الهجرة إلى الحبشة، هي أول هجرة في الإسلام، حدثت بعد سنتين من الجهر بالدعوة، وخمس سنوات من مبعث الرسول، حيث اشتد أذى قريش على المسلمين. وكان عدد المسلمين يزداد يوماً بعد يوم، وظهر الإيمان، وفشا أمر الإسلام بمكة، فتحرش كفار قريش بمن آمنوا، ووكلوا أمرهم لقبائلهم تعذب من تعذب وتحبس من تحبس، فكان الرجل يعذبه أولوقرباه ويسجنونه ليردوه عن دينه إذا استطاعوا. اشتكى المسلمون للرسول سوء ما حل بهم فأذن لهم بالهجرة إلى بلاد الحبشة ونطق لهم: "لوخرجتم إلى الحبشة، فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق ـ حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه". فخرج المسلمون من أصحاب رسول إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفرارًا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة في الإسلام.

الهجرة الأولى

تسلل المسلمون صوب الساحل جهة الشعيبة فوجدوا سفينتين متجهتين إلى الحبشة فاستأجروهما وانطلقت بهم السفينتان وتبعتهم جماعة من قريش فلم يفلحوا في اللحاق بهم.

وكان ممن خرج في هذا الفوج الأول عثمان بن عفان وزوجه رقية بنت رسول، وأبوحذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون، وبلغ عدد من هاجروا أحد عشر رجلاً وأربع نسوة وكان أميرهم عثمان بن مظعون.

واستقروا بالحبشة في خير دار وخير جوار وأمنوا على دينهم وعبدوا الله دون أذى أوخوف. ضاقت بهم مكّة فاتسعت لهم بلاد الحبشة، وزهد فيهم قومهم من قريش فرغب فيهم نجاشي الحبشة، وآواهم وشد أزرهم.

العودة

ولم يطل بهم المقام في الحبشة، ففي شوال من عامهم ذاك ـ وكانوا قد هاجروا في رجب ـ سمع المهاجرون حتى مكة قد أسلمت فعادوا إليها، لكن قبل ساعة من دخولهم مكة عهدوا حتى قريشًا مازالت على دينها وأن الذي سمعوه غير سليم.

ثم تعرض المسلمون إلى أذى قريش مرة ثانية وضاقت بهم مكة كما ضاقوا بالمقام فيها.

الهجرة الثانية

شد المسلمون الرحال مرة ثانية واتجهوا صوب الحبشة. ذكر ابن إسحاق حتى عدداً كبيراً من قبائل قريش لحق بالفوج الثاني. فقد هاجر من جميع قبيلة نفر إلى الحبشة. وكان عددهم ـ سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارًا وولدوا بها ـ ثلاثة وثمانين رجلاً. وقد شك ابن إسحاق فيما إذا كان عمار بن ياسر فيهم. وكان أمير هذا الفوج جعفر بن أبي طالب ابن عم الرسول. وأمنوا بأرض الحبشة، وحمدوا جوار النجاشي، وعبدوا الله لا يخافون على ذلك أحدًا، وقد أحسن النجاشي جوارهم عندما نزلوا به.

لقد كانت أرض الله واسعة، ومازالت لكل من أراد وجه الله وخاف على نفسه الضيم والحيف نطق تعالى: ﴿إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم نطقوا فيم كنتم نطقوا كنا مستضعفين في الأرض نطقوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا﴾ النساء: 97. نطقت أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج الرسول: "لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمِنا على ديننا، وعبدنا الله تعالى، لا نؤذى ولا نسمع شيئًا نكرهه. ومن أشعار المهاجرين في وصف هذا الحال ما نطقه عبد الله بن الحارث:

ملاحقة قريش

عندما فهمت قريش حتى المسلمين قد استقروا في جوار النجاشي بالحبشة، على أحسن حال، وفي خير جوار، غاروا من هذا النعيم وهذه العزة التي وجدها المسلمون عند النجاشي العادل. وقر رأيهم على حتى يوفدوا إلى النجاشي من يراوده عنهم ويقنعه بأن يردهم إلى أهلهم وذويهم بمكة. فأوفدوا إليه عمروبن العاص (قبل إسلامه) ومعه عمارة بن الوليد بن المغيرة. وفي رواية ابن إسحاق، أنهم أوفدوا عبداللهلله بن أبي ربيعة وعمروابن العاص. وحملا معهما كثيرًا من الهدايا إلى النجاشي وإلى بطاركته. ولما وصلا أعطيا جميع بطريرك هديته وتحدثا بما اتىا من أجله، وطلبا منهم حتى يلحوا على الملك، عله يرد عليهما المهاجرين من المسلمين لأن قومهم أعلى بهم عينًا. وكانت قريش قد أوعزت إليهما حتى يحاولا استردادهم قبل حتى يتمكن المسلمون من لقاءة النجاشي.

وعندما دخلا عليه، وأعطياه الهدايا قبلها وعهد خبرهما. وأوعز إليه البطاركة حتى يردهم إليهم؛ لأن قومهم أعلى بهم عينًا. لكن الملك العادل رفض هذا الطلب وطلب من قومه إحضار المسلمين لكي يسمع منهم. وأتى وفد المسلمين بإمارة جعفر بن أبي طالب، ولم يسجدوا للنجاشي كما يعمل الآخرون، وسألهم عن ذلك فردوا عليه بأن تحيتهم هي السلام. وسألهم عن دينهم، فانبرى له جعفر بن أبي طالب، وحدثه عن الإسلام حديثًا طيبًا. ونطق فيما نطق: إنهم كانوا أهل جاهلية وشرك، يعبدون الأصنام ويأكلون الميتة ويسفكون الدماء ويسيئون الجوار ويستحلون المحارم ولا يعهدون حلالاً ولا حرامًا. فاتىهم رسول من أنفسهم يعهدون نسبه وصدقه وأمرهم بالبر والصدقة وأداء الأمانة ونهاهم عن عبادة الأوثان، وأمرهم حتى يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به أحدا.

وأضاف جعفر أنهم صدَّقوا رسول الله ³ وآمنوا به فعاداهم قومهم ففروا إلى النجاشي بدينهم ودمائهم خوفًا من قومهم. فنطق النجاشي: "والله إذا هذا لمن المشكاة التي خرج منها أمر موسى"، ثم نطق لجعفر: هل عندكم شيءٌ مما اتى به،يا ترى؟ نطق: نعم فتلا عليهم آيات من سورة مريم، فبكى النجاشي حتى اخضلَّت لحيته، وبكى بطاركته حتى ابتلّ ما في أيديهم. وحينئذ نطق لهم النجاشي: "والله لن أسلمهم لكما". وكان عمروبن العاص داهية فنطق للنجاشي: سلهم عن عيسى فإنهم يقولون فيه قولاً عظيمًا. فسألهم عنه فنطق لهم جعفر: ما نقول فيه إلا ما يقول ربنا: إنه عبد الله ورسوله وحدثته ألقاها إلى مريم. فنطق النجاشي: إذا هذا لا يزيد عن ما اتى به عيسى مثل هذا العود، وأشار إلى عود بيده.

ورد النجاشي على مبعوثي قريش هداياهم ونطق لهما: لا حاجة لي بها. وأمر بإكرام المسلمين وأن يغرم من يؤذيهم أربعة دراهم. وضرب النجاشي بهذا مثلاً طيبًا في إعطاء حق اللجوء السياسي لمن يستحق. لقد كان جعفر بن أبي طالب حصيفًا حكيمًا، وكان خطابه للنجاشي إعلانًا لمبادئ الإسلام، وبيانًا لمحاسن الرسالة تحدث وأفصح عن طبيعة الدين الجديد وسلامته من اللوم والعيب وأن دين قريش هوالمعيب الملوم.

ثم تحدث جعفر عن المسيح ـ عليه السلام ـ حديثًا هادئًا مقنعًا، كان هوعين مايجده النصارى في خطهم، فاقتنع النجاشي لعدله وصدقه، وتنافرت بطاركة النجاشي، وكانوا من قبل قد أخذوا هدايا من مبعوثي قريش عندما وافقوا على قول عمروبن العاص ونطقوا للنجاشي: "ردهم عليهم فإنهم أعلى بهم عينًا". وكان الحق واضحًا عند النجاشي، فعندما فهم خبث مبعوثي قريش، رد عليهم هداياهم، ورد طلبهم فانقلبوا خائبين.

عودة المهاجرين

في النهاية عاد المسلمين من أكسوم في العام السابع من الهجرة، لكنهم عادوا إلى المدينة وليس إلى مكة.

قائمة

كانت أول هجرة عام 615م وكانت تضم جماعة من إحدى عشر رجلاً وأربع نساء. القائمة التالية للصحابة الذين هاجروا إلى أكسوم في الهجرة الأولى:

• 1.سعد بن أبي وقاص
• 2.جحش بن رياب
• 3.عبد الله بن جحش
• 4.عثمان بن عفان
• 5.رقية بنت محمد، زوجة عثمان
• 6.أبوحذيفة بن عتبة
• 7.سهلة بنت سهيل، زوجة أبوحذيفة
• 8.الزبير بن العوام
• 8.مصعب بن عمير
• 10.عبد الرحمن بن عوف
• 11.أبوسلمة عبد الله بن عبد الأسد
• 12.أم سلمة، زوجة أبوسلمة
• 13.عثمان بن مظعون
• 14.أمير المهاجرين، ابن ربيعة
• 15.ليلى بنت أبي أسماء، زوجة ابن ربيعة

القائمة السابقة تظهر بوضوح أنها تم إعدادها بعد العودة من الحبشة، ولم تضم أولئك الذين مضىوا للدعوة في الخارج ولأغراض تجارية.

انظر أيضاً

• خط زمني لتاريخ الإسلام في القرن السابع

المصادر