نظرية الأمن الاسرائيلي
نظرية الأمن الاسرائيلي هي المنبع الذي يستقي منه العسكريون الاسرائيليون توجهاتهم ، ومن ثم بناء عقائدهم ، كما أنها الاساس الذي ترتكز عليه استراتيجيتهم وأساليبهم في ادارة الصراع مع الدول العربية ، وعلي الرغم من ذلك فانها لم تخط ابدا ، كما لم تكتسب قوة الزامية تتمسك بها القيادة السياسية العليا ، كذلك فان بعض الأهداف السياسية ( القومية ) التي تبني عليها نظرية الأمن ، لم تحددها القيادة السياسية المختصة منذ أواخر حرب التحرير عام 1948 وحتي يومنا هذا ، ولايعني ذلك أنها غير موجودة ، فهي تشكل مجموعة من المبادئ والقواعد تشبة في ذلك الدستور البريطاني غير المكتوب .
تعني نظرية الأمن الاسرائيلي " المفاهيم " التي تنتهجها اسرائيل لضمان أمنها ، أوهي مجموعة القواعد والمبادئ والأساليب التي يتم في اطارها تحديد التهديدات التي تتعرض لها اسرائيل طبقا لأسبقياتها وطرق لقاءتها " ، مع الوضع في الاعتبار الاستغلال الأمثل لمعطيات القوة الأسرائيلية في لقاء تحجيم معطيات القوة العربية ، وتعتبر عملية تصنيف أسبقيات العمل واتجاهاته من الجوانب الحيوية للمفاهيم الاستراتيجية الاسرائيلية .
وترتبط نظرية الامن الاسرائيلي الحالية في المفهوم الكامل لها بالكتلة الحيوية لاسرائيل " الكتلة الحيوية هي احدي القدرات الكاملة للدولة ، وتستمد قوتها من عنصرين رئيسيين هما : الارض : وهي مساحة الدولة أوالاقليم ، ومدي تحضر تلك المساحة ومدي الاستفادة منها كليا أوجزئيا ، اضافة الي الأهمية الاستراتيجية لتلك الدولة أوالاقليم ، والعنصر الثاني هوالسكان : وتعني قوة الدولة الديموجرافية من تعداد ومستوي فهمي وثقافي وخصائص نوعية وصحية " ، وبباقي القدرات الكاملة لها ( اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وعسكريا ) اضافة الي عاملين جديدين يلقيان بظلالهما علي تلك النظرية هما :
العامل النووي : وهوماتسميه اسرائيل " الرادع الاستراتيجي " تجنبا للافصاح المباشر عنه ، فهي لم تقر رسميا بامتلاكها لأسلحة نووية حتي الان .
العامل الاخر : هوتوجهات اسرائيل نحوالسلام الكامل ، ومالذلك من معطيات جديدة وانعكاسات متعددة علي نظرية الأمن والاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية .
وقد فسر ديفيد بن جوريون ومساعدوه حدثة الأمن في مفاهيمها العسكرية الأساسية بأنها " الدفاع عن الوجود " .
ديفيد بن جوريون
ونظرا للطبيعة الاستيطانية لاسرائيل فان مفهوم الأمن الاسرائيلي يمتد ليضم محاولة التأثير ( ان لم يكن التحكم ) علي خط التفاعلات الاقليمية " المقصود بذلك القدرة علي التحكم في الأحداث والبيئة الاقليمية من خلال دور رئيسي وفاعل وذلك بأن تعمل كدولة محورية في المنطقة " ، بما يثبت دور اسرائيل العسكري والسياسي في منطقتها ، ويتسع مفهوم الأمن كذلك ليضم قضية النقاء اليهودي ، وبحث الوسائل الكفيلة بضمان تدفق المهاجرين اليهود اليها ، وفي سبيل ذلك فان لاسرائيل رؤيتها الخاصة في دوائر اهتماماتها الاستراتيجية بالنسبة للدول العربية ، حيث تنظر الي هذه الدول كالاتي :
1. تقوم نظرية الأمن القومي الاسرائيلي ، علي مفهوم رسم خريطة استراتيجية للدول العربية مقسمة الي دوائر استراتيجية مهمة ( حيوية ) ، حيث تقسم اسرائيل العالم العربي لثلاث دوائر استراتيجية ، أضافت اليها دائرتين أخريتين (مؤقت) ، من الدول المحيطة بالوطن العربي ، والدوائر الرئيسية هي :
الدائرة الأولي والأهم : دائرة وادي النيل ، وتقودها مصر .
الدائرة الثانية : دائرة الشام ، وتتنافس علي قيادتها جميع من العراق وسورية .
الدائرة الثالثة : دائرة الخليج العربي ، وتشكل المملكة العربية السعودية الدولة المركزية فيها .
أضاف " اريل شارون " رئيس الوزراء ووزير الدفاع الاسرائيلي الأسبق دائرتين أخريتين الي الدوائر سالفة الذكر ، وهما ترتبطان بالمجال الحيوي لاسرائيل ، وبالمفهوم الاسرائيلي لمصادر تهديد أمنها القومي :
الدائرة الاسلامية : وهي الدول الاسلامية النشيطة ، خاصة ايران وباكستان ودول اسيا الوسطي .
الدائرة الافريقية : وهي دائرة دول منابع النيل ( شرق ووسط افريقيا ) وكذلك الدول المشرفة أوذات التأثير علي البحر الأحمر .
2. وتقوم استراتيجية اسرائيل بالنسبة للأمن علي عدة أسس :
أ. منع التقارب والتنسيق مابين الدول التي تقود هذه الدوائر ، وخاصة دائرتي وادي النيل والشام .
ب . محاولة تشجيع عمليات الانشقاق داخل جميع دائرة ، خاصة دائرة الشام .
الحرب الاهلية اللبنانية كانت نجاحا في شق صف محور الشام .
ج . تتبني استراتيجية اسرائيل بالنسبة للدول الاسلامية ، علي أساس منع أوعرقلة حدوث أي تماس أوتنسيق بين الدائرة الاسلامية ودائرة الخليج العربي .
د. بالنسبة للدائرة الافريقية تعمل اسرائيل علي اقامة علاقات وثيقة مع دول منابع النيل الافريقية ، وكذلك الدول المشرفة علي جنوب البحر الأحمر بالقدر التي يمكنها من ممارسة الضغوط علي جميع من مصر والسودان بالنسبة لمسأله المياه ، بالاضافة لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر .
هـ . منع محاولات التنسيق المصري السعودي ، علي مستوي دائرتي وادي النيل والخليج العربي .
3. نظرية الأمن الاسرائيلي ليست وليدة اليوم ، فقد وضع جوهرها ولبناتها الأولي ديفيد بن جوريون ، مؤسس اسرائيل ، ومن ثم فهي مرادفة لنشأة اسرائيل ، وبالرغم مما يظهر من حتى جوهرها ثابت الا أنها مرنة وقابلة للتطوير ، فبعد نشأة اسرائيل ، رأي المسئولون فيها ضرورة وضع اطار عام للعملين السياسي والعسكري وأطلقوا علي ذلك : نظرية الأمن الاسرائيلي ، وذلك كنظرية استراتيجية وعسكرية لاسرائيل ، وكان الهدف الرئيسي من وضعها : حماية الدولة ، والعمل علي اقامة اسرائيل الكبري وفرض الصلح علي العرب ، من خلال " تحقيق أقصي فعالية لقدرات الدولة ، وفي مقدمتها القدرة العسكرية كوسيلة لبلوغ هذا الهدف " .
بنيت نظرية الأمن الاسرائيلي علي عدة اعتبارات بعضها عسكري مثل :
أ. ضيق رقعة الأرض وصغر حجم الدولة .
ب. قلة عدد السكان نسبيا مع وجود أقليات معادية .
ج. بعدها عن أصدقائها وتعرض خطوط مواصلاتها معهم لردود عمل المتغيرات الدولية .
د. احاطتها بدول معادية وغير قابلة لوجودها .
هـ . هشاشة اقتصادها القومي واعتمادها علي المساعدات الخارجية .
راعي المسئولون في اسرائيل عند وضعهم للنظرية عدة أسس منها الاحتفاظ بالتفوق النوعي في وسائل الدفاع الي جانب العمل علي اقامة مجتمع عسكري ، كما أخذوا في الاعتبار مبدأ الحرب القصيرة نظرا للقيود البشرية والاقتصادية التي تعاني منها اسرائيل ، والهجريز علي ضرورة مؤازرة قوة كبري أوأكثر لها - حدثا أمكن ذلك - كحليف موثوق بمعاونته ونجدته في الوقت المناسب ، والأهم من ذلك كله العمل علي تهيئة الرأي العام العالمي وكسبه الي جانبها ومحاولة اقناعه بأن الدول العربية التي تحيط بها تخطط دائما للاعتداء عليها أوغزوها .
الولايات المتحدة الامريكية الحليف الدائم لاسرائيل .
4. دفعت نتائج الجولات العسكرية الأربع ، بين اسرائيل والعرب اضافة الي حرب لبنان وتداعيات حرب الخليج الثانية الي اعادة تقييم " نظرية الأمن " لتطويرها حتي يمكنها لقاءة المتغيرات الكثيرة سواء الدولية أوالاقليمية أوفي مجال التطور الضخم في التقنية العسكرية ولذلك فان دراسة نظرية الأمن الاسرائيلي ، لابد حتى يواكبها كذلك دراسة المؤسسة العسكرية التي تشكل أداتها حتي تتكامل الرؤية .