الزعيم يهبط في القاهرة ليلاً ... رواية
المشهد الأول .. الزعيم يهبط في القاهرة ..
(1) غفوة .. وانتباهة ..
سقط في غفوة وهوجالس على مقعده أمام شاشات التليفزيون كما هي عادته التى استمرت لآخر سنتين . فهويسقط في غيبوبة وينفصل عن العالم تماماً ثم يستيقظ وهوناقم على شيخوخته التى تمضى بعقله لمده لا تتجاوز الربع ساعة لايدرى كيف من الممكن أنقد يكون حاله , ولا يدري إذا كانت قد تدلت فيها رأسه بشكل مثير للضحك لكل من يراها أم أنه احتفظ بوقاره. بعد جميع غفوة يستطيع حتى يستمر لثلاث ساعات متواصلة بعدها وهوفي تمام التيقظ وكأنه نام الدهر. اعتاد ان يسحب سيجاره على الفور ويبدأ في اشعالها كعلامة على تمام استيقاظه . كانت الساعة في ذلك اليوم قد قاربت العاشرة مساءً , وكانت أذنه قد امتلئت بما يتكرر سماعه من اخبار وتحليلات عن مزج الانتخابات البرلمانية والرئاسية وجعلها في يوم واحد توفيراً للنفقات ولاسباب أخرى كثيرة ملت أذنه منها.
لم يصدق د. حسن فتحي استاذ علوم الاجتماع السياسي أذنه وهويستمع لأول الحديث الذي يدور امامه على الشاشة بين مذيعه المفضل واحد المتحدثين هاتفياً.. لم ينطق به المذيع الا وقد تلعثم لسانه بكل حدثة ينطق بها , وهويكاد يُغشى عليه , وسقط المذيع عملياً من على الكرسي إلى الأرض في نهاية الحديث بعد حتى تلقى مداخلة هاتفية من الكونترول . المذيع أعرب حتى هناك مكالمة هامة جداً وغريبة للغاية ... صرح لزملاؤه بتمرير المكالمة على الهواء .. وكان الحوار كالتالي.
المذيع : آلو... ايوه مين معايا ؟ ...... : استاذ علي .. انا اسامة عبد الغفور بأحدثك من شارع الدقي دلوقتي. علي : اهلاً استاذ اسامة اتفضل , لحظة ارجوك ... بتقول ايه.؟
اسامة : في ناس ماشية في مظاهرة في شارع الدقي لناس كلها لابسة أبيض ...جلاليب بيضاء ... صامتين تماماً ولا يحملون يافطات ... المشكلة أنهم لا يردون على تساؤلات الناس اللى واقفة على الرصيف.. الصمت مقدس.
علي : هههههه , حضرتك تنفع تكون مؤلف مسرحي أوسينمائي ... الصورة اللى حضرتك بتنقلها مش عارف اقول عليها ايه ... طيب ممكن تقول لي اتجاه سير المظاهرة متجهه الى فين ...
اسامة : طالعة من شارع الدقي ومتجهه إلى شارع التحرير وغالباً قاصدين الميدان... بس في نقطتين مهمين جداً نفسي اتحدث فيهم قبل الشحن ما يخلص يا استاذ على , ارجوك.
علي : اتفضل , نطقها علي وهي يكاد يبتسم ابتسامة المتهكم.
اسامة : حضرتك مش حتصدقنى أنا عارف ده ويمكن بتقول عليا مجنون لكن أنت لا تتخيل الاعداد المنضمة للمظاهرات كيف من الممكن أن تتصاعد ... جميع ما يمروا على عمارة تلاقي باب العمارة يتفتح وينزل منها ناس لابسة الجلاليب البيضا وفي صمت ينضموا للمظاهرة, الاعداد بجد غريبة وشكل تصاعد اعدادها مهول ... ولومش مصدقني ابعت كاميرات التصوير .. اقول لك ايه أكتر من كده ... الغريب حتى انا جريت وراء المقدمة لم الحظ شيئاً غريباً الا رجلاً في وسط اول صف عليه علامات المهابة والفكر ويتسم وجهه بالابتسام اذا ما نظر للناس والتفكر اذا ما اطرق للأرض , كما أنه لا يتحدث لأحد , الا ان اوامره باشارات من يده وعلى ما يظهر حتى الناس اللى وراه تتفهم معاني اشارته... فيتوقفون عن المسير .. أويطرقون برؤسهم للأرض أويستمرون في المسير... ويحيط به بعض الرجال تقدمه في المسير ويظهر أنهم جماعته المقربة وعليهم علامات الصرامة والصمت والتدبر , حتى هؤلاء لا يتحدثون مع الآخرين ولا مع أنفسهم , الغريب جداً أنهم ماشيين بنظام وفي صفوف منتظمة للغاية وكأنهم جيش في عرض عسكري ولكن المراحل ليست عصبية , والناس واقفة على الرصيف تتسائل وتسائلهم من أنتم ،يا ترى؟ وما هي مطالبكم ،يا ترى؟ والي أين تتجهون ،يا ترى؟ وجميع ما يتلقفونه منهم ابتسامات عريضة واشارات تدعوالناس للانضمام .. وكأن الخرس قد اصابهم جميعاً استاذ على ... أنت معايا ؟
لقاء قريب في المشهد الثاني ... تعليقاتكم محل جميع التقدير ..