقرب من السيد أحمد الشريف ان ضابطا ايطاليا برتبة عقيد طلب لقاءة السيد أحمد الشريف عندما كان في مرسى هجريا سنة 1924، وهويستعد للرحيل إلى الحجاز، ولكن السيد أحمد رفض الحديث معه بشكل قاطع عندما فهم انه يعرض عليه فكرة عقد صلح بينه وبين الحكومة الايطالية وكان جوابه "إننا لا نكره الصلح، ولكن على شرط الاستقلال الحقيقي لوطننا" وعندما فهم انه لم يكن مفوضا من قبل حكومته انهى اللقاءة معه على الفور، وحتى بعد ان تمكن العقيد الايطالي من الحصول علىالتفويض من حكومته رسميا حاول التفاوض مع السيد أحمد الشريف عن طريق معاونه السيد جاويش إلا ان السيد أحمد كان حازما في توجيهاته لمعاونه التي ختمها بقولته الشهيرة "إن طرابلس وبرقة ليستا ملكي لأجود بهما على الطليان، بل هما ملك اهلهما".

وفي 21 اكتوبر 1926 م نجح السيد أحمد الشريف في عقد معاهدة بين امام اليمن يحي وامام عسير الحسن بن علي الادريسي وملك الحجاز عبدالعزيز آل سعود، أنهى بموجبها الخلافات والحروب الدائرة في المنطقة، وكان هدفه من ذلك القضاء على تلك الحروب الجانبية التي تستنفد الكثير من جهود المسلمين حتى يلتفتوا جميعا إلى العدوالصليبي "الانجليزي والايطالي والفرنسي" الذي كان يحتل جزء كبيرا من العالم الاسلامي.

وظل السيد أحمد الشريف طوال فترة اقامته في الحجاز متفرغا لدعم المجاهدين في الداخل، وكان يتخذ من مواسم الحج والعمرة وسيلة للاتصال بالليبيين ويستقبل الرسل الوافدة إلى مكة من قادة الجهاد، يزودهم بالتوجيهات والتعليمات وكذلك بالامدادات كما جعل من مواسم الحج منبرا اعلاميا يحث المسلمين منه على دعم القضية الليبية ويجمع التبرعات منهم.


الشريف كما رأه شكيب أوفدان

نص كتاب شكيب ارسلان عندما قدمت إلى الآستانة في أواخر سنة 1923 م ، وهي أول مرة دخلتها بعد الحرب قررت لأجل الاستجمام من عناء الأشغال وترويح النفس بعد طول النضال، حتى أسكن ببلد صغير تتهيأ لي فيه العزلة وتسهل الرياضة، ويكون دانيا من وطني سورية لملاحظة شغلي الخاص، وتعهد أملاكي فيها، فاخترت مرسين، وألقيت مرساةغربتي فيها.

وكان السيد السنوسي بلغه قدومي إلى دار السعادة، فخط لي يرغب إليَ في سرعة المجيء ويرحب بي. فلما جئت إلى مرسين، مضىت توا لزيارته فأبى إلا حتى أنزل عنده، ريثما أكون استأجرت منزلا في البلدة، وقد رأيت في هذا السيد السند بالعيان ما كنت أتخيله عنه بالسماع، وحقَ لي والله حتى أنشد: (من البسيط).

  • كانت محادثة الركبان تخبرنا ← عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر
  • حتى التقينا فلا والله ما سمعت ← أذني بأحسن مما قد رأى بصري

رأيت في الرجل حبرا جليلا، وسيدا غطريفا، وأستاذا كبيرا، من أنبل من سقط نظري عليهم مدة حياتي، جلالة قدر، وسراوة حال ورجاحة عقل، وسجاحة خلق، وكرم مهزة وسرعة فهم، وسداد رأي، وقوة حافظة، مع الوقار الذي لا تغض من جانبه الوداعة، والورع الشديد في غير رياء ولا سمعة.

سمعت أنه لا يرقد في الليل أكثر من ثلاث ساعات، ويقضي سائر ليله في العبادة والتلاوة، والتهجد، ورأيته مرارا تنفج بين يديه السفر الفاخرة اللائقة بالملوك فيأكل الضيوف والحاشية ويجتزئ هوبطعام واحد لا يصيب منه إلا قليلا، إلى غير ذلك هي عادته.

وله مجلس جميع يوم بين صلاتي الظهر والعصر لتناول الشاي الأخضر الذي يؤثره المغاربة. فيأمر بحضور من هناك من الأضياف ورجال المعية، ويتناول جميع منهم ثلاثة أقداح شايٍ ممزوجا بالعنبر. فأما هوفيتحامى استهلك الشاي لعدم ملاءمته لصحته، وقد يتناول قدحا من النعناع.

ومن عادته أنه يوقد في مجالسه غالبا الطيب، وينبسط السيد إلى الحديث، وأكثر أحاديثه في قصص رجال الله وأحوالهم ورقائقهم وسير سلفه السيد محمد بن علي بن السنوسي، والسيد المهدي، وغيرهما من الأولياء والصالحين. وإذا تحدث في العلوم نطق قولا سديدا، سواء في فهم الظاهر والباطن.

وقد لحظت منه صبرا قلَ حتى يوجد في غيره من الرجال، وعزما شديدا تلوح سيماؤه على وجهه، فبينا هوفي تقواه من الأبدال إذا هوفي شجاعته من الأبطال. وقد بلغني أنه كان في حرب طرابلس يشهد كثيرا من الوقائع بنفسه، ويمتطي جواده بضع عشر ساعة على التوال بدون كلال وكثيرا ما كان يغامر بنفسه ولا يقتدي بالأمراء وقوَاد الجيوش الذين يتأخرون عن ميدان الحرب مسافة كافية، حتى لا تصل إليهم يد العدوفيما لوسقطت هزيمة. وفي إحدى المرار أوشك حتى يقع في أيدي الطليان، وشاع أنهم أخذوه أسيرا، وقد سألته عن تلك الواقعة فحكى لي خبرها بتفاصيله، وهوأنه كان ببرقة فبلغ الطليان بواسطة الجواسيس حتى السيد في قلة من المجاهدين، وغير بعيد عن جيش الطليان، فسرحوا إليه قوة عدة آلاف ومعها كهرباة خاصة لركوبه، إذ كان اعتقادهم أنه لا يفلت من أيديهم تلك المرة، فبلغه خبر زحفهم وكان يمكنه حتى يخيم عن اللقاء أوحتى يتحرف بنفسه إلى جهةقد يكون فيها بمنجاة من الخطر، أويهجر الحرب للعرب تصادمهم فلم يعمل، ونطق لي: ((خفت أنني إذا طلبت النجاة بنفسي أصاب المجاهدين الوهل فدارت عليهم الدائرة فثبت للطليان وهم بضعة آلاف بثلث مائة مقاتل لا غير، واستمات العرب وصدموا العدو، فلما رأى وفرة من سقط من القتلى والجرحى ارتدوا على أعقابهم، وخلصنا نحن إلى جهة وافتنا فيها جموع المجاهدين.

والسيد أحمد الشريف سريع الخاطر، سيال القلم، لا يمل الكتابة أصلا، وله عدة خط منها كتاب كبير أطلعني عليه في تاريخ السادة السنوسية، وأخبار الأعيان من مريديهم والمتصلين بهم، ينوي طبعه ونشره فيكون أحسن كتاب لفهم أخبار السنوسيين.

وفاته

توفي السيد/ أحمد الشريف يوم الجمعة في منتصف ذي القعدة سنة 1351 هـ الموافقعشرة مارس 1933م بالمدينة المنورة، ودفن في مقبرة البقيع.

تاريخ النشر: 2020-06-04 11:47:12
التصنيفات: مواليد 1873, وفيات 1933, أشخاص من الجغبوب, ليبيون, مجاهدون ليبيون, سنوسيون, تاريخ ليبيا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الجامعة تعلن عن مواعيد مباريات دور الـ 32 من مسابقة كأس العرش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-17 12:26:30
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

قمر رمضان في تربيعه الأول .. اليوم السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-17 12:25:02
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 65%

الجامعة تعلن عن مواعيد مباريات دور الـ 32 من مسابقة كأس العرش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-17 12:26:38
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

الذكاء الاصطناعي يتيح للأشخاص اجراء محادثات مع الموتى السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-03-17 12:25:04
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

الاتحاد الأوروبي يوقع مع مصر اتفاقيات بقيمة 7,4 مليارات يورو

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-17 15:07:00
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 98%

تحميل تطبيق المنصة العربية