كمال الدين صلاح

عودة للموسوعة

كمال الدين صلاح

محمد كمال صلاح الدين ( - 16 أبريل 1957) دبلوماسي مصري، ومندوب مصر في المجلس الاستشاري للصومال. وقد لقي مصرعه في الصومال.

شهيد الصومال محمد كمال الدين صلاح

في غمرة الفرح والسرور بالإنتصارات الصومالية نحوتدعيم أركان الدولة الصومالية في صورة جمعية تشريعية وإقامة أول حكومة صومالية ذات مباديء وشعارات وقوانين تحميها. إمتدت يد الإستعمار إلي مندوب مصر. في المجلس الإستشاري لصوماليا. لتغتال إنسانا عزيزاً على الصوماليين جميعاً، لا لأنه يمثل دولة صديقة للصومال بل لأنه – أيضاً - يتحلي بصفات إنسانية وحب للشعب الصومالي، حتى إعتبروه – وكانوا صادقين – أخا صوماليا روحاً وإيماناً بقضايا الوطن الصومالي الحبيب إلي قلب جميع مسلم في أفريقيا وآسيا.

ولكن الاستعمار شر، والشر يعود فيأكل نفسه، ونار تسري والنار تأكل بعضها إذا لم تجد ما تأكله. وصوماليا قد أصبح لها حكومة وقرب موعد استقلالها. فأحس جميع مستعمر في الصومال الكبير بقرب نهايته، وتبتر حلقات عمره، فأخذ يعمل لنفسه، ويدبر في الخفاء لعل الأقدار تؤخر من يومه الموعود للاستقلال وبدأت الخيانة تأخذ دورها الحاسم بين المستعمرين أنفسهم في غش وتمويه وخداع ومؤامرات حتى فوجيء الشعب الصومالي والشعب المصري في 16 أبريل 1956 بإغتيال البطل محمد كمال الدين صلاح مندوب مصر في المجلس الإستشاري حتى يخلوالجوللمستعمرين للعمل من أجل مصالحهم. ولكن لم تتحقق آمالهم إذ استوعب الشعب الصومالي والشعب المصري الغاية والهدف من إغتيال محمد كمال الدين. وهوإطالة فترة الوصاية من ناحية وإظهار الصوماليين بمظهر الضعف والخيانة حتى لأقرب الناس إليهم من جهة أخرى.


العزاء في صحف الصومال

في صبيحة 17 أبريل عام 1957 ظهرت صحيفة الإدارة الوصية المسماة "بريد الصومال" (كوريري دلا صوماليا) وعلى صفحتها الأولى باللون الأسود – العنوان التالي. يوم حداد لصوماليا. والإدارة الإيطالية الوصية. وللأمم المتحدة. إغتيال ممثل مصر لدى المجلس الإستشاري للأمم المتحدة. وتمضي الصحيفة فتقول. ((أفزع أمس أهالي مقدشوه وصوماليا بأجمعها حادث مؤلم، وهوإغتيال ممثل مصر لدى المجلس الإستشاري سعادة الوزير محمد كمال الدين صلاح . ((وكان لهذا الحادث صدى محزن انتشر في جميع الأنحاء، وقد تأثر به الجميع، إذ أنه وقع مفاجيء، وكان الإعتداء مرتكبا ً ضد شخصية كانت تتمتع بالتقدير العام، وكانت تظهر دائماً صداقة مخلصة لصوماليا، ولرفاهية شعبها.)). وفي اليوم الثاني نشرت نفس الصحيفة تحت عنوان. مشهد رهيب. ((سارت جنازة سعادة الوزير محمد كمال الدين صلاح بين جناحين من الجماهير الغفيرة يملأ قلوبهم الحزن والأسى. وبغض النظر عن المظاهرات الرسمية فإن المشهد الرهيب قد أريد منه إلقاء النظرة الأخيرة على رجل كان محل تقدير جميع امرىء، وكانت مظاهرة طبيعية اشهجر فيها الأهالي رجالاً ونساءاً من جميع الطبقات إلي جانب الإشتراك الرسمي.

((تحرك موكب الجنازة في الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة والأربعين بعد حتى وضع نعش الفقيد على عربة مدفع تتقدمه فرقة عسكرية، وفي صمت رهيب لا تتخلله إلا الزفرات والدموع تحرك موكب الجنازة، وخلف النعش القنصل المصري، وفهماء الأزهر الشريف، والحاكم الإداري لصوماليا، ورئيس الجمعية التشريعية، ورئيس الوزارة، والوزراء الموجودون في مقدشوة، وأعضاء الجمعية التشريعية، وأعضاء المجلس الإستشاري، وأعيان البلاد، ورجالها ونساؤها حتى أطفالها. (( وبعد الصلاة على جثمان الشهيد بالبرلمان الصومالي، وقد إسودت الأيام ونكست الأعلام كأنها أبت حتى تحمل وسكتت المعازف وأبت حتى تضرب، وأبت المقاهي والمطاعم والدكاكين والممحرر إلا حتى تكون مغلقة)).

في القاهرة

عندما مضى الوفد الصومالي المرافق لجثمان الشهيد إلي القاهرة. وقابل السيد الرئيس جمال عبد الناصر لتقديم واجب العزاء لسيادته باسم الشعب الصومالي الشقيق في الشهيد، وكان رد الرئيس جمالعبد الناصر .(إن لدينا 27 مليون كمال الدين وهم مستعدون للإستشهاد من أجل حرية الصومال الشقيق).


التعليق
التعليق

وانتشر خبر إغتيال محمد كمال الدين صلاح مندوب مصر في المجلس الإستشاري لصوماليا في الصحف المصرية، وذكرت صحيفة الشعب القاهرية في 22 أبريل عام 1957 حتى المحترم وكيل مجلس الوزراء السيد /محمود محمد أحمد وسكرتير اللجنة التشريعية الصومالية المحترم محمود فارح قد صرحا بأن المؤامرات الإستعمارية كانت وراء حادث إغتيال الشهيد المصري كمال الدين صلاح، كما أشارت الصحيفة إلي نداء الطلبة الصوماليين في مصر إلي هيئة الأمم المتحدة بشأن التحقيق الدولي حول حادث الإغتيال. وفي الصومال استنكر المحترمان محمود محمد أحمد ومحمود فارح ما قد نسب إليهما من تصريحات ونطقا حتى مثل هذه الإشاعات تعرقل من سير التحقيق العادي وليثق الجميع في شرف الشعب الصومالي.

التحقيق في الحادث الأليم

أجرى النائب العام تحقيقاً في الحادث، وكان المتهم الأول محمد شيخ عبد الرحمن، وثلاثة متهمين. واستمر التحقيق العلني بحضور المحامي المصري رشاد رمزي حتى أعربت المحكمة حكمها في أول يوليوعام 1957 بالحبس المؤبد على المتهم الأول محمد شيخ عبد الرحمن والإفراج عن باقي المتهمين لعدم ثبوت الجريمة عليهم.

ذكريات ووفاء

عبر الشعب الصومالي عن وفائه للبطل الشهيد كمال الدين صلاح حينما قدم الحترم رئيس الجمعية التشريعية آذن عبد الله عثمان إقتراحاً للجمعية في 30 أبريل سنة 1957 نحومشروع تكريم ذكرى المغفور له كمال الدين صلاح، فوافقت عليه الجمعية بالإجماع بإعتبار يوم 16 أبريل من جميع عام يوم الذكرى لشهيد الصومال محمد كمال الدين صلاح، كما أطلق اسمه على إحد شوارع العاصمة، وكذلك على عيادة طبية، كما أجرى إكتتاب باسم الشهيد بلغ دخله في اليوم الأول نحو10.796 شلن صومالي. وفي حفل الذكرى الأولى للشهيد كمال الدين صلاح نطق رئيس الجمعية التشريعية آذن عبد الله عثمان (( لم يكن محمد كمال الدين صدبقاً مخلصاً وعضواً فعالاً للصوماليين وللوطن فحسب بل كان مسلماً غيوراً ورجلاً ميالاً إلي العدل والإنصاف وكان حبيباً للجميع)). ونطق رئيس الوزراء عبد الله عيسى محمود:

أن التعاليم التي هجرها لنا عظيمة، ومن بينها الإستقامة في الحياة وفي الشئون العمومية، والحياة كما تعيش الشعوب الحرة، والحرية هى المصدر الوحيد للتقدم والرفاهية، إنها كانت ولا تزال أملنا في نشاطنا اليومي والحافز لنا على مواصلة تقدمنا في طريقنا.

ونطق رئيس المجلس الإستشاري (ممثل الفلبين)

أعد من مميزات حياتي أنني كنت الأقرب للوزير كمال الدين صلاح، وقد قابلته أول مرة في نيويورك، واستمعت إلي وجهة نظره بشأن الصومال أمام مجلس الوصاية، وكان رحمه الله دقيقاً في عباراته، وكان يحرص على بعض النقاط الأساسية ومن بينها الحرية دون شرط وصحبته في رحلته عبر القطر بإتصالاته بالأهالي ومجالس البلديات والمزارع والغابات حيث كان المرحوم يقوم بدراسة أحوالهم، وكثيراً ما ساعد الصوماليين في مشكلاتهم، ونصحهم بأنقد يكونوا متحابين ومتحدين.

وفي 17 أبريل من جميع عام تحتفل الحكومة والشعب الصومالي والجالية العربية بالذكرى السنوية للشهيد كمال الدين ويتبارى رجال الدولة وعموم طبقات الشعب في تعداد مناقب الفقيد الشهيد في دار البلدية بمقدشوه من عام 57 إلي عام 1960 ثم بدار سينما النصر في عام 1961 ثم في نادي الشهيد كمال الدين صلاح التابع لسفارة الجمهورية العربية المتحدة بمقدشوه بالصومال إعتباراً من عام 1963.


دعوة حرم الشهيد لزيارة الصومال

وفي أبريل عام 1962 وجه فخامة رئيس الجمهورية الصومالية دعوة رسمية للسيدة أمينة مراد حرم الشهيد كمال الدين صلاح وأنجاله لحضور الذكرى الخامسة للشهيد. فكان استقبالاً رائعاً لم تر العاصمة مثله من قبل، فهوتعبير عن الشعور النبيلة الذي يحمله شعب الصومال نحوذكرى الشهيد، وتحية استقبال لحرمه المجاهدة مع زوجها في سبيل حرية الصومال واستقلاله، وفيه تعظيم وإكبار لأبناء الشهيد فريد وليلى (زوجة أحمد أبوالغيط). وفي الإحتفال الكبير بالذكرى الخامسة بسينما النصر بمقدشوه تحدث جامع عبد الله غالب رئيس الجمعية الوطنية الصومالية قائلاً.((إن الشهيد كمال شهيد النهضة السياسية في الصومال، بل قائدها منذ حتى عين ممثلاً لبلاده في المجلس الإستشاري الصومالي عام 1954، ولم يكن يجاريه في نصره كفاح الأمة الصومالية منذ ذلك التاريخ أحد قط، فقد كان يتتبعه من أول أنطلاقة، ذلك لأن كمال كان جندياً مؤيداً للحركات التحررية أينما قامت.)).

وتحدث السيد مصطفى توفيق سفير الجمهورية العربية المتحدة بالصومال قائلاً. هل حقق الإستعمار بجريمته النكراء أهدافه؟ (( إذا الجواب على ذلك مائل للعيان. لا ليس فيه ولا إبهام. هوفهم حر يرتفع في سماء بلد حر، ورئيس جمهورية كريم على رأس شعب كريم ، وحكومة رشيدة تحكم شعباً رشيداً، أما المستعمر الآثم الفاجر فإنه جمع أديال الخزى والعار وحمل عصاه على كتفه ورحل عن البلاد التي طالما استغلها وظلم أهلها واستنزف دماءها)).

واتى في خطاب حرم الشهيد: (( لسنا حاقدين حتى على محمد شيخ عثمان الذي امتدت يده إلي ظهر كمال فطعنته، إذ يكفي حتىقد يكون محمد شيخ عثمان صوماليا ليستحق من كمال وهوفي جوار ربه، ومنا نحن أسرة كمال الدين العفووالمغفرة، فقد كان هوكما كانت الشعوب الأخرى الكثيرة في أفريقيا وآسيا حية لمؤامرة كبرى غايتها حتى تغرس بيننا الأحقاد وأن تضللنا وحتى تفرقنا)). ((وما أيسر حتى يقع في شباك أعدائنا شباب قليل التجربة لا يعهد أين تكون مصلحة وطنه، ولا من يطعنه إذ يطعن أخاه في الكفاح وفي الدين وفي الهدف المشهجر)).

وعادت أسرة الشهيد إلي القاهرة عاصمة وطنها الأول حاملة معها قرار الحكومة الصومالية بمنحها الجنسية الشرفية الصومالية، وذكرى طيبة لشعب الصومال الوفي الكريم.

وفي الذكرى السابعة (17 أبريل 1964) نطق رئيس الجمعية الصومالية في خطابه بمناسبة ذكرى الشهيد كمال الدين (( لم يكن الشهيد غريباً بيننا بل عهد منذ أول لحظة كيف من الممكن أن يتسرب إلي القلوب ويستهويها، حقاً حتى كفاءته وصفاته الأدبية والروحية الحميدة التي كان يتحلى بها جعلت لنا طريق الحرية والإستقلال الشاق أقل صعوبة)).

((إن كمال الدين بالنسبة لنا لم يمت، بل سيبقى خالداً ذكرهفي أذهاننا ويفترض أنقد يكون الشعب الصومالي مديناً له إلي الأبد)). ونطق الدكتور عبد الرشيد على شرماركي رئيس الوزراء: (( مضى كمال الدين إلي ربه راضياً سقمياً، ومضينا نحن الصوماليين في الطريق الذي رسمه صابرين مكافحين، حتى أشرقت علينا شمس الحرية، ومنحنا الإستقلال، وأصبحت مصاير شعبنا في أيدي أبنائه، وأثمرت هذه الخبرة التي أيدها كمال الدين بدمائه الذكية، أثمرت حرية وكرامة وعزة وأباء. ونحن لا ننسى الشهيد الذي سواها وبجهاده زكاها، وأزال عنها ما يغشاها، وأفنى ليلها وأبرز ضحاها. إذا سبع سنين دأباً مضين على فقيدنا الشهيد وفي جميع ذكرى تتراءى أمامنا صور من الكفاح المشرق الذي بذله كمال الدين عن عقيدة وإيمان.)).

ونطق حاج محمد حسين رئيس حزب الإتحاد الديمقراطي الصومالي: (( جميع صومالي شريف يعهد أننا فقدنا بموت الشهيد محمد كمال الدين صلاح أحد الذين نصرونا وأيدونا. نعم فقدنا بموت الشهيد أخا أيدنا في السراء والضراء، أخا احتضن قضايانا بصورة لم يسبق لها مثيل، فالرسالة التي كان يقوم بها صلاح هى رسالة الجمهورية العربية المتحدة وليست رسالة شخص، والجمهورية العربية المتحدة حريصة على أداء رسالتها في تحرير الشعوب، فلم تقم ثورة مصر من أجل مصر فحسب، بل من أجل أفريقياوآسيا. وقد أوفدت عملاً بعد اغتال صلاح الدين أبنا آخر من أبنائها ليكمل ما بدأه صلاح وليطمئن الشعب الصومالي وغيره من الشعوب التي تسعى في سبيل الحرية)).

لمحات من أعمال الشهيد

أولاً: في الميدان الإقتصادي

يقول الشهيد في مذكراته عن الحالة الإقتصادية في البلاد.(( طالب المندوبان الصوماليان إيفاد بعثة من خبراء البنك الدولي إلي الصومال لدراسة إمكانية تمويل بعض المشروعات)). واستطرد قائلاً.((أن الصوماليين سيحترمون حقوق ملكية الأجانب التي اكتسبوها بسند قانوني، ولكن الضياع الواسعة التي منحت للمستعمرين ما زالت مصدر نزاع للآن بين الأهالي الوطنيين وبين المستعمرين)). وضع الفقيد مخططاً إقتصادياً للنهوض بإقتصاديات البلاد الصومالية وتقدم به إلي الإدارة الوصية لدراسته وتطبيقه لصالح الإنماء الإقتصادي في البلاد. وتضمن مشروع كمال الدين ست نقاط أساسية هى.

1 – ضرورة الإستعانة بخبراء من الأمم المتحدة وبمساعدات من البنك الدولي.

2 – تعليم الأهالي طرق الفلاحة الحديثة التي ثبت نجاحها في البلاد الأفريقية المماثلة لظروف الصومال بالإستعانة بالفلاحين من البلاد الأفريقية والعربية العريقة في الزراعة ليعيشوا مع الأهالي ويفهموهم طرق الزراعة بالوسائل الحديثة.

3 – الإهتمام بمد الطرق إلي مناطق الإنتاج الصومالية أسوة بما هومتبع بمناطق الإنتاج للإيطاليين.

4 – تسهيل عمليات إقراض الصوماليين ومحاولة خلق رأس مال صومالي وطني.

5 – خلق صناعات على أساس الخدمات المحلية مع اشراك الصوماليين في رأس مالها بتقديمهم الخامات التي يملكونها كالماشية في صناعة منتجات الألبان وحفظ اللحوم، ومثل القصب في صناعة السكر.

6 – تعليم الصوماليين الصناعات المنزلية مثل صناعة الغزل والنسيج اليدوي، والأكياس والحقائب، وصناعة النجارة والحدادة وعمل لوازم الزراعة البسيطة كالمحاريث والعربات.

على حتى تكون هذه النقاط الست محاور أساسية للصناعات الثقيلة فيما بعد.

وقام كمال الدين بإستنادىء خبير مصري لدراسة البيئة الصومالية لإنتاج القطن، وقرر الخبير المصري صفي الدين المرصفي في كتابه القطن في صوماليا صلاحية الصومال لزراعة القطن طويل التيلة. وحينئذ تقدم صلاح الدين إلي الإدارة الوصية بطلب السماح لخبراء ومهندسين من العرب العارفين بوسائل الري والزراعة المتعلقة بالقطن، ولكن الإدارة رفضت الطلب من أساسه، وذكرت أنها ستولي الأمر أهمية بطريقتها الخاصة في الوقت المناسب.


ثانياً:في ميدان التعليم

كان الإستعمار قد وضع مناهج تعليمية قبل مجيء محمد كمال الدين صلاح إلي الصومال، فنظم المستعمرون المناهج الدراسية بحيث تبتعد الصومال عن التيار العربي الإسلامي بالقضاء على لغة القرآن الكريم وإتاحة الفرصة لنجاح التبشير على نطاق واسع. فأسرع الزعماء الغيورون على لغة القرآن غلي كمال الدين يناشدونه بإصرار وعزم مساعدته لهم في لقاءة خطر التبشير قائلين: (( إذا أعز أمانينا القلبية هوحتى يعني عناية مخلصة بتدريس اللغة العربية في جميع المدارس وحتى تكون لغة الشعب والإدارة)).

وذكر كمال الدين في مذكراته. حتى المحترم عبد القادر محمد آدم نطق في مقر هيئة الأمم المتحدة عام 1955 (( حتى الدول الإستعمارية إنجلترا وفرنسا تتمسكان بضرورة تطور اللغات المحلية الأفريقية وإيجاد طريقة لكتابها ولكننا مع ذلك نقول لهما. لا. فنحن نفضل اللغة العربية وهم أحرار يتفهمون ما شاءوا ويعملون ما شاءوا في البلاد غير المستقلة التي يملكونها، أما نحن في الصومال فإننا لا نشاركهم وجهة نظرهم)).

ونطق المحترم عبد الرازق حاج حسين.((إنني أعتقد حتى عدم العناية بتعليم اللغة العربية في مدارس الصومال يرجع إلي مسببات سياسية، وقد اخترنا اللغة العربية، لأنها لغة ديننا، واللغة التي نتحدثها ويخطها أغلبية الشعب الصومالي)). ونطق المحترم آذن عبد الله عثمان رئيس الجمعية التشريعية أمام مجلس الوصاية في عام 1956 – بشأن اللغة. ((إن اللغة الوحيدة التي يستطيع الفرد من أهل البلاد دراستها هى لغة القرآن الكريم حتى ولوانحصر ذلك في الفترة الإبتدائية لقلة المدرسين)). واستطرد قائلاً: (( حتى الرحل من أهل البادية لدى جميع عشيرة منهم مدرسة أولية لتعليم القرآن الكريم واللغة)) ونطق (( إذا ذلك يكفي لتبرير ما يبديه أهل البلاد عن رغبة في استخدام اللغة العربية)).

وحينما عجز الشعب عن تحقيق مطالبه بالوسائل السلمية من الإدارة الوصية أوهيئة الأمم المتحدة سلكوا طريقاً عملياً لإحباط جميع محاولة يقومبها المستعمرون ضد اللغة العربية والثقافة الإسلامية، فطلبوا من المندوب المصري (كمال الدين) حتى يستدعي بعثة فهمية ودينية من مصر لتعليم أبنائهم اللغة والدين في مدارس الأحزاب واللجان الوطنية، وحينما تقابل الزعيمان آذن عبد الله عثمان وعبدي نور مع الرئيس جمال عبد الناصر (في القاهرة) في أثناء سفرهما من نيويورك إلى مقدشوه، طلباومنه إنشاء مركز ثقافي في الصومال، فوافق الرئيس عبد الناصر، وبعث كمال الدين بالرسم التخطيطي للمركز الثقافي إلى القاهرة وهويتألف من مدرسة ثانوية وخطة وعيادة خارجية ودار للمفهمين وسينما مع المستلزمات اللزمة للمباني والأثاث العام. وبعثت مصر بعثة تعليمية مدنية ودينية تتكون من تسعة عشر مفهماً ومفهمة، وسبعة من فهماء الأزهر الشريف، وعارضت الإدارة الوصية في دخول البعثة التعليمية إلى الأراضي الصومالية في الوقت الذي سمحت فيه الإدارة لبعثة من المبشرين الأمريكيين للعمل في الصومال. وحينما ثار الشعب وتوجه زعماء الشعب إلى الدكتور فرانكا ممثل الإدارة الوصية وقدموا احتجاجهم ضد الإدارة لوقوفها ضد دخول البعثة التعليمية والدينية المصرية إلى الأراضي الصومالية.

ونطق المحترم آذن عبد الله لممثل الإدارة.(( إذا فهم الشعب أنكم تعرقلون قدوم بعثات التعليم، المصرية، فسيكون لذلك رد عمل سيئ، فالشعب يريد حتى يتفهم اللغة العربية، واتجاه الإدارة إلى التمسك باللغة الصومالية ومحاولة كتابتها بأحرف لاتينية لا تفيد الشعب إطلاقاً، وليس في استطاعة الإدارة ولا الدول أصحاب المستعمرات في أفريقيا التي تساند هذا المشروع ولا الأمم المتحدة نفسها حتى تفرض ذلك على الشعب الصومالي . أنني لا احب حتى أقول كلاماً يؤول على انه تلويح بالتهديد، ولكننا لن نسكت على تجاهل رغبات الشعب في هذا الموضوع الحيوي )). وأمام التيار الشعبي الصارخ في وجه الاستعمار وافقت الإدارة وأذعنت للامر فصرحت بدخول البعثة المصرية إلى الأراضي الصومالية والقيام بعملها.

ويفسر لنا كمال الدين البواعث الحقيقية التي جعلت الإدارة تحول دون تفهم الصوماليين لللغة العربية فيقول في مذكراته (( حتى هدف عملاء الاستعمار الغربي من التمهيد لهذه الفكرة حتى يصبح الجيل الجديد من الصوماليين بعيداً عن مصادر الثقافة العربية وبذلك يتم فصل الصوماليين عن الشعوب العربية الإسلامية، فإذا ماتحقق ذلك انفردت به قوى الاستعمار لتطبيق ما تشاء من خطط ومشاريع، وعندما يتلفت الشعب الصومالي إلى الشعوب العربية يجد الهوة التي حفرها بنفسه والتي تفصل بينه وبينها عميقة واسعة يصعب اجتيازها)).

(( وهدفهم الثاني تأخير الشعب الصومالي ثقافياً أطول فترة ممكنة لأن الجهل وضعف التعليم يوفران الحد المناسب الذي يعيش فيه التحكم والاستغلال الاستعماري هادئاً مطمئناً)).

(( فمع التسليم بإمكان كتابة الصومالية باللاتينية، إلا حتى عدم وجود الطبقة المثقفة الواعية بحكم القيود التي وضعها عهد الاستعمار الفاشستي في الماضي تجعل من المتعذر وجود المؤلفين من أبناء الصومال الذين تواتيهم القدرة على التفكير والتأليف، وليس من السهل إيجاد من يحسن اللغة الصومالية بحيث يستطيع الـتأليف بها، ولهذا يجد الصوماليون أنفسهم في النهاية أمام الحقيقة المرة، وهى انعدام المراجع والخط اللازمة للمضي في مراحل التعليم المتعددة)).

ثالثاً : في ميدان المشكلات المتعلقة بالحدود

يحدثنا كمال الدين صلاح في مذكراته عن معضلة الحدود وموقف الشعب الصومالي وموقف الحبشة منه فيقول (( حتى الزعماء الصوماليين كلفوني حتى أبلغ المجلس حتى الأراضي التي يسكنها الشعب الصومالي هى ملك له وليست ملكاً خاصاً لأية دولة تستطيع التصرف فيها بما يحلولها وأن الشعب الصومالي يمقت سماع تلك العبارات ( المنطقة المحجوزة)، ( منطقة أوجادين )، ( خط الحدود المؤقت)، ويعهد أنها اختراعات سياسية لبعض الدول قصدت من ورائها التصرف بطريق تحكمي في اراضي الشعب الصومالي.

ويقول كمال الدين (( نطق لي رئيس وفد الحبشة الدائم في الأمم المتحدة حتى دفاعي عن الصومال في تصفية الحدود أما مجلس الوصاية يعتبر موقفاً غير ودي من مصر إزاء الحبشة)). وقلت له:(( أنني أقدر تماماً علاقات الصداقة التي تربط مصر بالحبشة من قديم الزمان، وأنا استوعب أيضاً المصالح المتبادلة بين البلدين فمصر لها مصالح هامة ومباشرة مع الحبشة في حين أنه ليست لها أية مصالح مباشرة أوغير مباشرة مع الصومال، لا في الميدان السياسي، ولا في الميدان التجاري، ولا في غيرهما. ويكفيني حتى أوضح لك أنني في موقفي أمام مجلس الوصاية لا أعبر عن وجهات نظر حكومتي، فإنني بحكم مركزي كعضوفي مجلس الأمم المتحدة للصومال رجل دولي، ومن واجبي رعاية مصالح الصوماليين والدغاع عن حقوقهم، ولقد كلفوني بأن أبلغ وجهة نظرهم للمجلس في موضوع الحدود، وقدموا لي من الأدلة والبيانات ما أقنعني، وانا في هذا كالمحامي الذي يوكله إنسان للتحدث باسمه أوالدفاع عنه أما المحكمة فلم يكن في وسعي والحالة هذه حتى أتخلى عنهم وأخونهم وقد ائتمنوني على حقوقهم ولوأنني عملت غير ذلك لكنت رجلاً غير أمين)).

رابعاً : في ميدان التفرقة العنصرية

كانت التفرقة العنصرية واضحة بشكل مثير فالطرقات والسيارات حتى ممحرر البريد وغيرها من المرافق العامة يخصص قسم منها للبيض وقسم للسود، ويغنينا عن البيان الفقرة التالية من مذكرات كمال الدين صلاح إذ يقول (( حتى النظام المتبع في ممحرر البريد يمكن اعتباره تمييزاً عنصرياً أودينياً فالمكان المخصص للأهالي فمنافذه تقع في نهاية الشرفة المطلة على الطريق العام، وهي مخصصة للصوماليين والعرب والهنود والباكستانيين. ودارت مشادة بيني وبين الحاكم أبديت فيها ضرورة العمل على إزالة التفرقة فوراً فغضب وثار، وفي يوم 2 نوفمبر اتصل بي سكرتير عام الإدارة وسردت عليه ما دار في اللقاءة التي تمت بيني وبين الحاكم، وقلت له حتى الحاكم ينسى أنه يوجه الخطاب إلى ممثل دولة ذات سيادة،وعليها التزامات ومسئوليات محددة بمقتضى اتفاقية الوصاية، أنا هنا لست ضيفاً شرفياً، ولست مجرد ممثل دبلوماسي لمصر، وإنما أنا هنا كممثل لهيئة الأمم المتحدة بصفتها طرفاً في اتفاقية الوصاية التي تنص على حتى الحكومة قد أخذت على عاتقها إدراة الصومال وتهيئة أهله للاستقلال في عام 1960 )).


الاستعمار وراء إغتيال الشهيد

ظهر عداء الإدارة الوصية لكمال الدين حينما وقف رئيس الجمعية التشريعية (آذن عبد الله عثمان) يؤيد سياسة كمال الدين قائلا – كما اتى في مذكرات كمال الدين – (( إننا رضينا بوساطة السيد كمال الدين صلاح وقبلنا ما أشار به علينا، ولم يكن ذلك لمجرد أنه عضوفي المجلس الإستشاري، وإنما لأنه أخونا في الإسلام، ولأننا نشعر دائما أنه صديق لبلادنا ويريد لها جميع الخير، ولهذا فإن نصائحه موضع التقدير والقبول دائما )).فأدرك المستعمر حتى لأية حركة وطنية من ورائها كمال الدين. وحينما أراد رئيس الإدارة الوصية حتى يترأس الإحتفال بالمولد النبوي. نطق كمال الدين للدكتور برنادلي مدير الشئون الداخلية. ((أن عقيدتي كمسلم تمنعني حتى أقبل حتى يرأس إنسان غير مسلم مهما كان مركزهالإحتفال بذكرى نبي المسلمين )).

فزاد غضب رئيس الإدارة وأتباعه من مجلس الإدارة والمستعمرين وازدادت ثورتهم حينما طالب الصوماليين بضرورة إعادة النظر في عقود الإمتياز الممنوحة سايقاً للشركات الاستعمارية وتعديلها بما يتفق وتحقيق مصالح الشعب الصومالي وبصفة خاصة فيما يتعلق بحصة الصومال من الفوائد والأرباح.

ومما عرضناه سابقاً من لمحات خالدة في أعمال الشهيد وبواعث الغضب من جانب الإدارة والشركات الاستعمارية تكونت عقد نفسية لدى المستعمرين نحوكمال الدين ومن ثم بدأت المؤتمرات تأخذ طريقها، ومن أظهرها تلك التي ظهرت بعد تكوين أول حكومة صومالية، وتنادى بأبعاد المجلس اللاستشاري كله من الصومال: فلا معنى لوجوده مع وجود حكومة صومالية فأدرك كمال الدين والزعماء حتى الهدف هوإبعاد كمال الدين في صورة مقنعة جماعية، وبعث كمال الدين والزعماء الصوماليين بشكواهم ضد الإدارة إلي هيئة الأمم فاضطرت منظمة الأمم المتحدة إلي إصدار قرار ببقاء المجلس الاستشاري حتى عام 1960 وهوالتاريخ الحدد لاستقلال الصومال.

ولجأ الاستعمار إلي محاولة أخرى قام بتطبيقها عن طريق فئة قليلة من ضعاف النفوس بكتابة عرائض وشكاوي ضد كمال الدين بأنه يتدخل في الشئون الداخلية الصومال، وحولت الشكاوي إلي المجلس الاستشاري، وإلي مقر هيئة الأمم المتحدة غير أنها لم تجد أذنا صاغية لأن الجميع يعهد مدى نزاهة كمال الدين، ومدى حبه للشعب الصومالي، ونضاله في سبيل تدعيم حريته، والأخذ بيده نحوالإتحاد والتطور والإستقلال.

وكان لنجاح السياسة الاستعمارية في السيطرة على الصومال يحتاج إبعاد كمال الدين عن الصومال: فكانت المناورات السخيفة التي ذكرناها سابقا: ولكنها لم تنجح: وأخيرا دفعوا بشاب مخيول يدعى محمد شيخ عثمان إلي إغتيال محمد كمال الدين نظير مبلغ من المال ومركز مرموق، فاندفع الشاب المخيول بتأثير المغريات إلي القنصلية المصرية في مقدشوه لينتظر كمال الدين من عودته من المسجد إلي منزله لتناول الأقطار في مساء 16 أبريل 1957 وامتدت اليد الطائشة تطعن الإنسان النبيل عدة طعنات قبل مدفع الإفطار بدقائق في شهر رمضان المعظم، ولم يتمكن الجاني من الهروب وحينما أراد الحراس حتى يقدموا لكمال الدين جرعة ماء أبي. ونطق ((أنني صائم)). وما هى إلا لحظات حتى طارت روحه السماوية إلي ربها تشكوساسة الاستعمار الذين يعملون في الظلام.

وخر كمال الدين شهيداً على أرض الصومال، صائماً عن ملذات الدنيا وشهواتها، راضياً بما استطاع حتى يقدمه من تضحيات من أجل بلد أحبه بكل قلبه، وتفانى في حبه لا لغرض دنيوي من متاع الدنيا الزائل. ولكن أحبه لله وفي الله. وما أخلد حباً حرك دوافعه الإيمان بالله، والأخوة فيه، فسلام عليه يوم ولد وسلام عليه يوم استشهد وسلام عليه يوم يبعث حياً.

انظر أيضاً

  • العلاقات الصومالية المصرية
  • المجلس الاستشاري للصومال

المصادر

سالم, حمدي السيد (1965). الصومال قديماً وحديثاً. القاهرة، مصر: الدار القومية للطباعة والنشر.

تاريخ النشر: 2020-06-04 13:50:31
التصنيفات: وفيات 1957, دبلوماسيون مصريون, دبلوماسيون مصريون مغتالون, العلاقات الصومالية المصرية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

أسود الرافدين للعلامة الكاملة والساموراي لتفادي المغادرة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:27:32
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 52%

نيو هامبشاير تصعد التنافس بين ترمب وهيلي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:27:38
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

كأس آسيا.. فلسطين الى الدور الثاني للمرة الأولى في تاريخها

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:28:12
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 58%

21 ألف جولة رقابية على الأسواق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:27:44
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

إنجليزي يدعم جيرارد في الاتفاق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:27:33
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

رجب آخر موعد لتصاريح إسكان الحجاج السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:27:42
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

كأس آسيا.. فلسطين الى الدور الثاني للمرة الأولى في تاريخها

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:28:06
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

9 مشاريع طرق جديدة بالأحساء السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:27:31
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 54%

25 ألف سجادة بالمسجد النبوي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:27:40
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

اللياقة تلغي ودية الاتحاد السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:27:45
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

القوات الإسرائيلية تطوق ثاني أكبر مدينة في غزة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-23 21:27:35
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

تحميل تطبيق المنصة العربية