لويس ماسينيون

عودة للموسوعة

لويس ماسينيون

لويس ماسينيون Louis Massignon (و.25 يوليو1883 - 31 اكتوبر 1962) مستشرق فرنسي عشق الشرق ورأى في التصوف الإسلامي الذي تمثل له في «الحلاج» مناجاة إلهية موجودة في جميع المِلل والنِحل والأديان.

جذبني الشرق إليه بماضيه الحافل بالديانات، فإذا بي غارق فيه إلى قمة رأسي، وإذا بفلاسفة الإسلام ومتصوفوه يحظون جميعاً بالقسط الأكبر من تفكيري، وإذا بي بعد دراستي إياهم أنجذب نحوالمنبع الأول الذي استقى منه هؤلاء الفلاسفة تصوفهم وفلسفتهم.

— لويس ماسينيون

النشأة

ولد لويس ماسينيون في فرنسا عام 1883 وامتدت حياته حتى العام 1962. ولد في نوجان سور مارن Nogent-sur-Marne إحدى ضواحي باريس، وتُوفي في العاصمة. لم يسلك طريق والده النحّات؛ بل اختار الفلسفة والأدب وحصل على الإجازة عام 1902، ثم تقدم ببحث عن بلاد المغرب بعد زيارة لها، ونال دبلوم الدراسات العليا عام 1904. تابع دراسته للحصول على دبلوم اللغة العربية (الفصحى والعامية) من المدرسة الوطنية للغات الشرقية عام 1906. وتعلّم أيضاً الهجرية والفارسية والألمانية والإنكليزية. عُني بالآثار الإسلامية والتحق بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة. وفي عام 1907 كُلِّف - وهولم يتجاوز الخامسة والعشرين - بمهمة تنقيبية عن الآثار جنوبي بغداد ثم انفصل في بعثة آثارية تبحث عن قصر الأُخَيضِر جنوب كربلاء. وعلى أثر وشاية به سقط بيد السلطات العثمانية التي اتهمته بالجاسوسية والتآمر على السلطة، وهمّت بإعدامه لولا تدّخل العلاّمة محمود شكري الألوسي والقاضي علي نعمان الألوسي، اللذين توسطا له وكفلاه. عاد إلى القاهرة 1909 واستمع إلى دروس الأزهر بالزي الأزهري، وانتدبته الجامعة المصرية أستاذاً لتاريخ الفلسفة (1912- 1913)، وألقى بالعربية نحوأربعين محاضرة حول «التكوين التاريخي للاصطلاحات الفلسفية»، وكان طه حسين أحد تلامذته. وفي عام 1914 تزوج من ابنة خالته بعد حتى كاد يميل إلى الزهد وحياة التصوف.

كان ماسينيون ابن بيئته ومجتمعه، وكشفت بعض الوثائق عن أنه كان ماثلاً على مقربة من الأحداث السياسية التي صنعت اتفاقية سايكس- پيكو، كما أشارت إلى انخراطه في التبشير للانتداب الفرنسي، وقد كان الراعي الروحي للجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر، كما انخرط في سياسة بلده. ومن ثم تولى مناصب حسّاسة، وعُين مستشاراً في وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمالي إفريقيا. واستُخدم مترجماً تحت تصرف الخارجية الفرنسية ومساعداً للمندوب السامي الفرنسي في سورية وفلسطين من 27 مارس 1917 إلى 28 أبريل 1919. كذلك أراد جورج بيكوالاستفادة من خبرته في فهم اللغة العربية والديانة الإسلامية؛ فاتخذه مستشاراً علّه يساعده في مساعيه لإقناع المثقفين العرب بالفكرة الاستعمارية أوالكولونيالية. وكانت الخارجية الفرنسية تنتظر منه تزويدها بمعلومات عن الدول التي زارها وعن العالم الإسلامي. وخدم في الجيش الفرنسي خمس سنوات في أثناء الحرب العالمية الأولى. ثم حاول الخروج من فخ التآمرات السياسية، إذ آلمته خيانة بلفور؛ فخط لاحقاً في مقدمة تقويمه للعالم الإسلامي L’Annuaire du Monde Islamique: «نسينا التزامنا بحدثتنا للعرب ولم تعد تقودنا إلا المعدات» النشرة الصادرة عام (1955).


السياسة نختلط بالفكر

جعلته ارتباطاته السياسية موضع شبهة، لكن استقلالية شخصيته وتفكيره الفهمي واهتمامه ونشاطه الميداني وأعماله الأدبية الكثيرة التي أحيت كثيراً من التراث العربي والإسلامي وبتقدير كثيرين من الشرقيين واحترامهم، أظهرت تعاطفه مع العرب والمسلمين. وكان قد حصل عام 1922- بعد دراسة مستفيضة - على الدكتوراه برسالة عن «آلام الحلاج، شهيد الإسلام الصوفي» La passion d’al -Hallâj, martyr mystique de l’lslam، تبعها برسالة حول «المفردات التقنية للصوفية الإسلامية» Lexique technique de la mystique musulmane.

وقف ماسينيون ذكاءه ونشاطه الفكري في التنقيب في الإسلام، آثاراً ونظماً اجتماعية ولاسيما تصوفاً، ذلك التصوف الذي جعل منه متصوفاً يدرك جوهر الأديان ويدعوأصحابها إلى الوئام. وإن كان قد بقي ابن الكنيسة ووجد رجال الدين فيه مسيحية معاصرة فإنه أدان الثقافات الدينية التي تؤثر الحب البشري على الحب الإلهي، وبالتالي دافع ماسينيون عن الوحدانية في الإسلام ورفض الدخول في الصراعات الدينية التي «تقسم أولاد هاجر عن أولاد سارة» - كما نطق - وكان يرى في إبراهيم\ صورة موحدّة للمؤمنين. كما كان ماسينيون من أنصار المَسْكونية oecuménisme متطلعاً إلى تعايش سلمي يوحّد الطوائف ويتجاوز التناحر.

عندما عاد إلى باريس عُيِّن معيداً في كرسي فهم الاجتماع الإسلامي في المجمع الفرنسي «كوليج دي فرانس» Collège de France (1919- 1924)، ثم أستاذ كرسي (1926) ومديراً للمدرسة التطبيقية للدراسات العليا (العلوم الدينية) (1933) École pratique des Hautes Études-sciences religieuses حتى تقاعده عام 1954. كما تولى تحرير مجلة «العالم الإسلامي» (1919) ثم مجلة «الدراسات الإسلامية» التي حلّت محلها عام 1927، و«تقويم العالم الإسلامي» التابع لها.

أحدث ماسينيون ثورة في الفكر بعد حتى شكك في رسالة فرنسا وبريطانيا اللتين لم تفيا بوعودهما للعرب بالاستقلال، فبدأ يجاهد في سبيل الحق مقتدياً بغاندي في سياسة اللاعنف، ووسع تضامنه مع البشرية حتى أقاصي الأرض ولم يأبه بسخرية معاصريه من جراء زياراته للسجناء السياسيين ودفاعه عن المضطهدين، وجهاده من أجل السلام ونضاله في سبيل تحرير الجزائر ومنح المستعمرات استقلالها. وإن كان قد أُقحم في نهاية الحرب العالمية الأولى في الصفقات والمساومات الفرنسية والإنكليزية على الشرق الأوسط، عاد إلى القدس بعد الحرب العالمية الثانية متصدياً للصهيونية الإسرائيلية ولكل محاولة استعمارية - كما يقول نقاده - ولنصرة اللاجئين بالتعاون مع أصدقائه من الفلاسفة اليهود أمثال مارتين بوبر Martin Buber منادين بأخلاقية دولية تراعى فيها الحقوق والمقدسات وتدعوإلى مصالحة متساوية بين اليهودية والمسيحية والإسلام.

يبدوحتى ماسينيون كان صادقاً في حدثته سليماً في نواياه، فهوالذي أسس لجنة التفاهم الفرنسية بين المسيحية والإسلام ثم أصبح رئيساً للجنة العفوعن المحكومين في بلاد ما وراء البحار (1954) وعضواً في جمعية أصدقاء غاندي. وفُتحت له أبواب عدة ليكون عضواً في مجامع فهمية غربية وشرقية، يُذكر منها: الجمعية الآسيوية ومجمع اللغة العربية في القاهرة منذ إنشائه عام (1933) والمجمع الفهمي العربي في دمشق، كمامُنح أوسمة رفيعة. لم تخر قواه ولم يفقد عزيمته عند وفاة ابنه البكر عام 1935، وتابع اهتمامه بالعالم الإسلامي وحاول فهم أغوار العلاقة بين الغرب والشرق آملاً في تقارب بين ديانات التوحيد، كما أبرز ذلك في مجلة «الإله الحي» Dieu vivant التي أسهم في تأسيسها عام 1945. ووضع ماسينيون المسؤولية على المرأة في إحياء الإحساس بوجود الخالق «إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب»، وأبرز دورها في حديثه عن السيدة مريم وفاطمة الزهراء وجان دارك.

مؤلفاته

بلغت مؤلفات ماسينيون أكثر من مئتي كتاب ومنطقة، يُذكر منها: «عالم الإسلام» (1912-1913) و«الكنيسة الكاثوليكية والإسلام» (1915)، و«الإسلام والاتحاد السوڤييتي» (1917- 1927)، ومن منطقاته: «تاريخ العقائد الفلسفية العربية في جامعة القاهرة» (1912-1921) و«الدراسات الإسلامية في إسبانيا» (1918- 1936) و«أصول عقيدة الوهابية وفهرس بمصنفات مؤسسها» (1918- 1936)، و«أساليب تطبيق الفنون لدى شعوب الإسلام» (1921) صدرت كلها في مجلة «العالم الإسلامي». كما خط «حال الإسلام اليوم» مجلة «باريس» (1929) و«أثر الإسلام في تأسيس المصارف اليهودية وحركتها في العصر الوسيط» مجلة «الدراسات الشرقية» (1931). وفي مجلة «تاريخ فهم الأخلاق» خط «أسباب وأساليب الدعوة الإسـلامية بين شعوب إفـريقيا الوثنية» (1938) و«التصوف الإسلامي والتصوف المسيحي في العصر الوسيط» (1956). وتحدث عن مكانة الثقافة العربية في الحضارة العالمية مؤتمر اليونسكو- بيروت (1948) ونشر له المعهد الفرنسي بالقاهرة (1952) «فلسفة ابن سينا وألفباؤه الفلسفية».

كتابات عنه

وفي مقدمة الكتاب الذي نشر عن حياته في السنوات الماضية والذي قامت عليه نخبة من المفكرين بإشراف الباحث الفرنسي جاك بيرك نقرأ حتى ماسينيون كان يرى المقدس في صميم جميع إنسان وكل حياة وكان يعتقد حتى علاقة البشرية بالأعالي هي علاقة أساسية، وبالتالي فلا يمكنه حتى يتصور وجود مجتمع إلحادي أومادي بحت، ولهذا السبب فإن تطور المجتمعات الغربية أوقطاعات واسعة منها نحوالتصور التكنولوجي والصناعي والوضعي للكون كان يقلقه.

وفي قناعته بأن المقدس جزء أصيل من حياة جميع إنسان، مثّل ماسينيون جسراً حقيقياً من الفهم الواعي للإسلام والمسلمين، فانفتح بحب على العمق الروحي لهما وإن سبب له ذلك الكثير من المشاكل مع أبناء جلدته الذين ورثوا صورة سلبية جداً عن الإسلام والمسلمين. ويعقد الأب باولودالوليومقارنات بين ماسينيون المسيحي وماسينيون المسلم إذا جاز التعبير من خلال فهم مترابط ومتواز للمفاهيم الإسلامية الروحية الأساسية، وبين حياة ماسينيون المسيحية من خلال دراسته وتأمله في التصوف وفي شكل خاص من خلال هذا الترابط الروحي المدهش بين نفسه ونفس الحلاج. وبذلك أصبح ماسينيون رويداً رويداً يعيش مسيحيته انطلاقاً من المفاهيم الإسلامية والتعابير العربية. فمن الواضح مثلاً حتى الجهاد الأكبر (جهاد النفس) هومفهوم مواز للسعي في سبيل القداسة والتلمذة على السيد المسيح.

كما حتى دراسته عن مفهوم «الفتوة في الإسلام» توازي مفهوم «النذر» عند الصليبيين في سبيل استرداد القدس، والمطوعة أي سكان الرباط هم كالفرسان الصليبيين سواء بسواء، والمتصوف المسلم الملتزم بالجهاد الأكبر يرادف الراهب الذي يعيش النذور الإنجيلية، كما حتى هناك توازياً بين الحج الإسلامي إلى مكة المكرمة وبين الحج المسيحي إلى القدس، وبين مفهوم الإحرام هنا وهناك، فالمرجع والأصل هوإبراهيم الخليل بعلاقته بإسماعيل من جهة وإسحق والقدس من جهة أخرى، وإبراهيم هوأيضاً النموذج الأولي للمهاجر، وكل من يخرج من ذاته في سبيل اللقاء مع الله يعتبر مهاجراً. ومن خلال مفهوم الشهادة والاستشهاد. ناصر ماسينيون «دين المحنة» في شخصية الحلاج الذي خلق مكانته الفهمية من خلال رسالته لدرجة الدكتوراه التي أعدها عنه بصفته المتوصف الإسلامي الذي أعدمته السلطات المسلمة في بغداد عام 922م، وقد كان عملاً مهماً بالعمل إذ ظهرت فهم ماسينيون بالإسلام وآدابه والعالم الإسلامي في القرون الوسطى، عميقة وواسعة.

خطه عن الحلاج

أصبح انشغال ماسينيون بالحلاج وقدره مضفوراً بحياته الدينية الخاصة التي تثورت في شكل غريب إلى حد بعيد من خلال التجربة المكثفة التي مر بها بالقرب من بغداد عام 1908 عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر حيث مضى إلى بلاد ما بين النهرين ضمن بعثة أثرية، وأثناء هذه المهمة ألقت السلطات العثمانية القبض عليه للاشتباه به جاسوساً وأوفدته مخفوراً إلى بغداد بالقرب من مسقط «لسيمان بيك»، حيث تنتصب بقايا قصر ساساني دمره الفاتحون المسلمون في الماضي. أحس ماسينيون تحت وطأة الخطر المهلك أنه في حضور وحي ما، لقد هزّه الأمر حتى العمق وتحول من كاثوليكي ينقصه الإيمان إلى ورع كبير مؤمن متحمس، وصار هذا الشكل المكثف من الكاثوليكية وصوفية الحلاج غير قابل للتمييز في ما بعد.

لم يكن الحلاج مجرد شخصية تاريخية فقط بالنسبة الى ماسينيون، بل الشكل البدائي لأعمق تجربة يمكن حتى يتوق إليها البشر، حتى حتى الإسلام نفسه في شكل غير مرجح بما فيه الكفاية اندمج في ذهن ماسينيون مع الكاثوليكية الزاهدة التي خبرها بتشديدها على المعاناة وعلى الانعتاق عبر المعاناة. ويمكن القول إذا شخصية الحلاج، لا بل نظرة ماسينيون الى شخصية الحلاج هي التي تعطينا مفاتيح فهم تطور ماسينيون الروحي، ولا بد من ذكر تعبير الحلاج «أنا الحق» لفهم الرابط في تأمل ماسينيون بين التصوف الإسلامي وبين تبنيه آراء غاندي في ما يخص الجهاد في سبيل الحق satyagraha واللاعنف ahimsa ، والحلاج هوالصوفي الذي أراد حتى يعطي حياته الروحية وشهادته أبعاداً اجتماعية تخص الجماهير والدولة ولا تخص فقط نخبة من المختارين. كما لاحظ ماسينيون حتى هناك ترادفاً بين عفة الراهب في المسيحية وبين الامتناع عن العلاقة الجنسية أثناء الحج في الإسلام، فممارسة الخلوة في الإسلام تتطلب العفة وهذا ما نلاحظه عند الحلاج حيث عاش العفة التامة فترات طويلة من حياته. وعلى جميع حال، فإن عفة القلب شرط اللقاء بالله إذا كانت أسرارنا بكراً، وإننا نجد ماسينيون يتأمل في ذهاب الحلاج لخدمة رسالة الإسلام، إلى ما وراء حدود دار الإسلام وقلاع المرابطين، حيث عاش جهاده مرتين بالذهاب إلى الهند وأيضاً مرتين في جهاده بالحج. فالاستشهاد جهاد في سبيل الله يرادف تماماً أضحية الحج حيث ان الصلاة وقت الحرب ركعتان وصلاة وقفة عهدات ركعتان، كما حتى صلاة العاشق «ركعتان لا يصح وضوءهما إلا بالدم» على حد ما نطق الحلاج وهومصلوب، وبعهدات تتحقق المساواة بين الرجل والمرأة، كما حتى الجهاد الأكبر واحد للاثنين.

والحج أيضاً هوجهاد النساء اللواتي يمارسن الجهاد أيضاً في خدمة الفقراء وحماية اليتامى والضيوف والغرباء، فمن الواضح تماماً حتى الحلاج بتقدمة نفسه يريد حتى يؤدي الحج والجهاد معاً، فهما أثناء الجلد يصرخ بعد 400 جلدة فتحت القسطنطينية ثم يتوضأ بدم ذراعيه قبل الصلب، فعرق الأبطال هوالدم والشهيد لا يحتاج الى الغسل بعد موته، إذ هوطاهر قد تطهر بدمه، والحلاج شهيد في الجهاد. وفي كتابه عن الحلاج برهن ماسينيون على وجود النعمة الإلهية في الإسلام. وبالنسبة اليه، فإن الله كان يعني المحبة، أي العلاقة والهبة والتواصل مع الآخرين والتعاطف مع آلامهم ومصائبهم. ففي ما وراء العقائد والايديولوجيات المتنوعة تظل هناك علاقة أساسية تجمع بين جميع البشر، هي علاقة التواصل والتعاطف من خلال الحقيقة المطلقة التي تتجاوزنا جميعاً.

وقد وُجد شبه كبير بين فكر ماسينيون وأطروحات المصلح الكبير مهاتما غاندي.

يقول ماسينيون إذا من يعتبر غاندي مخترعاً منهج الكفاح الاجتماعي والإنساني هومخطئ، فهذا ليس منهجاً بل هوموقف روحي صوفي، قبل حتى يأتي إلى ساحة السياسة. ويضيف ماسينيون أنه عثر في غاندي أجوبة لتساؤلاته حول دور النخبة الروحية في المجتمع وحول إمكانية خرق دائرة انغلاقهم، إذ رأى في موقفه الموقف القادر على حمل الجماهير إلى مستوى النضج الروحي الواعي، فلم يستخدم الجماهير في سبيل قضية ما، بل خدمها في دعوتها العظيمة في سبيل الحق. ومن هذا المنطلق، فإن ماسينيون على خطى غاندي كان يقترح على العالم نظاماً اجتماعياً ودولياً جديداً. ولكن أي نظام،يا ترى؟ إنه ليس ذلك النظام الذي ترغب قوى المال والرأسمالية حتى تفرضه علينا اليوم بالقوة ولا ذلك النظام الذي تحاول قوى التزمت والتطرف حتى تفرضه علينا بالقوة أيضاً، وإنما هوذلك النظام الذي يعترف بتعددية الثقافات والحضارات وبإمكان التعايش في ما بينها من خلال التواصل الروحي والإنساني العميق.

والمؤكد حتى قراءة الصلاة الأخيرة للحلاج كما أوردها ماسينيون تقودنا إلى فهم عمق أعماق الرجل والذي عمل بصبر لتحقيق أمنيته في الانتماء إلى سلسلة البدائل متشوقاً إلى الاستشهاد في الصحراء مثل شارل دي فوكومعيداً للمسلمين ما تجاوز حتى قدموه له حين تجاوز وأخلي سبيله، ورعته عائلة مسلمة في بغداد ليصبح من الرجال الذين تستمر شفاعتهم عبر الأجيال ويشكلون تلك السلسلة من النفوس البطولية أوكما يدعوهم اصدقاء الله وهم ذاتهم «شركة القديسين» كما في المسيحية وأن هذه السلسلة هي العمود الفقري للتاريخ البشري. إلى غير ذلك يتضح حتى الحلاج بصفته أحد البدائل قد قبل ظلم مجتمعه وطلب الاستشهاد وصلب مرفوضاً ومنبوذاً ومهمشاً... لكن عبر العصور رويداً رويداً تقبله الوعي الأخلاقي للعالم الإسلامي وها هويقوم بعمله في حياة الناس بعد قرون طويلة كما في حياة ماسينيون نفسه.

ومهما يكن من أمر، فإن ماسينيون حمل راية عالية عنوانها الوحدانية في الله وانجذاب القلوب الخاشعة المؤمنة له من جميع الأمم والشعوب والقبائل، ذلك حتى تلك الراية مصدرها، وهي ترتاح فيه، هي دعوة الى التوفيق لا الى التفريق كان ماسينيون راعيها ومجسّرها ومفجر ثورة فكرية عهدتها فرنسا بصورة خاصة في انفتاحه على العالم الشرقي والإسلامي بنوع خاص.

يقول جان موريون Morillon في مؤلفه عن ماسينيون: «لايمكن فهم كتابات ماسينيون وأعماله، وكذلك الأمر بالنسبة لغاندي، ما لم نسلّم بما يلي: هناك نظام أخلاقي لا ندرك قيمته لأنه خارج عن إرادة الفرد ومصلحته، كما حتى هناك عدالة كامنة في الذات لا تخضع للأهواء وللأنانية البشرية. ومن أجل هذه الحقيقة كرّست نخبة من النفوس حياتها وبالتالي بقيت أسماؤها حاضرةً في ذاكرة العصور».


انظر ايضاً

  • مراسلات ماسينيون وكلوديل

المصادر

  1. ^ حنان المالكي. "ماسينيون (لوي أولويس ـ)". الموسوعة العربية.
  2. ^ إميل أمين (2008-11-08). "لويس ماسينيون رجل الفهم العميقة والتديّن الواسع". جريدة الحياة. Retrieved 2008-11-09.

المراجع

  • Jean Morillon: Massignon. Classiques du XXième Siècle, Editions Universitaires, Paris, 1964.
  • Seyyed Hossein Nasr: In commemoration of Louis Massignon: Catholic, Scholar, Islamist and Mystic. University of Boston, November 18, 1983 in: Présence de Louis Massignon-Hommages et témoinages Maisonneuve et Larose ed. Paris 1987
  • Mary Louise Gude: Louis Massignon - The Crucible of Compassion. University of Notre Dame Press, Notre Dame, Indiana, 1996.
  • Missionary of Africa Father Maurice Borrmans: "Aspects Théologiques de la Pensée de Louis Massignon sur l'Islam". in: Louis Massignon et le dialogue des cultures. Paris 1996: Cerf
  • Website by Jean Moncelon dedicated to Louis Massignon
  • Elie Kedourie on Massignon
  • Georges Anawati. "Louis Massignon et le dialogue islamo-chrétien." in: Louis Massignon et le dialogue des cultures. Paris 1996: Cerf.

وصلات خارجية

  • A French biography
  • The Gnostic Cultus of Fatima in Shiite Islam
تاريخ النشر: 2020-06-04 14:24:20
التصنيفات: صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, مواليد 1883, وفيات 1962, طاقم تدريس كلية فرنسا, French Roman Catholic priests, 20th century Roman Catholic priests, Melkite Greek Catholics, باحثون إسلاميون, باحثون فرنسيون, خريجو ليسيه لوي-لو-گران, أشخاص من ڤال-دى-مارن, Our Lady of La Salette, فرنسيو القرن 20, مستشرقون فرنسيون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

طهران تعيد سجن ناشطة حقوقية ألمانية إيرانية 

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:17:38
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 93%

سوناك يدعو الدول الزراعية الغنية لتحرير مخزون الحبوب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:16:39
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 87%

إريتريا تفرج عن 11 طفلاً يمنياً اختطفتهم من عرض البحر

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:17:42
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 88%

حزب العدل يشارك في جلسة نقاشية عن دور المجتمع المدني في قضايا المناخ

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:18:46
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

الجزائر..استقبال وفد من صندوق النقد الدولي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:16:43
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 85%

اللهم افتح لنا فتحًا مبينًا.. دعاء الفجر اليوم الإثنين 14 نوفمبر 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:20:31
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 56%

وزير الدفاع البريطاني: انسحاب روسيا من خيرسون لا يعني استسلامها

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:16:42
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 100%

أحمد بيومى: ملف الطاقة حظى باهتمام بالغ فى «كوب27»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:20:35
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 70%

إعلان حالة التأهب الجوي في سبع مناطق بأوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:16:44
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 87%

السودان.. إعلان الطوارئ في وسط دارفور إثر اشتباكات قبلية دامية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:17:08
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 97%

مونديال قطر.. المسح الأمني لتأمين الملاعب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:16:50
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 85%

الكونغو الديمقراطية: مسيرات سلمية السبت المقبل دعمًا للقوات المسلحة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:20:33
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 50%

بعمليات تعذيب وحشية.. وفاة مختطف وأسير في سجون الحوثيين  

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:17:41
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 90%

واشنطن بوست: جمهوريون يخططون لمستقبل بدون ترامب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:20:32
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 67%

مواعيد الصلاة اليوم الإثنين 14 نوفمبر 2022 فى محافظات مصر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:20:32
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 60%

الأمن التركي ينشر صور واضحة للمشتبه بتنفيذها هجوم اسطنبول

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:16:43
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 99%

إعلان حالة التأهب الجوى فى 7 مناطق بأوكرانيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:20:34
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

صرف 18 شهرا بحد أدنى 6000 جنيه لألفين عامل بإحدى الشركات في أسوان

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 03:18:45
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

تحميل تطبيق المنصة العربية