هل انهارت مبادرة حوض النيل؟

عودة للموسوعة

هل انهارت مبادرة حوض النيل؟

هل انهارت مبادرة حوض النيل؟

الفرص والمخاطر
نايل الشافعي
خطت في 13-7 ونُشرت في المصري اليوم 29-7 2012

دول حوض النيل

نحن أمام لحظة تاريخية يعاد فيها رسم خريطة وسط أفريقيا. فقد رضخت أمريكا لأن ترسي الصين وجوداً قوياً في شرق الكونغو، يوازي إذا لم يفق وجودها في المنطقة؛ وذلك بعد مفاوضات وصفقات استغرقت أربع سنوات. ومن أول نتائج الوضع الجديد حتى سحبت أمريكا حمايتها عن شرطيها في المنطقة، پول كاگامه، رئيس رواندا، وذلك بصدور قرار الأمم المتحدة، في 11-7-2012، بإدانة دور رواندا في عمليات القتل والنهب المنظم في شرق الكونغو، مع حكمين من المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على اثنين من مساعدي كاجامه. ولما كان شرق الكونغوهوأحد منابع النيل، ولـِما كان لرئيس رواندا من دور رئيسي في الموقف العدائي تجاه مصر في مبادرة حوض النيل، وفي السيطرة على خمس من دوله، فمن المنتظر تغير نظم الحكم في تلك الدول قريباً. هذا التغير يحمل في طياته فرص ومخاطر. فالنظام الدولي الجديد يحتاج لقوة إقليمية ترتضيها أمريكا والصين لإرساء الاستقرار. مصر مؤهلة تماماً للعب هذا الدور، وكذلك جنوب أفريقيا. الخطر يكمن في تشظي المنطقة إلى دويلات عرقية متناحرة يمكن من خلالها تمرير سيناريوهات سوداوية لابتزاز دول مصب النيل (مصر والسودان) – وهوالأمر الذي يحتم على مصر السعي بعزم نحولعب دور القوة الإقليمية المقبولة، وهوما سيسهم ذلك في تأسيس حديث لعلاقات شراكة صحية بين أشقاء حوض النيل.

پول كاگامه مع الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، أثناء زيارة دولة لمصر فيخمسة نوفمبر 2009. وبعدها بشهر، طالب بإعادة توزيع مياه النيل.
پول كاگامه كان حليفاً وثيقاً لادارة الرئيس بوش.

مبادرة حوض النيل تضم ثماني دول بالاضافة لمصر والسودان. خمسة منهم يأتمرون مباشرة بأمر پول كاگامه، رئيس رواندا، وهم رواندا وبوروندي وأوغندا والكونغوالديمقراطي وجنوب السودان (بالاضافة إلى إثيوبيا وكنيا وتنزانيا). فمن أوائل التسعينيات، لعب كاجامه دوراً محورياً في إحلال أمريكا محل فرنسا في تلك المنطقة، وإشعال أكبر حرب منذ الحرب العالمية الثانية (حرب الكونغو، 5.4 مليون قتيل)، تحت ستار ما سماه تعقب فلول الهوتوالذين زعم أنهم أبادوا التوتسي. تم في ظلها ما وصفته الأمم المتحدة في 2001 بأنه أكبر عملية نهب في تاريخ البشرية وكانت لثروات الكونغو. ومكـّن شركات أنجلو-أمريكية من الحصول على امتيازات استخراج الألماس والمضى والنحاس والكوبالت والكولتان بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً. اتسع نطاق دور الشرطي التوتسي الرواندي ليصل إلى الصومال وتسليح وتدريب جنوب السودان وإرسال مرتزقة إلى العراق وأخيراً طرح مبادرة حوض النيل لاعادة تقاسم مياه النيل.

رئيس جمهورية الكونغوالديمقراطية، جوسف كابيلا، يصافح رئيس جمهورية الصين الشعبية، هوجين‌تاوفي 2005.

تواصل النهب الرواندي حتى حلت الأزمة الاقتصادية العالمية في 2007 التي تسببت في تراجع حاد في صادرات الكونغو، ولم يتمكن الغرب من إعانة الكونغو. فاتجه الرئيس الكونغولي الشاب، جوسف كابيلا، إلى الصين عارضاً حق تطوير مناجم نحاس وكوبالت، لقاء تمويل خمس مشاريع للبنية التحتية. وفي نهاية 2007، سقط رئيسها، "هوجين‌تاو"، مع الرئيس كابيلا، مذكرة تفاهم لصفقة مقايضة قيمتهاتسعة مليار دولار لقاء حق تطوير والانتفاع بمناجم نحاس وكوبالت جديدة (سيكومين) في شرق الكونغو.

دومينيك ستروس-كان، مدير عام صندوق النقد الدولي، يفاوض الرئيس الكونغولي، جوسف كابيلا حول صفقة سيكومين الصينية الكونغولية، في كينشاسا، 24 مايو2009.
بعدخمسة شهور من موافقة صندوق النقد على الصفقة الصينية، ألقي القبض على ستروس-كان في نيويورك بتهمة الزنا. وانتهت حملته كمرشح لرئاسة فرنسا.

لم يستطع الغرب المأزوم منافسة العرض الصيني، فطلب من مدير صندوق النقد الدولي، كممثل لنادي باريس للمقرضين، إيقاف الصفقة. ففاوض "دومنيك ستروس-كان" الحكومة الصينية، التي كانت في 2009-2010 تجري مفاوضات اقتصادية معقدة مع الولايات المتحدة. وافقت الصين على تضييق الصفقة إلىستة مليار دولار واستمرار شراء الصين لسندات الخزانة الأمريكية لعامين (لدعم عجز الميزانية الأمريكية)، لقاء حصول الصين على حصة أكبر في صندوق النقد الدولي وعدم اعتراض الغرب على صفقة سيكومين. "ستروس-كان" الذي كان يقود حملته الانتخابية لرئاسة فرنسا، لم يقنع الرئيس الكونغولي بهجر الصفقة، على الرغم من العلاقة الوطيدة بينهما، بل خرج كابيلا مصراً على فرض رقابة على جميع شركات التعدين في شرق الكونغو، وهي أمريكية وبريطانية وصينية، وهوالكفيل بالقضاء على نهب ثروات البلاد ودور رواندا فيه. ثم سقط على صفقة سيكومين في نهاية 2010. وبعد شهور ألقي القبض على "ستروس-كان" بتهمة الزنا في نيويورك، وانتهت حياته السياسية – فهل كان انتقام لبلاده،يا ترى؟

شرعت الصين في تسليم شبكات طرق وسكك حديدية، فارتفعت شعبية كابيلا. أما الصين فليس لديها حاجة لخدمات كاجامه. فاستقوى بها كابيلا وتمرد على رئيس أركانه المفروض عليه، بوسكونتاگاندا، الرواندي التوتسي، الذي كان أحد مساعدي كاجامه. فاستصدر، في أبريل 2012، أمراً من المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على نتاگاندا، بتهمة تجنيد الأطفال والقتل والنهب. ثم في يونيوأمراً بالقبض على توماس لوبانگا، مساعد آخر لكاجامه، وزعيم حركة 23 مارس (M23). وبعد أسبوعين، في 11 يوليو، أصدرت الأمم المتحدة لأول مرة قراراً يدين تورط رواندا في أعمال التمرد والنهب في شرق الكونغو، عبر (إم23). وحالياً تقوم قوات الأمم المتحدة (مونوسكو) بقصف مروحي لقوات تلك الجماعة التي تزحف نحوگوما، أكبر مركز في العالم لانتاج الكوبالت والكولتان (المستخدم في الهواتف الننطقة).

فرص ومعوقات مصر

الموضوع في مجلة المعصرة، جريدة الشروق، عدد 1 أغسطس 2012.

تتكون قوة الأمم المتحدة بالكونغومن 17 ألف فرد، تساهم مصر بـ 1,361 فرد منهم، بينما تساهم شبه القارة الهندية بحوالي 11,000 جندي. كما بدأت الشركات الهندية في التدفق على الكونغولتطهير القنوات ومد شبكات الكهرباء. ليس هناك ما أبرز لمصر من مياه النيل لتجود فيه بالروح، وإن كان الأمر لا تكتنفه المخاطر أوالتكاليف، فالأمم المتحدة متكفلة بها. كما يجدر بمصر المساهمة ببناء شبكة مراقبة فيضان روافد النيل كبادرة إخاء.

موافقة الدول الكبرى على هذا الامتداد للدور المصري ليست مضمونة، بل حتى تقارير الأمم المتحدة تشير إلى حتى هناك من يسعى في الأمم المتحدة لتقليص حجم المساهمة الضئيل لمصر في قوة الكونغو. فتشير تلك التقارير إلى حتى الجنود المصريين (1,348 فرد) لا ينفذون الأوامر العاجلة إلا بعد استشارة القاهرة وهوما يستغرق أسابيع في بعض الأحيان، في وسط ميدان قتال مشتعل. أما أفراد الشرطة المصريون (13 فرد) في الكونغوفتتهمهم تقارير الأمم المتحدة بعدم الانضباط، ومثال لذلك أنهم تلقوا أمراً بنقل 60 حاوية من نقطة (أ) إلى النقطة (ب)، فبدلاً من ذلك نقلوا 200 حاوية من النقطة (ج) إلى النقطة (د).

كما حتى انسحاب القوات المصرية، فيتسعة أكتوبر 2011، من بلدتي سبله وفيزي أثناء اندلاع غارات الاغتصاب الجماعي التي قامت بها ميليشيات ماي ماي، أدى إلى فرار آلاف السكان الذين كانت تحميهم القوات المصرية. على القوات المصرية حتى تشرح للسكان ملابسات الانسحاب واستنادىئها من قيادة المونوسكوأثناء تصاعد الهجمات. يجب ألا يغيب عن القوات المصرية حتى جزء كبير من مهمتها هوإعلامي لبسط الطمأنينة والاستقرار. لذلك تصدر القوات الأمريكية والهندية مواقع خاصة على الإنترنت لابراز الدور الإنساني لهم. كما حتى سيلاً من المسئولين ورجال الأعمال من الدول المساهمة لا ينبتر عن زيارة قوات بلدهم لحصاد ما يمكن جمعه من فرص دبلوماسية وتجارية في الكونغو.

يجب ألا نطمئن لحقيقة حتى تلك الأنظمة زائلة. ففكرة إعادة توزيع مياه النيل لم يأت بها كاجامه. وإن لم نعمل شيئاً، فكاجامه التالي لنقد يكون لديه سبب للتخلي عنها. كما يجب على الخارجية المصرية تطوير الدبلوماسية العرقية. فيكون لدينا اتصالات دائمة مفتوحة مع مختلف الجماعات العرقية الرئيسية في حوض النيل. كما يجب تعيين دبلوماسيين ورجال مخابرات يتحدثون اللغات المحلية الرئيسة، مثل السواحيلي والأمهرية. لا بديل عن الحركة.


الهامش

  1. ^ WALTER JAMES (2011-11-29). "Well, it is Election Day Plus One in the Congo". http://advocacynet.org. External link in |publisher= (help)
تاريخ النشر: 2020-06-04 12:02:40
التصنيفات: CS1 errors: external links, مقالات نائل الشافعي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

النصيري يدخل تاريخ كأس أمم إفريقيا

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:11:16
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 76%

إسرائيل ترفض مقايضة السعودية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:09:30
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 93%

رئيس يوفنتوس السابق يرى أن التعاقد مع رونالدو كان خطأ

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:08:50
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 91%

غزة تحتاج إلى 15 مليار دولار لإعادة الإعمار بعد الحرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:10:47
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 73%

بلاغ جديد للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:10:56
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 75%

الشماخ يعلق على أداء الأسود في أول ظهور رسمي لهم في “الكان” 

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:11:07
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 81%

فرنسا تطلق "تحالف المدفعية" لتسليح أوكرانيا بـ60 مدفعا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:08:36
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 91%

ماذا وراء زيارة وفد دبلوماسي أوروبي إلى مخيمات “البوليساريو”؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:11:13
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 75%

شويغو يتفقد مصنعا للصواريخ الموجهة في مقاطعة موسكو (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:08:39
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 94%

حفيظ دراجي يعلق على فوز المغرب أمام تنزانيا

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:10:52
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 80%

مصر تتعاقد على صفقة قمح جديدة مع روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:08:41
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 85%

بوغدانوف والسفير الإيراني يبحثان الأزمة السورية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:08:38
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 99%

غينيا الاستوائية تعمق جراح “أختها” بيساو

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-18 18:11:28
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 76%

تحميل تطبيق المنصة العربية