مجتمع اليونان القديمة

عودة للموسوعة

مجتمع اليونان القديمة

الأحرار والعبيد

ومَن ذا الذي كان يقوم بهذا العمل كله،يا ترى؟ لقد كان يقوم به في الريف المواطنون: أسرهم وعمال أحرار مأجورون؛ أما في أثينة نفسها فكان يؤدي بعضهُ المواطنون، وبعضهُ العتقاء، ويؤدي الكثير منه الغرباء المهاجرون، ويؤدي معظمهُ الأرقاء. ويكاد أصحاب الحوانيت، والصناع، والتجار، ورجال المصارف، حتىقد يكونوا كلهم من الطبقات التي ليس لها حق الانتخاب، وكان أهل المدينة ينظرون بعين الاحتقار إلى العمل اليدوي، ولا يؤدون منه إلا القليل الذي لا بد لهم من أدائهِ، لأن العمل لكسب العيش كان في اعتقادهم يحط من قدر صاحبهِ، بل إذا الأعمال المهنية، وتعليم الموسيقى، والنحت، والتصوير، كان في نظر الكثيرين من اليونان "مهنة دنيئة . وهاهوذا زنوفون يتحدث في زهووفي غير مجاملة بوصفه واحداً من طبقة الفرسان فيقول:

"إن الجماعات المتمدينة ترى حتى ما يسمونه بالفنون الآلية الحقيرة تزري بصاحبها... وهي محقة في نظرتها هذه؛ ذلك بأن العمل فيها يهلك أجسام القائمين به، سواء فيهم العمال ومن يشرفون عليهم، فهي تضطرهم إلى حتى يقضوا وقتهم جالسين في نور ضئيل أوجاثمين أياماً طوالاً أمام الأفران.

وهذا الضعف الجسمي يصحبه على الدوام ضعف نفساني؛ وفوق هذا وذاك فإن ما تتطلبه هذه الفنون الآلية الحقيرة من الوقت لا يهجر للمشتغلين بها فراغاً ينفقونه في مطالب الصداقة أوالدولة":

وكان يُنظر إلى التجارة هذه النظرة نفسها، فكان اليوناني الأرستقراطي النزعة أوالفيلسوف لا يعدها إلا وسيلة لجمع المال مع إلحاق الأذى بمن يُجمع منهم؛ وهي في رأي هذا وذاك لا تبغي خلق السلع، بل جميع ما تبغيه هوشراؤها رخيصة وبيعها غالية؛ ولهذا فما من مواطن خليق بالاحترام يرضى حتى يعمل فيها وإن كان لا يستنكف حتى يستثمر فيها ماله ويربح من هذا الاستثمار ما دام يهجر لغيره حتى يقوم بالعمل. ويقول اليوناني إذا الحر يجب حتى يتحرر من الواجبات الاقتصادية، وإن عليهِ حتى يستخدم العبيد وغيرهم من الناس ليعتنوا بشؤونه المادية، بما في ذلك، إذا استطاع، العناية بأملاكهِ وأموالهِ. وهذا التحرر وحده هوالذي يهجر له الوقت الكافي للقيام بأعباء الحكم، والحرب، والأدب والفلسفة. فإذا لم توجد هذه الطبقة المتفرغة لهذه الشؤون لم يوجد، كما يرى اليوناني، ذوقٌ راق، ولنقد يكون في البلاد من يشجع الفنون، ولن تقوم للحضارة قائمة على الإطلاق؛ ذلك حتى من يعمل مسرعاً لا يمكن حتىقد يكون متمدناً بحق.

وكان الغرباء الأحرار، الذين ولدوا في بلاد خارجية واتخذوا أثينة موطناً لهم ولكنهم لا يعدون من مواطنيها، كان هؤلاء الغرباء هم الذين يؤدون في أثينة معظم الأعمال ذات الصلة التاريخية بالطبقة الوسطى، فكان منهم رجال المهن، والتجار، والمقاولون، والصناع، والمديرون للأعمال التجارية والصناعية، وأصحاب الحوانيت، وأرباب الحرف، والفنانون. وقد استقر هؤلاء في أثينة لأنهم وجدوا فيها، بعد تجوالهم في البلاد الأخرى، ما ينشدونه من الحرية الاقتصادية وفرص الحياة والحافز على العمل وبذل الجهود، وهذه أبرز في نظرهم من حق الانتخاب. ولهذا كانت أبرز الأعمال الصناعية- خارج نطاق التعدين- ملكاً لهؤلاء الغرباء الأحرار، فصناعة الخزف بأكملها كانت في أيديهم، وكانوا يوجَدونَ حدثا استطاع الوسطاء حتى يحشروا أنفسهم بين المنتج والمستهلك. وكانت شرائع البلد تضايقهم وتحميهم، فكانت تفرض عليهم من الضرائب ما تفرضه على المواطنين، وتُلزمهم بأن يؤدوا خدمات شخصية للدولة، وتجندهم للخدمة العسكرية، وكانوا يؤدون لها ضريبة الفرضة؛ ولكنها كانت تُحرم عليهم امتلاك الأرض والزواج من أسر المواطنين، ولا تسمح لهم بالانضمام إلى الهيئات الدينية أوالالتاتى بأنفسهم إلى المحاكم.

ولكنها كانت ترحب بهم في حياتها الاقتصادية، وتقدر لهم جدهم وحذقهم، وتنفذ لهم عقودهم، وتهجر لهم حريتهم الدينية، وتحمي أموالهم من الثورات العنيفة. وكان منهم من يباهون بثروتهم مباهاة سمجة، ولكن كان منهم أيضاً من يشتغلون بالعلوم، والآداب، والفنون، ويمارسون مهنة الطب أوالقانون، أويُنشئون مدارس لتعليم البلاغة والفلسفة، وهم الذين أمدوا بالمال مؤلفي المسرحيات الهزلية في القرن الرابع، وكانوا هم موضوع هذه المسرحيات، وأصبحوا في القرن الثالث هم المثال المُحتذى في آداب المجتمع الهلنستي. وكان حرمانهم من حقوق المواطنة يؤلمهم ويحز في نفوسهم، ولكنهم كانوا يحبون أثينة ويفخرون بانتسابهم إليها، ويؤدون على مضض كثير من الأموال التي تحتاجها للدفاع عن نفسها ضد أعدائها. ومن مال هذه الطبقة استمد الأسطول معظم حاجته؛ وكانت هي عماد الإمبراطورية الأثينية، وبفضلها احتفظت أثينة بتفوقها التجاري على سائر بلاد اليونان.

وكان يشارك الغرباء في الحرمان من بعض الحقوق السياسية، وفيما يتاح لهم من الفرص الاقتصادية، العتقاء، أي الذين كانوا من قبل عبيداً. ذلك حتى الأمل في الحرية حافز اقتصادي قوي للعبد الشاب وإن لم يكن من السهل المألوف حتى يُعتق العبد لأن عبداً آخر يجب حتى يحل في العادة محله؛ لكن كثيرين من اليونان كانوا إذا قربت منيتهم يكافئون أشد عبيدهم إخلاصاً بعتقهم. كذلك كان العبد يُعتق أذا افتداه أهله أوأصدقاؤه كما وقع لأفلاطون، أوافتدته الدولة نفسها من سيده نظير خدماته لها في الحرب؛ وقد يبتاع هونفسه حريته بما يدخره من الأبولات. وكان العبد المحرر يعمل، كما يعمل الغريب السالف الذكر، في الصناعة والتجارة والشؤون المالية. وكان أقل ما يقوم به من الأعمال شأناً هوأداء عمل العبد نظير أجر؛ وكان أعظم ما يبلغه هوحتىقد يكون صاحب إحدى الصناعات. فقد كان ميلياس Mylias مثلاً هوالمشرف على مصنع الأسلحة الذي يمتلكه دموستين؛ وأصبح باسيون، وفورميوأغنى رجال المصارف في اثينة. وكان أبرز الأعمال التي تُظهر قيمة العبد المحرر هي الأعمال التطبيقية، وذلك لأن أقسى الناس على العبيد هوالذي نشأ في ظل العبودية ولم يعهد طول حياته إلا الظلم والاستبداد.

وكان من تحت هذه الطبقات الثلاث- طبقات المواطنين والغرباء والمعاتيق- عبيد أتكا البالغ عددهم 115.000 عبد . وهؤلاء العبيد إما أسرى حرب، أوضحايا غارات الاسترقاق، أوأطفال أنقذوا وهم معرضون في العراء، أوأطفال مهملون، أومجرمون. وكانت قلة منهم في بلاد اليونان يونانية الأصل؛ وكان الهليني يرى حتى الأجانب عبيد بطبعهم لأنهم يبادرون بالخضوع إلى الملوك، ولهذا لم يكن يرى في استعباد اليونان لهؤلاء الأجانب ما لا يتفق مع العقل؛ لكنه كان يغضبه حتى يُسترق يوناني. وكان التجار اليونان يشترون العبيد كما يشترون أية سلعة من السلع، ويعرضونهم للبيع، في طشيوز، وديلوس، وكورنثة، وإيجينا، وأثينة، وفي جميع مكان يجدون فيه من يشتريهم. وكان النخاسون في أثينة من أغنى سكانها الغرباء؛ ولم يكن من غير المألوف في ديلوس حتى يباع ألف من العبيد في اليوم الواحد، وعرض سيمون بعد معركة يوريمدون عشرين ألفاً من الأسرى في سوق الرقيق. وكان في أثينة سوق يقف فيه العبيد متأهبين لأن يفحص عنهم وهم مجردون من الثياب، وأن يساوم على شرائهم في أي وقت من الأوقات. وكان ثمنهم يختلف من نصف مينا إلى عشر مينات )من 50 ريالاً أمريكياً إلى ألف ريال(. وكانوا يُشترون إما لاستخدامهم في العمل مباشرة، أولاستثمارهم؛ فقد كان أهل أثينة الرجال منهم والنساء يجدون من الأعمال المربحة حتى يبتاعوا العبيد ثم يؤجروهم للعمل في البيوت أوالمصانع، أوالمناجم. وكانت أرباحهم من هذا تصل إلى 33 في المائة. وكان أفقر المواطنين يمتلك عبداً أوعبدين؛ ويبرهن إسكنيز Aeschines على فقره بالشكوى من حتى أسرته لا تمتلك إلا سبعة عبيد؛ وكان عددهم في بيوت الأغنياء يصل أحياناً إلى خمسين، وكانت الحكومة الأثينية تستخدم عدداً منهم في الأعمال الكتابية وفي خدمة الموظفين، وفي المناصب الصغرى، وكان منهم بعض رجال الشرطة. وكان كثيرون من هؤلاء يحصلون من الدولة على الملابس، وعلى "مكافأة" يومية مقدارها نصف درخمة، وكان يؤذن لهم حتى يسكنوا حيث يشاءون.

أما في الريف فكان العبيد قليلي العدد، وكانت كثرة الرقيق من النساء الخادمات في البيوت. ولم يكن الأهلون في شمالي بلاد اليونان وفي معظم البلوبونيز في حاجة إلى العبيد لاستغنائهم عنهم برقيق الأرض وكان العبيد في كورنثة، ومجارا، وأثينة، يؤدون معظم الأعمال اليدوية الشاقة، كما كانت الجواري يقمن بمعظم الأعمال المنزلية المجهدة ولكن العبيد كانوا فوق ذلك يقومون بجزء كبير من الأعمال الكتابية وبمعظم الأعمال التطبيقية في الصناعة، والتجارة، والشؤون المالية. أما الأعمال التي بحاجة إلى الخدمة فكان يقوم بها الأحرار والمحررون، والغرباء، ولم يكن هناك عبيد فهماء كما نرى فيما بعد في العصر الهلنستي وفي رومة، وقلما كان يسمح للعبد بأنقد يكون له أبناء لأن شراء العبد كان ارخص من تربيته. وكان العبد إذا أساء الأدب ضرب بالسوط، وإذا طُلب للشهادة عذب، وإذا ضربه حر لم يكن له حتى يدافع عن نفسهِ لكنه إذا تعرض للقسوة الشديدة كان له حتى يفر إلى أحد الهياكل، ثم يُلزم سيده ببيعهِ، ولم يكن يحق لسيده بأية حال حتى يقتله، وكان يلقى من الضمانات؛ ما دام يعمل، ما لا يلقاه كثيرون ممن لا يسمون عبيداً في بعض الحضارات الأخرى. فكان إذا سقم ،أوتقدمت به السن، أولم يجد عملاً يقوم به، لا يلقي بهِ سيده إلى الإعانات العامة، بل كان يستمر في رعايته. وإذا كان وفياً عومل معاملة الخادم المخلص الأمين التي تكاد تضارع معاملة أي فرد من أفراد الأسرة، وكثيراً ما كان يسمح له بأن يقوم بعمل خارجي على شريطة حتى يؤدي لسيده بعض ما يكسب من هذا العمل. وكان يُعفى من الضرائب ومن الخدمة العسكرية؛ ولم يكن شيء في ثيابه يميزه من الحر في أثينة خلال القرن الخامس قبل الميلاد. وهاهوذا "الألجركي القديم" يشكوفي نشرة له عن نظام الأثينيين من حتى العبد لا يفسح الطريق في الشارع للمواطنين ومن أنه يتحدث بحرية، ويتصرف في جميع صغيرة وكبيرة كأنه كفء للمواطن. واشتهرت أثينة بحسن معاملة عبيدها، وكان من المعروف حتى العبيد في أثينة الديمقراطية أحسن حالاً من الأحرار الفقراء في الدويلات الألجركية، وكانت ثورات العبيد نادرة في أتكا وإن كانت مما يخشى وقوعه القائمون بالأمر فيها.

ومع هذا فإن ضمائر الأثينين لم تكن ترتاح إلى وجود الرق في بلدهم، وإن الفلاسفة الذين يدافعون عن هذا النظام ليظهرون في وضوح لا يكاد يقل عن وضوح من ينددون بهِ حتى ما طرأ على الأمة من تطور أخلاقي قد جعلها أرقى من نظمها الاجتماعية. فها هوذا أفلاطون يندد باستعباد اليونان لليونان، ولكنه فيما عدا هذا يقر الاسترقاق بحجة حتى لبعض الناس عقولاً غير ممتازة. وينظر أر سطوإلى العبد على أنه آلة بشرية، ويظن حتى الاسترقاق سيبقى في صورة ما حتى يحل اليوم الذي تؤدي فيهِ الآلات التي تدور بنفسها جميع الأعمال الحقيرة. وليس لدى اليوناني العادي فكرة ما عن الكيفية التي يمكن بها حتى تسير أعمال المجتمع المثقف من غير الرق، وإن كان هذا اليوناني رحيماً بعبيدهِ؛ فهويشعر بأنه إذا أريد إلغاء الرق وجب إلغاء أثينة من الوجود. أما غيره فأكثر تطرفاً في آرائهم، فالفلاسفة الكلبيون يحكمون على الرق أسوأ حكم، ومثلهم في هذا خلفاؤهم الرواقيون وإن كانوا أقل عنفاً في حكمهم عليهِ. وكثيراً ما يثير يوربديز عطف مستمعيه بما يصوره لهم من حال أسرى الحرب ويطوف السيد ماس السوفسطائي بلاد اليونان يبشر فيها بعقائد روسوفي ألفاظ تكاد تكون ألفاظ روسوبعينها دون حتى يتعرض له أحد بسوء: "لقد بعث الله الناس في العالم أحراراً ولم تجعل الطبيعة أحد الناس عبداً". لكن الاسترقاق ظل قائماً رغم هذا كله.


حرب الطبقات

كان استغلال الإنسان للإنسان في أثينة وطيبة أقل قسوة منه في إسبارطة ورومة، ولكنه كان على أية حال استغلالاً يؤدي الغرض المقصود منه. فلم يكن بين الأحرار في أثينة طوائف ممتازة وأخرى غير ممتازة، وكان في مقدور الرجل حتى يرقى بجهودهِ وحدها إلى أية مرتبة في الحياة، ولم يكن فيها تمييز طائفي شديد بين العامل وصاحب العمل، اللهم إلا في المناجم؛ أما في غيرها فكان صاحب العمل يشتغل إلى جوار عماله، وكان التعارف الشخصي بين الاثنين يفل من حدة سلاح الاستغلال، وكان أجر الصناع جميعاً، إلا القليل النادر منهم، أياً كانت طبقتهم، هودرخمة للرجل في جميع يوم من أيام العمل، أما العمال غير الحاذقين فقد تنخفض أجور الواحد منهم إلى ثلاث أبولات في اليوم )نصف ريال أمريكي(. ولما نما نظام المصانع أخذ الأجر بالبترة يحل محل المياومة وبدأت الأجور تختلف اختلافاً كبيراً، وكان في وسع المقاول حتى يستأجر العبيد من سادتهم بأجر يتراوح بين أبولة واحدة وأربع أبولات في اليوم. وفي وسعنا حتى نقدر القوة الشرائية لهذه الأجور إذا وازنا الأثمان في بلاد اليونان بأمثالها في بلادنا . لقد كان البيت والضيعة في عام 14 يباعان معاً بألف ومائتي درخمة، وكان المندموس Mendimmus اي البشل والنصف من الشعير يباع بدرخمة واحدة في القرن السادس، وبخمس درخمات في أيام الإسكندر، وكان الخروف يباع بدرخمة في أيام صولون، وبعشر درخمات أوعشرين في القرن الخامس. وكانت النقود المتداولة في أثينة كغيرها من المدن تزيد اسرع مما تزيد البضائع، ولهذا كانت الأثمان ترتفع؛ فكانت أثمان السلع في آخر القرن الرابع خمسة أمثال ما كانت عليه في بداية القرن السادس؛ وقد تضاعفت هذه الاثمان ضعفين من عام 480 إلى 404 ثم تضاعفت مرة أخرى من 404 إلى 330. وكان في وسع الرجل الفرد حتى يعيش عيشة راضية بمائة وعشرين درخمة )120 ريال أمريكي( في الشهر؛ ومن هذا نستطيع حتى نحكم على حال العامل الذي كان يكسب ثلاثين درخمة في الشهر ويعول أسرة. ولسنا ننكر حتى الدولة كانت تبادر إلى معونته في الأزمات الشديدة فتمده بالحبوب بثمن اسمي؛ ولكنه كان يشاهد حتى ربة الحرية ليست صديقة لربة المساواة، وأن الشرائع الحرة في أثينة كانت تمكن القوي من حتى يزداد قوة، والغني من حتى يزداد غنى، أما الفقير فكان يبقى في ظلها فقيراً.

ومن الحقائق المعروفة حتى الفردية تحفز القادرين إلى العمل، وتنزل بالسذج، وأنها تُنشئ الثروات الضخمة، وهجرزها هجريزاً وخيم العاقبة. ولذلك كان المهرة الحاذقون في أثينة، كما كانوا في غيرها من الدول، يحصلون من الثروة جميع يستطيعون تحصيله، ثم يحصل أوساط الناس ما يتبقى من هؤلاء. وكان مالك الأرض يفيد من ازدياد ثمن أرضه المطرد؛ وكان التاجر لا يدخر جهداً، رغم ما فُرض عليه من القيود التي لا تحصى لاحتكار الأصناف أوابتياع جميع ما معروض منها في الأسواق ثم التحكم في أثمانها على هواه. وكان المضارب ينال حصة الأسد من أرباح الصناعة والتجارة بفرض ثمن مرتفع لفائدة القروض التي يقدمها لأصحاب الصناعات والتجار. وقام زعماء الجماهير المحترفون يبينون للفقراء ما في توزيع الثروة بين الناس من غبن، ويخفون عنهم عدم المساواة في كفاياتهم من الناحية الاقتصادية؛ وأخذ الفقير بعد حتى أبصر بعينيه ثراء المثرين يحس بفقرهِ ويطيل التفكير في ميزاته التي لا يُجزى عليها الجزاء الأوفى، ويحلم بقيام الدول المثالية. ومن ثم كانت الحرب بين طبقة وطبقة، وهي الحرب التي استعرت نارها في جميع الدول اليونانية، والتي كانت أشد هولاً من الحرب بين اليونان والفرس، أوبين أثينة واسبارطة.

وبدأت هذه الحرب في أتكا بالنزاع بين الأغنياء المحدثين والأشراف أصحاب الأراضي الزراعية؛ ذلك حتى الأسر الغنية كانت لا تزال تحب الأرض، وتحب حتى تقضي معظم حياتها في ضياعها، وكان تقسيم الأرض بين الأبناء وأبناء الأبناء خلال الأجيال الطويلة قد قلل مساحة ما يملكه جميع واحد منها. )فلم يكن ألسبيديز الثري مثلاً يملك أكثر من سبعين فداناً(. وكان مالك الأرض في معظم الأحوال يعمل بنفسهِ في أرضه أويشرف على إدارة أملاكه، وكان هذا الشريف فخوراً بنفسهِ وأصله وإن لم يكن غنياً بمالهِ، فكان يضيف اسم أبيه إلى اسمهِ ليكون ذلك من ألقاب الشرف له، ويبتعد قدر استطاعته عن طبقة التجار الوسطى التي كانت تستحوذ شيئاً فشيئاً على ثروة أثينة التجارية الآخذة في النماء. غير حتى زوجته كانت تلح عليه حتىقد يكون له بيت في المدينة لتستمتع بما في العاصمة من الحياة المتنوعة وبما تتيحه من فرص، وكانت بناته يرغبن في حتى يعشن في أثينة، ليتصيدن لهن أزواجاً أثرياء، وكان أبناؤه يرجون حتى يجدوا فيها الخليلات ويقيموا المآدب المرحة كما يعمل الأغنياء المحدثون. وإذ لم يكن في مقدور الأشراف ملاك الأراضي حتى ينافسوا التجار والصناع في ترفهم فقد رضوا بهم أوبأبنائهم أزواجاً لأولادهم وبناتهم، وكان هؤلاء التجار والصناع راغبين في حتى يتسنموا ذُرى المجد مستعدين للبذل. وكانت نتيجة هذا اتحاد الأغنياء بأرضهم مع الأغنياء بما لهم وتكوين طبقة عليا ألجركية، يحسدها الفقراء ويحقدون عليها، ويغضبها الإفراط في الديمقراطية وتخشى على نفسها من الثورة.

وكان صلف الأثرياء الجدد هوالذي أدى إلى الفترة الثانية من مراحل حرب الطبقات- اي نزاع المواطنين الفقراء مع الأغنياء. ذلك حتى كثيرين من أفراد الطبقات الوسطى الرأسمالية أخذوا يباهون مثل ألسبيديز بثرائهم وإن لم يكن من بينهم إلا القليلون الذين يستطيعون حتى يسخروا "جمهرة الكادحين" بجرأتهم الروائية ورشاقة مظهرهم ورقة حديثهم. وقام الشبان الذين أحسوا بما وهبوا من كفايات يحول فقرهم دون إبرازها والإفادة منها، فنقلوا حاجتهم الشخصية إلى الفرص والمكانة السامية من دائرتهم الخاصة إلى نداء عام بالثورة، وتكفل المتفهمون الذين يرحبون بالآراء الجديدة ويستهويهم هتاف المظلومين بصياغة أغراض ثورتهم إليهم. ولمقد يكونوا ينادون باشتراكية التجارة والصناعة، بل كانوا يطلبون إلغاء الديون وإعادة توزيع الأراضي على المواطنين، ونقول على المواطنين لأن الحركة المتطرفة التي قامت في أثينة في القرن الخامس لم يشهجر فيها إلا من لهم حق الانتخاب من الفقراء، ولم تكن تحلم في هذه الفترة بتحرير العبيد، أوإعطاء الغرباء نصيباً من الأرض التي تطالب بإعادة توزيعها. وكان الزعماء يتحدثون عن الماضي المضىي حين كان الناس جميعاً متساوين فيما يملكون، ولكنهم لمقد يكونوا يريدون حتى تؤخذ أقوالهم بنصها حين يتحدثون عن عودة هذا الفردوس المفقود، بل كانت الصورة المرسومة في أذهانهم صورة مجتمع اشتراكي أرستقراطي- لا ينطوي على تأميم الأرض بل ينطوي على توزيعها بالتساوي بين المواطنين. وكانوا يشيرون إلى حتى المساواة في الحقوق السياسية ستكون بلا ريب مساواة غير حقيقية مع وجود تلك الفوارق الاقتصادية المطردة الزيادة، ولكنهم كانوا مصممين على استخدام ما للمواطنين الفقراء من سلطان سياسي لحمل الجمعية على حتى تضع في جيوب المحتاجين- بالغرامات، والتكاليف، والمصادرة، والأشغال العامة،- بعض الثروة المركزة لدى الأغنياء. واتخذوا اللون الأحمر رمزاً لثورتهم فضربوا بذلك المثل للثائرين في مستقبل الأيام.

وقابل الأغنياء هذا التهديد فألفوا من بينهم هيئات سرية تعهدوا فيها حتى يعملوا مجتمعين لمقاومة ما يسميه أفلاطون- رغم نزعته الشيوعية- "الوحش الضاري" الكامن في نفوس الغوغاء المستنفرين الجياع. وانتظم العمال الأحرار أيضاً- وكانوا قد أنتظموا منذ أيام صولون إذا لم يكن قبله- في نواد (إرانوي، ثياسوي eranoi, thiasoi) للبنائين، وقاطعي الرخام، وعمال الخشب، والعاملين في العاج أوالفخار، والسماكين، والممثلين ومن إليهم من الجماعات. وكان سقراط نفسه عضواً في نادي المثالين . بيد حتى هذه الجماعات لم تكن نقابات عمال بقدر ما كانت جماعات لتبادل المنفعة، فكان أعضاؤها يجتمعون في أماكن لهم يسمونها مجامع مقدسة، يقيمون فيها المآدب والألعاب، ويعبدون فيها رباً يحميهم، ويقدمون المال للسقمى من الأعضاء، ويتعاقدون مجتمعين على القيام بمشروع خاص، ولكنهم لم يشهجروا اشتراكاً ملحوظاً في حرب الطبقات الأثينية. ودارت المعركة في ميداني الأدب والسياسة؛ فشرّع مصدروالنشرات أمثال "الألجركي القديم" يصدرون النشرات ينددون فيها بالديمقراطية أويدافعون عنها. وإذ كانت مسرحيات الشعراء الهزليين تتطلب أموال الأغنياء لإخراجها، فقد انضم هؤلاء إلى جانب ذوي المال، وشرعوا يصبون قوارص سخرياتهم على الزعماء المتطرفين وعلى دولهم المثالية. فترى أرسطوفان يقدم لنا في مسرحية الإكلزيازوسي Ecclesiazusae (392) السيدة بركساغورا Praxagora الشيوعية تلقي خطبة تقول فيها: "أريد حتىقد يكون لكل الناس نصيب في جميع شيء، وأنقد يكون جميع الملك مشاعاً؛ فلنقد يكون بعد اليوم أغنياء أوفقراء؛ ولن نرى بعد الآن رجلاً واحداً يجني محصول مساحات واسعة من الأرض وإلى جانبه رجل آخر لا يجد منها ما يتسع لدفنه... وسأعمل على حتى لاقد يكون في الحياة إلا ظروف واحدة يشهجر فيها جميع الناس على السواء... وسأبدأ بأن أجعل الأرض والمال وكل ما ملك خاص مشاعاً بين الناس أجمعين... وستكون النساء ملكاً مشهجراً للرجال". ويسأل بلبيروس Blepyrus ولكن العمل من يقوم بهِ " فتجيبه بقولها: "العبيد". وفي ملهاة أخرى هي ملهاة بلوتوس Plutus (408) يُجيز أرسطوفان للملكية المهددة بالانقراض حتى تدافع عن نفسها بقولها إنها هي الحافز الذي لا بد منه للكدح البشري والمغامرة ": أنا السبب الوحيد في جميع ما بكم من نعمة، وإن سلامتكم لَتعتمد عليَّ دون غيري...ومَنذا الذي يحب حتى يطرق الحديد ويبني السفن، ويخيط الثياب، ويخرط الخشب، ويبتر الجلد، ويحرق الآجر، ويبيض التيل، ويدبغ الجلود، ويشق الأرض بالمحراث، ويجني ثمار دمتر إذا كان في وسعه حتى يعيش بغير عمل محرراً من جميع هذهِ المشاق...،يا ترى؟ فإذا ما طبّق نظامكِ )الشيوعية(... فلن تستطيعي حتى تنامي في سرير، لأن الأسرة في هذا الحال لن يُصنع منها شيء بعد، ولن تُنسج بسط، وهل في الناس من يرضى حتى ينسجها إذا كان لديه المضى؟(60)".

وكانت إصلاحات إفيلتيز وبركليز باكورة ثمار الثورة الدمقراطية. وكان بركليز رجلاً متزناً في أحكامه معتدلاً في أغراضه؛ فهولم يكن يبغي القضاء على الأغنياء، بل كان يريد حتى يحتفظ بهم وبإقدامهم على الأعمال النافعة بتخفيف عبء الحياة عن الطبقات الفقيرة؛ فلما توفي في عام 29 جرف تيار التطرف الدمقراطية الأثينية إلى حد لم يسع الحزب الألجركي معه إلا حتى يأتمر مرة أخرى مع اسبرطة، وأن يدفع الأغنياء إلى الثورة مرة في عام 411 ومرة أخرى في عام 404. بَيد حتى الثروة في أثينة كانت عظيمة، وكان خوف المواطنين من ثورة الأرقاء سبباً في وقف تيار ثورتهم إلى حين، ولهذا كانت حرب الطبقات في أثينة أهدأ منها في غيرها من الدول اليونانية، حيث لم يكن للطبقات الوسطى من القوة ما يمكنها من حتى تتوسط بين الأغنياء والفقراء، وسرعان ما وجدت الطبقات في أثينة أساساً صالحاً تقيم عليه أساس التراضي فيما يبنها. ففي ساموس استولى المتطرفون على زمام الحكم في عام 412، وأعدموا مائتين من الأشراف، ونفوا أربعمائة آخرين، وقسموا الأرض والبيوت فيما بينهم، وأقاموا مجتمعاً آخر شبيهاً بالمجتمع الذي قضوا عليه. وفي ليونتيني طرد العامة في عام 422 الأقلية المثرية الحاكمة، ولكن سرعان ما لاذوا هم أنفسهم بالفرار. وفي كورسيرا اغتالت الأقلية المثرية الحاكمة ستين من زعماء حزب الشعب، واستولى الدمقراطيون على أزمة الحكم، وزجوا بأربعمائة من الأشراف في السجون، وساقوا خمسين منهم إلى المحاكمة أمام هيئة نستطيع حتى نسميها "لجنة الأمن العام"، وأعدموا الخمسين كلهم في التووالساعة؛ ولما رأى المسجونون الأحياء ما حل بزملائهم اغتال بعضهم بعضاً، وقتل بعضهم أنفسهم، وحوصر الباقون منهم في هيكل المدينة الذي لجأوا إليه حتى هلكوا من الجوع. ويصف توكيديدس حرب الطبقات في بلاد اليونان وصفاً ينطبق على حروب الطبقات في جميع الأوقات يقول فيه:

"ظل أهل كرسيرا سبعة أيام طِوال يذبحون من مواطنيهم من يرون أنهم أعداء لهم؛ ومع حتى الجريمة المعزوّة إليهم كانت أنهم حاولوا القضاء على الدمقراطية، فإن منهم مَن قُتل بسبب الكراهية الشخصية، ومنهم من قتلهم المدينون لهم لِيتخلصوا بقتلهم من ديونهم. إلى غير ذلك انتشر الموت في البلد بجميع أشكاله، وحدث في هذا الوقت ما يحدث في أمثاله فلم يقف العنف عند حد. كان الآباء يقتلون أبناءهم، وكان اللائذون بالهيكل يُسحَبون على وجوههم من فوق مذبح القربان أويُقتلون... إلى غير ذلك جرت الثورة في مجراها متنقلة من مدينة إلى مدينة، وسارت الأماكن التي وصلت إليها في آخر الشوط فيما اخترعته من وسائل العنف وفيما ارتكبته من الفظائع في انتقامها من خصومها إلى أبعد مما سارت إليه الأماكن التي تقدمتها بعد حتى سمعت بما كان يجري في هذهِ الأماكن السابقة... وضربت كرسيرا لسائر المدن المثل الأول في تلك الجرائم،... وفي حروب الانتقام التي لجأ إليها المحكومون... الذين لم ينعموا في حياتهم بالعدالة في المعاملة... بل لم يلاقوا من حكامهم شيئاً سوى العنف، وذلك حين اتى دورهم وتولوا هم شؤون الحكم. كذلك ضربت كرسيرا لسائر المدن المثل الأول في الحقد الظالم الذي تنطوي عليه صدور الذين يريدون حتى يتخلصوا مما ألفوه من الفقر وتمتلئ صدورهم طمعاً في ما في أيدي جيرانهم من نعم، وضربت المثل أكثر من هذا وذاك للإفراط في الوحشية والقسوة التي اندفع إليها بعواطفهم الثائرة رجال لم يبدأوا الكفاح بروح طائفية بل بروح حزبية... وفي غمار هذهِ الفوضى التي تردت فيها الحياة في المدن كَشفت الطبيعة البشرية، التي تثور دائماً على القانون والتي أصبحت الآن سيدة القانون، عن عدم قدرتها على ضبط عواطفها، وعن أنها لا تقيم وزناً للعدالة، وعن عدائها لكل سلطة عُليا... وأصبحت الجرأة والوقاحة في نظر الناس شَجاعة تُرتَضَى من حليف وفي؛ كما أصبح التردد الحكيم جُبناً مموّهاً؛ وأضحى الاعتدال في نظر الناس ستاراً يخفي وراءه خور العزيمة؛ والقدرة على رؤية جميع نواحي مسألة من المسائل عجزاً عن العمل في واحدة منها...

وكان مصدر هذهِ الشرور كلها هوالجري وراء السلطان المنبعث من الشره والطمع... واندفع الزعماء في المدن يطلبون لأنفسهم الجزاء الأوفى من المنافع العامة التي يتظاهرون بالحرص عليها مستعينين على ذلك بأجمل العبارات التي يلقونها في الآذان، يدعون فيها إلى المساواة السياسية بين الناس تارة، وبضرورة قيام أرستقراطية معتدلة تارة أخرى ولم يكن هؤلاء يترددون في استخدام أية وسيلة توصلهم إلى السلطان، فكانوا لذلك يرتكبون أشنع الجرائم... ولم تكن طائفة من الطائفتين المقتتلتين توقر الدين، وكان استخدام العبارات المنمقة للوصول بها إلى الغايات الإجرامية هي الوسيلة المحببة لسائر الناس... وكانت البساطة القديمة التي كان للشرف فيها أكبر نصيب موضع السخرية، ومن أجل هذا لم يعد لها وجود، وانقسم المجتمع إلى معسكرين لا يثق فيهما واحد من الناس بزميله... وقضي بين هذين المعسكرين على الشيعة المعتدلة من المواطنين لأنها لم تشهجر في الكفاح أولأن الحسد كان يمنعها من حتى تفر من الميدان... وقصارى القول حتى العالم الهلني كله قد زُلزلت قواعده وتصدعت أركانه. ولم تقضِ هذهِ الاضطرابات على أثينة لأن جميع أثيني كان في قرارة نفسه فردي النزعة يحب الملكية الخاصة؛ ولأن الحكومة الأثينية قد وجدت في تنظيم الثروة والأعمال التجارية والصناعية تنظيماً معتدلاً طريقة عملية وسطاً بين النزعتين: الاشتراكية والفردية. ولم تخشَ الحكومة الإقدام على هذا التنظيم ووضع القواعد والقيود، فوضعت حداً على لبائنات العرائس؛ ونفقات الجنائز، وملابس النساء. وفرضت الضرائب على التجارة وأخضعتها لإشرافها، ووضعت أنظمة عادلة للمقاييس والموازين، وألزمت الناس بمراعاة واجب الأمانة والشرف على قدر ما تستطيع الحكومات حتى تحد من دناءة الطبيعة البشرية. وحددت الحكومة مقادير الصادرات، وسنت قوانين صارمة للحد من جشع التجار والصناع ومعاقبتهم على ما يرتكبون، وفرضت رقابة شديدة على تجارة الحبوب؛ وأصدرت قوانين صارمة لمنع تخزين السلع والتحكم في الأسواق، فحرّمت شراء أكثر من خمسة وعشرين بُشِلاً من القمح دفعة واحدة وأجازت الحكم بالإعدام على مَن يرتكب هذهِ الجريمة. ومنعت إقراض المال على البضائع الخارجة من البلاد إلا إذا حملت السفن في عودتها حبوباً إلى ثغر بيرية، وأوجبت على السفن المملوكة لأهل أثينة والمشحونة بالحبوب حتى تأتي بحمولتها إلى بيرية؛ ومنعت تصدير أكثر من ثلث الحبوب التي تصل إلى هذا الثغر. وحرصت أثينة أشد الحرص على ألا ترتفع أثمان الخبز فوق طاقة المستهلكين، وألا يثرى الناس إثراءً فاحشاً من جراء جوع الشعب، وألا يموت أحد من الأثينيين جوعاً، وكانت وسيلتها إلى هذا الاحتفاظ برصيد كاف من الحبوب في مخازن تملكها الدولة، وإغراق السوق بهذهِ الحبوب المخزونة حين ترتفع الأثمان ارتفاعاً سريعاً. ووضعت الدولة قواعد تنظم بها الثروة عن طريق الضرائب والخدمات العامة، وأقنعت الأغنياء أوألزمتهم حتى يتبرعوا بالمال إلى الأسطول وإلى دور التمثيل، وأن يقدموا للدولة المال الذي تساعد به الفقراء من الوجهة النظرية على مشاهدة المسرحيات والألعاب. وفيما عدا هذا كانت أثينة تحمي حرية التجارة، والمكلية الفردية، وفُرَص الكسب، لاعتقادها أنها هي الأدوات الضرورية للحرية الإنسانية، وأنها أقوى حافز على النشاط الصناعي والتجاري، وأكبر عامل على ازدياد الرخاء.

وبفضل هذا النظام ذي النزعة الاقتصادية الفردية، تخفف من حدتها النظم الاشتراكية، ازدادت الثروة في أثينة وانتشرت فيها انتشارا ًيحول بينها وبين الثورة المتطرفة، وبذلك ظلت الملكية الفردية آمنة في أثينة إلى آخر أيامها. وتضاعفت فيها بين عامي 480 و431 عدد المواطنين ذوي الدخل الذي يمكنهم من العيش الرضي؛ وزادت إيرادات الدولة، وارتفعت نفقاتها، ولكن خزانتها ظلت عامرة أكثر مما كانت في أي عهد سابق من تاريخ اليونان، ووضعت النادىمة الاقتصادية لحرية أثينة، ونشاطها الصناعي، والتجاري، والفني، والفكري، واستطاعت حتى تتحمل جميع ما ساد العصر المضىي من إسراف دون حتى تنوء بهِ إذا استثنينا من هذا التعميم الحرب التي خربت بلاد اليونان بِقضّها وقضيضها.


انظر أيضاً

  • أخلاق اليونان القديمة

المصادر

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
تاريخ النشر: 2020-06-04 13:46:51
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, اليونان القديمة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مركب الحجار يشرع في تفكيك الأجزاء الكبرى للفرن العالي رقم 1

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:24:00
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 59%

مشاورات أولى منذ بدء غزو أوكرانيا بين رئيسي الأركان الأميركي والروسي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:44
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 90%

رئيس الجمهورية ينهي مهام والي ولاية خنشلة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:24:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 62%

"وحيد" يقرر المناداة على محترف جديد لتقوية وسط ميدان الأسود

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:23:36
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 84%

هل تتدخل إيران لحذف منشورات الاحتجاجات من «إنستغرام»؟

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:44
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 93%

الترابي وبن باز: في استفسارات وإجابات!!

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:22
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 69%

السودان: غير راضون عن عمل «يونيتامس» ولن نطرد البعثة

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:23
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 64%

الأمن الغذائي للمغاربة.. مخزون القمح يكفي لأربعة أشهر قادمة

المصدر: طنجة 7 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:23:20
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 58%

واشنطن وموسكو تتقاذفان مسؤولية التدهور المتفاقم للأمن الغذائي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:43
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 93%

الفيحاء يصعد القمة بالترجيح السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:52
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 62%

الدرك يحقق حول تسويق دواء مغشوش بقسنطينة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:24:14
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 56%

مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية ويهود متشددين

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:42
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 96%

بلدة ألمانية تقرر «حبس القطط في البيوت».. لسبب غريب! - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:51
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

مجلس الوزراء يصادق على مشروع القانون الجديد للاستثمار

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:24:11
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 51%

علماء يكشفون لغز «مرض حرب تحرير الكويت» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:50
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

الكونغرس الأميركي يوافق على مساعدة لأوكرانيا بقيمة 40 مليار دولار

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:43
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 91%

500 مليون دولار لانجاز مركب لإنتاج ميثيل ثلاثي إيثيل البوتيل

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:24:07
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

اتفاق أوروبي على تخزين حدّ أدنى إلزامي من الغاز

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:40
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 85%

برنامج تكميلي للنقل الجوي و البحري للمسافرين خلال موسم الاصطياف 2022

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:24:05
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

واشنطن تؤكد التزامها بشراكتها القوية مع الرياض

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 00:22:40
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 91%

تحميل تطبيق المنصة العربية