التجارة الرومانية

عودة للموسوعة

التجارة الرومانية

طرق التجارة الرومانية الرئيسية، الداخلية والخارجية في 180م

اتسعت تجارة البحر الأبيض المتوسط اتساعاً لم يسبق له مثيل من قبل بسبب إصلاح إدارة الحكم ووسائل النقل. ففي أحد طرفي عملية التبادل كان البائعون الجائلون يطوفون بالريف ويبيعون أهله جميع شيء من عيدان الثقاب إلى الحرير المستورد الغالي الثمن. وشبيه بهؤلاء من يبيعون البضائع "بالمزاد"، وكان عملهم أيضاً المناداة على البضائع المفقودة والعبيد الآبقين. وكانت هناك أسواق بيومية وأخرى دورية، وكنت ترى أصحاب الحوانيت يساومون المشترين ويخسرون الموازين، ويرقبون في حذر مفتشي الحكومة (الإيديل) الذين كانت مهمتهم مراقبة المكاييل والموازين. وكان أرقى من هؤلاء في السلم التجاري الحوانيت التي تصنع بنفسها سلعا؛ وكانت هذه الحوانيت عماد الصناعة والتجارة جميعاً. وكان في الثغور البحرية أوبالقرب منها بائعوالجملة (magnaru) يبيعون لتجار التجزئة أوللمستهلكين البضائع المستوردة حديثاً من خارج البلاد؛ وكان صاحب السفينة أورئيس بحارتها في بعض الأحيان يبيع ما فيها من البضائع قبل حتى يفرغها.

عربة رومانية ذات أربع عجلات

وظلت إيطاليا مائتي عام وميزان التجارة في غير صالحها، فقد كانت تشترى أكثر مما تبيع، وكانت راضية بذلك مغتبطة. كانت تصدر بعض الفخار الأريتيني Arretine وبعض الخمر والزيت، والأدوات المعدنية والزجاج، والروائح العطرية من كمبانيا؛ أما ما عدا هذه من المنتجات فقد كانت تحتفظ به لنفسها. وكان لتجار الجملة في هذه الأثناء وكلاء يشترون البضائع لإيطاليا من كافة أنحاء الإمبراطورية، وكان للتجار الأجانب سماسرة يعرضون بضائعهم في إيطاليا؛وبهذه العملية المزدوجة اتىت طيبات نصف العالم إلى إيطاليا لتتلذذ بها أفواه عظماء الرومان، وتكتسي بها أجسادهم، وتزدان بها بيوتهم؛ وفي ذلك يقول إيليوس أرستيديس Aelis Aristides: "من شاء حتى يرى جميع طيبات العالم عمليه حتى يطوف العالم كله أويقيم في رومة"(45). وكانت صقلية ترسل لها الحبوب، والماشية، والجلود، والخمور، والصوف، والأدوات الخشبية الفنية الجميلة، والتماثيل، والحلي، وكانت ترد من شمالي أفريقية الحبوب والزيت؛ ومن قورينة الانجدان Silpium ؛ ومن أفريقية الوسطى الوحوش اللازمة للملاعب والمجلدات؛ ومن بلاد الحبشة وشرقي أفريقية العاج والقردة، وأصداف السلاحف، والرخام النادر الطبيعي، والتوابل، والعبيد الزنوج؛ ومن غربي أفريقية الزيتون، والحيوانات البرية، والماشية، والصوف، والمضى، والفضة، والرصاص، والقصدير، والنحاس، والحديد، والزنجفر، والقمح، والتيل، والفلين، والخيل، ولحم الخنزير، وخير أنواع الزيتون وزيته؛ ومن بلاد غالة الملابس، والخمور، والقمح والخشب، والخضر، والماشية، والدجاج، والفخار، والجبن، ومن بريطانيا، القصدير، والرصاص والفضة، والجلود، والقمح، والماشية، والعبيد، والمحار، والكلاب واللؤلؤ، والمصنوعات الخشبية؛ وكانت أسراب الإوز تسير من بلجيكا إلى إيطاليا لتملاْ أكبادها بطون الأشراف من أبنائها. وكانت ألمانيا تورد الكهرمان، والعبيد، والفراء؛ وبلاد اليونان والجزائر اليونانية تصدر الحرير الرخيص، والتيل، والخمر، والزيت، وعسل النحل ، والخشب، والرخام، والزمرد، والعقاقير، والمصنوعات الفنية، والروائح العطرية والماس، والمضى، وكانت بلاد البحر الأسود تصدر الحبوب، والسمك، والفراء، والجلود، والعبيد؛ وأسية الصغرى تصدر المنسوجات التيلية والصوفية، والجلد المرقق للكتابة، والخمر، وتين أزمير وغيرها من البلاد، والعسل والجبن، والمحار، والسجاجيد، والزيت، والتفاح، والكمثرى،والبرقوق، والتين، والبلح، والرمان، والبندق، والناردين، والبلسم ، والصمغ القرمزي ، والأرجواني، وأرز لبنان؛ وكانت تدمر تورد المنسوجات والعطور والعقاقير؛ وبلاد العرب تورد البخور، والصمغ، والصبر، والمر، والأفيون، والزنجبيل، والقرفة، والأحجار الكريمة؛ ومصر تورد الحبوب، والورق، والتيل، والزجاج، والحلي، والحجر الأعبل، وأحجار البازلت، والمرمر، والبرفير؛ وكانت آلاف الأدوات المصنوعة المتنوعة الأنواع ترد إلى رومة وغريب أوربا من الإسكندرية، وصيدا، وصور، وانطاكية، وطرطوس، ورودس، وميليتس، وإفسوس وغيرها من كبريات مدائن الشرق؛ وكانت بلاد الشرق نفسها تستورد المواد الغفل والنقود من الغرب.

River vessel carrying barrels, assumed to be wine

وكانت هناك فضلاً عن هذا كله تجارة واردات ضخمة من خارج الإمبراطورية. فكانت ترد إلى إيطاليا من بارثيا وبلاد الفرس الجواهر، والعطور النادرة، والجلود الرقيقة، والطنافس، والحيوانات البرية، والخصيان؛ وكان يرد من الصين بطريق بارثيا أوالهند أوالقوقاز الحرير منسوجاً أوغير منسوج؛ وكان الرومان يظنونه محصولاً نباتياً يستخرج من الشجر ويقومونه بوزنه مضىاً(44). وكان معظم هذا الحرير يرد إلى جزيرة كوس Cos حيث ينسج ملابس لنساء رومة وغيرها من المدن؛ واضطرت ولاية مسينيا Messenia ـ وهي الولاية الفقيرة نسبياً ، حتى تحرم على نسائها ارتداء الملابس الحريرية الشفافة في الاجتماعات الدينية؛ وهذه الملابس هي التي غزت بها كليوبطرة قلبي قيصر وأنطونيوس(45). وكانت الصين تستورد من الإمبراطورية الرومانية في نظير صادراتها إليها الطنافس والحلي، والكهرمان، والمعادن، والأصباغ، والعقاقير، والزجاج. ويحدثنا المؤرخون الصينيون عن بعثة تجيء بطريق البحر إلى الامبراطور هوان دي عام 166، من قبل الامبراطور "آن-طون" ـ أي ماركس أورليوس أنطونيوس. وأكبر الظن ان هذه البعثة لم تكن إلا جماعة من التجار انتحلوا صفة السفراء. وقد عثر في ولاية شانسي الصينية على ست عشرة بترة من النقود الرومانية مضروبة فيما بين حكم تيبيريوس وحكم أورليوس. وكانت الهند تورد إلى إيطاليا الفلفل، وسنبلة الطيب، وغيرها من التوابل (التي سافر كولمبس ليبحث عنها)، والأعشاب، والعاج، وحجر الظفر (الخرز اليماني) والجمست، والياقوت الأحمر، والماس، والمصنوعات الحديدية،وأدوات التجميل، والمنسوجات، والنمورة، والفيلة. وفي مقدورنا حتى ندرك مقدار هذه التجارة وخشب الرومان لأسباب الترف إذا عهدنا ان إيطاليا كانت تستورد من الهند أكثر مما تستورده من أي بلد آخر عدا أسبانيا(46). ويذكر استرابون ان مائة وعشرين سفينة كانت تبحر جميع عام من ثغر واحد نم الثغور المصرية إلى الهند وسيلان. وكانت الهند نفسها تستورد في لقاء صادراتها مقداراً غير كبير من الخمور، والمعادن، والصبغة الأرجوانية، وتأخذ ثمن ما بقى من بضائعها أكثر من مائة مليون سسترس نقوداً أوسبائك. وكان مثل هذا القدر من المال يرسل إلى بلاد العرب والصين، ولعل مثله أيضاً كان يرسل إلى أسبانيا.

وظلت هذه التجارة الواسعة مصدر رخاء عظيم مائتي عام، ولكن أساسها غير السليم جر الخراب على الاقتصاد الروماني في آخر الأمر. ذلك ان إيطاليا لم تحاول قط حتى تتعادل صادراتها ووارداتها، وأنها استولت على مناجم خمسين ولاية أونحوها، وفرضت على أهلها الضرائب لتستمد منها المال الذي تدفعه لموازنة صادراتها بوارداتها. فلما ان استنفذت العروق المعدنية الغنية ولم تنقص شهوة الرومان للترف والكماليات، حاولت رومة حتى تؤجل انهيار نظام الاستيراد بفتح بلاد جديدة اشتهرت بمعادنها مثل داشيا Dacia، وبتخفيض قيمة نقدها الذي كان من قبل أبعد النقود عن الفساد والانحطاط، فصارت تصنع أكثر ما تستطيع صنعه من النقود من أقل ما لديها من السبائك. ولما حتى اقتربت نفقات الإدارة والحروب من مكاسب الإمبراطورية، كان على رومة حتى تؤدى ثمن ما تستورده من البضائع بضائع أخرى، ولكنها عجزت عن هذا.

وكان اعتماد إيطاليا على ما تستورده من الطعام أبرز مسببات ضعفها. ذلك أنها ساعة حتى عجزت عن إرغام غيرها من البلاد على حتى ترسل إليها الطعام والجنود، إذن مجدها بالزوال وفي هذا الوقت عينه أخذت الولايات تسترد رخائها وأولويتها الاقتصادية؛ فكاد التجار الإيطاليون في القرن الأول الميلادي يختفون من الثغور الشرقية، واستقر التجار السوريون واليونان في ديلوس وبتيلوي، وتضاعف عددهم في أسبانيا وغالة، وأخذ الشرق بين أعطى التاريخ وجزره المتباعدة الأجل يستعد لأن يسطر مرة أخرى على الغرب.

انظر أيضاً

  • بريطانيا الرومانية: التجارة
  • العملات الرومانية
  • المالية الرومانية
  • Roman glass


الهامش

وصلات خارجية

  • The Romano-British Amphora Trade to A.D. 43 An Overview
  • Ancient Roman Currency and Economy
تاريخ النشر: 2020-06-04 12:31:48
التصنيفات: اقتصاد روما القديمة, العلاقات الخارجية لروما القديمة, التاريخ الاقتصادي لإيطاليا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

4299 إصابة جديدة بكوفيد 19 تتوزع على جميع جهات المملكة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:10:52
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 39%

جميع مدن جهة مراكش آسفي تسجل إصابات جديدة بكوفيد

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:10:48
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 39%

المغرب يرفع الأموال المسموح بها للمسافرين إلى 100.000 درهم في السنة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:10:51
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 37%

الإعلان عن موعد وصول أدوية كورونا الجديدة إلى مصر

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:15:18
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

تل أبيب بصدد السماح للأمريكيين من أصول فلسطينية بدخول إسرائيل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:15:12
مستوى الصحة: 97% الأهمية: 87%

إصابة ملك وملكة السويد بكورونا رغم تلقيهما الجرعة المعززة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:15:15
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 94%

بولسونارو لن يخضع لعملية جراحية، وفق أطبائه

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:14:55
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 97%

لجوء 70 مهاجرا إلى منصة نفطية في المتوسط

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:15:09
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 100%

أردوغان: قضينا على "الفقاعة" وحان الوقت لجني الثمار

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:15:14
مستوى الصحة: 96% الأهمية: 91%

فنزويلا.. المعارضة تمدد مهام غوايدو "رئيسا مؤقتا" للبلاد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:15:10
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 100%

فيروس كورونا: وفاة أشهر مذيعين توأمين في فرنسا بكوفيد في أسبوع واحد

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:14:42
مستوى الصحة: 99% الأهمية: 100%

إيقاف ألباني بمطار فرانكفورت لارتكابه جريمة قتل ضابط كبير

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 17:47:53
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 59%

توخل يستدعي لوكاكو الى تشكيلة تشلسي بعد اعتذاره

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:14:56
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 88%

الأسير الفلسطيني هشام أبو هواش ينتزع حريته

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 18:15:07
مستوى الصحة: 96% الأهمية: 90%

أمريكا.. عاصفة جليدية تغلق طريقاً رئيسياً في فرجينيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-04 17:47:35
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 61%

تحميل تطبيق المنصة العربية