مختار الحكم ومحاسن الحدث
مختار الحكم ومحاسن الحدث الذي خطه الطبيب الفاطمي المبشر بن فاتك، في القرن الخامس الهجري، القرن الحادي عشر الميلادي.
وهومؤلف عربي لم يقدر له حتى يحظى بشهرة كبيرة لافتقاد كتابه «مختار الحكم ومحاسن الحدث» لروح الإبداع. وكان من الخط الفلسفية القليلة التي وصلت منها نسخ مخطوطة مزوقة بالتصاوير. ومنذ عهد هذا الخليفة أخذ العرب في الاطلاع على تراث الفلسفة اليونانية وحسبما يقرر «جورج قنواتي» في تراث الإسلام «فإن الفلسفة التي تلقاها العرب لم تكن فلسفة أفلاطون وأرسطوفحسب بل كانت أيضا تلك الفلسفة التي صيغت خلال عدة قرون على يد من واصلوا الإضافة إليها وشرحها. وبعد استيعاب المسلمين فلسفة اليونان، أخذوا يتجاوزن حدود الترجمة إلى عرض هذه الأفكار الفلسفية على العقل النقدي الذي تشبع بروح الإسلام وأشرب أيضا باتساع المدارك الفلسفية والفهمية من خلال الاحتكاك بمجتمعات الشرق. وكان كتاب «المبشر» من الخط الفلسفية القليلة التي وصلت منها نسخ مخطوطة مزوقة بالتصاوير، وأهمها تلك النسخة المحفوظة في متحف طوبقا بوسراي باسطنبول، ورغم أنها لا تحمل تاريخ نسخها فإن صفحة العنوان بها قد زينت بكتابة مضىية تشير إلى أنها قد خطت لحساب أحد أمناء سر «الاتابك يلماي» وهوما حمل على الاعتقاد بانها ترجع إلى النصف الأول من القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) وعزز من هذا الاعتقاد الطابع الفني لتصاوير المخطوطة التي انتجت علي ما يظهر في إحدى مدن سوريا.
ولم يترجم كتاب «مختار الحكم ومحاسن الحدث» مباشرة عن اليونانية وإنما تم وضعه عن حياة وأقوال حكماء الاغريق من أمثال هوميروس وأرسطووفيثاغورث وجالينوس وغيرهم ويبدوحتى مؤلفه «المبشر» كان على اطلاع جيد وفهم وثيقة بالخط التي ترجمت عن اليونانية وأراد حتى يعرض موجزا شافيا لها في كتاب واحد لغير المتخصصين في علوم الفلسفة والكلام. ومن أسف حتى بعض الصفحات كانت تضم تصاوير قد اختفت بين دفتي هذا المخطوط الذي آل إلى حوزة السلطان العثماني أحمد الثالث في القرن الحادي عشر الهجري «السابع عشر الميلادي». ولكن ما تظل من تصاوير هذا المخطوط يدلنا على حتى تنطقيد مدرسة التصوير العربية كانت هي الغالبة على الصور التي ألحقت بنص الكتاب من أجل توضيح بعض الموضوعات الواردة فيه. وهذه الحقيقة لا تنفي وجود بعض التأثيرات البيزنطية، ذلك حتى المصور افتتح غرة الكتاب بصورة غرة مزدوجة في جميع قسم منها صور لسبعة من الحكماء وضعت داخل سلسلة من المنمنمات وأشكال رباعية الفصوص نتجت عن شكل هندسي يغطي جميع الصفحة. وكان استخدام صور لسبعة من الحكماء وفي إطار هندسي أمراً شائعاً في المخطوطات البيزنطية. والأمر نفسه نراه في خاتمة الكتاب المزدوجة التي تضم صورا لستة من الحكماء في جميع صفحة أي حتى عددهم الإجمالي ثلاثة عشر، وهويماثل ما كان يرسم من صور في بدايات المخطوطات البيزنطية، ولأن فاتحة المخطوطات البيزنطية كانت تأتي من جهة اليسار فإن المصور العربي استخدم الصور البيزنطية التقليدية ذاتها من الجهة نفسها ولكنها بالنسبة للخط العربية التي يبدأ تصفحها من اليمين تعتبر خاتمة الكتاب. وبعيدا عن هذا التأثر بالتنطقيد البيزنطية فإن وضعيات الأشخاص وملابسهم والألوان المستخدمة في تزويق صور المخطوط كلها من نتاج مدرسة التصوير العربية.
ومن أمثلة المنمنمات الرائعة في مخطوط «مختار الحكم ومحاسن الحدث « تلك التي تمثل سقراط واثنين من تلاميذه يسألانه في مسألة يفكر فيها، وقد اختار المصور للحكيم سقراط هيئة شيخ كبير له لحية بيضاء اعتمر عمامة عربية ذات طيات متعددة وجلس على ربوة في منظر خلوي فيه بعض رسوم لزهور تم رسمها بأحجام كبيرة وبطريقة اصطلاحية إلى حد بعيد وتبدوطيات ثوب سقراط أشبه بموجات المياه المتجمعة وهي الطريقة الأثيرة لدى مصوري المدرسة العربية عند تجسيدهم طيات الملابس أما التلميذان، فقد مثلا على هيئة رجلين في مقتبل العمر ولذا رسمت لحية جميع منهما باللون الأسود، وملابسهما تكشف نوعية من الزخارف التي كانت تزدان بها ملابس تلك الفترة من تاريخ بلاد الشام. ونرى الزخارف الهندسية ذاتها المستمدة من الأشكال النجمية أيضا في ملابس أحد فلاسفة الإغريق وهويتجادل مع أربعة آخرين في تصويره ثانية من هذا المخطوط ونلمح كذلك زخارف التوريق العربية «الأربيسك «في ملابس أحد اللقاءين لهذا الحكيم. وفي صورة ثالثة نجد الفيلسوف «صولون» يتحدث إلى تلاميذه وقد أضفى المصور عليها كما عمل في الصورة السابقة قدراً كبيرا من الحيوية بفضل حركات الأيدي وإيماءات الرؤوس المتنوعة. ومن أجمل تصاوير مخطوط «مختار الحكم ومحاسن الحدث» تلك التي تظهر أحد الحكماء وهويقابل مجموعة من الرجال يلقي عليهم أحد الدروس، ونجد الأستاذ يحدق في كتاب على صفحاته ما يشبه الكتابة اليونانية في صورة أخرى يمسك بآلة والإيماءات تتكرر باستمرار في صور المخطوطة، ولكنها مزجت بمهارة كبيرة بحيث حتى جميع صورة بحد ذاتها تخلق انطباعات عن حادث فريد ممثل بطريقة طبيعية وفي الوقت ذاته فإن الألوان وحذف جميع التفصيلات غير الضرورية ضمن أبنية أومنظر خلوي يضيف إلى الانطباع المميز نوعا من الأبهة التي نجحت هذه الرسوم ( رغم صغرها) في نقلها.
وفي 18 نوفمبر 1477، طبع كتاب مختار الحكم ومحاسن الحدث الذي خطه الطبيب الفاطمي المبشر بن فاتك. قام من طبيعة الحال وليام كاكستون، رائد الطباعة في مانشستر، إنگلترة.
المصادر
- د. أحمد الصاوي (2009-08-25). "«مختار الحكم ومحاسن الحدث» محاولة لتبسيط الفلسفة اليونانية". صحيفة الاتحاد الإماراتية.