الهبوط الاضطراري لطائرة ياسر عهدات في الصحراء الليبية 1992
الهبوط الاضطراري لطائرة ياسر عهدات في الصحراء الليبية 1992، هوحادث سقطت فيه الطائرة، التابعة لشركة طيران أير بيساو، التي كان يستقلها ياسر عهدات أثناء هبوطها اضطرارياً في الصحراء الليبية فيسبعة أبريل 1992. نجا عهدات وقُتل ثلاثة من مرافقيه.
الحادث
بعد زيارة للسودان تحادث خلالها مع الرئيس عمر حسن البشير، وتفقّده الوحدات العسكرية المتمركزة بعيداً عن العاصمة، غادر عهدات مطار الخرطوم يوم الثلاثاءسبعة أبريل 1992، على متن طائرة قديمة روسية الصنع، طاقمها مكون من طيارَين فلسطينيين وميكانيكي روماني، ومعه عشرة من حرسه الشخصي وبعض معاونيه، متجهين إلى تونس. كان من المقرر حتى تهبط الطائرة للتزود بالوقود في مهبط واحة كفرة، جنوب شرقي ليبيا. غير حتى انعدام الرؤية وشدة الزوابع الرملية اضطرهم إلى تعديل خطتهم. بعد الإقلاع بساعة وأربعين دقيقة، التقط برج المراقبة في العاصمة الليبية الرسالة التالية: "الرحلة الخاصة الخرطوم- تونس لا تستطيع الهبوط. نواصل طريقنا إلى السارة، نحاول الهبوط الاضطراري". بعدها بخمس دقائق، اختفت الطائرة عن شاشات الرادار الليبية. انبتر الاتصال اللاسلكي معها، وأعربت حالة الطوارئ. وعلى الفور، تناقلت وكالات الأنباء العالميةالكبرى خبراً مفاده: "طائرة عهدات اختفت وسط الصحراء الليبية". وساد الاعتقاد لنحوخمس عشرة ساعة بأن الطائرة تحطمت وأن عهدات قد مات.
حين ثارت العاصفة الرملية العاتية، انتقل عهدات إلى مقصورة القيادة. ولما قرر الطياران الهبوط الاضطراري، طلباً منه حتى يعود إلى مؤخر الطائرة، فعاد، وارتدى بزته العسكرية، رغبة منه في حتىقد يكون بثيابه العسكرية إذا لقي حتفه في الحادث. صلّى، وردد الركاب من ورائه آيات من القرآن، ومنها الآية: "قل لن يصيبنا إلا ما خط الله لنا".
روى عهدات فيما بعد أنه في لحظة اصطدام الطائرة بالأرض رأى أبا جهاد وأبا إياد، وأكد أحد حراسه أنه سمعه يقول: أبوجهاد، أنا قادم .. وظل الطياران والميكانيكي في مقصورة القيادة، مع حتى أنظمة الطيران الدولية تنص على أنه في حالة الخطر، يتعين على أحد الطيارَين حتى ينتقل إلى مؤخرة الطائرة للاحتماء. لم يقبل أحد من الأشخاص الثلاثة الموجودين في مقصورة القيادة مغادرة مسقطه، وراح جميع واحد منهم يبذل قصارى جهده من أجل إنقاذ عهدات والركاب الآخرين.
اصطدمت الطائرة أخيراً بكثيب رملي. قذف عهدات لمسافة ثلاثين متراً، وسط رمال الصحراء الليبية. كان جميع الركاب جرحى، ولكنهم أحياء ما عدا الطيارَين والميكانيكين.
كانت الحقائب متناثرة ومدفونة في الرمال، وبمعجزة عثر الناجون على حقيبة يد عهدات، حيث توجد الأسرار الأشد حساسية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
عمليات البحث والإنقاذ
في ساعات الفجر الأولى،وبعد اتصالات واسعة ومعلومات أمريكية قدمتها واشنطن إثر اتصالات أجراها مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة الدكتور ناصر القدوة، اكتشفت فرق الاستطلاع الجوي المؤلفة من طائرات ليبية ومصرية وفرنسية (قدمت من تشاد) مكان الحادث، وما لبثت فرق البحث الفلسطينية التي انطلقت من معسكر السارة حتى وصلت. إلى غير ذلك أُنقذ الناجون، وأوفد عهدات إلى الجميع رسالة تضمنت جملة واحدة: "أشكركم، أنا بخير، الحمد لله. أبوعمار". وعند الساعة العاشرة من صباح الأربعاء، انتشر الخبر: "تم العثور على عهدات حيا في جنوب ليبيا، على بعد 70 كم من السارة مع حطام طائرته".
في طرابلس، ثم في تونس، التي ما لبث حتى عاد إليها متعافيا تماما، تدفقت مظاهرات التعاطف التي قدمت من كافة أنحاء العالـم، فقط في دمشق لـم تقدم الصحافة السورية إلا تقريرا مقتضبا عما حدث.
عاد عهدات إلى ممارسة نشاطاته العادية بسرعة، في تونس أولا ثم في الخارج. فالتقى بالملك حسين في عمان، وتباحث معه حول عملية السلام وحرب الخليج، حيث وجدا نفسيهما مرة أخرى في معسكر واحد. شكرعهدات العاهل الأردني لما أبداه من اهتمام دائم بعد حادث الطائرة: لقد خرجت من هذا الحادث سالـما بمعجزة، وأنا الآن معافى ومستعد لـمواصلة معركتي من أجل فلسطين.
وفي عمان في الأول من يونيو1992 وبطلب من الطبيب أشرف الكردي تمكن الملك حسين من إقناع ياسر عهدات بإجراء فحص طبي بعد حتى كان عهدات قد اشتكى من ألم حاد في الرأس واصطحبه الملك في سيارته الخاصة إلى مركز الملك حسين الطبي، حيث أجرى عهدات أخيرا الـمسح الإشعاعي، الذي أظهر وجود كتلة دم متجمدة تحت عظم الجمجمة تهدد بالضغط على نقاط حيوية في الدماغ. إلى غير ذلك اضطر عهدات إلى إجراء عملية جراحية بعد ذلك بساعات.
لم تكن الحالة الصحية لعهدات قبل حادث الطائرة تثير أي قلق خاص، لم يكن ملفه الطبي يتضمن شيئا يستحق الذكر. كان من الـمدهش، بحسب الأطباء، حتى تظل صحته جيدة طوال هذا الوقت، بالنظر إلى طبيعة مهامه ومسؤولياته الكبيرة وأسفاره الكثيرة.
وأكد أخصائي قلب معروف يعمل في المركز الطبي الذي أجريت فيه العملية حتى قلب عهدات يعمل على نحوسقم، ومن حسن حظه أنه لا يدخن. لـم يكن يعاني لا من ضغط الدم ولا من السكري، ومستوى الكوليسترول لدية غير مرتفع إلا قليلا. لهذا السبب لـم يكن أحد يخشى من حدوث مضاعفات خاصة بسبب إجراء العملية.
المصادر
- ^ ياسر عهدات - حياة لا تنسى