عبد الله بن الزبير

عودة للموسوعة

عبد الله بن الزبير

عبد الله بن الزبير
الاسم المحلي عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد
وُلـِد مايو624
المدينة المنورة، الجزيرة العربية
توفي نوفمبر 692
مكة
سبب الوفاة
في المعركة
الخصوم يزيد بن معاوية؛ عبد الملك بن مروان
الوالدان الزبير بن العوام؛ أسماء بنت أبي بكر

عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي (2 هـ - 73هـ)، صحابي جليل وابن الصحابي الزبير بن العوام، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وكنيته أبوبكر وأبوخبيب. استخلفه الخليفة عثمان بن عفان على داره فكان يقاتل الجند الذين دخلوا يقتلون عثمان حتى أصيب، وهوخليفة من خلفاء المسلمين ولي الخلافة بعد يزيد بن معاوية تسع سنين حتى قُتل في الحرم المكي سنة 73 هـ. وآلت إلى ذريته بعد ذلك سقاية زمزم نيابة عن خلفاء بني العباس واستمرت فيهم إلى اليوم ولم تقم لهم بعد ذلك دولة كغيرهم من البيوت القرشية - الأمويين والعباسيين والعلويين.

شهد اليرموك مع أبيه، وشهد فتح إفريقيا مع عبد الله بن أبي سرح، أيام الخليفة عثمان عام 26هـ، وتقدم ابن الزبير إلى قفصة في تونس، وكانت الامبراطورية البيزنطية قد مدت نفوذها من طرابلس إلى طنجة، ويحكمها الملك جُرجير نائباً عن الامبراطور، وتمكن ابن الزبير من حسم المعركة لصالح المسلمين بعد حتى اغتال ملكهم جُرجير، وحمل البشرى بالفتح إلى الخليفة عثمان في المدينة، وهولم يتجاوز السابعة والعشرين.

دافع عبد الله بن الزبير مع الحسن والحسين عن الخليفة عثمان، عندما حوصر يوم الفتنة الكبرى، وشهد معركة الجمل مع أبيه حاملاً الراية في 23 جمادى الآخرة سنة 36هـ، مقاتلاً علي بن أبي طالب. وفي أثناء مسيرتهم من المدينة الى البصرة اختلف الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله على إمامة الجيش في الصلاة، فحسمت السيدة عائشة أم المؤمنين الخلاف بأن سمت لهذه المهمة ابن أختها عبد الله بن الزبير، وقد آلت إليه قيادة الجيش بعد مقتلهما.

كان عبد الله قارئاً للقرآن متتبعاً لسنة رسول الله، روى عن الرسول ثلاثة وثلاثين حديثاً، وهوأحد العبادلة الأربعة التقاة: عبد الله ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود.

نسبه

هوعبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

أمه هي أسماء بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمروبن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

جدته لأبيه هي صفية بنت عبد المطلب عمة النبي محمد بن عبد الله.

خالته هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي محمد بن عبد الله.


 
 
 
 
 
 
 
 
عبد مناف
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
عبد شمس
 
 
 
 
 
 
 
 
هاشم بن عبد مناف
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
أمية
 
 
 
 
 
 
 
 
عبد المطلب بن هاشم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
Abu'l-As
 
 
 
 
حرب
 
عبد الله
 
أبوطالب
 
العباس (عباسيون)
 
صفية بنت عبد المطلب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
عفان
 
الحكم
 
أبوسفيان
 
محمد
 
علي بن أبي طالب
 
عبد الله بن العباس
 
الزبير بن العوام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
عثمان بن عفان
 
مروان بن الحكم
 
معاوية بن أبي سفيان
 
 
 
الحسن بن علي
 
الحسين بن علي
 
 
 
عبد الله بن الزبير
وهوأيضاً حفيد أبوبكر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
يزيد بن معاوية
 
 


زوجاته وذريته

تزوج عبد الله بن الزبير:

  1. تماضر بنت منظور بن زبان بن سيار الفزارية الغطفانية، وولدت له: خبيب وهوأكبر ولده، حمزة، عباد وثابت.
  2. أم هاشم زُجْلَة بنت منظور بن زبان بن سيار الفزارية الغطفانية، وولدت له: هاشم، قيس وعروة.
  3. حنتمة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية القرشية، وولدت له: عامر، موسى، أم حكيم، فاطمة وفاختة.
  4. ريطة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية القرشية، وولدت له: أبوبكر.
  5. عائشة بنت عثمان بن عفان بن أبي العاص الأموية القرشية، وولدت له: بكر ورقية.
  6. نفيسة أم الحسن بنت الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية، وولدت له: بكر.
  7. أم ولد، وولدت له: عبد الله.

ولادته

حملت به أمه في مكة وهاجرت وهي حامل متم فلما وصلت إلى قباء ولدته وذلك في شهر شوال سنة الهجرة وقيل في السنة الثانية من الهجرة وهوأول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة في المدينة. وكان المهاجرون بقوا فترة لا يولد لهم مولود حتى نطقوا: "سحرتنا يهود"، فلما ولد كبر المسلمون تكبيرة واحدة ارتجت منها المدينة وفرحوا بمولده. فحملته أمه في خرقة إلى رسول الله محمد فحنكه بتمرة وبارك عليه وسماه عبد الله باسم جده أبي بكر وأمر أبا بكر حتى يؤذن في أذنيه. وكانت خالته أم المؤمنين عائشة تكنى به فينطق لها: أم عبد الله وحدث الناس النبي في غلمان من المهاجرين والأنصار ترعروا فنطقوا له: "لوبايعتهم فتصيبهم برَكَتك، ويكون لهم ذكر" فأتوا بالغلمان منهم عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير وعمروبن أبي سلمة فتكعكعوا ثم اقتحم عبد الله بن الزبير أولهم فتبسم النبي ونطق: « إذا ابن أبيه».

صفاته

كان شديد الشبه بجده أبي بكر الصديق، وكان أطلس لا لحية ولاشعر له في وجهه. وكان أحد شجعان الصحابة شهما ذكرا شرسا ذا أنفة، وكانت له لَسانة وفصاحة. نطق علي بن زيد:‏ "كان عبد الله بن الزِّبير كثير الصّلاة، كثير الصِّيام، شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات.

ونطق عبد الواحد بن أيمن: رأيت على ابن الزبير رداءً عدنيًا وهويصلي فيه يوم الجمعة يخرج فيه، وكانت لحيته صفراء، وكان إذا خطب صَيّتا يجاوب الجبلين، وكانت له جُمّة إلى العنق، وكان يَفْرُق. ونطق عروة بن الزبير: كان لعائشة كِسَاء خَزّ تَلْبَسه، فكسته عبد الله بن الزبير. ونطق هشام بن عروة: رأيت على عبد الله بن الزبير كساء خَزّ. ونطق عبد الله بن قيس العبدي: رأيت عبد الله بن الزبير يطوف بالبيت وعليه مُمَصّرتان. ونطق رِشْدِين: رأيت عبد الله بن الزبير يعتم بعمامة سوداء خَرقانِية، ويرخيها شِبْرًا أوأقلّ من شبر.

شربه دم النبي

أتى عبد الله إلى النبيّ وهويحتجم، فلما فرغ النبي نطق: « يا عبد الله، ذاهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد». فَلَمَّا برز عن رسول الله عمد إلى الدم فشربه، فلما عاد نطق له النبي: « يا عبد الله، ما صنعت بالدم» فنطق: "جعلته في أخفى مكان فهمت أنه يَخْفَى عن الناس". نطق: « من الممكن أنك شربته!» فنطق: "نعم". فنطق النبي: « ولم شربت الدم،يا ترى؟ ويل للناس منك! وويل لك من الناس». فكانوا يرون حتى القوة التي به من ذلك الدم.

جهاده

شهد معركة اليرموك مع أبيه، وشهد فتح إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح وقتل ملكها جرجير، وكان البَشِير بالفتح إلى عثمان.


قتاله في حصار عثمان بن عفان

كان عبد الله بن الزبير يقول على منبر مكة: "والله لقد استخلفني أمير المؤمنين عثمان على الدار، فلقد كنت أنا الذي أُقَاتِلُ بِهِم، ولقد كنت أخرج في الكتيبة فأباشر القتال بنفسي، فجرحت بضعة عشر جرحًا، فإني لأضع اليوم يدي على بعض تلك الجراحة التي جُرحتُ مع عثمان رحمه الله، فأرجوحتىقد يكون خير أعمالي". وكان عثمان قد أمر عبد الله بن الزبير حتى يصلي بأهل داره ما كان محصورًا، وكان يصلي بهم في صحن الدار.

قتاله في معركة الجمل

كان عبد الله بن الزبير قد شهد يوم الجمل مع أبيه الزبير بن العوام وخالته عائشة، وكان لا يأخذ بِخِطام الجمل أحد إلا قُتِل، فاتى عبد الله بن الزبير بخطامه، فنطقت عائشة: "من أنت؟" نطق: "عبد الله بن الزبير". فنطقت: "وَاثُكْلَ أسماء!" فأقبل الأشتر فعهدني وعهدته ثم اعتنقني واعتنقته فقلت: اقتلوني ومالكا. ونطق الأشتر: اقتلوني وعبد الله، ولوقلت: الأشتر لقتلنا جميعًا.

وخرج رجل من أصحاب علي بن أبي طالب فنطق: يا معشر شباب قريش أكفونا أنفسكم، فإن لم تعملوا فإني أحذركم رجلين؛ أما أحدهما فجندب بن زهير الأزدي، وسأصفه لكم هورجل طويل، طويل الرمح يحتزم على درعه حتى يقلّص عن ساقيه، وأما الآخر: فالأشتر مالك بن الحارث، وسأصفه لكم هورجل طويل، طويل الرمح يسحب درعه سحبًا يَخُبّ عند النِّزال. نطق ابن الزبير: "فبينا أنا أقاتل إذ أقبل جندب فعهدته بصفته فأردت حتى أحيد عنه، فقلت: والله ما حدت عن قِرْن قَط فانتهى إليّ فطعنني في وَجْهِ حَدِيد كان عَليَّ فزلق الرمح، فنطق: أولى لك، قد عهدتك، لولا خالتك لقتلتك، ثم دُفِع إلى عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فطعنه فأذراه كالنّخْلَة السحوق معْتصِبًا بِبُردَة حِبَرَة. ثم قاتلت ساعة فإذا أنا بمالك قد أقبل فعهدته بصفته فأردت حتى أحيد عنه فقلت: والله ما حدت عن قِرْن قط، فدفع إلي فتطاعنّا برمحينا حتى كأنهما قضيبان، ثم اضطربنا بسيفينا حتى كأنهما مِخْراقان، ثم احتملني فضرب بي الأرض ونطق: لولا خالتك ما شربتَ الماء البارد". وأصيب عبد الله بن الزبير يوم الجمل، فلما كان عند غروب الشمس قيل له: الصلاة. فنطق: أما الصلاة فإني لا أستطيعها ولكن أكبر.

عبادته

قسم عبد اللّه بن الزبير الدهر على ثلاث ليال: فليلة هوقائم حتى الصباح، وليلة هوراكع حتى الصباح، وليلة هوساجد حتى الصباح. ونطق مسلم بن يناق: "ركع ابن الزبير يومًا ركعة، فقرأت البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، وما حمل رأسه". ونطق عمروبن دينار: "ما رأيت مصلِّيًا أحسن صلاةً من ابْنِ الزّبير". ونطق مجاهد: "كان ابنُ الزبير إذا قام للصلاة كأنه عَمُود وهوالخشوع في الصلاة" ونطق أيضا: "ما كان بابٌ من العبادة إلا تكلفّه ابن الزُّبَيْر ولقد اتى سَيْل بالبيت، فرأيت ابْنَ الزبير يطوف سِبَاحَة". ونطق ابن أبي مليكة: "كان ابن الزبير يواصل سبعة أَيام، ثم يصبح اليوم الثامن وهوإلينا". ونطق ميمون بن مهران: "رأيت بن الزبير واصل من الجمعة إلى الجمعة".

ونطق عنه هشام بن عروة: "أقام بمكة تسع سنين، يهل بالحج لهلال ذي الحجة". ونطق ميمون بن مهران، "شهدت الموسم مع عبد الله بن الزبير، عملّم الناسَ مناسكهم، ثم نطق: إذا انصرفتم إذا شاء الله إلى أهليكم، فاذكروا الله وكبروه عند هبوط وصعود. ونطق محمد بن المرتفع، نطق"سمعت ابن الزبير يقول: يا معشر الحاج، سلوني عملينا كان التنزيل، ونحن حضرنا التأويل، فنطق له رجل من أهل العراق: دَخَلَتْ في جرابي فأرة أيحل لي قتلها وأنا محرم،يا ترى؟ نطق: اقتل الفُوَيْسِقَة. نطق: أبلغنا بالشفع والوتر، والليالي العشر،يا ترى؟ نطق: العشر: الثمان وعهدة والنحر، والشفع: من تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه وهواليوم". ونطق محمد بن المنكدر القرشي: "رأيت ابن الزبير يأتي الجِمَار ماشيا". ونطق أبوبشر، "حدثني من رأى ابن الزبير صائما يوم عهدة". ونطق زيد بن جبير الجشمي أنه رأى عبد الله بن الزبير يطوف بالبيت وعليه بُرطُلّة. ونطق عروة بن عبد الله بن قُشَير: "مارأيت إنسانًا أسرع مشيًا حول البيت من ابن الزبير وكان يؤمنا عند المقام، فإذا فرغ من المكتوبة صلى تحت الميزاب قائما ما يحرك منه شيء". ونطق ثابت البُناني: "كنا نمرّ به خلف المقام يصلي كأنه شيء منصوب موضوع". ونطق موسى بن أبي عائشة: "كان ابن الزبير يصفُّ قدميه في الصلاة". ونطق إبراهيم بن مرزوق أبوإسماعيل الثقفي مولى الحجاج بن يوسف: "حدثنا أبي وكان خادمًا لعبد الله بن الزبير نطق: كان عبد الله بن الزبير إذا سمع أذان المغرب، قام فصلى ركعتين بين الأذان والإقامة، فإذا انصرف من الصلاة انصرف عن يمينه". ونطق عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، أنه كان إذا سمع الرعد هجر الحديث، ونطق: سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ويقول: "إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد". ونطق عمروبن دينار: "كان ابن الزبير إذا صلى يرسل يديه". ونطق عطاء بن أبي رباح: "صليت مع ابن الزبير المغرب فسلم في ركعتين، ثم قام إلى الركن ليمسحه فسبح القوم، فرجع فصلى بهم الركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، فأتيت ابن عباس من فوري فأبلغته، فنطق: لله أبوك، فكيف خلق فأبلغته. فنطق: ما ماط عن سنة نبيه". ونطق عمروبن دينار: "صلى بنا ابن الزبير في جمعة، ويوم فطر، فخطبنا في ظل الحِجر بعدما ارتفع النهار، وأخر الصلاة بعض التأخير، فجئت إلى الجمعة فلم يخرج إلينا إلى صلاة العصر". ونطق عبد الله بن الزبير: "والله ما كنت أُمَكّن من التمر كما أريد، وما هي إلا قبضة تقبض لي من أول النهار وقبضة من آخر النهار". ونطق ونطق أبونوفل بن أبي عقرب الكناني: "دخلت على عبد الله بن الزبير صبيحة خامسة من العشر الأواخر من رمضان وهويواصل". ونطق عمار ابن أبي عمار: " عبد الله بن الزبير كان يواصل سبعة أيام، فإذا كانت ليلة السابعة، نادى بإناء من سمن فشربه، ثم أتي بثريدة في صحْفة عليها عَرْقَان، ويؤتي الناس بالجفان فتوضع بين أيديهم فيقول: يا أيها الناس هذا من خالص مالي وهذا من بيت مالكم". وروى ميمون حتى ابن الزبير كان يواصل الصيام من الجمعة إلى الجمعة، فإذا أفطر، استغاث بالسمن يحسوه يُلَيّن أمعاءه. ونطق هشام بن حسان: "كان عبد الله بن الزبير يصوم عشرة أيام لا يفطر فيها، فكان إذا ولج رمضان، أكل أكلة في نصف الشهر. وروى هشام بن عروة، حتى عمه ابن الزبير كان يغتسل جميع ليلة مرة وكل يوم مرة. ونطق عبد الله بن عبيد بن عمير الكناني : "كان ابن الزبير إذا كان في أهله جنازة، كان كأنه قائم على رِجْل حتى يخرجها". ونطق محمد: ولج ابن عمر على امرأة ابن الزبير فنطقت: إنما بي أنك ترى أنه يقاتل على الدنيا نطق: هوفي نفسي ولوشاء الله لم يجعله. .


روايته للحديث

روى عنه أخوه عروة؛ وابناه: عامر، وعباد؛ وابن أخيه محمدٍ بن عروة؛ وأبوذُبيان خليفة بن كعب، وعبيدة بن عمروالسماني، وعطاء، وطاوس، وعمروبن دينار، ووهب بن كَيْسان، وابن أبي مُليكة، وسماك بن حرب، وأبوالزبير، وثابت البُنَاني وآخرون؛ وحَفِظ عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وهوصغير، وحدّث عنه بجملةٍ من الحديث، وعن أبيه، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وخالته عائشة، وسفيان بن أبي زهير وغيرهم.

خلافه مع يزيد بن معاوية

بقي ابن الزبير مقيمًا بالمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان حتى توفي معاوية، فبعث يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهويومئذ والي المدينة ينْعي معاوية، ويأمره حتى يبايع مَنْ قِبَلَه من الناس، فاتىه الرسول ليلًا فأوفد إلى ابن الزبير فنادىه إلى البيعة فنطق: حتى نُصبح، ثم هجره. وخرج وهويقول: "هويزيد الذي نعهد، والله ما أحدث خيرًا ولا مروءة"، وخرج من ليلته إلى مكة، فلم يزل مقيمًا بها حتى خرج الحسين بن علي منها إلى العراق، ولزم ابن الزبير الحِجْر ولبس المُعَافِري وجعل يُحرِّض الناس على بني أمية، وبلغ يزيد ذلك، فوجد عليه. فنطق ابن الزبير: "أنا على السمع والطاعة لا أبدل ولا أغير"، وسار إلى يحيى بن حكيم الجمحي القرشي وهووالي مكة، فبايعه له على الخلافة. فخط بذلك يحيى إلى يزيد فنطق: "لا أقبل هذا منه حتى يؤتى به في جَامِعَة". فنطق له ابنه معاوية بن يزيد: "يا أمير المؤمنين ادفع الشر عنك ما اندفع، فإن ابن الزبير رجل لَحِز لجوج، ولا يطيع بهذا أبدا، وإن تُكَفّر عن يمينك وتلْهى منه حتى تنظر ما يصير إليه أمره أفضل"، فغضب يزيد ونطق: إذا في أمرك لعجب. نطق: فادع عبد الله بن جعفر فسله عَمّا أقول وتقول، فدعى عبد الله بن جعفر فذكر له قولهما، فنطق عبد الله: "أصاب أبوليلى ووفِّقَ"، فأبى يزيد حتى يقبل ذلك، وعزل الوليد بن عتبة عن المدينة، وولاها عمروبن سعيد بن العاص، وأوفد إليه: "إنّ أمير المؤمنين يقسم بالله لا يقبل من ابن الزبير شيئا حتى يؤتى به في جامعَةٍ"، فعرضوا ذلك على ابن الزبير فأبى، فبعث يزيدُ الحصيَن بن نمير الكندي وعبد الله بن عضاه الأشعري بجامِعَة إلى ابن الزبير يقسم له بالله لا يقبل منه إلا حتى يؤتى به فيها، فَمرّا بالمدينة، فبعث إليه مروان بن الحكم معهما عبد العزيز بن مروان، يحدثه في ذلك ويهون عليه الأمر. فقدموا عليه مكة فأبلغوه يمين يزيد بن معاوية ورسالته، ونطق له عبد العزيز بن مروان: "إن أبي أوفدني إليه عناية بأمرك وحفظًا لحرمتك، فأبْرِر يمينَ أمير المؤمنين، فإنما تجعل عليك جامِعَة فضةٍ أومضىٍ وتلبس عليها بُرْنُسا فلا تبدوإلا حتى يُسْمع صَوْتها". فخط ابن الزبير إلى مروان يجزيه خيرًا ويقول: "قد عهدت عنايتك ورأيك، فأما هذا فإني لا أعمله أبدًا، فليكفِّر يزيد عن يمينه أويدع". ونطق ابن الزبير: "اللهم إني عائذ ببيتك الحرام، وقد عرضت عليهم السمع والطاعة فأبوا إلا حتى يُخلّوا بي ويستحلوا مني ما حرّمتَ". فمِنْ يومئذ سمي العائذ، وأقام بمكة لا يعرض لأحد، ولا يعرض له أحد، فخط يزيد بن معاوية إلى عمروبن سعيد حتى يوجّه إليه جندًا، فسأل عمروبن سعيد: "مَنْ أعدى لناس لعبد الله بن الزبير؟" فقيل: أخوه عمروبن الزبير، فولاه شُرَطَهُ بالمدينة فضرب ناسًا كثيرًا من قريش والأنصار بالسياط، ونطق: "هؤلاء شيعة عبد الله بن الزبير"، وَفَرّ منه قوم كثير في نواحي المدينة.

ثم وجه يزيد عمروبن الزبير إلى عبد الله بن الزبير في جيش من أهل الشام ألف رجل، وأَمَرَهُ بقتاله. فمضى عمروبن الزبير حتى قدم مكة فنزل بذي طُوَى، وأتى الناسُ عَمْرَوبن الزبير يُسَلّمون عليه، ونطق: "جئت لأن يعْطِي عبد الله الطاعة ليزيد ويبِرّ قسمه، فإن أبى قاتلته". فنطق له جبير بن شيبة: "كان غيرك أولى بهذا منك، تسير إلى حرم الله وأمْنه، وإلى أخيك في سِنّه وفَضْله، تجعله في جامِعَةٍ؟! ما أرى الناس يَدَعُونك وما تريد". نطق: "أرى حتى أقاتل من حال دون ما خرجتُ له". ثم أقبل عمرو، فنزل داره عند الصفا، وجعل يرسل إلى أخيه، ويرسل إليه أخوه، فما قدم له، وكان عمرويخرج فيصلي بالناس ـ وعسكره بذي طوى ـ وابن الزبير معه يُشَبِّك أصابعه في أصابعه، ويحدثه في الطاعة، ويلين له الكلام، فنطق عبد الله بن الزبير: "ما بَعْدَ هذا شيء، إني لسامع مطيع، أنت عامل يزيد وأنا أصلي خلفك، ما عندي خلاف، فأما حتى تجعل في عنقي جامِعَة، ثم أقاد إلى الشام، فإني نظرت في ذلك فرأيته لا يحل لي حتى أحل بنفسي، فراجع صاحبك واخط إليه"، نطق: "لا والله ما أقدر على ذلك". فهيّأ عبد الله بن صفوان قومًا كان مُعَدِّين مع عبد الله بن الزبير من أهل السَّراة وغيرهم، فعقد لهم لواءً، وخرج عبد الله بن صفوان من أسفل مكة من اللِّيْط فلم يشعر أُنَيْس بن عمروالأسلمي وهوعلى عسكر عمروبن الزبير، إلا بالقوم، فصاح بأصحابه وهم قريب على عُدّة فتصافّوا، فقتل أنيس بن عمروفي المعركة، ووجّه عبد الله بن الزبير مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي في جمع إلى عمروبن الزبير، فَلَقوه فتفرق أصحابه عنه وانهزم عسكره من ذي طوى، واتى عُبَيدة بن الزبير إلى عمروبن الزبير فنطق: "أنا أُجيرك من عبد الله"، فاتى به إلى عبد الله أسيرًا والدم يقطر على قدميه، فنطق: ما هذا الدم، فنطق:

لَسْنا على الأعْقَابِ تَدْمَى كُلُومنا ولكن عَلَى أقدمنا يَقْطُرُ الدَّمُ

فنطق: "تحدث، أي عدوالله، المستحل لحرمة الله"، فنطق عبيدة: "إني قد أجرته فلا تخْفر جِوَاري"، فنطق: "أنا أجير جوارك لهذا الظالم الذي عمل ما عمل؟! فأما حقُّ الناس فإني أقتص لهم منه". فضربه بكل سوط ضرب به أحدًا من الذين بالمدينة وغيرهم، إلا محمد بن المنذر بن الزبير فإنه أبى حتى يقتص، وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام فإنه أبى أيضا. وأمر به فحبس في حبس زيد عارم. وكان زيد عارم، مع عمروبن الزبير فأخذه فحبسه مع عمروبن الزبير، فسمي ذلك الحبس سجن عارم، وبنى لزيد عارم ذراعين في ذراعين، وأدخله، وأطبق عليه بالجص والآجرِّ. ونطق عبد الله بن الزبير: "من كان يطلب عَمْروبن الزبير بشيء فليأتنا نقصّه منه"، فجعل الرجل يأتي فيقول: نتف أشفاري، فيقول: انتف أشفاره، وجعل يقول الآخر: نَتَفَ حَلَمَتِي، فيقول: انتف حَلَمَتَهُ، وجعل الرجل يأتي فيقول: لَهَزني فيقول: الْهَزْه، وجعل الرجل يجيء فيقول: نتف لحيتي فيقول: انتف لحيته. وكان يقيمه جميع يوم، ويدعوالناس إلى القصاص منه سَنَة، فقام مصعب بن عبد الرحمن بن عوف فنطق: "جلدني مائة جلدة بالسياط، وليس بوالٍ، ولم آت قبيحًا، ولم أركب منكرًا، ولم أخلع يدًا من طاعة"، فأمر بِعَمْرٍوحتى يقام، وَدَفَع إلى مصعب سوطًا، ونطق له عبد الله بن الزبير: اضرب. فجلده مصعب مائة جلدة بيده،فنغل جسد عَمرٍوفمات، فأمر به عبد الله فصلب.

ونحّى عبد الله بن الزبير، الحارث بن خالد القرشي عن الصلاة بمكة، وكان عاملًا ليزيد بن معاوية عليها وأمر مصعب بن عبد الرحمن حتى يصلي بالناس، فكان يصلي بهم، وكان لا يبتر أمرًا دون المِسْور بن مَخْرَمة القرشي، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي، وجبير بن شيبة القرشي، وعبد الله بن صفوان بن أمية القرشي، يشاورهم في أمره كله، ويريهم حتى الأمر شورى بينهم لا يستبدُّ بشيء منه دونهم، ويصلي بهم الصلوات والجمع ويحج بهم، وكانت الخوارج قد أتته، وأهل الأهواء كلهم، ونطقوا: عائذ الله، وكان شعاره، لا حكم إلا لله، فلم يزل على ذلك بمكة، وحج بالناس عشر سنين وِلَاءً، أولها سنة 62 هـ، وآخرها سنة 71 هـ. ونطق البريد الذي اتى برأس المختار بن أبي عبيد الثقفي إلى عبد الله بن الزبير: لما وضعْتُه بين يديه نطق: "ما حدثني كعب بشيء أصبته في سلطاني، إلا قد رأيته غير هذا، فإنه حدثني أنه يقتلني رجل من ثقيف فأراني الذي قتلته". وكان مصعب بن الزبير هوالذي اغتال المختار وبعث برأسه إلى عبد الله بن الزبير، وَتَخَلّف على العراق وَوَجّه إلى خراسان. ولما بلغ يزيدَ بن معاوية وثوبُ أهل المدينة وإخراجهم عامله وأهل بيته عنها، وجّه إليهم مسلم بن عقبة المري، وهويومئذ ابن بضع وتسعين سنة، كانت به النّوْطة، فوجهه في جيش كثيف، فحدثه عبد الله بن جعفر في أهل المدينة، ونطق: إنما تقتل بهم نفسك. فنطق: "أجل أقتل بهم نفسي، وأشفي نفسي، ولك عندي واحدة، آمر مسلم بن عقبة حتى يتخذ المدينة طريقا، فإن هم هجروه، ولم يعرضوا له، ولم ينصبوا الحرب، هجرهم، ومضى إلى ابن الزبير فقاتله، وإن هم منعوه حتى يدخلها ونصبوا له الحرب، بدأ بهم، فناجزهم القتال، فإن ظفر بهم اغتال من أشرف له، وأنهبها ثلاثًا ثم مضى إلى عبد الله بن الزبير". فرأى عبد الله بن جعفر، في هذا فرج كبير، وخط بذلك إليهم، وأمرهم حتى لا يعرضوا لجيشه إذا مَرّ بهم، حتى يمضي عنهم إلى حيث أرادوا، وأمر يزيدُ مسلمَ بن عقبةَ بذلك، ونطق: "إن وقع بك حدث، فحُصَين بن نمير على الناس"، فورد مسلم بن عقبة المدينة، فمنعوه حتى يدخلها، ونصبوا له الحرب، ونالوا من يزيد، فأسقط بهم وأنهبها ثلاثا. ثم خرج يريد ابن الزبير، ونطق: "اللهم إنه لم يكن قوم أحب إليّ حتى أقاتلهم من قوم خلعوا أمير المؤمنين، ونصبوا لنا الحرب، اللهم فكما أقررت عيني من أهل المدينة، فأبقني حتى تقر عيني من ابن الزبير"، ومضى فلما كان بالمشلل هبط به الموت، فنادى حصين بن نمير فنطق له: "يابرذعة الحمار، لولا عهد أمير المؤمنين إليّ فيك ما عهدت إليك، اسمع عهدي، لا تمكن قريشًا من أذنك، ولا تزدهم على ثلاث؛ الوقاف، ثم الثقاف، ثم الانصراف". وأفهم الناسَ حتى الحصين واليهم، ومات مكانه. فدفن على ظهر المشلل لسبع ليالٍ بقين من المحرم سنة أربع وستين. ومضى حصين بن نمير الكندي في أصحابه حتى قدم مكة فنزل بالحجون إلى بئر ميمون وعسكر هناك. فحاصر ابن الزبير قبل سلخ المحرم بأربع ليال وصفرَ وشهر ربيع الأول، فكان الحصر أربعة وستين يومًا، يتقاتلون فيها أشد القتال، ونصب الحصين المنجنيق على ابن الزبير وأصحابه ورمى الكعبة، وقتل من الفريقين بشر كثير، وأصاب المسور بن مخرمة القرشي فلْقة من حجر المنجنيق فمات ليلة اتى نَعِيُّ يزيد بن معاوية، أول شهر ربيع الآخر سنة 64 هـ.

خلافته

حدث حصين بن نمير الكندي ومن معه من أهل الشام عبد الله بن الزبير حتى يدعهم يطوفوا بالبيت وينصرفوا عنه، فشاور في ذلك أصحابه ثم أذن لهم فطافوا، وحدث ابن الزبير الحصين ونطق له: "قد توفي يزيد وأنا أحق الناس بهذا الأمر، لأن عثمان عهد إليّ في ذلك عهدًا، صلى به خلفي طلحة والزبير، وَعَرَفته أم المؤمنين، فبايِعْني، وادخل فيما ولج فيه الناس معي، يكن لك مالهم، وعليك ما عليهم". نطق له الحصين بن نمير: "إني والله يا أبا بكر لا أتقرب إليك بغير ما في نفسي، أَقْدُم الشام فإن وجدتهم مجتمعين لك أطعْتُكَ، وقاتلتُ من عصاك، وإن وجدتهم مجتمعين على غيرك أطعته وقاتلتك ولكن سر أنت معي إلى الشام أملّكُك رقاب العرب". فنطق ابن الزبير: "أوأبعث رسولًا". فنطق الحصين: "تَبًّا لك سائر اليوم، إذا رسولك لاقد يكون مثلك". وافترقا وأمِنَ الناسُ ووضعت الحرب أوزارها، وأقام أهل الشام أياما يبتاعون حوائجهم، ويتجهزون، ثم انصرفوا راجعين إلى الشام. فنادى ابن الزبير من يومئذ إلى نفسه، فبايع الناس له على الخلافة، وسُمي أمير المؤمنين، وذلك سنة 64 هـ وهجر الشعار الذي كان عليه، ويدعى به، عائذ الله، ولا حكم إلا لله، وفارقته الخوارج وهجروه. وبابع له أهل تهامة والحجاز. وولّى العمال، فولّى المدينة: مصعب بن الزبير بن العوام القرشي فبايع له الناس، وبعث الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة القرشي إلى البصرة فبايعوه، وبعث عبد الله بن مطيع القرشي إلى الكوفة فبايعوه، وبعث عبد الرحمن بن عتبة بن جَحْدَم الفهري القرشي إلى مصر أميرًا فبايعوه، وبعث واليه إلى اليمن فبايعوه، وبعث واليه إلى خراسان فبايعوه، وبعث الضحاك بن قيس الفهري القرشي إلى الشام واليًا فبايع له عامة أهل الشام، واستوسقت له البلاد كلها، ما خلا طائفة من أهل الشام، كان بها مروان بن الحكم وأهل بيته.

ثم والىأهل الشام مروان بن الحكم، فسار إلى الضحاك بن قيس الفهري وهوفي طاعة ابن الزبير يدعوله، فلقيه في معركة مرج راهط، فقتله وفَضّ جمعه. ثم عاد فوجه حُبَيش بن دَلَجة القيني القضاعي في ستة آلاف وأربعمائة إلى ابن الزبير، فسار حتى هبط بالجرف في عسكره، ودخل المدينة فنزل في دار مروان واستخدم على سوق المدينة رجلًا من قومه يدعى مالكا، أخاف أهل المدينة خوفًا شديدًا وآذاهم، وجعل يخطبهم فيشتمهم ويتوعدهم وينسبهم إلى الشقاق والنفاق والغش لأمير المؤمنين فخط عبد الله بن الزبير إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة واليه على البصرة، حتى يوجه إلى المدينة جيشًا، فبعث الحنتف بن السجف التميمي في ثلاثة آلاف. فخرجوا معهم ألف وخمسمائة فرس وبغال وحمولة، وبلغ الخبر حبيش بن دلجة، فنطق: نخرج من المدينة فنلقاهم، فإنا لا نأمن أهل المدينة حتى يعينوهم علينا، فخرج وخَلّف على المدينة ثعلبة الشامي. فالتقوا بالرّبذة عند الظُّهْر، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فقُتل حبيش بن دلجة، وقتل من أصحابه خمسمائة، وأسر منهم خمسمائة، وانهزم الباقون، ففرح أهل المدينة بذلك، وقُدم بالأسارى فحبسوا في قصر خَلّ، فوجه إليهم عبد الله بن الزبير مصعب بن الزبير فضرب أعناقهم جميعًا.

فلما بويع عبد الملك بن مروان، بعث عروة بن أنيف في ستة آلاف إلى المدينة، وأمرهم حتى لا ينزلوا على أحدٍ، ولا يدخلوا المدينة إلا لحاجة لابدّ منها، وأن يعسكروا بالعرصة، فنزل عروة بجيشه العرصة، وهرب الحارث بن حاطب القرشي عامل ابن الزبير على المدينة فكان عروة ينزل فيصلي بالناس الجمعة، ثم يرجع إلى معسكره، فلم يبعث إليهم ابن الزبير أحدًا ولم يلقوا قتالًا، فخط إليهم عبد الملك، حتى يقبلوا إلى الشام فعملوا، ولم يتخلف منهم أحد، ورجع الحارث بن حاطب إلى المدينة عاملًا لابن الزبير، ثم بعث عبد الملك ابن مروان، عبد الملك بن الحارث بن الحكم في أربعة آلاف إلى المدينة فما دونها، يَلْقون جموع ابن الزبير ومن أشرف لهم من عُمّاله. وكان سليمان بن خالد بن أبي خالد الزرقي عابدًا له فضل، فولاه ابن الزبير خيبر وفدك، فخرج فنزل في عمله، فبعث عبدُ الملك بنُ الحارث، أبا القمقام في خمسمائة إلى سليمان بن خالد، فقتله، وقتل من كان معه، فلما انتهى خبره إلى عبد الملك بن مروان أغاظه وكره قتله. ووجه عبد الملك بن مروان طارق بن عمروفي ستة آلاف وأمره حتىقد يكون فيما بين أيلة ووادي القرى مددًا لمن يحتاج إليه من عمال عبد الملك بن مروان أومن كان يريد قتلاه من أصحاب ابن الزبير، وكان أبوبكر بن أبي قيس في طاعة ابن الزبير قد ولاه جابر بن الأسود خيبر، فقصد له طارق فقتله في ستمائة من أصحابه، وهرب من بقي منهم في جميع وجه، فخط الحارث بن حاطب إلى عبد الله بن الزبير حتى عبد الملك بن مروان بعث طارق بن عمروفي جمع كثير، فَهُمْ فيما بين أيلة إلى ذي خُشُب، يَجُدّوا في أموال الناس ويقتطعونها ويظلمونهم، فلوبعثت إلى المدينة رابطة لَا تُدْخَل. فخط ابن الزبير إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، حتى يوجه إلى المدينة ألفين، ويستعمل عليهم رجلًا فاضلًا، فوجه إليهم ابن روّاس في ألفين، فقدموا المدينة فمنعوها من جيوش أهل الشام، وكانوا قومًا لا بأس بهم. وكانت المدينة مَرّة في يد ابن الزبير، ومرّة في يد عبد الملك بن مروان، وكانت أكثر ذلك تكون في يد ابن الزبير. فلما بلغ ابن الزبير مقتَلُ أبي بكر بن أبي قيس، خط إلى ابن روّاس حتى يخرج في أصحابه إلى طارق بن عمرو، فشق ذلك على أهل المدينة، وخرج ابن روّاس وبلغ ذلك طارقًا فندب أصحابه، ثم التقوا بشبكة الدوم على تعبية، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ثم كانت الدولة لطارقٍ وأصحابه، فقُتل ابن روّاس وأصحابه قتلًا ذريعًا، ونجا رجل منهم، فقدم المدينة فأبلغ بمقتل ابن رواس وأصحابه، فسيئ بذلك أهل المدينة، ثم خرج ذلك الرجل إلى عبد الله بن الزبير، فأبلغه الخبر، ورجع طارق إلى وادي القرى، وخط ابن الزبير إلى واليه بالمدينة حتى يفرض لألفين من أهل المدينةقد يكونوا رِدْءًا للمدينة ممن يدهمها، ففرض الفرض ولم يأت المال، فبطل ذلك الفرض وسُمّي فرض الريح.

يعتبر بعض المورخين من أهل السنة كابن كثير وابن الاثير والطبري حتى خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير شرعية باعتبار حتى معظم الأمصار الإسلامية خضعت له ولذلك يذكر اسمه مع الخلفاء.

بناؤه الكعبة كما كانت في عهد إبراهيم

كان الحصين بن نمير الكندي محاصرا مكة فلما توفي يزيد بن معاوية ارتحل عنها، فأمر عبد الله بن الزبير بهدم الخِصَاص التي كانت حول الكعبة وكنس مافيها من الحجارة والدماء، فبدت الكعبة مُتَوَهِّنَةً فيها أمثال جيوب النساء من حجارة المنجنيق وقد أسودّ واحترق الركن، فشاور عبد الله بن الزبير الناس أياما في هدمها وبنائها فلما عزم غدا عليها يوم السبت من منتصف شهر جمادى الآخرة سنة 64 هـ، فهدمها حتى وضعها كلها بالأرض، ثم حفر الأساس فوُجِدَ واصلًا بالحِجْر مُشَبِّكًا، فنادى خمسين رجلًا من قريش، وأشهدهم على ذلك، وجعل الحَجَر عنده في تابوت في سَرقة من حرير، ثم بنى البيت وأدخل الحِجر فيه، وجعل للكعبة بابين موضوعين بالأرض، باب يُدخل منه، وباب يُخرج منه بإزائَه من خلفه، ونطق: "إن عائشة حدثتني حتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم نطق لها: « إذا أراد قومك يبنون البيت على ما كان على عهد إبراهيم فليعملوا ذلك». فأرتني عائشة الذي أراها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكان عندي مذروعًا حتى وَليْت هذا الأمر، فلم أعْدُ به ما نطق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فرأى الناس يومئذ أنه قد أصاب. وبنى البيت حتى بلغ موضع الركن الأسود فوضعه، وكان الذي وضعه حمزة بن عبد الله بن الزبير، وشده بالفضة لأنه كان انصدع، ثم ردّ الكعبة على بنائها، وزاد في طولها فجعله سبعًا وعشرين ذراعًا، وخلّق جوفها، ولطّخ جدرَها بالمسك حتى فرغ منها من خارج، وسترها بالديباج، وهوأول من كساها الديباج. فلما فرغ من بناء الكعبة اعتمر من خيمة جُمانة عند مسجد عائشة ماشيًا معه رجال من قريش كابن صفوان وعبيد بن عمير الكناني وغيرهما.

قتله المختار بن أبي عبيد الثقفي

قدم أبوعبيد الثقفي من الطائف ــ وكان رجلًا صالحًا ــ وندب عمر بن الخطاب الناسَ إلى أرض العراق، فخرج أبوعبيد إليها فقُتل وبقي ولده بالمدينة، وكان المختار يومئذ غلامًا يُعهد بالانقطاع إلى بني هاشم، ثم خرج في آخر خلافة معاوية أوأول خلافة يزيد إلى البصرة، فأقام بها يُظهر ذكر الحسين بن عليّ، فأُخبِر بذلك عبيد الله بن زياد، فأخذه فجلده مائة جلدة ودرّعه عباءة، وبعث به إلى الطائف. فلم يزل بها حتى قام عبد الله بن الزبير ونادى إلى ما نادى إليه، فقدم عليه، فأقام معه من أشد الناس قتالًا وأحسنه نِيّة ومناصحة فيما يرون، وكان يختلف إلى محمد بن الحنفية، ويسمعون منه كلامًا ينكرونه، فلما توفي يزيد، ومات المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن، استأذن المختار ابن الزبير في الخروج إلى العراق، فأذن له، وهولا يشك في مناصحته وهومصرٌّ على الغش له، فخط ابن الزبير إلى عبد الله بن مطيع، وهوعامله على الكوفة، يذكر له حالة عنده ويوصيه به، فكان يختلف إلى ابن مطيع، ويظهر مناصحة ابن الزبير ويعيبه في السر، ويذكر محمد بن الحنفية فيمدحه، ويصف حاله ويدعوإليه وحرّض الناسَ على ابن مطيع واتخذ شيعة يركبُ في جماعةٍ وخيلٍ، فعدت خيله على خيل ابن مطيع فأصابوهم، وخافه ابن مطيع فهرب، فلم يطلبه المختار، ونطق: أنا على طاعة ابن الزبير، فلأي شيء خرج ابن مطيع؟. وخط إلى ابن الزبير يقع بابن مطيع ويجبّنه، ويقول: رأيته مداهنًا لبني أمية فلم يسعني حتى أقره على ذلك، لما حملت في عنقي من بيعتك، فخرج من الكوفة وأنا ومَنْ قِبَلِي على طاعتك. فقبل منه ابن الزبير وصدّقه، وأقره واليا على الناس. فلما اطمأن ورأى حتى ابن الزبير قد قبل منه، سار إلى منزل عمر بن سعد بن أبي وقاص فقتله في داره، وقتل ابنه حفصًا أسوأ قِتْلة، وجعل يتتبع قتلة الحسين من الديوان الذين خرجوا إليه، فيقتل جميع من قدر عليه، وتغيّب جميع من خالفه من أهل الكوفة، ثم بعث مسالحه إلى السواد، والمدائن، وعمال الخراج، فجبيت إليه الأموال. فبعث إليه عبد الملك بن مروان، عبيد الله بن زياد، في ستين ألفًا من أهل الشام، فأخذ على الموصل، فبعث المختارُ، إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفًا من أصحابه، لقتال عبيد الله بن زياد، فلقيه بأرض الموصل، على نهر يدعى الخازِر فتراشقوا بالنبل ساعة، وتشاولوا بالرماح، ثم صاروا إلى السيوف، فاقتتلوا أشد القتال، إلى حتى مضى ثلث الليل، وقُتل أهل الشام تحت جميع حجر، وهرب من هرب منهم، وقتل عبيد الله بن زياد، والحصينُ بن نمير في المعركة، وبعث بالرءوس إلى المختار، فبعث برأس عبيد الله بن زياد، وبرأس الحصين بن نمير وستة نفر من رؤسائهم مع خلّاد بن السائب الخزرجَي، فقدم بها المدينة يومًا إلى الليل، ثم خرج بها إلى ابن الزبير، فنَصَبها على ثنية الحجون. وجعل ابن الزبير يسأل خلاد بن السائب عن التقائهم وقتالهم، فيخبره، فنطق: فكيف رأيت مناصحة المختار،يا ترى؟ فنطق: رأيتُه على ما يحبُّ أميرُ المؤمنين، يدعوله على منبره، ويذكر طاعَتَك ومُفَارَقَةَ بني مروان. ورجع المختار ومن معه إلى الكوفة، وخط إلى ابن الزبير يخدعه ويُخبره أنه إنما يقوم بأمره، ويسكّنه حتى يمكنه ما يريد. فأبصر ابن الزبير أمره، وحدثه فيه عروة بن الزبير، وعبد الله بن صفوان، وغيرهما وأفهموه غِشّه وسوء ممضىه، وأنه ليس له بصاحب، نطق: فمن أُوَلِّي،يا ترى؟ أحتاج إلى رجل جَلْد مجزئ مِقْدَام، فنطق له مُصعب بن الزبير: لا تولِّ أحدًا أقومَ بأمرك مِنِّي، نطق: فقد وليتك العراق، فَسِرْ إلى الكوفة، نطق: ليس هذا برأي، أَقْدمُ على رجل قد عَرَفْتَه، إنما هواه ورأيه في غيرنا، وإنما يستتر بنا، وقد اجتمع معه من الشيعة بَشَر كثير، ولكني أقدم البصرةَ وأهلها سامعون مطيعون، ثم أزحف إليه بالجنود إذا شاء الله، فنطق ابن الزبير: هذا الرأي. فسار مصعب إلى البصرة واليًا عليها، وبلغ المختارَ، فعهد أنه الشر والسيف، فخط إلى ابن الزبير يشتمه ويعيبه ويقول: إنه لا طاعة لك على أحد ممن قِبَلي، فأجْلِب بخيْلك وَرَجِلِكِ، وخَطَب المختار الناس بالكوفة، وأظهر عيْب ابن الزبير، وخلعه، ونادى إلى الرضَا من آل محمد صَلَّى الله عليه وسلم، وذكر محمد بن الحنفية فقرّظه وسماه المهدي، وخط ابن الزبير إلى مُصعب يأمره بالمسير إلى المختار في أهل البصرة، فأمر مصعب بالتهيؤ ثم عسكر، واستخدم على مَيْمَنَته الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى مَيْسَرته عبد الله بن مطيع، واستخلف علي البصرة عبيد الله بن عمر بن عبيد الله بن مَغْمر. وبلغ المختارَ مَسِيرُ مصعب بالجنود، فبعث إليه أحمر بن شميط البجلي، وأمره حتى يواقعهم بالمَذار، فبيّتهم أصحاب مصعب فقتلوا ذلك الجيش، فلم يفلت منهم إلا الشريد، وقتل تلك الليلة عبيد الله بن علي بن أبي طالب، وكان في عسكر مصعب مع أخواله بني نهشل بن دارم، وخرج المختار في عشرين ألفًا حتى وقف بإزائهم، وهم فيما بين الجسر إلى نهر البصريين، وزحف مصعب ومَن معه فوافوهم مع الليل، ولم يكن بينهم حرب، فأوفد المختار إلى أصحابه حين أمسى، حتى لا يبرحن أحدٌ منكم موقفه حتى تسمعوا مناديًا ينادي: يا محمد، فإذا سمعتم، فاحملوا على القوم، واقتلوا مَن لم تسمعوه ينادي يا محمد، ثم أمهل، حتى إذا حلّق القمر واتسق أمر مناديًا فنادى: يا محمد. ثم حملوا على مصعب وأصحابه فهزموهم، ودخلوا عسكرهم، فلم يزالوا يقاتلونهم حتى أصبحوا، وأصبح المختار وليس عنده أحد له ذكر غير عشرة فوارس، وإذا أصحابه قد وَغَلوا جميعًا في أصحاب مصعب، فانصرف المختار منهزمًا فأغذّ السير حتى أتى الكوفة، فدخل القصر ورجع أصحاب المختار حين أصبحوا حتى وقفوا موقفهم فلم يروا المختار، ونطقوا: قد قُتل. فهرب منهم مَن أطاق الهرب، واختفى الباقون، وتوجه منهم ثمانية آلاف إلى الكوفة، فوجدوا المختار في القصر فدخلوا معه. وأقبل مصعب حتى خَنْدَق على سُدّة القصر والمسجد، وحصرهم أشدّ الحصار، فخرج المختار يومًا على بغلة شَهْباء، فقاتَلَهم في الزّيّاتين، فقتلوه، وطلب أهل القصر الأمان من مصعب فأمنهم، وفيهم سبعمائة من العرب وسائرهم من الموالي والعجم، فأراد اغتال هؤلاء، وتَرْك العرب فقيل له: ما هذا بدين، ذنبهم واحد، تقتل العجم وتهجر العرب، فقدمهم جميعا فَضَرَبَ أعناقهم صَبْرا، وبعثَ برأس المختار إلى عبد الله بن الزبير مع رجل من الشرط، فقدم الرسول فانتهى إلى ابن الزبير وهوفي المسجد الحرام قد صلى عشاء الآخرة، ثم قام يتنفل، نطق: فوالله ما التفت إليه ولا انصرف حتى أسحر فأوتر، ثم جلس، فدنا الرسول فدفع إليه الكتاب، فقرأه، ثم دفعه إلى غلام له، فنطق الرسول: يا أمير المؤمنين هذا الرأس معي، فنطق: ألقه فألقاه على باب المسجد. ثم أتاه فنطق: جائزتي نطق: خذ الرأس الذي جئتَ به.

مقتل مصعب بن الزبير

كان ابن الزبير يخط إلى مصعب في عبد الملك: لا تغفله واغزه قبل حتى يغزوك، فإنك في عين المال والرجال. ففرض مصعب الفروض، وأخذ في التهيئة للخروج، وقسم أموالًا وأخرج العطاء، وبلغ ذلك عبد الملك، فجمع جنوده، وسار بنفسه يؤم العراق لقتال مصعب، ونطق لروح بن زنباع وهويتجهز: والله إنّ في أمر هذه الدنيا لعجب لقد رأيتني ومصعب بن الزبير أفقده الليلة الواحدة من الموضع الذي نجتمع فيه فكأني والِهٌ، ويفقدني فيعمل مثل ذلك، ولقد كنت أُوتَى باللّطَف، فما أراه يجوز لي حتى آكله حتى أبعث به إليه أوببعضه، وكان يعمل مثل ذلك، ثم صرنا إلى السيف! ولكن هذا الملك عقيم. فلما أجمع مصعب الخروج من الكوفة يريد عبد الملك خرج وقد اصطف له الناس بالكوفة صفين، وقد اعْتَمَّ عِمَّتَه القَفْدَاء، وهومقبل على مَعْرَفة دابته، ثم نظر في وجوه القوم يمينًا وشمالًا، فسقطت عينه على عروة بن المغيرة بن شعبة، فنطق: يا عروة.،يا ترى؟ نطق: لبيك. نطق: ادنُ. فدنا، فسار معه، فنطق: أبلغني عن الحسين بن علي كيف من الممكن أن خلق حيث نُزِلَ به،يا ترى؟ نطق: فأنشأت أُحدّثه عن صَبره وإبائه ما عُرض عليه، وكراهته حتى يدخل في طاعة عبيد الله بن زياد حتى قُتل. نطق: فضرب بسوطه على مَعْرَفة برذونه، ثم تمثل:

إِنَّ الأُلَي بالطَّف من آلِ هاشمٍ تأسَّوْا فسَنّوا للكِرَام التأَسِّيَا

نطق: فعهدت والله أنه لن يَفِرّ وأنه سيصبر حتى يقتل. ثم سار عبد الملك، وسار مصعب، حتى الْتَقيا بمن معهما بَمسْكِن، فنطق عبد الملك: ويلكم ما أصبهان هذه،يا ترى؟ قيل: سُرّة العراق. نطق: فقد والله خط إليّ أكثر من ثلاثين رجلًا من أشراف أهل العراق، وكلهم يقولون: إذا خِسْتُ بمصعبٍ فلي أصبهان،يا ترى؟ نطق: فخطت إليهم جميعًا: أَنْ نعم. فلما التقوا، نطق مصعب لربيعة: تقدموا للقتال. فنطقوا: هذه مخروءة بين أيدينا. فنطق: ما تأتون أنتن من المخروءة وقد كانت ربيعة مجمعة على خذلانه، فأظهرت ذلك، فخذله الناس ولم يتقدم أحد يقاتل دونه. فلما رأى مصعب ما خلق الناس وخذلانهم إياه، نطق: المرء ميت على جميع حال، فوالله لئن يموت كريمًا أحسن به من حتى يَضْرَع إلى مَنْ قَد وتَرَه، لا أستعين بربيعة أبدًا ولا بأحدٍ من أهل العراق، ما وجدنا لهم وفاء، انطلق يا بني لابنه عيسى وهومعه فاركب إلى عمك بمكة فأبلغه بما خلق أهل العراق، ودعني فإني مقتول. فنطق له ابنه: والله لا أبلغ نساء قريش بشرّ عنك أبدا. نطق: فإن أردتَ حتى تُقَاتِلَ، فتقدّم فَقَاتِل حتى أحْتَسبك. فدنا ابنه عيسى فقاتل قتالًا شديدًا حتى أخذته الرماح من جميع ناحية، وكثره القوم فقُتِل، ومُصعب جالسٌ على سريره، فأقبلَ إليه نَفَر ليقتلوه فقاتَلَهم أشد القتال حتى قُتل، واتى عبيد الله بن ظبيان فاحتزّ رأسه فأتَى به عبد الملك بن مَروان، فأعطاه ألف دينار، فأبى حتى يأخذها، وكان مُصعب قُتل على نهر ينطق له: دُجَيْل، عند دَيْر الجَاثَلِيق، فأمر به عبد الملك وبابنه عيسى فدفنا، ثم سار عبد الملك حتى هبط النُّخَيلة، ونادى أهل العراق إلى البيعة فبايعوه، واستخلف على الكوفة بشر بن مروان أخاه، ثم عاد إلى الشام. نطق: أبلغنا محمد بن عمر، نطق: حدثني عثمان بن محمد العُمَرِي، عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، أنه قيل له: أي ابنَي الزبير كان أشجع،يا ترى؟ نطق: ما منهما إلّا شُجَاع، كلاهما مَشَى إلى الموت وهويراه.

مقتله

ولما قَتَل عبدُ الملك بن مروان مصعبَ بن الزبير، بعث الحجاج بن يوسف إلى عبد الله بن الزبير بمكة في ألفين من جند أهل الشام، فأقبل حتى هبط الطائف، فكان يبعث البعوث إلى عهدة، ويبعث ابن الزبير بعثا، فيلتقون فَتُهْزم خيل ابن الزبير، وترجع خيل الحجاج إلى الطائف، فخط الحجاج إلى عبد الملك في دخول الحرم ومحاصرة ابن الزبير، وأن يمده برجال، فأجابه عبد الملك إلى ذلك، وخط إلى طارق بن عمرو، يأمره حتى يلحق بالحجاج، فسار طارق في أصحابه وهم خمسة آلاف فلحق بالحجاج، فنزل الحجاج من الطائف، فحصر ابن الزبير في المسجد، وحج بالناس الحجاج سنة اثنتين وسبعين، وابن الزبير محصور، ونصب الحجّاجُ المنجنيق يرمي بها أحثَّ الرمي، وألحّ عليهم بالقتال من جميع وجه، وحبس عنهم المِيرَة، وحصرهم أشدّ الحصار، حتى جُهدَ أصحابُ ابن الزبير، وأصابتهم مجاعة شديدة. وكان ابن الزبير قد وضع في جميع موضع يخاف منه مَسْلحة، فكانت مسالحه كثيرة يطوف عليها أهل الثبات من أصحابه، وهم على ذلك مبلوغون من الجوع ما يقدر الرجل يقاتل ولا يحمل السلاح كما يريد من الضعف، وكانوا يستغيثون بزمزم فيشربون منها، فتعصمهم، وجعلت الحجارة من المنجنيق يُرْمى بها الكعبة، حتى يؤثر فيها كأنها جيوب النساء، ويُرْمَى بالمنجنيق من أبي قبيس فتمرّ الحجارة وابن الزبير يصلي عند المقام كأنه شجرة قائمة ما ينثني، تهوي الحجارة مُلَمْلَمَة ملس كأنها خُرِطَت وما يصيبه منها شيء ولا يتنحى عنها ولا يفزع لها، وحَشَر الحجاج أهل الشام يومًا وخطبهم، وأمرهم بالطاعة وأن يَرَى أثرهم اليوم، فإن الأمر قد اقترب، فأقبلوا ولهم زَجَل وَفَرَح، وسمعت بذلك أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير، فنطقت لعبد الله مولاها: امضى فانظر ما عمل الناس، إذا هذا اليوم يوم عصيب، اللهم أَمْضِ ابني عَلَى بَيِّنَة، فمضى عبد الله ثم عاد فنطق: رأيت أهل الشام قد أخذوا بأبواب المسجد، وهم من الأبواب إلى الحجون.

ودخل عبد الله بن الزبير قبل مقتله بعشرة أيّام على أمّه أسماء، وهي شاكيةٌ، فنطق لها: "كيف تجدِينك يا أُمَّه؟" نطقت:‏ "ما أجِدني إلاّ شَاكِية".‏ فنطق لها:‏ "إن في الموت لراحةً‏."‏ فنطقت له: "من الممكن أنك تمنَّيْتَه لي‏.‏ ما أُحِبّ حتى أموتَ حتى يأتي على أحد طرفيك؛ إما إنْ قُتِلت فأَحْتسِبك، وإما ظفرت بعدوّك فتقَرّ عيني".‏ ‏نطق عروة‏: فالتفت إليّ عبد الله فضحك، فلما كان في اليوم الذي قتِل فيه ولج عليها في المسجد فنطقت له:‏ "يا بنيّ، لا تقبلنَّ منهم خطة تخاف فيها على نفسك الذّلّ مخافة القتل، فوالله لضَرْبةُ سيف في عِزٍّ خيرٌ من ضربة سَوْطٍ في المذلّة". نطق:‏ فخرج، وقد جُعل له مصراع عند الكعبة، فكان تحته، فأتاه رجل من قريش، فنطق له:‏ "ألا نفتح لك باب الكعبة فتدخلها!" فنطق عبد الله‏:‏ "من جميع شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه، والله لووجدوكم تحت أستارِ الكعبة لقتلوكم، وهل حرمةُ المسجد إلاّ كحرمة البيت"، ثم تمثل‏:

وَلَسْـتُ بِمُبْتَاعِ الحَيَاةِ بِسُبَّةٍ وَلاَ مُرْتَقٍ مِنْ خَشْيَةِ المَوْتِ سُلَّمَا

وقيل حتى أسماء قامت تصلي وتدعووتقول: اللهم إنّ عبد الله بن الزبير كان معظّما لحرمتك، كَرِيْهٌ إليه حتى تُعْصَى، وقد جاهد فيك أعداءك، وبذل مهجة نفسه لراتى ثوابك، اللهم فلا تخيبه، اللهم ارحم ذلك السجود والنّحيب والظمأ في تلك الهواجر، اللهم لا أقوله تزكية، ولكن الذي أفهم، وأنت أفهم به، اللهم وكان برا بالوالدين. نطق: ثم اتى عبد الله بن الزبير، فدخل على أمه وعليه الدرع والمِغْفَر، فوقف عليها، فسلم، ثم دنا فتناول يدها فقبَّلها وَوَدعها، فنطقت: هذا ودَاع فلا تَبْعَدْ إلا من النار. فنطق ابن الزبير: نعم جئتُ مودعًا لك، إني لأرى هذا آخر يوم من الدنيا يَمُرُّ بي، وافهمي يا أمّه أني إذا قُتلتُ؛ فإنما أنا لحم ودم لا يضرني ما صُنع بي. نطقت: صدقت، فامض عَلَى بَصِيرَتك، ولا تمكِّن ابن أبي عقيل منك، وادْنُ مني أودعك، فدنا منها فعانقها، فمسّت الدرع فنطقت: ما هذا صنيع من يريد ما تريد! فنطق: ما لبست الدرع إلا لأشُدّ منك. نطقت: فإنه لا يشدّ منّي بل يخالفني، فنزعها، ثم أدرج كُمّه وشدّ أسفلَ قميصِه، وجُبّةَ خَزّ تحت القميص وأدخل أسفلها في المِنْطَقة، وأمّه تقول: أليس ثيابك مُشَمّرة،يا ترى؟ نطق: بَلَى هي على عَهدك. نطقت: ثبّتك الله، فانصرف من عندها وهويقول: إِنّي إذا أعهدُ يومي أصْبِرْ إذْ بعضهم يعهدُ ثم ينْكرْ. فَفَهِمَتْ قولَه، فنطقت: تَصْبِر والله إذا شاء الله، أليس أبوك الزبير؟ واتى عمارة بن عمروبن حزم إلى ابن الزبير فنطق: لورَكِبتَ رواحلك فنزلتَ برَمْل الجَزْل. فنطق: ابن الزبير: فما فَعَلَتِ القَتْلى بالحرم،يا ترى؟ والله لئن كنتُ أوردتهم ثم فررتُ عنهم، لبئس الشيخ أنا في الإسلام. ونطق الحجّاج لأصحابه: والله إني لأخاف حتى يهربَ ابن الزبير، فإن هربَ فما عُذرنا عند خليفتنا،يا ترى؟ فبلغَ ابن الزبير قوله فَتَضَاحَكَ، ونطق: إنه والله ظَنّ بي ظنه بنفسه، إنه فَرّار في المواطن وأبوه قبله. ثم شدَّ عليه أَصحابُ الحجاج، فنطق:‏ "أين أهلُ مصر؟" فنطقوا‏:‏ هم هؤلاء من هذا الباب، فنطق لأصحابه‏:‏ "كَسِّرُوا أغمادَ سيوفكم، ولا تميلوا عنّي، فإني في الرّعيل الأوّل".‏ فعملوا، ثم حمل عليهم، وحملوا معه، وكان يضرب بسيفين، فلحق رجلًا فضربه، فبتر يدَه، وانهزموا، فجعل يضربهم حتى أخرجَهم من باب المسجد، فجعل رجلٌ أسود يسُّبه.‏ فنطق له:‏ "اصبر يا بن حام"، ثم حمل عليه فصرعه‏. نطق:‏ ثم ولج عليه أَهْلُ حمص من باب بني شيبة‏.‏ فنطق:‏ "مَنْ هؤلاء؟" فنطقوا: أهل حمص، فشدَّ عليهم، وجعل يضربهم حتى أخرجَهم من باب المسجد، ثم انصرف، وهويقول:

لَوْ كَانَ قَرْنِي وَاحِدًا لَكَفَيْتُهُ أَوْرَدْْتُـهُ المَـوْتَ وَذَكَّيْتُـهُ

ثم ولج عليه أهلُ الأردن من باب آخر، فنطق:‏ "مِنْ هؤلاء؟" فقيل:‏ أهل الأردن، فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف، وهويقول‏:

لاَ عَهْدَ لِي بِغَارَةٍ مِثْلِ السَّيْلْ لاَ يَنْجَلِي قَتَامُهَا حَتَّى اللَّيْـلْ

ونطق:

قد سَنّ أصحابُك ضَرْبَ الأعناقْ وقامت الحربُ بنا عَلَى سَاقْ
صَبْرًا عقاق إنّه شَرٌّ باقْ صَبْرًا بُنَيّ إنه العَتاقْ

فأقبل عليه حجَر من ناحية الصَّفا، فضربه بين عينيه، فنكس رأسه، وهويقول:

وَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تُدْمَى كُلُومُنَا وَلَكِـنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الـدَّمُ

‏ونطق علي بن مجاهد:‏ قُتل مع ابن الزّبير مائتان وأربعون رجلًا إنَّ منهم لمَنْ سال دَمُه في جوف الكعبة.‏ لماء اتى يوم الثلاثاء شحنت الأبواب من أهل الشام، وأسلَمَ أصحاب ابن الزبير المحارس، وكَثَرَهم القوم، وأقاموا على جميع باب قائدًا ورجالًا وأهل بلد؛ فكان لأهل حمص الباب الذي يقابل باب الكعبة، ولأهل دمشق باب بني شيبة، ولأهل الأردن باب الصَّفا، ولأهل فلسطين باب بني جُمحَ، ولأهل قِنَّسرين باب بني سَهْم، وكان الحجّاج وطارق جميعًا في ناحية الأبطح إلى المروة فمَرّة يحمل ابن الزبير في هذه الناحية، ومَرّة في هذه الناحية، ولكأنه أسدٌ في أَجْمَة ما يقدم عليه الرجال، يعدوفي آثارهم حتى يخرجهم وهويرتجز:

إني إذا أعهد يومي أصْبَرْ وإنما يعهد يَوْمَيْهِ الحُرْ

ونطق سهل بن سعد: سمعت ابن الزبير يوم الثلاثاء يقول: ما أَرَاني اليوم إلا مقتولًا، ولقد رأيت في ليلتي هذه كأن السماء فُرِجَت لي فدخلتها، فقد والله مَللتُ الحياة وما فيها، ولقد قرأ في الصبح يومئذ متمكنًا نون والقلم حرفًا حرفًا، وإن سيفه لمسلول إلى جنبه، وإنه ليتم الركوع والسجود كهيئته قبل ذلك. ونطق شيخ من أسْلَم، نطق: سمعتُ ابن الزبير يقول يوم قُتل: والله لقد مللتُ الحياة، ولقد جاوزتُ سِنّ أبي، هذه لي ثنتان وسبعون سَنَة. اللهم إني قد أحببتُ لقاءك فأحبب لقائي، وجاهدتُ فيك عدوك فأثبني ثَوابَ المجاهدين. ونطق هشام بن عروة: جلس ابن الزبير يوم الثلاثاء فَخَفَقَ خَفْقَة، فتغامزَ به بعض مَن كان عنده بنعسته تلك، ففتح عينيه فنطق: شيخٌ كبير عَلّ، قد عاش حتى مَلّ، اللهم إذا قبضتُ رِجلي فلا أبسطها، وإذا بسطتها فلا أقبضها. ونطق المنذر بن جهم الأسلمي: رأيتُ ابن الزبير يوم قُتل، وقد خَذَلَه مَنْ معه خُذْلانًا شديدًا، وجعلوا يَخْرجون إلى الحَجاج، وجعل الحَجاج يصيح: "أيها الناس علامَ تقتلون أنفسكم،يا ترى؟ مَن خرج إلينا فهوآمن، لَكُمْ عَهْدُ الله وميثاقه، وفي حَرَم الله وأمنه، وربّ هذه البَنِيّة لا أغدرُ بكم، ولا حاجةَ لنا في دمائكم". فجعل الناس يتسللون حتى خَرج إلى الحجّاج من أصحاب ابن الزبير نحومن عشرة آلاف، ونطق ابن الزبير لأصحابه: "انظروا كيف من الممكن أن تضربون بسيوفكم، ولْيَصُن الرجلُ سيفَه كما يصونُ وجهه، فإنه قبيحٌ بالرجل حتى يخطئ مضرب سيفه لا أفهمن امْرأً كسَرَ سيفه واستبقى نفسه، فإن الرجل إذا مضى سلاحه فهوكالمرأة أعزل، غُضّوا أبصاركم عن البارقة، وليَشْغَلْ جميع امرئ منكم قِرْنَه، ولا يُهليّنّكم السؤال عني، ولا تقولُونَ: أين عبد الله بن الزبير،يا ترى؟ أَلَا وَمَنْ كان سائلًا فإني في الرعيل الأول. احملوا على بركة الله". وما كان يخطئ مضربًا واحدًا شبرًا من ذُبَاب السيف أونحوه، وضرب رجلًا من أهل الشام ضربة أبدى سَحْرَهُ وهويقول: خذها وأنا ابن الحَوَارِي، فلما كان يوم الثلاثاء، قام بين الركن والمقام، فقاتلهم أشد القتال، وجعل الحجاج يصيح بأصحابه: يا أهل الشام يا أهل الشام: الله الله في إمَامِكم، فَلَيَشُدُّون الشَّدّة الواحدة جميعًا حتى ينطق: قد اشتملوا عليه، فيشدَّّ عليهم حتى يَفْرُجُهم ويبلغ بهم باب بني شَيْبَةَ، ثم يَكِرّ وَيَكِرّون عليه، ليس معه أعوان، عمل ذلك مرارًا، حتى اتى حَجَرٌ عائر، مِنْ ورائه فأصابه، فسقط في قَفَاه فَوَقذه، فارتعشَ ساعة، ثم سقطَ لوجهه، ثم انتهض فلم يَقْدِر على القيام، وابتدره الناس، وشَدّ عليه رجلٌ من أهل الشام، وقد ارتعشَ ابن الزبير فهومتكِئ على مِرْفَقِهِ الأيسر، فضرَبَ الرّجُلَ فَقَطَعَ رجليه بالسيف، وجعل يضربه ولا يقدر ينهض حتى كَثُروه فَذَفَّفوا عليه ولقد كان يقاتل، وإنه لمطروح يَخْذِمُ بالسيف كُلّ من دنا منه، فصاحت امرأة من الدار: "واأمير المُؤْمِنِيْنَاه"، فابتدره الناس فَكَثَرُوه، فقتلوه. واتى الخبر الحجاج، فسجد، وسار حتى وقف عليه هووطارق بن عمرو، ونطق طارق: ما ولدت النّساء أذْكَر من هذا، فنطق الحجاج: تمدح مَنْ خالَفَ أمير المؤمنين،يا ترى؟ نطق طارق: نعم هوأعْذَرُ لنا، ولولا هذا ما كان لنا عذر، إنّا محاصروه وهوفي غير خندق ولا حصن ولا مَنَعَة منذ سبعة أشهر ينتصف منا، بل يفضل علينا، في جميع ما التقينا نحن وهو، فبلَغ كلامهما عبد الملك بن مروان، فَصَوّب طارقًا.

ونطق أبي سلمة الحضرمي: دخلت على أسماء بنت أبي بكر يوم الثلاثاء وبين يديها كفن قد أعدّته وَنَشَرته وأجْمَرته، وأمرت جواري لها يقمن على أبواب المسجد، فإذا قُتل عبد الله صِحْنَ، فرأيتهنّ حين قُتل عبد الله صَيّحْن، وأوفدت ليحمل عبد الله. فأُتِيَ الحجّاج به فحزَّ رأسه، وبعثَ به إلى عبد الملك بن مَروان، وَصَلَب جُثّته فنطقت أسماء: قاتَلَ الله المُبِير، يَحُولُ بيني وبين جثّته أَنْ أُواريها، ثم ركِبت دابتها حتى وقَفَت عليه وهومصلوب، فدعَت له طويلًا وما تقطر من عينها قَطْرة، ثم انصرفت وهي تقول: مَنْ قُتل على باطل فقد قُتِلْتَ على حق، وعلى أكرم قِتْلة ممتنع بسيفك فلا تَبْعَد. فأقبل الحجاج في أصحابه، فسأل عنها، فأُخْبِر بها، فأقبل حتى وقف عليها، فنطق: كيف من الممكن أن رأيتِ،يا ترى؟ نَصَر الله الحقَّ وأَظهرَه. نطقت: من الممكن أُدِيل الباطلُ على الحق، وإنّك بين فَرْثِها والجِيّة، نطق: إذا ابنك ألْحَد في هذا البيت، ونطق الله تبارك وتعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادِ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وقد أذاقه الله ذلك. فنطقت: كذبتَ، كان أول مولود في الإسلام بالمدينة، وَسُرّ به رسول الله صَلَّى الله وعليه وسلم، وحَنَّكَه بيده، فَكَبّر المسلمون يومئذ حتى ارتجت المدينة فرحًا به، وقد فرحتَ أنت وأصحابك بمقتله، فمن كان فَرِحَ يومئذ به خَيْرٌ مِنْكَ ومن أصحابك، وكان مع ذلك برًّا بالوالدين، صَوّامًا قَوّامًا بكتاب الله، معظِّمًا لحرم الله، يُبْغِضُ حتى يُعْصَى الله، أشهد على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لسمعته يقول: "سيخرج من ثقيف كذابان الآخِرُ منهما شَرّ من الأول وهومُبِير" وهوأنت. فانكَسَر الحجاج، وانصرف، وبلغ ذلك عبد الملك، فخط إليه يلومه في محاورة أسماء، ونطق: مالَكَ ولابنة الرجل الصالح! وسمع ابن عمر التكبير فيما بين المسجد إلى الحجون حين قُتل ابن الزبير، فنطق: لَمَنْ كَبّرَ حين ولد ابن الزبير، أكْثَر وخَيْر ممّن كَبّر على قتله.

ونطق هشام بن عُروة، يقول: رَماه رجلٌ من السّكون بآجُرَّة فأثبته وَوَقَع، وكان الذي قَتله رجلٌ من مُراد، وحمل رأسه إلى الحجّاج. فاتىا به إلى الحجاج فَوَفّدَهما إلى عبد الملك، فمنح جميع واحد منهما خمسمائة دينار، وفرض لكل واحد منهما في مائتي دينار. وكان ابن عمر جالسًا، فأتاه آتٍ فنطق: قُتِلَ ابن الزبير. فنطق: يرحمه الله. فقيل: يا أبا عبد الرحمن صُلِبَ،يا ترى؟ فنطق ابن عمر: قَاتَلَ اللهُ الحَجّاج، ما من خصلة شَرّ إلا هي فيه، ونطق أبونوفل بن أبي عقرب الكناني حتى الحجاج بن يوسف لما قَتل عبد الله بن الزبير صلبه على عقبة المدينة، ليرى ذلك قريش المدينة، فلما نفروا، جعلت قريش تمر به، والناس لا يقفون عليه، حتى مَرّ به عبد الله بن عمر، فوقف عليه فنطق: السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، قد كنتَ عن هذا غَنيّا. وقيل نطق عبد الله بن عمر لخادمه: انظر المكان الذي به ابن الزبير مصلوبٌ فلا تمرر بي عليه، فَسَهَا الغلامُ، فإذا ابن عمر ينظر إلى ابن الزبير مَصلوبًا، فنطق: يغفرُ اللهُ لكَ، يغفرُ الله لك، ثلاثًا، أما والله ما فهمتك إلا كنْتَ صَوّامًا قوامًا، وصَولًا للرحم، أما والله إني لأرجومع مساوئ ما أصبت حتى لا يعذّبك الله بَعْدَها أبدًا. وقيل نطق: يرحمك الله فوالله إنّ قومًا كنتَ أخسّهم لقومُ صدقٍ. وربطوا هِرّة مَيّتة إلى جنبه، فكان ريح المسك يغلب على ريحها. وصلبه الحجاج على الثنية التي بالحجون ينطق لها: كَدَاء. فأوفدت أسماء إليه، قاتلك الله، وعلام تصلبه،يا ترى؟ فنطق: إني استبَقْتُ أنا وابنك إلى هذه الخشبة فكانت اللَّبْجَةُ به، فأوفدَتْ إليه تستأذنه في حتى تكفنَه، فأبى، وكتَبَ إلى عبد الملك يخبره بما صَنَع، فكتَبَ إليه عبد الملك يَلُومُه فيما خلق ويقول: ألا خَلّيت أمه فَوَارَته، فأَذِنَ لها الحجَّاج، فوارته بالمقبرة بالحجون. ثم نَفَذَ فبلغ الحجاج موقف عبد الله بن عمر، فاستنزله فرمى به في مقابر اليهود. ثم بعث إلى أمه أسماء بنت أبي بكر وقد مضى بصرها، حتى تأتيه فأبت حتى تأتيه، فأوفد إليها لتأْتِيِنِي أولأبعثنّ إليك مَن يسحبك بقرونك حتى يأتيني بك، فأوفدت إليه إني والله لا آتيك حتى تبعث إليَّ مَن يَسحبني بقروني فيأتيك بي، فأتاه رسوله فأبلغه. فلما رأى ذلك نطق يا غلام: ناولني سِبْتيّتي. فناوله نَعْلَيه، فأخذ نَعْلَيه فانتعلَ، ثم خَرَج يَتَوَذَّف يعني مشية له حتى أتاها فدخل عليها، نطق: فنطق: كيف من الممكن أن رأيْتِنِي صنعتُ بعدوالله،يا ترى؟ نطقت: رأيتك أفسدتَ عليه دنياه وأفسدَ عليك آخرتك، وقد بلغني أنك تُعيّره تقول: يا بن ذات النطاقين، وقد كنتُ والله ذات نطاقين، أما أحدهما فَنِطاق المرأة الذي لا تستغنى عنه، وأما النِّطاق الآخر فإني كنتُ أحمل فيه طعام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وطعام أبي من النَّمل وغيره، فأي ذلك ــ وَيْلَ أمك ــ عَيّرته به؟! أما إني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إنه سيخرجُ من ثَقِيف رجلان؛ كذَّابٌ ومُبِير" فأما الكذّاب، فقد رأيناه ابن أبي عُبيد، وأما المُبِير، فأنت ذاك. نطق: فوثَبَ فانصرفَ عنها ولم يُراجعها.

وصلى عليه عروة بن الزبير، ودفنه بالحجون، وأمه يؤمئذ حَيّة، ثم توفيت بعد ذلك بأشهر بالمدينة. وقتل عبد الله بن الزبير يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وهويؤمئذ ابن اثنتين وسبعين سنة.

انظر أيضاً

اقرأ نصاً ذا علاقة في

عبد الله بن الزبير


  • إسلام
  • الصحابة
  • رأي السنة في الصحابة

المصادر

  1. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير سليم؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة EB
  2. ^ تاريخ مكة للإمام الأزرقي تحقيق رشدي ملحس. ومرآة جزيرة العرب للمؤرخ العثماني أيوب صبري
  3. ^ فايز الحموي. "عبد الله بن الزبير". الموسوعة العربية. Retrieved 2014-11-05.
  4. ^ سيرة ابن هشام.
  5. ^ Muawiya Restorer of the Muslim Faith By Aisha Bewley Page 81
  6. ^ الإصابة في تمييز الصحابة
  7. ^ الاستيعاب في فهم الأصحاب
  8. ^ الطبقات الكبير
  9. ^ عبد الله بن الزبير، ويكيبديا العربية

قراءات إضافية

  • الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم (1970).
  • ابن الجوزي، صفة الصفوة، تحقيق محمود فاخوري (دار الفهم، بيروت 1985).
  • شهاب الدين العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة (مؤسسة الرسالة 1328هـ).
  • ابن الأثير، أسد الغابة في فهم الصحابة (دار إحياء التراث العربي، بيروت).


ألقاب إسلامية سنية
سبقه
معاوية بن أبي سفيان
الخليفة
680–692
تبعه
إلغاء الخلافة


تاريخ النشر: 2020-06-04 14:57:30
التصنيفات: صفحات بأخطاء في المراجع, Infobox person using numbered parameter, Articles with hCards, No local image but image on Wikidata, مواليد 2 هـ, وفيات 73 هـ, مواليد 624, وفيات 692, أشخاص من المدينة المنورة, عائلة أبي بكر الصديق, رواة الحديث, صحابة, عرب القرن السابع, تمردات ضد الدولة الأموية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

تحذير لسكان هذه المناطق.. خريطة سقوط الأمطار الأسبوع الجاري

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:49
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 56%

معلومات الوزراء: 27 مليون طفل معرضون للخطر بسبب الفيضانات المدمرة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:33
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

التعليم: اختبار تدريبي لطلاب الصف الثالث الثانوي العام.. قريبا 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:42
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

بلاغ هام من وزارة التربية الوطنية بشأن برنامج "تيسير" للدعم المالي للأسر

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:18
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

بعد تعرضه لعضة كلب ضال.. وزير سابق يقاضي جماعة مدينة طنجة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:52
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 71%

افتتاح الموقف النموذجي للسيرفيس بالحي العاشر في مدينة نصر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:34
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 55%

تموين الجيزة تتحفظ على 20 طن سلع غذائية و700 طبق بيض لعدم وجود فواتير

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:41
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

قطر ينهزم في المباراة الافتتاحية للمونديال

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:19:26
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

وسط أجواء حماسية.. افتتاح بطولة كأس العالم قطر 2022

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:19:02
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 76%

المنظمة المصرية الألمانية تحتفل بمرور 70 عام على الصداقة بين البلدين

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:38
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 56%

إحباط تهريب طبنجة وعدد من الطلقات وعبوات أدوية بشرية بمطار الغردقة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:45
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

«صناعة النواب» توصي بعدم فتح اعتماد وتحويل أموال من الخارج

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:44
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

مونديال 2022: اليوم المنتظر لقطر ينتهي بخسارة محبطة أمام الإكوادور

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:51
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 74%

قطر أول منتخب “مستضيف” يخسر في افتتاح المونديال

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:56
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 78%

وزير الصحة يستقبل نظيره الكوبي بمطار القاهرة الدولي

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-20 21:18:39
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

تحميل تطبيق المنصة العربية