الكتب في حياتي

عودة للموسوعة

الخط في حياتي

يؤدي الروائي الأميركي الشهير، هنري ميلر، دور القارئ، مستعيداً أبرز الخط التي رافقت حياته، وهجرت أثراً ملموساً منذ طفولته. بعد نحونصف قرن على صدور «الخط في حياتي»، ها هوينتقل أخيراً إلى لغة الضاد من خلال «دار التكوين»

يلجأ هنري ميلر (1891ـ 1980) في «الخط في حياتي» (1969) الذي نقله أسامة أسبر أخيراً إلى العربية (دار التكوين ـ دمشق)، إلى تأريخ سيرته الشخصية عن طريق الخط، بوصفها حياةً موازية. هنا يستعيد الروائي الأميركي الخط التي هجرت أثراً ملموساً في حياته كقارئ، لكنه يعترف منذ البداية بأن الخط الفريدة نادرة، و«ربما هي أقل من خمسين، في مخزن الأدب كله».

هذا الاعتراف سيطيح مئات المؤلفين الذين لنقد يكونوا جزءاً من رفوف مخطة صاحب «مدار الجدي»، لكننا سنلتقي في اللقاء عشرات الأسماء التي لم تدخل المخطة العربية على الإطلاق.

في محاولته «صقل النسيان» يسترجع خط طفولته، وهي خط مغامرات وألغاز، قبل حتى يقتحم عتبات العناوين المهمة، لكن هذا الهوس بالقراءة، لا يقلل من شأن الحياة نفسها كتجربة أصيلة، نافياً الأهمية التي يعوّلها بعضهم على مدارس تعليم الكتابة، وتالياً «لا عجب في أننا ننتج مهندسين أكثر مما ننتج كتّاباً، وخبراء صناعيين أكثر من الرسامين» كما يقول. ما يقوم به ميلر إذاً، هوالإصغاء إلى تلك الأصوات التي لم تغادر ذاكرته، على يد حفنة من الأسماء بنوع من الحنين إلى تلك «الخط الحيّة» التي قادته إلى مسالك جديدة في حياته المضطربة.

هكذا يتوقّف بتبجيل أمام جيمس جويس، معتبراً إياه «العملاق في الميدان»، قبل حتى يستدعي دي اتش لورانس، ودستويفسكي، ومارسل پروست، وهرمان هيسه، ودوس باسوس... وفقاً لما يراه صاحب «ربيع أسود»، لا تكتمل أهمية المحرر إلا حين تتمكّن أعماله من «تحويل القارئ إلى صديق شخصي حميم. وإحدى المتع النادرة التي يعيشها حتى يتلقّى الهدية التي كان ينتظرها من قارئ مجهول».

في مفتتح الكتاب «كانوا أحياء وتحدّثوا معي»، نطل على مشهد في غرفة صغيرة، وحائط محتشد برفوف الخط، ونصائح لتجنّب القراءات الضالة، واختبار الطرق السليمة لقراءة كتاب، مثل نسخ عبارات مهمة، ووضعها على الباب كي يقرأها الآخرون. لأن القراءة، كما يقول، هي عمل إبداعي بالمعنى العميق. هكذا ينخرط ميلر في خط حياته، وهي تنتمي بمعظمها إلى حقل الرواية، جنباً إلى جنب مع تجاربه الحياتية وترحاله بين الأمكنة والأعمال. وفي رسالته الطويلة إلى پيير لوسدان، أحد أكثر القراء حماسة، يرسم خريطة أخرى للخط، أو«خليطاً فانتازياً من العناوين»، كأن يجمع بين دوستويفسكي ووالت ويتمان، فالأول أكثر من روائي، والثاني أعظم من شاعر، في قراءة مقارنة لإبداعهما. في فصل «القراءة في المرحاض»، يستعيد فترة القراءة الأولى للخط الكلاسيكية الممنوعة، قبل حتى يكتشف لذة القراءة في الغابة، بالإضافة إلى ذكرياته حين كان عاملاً في التلغراف، وصرفه من العمل بسبب قراءة تخصصه بدلاً من إنهاء كتالوگ طلب البريد، وكيف تخلّصت أمه من مخطته القديمة، ليقينها بأن الخط تجلب الكآبة. ويخصّص فصلاً للمسرح وولعه المبكر بالدراما المسرحية أوهذا الحقل من السحر الصرف «أعتقد أنني قرأت مسرحيات أكثر مما قرأت روايات أوأي نوع من أنواع الأدب». يستعيد هنا ذلك الرّف الضخم في المخطة الذي يضم «أعمال هارڤرد الكلاسيكية». في هذه الأعمال، «يعثر المرء دوماً على الحقيقة والشعر والحكمة». ويوضح ميلر أنّ الطريقة المثلى لاكتشاف لغتنا الخاصة، سنجدها في الذهاب إلى المسرح، ذلك حتى حديث الخشبة مختلف عن حديث الخط أوحديث الشارع، فالكلام الأكثر بقاءً ينتمي إلى المسرح. في هذا المقام، يتذكّر ممثلي الملهاة والأعمال الساخرة، ونساء المسرح «بسبب جمالهنّ الضخم وشخصياتهن المميّزة». وينبّه إلى فكرة مهمة تتعلق بأن المسرح عابر للحدود والقوميات عبر فرقة مسرحية تجسّد نصاً محليّاً مجهولاً، فأثر ذلك يفوق حمولة عربة من الخط. في ملحق خاص، يضع ميلر قائمة تضم 100 كتاب أثرت فيه، يفتتحها بالمسرحيين اليونانيين القدامى، مروراً بألف ليلة وليلة (للأطفال)، وبلزاك، وإميلي برونتي، وأندريه جيد، وكنوت هامسون، وأوگوست ستريندبرگ.

لا نفهم ماذا يخبئ ميلر من خط فريدة أخرى كان ينوي استعراضها في المجلد الثاني من «خط في حياتي»، فقد صدر هذا الكتاب بلغته الأصلية قبل نحونصف قرن، وها هويصل أخيراً إلى لغة الضاد.

الهامش

  • خليل صويلح. "هنري ميلر: سيرة محفوفة بالخط". صحيفة الأخبار اللبنانية.
تاريخ النشر: 2020-06-04 13:23:39
التصنيفات: كتب 1969, كتب 2013, كتب هنري ميلر

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

قرار جديد يهم اختبار الحصول على رخصة السياقة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:09:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 79%

«التاريخ والهوية»: جامع بيضا حارس بوابات «أرشيف المغرب»

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:09:17
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 83%

فرنسا تصبح أول دولة تدرج الحق في الإجهاض ضمن دستورها

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:10:16
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

موقف خالد عبد الفتاح النهائي من مباراة الزمالك

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:08:41
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 45%

موعد سفر الأهلي إلى السعودية وخوض أول مران

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:08:39
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 44%

أول تعليق لعصام الشرعي بعد إبعاده عن تدريب المنتخب الأولمبي؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:09:06
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 79%

الأهلي يختتم تدريباته قبل السفر إلى السعودية لمواجهة الزمالك

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:08:44
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 39%

الحمد لله.. تساقطات مطرية وثلجية منتظرة بعدة مناطق مغربية بدءا من يوم غد

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:08:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

El-Ahly.com يكشف تفاصيل عملية ديانج في النمسا

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:08:40
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 46%

وسام أبو علي يكتفي بالجري والتأهيل في مران الأهلي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:08:45
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 46%

حزب العدالة والتنمية: لن نتخلى عن التصدي للمفسدين

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:10:05
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

تتويج المغربية رابحة الحيمر في البيت الأبيض

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:08:32
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 53%

موقف كريم نيدفيد النهائي من نهائي كأس مصر أمام الزمالك

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:08:43
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 46%

الجزائر تطلق النار على قدميها.. شيات: دعم الانفصال انتحار سياسي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:09:02
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 83%

الشرعي يخرج عن صمته بعد إقالته من تدريب المنتخب الأولمبي

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:10:07
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 64%

كيف حطم المفوض الأممي لحقوق الإنسان سردية الجزائر والبوليساريو؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-05 15:09:14
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 81%

تحميل تطبيق المنصة العربية