دانيال بن شعيا

دانيال بن شعيا هوحكيم وطبيب، يرجَّح أنه عاش في النصف الثاني من القرن الحادي عشر وتوفي في مطلع القرن الثاني عشر.

قام دانيال بن شعيا بتأليف كتاب مختصر في طب العيون شرح فيه كتاب «تذكرة الكحالين» الذي ألفه علي بن عيسى الكحال البغدادي في مطلع القرن الحادي عشر الميلادي، وقد اتى شرح دانيال بن شعيا على طريقة: (المسألة والجواب) التي كانت شائعة منذ أيام حنين بن إسحاق (القرن الثالث الهجري/القرن التاسع الميلادي) والتي كانت تهدف إلى تسهيل حفظ المادة الفهمية للكتاب عن طريق جعل الأسئلة وأجوبتها محددة، ومختصرة، وواضحة، ليتمكن طالب الطب والطبيب المبتدئ من استذكار المادة الفهمية، وأنقد يكون في مقدوره حتى يعود إليها قبيل الامتحان. (… وغرضه إيقاف المبتدئ على الأمور التي لابد من حفظها) على حد تعبير المؤلف، ومن فوائد هذه الطريقة أنها لا ترهق المتفهم بنص قد (يشوش فهمه، وليس به ضرورة...). وقد كان كثير من المؤلفين العرب يميلون إلى اختصار المادة الفهمية بشرط حتى تتحقق فيها: (...ثلاثة أشياء: الاستقصاء في الصفة، والاستتمام للمعنى، والإيجاز في الكلام) - على حد تعبير دانيال بن شعيا -.

وكان المؤلف معجباً بكتاب التذكرة الذي صار (قانوناً) لأطباء العين العرب ومرجعاً رئيساً لا يستغنى عنه، فأراد حتى يقدمه إلى القراء مختصراً وبالكيفية التي يرى أنها الطريقة المثلى.

وقد جعل المؤلف كتابه في 677 مسألة وجواب، وقسمه إلى ثلاث منطقات.

وفي الحقيقة فإن كتاب دانيال بن شعيا يرقى - بكل المقاييس - إلى مستوى هذه الخط التي صارت من المراجع المحترمة في القرن الثالث عشر الميلادي يوم وصل التأليف في طب العين إلى ذروته على يد خليفة بن أبي المحاسن الحلبي وابن النفيس ويحيى ابن أبي الراتى الحموي (صلاح الدين الحموي).

ولما كانت خط التراجم والطبقات قد أغفلت هذا المؤلف لا يُعهد شيء عن حياته، لكن قراءة كتابه تشهد على أنه كان حكيماً حقاً، وأنه كان أستاذاً قديراً في الطب النظري.

وقد ذكر خليفة بن أبي المحاسن شرح دانيال بن شعيا لتذكرة علي بن عيسى في قائمة أسماء مراجع كتابه «الكافي في الكحل»، وبذلك كان خليفة أول من شهد بأهمية هذا الكتاب، بل أول من لفت الأنظار إليه.

وقد وصلت إلى هذا العصر مخطوطتان من هذا الكتاب، واحدة في اصطنبول، ذكرها بروحدثان، ووصفها Dietrich، وواحدة في القاهرة ذكرها سامي حمارنة.

يبتدئ الكتاب بمقدمة قصيرة يلخص فيها الشارح غرضه من هذا التأليف. ثم يعرض (الرؤوس الثمانية) للكتاب - على طريقة الإغريق والعرب في تآليفهم الفلسفية والطبية - متبعاً في ذلك أسلوب علي بن العباس المجوسي في كتابه «كامل الصناعة الطبية»، وهذه الرؤوس عند دانيال بن شعيا هي:

1 ـ الغرض من تأليف الكتاب.

2 ـ منفعة هذا الكتاب.

3 ـ السمة (اسم الكتاب).

4 ـ القسمة (أقسام الكتاب).

5 ـ مرتبة الكتاب.

6 ـ اسم واضع الكتاب.

7 ـ من أي العلوم هو(حقل اختصاص الكتاب).

8 ـ نحوالتعليم المستعمل (أسلوب الكتاب).

في الموضوعة الأولى (133) مسألة، وتعنى هذه الموضوعة بتعريف العين عضواً في جسد الإنسان، كما تعنى بعلوم التشريح ووظائف العين (الفيزيولوجية).

أما الموضوعة الثانية، ففيها مقدمة في فهم الأمراض (الباثولوجية) وفهم الأدوية (الفارماكولوجية)، وهي مخصصة لأمراض العين (الظاهرة للحس) أي تلك التي تقع تحت بصر الطبيب المعالج، وفي هذه الموضوعة يعرض الشارح مسببات الأمراض وأعراضها وعلاماتها و(قوانين مداواتها) سقماً سقماً، ويبلغ عدد الأسئلة في هذه الموضوعة (421) سؤالاً.

والموضوعة الثالثة هي تلك التي تعرض أمراض العين (الخفية عن الحس) كالخيالات التي يراها المريض، والعمى الليلي (العشاوة) والعمى النهاري (الجهارة)، وأمراض العصب البصري والروح الباصر وغير ذلك.

وتشـتمل هذه الموضوعات أيضاً على أسـئلة متعلقة بحفظ صحة العين، وضعف البصر، والعمى، والصداع الناجم عن أمراض العين. وعدد الأسئلة في هذه الموضوعة (123) سؤالاً.

أما أدوية العين المفردة فقد اتىت في نهاية الموضوعة الثالثة عند دانيال بن شعيا تماماً كما عمل علي بن عيسى، لكن دانيال يؤكد بشكل غير مباشر حتى هذه الأدوية لا تستعمل جميعاً مفردة، بل تقع في أدوية العين المركبة، وهذه ملاحظة مهمة أغفلها كثير من المؤلفين.