الپيرّونية Pyrrhonism، أوالشك الپيرّوني Pyrrhonian skepticism، كانت مدرسة في ممضى الشك أسسها أنسيدموس Aenesidemus في القرن الأول ق.م. ودوَّنها سكستوس إمپريكوس في أواخر القرن الثاني أوأوائل القرن الثالث الميلادي. وقد أخذت اسمها من پيرّون Pyrrho، الفيلسوف الذي عاش من ح. 360 إلى ح. 270 ق.م.، بالرغم من حتى العلاقة بين فلسفة المدرسة والشخصية التاريخية يكتنفها عدم الوضوح. وقد حدثت نهضة للمصطلح في القرن 17 عند مولد النظرة الفهمية للعالَم.

لقد احتفظت أثينة في هذه الثقافة الهلنستية- وكانت هي أم الكثير، وسيدة الجزء الأكبر، منها- احتفظت فيها بمكان الزعامة في ميدانين: التمثيل والفلسفة. ولم يكن العالم منهمكاً في الحروب والثورات، والعلوم الجديدة والأديان الجديدة، وحب المال والجري وراء المال، لم يكن منهمكاً في هذا كله إلى حد لا يستطيع معه حتى يجد بعض الوقت ينفقه في المشاكل التي لا يجد لها جواباً، ولكنها لا تنفك تواجَه فلا يستطيع منه فراراً، مسائل الخطأ والصواب، والمادة، والعقل، والحرية والضرورة، والنبل والخسة، والحياة والموت. وقدم الشبان من جميع مدن البحر الأبيض المتوسط، وكثير ما كانوا يلاقون أشد الصعاب وهم قادمون، ليدرسوا في الأبهاء والحدائق التي خلفها أفلاطون وأرسطوآثاراً لهما خالدة من بعدهما.

وواصل ثاوفراسطوس اللسبوسي المجد النشط في اللوقيين تنطقيد الطريقة الأختبارية. لقد كان المشاءون فهماء وباحثين أكثر منهم فلاسفة، وهبوا حياتهم للبحث المتخصص في علوم الحيوان والنبات، والسير، وتاريخ العلوم، والفلسفة، والأدب، والقانون. وارتاد ثاوفراسطوس في أثناء زعامته الفهمية التي دامت أربعاً وثلاثين سنة (322- 288) ميادين فهمية كثيرة، ونشر بحوثه في أربعمائة مجلد تكاد تعالج جميع موضوع من الحب إلى الحرب. وقد شدد النكير على النساء في رسالته "في الزواج"، فردت فهمية لينتيوم محظية أبيقور برسالة غزيرة المادة، شديدة السقط عليهِ، فندت فيها أراءه(1). ومع هذا فإن ثنيوس يعزوإلى ثاوفراسطوس ذلك القول الدال على رقعة العاطفة:

ويصفه ديوجين ليرتس بأنه "من أحب الناس للخير ومن أكثرهم ظرفاً". وقد بلغ من فصاحته حتى نسي الناس اسمه الأول فلم يذكروه إلا بالاسم الذي أطلقه عليه أرسطووالذي يعني أنه يتحدث كما تتحدث الآلهة؛ وقد بلغ من حب الناس إياه حتى ألفين من الطلاب كانوا يهرعون إلى سماع محاضراته، وكان مناندر من أخلص أتباعه(3). وقد عني الناس من بعده أشد العناية بالاحتفاظ بكتابه في "الأخلاق"، ولم يكن احتفاظهم به لأنه أوجد طرازاً جديداً في الأدب، بل لأنه سخر أشد السخرية من الأخطاء التي يعزوها الناس جميعاً لغيرهم من الناس. فهنا الرجل الثرثار الذي يبدأ بمدح زوجته، ثم يروي الرؤيا التي نراها في الليلة السابقة، ويعدد أصناف الأطعمة التي تناولها في العشاء صنفاً صنفاً؛ ثم يختم حديثه بقولهِ "إننا لم نعد كما كنا" من قبل الأيام الخالية. وهنا الرجل الغبي الذي "إذا مضى ليشاهد مسرحية، هجره الناس في آخر التمثيل مستغرقاً في النوم في الدار الخاوية... فهويثقل معدته بالعشاء الدسم، فيضطر إلى السهر ليلاً، ويعود إلى منزله وهوبين النوم واليقظة، فلا يعهد بابه، ويعضه كلب جاره(4)".

ومن الحوادث القليلة في حياة ثاوفراسطوس حتى الدولة أصدرت مرسوماً (307) يحتم موافقة الجمعية على من يُختارون لرياسة المدارس الفلسفية. وحوالي هذا الوقت نفسه، وجه أگنونيدز Agnonides إلى ثاوفراسطوس التهمة القديمة، تهمة المروق من الدين؛ فما كان من ثاوفراسطوس إلا حتى غادر أثينة في هدوء، ولكن الطلاب الذين غادروها بعده بلغوا من الكثرة حداً جعل التجار يجأرون بالشكوى من كساد بضاعتهم الذي يوشك حتى يحل بهم الخراب. فلم تمضِ سنة على صدور المرسوم حتى اضطرت الدولة إلى إلغائه، وعاد ثاوفراسطوس ظافراً ليرأس اللوقيين ويظل رئيساً لها إلى قرب وفاته في سن الخامسة والثمانين. وينطق إذا "أثينة بأجمعها" شيعت جنازته. ولم تبقَ مدرسة المشائين طويلاً بعد وفاته؛ ذلك حتى الفهم خرج من أثينة بعد حتى افتقرت إلى الإسكندرية الغنية الرخية، وانحطت اللوقيون التي كانت قد وهبت نفسها للبحث الفهمي فلم يعد يسمع الناس عنها إلا القليل.

وفي هذه الأثناء كان اسپيوسپوس Speusippus قد خلف أفلاطون أكسانوقراطيس اسبيوسبوس Xenocrates Speusippus في المجمع الفهمي. وظل أكسانوقراطيس يحكم المجمع ربع قرن من الزمان (339- 314)، وحمل من شأن الفلسفة بحياته النبيلة البسيطة. وقد انهمك في الدرس والتعليم، فلم يكن يهجر المجمع إلا مرة واحدة في العام ليشهد المآسي الديونيشية، ويقول ليرتيوس إنه كان إذا ظهر "أفسح الطريق له غوغاء المدينة المشاكسون المشاغبون(5)". وكان يأبى حتى يتقاضى أجراً ما على عملهِ. وبلغ من فقره حتى كاد يُزج به في السجن لعجزه عن أداء الضرائب، ولكن أمتريوس الفالرومي أدى عنه ما كان متأخراً عليه وأطلق سراحه. ونطق فليب المقدوني إذا أكسانوقراطيس كان أطهر يداً من جميع الشعراء الأثينيين الذين أوفدوا إليه. وقد تضايقت فريني Phryne من اشتهاره بالفضيلة، فادعت حتى بعض الناس يطاردونها، ولجأت إلى بيته، ولما رأت حتى ليس فيهِ إلا سرير واحد سألته هل يقبل حتى تنام معه فيه. وأجابها إلى ما طلبت مدفوعاً إلى ذلك، على ما ينطق لنا، بعوامل إنسانية محضة؛ ولكنه بلغ من بروده وعدم استجابته لتوسلاتها وفتنتها، حتى فرت من فراشهِ وضيافتهِ، وشكته إلى أصدقائهِ قائلة إنها وجدت تمثالاً لا رجلاً(6). ذلك حتى أكسانوقراطيس لم يكن يريد حتى يعشق غير الفلسفة.

ولما توفي أوشكت النزعة الميتافيزيقية في التفكير اليوناني حتى يُقضى عليها في الأيكة التي كانت مزارها ومتعبدها. ذلك حتى خلفاء أفلاطون كانوا من فهماء الرياضة والأخلاق، وقلما كانوا ينفقون شيئاً من وقتهم في دراسة المسائل المجردة التي كانت من قبل تتردد بين جوانب المجمع الفهمي، واستعادت تحديات زينون الإليائي التشككية، ونزعة هرقيطس الموضوعية، وتشكك گورگياس پروتاگوراس المنظم، ولا أدرية سقراط، وأرستپوس وإقليدس المجاري، استعادت هذه كلها ما كان لها من سيطرة على الفلسفة اليونانية، وكان ذلك خاتمة عصر العقل. لقد فكروا في جميع فرض من الفروض الفهمية، وبحث ثم نسي وأهمل؛ واحتفظ الكون بأسرارهِ، ومل الناس البحث الذي عجزت عنه أنبه العقول نفسها. وكان أرسطوقد اتفق مع أفلاطون في نقطة واحدة- وهي حتى في الإمكان الوصول إلى الحقيقة النهائية(7). وعبر بيرون Pyrrho وهي تشكك عصره بقولهِ إذا هذه النقطة هي التي أخطأ فيها الفيلسوفان أكثر مما أخطأا في أية نقطة أخرى.

وولد پيرون في إليس Elis حوالي عام 360 وسار مع جيش الإسكندر الزاحف على الهند، وتلقى الفهم على "من فيها من" السوفسطائيين العراة Gmnosophists، ولعله أخذ عنهم بعض آرائهم عن التشكك الذي صار اسمه مرادفاً له في ما بعد. ولما عاد إلى إليس عاش فقيراً يفهم الناس الفلسفة. وقد منعه الحياء من تأليف الخط، ولكن تلميذه تيمون الفليوسي Timon of Phlius نشر آراء بيرون في أنحاء العالم في سلسلة من رسائل الهاتى (Silloli). وكانت هذه الآراء تقوم على قواعد رئيسية أولها: حتى الحقيقة لا يمكن الوصول إليها، وأن الرجل العاقل يرجئ حكمه، ويبحث عن الطمأنينة لا عن الحقيقة؛ وأنه لما كانت جميع النظريات خاطئة في أغلب الظن فإن من الخير للإنسان حتى يقبل أساطير زمانه ومكانه وما جرى به العهد فيهما. وثانيتهما حتى ليس في مقدور الحواس والعقل حتى تمدنا بفهم أكيد: فالحواس تشوه الشيء الخارجي حين تحسه، وليس العقل إلا خادم الشهوات المخالط المخادع. وكل قياس منطقي يصادر على المحمول لأن قضيته الكبرى تفترض صحة النتيجة. "وكل علة لها علة تقابلها وتناقضها(8)"؛ والتجربة الواحدة قد تكون سارة حسب الظروف المحيطة بها ومزاج صاحبها؛ والشيء الواحد قد يظهر صغيراً أوكبيراً، قبيحاً أوجميلاً؛ والعمل الواحد قد يُعد فضيلة أورذيلة حسب المكان والزمان الذين نعيش فيهما؛ والآلهة نفسها قد تكون وقد لا تكون حسب اعتقاد أمم الخلائق المتنوعة؛ وكل شيء هورأي، ولا شيء قط حقيقي جميع الحق- فمن الحمق إذن حتى ينحاز الإنسان في المنازعات إلى هذا الجانب أوذاك، أوحتى يبحث له عن مكان آخر يعيش فيهِ أوطريقة أخرى يعيش بها، أوحتى يحسد المستقبل أوالماضي؛ فالرغبات كلها خداع باطل. وحتى الحياة نفسها خير غير مؤكد، والموت نفسه ليس شراً مؤكداً، والواجب على الإنسان حتى لا يتحيز ضد هذا الشيء وذاك. وثالثة هذه القواعد حتى أفضل الأمور جميعاً للإنسان حتى يقبل الحياة كما هي في هدوء واطمئنان، فلا يحاول إصلاح العالم، بل يرضى به وهوصابر عليه، ولا ينهمك في العمل على تقدمه، بل يقنع بالسلام. وحاول بيرون مخلصاً حتى يسير في حياته على هدى هذه الفلسفة النصف الهندية، فخضع لعادات إليس وعبادتها، ولم يبذل جهداً ما في تجنب الأخطار أوإطالة حياته(9)، ومات في سن التسعين. وأحبه مواطنوه ورضوا عنه وكرموه بأن أعفوا زملائه الفلاسفة من الضرائب.

وكان من سخريات الأيام حتى أتباع أفلاطون هم الذين وجهوا هذه الحملة على الميتافيزيقا. ذلك حتى أركسلوس الذي أصبح في عام 269 ق.م. رئيس "المجمع الفهمي الأوسط" حول رفض أفلاطون للمعلومات المستمدة من الحواس إلى تشكك تام يضارع في ذلك تشكك ديون، ولعلهم عملوا ذلك بتأثير بيرون نفسه. ومن أقوال أركسلاوس في هذا المعنى: "لا شيء مؤكد، حتى ذلك القول نفسه(11)". ولما قيل له إذا هذه العقيدة تجعل الحياة محالة نطق إذا الحياة قد عهدت من زمن بعيد كيف من الممكن أن تدبر أمرها بالاحتمالات. وقام على رأس "المجمع الفهمي الجديد" بعد قرن من الزمان رجل كان أكثر تشككاً من أركسيلاوس، وأوصل عقيدة التشكك العام إلى العدمية الذهنية والأخلاقية، ونعني بذلك الرجل قرنيادس القوريني Carneades of Cyrene. فقد اتى هذا الأبلار اليوناني إلى أثينة حوالي عام 193، ونغص الحياة على كريسپوس Chrysippus وغيره من مفهميه، بحججه الدقيقة المؤلمة ضد جميع عقيدة يفهمونها. وإذ كانوا يبغون حتى يجعلوه عالماً منطقياً، فقد اعتاد حتى يقول لهم موجهاً قوله إلى پروتاگوراس: "إذا كان منطقي سليماً فبها ونعمت، وإذا كان خطأ فأعيدوا إلي ما أديته من الأجر لتعليمي(12)". ولما أنشأ لنفسهِ حانوتاً كان يحاضر في صباح يوم ما فيحبذ رأياً من الآراء، وفي اليوم التالي يحبذ نقيضه، ويبرهن على صحة كليهما بحيث يقضي عليهما جميعاً، بينما كان تلاميذه، ومحرر سيرته نفسه، يحاولون عبثاً حتى يعهدوا آراءه الحقيقية. وأخذ على عاتقهِ حتى يفند واقعية الرواقيين المادية ببحثهِ التحليلي الأفلاطوني- الكانتي في الحواس والعقل.

وهاجم جميع النتائج المنطقية ووصفها بأنها لا يستطاع الدفاع عنها عقلياً، وأمر طلابه حتى يقنعوا بالاحتمالات ويرضوا بعادات زمانهم. ولما أوفدته أثينة ضمن بعثة سياسية إلى رومة (155) أدهش مجلس الشيوخ بأن خطب في يوم من الأيام مدافعاً عن العدالة، ثم خطب في اليوم التالي مستهزئاً بها وواصفاً إياها بأنها حلم غير عملي ونطق: إذا شاءت رومة حتى تتبع طريق العدالة عمليها حتى تعيد إلى أمم البحر المتوسط جميع ما أخذته منها بفضل تفوقها عليها في القوة(13). وفي اليوم الثالث اضطر كاتوحتى يعيد البعثة إلى بلدها لأنها خطر على الأخلاق العامة. وربما كان پولبيوس- وكان وقتئذ رهينة عند سبيو- قد سمع هاتين الخطبتين أوسمع عنهما، لأنه يندد تنديد الرجل العملي بأولئك الفلاسفة.

انظر أيضاً

• Aenesidemus
• Agrippa the Skeptic
• Apophasis
• Apophatic theology
• أركسيلاوس
• Quietism
• Epoche
• Sextus Empiricus
• تيمون
• Benson Mates
• نسيم طالب

الهامش

وصلات خارجية

• Ancient Skepticism entry in the Stanford Encyclopedia of Philosophy by Leo Groarke
• Ancient Greek Skepticism entry in the Internet Encyclopedia of Philosophy by Harold Thorsrud