النابغة الذبياني

عودة للموسوعة

النابغة الذبياني

النابغة الذبياني (؟؟،يا ترى؟ -18 ق.هـ/؟؟،يا ترى؟ -605 م)، هوشاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها. وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابغة.

كان حظياً عند النعمان بن المنذر، حتى شبب في قصيدة له بالمتجردة (زوجة النعمان) فغضب منه النعمان، ففر النابغة ووفد على الغسانيين بالشام، وغاب زمناً. ثم رضي عنه النعمان فعاد إليه.

شعره كثير وكان أحسن شعراء العرب ديباجة، لا تكلف في شعره ولا حشو. عاش عمراً طويلاً. له قصيدة يعدها البعض من المعلقات، ومطلعها:

يا دار مية بِالعلياء فالسند أَقوت وطال عليها سالف الأَبد

نسبه

هوزياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن مرّة بن عوف بن سعد، الذبياني، الغطفاني، المضري. شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، ينتهي نسبه كما نطق التبريزي إلى قيس بن عيلان، ويكنى بأبي أمامة، وقيل بأبي ثمامة، كما هووارد في "الشعر والشعراء"، وبأبي عقرب على ما يمضى إليه البغدادي في خزانة الأدب.

لقبه

والنابغة لقب غلب على الشاعر، اختلف النقاد في تعليله وتفسيره، أما ابن قتيبة فيذكر أنه لقب بالنّابغة لقوله:

وحلّت في بني القين بن جسر- فقد نبغت لهم منا شؤون

وردّ ابن قتيبة هذا اللقب إلى قولهم: "ونبغ- بالشعر- نطقه بعد ما احتنك وهلك قبل حتى يهتر". وفي رأي البغدادي، حتى هذا اللقب لحقه لأنه لم ينظم الشعر حتى أصبح رجلاً. وربّما كان اللقب مجازاً، على حدّ قول العرب: نبغت الحمامة، إذا أوفدت صوتها في الغناء، ونبغ الماء إذا غزر. فقيل: نبغ الشاعر، والشاعر نابغة، إذا غزرت مادة شعره وكثرت.

نشأة الشاعر

ولا يعهد شيئاً يذكر عن نشأة الشاعر قبل اتصاله بالبلاط، فيما خلا ما نقله صاحب الروائع عن المستشرق دي برسفال، من مزاحمة النّابغة لحاتم الطائيّ على ماوية، وإخفاقه في ذلك.

ويذكر ابن قتيبة حتى النّابغة كان شريفاً فغضّ الشعر منه، ويرى صاحب أدباء العرب حتى النّابغة من سادات قومه، ويخالف هذا الاتجاه حين يقول: نشأ النّابغة في الوسط من قومه، لا في الذروة من الشرف. ويقول آخرون: ولا معنى لقول الرواة: أنه أحد الأشراف الذين غضّ الشعر منهم.

والنابغة من سادات قومه، لما كان للشعراء من منزلة في الجاهلية وللدور الذي لعبه في توسطه لقومه عند الغساسنة ومنعهم من حربهم، في مواقف عديدة. أما لما "غضّ الشعر منه" فزعم لا يقبله النقد الحديث، فقد كان النّابغة معزّزاً عند الملوك، ومكرماً في قومه، وإنما هوحسد الحاسدين الذين لم يقووا على الارتفاع إلى منزلة الشاعر، فراحوا يعيّرونه لتكسبه بالشعر، وربّما قصد بتلك الغضاضة هروبه من بلاط النعمان إثر حادثة "المتجردة".

علاقته بالحكام

كان أول اتصال النّابغة ببلاط الحيرة، دخوله على المنذر الثالث ابن ماء السماء في أواخر ملكه على ما يرجّح النقاد. ومع اندحار اللخميين أمام المناذرة في معركة يوم حليمة التي دارت بين جيش المنذر الثالث وجيش الحارث بن جبلة الغسّاني، فقد ظل النّابغة وطيد الصلة بالمناذرة إذ هنأ عمروبن هند حين ارتقى العرش بعد أبيه. ولكن علاقة الشاعر بالمناذرة انبترت بعد ذاك ولا سيما في الفترة بين (570- 580)، وهي الفترة التي مثّل فيها دور الشاعر السياسي، لاهتمامه آنذاك بحوادث حرب السباق. ومن الطبيعي حتى يمثل النّابغة في حرب "السباق" دوراً له شأنه، وهوشاعر ذبيان الرفيع المكانة.

اتصال النابغة بالغساسنة

وعندما رقي النعمان الثالث، أبوقابوس عرش الحيرة، أراد حتى يظهر بمظهر الملك العزيز الجانب وينافس أعداءه الغسانيين بمظاهر العظمة. وكان النعمان على ما يظهر محباً للأدب أوكان يدرك على الأقل ما للشعر من أثر كبير في النادىية للبلاط وتصويره بصورة الفخامة، إلى غير ذلك اجتمع في بلاطه جملة من الشعراء كان النّابغة أبرزهم وقد هجر آنذاك الغساسنة وعاد إلى الحيرة.

علاقته بالنعمان

وتتفق روايات المؤرخين على حتى النّابغة نال حظوة كبيرة عند النعمان الذي قرّبه إليه بعد حتى أحسن وفادته. ولا شك حتى الشاعر هبط من نفس الملك منزلة طيبة فآثره هذا بأجزل عطاياه وأوفر نعمه، مما لم ينله شاعر قبله، ويذكر أبوالفرج في أغانيه حتى النّابغة كان يأكل ويشرب في آنية من الفضة والمضى. وعن ابن قتيبة عن ابن الكلبي الرواية الآتية التي تثبت مكانة الشاعر عند النعمان. نطق حسان بن ثابت: رحلت النعمان فلقيت رجلاً فنطق: أين ترغب فقلت هذا الملك نطق: فإنك إذا جئته متروك شهراً، ثم يسأل عنك رأس الشهر ثم أنت متروك شهراً آخر ثم عسى حتى يأذن لك فإن أنت خلوت به وأعجبته فأنت مصيب منه، وإن رأيت أبا أمامة النّابغة فاظعن، فإنه لا شيء لك. نطق: فقدمت عليه، فعمل بي ما نطق، ثم خلوت به وأصبت منه مالاً كثيراً ونادمته فبينما أنا معه في قبة إذ اتى رجل يرجز. فنطق النعمان: أبوأمامة فأذنوا له، فدخل فحيا وشرب معه، ووردت النعم السود،

فلما أنشد النابغة قوله:

فإنك شمسٌ والملوكُ كواكب- إذا طلعت لم يبدُ منهنَّ كوكبُ

دفع إليه مائة ناقة من الإبل السود، فيها رعاؤها، فما حسدت أحداً حسدي النّابغة لما رأيت من جزيل عطيته، وسمعت من فضل شعره. واستبد النابغة بمودة الملك النعمان وجزيل عطائه وسابغ نعمه، فلا عجب حتى يثير هذا حفيظة الشعراء ليعملوا على إفساد علاقته ببلاط الحيرة. ومهما يكن من أمر فإن الدسيسة قد نجحت بعد لأي، وبات الشاعر مهدداً بدمه وحياته، لكنّ حاجب أبي قابوس عصام بن شهبر الجرمي- وكان بينه وبين النّابغة إخاء وصداقة- حذّره من غضب النعمان، ونصحه بهجر البلاط، فاضطر النّابغة إلى الفرار، فلجأ إلى الغساسنة، وفي نفسه حسرة، وغيظ، وأمل في العودة. يذكر ابن قتيبة، حتى الرواة اختلفوا في السبب الذي حمل الملك النعمان على حتى ينذر دم شاعره، على أننا نستطيع حتى نحيط بأبرز الدوافع التي أسقطت الجفاء بين أبي قابوس والنابغة.

وذكر قوم حتى النابغة هجا الملك بقوله:

قبّح الله ثم ثنّى بلعن- وارثَ الصائغ الجبانَ الجهولا


اتصال النابغة بالمناذرة

وينطق بأن السبب في مفارقة النّابغة النعمان، ومصيره إلى غسّان، خبر يتصل بحادثة المتجردة. والمتجردة هذه، امرأة النعمان، وكانت فائقة الحسن، بارعة الجمال، وكان النعمان على ما يروى قصيراً دميماً أبرش. وقد تعددت الروايات حول وصف النابغة للمتجردة. قيل بأن النابغة ولج على النعمان، ذات يوم، فرأى زوجته المتجردة وقد سقط نصيفها فاستترت منه بيدها. فأمره النعمان بأن يصفها له فأنشأ قصيدته التي يقول فيها:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه- فتناولتْه واتّقتنا باليدِ

وأردف ابن قتيبة يقول: وكان للنعمان نديم ينطق له المنخّل اليشكري يتهمِ بالمتجردة ويظن بولد النعمان منها أنهم منه، وكان المنخّل جميلاً، وكان النعمان قصيراً دميماً، فلما سمع المنخل هذا الشعر، نطق للنعمان: ما يستطيع حتى يقول مثل هذا الشعر إلا من قد جرّب. فوقر ذلك في نفسه، وبلغ النابغة ذلك فخافه فهرب إلى غسان. ولعلّ اتصال النابغة بالغساسنة، أعداء المناذرة، كان سبباً آخر من مسببات حقد الملك على الشاعر، ولا مسوّغ هنا للتفصيل ومناقشة هذه الآراء. وأقام النابغة في بلاط الغساسنة، منبتراً إلى عمروبن الحارث الأصغر وإلى أخيه النعمان بن الحارث، وقد امتدح هؤلاء بقصائد عديدة، منها القصيدة البائية التي نطقها في مدح عمروبن الحارث الأصغر والتي مطلعها:

كليني لهمّ يا أميمة ناصب- وليل أقاسيه بطيء الكواكب

وبقي النابغة عند الغساسنة مدة من الزمن، ينشدهم شعره، ويشاركهم في محافلهم ومجالسهم، جاهداً في ذكر مفاخرهم وفوزاتهم، إلى حتى توفرت مسببات عودته إلى بلاط النعمان فهجر جوارهم. وذكر ابن قتيبة حتى النعمان قد غمّه امتداح النابغة للغساسنة أعدائه وأيقن حتى الذي قذف به عنده باطل، فبعث يستقدمه إليه من حديث بقوله: "إنك صرت إلى قوم قتلوا جدّي فأقمت فيهم تمدحهم، ولوكنت صرت إلى قومك لقد كان لك فيهم ممتنع وحصن إذا كنا أردنا بك ما ظننت، وسأله حتى يعود إليه". هكذا نظم النابغة اعتذارياته، ثم اتى أبا قابوس مع رجلين من فزارة هما: زيّان بن سيار ومنظور بن سيّار الفزاريين وبينهما وبين النعمان مودة وصفاء وكان الملك قد ضرب لهما قبة، وهولا يفهم حتى النابغة معهما. وقد أشار النابغة على إحدى القيان حتى تغني أبياتاً من قصيدته "يا دار مية" ومنها قوله:

أنبئت حتى أبا قابوس أوعدني- ولا قرار على زأر من الأسد

فلما سمع الملك النعمان، هذا الشعر نطق: هذا شعر علوي، هذا شعر النابغة. وسأل عنه، فأبلغ مع صديقيه الفزاريين، اللذين كلّماه فيه، فأمّنه النعمان. ومهما يكن من أمر الاختلاف حول مسببات عودة النابغة إلى بلاط الحيرة، فإن الشاعر استرجع مكانته عند الملك النعمان واستأنف مدائحه فيه.

شعره

اقرأ نصاً ذا علاقة في

النابعة الذبياني


ولما كان للشعر، منزلته في نفوس القوم، ومكانته في مواطن المنافرة والخصومة إذ من شأنه حتى يكسب القبيلة من القوة ومنعة الجانب، ما لا تظفر به في قتال، رأينا النّابغة الذبياني، يهتم في ظروف هذه الحرب، بأمور قومه فراح يخوض غمارها بشعره، لا بسيفه فكشف لنا بذلك عن جانب حيّ من شاعريته، وناحية رئيسة من شخصيته.

كان همّ الشاعر في تلك الرحى الدائرة، حتى يرجّح كفة ذبيان، على عبس فاستهدف في شعره "السياسي": اصطناع الأحلاف لقبيلته، من أحياء العرب ومن بينها بنوأسد. وكما مثّل النّابغة دور الشاعر السياسي، في ظروف حرب داحس والغبراء فقد مثّل دور شاعر القبيلة، في التوسط لقومه عند الغساسنة في أكثر من موقف: كانت بعض القبائل العربية، تنتهز فرصة انشغال الغساسنة في حربهم ضد المناذرة، فتغير على أرض غسّان طمعاً في الغنيمة، ومن بين هذه القبائل، قوم الشاعر بنوذبيان.

وكان الغساسنة بكتائبهم، يسقطون بهؤلاء المغيرين، فيأسرون رجالاً منهم وكثيراً ما سقط رجال من فزارة أقرباء ذبيان، في قبضة الغساسنة، فكان النابغة بما له من مكانة عند أمراء الغساسنة، يتلطّف في الشفاعة لهم، ويتوسط للعفوعنهم.

  • يا دارَ مَيّة َ بالعَليْاءِ، فالسَّنَدِ (المعلقة)
  • كليني لهمٍ ، يا أميمة َ، ناصبِ
  • إني كأني ، لدى النعمانِ خبرهُ
  • أتاني أبيتَ اللعنَ أنكَ لمتني
  • فإنْ يَكُ عامِرٌ قد نطقَ جَهلاً
  • مَنْ يطلبِ الدّهرُ تُدرِكْهُ مخالبُهُ
  • أرَسماً جديداً من سُعادَ تَجَنَّبُ؟
  • كأنَّ قتودي ، والنسوعُ جرى بها
  • حذّاءُ مدبرة ٌ، سكّاءُ مقبلة ٌ
  • لعمري ، لنعمَ المرءُ من آلِ ضجعمٍ
  • وما حاوَلتُما بقيادِ خَيلٍ
  • كأنّ الظُّعنَ، حينَ طَفَوْنَ ظُهراً
  • واستبقِ ودكَ للصديقِ ، ولا تكن
  • يقولون: حِصنٌ، ثم تأبَى نفوسُهم
  • أمِنَ آلِ مَيّة َ رائحٌ، أومُغْتَدِ
  • اهاجَكَ، مِنُ سُعْداك، مَغنى المعاهدِ
  • أبقيتَ للعبسيّ فضلاً ونعمة ً
  • يا عامِ! لم أعرِفك تنكِرُ سُنّة ً
  • عوجوا ، فحيوا لنعمٍ دمنة َ الدارِ
  • لقد نهيتُ بني ذبيانَ عن أقرٍ
  • ألا مَنْ مُبْلِغٌ عني خُزَيماً
  • نبئتَ غرسة َ ، والسفاهة ُ كاسمها
  • كتمتكَ ليلاً بالجمومينَ ساهرا
  • لقد قلتُ للنّعمانِ، يوْمَ لَقيتُهُ
  • ألا أبلغا ذبيانَ عني رسالة ً
  • ودّعْ أُمامة َ، والتّوديعُ تَعْذيرُ
  • صلُّ صفاً لا تنطوي من القصرْ
  • يومَا حَليمة َ كانَا من قَديمِهِمُ
  • أخلاقُ مجدكَ جلتْ ، ما لها خطرٌ
  • بخالة َ، أوماءِ الذنابة ِأوسوى

معلقته

يا دارَ مَيّة َ بالعَليْاءِ، فالسَّنَدِ، أقْوَتْ، وطالَ عليها سالفُ الأبَدِ
وقفتُ فيها أُصَيلاناً أُسائِلُها، عَيّتْ جواباً، وما بالرَّبعِ من أحدِ
إلاّ الأواريَّ لأياً ما أُبَيّنُهَا، والنُّؤي كالحَوْضِ بالمظلومة ِ الجَلَدِ
رَدّت عليَهِ أقاصيهِ، ولبّدَهُ ضَرْبُ الوليدة ِ بالمِسحاة ِ في الثَّأَدِ
خلتْ سبيلَ أتيٍ كانَ يحبسهُ ، وحملتهُ إلى السجفينِ ، فالنضدِ
أمستْ خلاءً ، وأمسى أهلها احتملوا أخننى عليها الذي أخنى على لبدِ
فعَدِّ عَمّا ترى ، إذ لا ارتِجاعَ له، وانمِ القتودَ على عيرانة ٍ أجدِ
مَقذوفة ٍ بدخيس النّحضِ، بازِلُها له صريفٌ القعوِ بالمسدِ
كأنّ رَحْلي، وقد زالَ النّهارُ بنا، يومَ الجليلِ، على مُستأنِسٍ وحِدِ
من وحشِ وجرة َ ، موشيٍّ أكارعهُ ، طاوي المصيرِ، كسيفِ الصّيقل الفَرَدِ
سرتْ عليه ، من الجوزاءِ ، سارية ٌ ، تُزجي الشَّمالُ عليهِ جامِدَ البَرَدِ
فارتاعَ من صوتِ كلابٍ ، فباتَ له طوعَ الشّوامتِ من خوفٍ ومن صَرَدِ
فبَثّهُنّ عليهِ، واستَمَرّ بِهِ صُمْعُ الكُعوبِ بريئاتٌ من الحَرَدِ
وكان ضُمْرانُ منه حيثُ يُوزِعُهُ، طَعنَ المُعارِكِ عند المُحجَرِ النَّجُدِ
شكَّ الفَريصة َ بالمِدْرى ، فأنفَذَها، طَعنَ المُبَيطِرِ، إذ يَشفي من العَضَدِ
كأنّه، خارجا من جنبِ صَفْحَتَهِ، سَفّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عندَ مُفْتَأدِ
فظَلّ يَعجَمُ أعلى الرَّوْقِ، مُنقبضاً، في حالكِ اللونِ صدقٍ ، غير ذي أودِ
لما رأى واشقٌ إقعاصَ صاحبهِ ، ولا سَبيلَ إلى عَقلٍ، ولا قَوَدِ
نطقت له النفسُ : إني لا أرى طمعاً ، وإنّ مولاكَ لم يسلمْ ، ولم يصدِ
فتلك تبلغني النعمانَ ، إنّ لهُ فضلاً على النّاس في الأدنَى ، وفي البَعَدِ
ولا أرى فاعلاً ، في الناس ، يشبهه ، ولا أُحاشي، من الأقوام، من أحَدِ
إلاّ سليمانَ ، إذ نطقَ الإلهُ لهُ : قم في البرية ِ ، فاحددها عنِ الفندِ
وخيّسِ الجِنّ! إنّي قد أَذِنْتُ لهمْ يَبْنُونَ تَدْمُرَ بالصُّفّاحِ والعَمَدِ
فمن أطاعكَ ، فانفعهُ بطاعتهِ ، كما أطاعكَ ، وادللـهُ على الرشدِ
ومن عَصاكَ، فعاقِبْهُ مُعاقَبَة ً تَنهَى الظَّلومِ، ولا تَقعُدْ على ضَمَدِ
إلاّ لِمثْلِكَ، أوْ مَنْ أنتَ سابِقُهُ سبقَ الجواد ، إذا استولى على الأمدِ
منح لفارِهَة ٍ، حُلوٍ توابِعُها، منَ المَواهِبِ لا تُعْطَى على نَكَدِ
الواهِبُ المائَة ِ المعْكاء، زيّنَها سَعدانُ توضِحَ في أوبارِها اللِّبَدِ
والأدمَ قد خيستْ ، فتلاً مرافقها مَشدودَة ً برِحالِ الحيِرة ِ الجُدُدِ
والراكضاتِ ذيولَ الريطِ ، فانقها بردُ الهواجرِ ، كالغزلانِ بالجردِ
والخَيلَ تَمزَغُ غرباً في أعِنّتها، كالطيرِ تنجومن الشؤبوبِ ذي البردِ
احكمْ كحكم فتاة ِ الحيّ ، إذ نظرتْ إلى حمامِ شراعٍ ، واردِ الثمدِ
يحفهُ جانبا نيقٍ ، وتتبعهُ مثلَ الزجاجة ِ ، لم تكحلْ من الرمدِ
نطقت: ألا لَيْتَما هذا الحَمامُ لنا إلى حمامتنا ونصفهُ ، فقدِ
فحسبوهُ ، فألقوهُ ، كما حسبتْ ، تِسعاً وتِسعينَ لم تَنقُصْ ولم تَزِدِ
فكملتْ مائة ً فيها حمامتها ، وأسرعتْ حسبة ً في ذلكَ العددِ
فلا لعمرُ الذي مسحتُ كعبتهُ ، وما هريقَ ، على الأنصابِ ، من جسدِ
والمؤمنِ العائِذاتِ الطّيرَ، تمسَحُها ركبانُ مكة َ بينَ الغيلِ والسعدِ
ما قلتُ من سيءٍ مما أتيتَ به ، إذاً فلا حملتْ سوطي إليّ يدي
إلاّ منطقة َ أقوامٍ شقيتُ بها ، كانَتْ مقَالَتُهُمْ قَرْعاً على الكَبِدِ
غذاً فعاقبني ربي معاقبة ً ، قرتْ بها عينُ منْ يأتيكَ بالفندِ
أُنْبِئْتُ أنّ أبا قابوسَ أوْعَدَني، ولا قرارَ على زأرٍ منَ الأسدِ
مَهْلاً، فِداءٌ لك الأقوامِ كُلّهُمُ، وما أثمرُ من مالٍ ومنْ ولدِ
لا تقذفني بركنٍ لا كفاءَ له، وإنْ تأثّفَكَ الأعداءُ بالرِّفَدِ
فما الفُراتُ إذا هَبّ غواربه تَرمي أواذيُّهُ العِبْرَينِ بالزّبَدِ
يَمُدّهُ كلُّ وادٍ مُتْرَعٍ، لجِبٍ، فيه ركامٌ من الينبوتِ والحضدِ
يظَلّ، من خوفهِ، المَلاحُ مُعتصِماً بالخيزرانة ِ ، بعدَ الأينِ والنجدِ
يوماً، بأجوَدَ منه سَيْبَ نافِلَة ٍ، ولا يَحُولُ عَطاءُ اليومِ دونَ غَدِ
هذا الثّناءُ، فإن تَسمَعْ به حَسَناً، فلم أُعرّض، أبَيتَ اللّعنَ، بالصَّفَدِ
ها إنّ ذي عِذرَة ٌ إلاّ تكُنْ نَفَعَتْ، فإنّ صاحبها مشاركُ النكدِ


انتقادات

اجتمعت حدثة النقاد على حتى النابغة أحد شعراء الطبقة الأولى إذا لم يكن رأس هذه الطبقة بعد امرئ القيس، وليس أدلّ على علومنزلته من ترأسه سوق عكاظ وفي ذلك يقول الأصمعي: كان النابغة يضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. ومما روي عن أبي عبيدة قوله: يقول من فضّل النابغة على جميع الشعراء: هوأوضحهم كلاماً وأقلهم سقطاً وحشواً، وأجودهم مقاطع، وأحسنهم مطالع ولشعره ديباجة. وذكر أبوعبيدة أيضاً أنه سمع أبا عمروبن العلاء يقول: "كان الأخطل يشبّه بالنابغة". وعن أبي قتيبة، نطق الشعبي: دخلت على عبد الملك بن مروان وعنده رجل لا أعهده، فالتفت إليه عبد الملك فنطق: من أشعر الناس فنطق: أنا، فأظلم ما بيني وبينه، فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين فتعجب عبد الملك من عجلتي فنطق: هذا الأخطل، فقلت أشعر منه الذي يقول:

هذا غلام حسن وجهه- مستقبل الخير سريع التمّام

فنطق الأخطل: صدق أمير المؤمنين، النابغة أشعر مني، فنطق عبد الملك: ما تقول في النابغة قلت قد فضله عمر بن الخطاب على الشعراء غير مرّة. ولم تكن منزلة النابغة عند المحدثين بأقل منها عند الأقدمين فقد شهد كثيرون منهم بما في شعره من إيقاع موسيقي، وروعة في التشبيه، وبراعة في أغراض الشعر المتباينة ولا سيما في الوصف والمدح والاعتذار، وفي ديوانه من هذه الفنون الكثير من القصائد الدالة على نبوغه وشاعريته، في محاورة الملوك وكسب مودّتهم والاعتذار إليهم حتى قيل "وأشعر الناس النابغة إذا رهب"، ونطق عنه بديع الزمان الهمذاني: والنابغة "لا يرمي إلا صائباً".

وفي طليعة العوامل التي أسهمت في تفوق شاعرية أبي أمامة في ضروب المعاني ومختلف الأساليب، رجاحة فكره، إذ كان ذا بصيرة بمواطن الكلام، متميزاً بنظرته الثاقبة والقدرة على الملاءمة بين الأقوال والمواقف، يحسن بباعث الموهبة والذائقة التي صقلتها الدربة والمراس، الملاءمة بين ركني الموضوع أي بين الصورة والجوهر، فهويؤدي الدلالات دقيقة لأنه يجيد انتقاء الألفاظ الدالة ووضعها في مواضعها السليمة في سياقه الشعري العام.

ولعلّ السمة اللافتة في شعره ذاك التأثر بالظروف المكانية والزمانية الذي حمله على حتى يضفي على فنونه طابعاً من الواقعية مستمداً من البيئة البدوية أوالحضرية، فهوجزل شديد الأسر في أوصافه الصحراوية، رقيق عذب واضح العبارة بعيد عن الخشونة ممعن في السهولة، في وصف حالات الوجدان، وفي أداء الخواطر أوإرسال الحكم، إلا إذا اقتضت البلاغة الإبقاء على لفظة غير فصيحة لكنها دالة، كلفظة الشعثِ في قوله:

ولستَ بِمُسْتبْق أخا- لا تلمّه على شَعَثِ.

أيّ الرجال المهذّبُ. اعتمدنا في ذلك على: ابن الخطيب التبريزي، شرح المعلقات العشر الممضىات، تحقيق د. عمر فاروق الطباع، بيروت: دار الأرقم، د. ت، ص 317-326.

المصادر

  1. ^ النابغة الذبياني، الموسوعة العالمية للشعر العربي

وصلات خارجية

  • أطلس المعلّقات
تاريخ النشر: 2020-06-04 13:52:51
التصنيفات: شعراء المعلقات, مواليد 535, وفيات 604, وفيات 605, شعراء العصر الجاهلي, شعراء القرن السادس, شعراء عرب, مسيحيون عرب

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

تراجع كبير.. كم سعر الجنيه الذهب اليوم الثلاثاء 15 نوفمبر 2022؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:21:20
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 64%

«حياة كريمة» تقدم عروضا مسرحية بالغربية لرفع الوعى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:21:02
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 52%

أسعار الدواجن فى مصر اليوم الثلاثاء 15-11-2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:20:41
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 57%

صور نادرة تظهر تعب وإرهاق عبدالحليم حافظ فى كواليس «حاول تفتكرنى»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:21:34
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

معرض قصاصات لـ مي رفقي ورجل الجبنة لــآية الفلاح

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:21:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

تلقي الضوء علي مخاطر التغير المناخي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:20:38
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

تقرير كندى يبرز أجمل 10 قطع أثرية فى مقبرة توت عنخ آمون

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:21:13
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 54%

بريطانيا تسحب قواتها من بعثة حفظ السلام الأممية فى مالى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:21:14
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

انجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:21:02
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 53%

5 منتخبات مرشحة للقب "الحصان الأسود" فى كأس العالم 2022

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:22:02
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 36%

فريق بحث جنائى لكشف لغز إطلاق النيران على شاب فى أبوتشت

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:20:58
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 55%

روسيا: نرفض قرار الأمم المتحدة بدفع تعويضات لأوكرانيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:21:14
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 67%

مواقيت الصلاة فى مصر اليوم الثلاثاء 15-11-2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:20:37
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

موعد أول يوم رمضان 2023 وفقًا للحسابات الفلكية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:20:42
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

ثعبان ضخم يبتلع "تمساح" طوله 5 أقدام.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-15 03:22:00
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 45%

تحميل تطبيق المنصة العربية