مسرح المملكة المتحدة

عودة للموسوعة

مسرح المملكة المتحدة

The Royal Shakespeare Theatre, opened in Stratford-upon-Avon in 1932, named after the famous playwright, William Shakespeare

المسرح في عهد جيمس الأول

تابعت نشوة إنجلترا مسيرتها في الأدب، كما تابعتها في الدين. وإني لأنسب إلى عصر جيمس، النصف الأروع في روايات شكسبير، وكثيراً من روائع تشابمان، ومعظم روائع جونسون، ووبستر، ومدلتون، ودكر، ومارستون، وبعضاً من أحسن أعمال ماسنجر، وكل روائع بومونت وفلتشر، وفي الشعر دون وفي النثر برتون. وأروع وأكرم من هذا كله الكتاب المقدس ترجمة الملك جيمس، وتلك أمجاد تكفي لأن يتألق بها أي عصر، وكان الملك يتذوق المسرحية. وفي أحد الاحتفالات بعيد الميلاد مثلت أربع عشرة رواية في البلاط الملكي. وفي 1613 احترق مسرح الجلوب عن آخره نتيجة إطلاق مدفعين استلزم إطلاقهما تمثيل رواية هنري الثامن، ولكن سرعان ما أعيد بناؤه. وفي 1613 كان في لندن أوبالقرب منها نحوسبعة عشر مسرحاً.

وكان جورج تشابمان يكبر شكسبير بخمس سنوات، وعمر بعده ثمانية عشر عاماً، وشهد ثلاثة عهود (1558- 1634). وشق طريقه في أناة وروية حتى صار فحلاً في فنه، وكان في 1598 قد أكمل بنجاح رواية مارلوHero and Leander، ونشر سبعة خط من الإلياذة، ولكنه لم ينجز ترجمة هوميروس حتى 1615، وظهرت أحسن رواياته فيما بين 1607 و1613. وفتح للمسرحية الإنجليزية مجالاً جديداً، حين اقتبس من التاريخ الفرنسي الحديث فكرة رواية Bussy d, Ambois، (1607؟)- خمسة فصول من الخطابة الصاخبة المليئة بالتهديد والوعيد، لا يكاد يلطف من عنفها شيء من سحر البيان، ولكنها تقوى إلى حد مزعج في صحيفة يتبادل موسى وعدوه التحيات الساخرة التهكمية العسيرة الهضم قدر عسر هضم الحقيقة. ولم يفق تشابمان قط من التفهم أولم ينبتر عنه، فإن القدر الكبير الذي حصله من اليونانية، والقدر الأكبر من اللاتينية استحوذا على جميع تأملاته وتفكيره، بشكل خانق، وإن قراءة رواياته لهي ضرب من الجهد المضني لمجرد الإطلاع والدرس، لا حباً في الروايات أوالاستمتاع بها. ولن نبتهج كما عمل كيتس، "لأول نظرة نلقيها على ترجمة تشابمان لهوميروس". فثمة حيوية دافقة هنا وهناك في الترجمة السباعية التفاعيل تسموبها فوق ترجمة بوب، التي هي أفضل بصفة عامة، ولكن موسيقى الشعر تضيع في الترجمة، فإن التفاعيل السداسية الوثابة في الأصل تداعبنا بتناغم أسرع مما تعمل التفاعيل الموزونة المقيدة في الشعر المقفى. إذا أية قصيدة إنجليزية طويلة مقفاة لم تتخلص من النعاس الذي يغلب على أناشيد بحارة البندقية. وحول تشابمان إلى "شعر ملحمي" أبياتاً عشرية المقاطع ليتفق جميع اثنين في القافية-حول الأوديسية ترجمته لها بنفس قوة التهدئة. ولا بد حتى جيمس غلبه النعاس تحت هذه الأغطية الثقيلة، إلى جانب إيماءات هوميروس العارضة، لأنه أهمل في دفع مبلغ الثلاثمائة جنيه التي كان الأمير الراحل هنري قد وعد بدفعه إلى تشابمان، عند إتمام الترجمة. ولكن إرل سومرست أنقذ الشاعر العجوز من الفقر.

وهل نتوقف قليلاً عند توماس هاي‌وود، وتوماس مدلتون، وتوماس دكر، وسيريل تورنير، وجون مارستون، أويسمحون لنا بأن نمر عليهم مر الكرام مع تحية متواضعة لشهرتهم المتأرجحة، أما فلتشر، فلن نستطيع حتى نبخسه حقه.

فإنه في ذروة مجده (1612-1625) حملته إنجلترا، في مجال المسرحية، إلى المرتبة التالية لمرتبة شكسبير وجونسون. كان فلتشر ابن أحد أساقفة لندن، وابن أخ أوابن عم لثلاثة شعراء من طراز متواضع، فرضع الشعر وتربى على القوافي، وأضاف هوإلى هذا التراث ما كسب من ميزة اشتراكه مع شكسبير في "هنري الثامن"، "القريبان النبيلان"، ومع ماسنجر في "الخوري الأسباني"، واشتراكه بأعظم النجاح مع فرانسيس بومونت.

ومن هذا الطراز أيضاً ولد فرانك. وكان ابناً لأحد القضاة البارزين، وأخاً لشاعر صغير الشأن، ولد قبله بعام ومهد له طريق الحياة. وأخفق بومونت في إتمام دراسته في أكسفورد أوفي أحد معاهد الحقوق The lnner Temple وحاول حتى يجرب قلمه في شعر المرح، وانضم إلى فلتشر في كتابة الروايات. وشارك الأعزبان الوسيمان الواحد منهما الآخر، في الأكل والنوم، والأمتعة والملابس، والخليلات والأفكار، أوكمال نطق أوبري "كانت ثمة مرآة شركة بينهما، وكان ثمة تتشابه غريب في أفكارهما وصورهما الذهنية(33)". وتعاون الاثنان على مدى عشر سنوات في إخراج روايات مثل The Maids' Tragedy, Loves Liesa-Bleeding, Philaster Thel Knight of the Burning Pestle والحوار القوي، ولكنه عاصف طنان، وحبكات الرواية متشابكة تشابكاً بارعاً. ولكن حل عقدها كان متكلفاً. وقل حتى ارتقى التفكير إلى مستوى الفلسفة. ومع ذلك فإن هذه الروايات كما يؤكد لنا دريدن-كان لها في أواخر القرن، من الشعبية على المسرح، ضعف ما كان لروايات شكسبير(34).

وتوفي بومونت في سن الثلاثين، في العام الذي توفي فيه شكسبير، وبعد ذلك خط فلتشر بمفرده أومع آخرين، سلسلة طويلة من الروايات الناجحة التي جر عليها النسيان ذيوله. ونبعت ملهاة من رواياته التي قامت على دسائس ملتوية صاخبة مرحة، نبعت من نماذج أسبانية، كما أنها بدورها-بهجريزها على الزنى-مهدت للمسرحية في "فترة عودة الملكية". ولما تعب من هذه المناظر الدامية أوالداعرة، أخرج في (1608) رواية رعوية "الراعية المخلصة" خالية من الهراء والحمق، مثل رواية شكسبير "حلم ليلة منتصف الليل". بل أنها تنافسها من حيث الشعر. فإن كلورين، بعد حتى توفي حبيبها الراعي تأوي إلى كوخ ريفي سهل بالقرب من مقبرته وتبتر على نفسها عهداً ألا تبرحه حتى يوافيها الأجل المحتوم:

سلاماً أيتها الأرض المقدسة التي تحتضن بين ذراعيها الباردتين، أصدق رجل أطعم بترانه على سهول تساليا الدسمة المثمرة، إلى غير ذلك أحيي جدثك، وأوني بنذوري الأولى، وأقدم نظرات الإكبار والإجلال لرفاتك التي لا تزال موضع حبي. إلى غير ذلك أحرر نفسي من دفء وحرارة أي حب ينشأ من بعدك، وأودع جميع رياضة أوبهجة أوألعاب سارة، يعتز بها الرعاة. ولن يتوج بعد الآن جبيني بالأكاليل الغضة النضيرة، لأتصدر حلبة الرقص. ولن أفرح أوأبهج بعد اليوم بصحبة الغادات اليانعات والرعاة المرحين، ولا بصوت المزمار ذي الأنغام الغالية السارة في واد ظليل، حين يداعب النسيم العليل الأغصان، ولسوف أكون بمنأى عن هذا كله، ما دمت أنت نأيت عني، يا من كنت أجلس كثيراً إلى جواره السعيد متوجة بالأزهار الناضرة، بوصفي ملكة الصيف، على حين يرتدي صبية الرعاة اللون الأخضر الزاهي المفعم بالحياة، مع المنجل المزوق. والحقيبة المتدلية المصنوعة من الجلد الناعم الجميل. ولكنك وليت، وقد ولت هذه كلها معك، لقد فني جميع شيء، اللهم إلا ذكراك العزيزة، التي يفترض أن تظل من بعدك، والتي يفترض أن تنمووتنتعش، طالما كانت هناك مزامير تصرخ أورعاة مبتهجون يغنون.

وألقيت هذه القصيدة الرعوية مرة واحدة ثم اختفت من المسرح. وأي حظ من الطهارة والعفة لمثل هذه التسبيحة، في عصر لا يزال يجيش بانفعالات عهد إليزابث،يا ترى؟

أما أقوى الكتاب المسرحيين في عهد جيمس وأسوأهم، فهوجون وبستر. ونحن لا نكاد نعهد شيئاً عن حياته، ولعي في الحقيقة مجهولة. ونحن نستنتج حالته النفسية من مقدمة أحسن رواياته "الشيطان الأبيض" (1611) حيث يطلق على جمهور المشاهدين "الحمير الجهلة" ويشهد مقسماً بأغلظ الإيمان "بأن الأنفاس التي تخرج من الجمهور العاجز كفيلة بأن تسمم أعمق مسرحية مأسوية. والرواية هي سيرة ڤيكتوريا أكورامبوني، التي هزت آثامها ومحاكمتها جميع إيطاليا (1581-1585) أيام طفولة وبستر. وتحس فكتوريا بأن ولج زوجها لا يتفق مع جمالها، فتستجيب لملاطفات دوق براتشيانوالثري، واقترح بأن يعمل هوعلى التخلص من زوجها ومن زوجته، فيولي الموضع عنايته على الفور، بمعونة أخ قواد فاجر لفكتوريا هوفلامنيوالذي كان يقدم لمثل هذه الجرائم أشد الأشعار سخرية في الأدب الإنجليزي. وقبض على فكتوريا للاشتباه فيها، ولكنها تدافع عن نفسها في جرأة وبراعة إلى حد يجعل أي محام يفزع من لغته اللاتينية وأي كاردينال من قلنسوته. ثم اختطفها براتشيانومن بين يدي العدالة. فطورد الاثنان وأخيراً، اغتال الاثنان مع من كانوا يتعقبونهما، قتلة مفاجئة مثيرة أشبعت رغبة وبستر إشباعاً تاماً طيلة سنة كاملة، لقد عولجت حبكة الرواية علاجاً حسناً، ورسمت الشخصيات رسماً متماسكاً متناغماً. وكانت اللغة غالباً قوية أوكريهة، والمناظر العصبية قوية. وارتفع الشعر أحياناً إلى مستوى فصاحة شكسبير. ولكن الرواية بالنسبة للذوق الذي أصابته المدنية بالوسوسة وشدة الحساسية، شوهتها فظاظة فلامنيوالمتكلفة وحياته الحقيرة البائسة، كما شوهتها اللعنات والشتائم التي انسابت حتى من أرق الشفاه. "أواه: لوأني أستطيع قتلك أربعين مرة في اليوم الواحد، وأفل هذا أربع سنوات سوياً، لكان هذا شيئاً قليلاً جداً"(35)، كما كان يشوه الرواية الفحش المنتشر فيها، حيث ترددت لفظة "البغي" في جميع صحيفة أخرى، ثم الألفاظ المزدوجة المعاني التي من الممكن خجل منها شكسبير نفسه.

وعاد وبستر إلى الأرض المخضبة بدماء القتلى في رواية "دوقة ملفي" (1613) فإن فرديناند دوق كالابريا، يحرم على دوقة أمالفي، أخته الشابة الأرملة الزواج مرة ثانية، لأنها إذا ماتت بلا زوج، فإن أخاها الدوق يرث أموالها. فترثي الدوقة للطهارة المتكلفة التي أكرهت عليها:

إن الطيور التي تعيش في المروج وفق هوى
الطبيعة الجامحة، تحيا حياة أسعد من
حياتنا، حيث تستطيع حتى تتخذ رفيقاتها
وتشدوبألحانها العذبة للربيع(36).

واستبدت بها الشهوة والحرمان، فأغرت قهرمانها أنطونيوبالزواج سراً، وبمضاجعة عاجلة. فدبر أخوها فرديناند قتلها. وفي الفصل الأخير نرى شخصاً يقتل في جميع دقيقة تقريباً، فالأطباء يستعدون بالسموم، والمتوحشون بخناجرهم، ولم يتذرع أحد بالصبر انتظاراً لقصاص عادل أوحكم مشروع. أما أسوأ الأشرار الأوغاد في الرواية-الذي اغتال الدوقة واستولى على ممتلكاتها، واتخذ له خليلة ثم قتلها-فهوكاردينال، ولم يكن وبستر من أنصار البابوية. وهان أيضاً توجد توريات في صراحة بالغة، وتصميم على استنفاد ألفاظ اللعنة والبغض، واستنكار وحشي مشوش لحياة الإنسان. وترى شيئاً من النبل أوالإخلاص أوالرقة في الأركان السحيقة لهذه الحلبة المظلمة، فإن فرديناند ينسى نفسه، ويبتسم بالشفقة لبعض الوقت، وهوينظر إلى أخته التي لا تزال جميلة في رقدة الموت.

"غطوا وجهها! عيناي تنبهران! لقد ماتت في عنفوان شبابها(37)! ولكن سرعان ما يستعيد وحشيته. ولنأمل في شيء أعذب وأحلى من هذا كله عند الرجل الذي خط

"اشربي من أجل أنا وحدي، بعينيك"
Drink to me only with thline Eyes.


البيوريتانيون والمسرح 1625-1649

إن أول فوز أحرزه البيوريتانيون كان في حربهم ضد المسرح. فإن جميع ما تميزوا به-من لاهوت قائم على "الاصطفاء" و"الرفض" وخلق متزمت، ومزاج قاسي، وحديث إنجيلي-كان يتناوله المسرح بالتجريح والتسخيف، عن طريق الصور الكاريكاتورية الفاضحة التي لا تغتفر، وكانت الطامة الكبرى في 1629: فإن ممثلة فرنسية تجاسرت على إسناد دور نسائي إلى شاب في رواية مثلت على مسرح Black Friars فقذفوها بالتفاح والبيض الفاسد.

وربما أرضى الكتاب المسرحيون الجدد جماع البيوريتانيين، لأنهم كانوا في جملتهم مهذبين، من حين إلى حين، حاولوا بالبذاءات، إرضاء جمهور الدرجة الثالثة ذوي الأذواق السقيمة واجتذابهم. إذا رواية فيليب ماسنجر "طريقة جديدة لتسديد الديون القديمة (1625) لم تكن تهجوالفضيلة المتزمتة، بل جشع الاحتكارات. ولم يكن ثمة شعر يحلق، ولا ذكاء يدوي، ولا مجازات وتخيلات صارخة، ولكن الرجل المبتز المجرد من الضمير والمبادئ الخلقية سقط في يد العدالة آخر الأمر. وتعاقبت خمسة فصول دون حتى تظهر واحدة من البغايا أوبنات الهوى. وتحايل جون فورد على تصيد الجمهور بأن جعل عنوان الرواية "يا حسرتاه إنها مومس"، ولكن هذه الرواية، ورواية "القلب الكسير" (كلتاهما 1633) احتفظنا بشيء من الاحتشام، وربما أمكن تمثيلهما الآن لوحتى الجمهور الحديث استطاع حتى يتحمل العذاب في حل عقد الرواية.

وسدد البيوريتانيون أعنف ضرباتهم للمسرح، حين أوفد أشد أنصارهم جرأة وشجاعة، وليم برين، إلى الصحافة (1632) منطقه "سوط الممثلين Players Seourge وكان برين محامياً، ولم يدع النزاهة والتجرد، وقدم إلى المدعي مذكرة من ألف صحيفة، وبالاقتباس من الخط المقدسة ومن كتابات آباء الكنيسة بل حتى من كتابات الفلاسفة الوثنيين، أثبت حتى المسرحية من عمل الشيطان، فإنها بدأت كصيغة أوشكل لعبادته. إذا معظم الروايات ممتلئة بالتجديف والنادىرة والفحش، زاخرة بعناق العشاق، والإيماءات الخليعة، والموسيقى والأغاني والرقص الذي يثير الشهوة، وإن جميع أنواع الرقص من عمل شيطاني، وكل خطوة فيه إذا هي إلا خطوة إلى الجحيم، وإن جميع الممثلين مجرمون فجرة كفرة". "إن كنيسة الله، لا المسرح، هي المدرسة الوحيدة الصالحة، والكتاب المقدس والعظات والخط الدينية المخلصة الورعة... هي المحاضرات" أي القراءات الوحيدة الصالحة للمسيحيين. فإذا أرادوا التحول عنها:

فإن أمامهم مشاهد متعددة في الشمس والقمر والكواكب والنجوم وسائر المخلوقات التي لا نهاية لتعددها وتنوعها، ليمتعوا بها أنظارهم. وإن أمامهم تغريد الطيور ليشنفوا به آذانهم، وإن لديهم الشذا الرقيق الجميل والروائح الزكية المنبعثة من الأعشاب والأزهار والفواكه لينعشوا بها أنوفهم.. ولديهم المذاق الجميل لكل ما يصلح للأكل... والمسرات والمتعة التي تقدمها لهم البساتين والأنهار والحدائق والبرك والغابات، والبهجة التي يوفرها لهم الأصدقاء والأقرباء والأزواج والزوجات والأولاد، والمقتنيات والثروة، وسائر النعم الظاهرة التي أنعم الله بها على الإنسان(31).

وكانت الحجة قوية بليغة، ولكنها وصمت جميع الممثلات بالنادىرة والبغاء، وكانت الملكة لتوها قد استقدمت من فرنسا بعض الممثلات، وكانت هي نفسها تتدرب على التمثيل دور في البلاط، وجرح شعور هنريتا ماريا واستاءت، واتهم لود برين بإثارة الفتنة، ودفع المؤلف بأنه لم يكن يقصد الطعن في الملكة أوالتشهير بها، واعتذر عن عدم مراعاة الاعتدال في كتاباته. ولكن على أية حال، في قسوة علقت بأذهان البيوريتانيين طويلاً، منع من الاشتغال بالمحاماة وفرضت عليه غرامة يستحيل دفعها، 5000 جنيه (250.000 دولار؟)، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. ووضع في المشهرة وبترت أذناه كلتاهما(32)، ومن سجنه أصدر (1636) "أنباء من أبزوك" اتهم فيه الأساقفة الأنجليكانيين بأنهم خونة شيطانيون، وذئاب ضارية، وأوصى بشنقهم. فعذب في المشهرة من جديد، واستؤصلت بقايا أذنيه، وبقى في السجن حتى أفرج عنه البرلمان الطويل 1640.

وفي 1642 أصدر البرلمان أمراً بإغلاق جميع مسارح إنجلترا. وكان هذا في أول الأمر، فن تدابير حرب، بدا أنها محدودة بهذه الأوقات الفاجعة. ولكنها استمرت حتى 1656. وآذنت بزوال الحياة الطويلة للمسرحية الإليزابثية، وسط مسرحية أكبر لم يشهد لها المسرح الإنجليزي مثالاً قط.


فترة عودة الملكية 1660-1700

فيما بين عامي 1660 و1700 كان ثمة أداة أرى شكلت أوشوهت أوعبرت مجرد تعبير عن روح لندن المجردة من الحيوية والنشاط. وحيث استطاب شارل الثاني المسرحية الباريسية فإنه أجاز فتح مسرحين: الأول للملك وجماعته في "دروري لين" والثاني لدوق يورك وجماعته في "لنكولن ان فيلدز" وفي 1705 افتتح مسرح الملكة في هابماركت، ولكنها نادراً ما شهدت التمثيل فيه. وفي أيام شار الثاني كان مسرحان اثنان يفيان بالحاجة عادة. وظل البيوريتانيون يقاطعون المسرحية، أما الجمهور بصفة عامة على أية حال، فلم يكن يرخص له بدخول المسارح بين 1660 و1700(4) ولم يقصد إليها في معظم الأحوال إلا جميع عربيد ماجن من رجال الحاشية، وحثالة الطبقة الأرستقراطية والمتصلين بها، والأثرياء المتعطلين الذين يقضون أوقاتهم في المسارح والنوادي وسباق الخيل وغيرها. ويقول دكتور جونسون الوقور: "أن المحامي الوقور ليحط من قدره ويمتهن كرامته، وأن المحامي الناشئ ليسيء إلى سمعته، إذا غشى بيوت الإباحية المنحلة هذه(5) "وشكل النساء قسماً صغيراً من النظارة على أنهن إذا مضىن إلى المسرح كن يخفين شخصياتهم وراء الأقنعة(6). وكانت العروض تبدأ في الساعة الثالثة بعد الظهر، حتى إذا تحسنت الإضاءة في الشوارع (حوالي 1690) أجلت إلى السادسة. وكان أجر الدخول أربعة شلنات للمقصورات وللمقاعد الخلفية شلنين ونصف وللشرفات شلناً واحداً. وكانت أجهزة التأثير المسرحي وتغيير المناظر أكثر إتقاناً بكثير عما كانت عليه في أيام إليزابيث. ولوحتى حجرة نوم واحدة وملحقاتها من الممكن كانت تكفي لمعظم ملهيات عصر عودة الملكية، وحلت الممثلات محل الغلمان في تأدية أدوار النساء، وكن كذلك عشيقات، من ذلك حتى مرجريت هيوز التي مثلت ديدمونا لأول مرة ظهرت فيها امرأة على المسرح الإنجليزي (8 ديسمبر 1660) كانت عشيقة الأمير روبرت(7). وفي عرض لمسرحية دريدن "الحب الإستبدادي" تعلق قلب شار الثاني لأول مرة بخليلته نل جوين التي كانت تمثل دور فاليريا(8). إذا طبيعة جمهور المشاهدين، ورد العمل ضد البيوريتارية، وأخلاق البلاط، وذكريات روايات عصري اليزابيث وجيمس الأول (وبخاصة روايات بن جونسون) وأحياء هذه الروايات واستعادة تلك الذكريات من جديد، وتأثير المسرح الفرنسي والملكيين المهاجرين، كانت كلها عوامل تجمعت لتشكل المسرحية أيام عودة الملكية.

وكان الأسم اللامع في "مسرحية المأساة" في عودة الملكية هودريدن لنهجره مؤقتاً، لنتحدث عن مسرحية توماس أوتواي "الحفاظ على فينيسيا" التي عمرت بعد جميع روايات دريدن وظلت تمثل حتى 1904. إنها سيرة حب مطعمة بمؤامرة أصدقاء كونت دي أوزونا لقلب سناتوفينيسا في 1616. ويرجع ما صادفته من نجاح في البداية من ناحية، إلى الصورة الساخرة التي رسمتها لإرل شافتسبري الأول (عدوشارل الثاني وصديق لوك) في شخصية أنطونيوالذي يحب حتى تضربه عشيقته البغي، ومن ناحية أخرى إلى التشابه بين هذه المؤامرة وبين المؤامرة البابوية "الحديثة" ومن ناحية ثالثة إلى تمثيل توماس بترتون ومسز اليزابيث باري، ولكن الرواية تقف اليوم على قدميها إذا مناظرها الهزلية سخيفة مؤذية، خاتمتها تنشر الموت في إجماع أقرب شبهاً بالمسرحية الموسيقية (الأوبرا)، ولكن حبكة الرواية متقنة دقيقة، وشخوصها مصورة تصويراً مميزاً، والحركة مسرحية إلى أبعد حد، والشعر المرسل فيها ينافس مثيله في المسرحية في عصر اليزابيث، باستثناء مارلووشكسبير. وسقط أوتواي في غرام مسز باري، ولكنها آثرت عليه معاشرة إرل روشستير، وبعد كتابه عدة مسرحيات أخرى ناجحة أخرج الشعر سلسلة من الروايات لم يخط لها النجاح، وانحدر إلى مهاوي الفقر والعوز وفي رواية أنه توفي جوعاً(9).

إن ذكرى المسرحية في فترة عودة الملكية حية من أجل ملهياتها فإن ما كان في هذه الملهيات من مرح وسخرية، ومحاورات داعرة، ومغامرات في المخدع، بالإضافة إلى قيمتها في أنها مرآة تعكس حياة طبقة واحدة في جيل واحد. جميع أولئك أكسبها شعبية جزئية، إذا لم تكن مختلسة لا تكاد تستحقها. فإن مجالها ضيق إذا قيست بملهيات عصر اليزابيث أوموليير، وأنها لا تصور الحياة بل تصف عادات المتعطلين المتسكعين في المدن والحاشية الخليعة المتهتكة، وتتجاهل الريف إلا إذا أخذوه هدفاً للاستهزاء والسخرية، أو"سيبيريا" ينفى إليها الأزواج زوجاتهم المتطفلات. إذا بعض المسرحيين الإنجليز شاهدوا موليير يمثل أوتمثل رواياته، واستعار بعضهم شخوصه أوحبكات مسرحياته، ولكن أحداً منهم لم يبلغ نزعته في مناقشة الأفكار الأساسية، فالفكرة الأساسية الوحيدة في هذه الملهيات هي حتى الزنى هوالهدف الرئيسي لأعظم عمل بطولي في الحياة. وكان المثل الأعلى للرجل فيها هوما وصفه دريدن في "المنجم الهزاة" على أنه "سيد ماجد، رجل ثري عاطل يغشى النوادي والمقاهي والمسارح والمواخير، يرتدي أفخر الثياب، يأكل ويشرب ويفسق ويعاشر البغايا إلى أقصى حد ممكن". وفي رواية فاركو"خداع العاشقين" اتى على لسان أحد الشخصيات، وكأنما يقول سيد مهذب لآخر: "إني أحب جواداً جميلاً ولكني أهجره لرجل آخر ليتولى العناية بأمره، وإني كذلك بالمثل أحب سيدة جميلة"(10) وهذا لا يعني أنه لا يشتهي زوجة جارة ولا يمد عينيه إليها، بل أنه يريد حتى يستمتع بكل مفاتنها وأطايبها، على حين هجر لزوجها حتى يرعى شئونها وينفق عليها. وفي رواية كونجريف "طريق الحياة الدنيا" يقول ميرابل المعشوق موضع الإعجاب لزوجة صديقه "يجب حتى تشعري بالاشمئزاز والنفور والكراهية لزوجك مما يجعلك تستمتعين بحبيبك أوعشيقك(11)". ويندر حتى ترى الحب في هذه الروايات يرتفع فوق الشهوة الجسدية التي تلتهف بين جوانح الطرفين، يريدان إطفاءها. وإنا لنتلهف عند قراءتها حتى تقع العين على ظل لمعاني النبل والشرف، ولكنا لا نرى فيها إلا أخلاقيات المواخير وبيوت النادىرة.

إن وليام وتشرلي William Wycherley هوالذي استهل هذا التقليد، وكان أبوه ملكياً من أسرة عريقة تملك ضيعة كبيرة، وأوفد ولده إلى فرنسا لتلقي الفهم، عندما تولى البيوريتانيون منطقيد الحكم في إنجلترا، إصراراً منه على ألا ينشأ الولد بيوريتانياً. ولم يعتنق وليم قط هذا الممضى، ولكن الأسرة صعقت حين اصبح كاثوليكياً. وسرعان ما عاد إلى البروتستانتية لدى عودته إلى إنجلترا، وهناك تفهم في أكسفورد وهجرها دون الحصول على درجة جامعية. وانصرف إلى كتابة الروايات. وجمع ثروة من رواية "حب في الغابة" (1671) التي أهداها إلى ليدي كاسلمين. واستقبله في البلاط الملك الودود اللطيف الذي لم يشك ولم يتذمر حين عثر آن وتشرلي وتشرشل كليهما، يشاركانه غرام عشيقته كاسلمين(12).

واشهجر وليم في الحرب الهولندية 1762، ببسالة متسقطة من سيد ماجد، وعاد إلى إنجلترا ولم يمسسه سوء، وأحرز نجاحاً آخر في "الزوجة الريفية" (1672). ونادى النظارة في المقدمة - إذا لم تعجبهم الرواية - إلى دخول غرفة ملابس الممثلين في ختامها، وهناك:

"فإننا عن طيب خاطر.. نتخلى لكم يا شعراءنا، عن العذارى، لا بل عن عشيقاتنا كذلك".

وخلاصة الموضوع حتى مستر بنشويف اصطحب زوجته معه لتمضية أسبوع في لندن، وأحكم حراستها إلى حد أنها أسقطت في شرك الغواية تحت سمعه وبصره، ذلك حتى من يدعى مستر هورنر - العائد من فرنسا لتوه، والمتلهف على الوصول إلى الزوجات دون عائق - أذاع بين الناس أنه خصي، ومن هنا يستنتج بنشويف أنه لا حرج في حتى يفتح بيته لمثل هذا العنين العاجز، ولكنه سرعان ما يكتشف حتى زوجته تخط رسالة غرامية إلى هذا الزير المتودد إليها الذي أدعى العنة، فيرغمها على كتابة رسالة أخرى تكيل له فيها أقذع السباب والشتائم، وما حتى لف الزوج ظهره حتى أسرعت هي فوضعت رسالتها الغرامية الأولى مكان الرسالة الثانية التي تنم عن الغضب والاستياء. وسلم الزوج المزهوالمفاخر بالسيطرة على الموقف الرسالة الأصلية إلى هورنر. وبعد فترة اتجه افترض الزوج إلى حتى هورنر اقدر مما تردده عنه الشائعات، ففكر في حتى يشغله، ووافق على حتى يأخذ إليه أخته أليثيا. وتتنكر الزوجة حتى تبدووكأنها أليثيا، ويحملها زوجها إلى عشيقها. وتختتم الرواية "برسيرة الديوث"، وهورنر هوالمنتصر في النهاية، ثم تلقى إحدى الممثلات إحدى الممثلات شعراً توجه فيه اللوم والتقريع إلى الرجال الحاضرين، لأنهم لا يتحلون بقدر كاف من الرجولة.

"وقد يظل الناس على اعتقادهم بأنكم ممتلئون قوة ورجولة، ولكنا نحن النساء لا سبيل إلى خداعنا".

واقتبس وتشرلي كثيراً من "الزوجة الريفية" من رواية موليير "مدرسة الأزواج ومدرسة الزوجات" وفي روايته التالية "التاجر الشريف" حول وتشرلي شخصية "ألست" في رواية موليير "مبغض البشر" إلى شخصية كابتن مانلي الذي لم تتعد فكرته عن التعامل الشريف، مجرد تناول جميع الناس والأمور بلغة بذيئة مقذعة. والغريب المدهش الأمر حتى سكان لندن، بل حتى سكان بعض الضواحي، أحبوا وصف الحياة على أنها سعى متصل وراء شهوة الجسد، يلطف منه بعض التجديف في الحديث. وفي إحدى المخطات في "تنبريدج ولز" سمع وتشرلي إحدى السيدات تسأل عن كتابه المنشور حديثاً "التاجر الشريف" فغمرته نشوة الفرح، ولم تكن هذه إلا كونتس دور جيدا، الأرملة الثرية فطلب يدها وتزوجها. ووجد أنها كانت تضعه تحت مراقبة أشد وأكثر مثابرة مما كان يعمل بنشويف، ولكنها ماتت فجأة فظن حتى أموالها لا بد حتى تؤول الآن إليه، ولكن القضايا القانونية التي تشابكت فيها الهجرة حالت دون ذلك، فلم يستفد منها شيئاً. وعجز عن تسديد الديون التي كان قد اقترضها ثقة منه بأيلولة الهجرة إليه، فأوفد إلى السجن حيث قضى سبع سنين وهنت فيها عزيمته وذبل نشاطه، حتى اتى جيمس الثاني، وسدد - قبل إرتداد وتشرلي إلى الكاثوليكية ثانية أوبعده - ديونه وأجرى عليه راتباً. وبلغ وتشرلي أرذل العمر في شقاء ومعاناة. وظل مع عجزه يلاحق النساء، ويخط نظماً، حاول صديقه الشاب بوب حتى يحوله إلى شعر. وفي سن الخامسة والسبعين تزوج الفاجر العجوز امرأة شابة، ولم يعمر بعد الزواج إلا عشرة أيام، ووافته المنية في أول يناير 1716.

وكان السير جون ڤانبرة John Vanbrugh وألطف من خط عن الزنى والزناة. وكان "جون بول" (الرجل الإنجليزي النموذجي) يتجسد فيه تماماً، فهوخشن مرح طلق المحيا، يحب طعام إنجلترا وشرابها، ولوحتى جده لوالده هوجلليس فان برو، وهوفلمنكي من مدينة غنت قدم إلى بريطانيا في عهد جيمس الأول. وكان جون يبشر بحسن المستقبل إلى حد أنه أوفد إلى باريس في سن التاسعة عشرة ليدرس الفن. فلما عاد في الحادية والعشرين التحق بالجيش، وقبض عليه في كاليه بتهمة أنه جاسوس بريطاني، وقضى مدة في الباستيل، وهناك خط المسودة الأولى "للزوجة المغيظة" حتى إذا ما خرج من السجن عكف على كتابة الروايات. وفي ستة أسابيع - كما يروى لنا هو- فكر وتصور، ثم خط ومثل رواية "النكسة The Relapse" (عام 1696)، بما فيها من هجا مرح للمتأنقين في لندن، مثل لورد فوبنجتون وملاك الأرض في الريف مثل السير تنبلي حدثزي، ومس هويدن الشهوانية. وكان السير تنبلي يضعها تحت الرقابة والحراسة منذ بلغت الحلم، وفرح وانتهج لبراءتها وطهرها. "يا للبنت المسكينة: أنها ستفزع وتنزعج في ليلة عرسها، لأنها، والحق أقول، لا تميز الرجل من المرأة إلا بلحيته وبنطلونه القصير"(14). ولكن مس هويدن نفسها على نحوآخر: "من حسن حظي، هناك عريس قادم، وإلا تزوجت الخباز، سأعمل ذلك. فما من أحد يستطيع حتى يقرع الباب، ولكن حالياً يجب علي حتى أختبئ، وهنا يكن الكلبة السلوقية الصغيرة تحوم حول البيت طوال اليوم، أنها تستطيع ذلك". وعندما يأتي توم فاشون ليطلب يدها، ويمهله أبوها أسبوعاً، تحتج الفتاة وتقول "أسبوع: ولماذا،يا ترى؟ إني أكون عند ذاك امرأة عجوزاً"(15).

ونجحت مسرحية "النكسة" نجاحاً كبيراً إلى حد حتى فانبروتعجل إكمال "الزوجة المغيظة" (1697) وكانت هذه من أنجح أعمال ذاك العصر. وظل دافيد جارك طيلة نصف القرن التالي يتحف لندن ويمتعها بتمثيله المستهتر لشخصية السير جون بروت، وهي أعظم شخصية مشهورة مذكورة بين جميع شخوص المسرحيات في فترة عودة الملكية. وسيرجون هذا وسيم هزلي ساخر يمثل المظاهر الأقرب شبهاً بالخنزير في ملاك الأرض الإنجليز - يشرب الخمر، ويتباهى، ويهدد ويتوعد، ويستأسد، ويعلن ويشكومن "عصر الإلحاد اللعين هذا". ويفتح المسرحية برأيه في الزواج حيث يقول:

"أي لحم متخم هوالحب، إذا كان متبلاً بالزواج، إذا عامين قضيتهما متزوجاً قد أفسدا على حواسي الخمس. فكل شيء أراه، وكل شيء أسمعه، وكل شيء أحس به، وكل شيء أشمه، وكل شيء أتذوقه، أظن حتى فيه زوجة. فما ضجر ولد بمؤدبه، ولا بنت ولا رجل بعمل الكفارة، ولا عذراء عجوز بطهرها وعفتها، قدر ضجري بزواجي وسأمي إياه. ومذ عهدت زوجته آراءه، فإنها تفكر في ترويضه بأن تجعل منه ديوثاً.

ليدي بروث: إنه أساء معاملتي أبلغ إساءة مؤخراً. حتى كاد يستقر عزمي على حتى ألعب دور الزوجة بكل ما في الحدثة من معنى، وأجعل منه ديوثاً وأخونه..

بليندا: ولكنك تفهمين أنه ينبغي علينا حتى نقابل الإساءة بالإحسان.

ليدي بروث: من الممكن كان هذا خطأ في الترجمة(16)".

وهنا تأتي جارتها ليدي فانسيفل التي تميل إلى ما تميل إليه ليدي بروث، وتناقش شكوكها ومخاوفها مع وصيفتها الفرنسية التي تجيب بالفرنسية وهي هنا مترجمة:

  • ليدي ف: سمعتي ياآنسة: سمعتي.
  • الوصيفة: سيدتي، إذا فقد المرء سمعته يوماً، فلن تعود بعد ذلك تزعجه.
  • ليدي ف: تباً لك يا آنسة، تباً لك، حتى السمعة جوهرة.
  • الوصيفة: وقيمتها غالية جداً يا سيدتي.
  • ليدي ف: لما إذن، يقيناً أنك لن تضحي بشرفك من أجل متعتك؟
  • الوصيفة: إني فيلسوفة.
  • ليدي ف: إنه لا يتفق مع الشرف (لقاء العاشقين).
  • الوصيفة: ولكنه المتعة....
  • ليدي ف: ولكن إذا كان العقل يصلح من شأن الطبيعة.
  • الوصيفة: عندئذقد يكون العقل وقحاً، لان الطبيعة أخته الكبرى.
  • ليدي ف: إذن أنت تؤثرين طبيعتك على عقلك؟
  • الوصيفة: نعم، بكل تأكيد.
  • ليدي ف: ولماذا؟
  • الوصيفة: لأن طبيعتي تغمرني بالبهجة والسرور، أما عقلي فيورثني الجنون(17).

وربما كانت هذه الرواية هي التي أثارت غضب جرمي كوليير إلى حد أنه في العام الذي تلا ظهورها، نشر هجوماً عنيفاً على المسرحية في فترة عودة الملكية، وعلى فانبروبصفة خاصة. وكان كوليير كاهناً إنجليكانياً على درجة من الفهم، ومن الشجاعة والتشدد في عقيدته. وحيث كان قد أقسم يمين الولاء لجيمس الثاني 1685، فإنه أبى حتى يقسم يمين الولاء لوليم وماري 1689. واستنكر "الثورة الجليلة"، حتى إلى حد التحريض على التمرد والعصيان. وقبض عليه، ووجد أصدقاؤه مشقة كبيرة في إقناعه بأن يسعوا لإطلاق سراحه بكفالتهم. ومنح الغفران المطلق لرجلين كانا على وشك حتى يشنقا بتهمة التآمر على ما اعتبر كوليير أنها حكومة اغتصبت الحكم. فأنكر أسقفه عليه تصرفه وأدانه النائب العام، ولكنه رفض المثول أمام أية محكمة. وعاش طريد العدالة محروماً من الكنيسة حتى وافته المنية. ولكن الحكومة قدرت نزاهته، ولم تلاحقه بعد ذلك. وعبر وليم الثالث عن تقديره الكبير للعصفة التاريخية التي قام بها كوليير.

وكان الكتاب الذي نشره كوليير يحمل عنوان "نظرة قصيرة عن الانحلال والدنس في المسرح الإنجليزي". وكان يحوي، كما حوت معظم الخط، هراءً كثيراً. واستنكر الراعي الغاضب في المسرحية الإنجليزية أخطاء كثيرة قد تبدولنا الآن تافهة، أوأنها ليست أخطاء إطلاقاً، واعترض على أية إشارة غير كريمة لرجل الدين، ونشر في سخاء شديد، مظلة العصمة من الخطأ فوق زعماء الوثنية والكهنة الكاثوليك والقساوسة المنشقين. أدان كثيراً من كتاب المسرح، من أشبللس إلى شكسبير إلى كونجريف ودريدن، حتى ليشعر جميع المتهمين ببراءتهم لمجرد حشرهم في زمرة هؤلاء العظماء. ولكن كوليير أضعف قضيته في مجادلته في حتى للمسرح العام يجب إلا يتناول الجريمة أوالانحلال الخلقي مطلقاً. ولكنه وجه بعض ضربات ناجحة لأن الأهداف البراقة قابلته في جميع مكان. فنعي على كثير من كتاب المسرح في فترة عودة الملكية ما أبدوا من إعجاب بالإسفاف في الزنى والفسق، وأثر ذلك على جمهور المشاهدين. وظل الكتاب حديث لندن طيلة عام كامل. ودافع الروائيون عن أنفسهم بأساليب متنوعة، وتحول فانبروعن المسرحية إلى هندسة العمارة، وانهمك لأكثر من عشر سنوات في بناء قصر بلنهيم، شاد قصر هوارد على طراز عمارة پالاديوالروماني الجميل (1714). واعترف دريدن بخطاياه، وأظهر ندمه على ما عمل وأنكر كونجريف جريمته، ولكنه أصلح من فنه.

وبلغ وليام كونگريڤ بمسرحية عصر عودة الملكية ذروتها ونهايتها معاً. ولد بالقرب من ليدز في 1670، في أسرة كانت عراقتها موضع فخره واعتزازه وسط جميع ما أحرز من فوز ونجاح. وكان والدة قائد حامية إنجليزية في أيرلندة، ولذلك تفهم وليم في مدرسة كلكني، وجلس على نفس المقعد الذي جلس عليه جوناثان سويفت، ثم في ترنتي كولدج في دبلن، ثم قي مدل تمبل في لندن. وسرى في دمه جرثومة الطموح الأدبي من بيئة كان في فيها الأذواق أنفسهم يؤلفون الخط. وفي أول سنة كان يفهم فيها القانون خط "المستخفية" (1692) التي امتدحها إدموند گروس "لمرحها ونادىبتها الخفيفة" ولأنها أقدم سيرة طويلة (عن العادات وآداب السلوك؟) في الإنجليزية(18)"، ولكن صمويل جونسون نطق عنها "خير لي حتى أمتدحها من حتى أقرأها(19)"، وحظي كونجريف بالشهرة من قفزة بملهاته الأولى "الأعزب العجوز" 1693، التي أقسم دريدن - وهوعميد الأدب المعترف به في إنجلترا في هاتيك الأيام - بأنه لم ير قط خيرا منها، باكورة للعمل في مجال الرواية ومذ كان كونجريف غير واثق من حتى الرجل الماجد ينبغي حتى يخط للمسرح، فأنه اعتذر بأنه إنما خطها "لمجرد التسلية في فترة إبلال بطئ من علة ألمت به"، ومن هنا نطق كوليير "ليس لي حتى أتساءل ماذا كانت علته، ولكن لابد أنها كانت خطيرة جداً، وأسوأ من العلاج(20)". أما هاليفاكس فإنه اتفق بالرأي مع دريدن، حتى أنه عين كونجريف في منصبين يدران عليه دخلاً كافياً يستطيع بفضله حتى يحتفظ بمكانته، سيداً كريماً، وأن يعمل في عالم المسرح.

ولم تلق روايته الثانية "التاجر المخادع" (1694) ترحيباً كبيراً، ولكن إطراء دريدن، الذي وضع كونجرف مع شكسبير في مرتبة سواء، شد من أزر المؤلف الناشئ، وفي 1695، في سن الخامسة والعشرين، عاد إلى خشبة المسرح برواية "الحب للحب" التي فاق نجاحها جميع ما عهد من نجاح. ولكن كوليير شجب الرواية واتهمها بأنها تؤيد الفسق والفجور وتشجعهما، وبلغ رد كونجريف عليه من التفاهة حداً انبتر معه عن المسرح طيلة ثلاثة أعوام، وعندما عاد إليه برواية "طريق الدنيا" (1700) كان قد أفاد من النقد القاسي، وأوضح حتى الموهبة لا تعتمد على قلب الوصايا العشر رأساً على عقب. وكان في هذه الرواية التي نطق عنها سوينبرن المغالي أنها "التحفة التي لا نظير لها والتي لا تدانيها رواية أخرى في روائع الملهاة الإنجليزية(21)، نقول كان فيها بعض أخطاء المسرحية في عصر عودة الملكية، ولكن ليس فيها شيء من رذائلها، وقد ترهقنا عند قراءتها بظرفها المازح الساخر، وتذكرنا بالتلاعب السخيف بالألفاظ في أعمال شكسبير الأولى، ولكن إذا مثلت (ونطق بها بترتون ومسز بريسجيردل كما وقع في أول عرض لها)، فلربما كانت أمتعتنا بما فيها من حيوية وتألق يقول وتوود "أعهد سيدة تحب الكلام بلا انقطاع، ولا تهجر أثراً حسناً(22)" وحبكة الرواية بالغة التعقيد، وقد تتذمر من طول الوقت المطلوب لفهم شجارات ومشروعات الشخوص التافهة الطائشة، وحل العقدة لا يعدوحتىقد يكون سخفاً لا حد له. ولكن في الرواية بعض تهذيب في اللغة وفي النادىبة، وتفكير لطيف (ولوأنه غير عميق أبداً)، مما يمكن حتى يدخل السرور على الذهن غير المتعجل، وليس فيها سخرية لاذعة، كما هوالحال في مسرحيات فانبرو، بل فيها تهكم مهذب رقيق، تسرب من قصر فرساي إلى قصر هويتهول وإلى البلاط في فترة عودة الملكية. وفي الرواية خلق الشخصيات الروائية وتصوير لخصائصها. فالبطل، ميرابل إنسان غير جذاب، ولكنه نابض بالحياة، صياد الهجرات والثروات. وجدير بالذكر أنه يسعى للزواج من ميللامانت، بدلاً من إغرائها. ولكن لديها ثروة تساوي أثنى عشر زانياً، وهي أجمل ما أبدع كونجريف، ماجنة عابئة ترغب ألف عاشق، وتود الهيام بها لمدى الحياة، من أجل مفاتن أوجمال لن يدوم إلا لسنوات عشر، وترضى الزواج ولكن بشرط:

  • ميللامانت:... لاشك ياميرابل أني سأبقى في الفراش في الصباح كيفما أشاء.
  • ميرابل: هل من شروط أخرى تفرضينها؟
  • ميللامانت: توافه: - أكون حرة في تناول طعامي متى أشاء، وأتناوله وحدي في حجرة ملابسي، إذا كنت معكرة المزاج، دون إبداء الأسباب. وألا يقتحم علي أحد خلوتي. وأن أجلس "إمبراطورة" وحدي إلى مائدة الشاي التي لا يجوز لك حتى تفكر في الاقتراب منها قبل حتى تستأذني أولاً وأخيراً حيثما كنت ينبغي عليك حتى تطرق الباب قبل الدخول. تلك هي شروطي، حتى إذا استطعت حتى احتملك لمدة أطول، فقد أتضاءل شيئاً فشيئاً حتى أصبح زوجة.
  • ميرابل: ألست حراً حتى أعرض شروطي؟
  • ميللامانت: هات أقصى ما عندك...
  • ميرابل: أشترط عليك حتى تستمري تحبين وجهك وتعجبين به طالما أحببته أنا أوأعجبت به، حتى إذا الفته أنا، فلا تحاولي قط تشكيله من جديد.. اشترط ثانيا، أنك إذا حملت.
  • ميللامانت: آه: لا تذكر شيئاً من هذا.
  • ميرابل: وهذا هوالمفروض، وليبارك الله في محاولتنا.
  • ميللامانت: هذه محاولة كريهة قبيحة.
  • ميرابل: إني أعترض وأمنعك من ارتداء الملابس المحبوكة التي تشد جسمك لتحتفظي بقوامك حتى لا تشوهي ولدي ويخرج وكأن رأسه قمع سكر(23)..

إلى غير ذلك، وتلك سفسطة سارة، وهاتى معقول، يمر بخفة وسرعة، في أمان، على مظاهر الحياة.

وضرب كونجريف نفسه مثلاً لمظاهر كثيرة، مؤثراً الهجريب على المادة، والتنوع على الوحدة. ولم يتزوج قط|، ولكنه اختلف إلى سلسلة من العشيقات، ولم نسمع عن ذرية أشقته أوأسعدته. وكان رفيقاً لطيفاً في المقاهي والنوادي. وكان أكرم العائلات تستقبله ببالغ الترحيب. وكان أكولا، وكان يدهن قدميه ويعالجهما بانتظام من داء النقرس. وعندما زاره فولتير 1726 استنكر كونجريف إطراء الشاعر الفرنسي لرواياته، وأبدى عدم اكتراثه لها، على أنها توافه لا تستحق الذكر، وطلب إلى فولتير حتى يعتبره مجرد رجل مهذب. عندئذ أجاب فولتير (طبقاً لروايته) "لوكان الأمر كذلك، وأنك مجرد رجل مهذب، لما جئت لأراك(24)".

وفي 1728، في رحلة للاستشفاء بالمياه المعدنية في باث، انقلبت عربة كونجريف، وظل يعاني من بعض إصابات باطنية حتى وافته المنية في 19 يناير 1729. ودفن في كنيسة وستمنستر. وفي وصيته هجر مائتي جنيه لمسز بريسجيردل التي كانت تقاسي الفقر في شيخوختها، أما معظم الضيعة، أي نحوعشرة آلاف جنيه، فقد أوصى له لدوقة مالبروالثانية البالغة الثراء، ومضيفته الأثيرة لديه، فحولت المال إلى عقد من اللآلئ. وكانت تضع على الدوام، في المكان الذي اعتاد الشاعر حتى يجلس فيه إلى مائدتها، تمثالاً من العاج والشمع تدهن قدميه وتعالجهما بانتظام من النقرس(25). وقبل موت كونجريف بزمن طويل، كان المسرح الإنجليزي قد شرع يطهر نفسه، حيث أمر وليم الثالث مدير الملاهي والمسارح حتى يمارس بشكل أشد صرامة، سلطته في رقابة الروايات أومنع عرضها. وعززت موجة من الاستياء في الرأي العام هذه الرقابة. وحرم قانون أصدرته الملكة آن ارتداء السيدات للأقنعة في المسرح، وقاطعت النساء اللائي حرمن هذا التستر، الروايات المجردة من الاحتشام والوقار على وجه اليقين(26).

واتفق سويفت مع الأساقفة على حتى مسرح لندن وصمة في جبين الخلق الإنجليزي. وعرض ستيل روايته (العشاق الشاعرون بالإثم) (722) على أنها مسرحية أخلاقية. ونافس أديسون وقار المأساة الفرنسية وجلالها في مسرحيته "كاتو" (1713). وثمة علامة أقدم من هذا، على التغير الذي وقع في المسرح، ظهرت في أسلوب رد دريدن على كوليير، حيث أحس دريدن حتى الكاهن غالباً ما حمل على كتاب المسرح دون وجه حق، وأنه "في كثير من المواضع... فسر حدثاتي بأنها تجديف وفجور، وهي بريئة من هذا كله"، ولكنه أضاف:

لن أتحدث كثيراً عن مستر كوليير لأنه اتهمني في أشياء كثيرة، وله في هذا جميع الحق. واعترفت بذنبي في جميع الأفكار والتعبيرات التي أوردتها والتي يمكن حتى توصم بحق بالفحش والدنس أومجافاة الأخلاق الكريمة، ولا بد من سحبها. فإذا كان يناصبني العداء، فقد خط له الفوز علي. أما إذا كان صديقاً، حيث أني لم أهيئ له فرصة خاصة ليكون غير ذلك، (لم أسيء إليه إساءة شخصية)، فإنه سيسر بأني ندمت(27).


القرن 18

عشق الإنجليز المسرح ولا يزالون مولعين به حتى اليوم. وكان الوضع كما هوعليه الآن حيث كان الناس ينظرون للمسرحية من خلال ممثليها ولا يعبأون كثيرا بمؤلفي هذه المسرحيات. ويبدوحتى المؤلفين المسرحيين خشوا حتى يخطوا التراجيديات مخافة حتى يبدوا قليلي الشأن في نظر الناس الذين سيعقدون بينهم وبين شيكسبير مقارنة لن تكون في صالحهم، وبعد ذروة شريدان Sheridan وجولد سمث Goldsmith كانت الكوميديات (الملهاة) تمثل أعمالاً لا بقاء لها مثل (الطريق إلى رون Ruin) (2971) التي ألفها توماس هولكروفت Holcroft و(تعاهد العشاق) (8971) التي ألفتها إليزابث إنشبالد Inchbald، فمثل تلك الأعمال تشبثت بالاتجاه الضعيف ولعبت على أوتار سهولة الانقياد إلى الإثم مداعبة بذلك الطبقة الوسطى، وأين هذا من فكاهة شكسبير المنطوية على معان فلسفية، والأثر الرجولي الذي تحدثه مسريحات بن جونسون في المشاهدين،يا ترى؟ ولم يبق في عالم المسرح من ظل متبوئاً مكانه سوى الممثلين.

لقد بدا الممثلون - من النظرة الأولى - وكأنهم جميعاً من أسرة (واحدة) من روجر كمبل Roger Kemble الذي توفي في سنة 2081 إلى هنري كمبل الذي توفي سنة 7091، وروجر كمبل أنجب سارة كمبل (التي أصبحت مدام سيدونز Siddons) وجون فيليب كمبل الذي انضم لفرقة دروري لين Drury Lane وفي سنة 3871 وأصبح مديراً للفرقة في سنة 8871، وستيفن كميل الذي لف مسرح أدنبرة من سنة 2971 إلى سنة 0081.

وُلدت سارة في سنة 5571 في فندق شولدر أف متون في بريكون Brecon، وفي ويلز في أثناء جولة فرقة أبيها. وأُسند إليها دور بمجرد حتى أصبحت قادرة على التمثيل، وأصبحت ممثلة موسمية وهي في العاشرة من عمرها. وقد دبرت أمرها لتحصل على قسط غير قليل من التعليم في أثناء حياتها غير المستقرة هذه، فأصبحت امرأة ذات نضج أنثوي، وذات عقل واع مثقف، واحتفظت بجاذبيتها دوما، وتزوجت وهي في الثامنة عشر من عمرها وليام سيدونز Siddons أصغر أعضاء فرقتها. وبعد ذلك بعامين أوفد جارك Garrick - بعد حتى سمع بنجاحاتها - وكيلا عنه لمراقبة أدائها التمثيلي، فخط تقريرا لصالحها فعرض عليها جارك الارتباط بفرقة دروري لين Drury Lane فظهرت هناك في دور بورتيا Portia في 92 ديسمبر 5771. ولم تؤد الدور جيدا لسببين أحدهما عصبيتها وربما كان ثانيهما أنها كانت قد وضعت مولوداً منذ فترة وجيزة. لقد كانت نحيلة طويلة رزينة ذات ملامح كلاسية وكان صوتها ملائماً للمسارح الصغيرة، إذ كانت تفشل في مواءمة صوتها مع المسارح الواسعة. وبعد موسم غير ناجح عادت إلى جولاتها في المنطقة (المقاطعة) وظلت طوال سبع سنوات تعمل صابرة على الرقي بفنها. وفي سنة 2871 حثها شريدان - الذي خلف جارّك كمدير للفرقة - على العودة إلى لندن. وفي 01 أكتوبر 2871 أخذت دور البطولة في مسرحية (الزواج القدري) لتوماس سوثرن Southerne فأدت دورها بإتقان تام حتى إنها أصبحت منذ هذه الأمسية تسير بخطى حثيثة لتصبح أفضل ممثلة مأساة (تراجيدية) في التاريخ البريطاني. وظلت طوال واحد وعشرين عاما تحكم دروري لين، وأصبحت لعشر سنوات بعدها ملكة كوفنت جاردن Covent Garden بلا منازع. وأدت دور الليدي مكبث بإتقان صبّت فيه جميع خبراتها المسرحية. وعندما اعتزلت خشبة المسرح في 92 يونيو2181 وهي في السابعة والخمسين من عمرهابعد حتى أدّت هذا الدور (الليدي مكبث) تأثر جمهور المسرح تأثراً شديداً بأدائها لمشهد (السير نائما) حتى أنه فضّل حتى يظل يصفق لها على متابعة العرض المسرحي(95). وظلت طوال تسعة عشر عاماً بعد ذلك تعيش في عزلة هادئة، وبترت ألسن مروجي الشائعات في المدينة، بوفائها لزوجها. وفاز جينسبوروGainsborough برسم صورة لها لازالت حتى اليوم في المتحف الوطني للصور الشخصية.

وكان أخوها جون فيليب كمبل الذي وُلد مثلها في إحدى فنادق (خانات) الأنطقيم، قد نذر والداه ليكون قساً كاثوليكياً وربما كان هذا (النذر) تمشياً مع الفكر الشعبي الذي مؤداه حتى وجود أحد أفراد الأسرة في المؤسسة الدينية قد يضمن الفردوس لسائر أفراد الأسرة، فأوفده والداه إلى دواي Douai ليدرس في كليتها الكاثوليكية فتلقى هناك قدراً طيباً من التعليم الكلاسي كما اكتسب الرزانة والوقار اللذين مازا بعد ذلك جميع أدواره تقريباً، وظل مفتوناً في طوايا نفسه بمهنة والده (التمثيل) فغادر وهوفي الثامنة عشرة من عمره دواي Douai وعاد إلى إنجلترا. وبعد عودته بعام انضم لفرقة مسرحية، وبحلول عام 1871 كان يؤدي دور هاملت في دبلن، وانضمت إليه أخته سارة لفترة ثم ألحقته معها في فرقة دروري لين(06) Drury Lane فكان ظهوره للمرة الأولى على هذا المسرح كظهوره في هاملت (3871) مصحوباً بنجاح متواضع. لقد وجده جمهور لندن رزينا رزانة شديدة لا تتفق مع الدور وأدانه النقاد لأنه عدّل في نص شكسبير واختصره. وعلى أية حال فإنه عندما انضم إلى مدام سيدونز Siddons في مكبث (5871) كان أداؤهما رائعاً حتى إنه أصبح حدثا مهما في تاريخ المسرح الإنجليزي.

وفي سنة 8871 عيَّن شريدان - الذين كان في ذلك الوقت هوالمالك الرئيسي لمسرح دروري لين - كمبل مديرا للفرقة، فواصل القيام بأدوار البطولة لكن الممثل الحساس لم يكن مرتاحا بسبب تحكمات شريديان وبسبب قلة العائد المالي. وفي سنة 3081 قبل إدارة مسرح كوفنت جاردن واقتنى سدس الأسهم في هذا المسرح بمبلغ 000،32 جنيه إسترليني، وفي سنة 8081 احترق المبنى، وبعد فترة بطالة سببت له خسائر جسيمة أخذ كمبل على عاتقه إدارة المسرح بعد حتى يعيد بناءه. ولكنه عندما حاول حتى يوازن التكاليف الهائلة غير المتسقطة للمبنى الجديد بحمل أسعار دخول المسرح أوقف الجمهور عرضه التالي بصياحهم محتجين عُد إلى الأسعار القديمة ولم يسمح له الجمهور بالاستمرار في عروضه حتى يعد بذلك(16). وأنقذ دوق نورثمبر لاند Northumberland الفرقة بمنحة مقدارها 000،01 جنيه إسترليني وواصل كمبل كفاحه لكن ظهر ممثلون شبان مثلوا تحدياً له. وكان آخر نجاحاته في (كوريولاموس Coriolamus) عندما هز الجمهور المسرح تصفيقاً لفرط إعجابه، وكان هوالجمهور نفسه الذي تجاوز حتى صاح في وجهه محتجاً في سنة 9081. واعتزل كمبل المسرح البريطاني مسلّماً تاجه لإدموند كين Kean واختفى الأسلوب الكلاسي في التمثيل من إنجلترا باعتزاله، تماما كما اختفى في فرنسا بانتهاء دور صديقه تالما Talma، وانتصرت الحركة الرومانسية في المسرح كما انتصرت في الرسم والموسيقا والشعر والنثر.

تضم حياة كين Kean بين جنباتها جميع التقلبات التي حاقت بمهنته شديدة الحساسية - بما فيها من ملهاة ومأساة. وُلد في حي الفقراء بلندن في سنة 7871 نتيجة لقاء في نزهة ليلية بين آرون Aaron (أوإدموند Edmund) كين Kean وهوعامل (فرّاش) في مسرح وآن كاري Ann Carey التي كانت تكسب مالاً قليلاً من المسرح والشارع، وقد طرده أبواه في طفولته الباكرة فرباه عمه موسى كين المغني المشهور، وتولته على نحوخاص خليلة موسى واسمها شارلوت تدسويل Tidswell وهي ممثلة قليلة الشأن في مسرح الدروري لين. لقد دربته على الفن المسرحي والخدع المسرحية، وحثه موسى على دراسة الأدوار الشكسبيرية، فتفهم الفتى يجلب إليه النظارة بدءاً من الأكروبات (الألعاب البهلوانية) وإصدار الأصوات من بطنه (دون تحريك شفتيه) والملاكمة إلى هاملت وماكبث. لكنه كان متمردا في أعماقه، ففر مراراً، وأخيراً وضعت شارلوت الطوق المقيّد للكلب حول عنقه ونقشت عليه مسرح دروري لين (المقصد ضبطته وربطته بهذا المسرح) لكنه نزع الطوق وهوفي الخامسة عشرة من عمره، وشرد وراح يعمل ممثلاً بشكل مستقل يؤدي أي دور، لقاء 51 شلناً في الأسبوع.

وظل طوال عشر سنين يعيش حياة قلقة غير مستقرة ممثلاً جوالاً، يكادقد يكون معدما محترقاً في جميع الأوقات، لكنه كان واثقاً تماما من أنه يستطيع ان يبز الجميع على خشبة المسرح. وسرعان ما عكف على الكحول لينسى تعبه وعذابه وليغذي أحلامه وتمنياته بأنقد يكون نبيل الأصل، وليتصور فوزاته المرتقبة. وفي سنة 8081 تزوج ماري شامبرز زميلته في إحدى الفرق التي كان يعمل بها، فأنجبت له ولدين والتصقت به لم تفارقه في أثناء جميع استبعاده لنفسه أمام الويسكي (الخمور) والنساء. وأخيرا بعد سنوات عديدة قضاها وهويمثل الأدوار الشكسبيرية، ويحاكي الشمبانزي الذكي تلقى دعوة من مسرح دروري لين ليقوم بدور تجريبي (ممثل تحت الاختبار). وقد اختار دور شيلوك Shylock الصعب ليؤديه في أول صعود له على خشبة الدروري لين في 62 يناير 4181. لقد صَبّ في هذا الدور بعض الإهانات التي تلقاها في هذه الحياة. فعندما نطق شيلوك - باحتقار وسخرية - لتاجر البندقية المسيحي الذي طلب منه قرضاً:

- ألدى الكلب مال،يا ترى؟ محال
- ألخسيس يستطيع حتى يقرضك ثلاثة آلاف دوكة،يا ترى؟

لقد بدا حتى كين قد تقمّص تماماً شخصية شيلوك ونسى أنه إنسان آخر. لقد وضعت العواطف والمشاعر والانفعالات التي صبّها في دوره هذا نهاية للحقبة الكلاسية لفن التمثيل الإنجليزي (مع حتى الدور الذي أدّاه كادت حدثاته لا تتجاوز السطرين، إلى غير ذلك بدأت على مسارح لندن حقبة جديدة في التمثيل قوامها المشاعر والخيال والرومانسية. وبالتدريج راح جمهور المسرح يتفاعل مع هذا الممثل غير المعروف. لقد بدا المتحمسون له في البداية فرادى متشككين، لكن الجمهور سرعان ما تفاعل معه لفرط تفاعله واستغراقه في دوره. وسارع وليم هازلت Hazlitt أبرع النقاد في عصره بكتابة عرض تحمس فيه كثيرا لهذا الممثل، واندفع كين عائدا إلى أسرته فعانق زوجته قائلا لها: الآن يا ماري سهجربين مركبتك الأنيقة وعانق ابنه قائلا: يا ابني يفترض أن تدرس في إيتون Eton(26).

وامتلأ المسرح عند عرض مسرحية تاجر البندقية التي كان يؤدي كين فيها دوره للمرة الثانية (في العرض الثاني) وبعد العرض الثالث قدم صامويل (صموئيل) هويتبيرد Whitebeard له عقداً للعمل في هذا المسرح لمدة ثلاث سنوات لقاء ثمانية جنيهات أسبوعياً فسقطه كين، لكن هويتبيرد غيرّه بعد التوقيع فجعل الجنيهات الثمانية، عشرين جنيها مع حتى كين كان قد وافق على الثمانية. وأتى وقت دُعي فيه كين لأداء دور لليلة واحدة بخمسين جنيها. لقد أدى تقريباً جميع الأدوار المشهورة في مسرحيات شكسبير - هاملت، ريتشارد الثالث، ريتشارد الثاني، هنري الخامس، ماكبث، أوثيلوOthello، ياجوIago، روميو. وقد نجح في جميع هذه الأدوار باستثناء الأخير (روميو).

وعندما حان الوقت ليرى الممثلين الشبان ينتظرون بتوق ليحلوا محله، بدّد عوائده المالية في الشراب، وراح يرضي نفسه بما يتلقاه من حب شديد من مرتادي الحانات التي يرتادها(36) وانضم إلى حركة سرية لإدانة جميع اللوردات وذوي المكانة ونجح في إقامة علاقة آثمة مع زوجة أحد أعضاء المجلس التشريعي بالمدينة(5281)(46) وعمل على استعادة مكانته في المسرح، لكن ذاكرته لم تعد قوية كما كانت فَصَعُب عليه حفظ أدواره فقد كان ينسى السطور الموكل به أداؤها. لقد وقع هذا أكثر من مرة. ومع حتى الجمهور كان معجباً به إعجاباً شديداً، إلاّ أنه عندما قصَّر لم يرحمه وصبّ عليه الإهانات صباً، وسأله لم يُغرق في الشراب دون اهتمام أوحذر،يا ترى؟ فغادر إنجلترا، وقام برحلة في أمريكا أدى فيها أدواراً تمثيلية فحقق فوزاً في فنه وكوّن ثروة بدلاً من التي بددها، وبدّد الثروة الجديدة التي حققها، وعاد إلى لندن ووافق على القيام بتمثيل دور أوثيلوOthello أمام ابنه الذي كان عليه القيام بدور ياجوIago على مسرح كوفنت جاردن Covent Garden (3381) وصفق الجمهور لياجو، واستقبلوا أوثيلوصامتين. وكان هذا شديد السقط على كين الذي لم يلق التصفيق الكافي، فانهارت قواه وأصبح على شفا الانهيار وبعد حتى نطق بعبارة وداعا، لقد انتهت مهمة أوثيلوسقط بين ذراعي ابنه وهمس له: إنني أحتصر يا شارلز تحدّث لهم نيابة عني(56) فحملوه إلى بيته لترعاه زوجته التي كان قد هجرها ذات مرة، وبعد شهرين توفي في 51 مايو3381 ولم يتجاوز السادسة والأربعين. لقد اختطف الموت أعظم الممثلين في التاريخ الإنجليزي - باستثناء جارِك - وهوفي منتصف العمر.

أندرولويد وبر


مسرح وست إند

المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

الهامش


تاريخ النشر: 2020-06-04 12:41:05
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, مسرح المملكة المتحدة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بنموسى مطلوب في البرلمان بسبب النظام الأساسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:26:51
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 67%

ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الاسرائيلي على غزة لـ 8306

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:26:24
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 51%

من جديد.. إضراب لأربعة أيام يشل قطاع التعليم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:26:26
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

سرقة بالخطف تنهي حياة خمسيني بطنجة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:26:16
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

الادخار .. ركيزة أساسية للازدهار الاقتصادي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:25:32
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الاسرائيلي على غزة لـ 8306

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:26:19
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 51%

بنموسى مطلوب في البرلمان بسبب النظام الأساسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:26:49
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 64%

مباحثات تجمع عروشي بنائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:26:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

مباحثات تجمع عروشي بنائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:26:45
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

ألمانيا تدعو إسرائيل إلى حماية الفلسطينيين في الضفة الغربية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:28:01
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

سرقة بالخطف تنهي حياة خمسيني بطنجة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:26:11
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 61%

من جديد.. إضراب لأربعة أيام يشل قطاع التعليم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:26:31
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

السعودية: 37.5% من السكان لديهم تأمين صحي خاص

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:24:53
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 36%

ألمانيا تدعو إسرائيل إلى حماية الفلسطينيين في الضفة الغربية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-30 15:28:04
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

تحميل تطبيق المنصة العربية