حسن المقرون
حسن بن عمر المقرون (ت. ربيع أول 1289 هـ/صيف 1872) قائد عسكري شهير في عهد البايات. تحدث عنه ابن أبي الضياف في إتحاف أهل الزمان، وخصص له ترجمة مطولة نذكرها هنا لأنها أضم ترجمة تخص هذه الشخصية السياسية المساكنية.
«الأمير الشريف أبومحمد حسن ابن الشريف الوجيه أبي حفص عمر المقرون المساكني. هذا الفاضل من أعيان بيوت الشرف بمساكن، من كبار بلدان الساحل، ولوالده حملة وسمعة بها. واختير للخدمة العسكرية ليكون أسوة لأمثاله من الأعيان، وخدم بالمحمدية من أنباشي وتدرج في سلم الخدمة إلى حتى صار أمير لواء. وأقبل في مبادئ أمره على تفهم الصناعة الحربية بجد واجتهاد حتى صارت هذه الصناعة طبيعة من ذاته، والاشتغال بها أكبر لذاته. وكان المشير أبوالعباس أحمد باي يعهد منزلته ويوليه ما يناسبها من الحظوة والتقريب زيادة على حظوة أبيه المعروفة المسلمة في بلاده.
وأعطاه المشير أبوالعباس أحمد باي الدار التي بناها الوزير شاكير صاحب الطابع ببلد مساكن. وله في خدمة الدولة آثار مشهورة وأخبار مذكورة. ووجهه الباي صاحب القانون إلى بلده مساكن في فتنة الاثنين والسبعين ... وخرج منها خائفا يترقب لأن الأمر يومئذ بيد العامة وأخوه وأمثاله يومئذ تلعب بهم أيدي العامة وأهل البطالة، حتى ما كان لطف الله بهذه الإيالة وخروج الوزير أبي العباس أحمد زروق بالمحلة وقهره للعامة بالساحل. وربما يقول القائل إذا هذا اللطف من الله نعمة لكن في طبها نقمة أبادت الساحل وثروته وهجرته كأمس الدابر، وهرب أخوه، لما سل سيف انتقام المحلة، إلى دار قنصل الأنقليز بسوسة، ووراءه عقارب السعايات، وانتاشه القنصل وأجاره من ذلك العدوان، وطولب بعين من المال يدفعه معجلا، وتلونت الأقوال في ألقاب جوره، وهوالسبب في خروجه من هذا القطر. وكان في أيام القانون تقدم رئيسا على ضبطية الحاضرة، فزانها وضبطها ورتب مسببات الأمن والراحة، فقصرت الأيدي العادية وأمنت الساحة، وكان تقدمه لهذه الرئاسة في شعبان سنة 1278 ثمان وسبعين ومائتين وألف (فيفري 1862م) بإشارة الوزير المنصف أبي محمد خير الدين.
وكانت ولايته من ألطاف الله بهذا القطر. وذلك أنه في فتنة الاثنين والسبعين والهرج الذي سقط في البلاد، وكانت سفن الفرانسيس يومئذ بحلق الوادي، وطلبوا النزول للبر للإعانة، ولم يوافقهم الباي، سقط من بعض الأوباش من سفلة العامة التي إذا اجتمعت ضرت وإذا افترقت نفعت، وفيهم جم غفير ممن له رغبة في فتنة تقع في البلاد لفائدة تخصه، وحرك بعض الصبيان لخطف شيء من ثياب بعض اليهود قرب باب البحر، فطار إليه الخبر وهوبالدريبة، فخرج في الحين راجلا ومعه غالب الضبطية إلى باب البحر، وتمكن ببعض الصبيان وأنفار من الذين انخرطوا في سلكهم وأتى بهم للدريبة وحكّم في أبشارهم الضرب بالعصي أمام الدريبة في شارع المارة، ليرى مبصر ويسمع واع. وبات تلك الليلة يدور في البلاد راجلا وملأ السجن من هؤلاء، ومنهم من أعاد له الضرب. وكان الضرب يومئذ محجورا، فمحرر الباي بأنني الآن أضرب بالعصا على خلاف القانون، ارتكابا لأخف الضررين، وأنا بين يديك غدا والآن. وأنجى الله هذه الحاضرة على يد هذا الشريف من نهب وسفك دماء، وسفن الفرانسيس بشاطئها ويفهم الله ما وراء ذلك. ومن الغد شكره جميع ساكن في البلاد من أهلها ومن غيرهم، وشكره الباي ورجال دولته. ولولم يكن له من المآثر إلا هذه لكفته في دينه ودنياه. ومع ذلك لزمه الهروب إلى دار قنصل الأنقليز ارتكابا لأخف الضررين. وسافر مع أخيه على يد القنصل إلى طرابلس ومنها إلى مصر واستقر بها. ومحرره الباي وأمّنه، فرجع يقوده إيمان حب الوطن. واستخدمه الباي على بنزرت فسار فيها بحزمه وإنصافه وما يحمد من أوصافه.
وكان يقرب إلى الأمية شغلته العلوم العسكرية عن إتقان الكتابة وتوابعها، ثم أنهكه ضعف البدن وشيخوخة السن وألجأه ذلك إلى الاستهفاء وقبل منه.
ولم يزل على مقامه واحترامه، وامتحن قبيل وفاته ببتر رجله لسقم أصابه، وخرج الأطباء يومئذ متعجبين من ثباته وصبره، قريبا من بتر رجل عروة بن الزبير. وكان شهما حازما، نقي العرض، بعيدا عن التصنع، نزيه النفس عن المطامع التي تدنس النفس والخطط والرئاسة، عالي الهمة يقدم أدنى مصلحة عمومية على أعظم مصلحة تخصه، ناهيك عن أخلاق علوية، ونفس عظامية عصامية، وهمة من المطامع برية.
ولم يزل على جميل حالاته، رافلا في جميل صفاته، إلى آخر ساعاته، وذلك في أشرف الربيعين من سنة 1289 تسع وثماني ومائتين وألف (ماي 1872م)، وعزم أخوه على حمل جسده الشريف إلى تربة آله ببلد مساكن، فمنعه الباي خوفا على بدنه من التغيير بحر الصيف، وإكرام الميت الدفن. ودفن بالسلسلة كأمثاله، قابله الله بالرحمة والرضى.».
المراجع
- ابن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان، 8/177. رويس، منير، صفحات من تاريخ مساكن.