نعمة الله الحاج
نعمة الله الحاج (1896 - 1978) هوشاعر لبناني من شعراء المهجر.
ولد نعمة الحاج في قرية غرزوز بلبنان من عائلة اشتهر بعض أفرادها بنظم الشعر والزجل. والده أسعد الحاج (هزيم) ووالدته كاترين يزبك (هزيم). تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة القرية ثم تفهم على نفسه.
هاجر إلى أمريكا عام 1904 وهوفي الخامسة عشرة من عمره وفي أمريكا أخذ يتصل بالأدباء والشعراء المهاجرين وبخاصة أدباء الرابطة القلمية. وعندما قدم الأديب الفلسطيني خليل السكاكيني (1878-1953) تعهد اليه وأخذ يتلقى دروساً بالعربية على يده حتى تمكن من اللغة وأخذ يطالع باستمرار في مختلف الخط الثقافية فتفحت موهبته وأخذ ينظم الشعر، وكان يعرض قصائده على أصدقائه الأدباء والشعراء ليصححوا له الخطأ وفي عام 1921 طبع ديوانه الأول في مطبعة جريدة الهدى لصاحبها نعوم مكرزل (1861-1934) في نيويورك بعنوان ديوان نعمه الحاج الجزء الأول. وخط مقدمته الشاعر إيليا أبوماضي (1889-1957) اتى فيها: «أخط هذه الحدثة تمهيداً لهذا الديوان الذي تسرح النفس فيه بين معان كالكواكب المشرقة، وألفاظ كدموع الغجر المترقرقة، فقد صاغه صديقي نعمه الحاج فأحسن الصياغة ووفق وهوفي محيط غريب إلى الجمع بين ضروب المعاني البديعة والأوزان الموسيقية المرسيرة فكان في تقليده مبتكراً وفي ابتكاره مبنادىً». كان ينشر قصائده الجديدة في الصحف والمجلات المهجرية، وأصدر ديوانه الثاني في بيروت عام 1960 بعنوان (من نافذة الخيال).
عمل في التجارة متجولاً مدة طويلة في نيويورك وتكساس وفي عام 1953 أنشأ دكاناً للسمانة في كارولينا الجنوبية، وكان يراسل صديقه الدكتور عيسى الناعوري (1918-1985) خط اليه رسالة بتاريخ 20/2/1953 يقول فيها: «أنا لا أكاد أجد وقتاً حتى للأكل في هذا الشغل فقد عدت إلى تجارة السمانة لا طمعاً بالربح المادي بل رغبة في الاستقرار بعد حتى تعبت من التجول والركض على الطريق».
وعندما هاجر أحمد زكي أبوشادي (1892-1955) إلى نيويورك في 14/4/1946 تأسست هناك رابطة أدبية باسم رابطة منيرفا وانتخب نعمة الحاج رئيساً لها والدكتور أبوشادي أمين سرها وتوقفت هذه الرابطة بعد وفاة أبي شادي عام 1955. يقول نسيب نمر في شعر نعمه: «نتاج نعمه الحاج يتصف بالرومانسية والغنائية الواقعية، والتجدد دون البتر مع التراث، في عملية تجسيد الفن الرائع، وارتباط الفكرة الموفقة بالبنيان الشعري الجيد، لتكون أحد عناصره الفنية الأساسية ومرتكزاته الإبداعية الرئيسية، والانطلاق من جميع هذا إلى الارتباط بين الخاص والعام، حيث يثب من حدود التجربة الذاتية ليدخل رحاب التجربة الإنسانية الشمولية دون حتى يفصل بين التجربتين أويعارض إحداهما بالثانية».
كان نعمة سريعاً في نظم الشعر حتى إنه كان يستطيع استبدال شكل المعنى الواحد في دقائق، ومرة جلس قرب فتاة صغيرة في سيارة أقلتهما من قريته غرزوز إلى جبيل والمسافة تبتر في عشر دقائق فنطق فيها الأبيات التالية ولم تنشر في ديوانه:
- ووجه حكى البدر عند أوالشمس في أنوارها الساطعة
- التمام نسبّح فيه إله الجمال وننشد آياته الرائعة
- فيا اذن الله نجوى الفؤاد صلاة، فهل أنت لي سامعة
- فنطقت سمعتك ياشاعري وأدركت أوصافك البارعة
- ولكن على الرغم من قربنا أرى بيننا هوة شاسعة
يتسم شعره بالصدق والبراءة والمحبة.
وفي قصيدته (ذكرى الأم) يناجي بها أمه، وقد ألحّ به الشوق والحب والحنان فيقول:
- ذكرتك إذ اتى الشتاء وقره سهام إلى الأكباد يشققن أضلعا
- فحنّت إلى الدفء القلوب وشاقها تذكر حضن الأم إذ طاب مضطجعا
- فيا أم يا نبع الحياة فؤادها إذا جفّ نبع كان للحب منبعا
- ويا أم يا ملجأ الأمان ولاؤها يرى القلب فيه من الملمات مفزعا
- تزعزع أركان وتهوى شوامخ ولكنه في القلب لن يتزعزعا
ونطق في رثاء الشاعر ندرة حداد:
- ولا بد من يوم به جميع عنصر إلى أصله شوقاً يحنّ رجوعا
- ومثلك حيّ إذا توارى بجسمه فتذكاره بدر يجدّ طلوعا
كان نعمة يعلل النفس بأن يعود في المرة الثالثة نهائياً إلى لبنان ليستقر في مسقط رأسه غرزوز وملاعب صباه ليقضي بقية حياته حيث أراد حتى يدفن في ترابه، إلا حتى الموت عاجله في عام 1978 ودفن في مهجره بعيداً عن أهله وطنه.