علمانية

عودة للموسوعة

فهمانية

العَلمانية بالإنگليزية: Secularism تعني اصطلاحاً فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة والحياة العامة، وعدم إجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أودين أوتقليد معين لأسباب ذاتية غير موضوعية. ينطبق نفس المفهوم على الكون والأجرام السماوية عندما يُفسّر بصورة دنيوية بحتة بعيداً عن الدين في محاولة لإيجاد تفسير للكون ومكوناته.

نص كتاب الأسس الفلسفية للفهمانية, عادل ضاهر(1)انقر على الصورة للمطالعة
نص كتاب الأصولية والفهمانية(1) - مراد وهبه انقر على الصورة للمطالعة

التسمية

لا علاقة بالحدثة العربية المستعملة وهي العَلْمانية،بلفظ الفهم بل هي اشتقاق من حدثة العَالَمْ. وهي ترجمة خاطئة للحدثة الفرنسية والإنجليزية (sécularisation) المشتقة من الحدثة اللاتينية saeculum ومعناها الجيل أوالقرن أي الأمور المرتبطة بالعالم البشري وبالزمن الأرضي.

فالحدثة الأقرب في المجال اللغوي العربي، إذا أردنا اشتقاق المفهوم، هي حدثة الزمن أوالدنيا وتكون الفهمانية بذلك زَمْنَنَة. ومثلها موجود في لغات أخرى غير العربية واللاتينية. ذلك حتى تفاعل وتعارض البشري النسبي مع المطلق الديني والمقدس عهدته جميع الثقافات التي تطورت فيها التصورات والتعبيرات الحضارية منذ القدم.

تاريخيا، استخدمت الحدثة الفرنسية والإنجليزية للدلالة على انتنطق ملكيات المؤسسة الكنسية، في بعض الحالات، إلى أشخاص أوإلى مؤسسات دنيوية وزمنية وخاصة بعد الحروب الدينية خلال القرن السادس عشر والإصلاحات التي تبعتها.


التعريف والنشأة

جون لوك الفيلسوف والمفكر الإنكليزي (1632 -1704) أحد الداعين إلى نظام يفصل الدين عن الدولة، ويطلق الحريات العامة.

الفهمانية في العربية مشتقة من مفردة عَلَم وهي بدورها قادمة من اللغات السامية القريبة منها؛ أما في الإنجليزية والفرنسية فهي مشتقة من اليونانية بمعنى "العامة" أو"الشعب" وبشكل أدق عكس الإكليروس أوالطبقة الدينية الحاكمة؛ وإبان عصر النهضة بات المصطلح يشير إلى القضايا التي تهم العامة أوالشعب بعكس القضايا التي تهم خاصته. أما في اللغات السامية ففي السريانية تشير حدثة ܥܠܡܐ (نقحرة: عَلما) إلى ما منتمي إلى العالم أوالدنيا أي دون النظر إلى العالم الروحي أوالماورائي، وكذلك الأمر في اللغة العبرية: עולם (نقحرة: عُولَم) والبابلية وغيرهم؛ وبشكل عام لا علاقة للمصطلح بالعلوم أوسواها وإنما يشير إلى الاهتمام بالقضايا الأرضية فحسب.

المحرر الإنكليزي جورج هوليوك (1817 -1906) أول من نحت مصطلح "فهمانية" عام 1851.

وتقدم دائرة المعارف البريطانية تعريف الفهمانية بكونها: "حركة اجتماعية تتجه نحوالاهتمام بالشؤون الأرضية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الآخروية. وهي تعتبر جزءًا من النزعة الإنسانية التي سادت منذ عصر النهضة الداعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به بدلاً من إفراط الاهتمام بالعزوف عن شؤون الحياة والتأمل في الله واليوم الأخير. وقد كانت الإنجازات الثقافية البشرية المتنوعة في عصر النهضة أحد أبرز منطلقاتها، فبدلاً من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاه في الحياة الآخرة، سعت الفهمانية في أحد جوانبها إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية".

هناك من البحاثة من يشير إلى كون الفيلسوف الأندلسي ابن رشد أول من أشار إلى فصل الدين عن الدولة وترجيح حرية العقل على محدودات الشريعة، معلنًا بذلك أسس فهمانية؛ سوى ذلك فإن أقدم التلميحات للفكر الفهماني تعود للقرن الثالث عشر في أوروبا حين نادى مارسيل البدواني في مؤلفه «المدافع عن السلام» إلى الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية واستقلال الملك عن الكنيسة في وقت كان الصراع الديني الدينيوي بين بابوات روما وبابوات أفنيغون في جنوب فرنسا على أشده؛ ويمكن تشبيه هذا الصرع بالصراع الذي حصل بين خلفاء بغداد وخلفاء القاهرة. وبعد قرنين من الزمن، أي خلال عصر النهضة في أوروبا خط الفيلسوف وعالم اللاهوت غيوم الأوكامي حول أهمية: "فصل الزمني عن الروحي، فكما يترتب على السلطة الدينية وعلى السلطة المدنية حتى يتقيدا بالمضمار الخاص بكل منهما، فإن الإيمان والعقل ليس لهما أي شيء مشهجر وعليهما حتى يحترما استقلالهما الداخلي بشكل متبادل." غير حتى الفهمانية لن تنشأ كممضى فكري وبشكل مطرد إلا في القرن السابع عشر، ولعلّ الفيلسوف اليهودي الملحد إسبينوزا كان أول من أشار إليها إذ نطق حتى الدين يحوّل قوانين الدولة إلى مجرد قوانين تأديبية. وأشار أيضًا إلى حتى الدولة هي كيان متطور وتحتاج دومًا للتطوير والتحديث على عكس شريعة ثابتة موحاة. فهويرفض اعتماد الشرائع الدينية مطلقًا مؤكدًا إذا قوانين العدل الطبيعية والإخاء والحرية هي وحدها مصدر التشريع. وفي الواقع فإن إسبينوزا عاش في هولندا أكثر دول العالم حرية وانفتاحًا آنذاك ومنذ استقلالها عن إسبانيا، طوّر الهولنديون قيمًا جديدة، وحوّلوا اليهود ومختلف الأقليات إلى مواطنين بحقوق كاملة، وساهم جوالحريّة الذي ساد إلى بناء إمبراطورية تجارية مزدهرة ونشوء نظام تعليمي متطور، فنجاح الفكرة الفهمانية في هولندا، وإن لم تكتسب هذا الاسم، هوما دفع حسب رأي عدد من الباحثين ومن بينهم كارن أرمسترونغ إلى تطور الفكرة الفهمانية وتبينها كإحدى صفات العالم الحديث.

الرئيس الثالث للولايات المتحدة توماس جيفرسون والذي صرّح: إن الحقيقة تسود إذا ما جاز للناس بالاحتفاظ بآرائهم وحرية تصرفاتهم. بريشة بيلي، 1800.

الفيلسوف الانكليزي جون لوك خط في موضوع الفهمانية: "من أجل الوصول إلى دين سليم، ينبغي على الدولة حتى تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينيًا أوفكريًا أواجتماعيًا، ويجب حتى تنشغل في الإدارة العملية وحكم المجتمع فقط، لا حتى تنهك نفسها في فرض هذا الاعتقاد ومنع ذلك التصرف. يجب حتى تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا يتدخل أي منهما في شؤون الآخر. هكذاقد يكون العصر هوعصر العقل، ولأول مرة في التاريخ البشري سيكون الناس أحرارًا، وبالتالي قادرين على إدراك الحقيقة".

تعريف مختصر للفهمانية يمكن إيضاحه بالتصريح التالي لثالث رؤساء الولايات المتحدة الإمريكية توماس جيفرسون، إذ صرّح: "إن الإكراة في مسائل الدين أوالسلوك الاجتماعي هوخطيئة واستبداد، وإن الحقيقة تسود إذا ما جاز للناس بالاحتفاظ بآرائهم وحرية تصرفاتهم". تصريح جيفرسون اتى لوسائل الإعلام بعد حتى استخدم حق النقض عام 1786 ضد اعتماد ولاية فيرجينيا للكنيسة الأنجليكانية كدين رسمي، وقد أصبح الأمر مكفولاً بقوة الدستور عام 1789 حين فصل الدين عن الدولة رسميًا فيما دعي «إعلان الحقوق». ويفسر عدد من النقاد ذلك بأن الأمم الحديثة لا يمكن حتى تبني هويتها على أي من الخيارات الطائفية، أوتفضيل الشريحة الغالبة من رعاياها سواءً في التشريع أوفي المناصب القيادية، فهذا يؤدي إلى تضعضع بنيانها القومي من ناحية، وتحولها إلى دولة تتخلف عن ركب التقدم بنتيجة قولبة الفكر بنطقب الدين أوالأخلاق أوالتنطقيد.

أول من ابتدع إلى مصطلح فهمانية هوالمحرر البريطاني جورج هوليوك عام 1851، غير أنه لم يقم بصياغة عقائد معينة على العقائد التي كانت قد انتشرت ومنذ عصر التنوير في أوروبا؛ بل اكتفى فقط بتوصيف ما كان الفلاسفة قد صاغوه سابقًا وتخيله هوليوك، من نظام اجتماعي منفصل عن الدين غير أنه لا يقف ضده إذ صرح: "لا يمكن حتى تفهم الفهمانية بأنها ضد المسيحية هي فقط مستقلة عنها؛ ولا تقوم بفرض مبادئها وقيودها على من لا يود حتى يلتزم بها. الفهم الفهمانية تهتم بهذه الحياة، وتسعى للتطور والرفاه في هذه الحياة، وتختبر نتائجها في هذه الحياة". بناءً عليه، يمكن القول حتى الفهمانية ليست أيديولوجيا أوعقيدة بقدر ما هي طريقة للحكم، ترفض وضع الدين أوسواه كمرجع رئيسي للحياة السياسية والقانونية، وتتجه إلى الاهتمام بالأمور الحياتية للبشر بدلاً من الأمور الأخروية، أي الأمور المادية الملموسة بدلاً من الأمور الغيبية.


في المجال السياسي

من المختلف عليه وضع تعريف واضح للدولة الفهمانية؛ وفي الواقع فهوتعريف يضم ثلاث جوانب أساسية، ويتداخل مع مفهوم دين الدولة أوالدين ذوالامتياز الخاص في دولة معينة. هناك بعض الدول تنصّ دساتيرها صراحة على هويتها الفهمانية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وكوريا الجنوبية والهند وكندا. بعض الدول الأخرى، لم تذكر الفهمانية في دساتيرها ولكنها لم تحدد دينًا للدولة، وتنصّ قوانينها على المساواة بين جميع المواطنين وعدم تفضيل أحد الأديان والسماح بحرية ممارسة المعتقد والشرائع الدينية، وإجراء تغيير في الدين بما فيه الإلحاد أواستحداث أديان جديدة بما يشكل صونًا لحقوق الإنسان وحقوق الأقليات الدينية، وهي بالتالي تعتبر دولاً فهمانية. هناك الشريحة الثالثة من الدول وتنصّ دساتيرها على دين الدولة معيّن كمصر وموناكوواليونان غير حتى دساتيرها تحوي المبادئ الفهمانية العامة، كالمساواة بين جميع مواطنيها وكفالة الحريات العامة، مع تقييد لهذه الحريات، يختلف حسب الدول ذاتها. في مالطا وهي دولة تتخذ المسيحية الكاثوليكية دينًا لها يعتبر الإجهاض محرمًا بقوة القانون، وذلك مراعاة للعقائد الكاثوليكية، ومع ذلك فإن نسب تقييد الحريات العامة في مالطا هوأقل بكثير مما هوعليه في دول أخرى كمصر حيث تعتبر الشريعة الإسلامية مصدرًا رئيسيًا من مصادر التشريع ما أدى إلى قيود حول تغيير الدين أوبناء دور عبادة غير إسلامية إلى جانب تشريع تعدد الزوجات وغيرها من القضايا المرتبطة بقانون الأحوال الشخصية. المثل المصري ينطبق على عدد من الدول الأخرى، ما دفع بعض الباحثين لاجراء تعديلات اصطلاحية فأحلت "الدولة المدنية" بدلاً من "الدولة الفهمانية" واقترح البعض "دولة مدنية بمرجعية دينية"، غير حتى ذلك حسب رأي بعض الباحثين يفرغ مبادئ المساواة والحريات العامة من مضمونها ويحصرها في نطقب معيّن ما يعني دولة دينية وإن بإطار مدني. أما الدول الأقرب لنموذج مالطا فمن المتفق عليه وصفها دولاً فهمانية، إلى جانب بعض التحفظات كعبارة "حياد الدولة تجاه الدين" بدلاً من "فصل الدولة عن الدين".

لا يزال النقاش يدور في الدولة المصنفة فهمانيًا حول مدى الالتزام بفصل الدين عن الدولة؛ ففي فرنسا جدول العطل الرسمية مقتبس بأغلبه من الأعياد الكاثوليكية، وكذلك تقدم الدولة من أموال دافعي الضرائب تمويلاً للمدارس الدينية؛ أما في الهند وهي أيضًا دولة تنصّ على الفهمانية الكاملة، تقدّم الدولة سنويًا إعانات للحجاج المسلمين وصل في عام 2007 إلى 47454 روبية عن جميع حاج هندي. أما دستور أستراليا وهي دولة فهمانية رغم عدم ورود العبارة صراحة، يذكر في المادة السادسة عشر بعد المئة، على عدم تقييد أي حرية دينية أوممارسة للشعائر الدينية أوتمييز بين معتنقي مختلف الأديان في مناصب الدولة والحياة العامة، ومع ذلك فإن الدستور ذاته يبدأ بعبارة " بتواضع، نعتمد على نعمة الله المتعالي" (بالإنجليزية: Humble reliance on the blessing of Almighty God)، وسوى ذلك فإن الحكومة الأسترالية تدعم الصلاة المسيحية في المدارس الحكومية وتمول المدارس الدينية التي تعدّ القسس الجدد وكذلك رجال الدين. الحال كذلك في سويسرا وفي الولايات المتحدة الإمريكية، وإن بدرجات متفاوتة لا تضم في جميع الظروف تقييد أي حرية دينية أوممارسة للشعائر الدينية أوتمييز بين معتنقي مختلف الأديان في مناصب الدولة والحياة العامة فهي من المبادئ المشهجرة بين جميع الدول المصنفة كفهمانية.

في المجال الديني

في المجتمعات الإسلامية، ينظر إلى الفهمانية على أنها جزء من التيار الإلحادي بمفهومه العام، فقد اتى في الموسوعة العربية العالمية:[بحاجة لمصدر]

«ويمكن اعتبار ظاهرة "العَلمانية" جزءًا من التيار الإلحادي بمفهومه العام. عملى الرغم من ارتباط الفهمانية بفصل الدين عن الدولة أوالسياسة في الاستعمال الشائع، فإن لتلك الظاهرة دلالتها الأخرى المتصلة بذلك الفصل، والتي لاتقل أهمية في الاستعمال الغربي المعاصر. فهي تدل لدى كثير من المفكرين ومؤرخي الفكر على "نزع القداسة عن العالم بتحويل الاهتمام من الدين بما يتضمنه من إيمان بإله وبروح وبعالم أخروي أومغاير خفي إلى انشغال بهذا العالم المرئي أوالمحسوس وغير المقدس". ويمكن اعتبار الفهمانية بمفهومها الشائع - أي فصل الدين عن الدولة - فترة مبكرة في هذا التوجه العام نحوربط الحياة الإنسانية بعالم الحس، لأنها تمنح الأولوية لذلك العالم في التشريع لحياة الإنسان وسياستها. وفي الآية القرآنية الكريمة إشارة إلى هذا المعنى العام والأساسي للفهمانية، حيث يقول الله تعالى على لسان الذين كفروا: ﴿إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين﴾ الأنعام: 29. والدنيا هي العالم الوحيد بالنسبة للفهمانية. ومن هنا استخدم مفهوم "الدنيوية" كمرادف للفهمانية. ومن الفهمانية اشتق عمل "الفهمنة" ليدل على عملية التحول نحوهذا العالم» – الموسوعة العربية العالمية

علاقة الفهمانية بالليبرالية والديمقراطية

الفهمانية بمعناها الأضم الذي يعني فصل الدين عن الحياة (ومن ضمنها الحياة الشخصية) قد يحدث هوالأكثر تميّزا من معاني الفهمانية عن المفردات الاُخرى بينما قد يشهجر اللفظ لمن يعرّفها بمعناها الضيق والذي يعني فصل الدين عن الدولة مع بعض مبادئ الليبرالية، حيث تذكر الموسوعة البريطانية ذلك المعنى ضمن الليبرالية .

من جهة اُخرى فإن الديمقراطية بمعناها الضيق وهوحكم الأغلبية بدون الاهتمام لحريات الأفراد وهوما يدعى بالديمقراطية اللاليبرالية، فإنها بهذا المعنى لا تقتضي فصل الدين عن الدولة بالضرورة بل تعتمد على اختيار أغلبية الشعب التي قد تكون دينية كما يمكن حتى تكون لادينية. لكن إذا أدخلنا حرية التعبير اللازمة لمنافسة عادلة للمعارضة السياسية في تعريف الديمقراطية فيستلزم ذلك فصل الدين عن الدولة بما يسمح بحرية الأفراد في التعبير بلا قيود دينية إذ بدون هذه الحرية لا يمكن للسياسيين والمفكرين الفهمانيين حتى يعبّروا عن آرائهم مما يخل بمبدأ الحرية الأساسية للنادىية الانتخابية التي يمكن حتى تتضمن ما مخالف للدين.

كذلك فإن الفهمانية بمعناها الضيق ليست الا جزءا من معنى الليبرالية فهي تفصل الدين فقط عن الدولة وهذا لا يكفي لضمان حرية وحقوق الأفراد بينما تفصل الليبرالية جميع المعتقدات الشمولية عن الدولة سواء كانت دينية أوغير دينية، ومن أمثلة انتهاك حريات وحقوق الأفراد لأسباب غير دينية حكم ستالين في الاتحاد السوفيتي السابق، وحكم هتلر في ألمانيا النازية.

أما المعنى الأضم للفهمانية المتمثل بفصل الدين عن الحياة والاهتمام بها على حساب الدين فهوواحد من الخيارات التي تتيحها الليبرالية لأفرادها كما تتيح لهم أيضا الاهتمام بالدين على حساب الحياة إذا رغبوا ذلك بشرط عدم إرغام الأفراد على أي رأي معيّن بشأن الدين أوغيره.


في فهم الاجتماع

في مجال العلوم الاجتماعية استنبط مفهوم سيكولاريزاسيون (بالفرنسية) للدلالة على ما يسميه الدارسون بتراجع الجاذبية الاجتماعية للدين وذلك في إطار تطور عفوي وبطيء للمجتمع. يرى پيتر برگر (Peter BERGER) حتى الفهمنة (أوالزمننة) هي :"مسار (processus) تفقد بمقتضاه المؤسسات والرموز الدينية نفوذها على قطاعات من المجتمع ومن الثقافة".

وفي نفس هذا الاتجاه يرى براين ولسن حتى الفهمنة هي مسار يؤدي إلى فقدان المؤسسات والأفكار والممارسات الدينية لمعناها الاجتماعي. ويضيف أنها ناتجة عن عقلنة المؤسسات والتنظيمات الحديثة.

وتخلص بعض دراسات فهم اجتماع الأديان، التي ضمت عديد الثقافات والأديان بما فيها المجتمعات الإسلامية، إلى حتى الفهمنة تأخذ عدة اتجاهات من أهمها:

1- تطور أنماط التمثل الجماعي باتجاه الاستقلالية عن الدين. مثال ذلك تنامي الشعور بالانتماء للوطن والذي يؤشر إلى تحول من نظام قاعدته المجموعة الدينية (مثل الأمة الإسلامية) إلى نظام قاعدته المجموعة الاجتماعية.

2- تكون فضاء معهدي مستقل عن التصورات الدينية.

3- استقلالية الوعي والتصرفات الفردية عن الفهم الديني المطلق والكلي. من المهم إذن الحديث عن الفهمنة كمسار لتطور مجتمعي تلقائي أكثر من الحديث عن الفهمانية كموقف أيديولوجي أوسياسي وخاصة في الحالة الفرنسية كما سنرى. هل الفهمنة ظاهرة غربية بامتياز،يا ترى؟ الجواب بالتأكيد هو: لا، لأن الفهمنة كمسار للتطور المجتمعي مرتبطة أكثر بثنائيات الديني والزمني والمقدس والوضعي والعلاقة العمودية والعلاقة الأفقية، وهي ثنائيات من صميم الاجتماع الإنساني مهما تنوعت واختلفت أنماط التعبير الثقافي عنها.


ففي الفضاء الهندي المتنوع الأعراق والأديان، تجد الهندوسية التقليدية والأصولية نفسها في تحد حقيقي أمام مسار الفهمنة الذي تسارع مع توسع دائرة الاعتراف بالتنوع الديني. فمنذ صعود حزب بهراتيا جناتا بدأ الصراع السياسي يدور حول مفهومي الفهمنة والهندوتفا (hindutva) بتعبيرات رافضة لما تسميه بالأيديولوجيات الغربية مثل الليبرالية والإسلام والمسيحية والشيوعية.

ويعد الوضع الاجتماعي للمرأة من بين قلاع المقاومة الهندوسية للفهمنة التي تطالب برفض القوانين الوضعية التي تشجع خروج المرأة إلى الفضاء العام وتساوي بينها وبين الرجل.

في الفضاء الياباني المختلف عن الغرب من حيث الثقافة والدين مرشد آخر على عالمية وكونية الفهمنة. إذ يطلق لفظ سيزوكوكا (sezokuka) للدلالة عن الفهمنة التي بدأ يشهدها المجتمع الياباني منذ القرن السابع عشر وذلك بتأكد نفوذ طبقة المحاربين الشوغون وبتراجع المؤسسات والرموز المرتبطة بالبوذية. كما شجعت طبقة السموراي الثقافة الكونفوشيوسية التي اعتبرتها أكثر فهمنة من البوذية. وقد دخلت الفهمنة فترة حاسمة في هذا البلد مع إصلاحات الميجي منذ سنة 1867.

قد يحدث مفهوم الفهمنة مستوردا إذن، لكن الحالة التاريخية والمجتمعية التي يعبر عنها غير مرتبطة فقط بالغرب. هناك تطور عام من فترة الأديان باعتبارها أنظمة كلية إلى فترة من النسبية التي تتقاسم فيها الثقافة الدينية تأثيرها الاجتماعي مع أنماط أخرى من التمثل والوعي.

أما القول بأن الفصل بين الديني والدنيوي واضح في الحالة المسيحية فهوخاطئ، وهوتفسير متأخر حاول التمشي مع التطورات الحداثية التي شهدتها أوروبا. فنحن لا نجد هذا الفصل لدى أول منظري المسيحية وهوسانت أوغوستان بين القرنين الرابع والخامس ميلادي.

الحجج المؤيدة والمعارضة للفهمانية

الحجج التي تدعم الفهمانية تختلف اختلافاً كبيراً. مضى البعض إلى حتى الفهمانية هي حركة في اتجاه التحديث، بعيداً عن القيم الدينية التقليدية. هذا النوع من الفهمانية، وعلى المستوي الاجتماعي أوالفلسفي، فقد سقطت في كثير من الأحيان مع الاحتفاظ به الكنيسة الرسمية للدولة أوغيرها من دعم الدولة للدين. في الولايات المتحدة، يقول البعض حتى الدولة الفهمانية قد ساعدت إلى حد كبير في حماية الدين من التدخل الحكومي، في حين حتى الفهمانية على المستوي الاجتماعي أقل انتشاراً داخل البلدان أيضاً، غير أنه يختلف دعم الحركات السياسية للفهمانية لأسباب متفاوتة.

يجادل معارضوا الحكومة الفهمانية بأنها تخلق من المشاكل أكثر مما تحل، وأن حكومة دينية (أوعلى الاقل ليست فهمانية) ستكون أفضل. بعض المسيحيين يجادلون بأن في إمكان الدولة المسيحية إعطاء المزيد من حرية الدين أكثر مما تعطيه دولة فهمانية، وأشاروا إلى النرويج وايسلندا وفنلندا والدانمرك، مع جميع الصلات الدستورية بين الكنيسة والدولة، ولكن كما اعترف أكثر تقدمية وليبرالية من بعض البلدان دون هذا الربط. على سبيل المثال، ايسلندا كانت من بين أوائل البلدان الساعية إلى تقنين الاجهاض، والحكومة الفنلندية وفرت التمويل اللازم لبناء المساجد.

يستشهد الفهمانيون بأوروبا في العصور الوسطى بفشل النظام الشمولي لما بلغت إليه أوروبا من تردي عندما حكمت الكنيسة أوروبا وتعسّفها تجاه جميع صاحب فكر مغاير لها. لذلك فهم يرتؤون حتى الكنيسة لا يجب حتى تخرج من نطاق جدران الكنيسة لتتحكم في قوانين الميراث والوقوف في وجه النهضة الفهمية ونعتها بالسحر إبّان العصور الوسطى.

على أرض الواقع يعلن كثير من الفهمانيين (العرب باللأخص) أنهم يؤمنون بالدين ولكن بشكل تجديدي عصري، متطور متحرك. فيتحول الخلاف الرئيس بين المؤيدين والمعارضين للفهمانية (اللادينية) إلى اختلاف حول طبيعة الإنسان ما بين الثبات والتغير؛ وموقف الشريعة من ذلك ما بين الجمود والمرونة. فيرى الفهمانيون حتى الإنسان كائن متغير ومن ثم ينبغي حتى تكون الأحكام التي تنظم حياته متغيرة، فلا تصلح له شريعة جوهرها الثبات. وأن هذا يعني الحجر على الإنسان والحكم عليه بالجمود الأبدي.

بينما يرى المعارضون ان الإنسان ليس سليماً حتى جوهره التغير، فبالرغم من هذا التغير الهائل، الذي وقع في دنيا الإنسان، لم تتغير ماهيته؛ ولا استحال جوهر إنسان العصر الذري عن جوهر إنسان العصر الحجري. فجوهر الإنسان، ليس ما يأكله الإنسان، أوما يلبسه الإنسان، أوما يسكنه الإنسان، أوما يركبه الإنسان، أوما يستخدمه الإنسان، أوما يعهده الإنسان من الكون من حوله، أوعما يقدر عليه من تسخير طاقاته لمنفعته، ولكن الواقع حتى الإنسان في جوهره وحقيقته بقي هوالإنسان، منذ عهد أبي البشر آدم إلى اليوم، لم تتبدل فطرته، ولم تتغير دوافعه الأصلية، ولم تبطل حاجاته الأساسية، التي كانت مكفولة له في الجنة، وأصبح عليه بعد هبوطه منها حتى يسعى لإشباعها. ولذلك فان إنسان القرن الحادي والعشرين، أوما بعد ذلك، لا يستغنى عن هداية الله المتمثلة في وصاياه وأحكامه، التي تضبط سيره، وتحفظ عليه خصائصه، وتحميه من نفسه وأهوائها.

ففى اعتقاد هؤلاء المعارضين "إن العقل الذي توصل إلى حتى الإنسان كائن جوهره الثبات، ليس من خلق الشيطان، فالذي يتغير في الإنسان هوالعرض لا الجوهر، هوالصورة لا الحقيقة، وعلى هذا الأساس تتعامل معه نصوص الشريعة الخالدة، تشرع له وتفصل في الثابت، الذي لا يتغير من حياته، وتسكت أوتجمل فيما شأنه التغير، وعلى المشككين في صلاحية نصوص شريعة الله لكل زمان ومكان، حتى يعترفوا بأن العقل الذي خلقه الله للبشر، والفهم الذي حضهم عليه، ونادىهم إلى التزود به، هونفسه الذي كشف عن حقيقة الثبات في جوهر الإنسان، إلى جوار ظاهرة التغير، التي تتصل بالجانب العرضي من حياته".

بخصوص جمود شريعة جوهرها الثبات، فيعتقد المعارضون حتى التزام الإنسان بشريعة الله لا يعني الحجر عليه، ولا الحكم عليه بالحجر الأبدي، لأن هذا يصح، لوكانت الشريعة تقيد الإنسان في جميع حياته بأحكام جزئية تفصيلية. والشريعة ليست كذلك، فقد هجرت للعقل الإنساني مساحات واسعة يجول فيها ويصول. منها: شئون الدنيا الفنية، التي فسح له المجال فيها، ليبتكر ويبتدع ما شاء "أنتم أفهم بأمور دنياكم" رواه مسلم، ومنها: منطقة الفراغ من التشريع، والإلزام في شئون الحياة والمجتمع، التي يطلق عليها: "منطقة العفو"، أخذاً من الحديث النبوي: "ما أحل الله، فهوحلال، وما حرمه فهوحرام، وما سكت عنه، فهوعفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا، ثم تلا (وما كان ربك نسياً) (سورة مريم:64) الحديث.

ومثله حديث: "إن الله فرض فرائض، فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء، رحمة بكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها" رواه الدارقطني، وهومن أحاديث الأربعين النووية. ومنها: حتى ما ينص عليه، إنما يتناول ـ في الغالب ـ المبادئ والأحكام العامة، دون الدخول في التفصيلات الجزئية، إلا في قضايا معينة من شأنها الثبات، ومن الخير لها حتى تثبت، كما في قضايا الأسرة، التي فصل فيها القرآن تفصيلاً، حتى لا تعبث بها الأهواء، ولا تمزقها الخلافات، ولهذا نطق المحققون من الفهماء: إذا الشريعة تفصل فيما لا يتغير، وتجمل فيما يتغير، بل قد تسكت عنه تماماً.

عن حتى ما فصلت فيه الأديان، كثيراً ماقد يكون التفصيل فيه بنصوص قابلة لأكثر من تفسير، ومحتملة لأكثر من رأي، فليست بترية الدلالة، ومعظم النصوص كذلك، ظنية الدلالة، ظنية الثبوت، وهذا يعطي المجتهد ـفرداً أوجماعةـ فرصة الاختيار والانتقاء، أوالإبداع والإنشاء.

هذا إلى ما قرره الفهماء: حتى الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعهد والحال، وأن للضرورات أحكامها، وأن الأمر إذا ضاق اتسع، وأن المشقة تجلب التيسير، وأن الله يريد بعبادة اليسر، ولا يريد بهم العسر، وما جعل عليهم في الدين من حرج.

ولكل هذا يرون حتى الشريعة ليست أغلالاً في أعناق الناس، ولا قيوداً في أرجلهم، بل هي علامات هادية، ومنارات على الطريق، وقواعد للسير حتى لا يصطدم الناس بعضهم ببعض، فتمضى الأرواح والأموال. فيسألون لما نقبل قوانين الله الكونية، ولا نقبل قوانينه الشرعية؟! لما نقبل سنن الله في خلقه، ونرفض سننه في أمره، وهوفي كلا الحالين: العليم الذي لا يجهل، والحكيم الذي لا يعبث؟! بل يرون حتى من تمام حكمة الله تعالى وبره بعبادة ورحمته بهم، ألا يدعهم هملاً، ولا يهجرهم سدى، وأن يلزمهم بما فيه مصلحتهم، والرقي بأفرادهم وجماعاتهم.

فلكى تقدر الله الجليل حق قدره، ولا تعلى الإنسان فوق مرتبته، فتصور الإنسان مستغنياً عن هدى الله، ومنهج الله. نتزود بتوجيهات عامة ووصايا حكيمة، في معاملات الناس، كمثل الأب مع ابنه إذا وضع له بعض القواعد المستخلصة من تجارب السنين، ثم هجر له التصرف بعد ذلك، فهذا ما يقتضيه فضل الأبوة، الذي يجب حتى يقابل من الابن البار، بالاعتراف بالجميل.

ولهذا فالشرائع -في رأى المعارضين- أودع الله فيها عنصرى الثبات والخلود، وعنصر المرونة والتطور معاً، ففى تحديد مجالات الثبات والمرونة يقولون: إنه الثبات على الأهداف والغايات، والمرونة في الوسائل والأساليب. الثبات على الأصول والكليات، والمرونة في الفروع والجزئيات. الثبات على القيم الدينية والأخلاقية، والمرونة في الشئون الدنيوية والفهمية.

فالأحكام عندهم نوعان:

نوع: لا يتغير عن حالة واحدة مر عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم، ونحوذلك. فهذا لا يتطرق إليه تغيير، ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.

والنوع الثاني: ما يتميز بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكاناً وحالاً، كمقادير التعزيزات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها حسب المصلحة.

مراحل الفهمانية

مرّت الفهمانية الكاملة بثلاث مراحل أساسية:

فترة التحديث

اتسمت هذه الفترة بسيطرة الفكر النفعي على جوانب الحياة بصورة عامة، فلقد كانت الزيادة المطردة من الإنتاج هي الهدف النهائي من الوجود في الكون، ولذلك ظهرت الدولة القومية الفهمانية في الداخل والاستعمار الأوروبي في الخارج لضمان تحقيق هذه الزيادة الإنتاجية. واستندت هذه الفترة إلى رؤية فلسفية تؤمن بشكل مطلق بالمادية وتتبنى الفهم والتكنولوجيا المنفصلين عن القيمة، وانعكس ذلك على توليد نظريات أخلاقيّة ومادية تدعوبشكل ما لتنميط الحياة، وتآكل المؤسسات الوسيطة مثل الأسرة.

فترة الحداثة

هي فترة انتنطقية قصيرة استمرت فيها سيادة الفكر النفعي مع تزايد وتعمق آثاره على كافة أصعدة الحياة، فلقد قابلت الدولة القومية تحديات بظهور النزعات العرقية، وكذلك أصبحت حركيات السوق (الخالية من القيم) تهدد سيادة الدولة القومية، واستبدل الاستعمار العسكري بأشكال أخرى من الاستعمار السياسي والاقتصادي والثقافي، واتجه السلوك العام نحوالاستهلاكية الشرهة.

فترة ما بعد الحداثة

في هذه الفترة أصبح الاستهلاك هوالهدف النهائي من الوجود ومحركه الحرية واللهووالتملك، واتسعت معدلات العولمة لتتضخم مؤسسات الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية الدولية وتتحول القضايا العالمية من الاستعمار والتحرّر إلى قضايا المحافظة على البيئة والمساواة بين المرأة والرجل وبين الناس وحماية حقوق الإنسان ورعاية الحيوان وثورة المعلومات. من وجهة أخرى ضعفت في المجتمعات الصناعية المتقدمة مؤسسات اجتماعية صغيرة بطبعها مثل الأسرة، بسبب الأسهاب في مسالة المساوة بين الرجل والمرأة، وظهرت بجانبها اشكالا أخرى للمعيشة العائلية مثل زواج الرجال أوزواج النساء، وزاد عدد النساء التي يطلبن الطلاق فشاعت ظاهرة إمرأة وطفل أوامرأتان وأطفال، جميع ذلك مستنداً على خلفية من غياب الثوابت والمعايير الحاكمة لأخلاقيات المجتمع والتطور التكنولوجي الذي يتيح بدائل لم تكن موجودة من قبل.

الفهمانية في الدول

رغم أنبثاق مصطلح الفهمانية من رحم التجربة الغربية، إلا أنه انتقل إلى القاموس العربي الإسلامي، مثيراً بذلك جدلاً حول دلالاته وأبعاده. والواقع حتى الجدل حول مصطلح الفهمانية في ترجمته العربية يعد إفرازاً طبيعياً لاختلاف الفكر والممارسة العربية الإسلامية عن السائد في البيئة التي أنتجت هذا المفهوم، لكن ذلك لم يمنع المفكرين العرب من تقديم إسهاماتهم بشأن تعريف الفهمانية. تختلف إسهامات المفكرين العرب بشأن تعريف مصطلح الفهمانية، عملى سبيل المثال:

  • يرفض المفكر المغربي محمد عابد الجابري تعريف مصطلح الفهمانية باعتباره فقط فصل الكنيسة عن الدولة، لعدم ملاءمته للواقع العربي الإسلامي، ويرى استبداله بفكرة الديموقراطية "حفظ حقوق الأفراد والجماعات"، والعقلانية "الممارسة السياسية الرشيدة".
  • في حين يرى د. وحيد عبد المجيد الباحث المصري حتى الفهمانية (في الغرب) ليست فكرانية (أيديولوجية)(منهج عمل)، وإنما مجرد موقف جزئي يتعلق بالمجالات غير المرتبطة بالشؤون الدينية. ويميز د. وحيد بين "الفهمانية اللادينية" -التي تنفي الدين لصالح سلطان العقل- وبين "الفهمانية" التي نحت منحى وسيطاً، حيث فصلت بين مؤسسات الكنيسة ومؤسسات الدولة مع الحفاظ على حرية الكنائس والمؤسسات الدينية في ممارسة أنشطتها.
  • في المنتصف يجيء د. فؤاد زكريا -أستاذ الفلسفة- الذي يصف الفهمانية بأنها الدعوة إلى الفصل بين الدين والسياسة، ملتزماً الصمت إزاء مجالات الحياة الأخرى (مثل الأدب). وفي ذات الوقت يرفض سيطرة الفكر المادي النفعي، ويضع لقاء المادية "القيم الإنسانية والمعنوية"، حيث يعتبر حتى هناك محركات أخرى للإنسان غير الرؤية المادية.
  • ويقف د. مراد وهبة - أستاذ الفلسفة- وكذلك المحرر السوري هاشم صالح إلى جانب "الفهمانية الكاملة" التي يتحرر فيها الفرد من قيود المطلق والغيبيّ وتبقى الصورة العقلانية المطلقة لسلوك الفرد، مرتكزاً على الفهم والتجربة المادية.
  • ويتأرجح د. حسن حنفي-المفكّر البارز صاحب نظرية اليسار الإسلامي- بين الفهمانية الجزئية والفهمانية الكاملة ويرى حتى الفهمانية هي "فصل الكنيسة عن الدولة" كنتاج للتجربة التاريخية الغربية. ويعتبر د. حنفي الفهمانية -في مناسبات أخرى- رؤية كاملة للكون تغطي جميع مجالات الحياة وتزود الإنسان بمنظومة قيمية ومرجعية شاملة، مما يعطيها قابلية للتطبيق على مستوي العالم. من جانب آخر، يتحدث د.حسن حنفي عن الجوهر الفهماني للإسلام -الذي يراه ديناً فهمانياً للأسباب التالية:
  1. النموذج الإسلامي قائم على الفهمانية بمعنى غياب الكهنوت، أي بعبارة أخرى المؤسسات الدينية الوسيطة.
  2. الأحكام الشرعية الخمسة، الواجب والمندوب والمحرّم والمكروه والمباح، تعبّر عن مستويات العمل الإنساني الطبيعي، وتصف أفعال الإنسان الطبيعية.
  3. الفكر الإنساني الفهماني الذي حول بؤرة الوجود من الإله إلى الإنسان عثر متخفٍ في تراثنا القديم عقلاً خالصًا في علوم الحكمة، وتجربة ذوقية في علوم التصوف، وكسلوك عملي في فهم أصول الفقه.
  • يقول المفكر السوداني الخاتم عدلان الذي يعتبر من أبرز المنادين بالفهمانية في المنطقة العربية "إن الفهمانية تعني إدارة شؤون الحياة بعيداً عن أي كهنوت، كما ظهرت اتجاهات جديدة في تعريف الفهمانية مثل التي تنص على حتى الفهمانية هي استعداد الفرد والمجتمع للاستفادة من خلاصة المنتوج البشري في سبيل تحقيق رفاهيته".

انظر أيضا

  • دولة فهمانية
  • فهمانية (صفة)
  • تحريم (الكنيسة الرومانية الكاثوليكية)
  • إلحاد
  • لادينية
  • ليبرالية
  • فهم اجتماع الأديان
  • نظرية الاقتصاد الديني
  • رأي الأديان في الفهمانية الدينية
  • التنوير
  • شيوعية
  • فهم اجتماع الأديان

وصلات خارجية

  • Definition of Secularization at Garethjmsaunders.co.uk
  • Secularization Theory: The Course of a Concept

الهوامش

  1. ^ الفهمانية واللائكية والإسلام.. حملا للالتباس، الجزيرة نت
  2. ^ 1 الفهمانية، الجمعية العالمية لمترجمي العربية، 28 نيسان 2011.
  3. ^ الفهمانية (بالإنجليزية)، الموسوعة البريطانية، 28 نيسان 2011.
  4. ^ ابن رشد في لقاءة الظلامية والغيبيات، مجلة أوان، 28 نيسان 2011.
  5. ^ الكنيسة والفهم، جورج مينوا، دار الأهالي، دمشق 2005، ص.336
  6. ^ الكنيسة والفهم، مرجع سابق، ص.336-337
  7. ^ النزعات الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام، كارين آرمسترونغ، دار الحدثة، دمشق 2005، ص.39
  8. ^ النزعات الأصولية، مرجع سابق، ص.33
  9. ^ النزعات الأصولية، مرجع سابق، ص.90
  10. ^ النزعات الأصولية، مرجع سابق، ص.103
  11. ^ الفهمانية (بالإنجليزية)، الموسوعة الكاثوليكية، 28 نيسان 2011.
  12. ^ Feldman, Noah (2005). Divided by God. Farrar, Straus and Giroux, pg. 14 ("[Legal secularists] claim that separating religion from the public, governmental sphere is necessary to ensure full inclusion of all citizens.")
  13. ^ الدولة المدنية والدولة الفهمانية هل هناك فرق؟، اليوم السابع، 30 نيسان 2011.
  14. ^ المدارس الخاصة في فرنسا (بالإنجليزية)، مجلة جي-ستور، 30 نيسان 2011.
  15. ^ الدعم الجوي للحج في الهند (بالإنجليزية)، فاينينشال إكسبرس، 30 نيسان 2011.
  16. ^ للاطلاع على نصوص الدستور الأسترالي انظر دستور كومنولث أستراليا (بالإنجليزية)، مسقط البرلمان الأسترالي، 30 نيسان 2011.
  17. ^ http://www.britannica.com/EBchecked/topic/339173/liberalism

المصادر

  • Berger, Peter. The Sacred Canopy. (1967)
  • Berger, Peter. The Desecularization of the World. (2000)
  • Bruce, Steve. Religion in the Modern World: From Cathedrals to Cults
  • Bruce, Steve. God is Dead: Secularization in the West. (2002)
  • Casanova, Jose. Public Religions in the Modern World. (1994)
  • Chaves, M. Secularization As Declining Religious Authority. Social Forces 72(3):749-74. (1994)
  • Ellul, Jacques. The New Demons.
  • Gauchet, Marcel. The Disenchantment of the World. (1985/tr. 1997)
  • Martin, David. A General Theory of Secularization. New York: Harper & Row. (1979).
  • Sommerville, C. J. "Secular Society Religious Population: Our Tacit Rules for Using the Term Secularization. Journal for the Scientific Study of Religion 37 (2):249-53. (1998)
  • Said, E. Orientalism: Western Conceptions of the Orient. London: Penguin. (1978).
  • Skolnik, Jonathan and Peter Eli Gordon, eds., New German Critique 94 (2005)Special Issue on Secularization and Disenchantment
  • Stark, Rodney, Laurence R. Iannaccone, Monica Turci, and Marco Zecchi. How Much Has Europe Been Secularized? Inchiesta 32(136):99-112. (2002)
  • Taylor, Charles. A Secular Age. Harvard University Press. (2007)
  • Warrier, Maya. Processes of Secularisation in Contemporary India: Guru Faith in the Mata Amritanandamayi Mission, Modern Asian Studies (2003)
  • Abdelwahab Elmessiri, Dar Al-Shorok, "The Partial Secularization and The Complete Secularization", "الفهمانية الجزئية والفهمانية الكاملة"
تاريخ النشر: 2020-06-04 14:16:02
التصنيفات: مقالات ذات عبارات بحاجة لمصادر, علمانية, دراسات ثقافية, الانفصال عن الدين, فلسفة سياسية, الدين والسياسة, علم اجتماع الأديان

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

كأس العالم 2022.. إنجلترا تدك شباك السنغال بثنائية فى الشوط الأول

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:22:22
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 49%

إنجلترا ضد السنغال.. استمرار التعادل السلبى بعد مرور 30 دقيقة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:22:29
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 38%

أليو سيسيه يدفع بثلاثى هجومى أمام إنحلترا في دور ال١٦ 

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:22:05
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

زلزال شدته 4.2 درجة يهز سريلانكا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:22:38
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 38%

بدء فعاليات قافلة جامعة المنصورة جسور الخير 16 بمحافظة مطروح

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:22:02
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 56%

أغرب طريقة دفع إلكترونى.. تايوانى يبتكر وشم باركود على ساعده "فيديو"

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:22:24
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 35%

استشارى تخطيط عمرانى يكشف تفاصيل مشروع تطوير «حدائق تلال الفسطاط»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:21:47
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

مسرحيون مصريون يرسمون صورة باهية لمصر فى ملتقى مراكش للمبدعات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:21:53
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

النيابة تحقق فى واقعة التعدى على تمريض قويسنا وتستدعى مدير المستشفى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:22:37
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 44%

أخلاقنا الجميلة.. مواطن يعيد 300 ألف جنيه بعد تحويلها له بالخطأ (فيديو)

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:22:33
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 37%

إنجلترا ضد السنغال.. هيندرسون يسجل الأول للأسود الثلاثة فى الدقيقة 38

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:22:25
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 41%

شهب الجوزاء تمطر سماء مصر بـ120 شهابا فى الساعة.. 13 ديسمبر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-04 21:22:31
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 48%

تحميل تطبيق المنصة العربية