طريقي (كمال الجنزوري)

عودة للموسوعة

طريقي (كمال الجنزوري)

بلال فضل
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

الدولة التي يروي الجنزوري في كتابه (طريقي)، بعض تجاربه في العمل داخلها لأكثر من أربعين عاما، والتي يتهم "المواطنون الشرفاء" ثورة يناير بأنها حاولت إسقاطها، يمكن تعريفها بوصفها "تجمعات من البشر يتحكم في حاضرهم فرد واحد لا يُسئل عما يعمل ويصنع مستقبلهم حسب مزاجه وهرموناته وأعصابه و"كِيفه"، وتساعده في ذلك كيانات عشوائية يطلق عليها إسم المؤسسات يديرها الأشخاص الأقرب لمزاج الحاكم الفرد والأقدر على ضمان مصالحه".

ستصل إلى هذا التعريف من خلال قراءة كتاب الجنزوري، مع ملاحظة أنه لا يروي مثلًا وقائع خطيرة بالمستندات عن فضائح فساد مالية، أويكشف أسرارًا مذهلة عن تربيطات مافيا المصالح التي كانت تحكم مصر، بل يروي بحذر الموظف العتيد بعض ما يمكن ألا يعرضه للمساءلة، إذا جدّت في الأمور أمور، ومع ذلك فما يرويه من وقائع شهدها، لا أقول يكفي لمحاكمة مبارك ومن يتشدد له بتهمة الفساد السياسي، فقد أصبح ذلك حلمًا بعيد المنال الآن، بل يكفي لأن يفيق العائشون في أوهام حتى مصر كان بها في زمن حسني مبارك دولة، يهنئون عبدالفتاح السيسي لأنه استعاد هيبتها بالبندقية والبيادة.

خذ عندك على سبيل المثال، واقعة خطيرة ترد في الكتاب بخصوص مشروع ميدور لتكرير البترول المشهجر بين مصر وإسرائيل، والذي كان يدار بإشراف المخابرات العامة، وكانت نسبة المشاركة المصرية فيه في بداية المشروع 60 في المائة، لقاء 40 في المائة شاركت بها إسرائيل، حيث يروي الجنزوري أنه تلقى اتصالًا من اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة في أوائل شهر يوليو1997، يطلب التوصية لدى البنك المركزي بضمان قرض أجنبي لاستكمال تمويل مشروع ميدور، اتصل الجنزوري بمحافظ البنك المركزي إسماعيل حسن الذي فاجأه بأن ما تطلبه المخابرات العامة، ليس فقط ضمان نصيب الجانب المصري في القرض، بل ضمان حصة الجانب الإسرائيلي أيضًا، وهوما رفضه إسماعيل والجنزوري وأكد عليه ألا يعطي ضمانًا لحصة مصر أيًا كان الضغط عليه.

لم يكن الجنزوري مرتاحًا للمشروع، خاصة حين تبين حتى نسبة 20 في المائة من رأس المال المصري هي من نصيب رجل الأعمال حسين سالم ـ ضابط المخابرات السابق وصديق حسني مبارك المقرب ـ لكنه اعتبر حتى أقصى ما يمكن عمله، هوحتى يرفض ضمان البنك المركزي لحصة الجانب الإسرائيلي، وهوقرار يمكن الدفاع عنه قانونيًا وماليًا أيضًا، ليفاجأ بعد ذلك بزيادة حصة الجانب المصري في المشروع إلى 80 في المائة، ومع ذلك استمر إصرار الجنزوري ورئيس البنك المركزي على رفض ضمان العشرين في المائة الخاصة بالجانب الإسرائيلي، وهوما تم عملًا، لكن المسألة لم تنته عند ذلك الحد، فحين تم إعادة هيكل الملكية تم تقييم قيمة السهم في المشروع بألف دولار، وبعد عدة أشهر اتى حسين سالم إلى الجنزوري ليطلب منه بصفته رئيسًا للوزراء حتى يوافق له على بيع 20 في المائة من الأسهم، فنطق له الجنزوري حتى الأمر لا يخصه بيعًا أوشراءً، وطلب منه حتى يمضى إلى مالكي الأسهم مباشرة.

يروي الجنزوري أنه حين فوجئ بأن حسين سالم أسقط في يده ولم يبدُ مرتاحًا للإجابة: "سألته من باب الفهم بالشيء: إذا شاء الله ناويين تبيعوا السهم بكام؟، فنطق: بـ أربعة آلاف دولار. صدمني الرقم فقلت: إزاي السهم من شهور أربعة كان بألف دولار وبعد شهور يقفز إلى أربعة آلاف دولار، إيه حصل؟، المشروع لم يأت بجديد ليتغير الثمن ويتضاعف أربع مرات، فهل التقييم الأول كان أقل من الواقع أم حتى التقييم الأخير أكثر من الواقع، ولكن أحسست حتى الأمر فيه شيء. وسكت عندما لاحظ الضيق في وجهي، وبعد قليل اتصلت باللواء عمر سليمان وأبلغته بما جرى، فنطق تعقيبًا على ثمن البيع: أهي تجارة بأه"، وبالطبع لم يقل الجنزوري لعمر سليمان حتى هذه ليست تجارة، بل فساد مبين يستحق المحاكمة، ولم يقل لنا أيضا لما صمت كرئيس وزراء على هذا التلاعب في الأسعار الذي يدفع ثمنه المصريون، لأنه يفهم كما نفهم حتى ذلك كان ممكنا لوكان لدينا دولة، حيث كان سيتيح له منصبه كرئيس وزراء، حتى يتدخل لوقف ذلك الفساد ومحاسبة المسئولين عنه، أما حين تكون رئيس وزراء لبترة أرض يمتلكها فرد، فلنقد يكون من الحكمة أبدا حتى تدوس لصديقه ورئيس مخابراته على طرف، وغاية ما تقدر عمله وتفتخر به أمام التاريخ، حتى تحاول تقليل مكاسب التجارة التي يديرها رئيس المخابرات العامة ويتربح منها صديق الرئيس، أوفي أحسن حال، تجعلهم يبذلون مجهودًا أكبر في تضبيط تلك المكاسب على الورق.

كان الجنزوري يتصور حتى واقعيته المفرطة ـ أولنقل انسحاقه السياسي ـ ستكفل له بقاءً أطول في منصب رئيس الوزراء، ليحقق ما كان يحلم بتطبيقه من مشروعات اقتصادية، وكان يظن حتى مبارك الذي اختاره للمنصب بعد حتى قام بتأجيل ذلك أكثر من مرة عبر سنوات عديدة، سيطلق يده في العمل في مشروعات كان يفكر فيها منذ حتى تولى منصب وزارة التخطيط، لأن نجاح مهمته يعني نجاح من اختاره لها، لكنه لم يدرك حتى حاجة البلاد إلى نجاحات اقتصادية سريعة، لا تعني أبدًا لدى مبارك تغيير وظيفة رئيس الوزراء من شماشرجي وحامل أختام إلى مسئول صاحب قرار.

كان الجنزوري قد شاهد خلال اقترابه من مبارك كوزير، كيف من الممكن أن نجح الدكتور عاطف صدقي في البقاء طويلًا في منصبه كرئيس وزراء، لأنه كان دائمًا يضبط موجته على مزاج الرئيس، لدرجة تجعله يبيع وزراءه إذا شعر حتى دفاعه عنهم يمكن حتى يغضب الرئيس منهم، وهوما وقع مثلا في أبريل 1993، حين اقترح وزير الداخلية عبدالحليم موسى على عاطف صدقي عقد اتفاق تهدئة مع بعض الجماعات الإسلامية، فوافق عاطف صدقي، وحين هاجمت الصحافة الاتفاق بشدة، ووصل الأمر لمبارك، سأل عاطف صدقي كيف من الممكن أن تم ذلك فأجابه أنه لا يفهم شيئًا عن الأمر، رغم حتى عبدالحليم موسى كان قد استأذنه، ليخرج عبدالحليم موسى من الوزارة ويستمر عاطف صدقي في منصبه فترة أطول.

كانت هذه التجربة وغيرها ماثلة في ذهن الجنزوري حين تم اختياره لرئاسة الحكومة، ولذلك لم يكلف نفسه عناء الدفاع عن اختياراته للوزراء الذين يتوقف نجاح مهمته عليهم، فهويفهم حتى جميع شيء يبدأ وينتهي برضا الرئيس، لذلك يروي مثلًا أنه في عام 1997، طلب منه مبارك إجراء تعديل وزاري، وسأله عمن يقترح خروجهم من الوزراء، فاقترح الجنزوري خروج بعض الأسماء، فنطق مبارك على الفور أنه لم يسمع عنهما أي شيء يمس سمعتيهما، وبدلًا من حتى يرد الجنزوري ويوضح موقفه، نطق هوأيضًا "وأنا لم أقل شيئا"، ليعلق بعدها على ذلك الموقف بقوله: ".. لكن رده زاد الحسرة في داخلي، لأنه يفهم بكل تأكيد، ورجل الشارع يفهم ما يعملون، ولكن الرئيس لم يكن يرغب في تغييرهم لسبب لديه، كان الحل إما الاستنطقة أوالهروب فيزداد الوضع فسادًا، أوالاستمرار لبذل جميع جهدي لمحاصرة الفساد على قدر الإمكان، رغم تمتعهما وغيرهما بحماية الرئيس، ومن المؤسف أنه بعد خروجي من الوزارة مباشرة، قام صاحب الأمر، بإخبارهما أنني قلت عليهما أنهما لصوص، وكان التصرف الطبيعي منهما الهجوم والسب عليّ في جميع لقاءقد يكون أحدهما أوكلاهما فيه".

يعترف الجنزوري أنه أخطأ في الموافقة على استمرار الدكتور يوسف بطرس غالي في حكومته، برغم أنه كان يعهد مشاكله جيدًا، لأنه لم يملك الاعتراض على إصرار مبارك عليه كوزير للاقتصاد، مبررًا ذلك بأن موافقته كانت أفضل من حتى تحدث أزمة توقفه عما كان يحلم بتحقيقه، دون حتى يدرك حتى نجاحه محال إذا لم يكن قادرًا على التحكم في وزرائه، لدرجة أنه حين طلب مبارك حتى يهجر عاطف عبيد وزارتي التنمية الإدارية والبيئة، ونطق "كفاية عليه قطاع الأعمال"، طلب الجنزوري من مبارك حتى يخبره بنفسه حتى لا يتصور أنه الذي طلب هذا التعديل، والمضحك المبكي حتى مبارك نفسه الذي لم يكن مقتنعًا بقدرات عاطف عبيد في وزارتي التنمية الإدارية والبيئة، جعله يخلف الجنزوري في رئاسة الوزراء، ليزيد طين البلاد بلّة.

لم يمض وقت طويل حتى اكتشف الجنزوري حتى تنازله عن أبسط المقومات التي تكفل له نجاح مهمته ليس كافيًا، وأنه لا يجب عليه إرضاء الرئيس فقط، بل يجب عليه أيضًا إرضاء رجال الرئيس المقربين، خذ عندك مثلًا هذه الواقعة التي يروي فيها الجنزوري كيف من الممكن أن قرر في مجلس الوزراء عدم نشر أي نعي للعزاء من جانب الوزراء والمحافظين على حساب الدولة، وبعد تطبيق القرار شكا إبراهيم نافع، رئيس تحرير الأهرام، من خسارة الجريدة عدة ملايين سنويا بسبب انخفاض الإعلانات، فلم يبال الجنزوري باعتراضه، وبعد سنة من تطبيق القرار أبلغ مدير المراسم الجنزوري حتى شقيقة كمال الشاذلي توفيت، فطلب منه حتى يرسل برقية عزاء، لكن الجنزوري فوجئ في اليوم التالي بنعي منشور في جريدة الأهرام بإسمه يعزي كمال الشاذلي، دون حتىقد يكون قد أمر بذلك، فشعر بضيق شديد جدًا وأحال من ساهم في الأمر للمساءلة، ليحافظ على مصداقيته، لكنه فوجئ بمبارك يطلبه ويقول له: "لا داعي للتحقيق وخلاص النعي تم". يروي الجنزوري حتى مبارك نطق له يومها: أخاف عليك من كمال الشاذلي ويمكن حتى يشكل لك الكثير من المشاكل داخل المجلس، "فقلت له: لا تخف يا ريس، فأنا أعهد جيدًا كمال الشاذلي، وحتى يتبين لك مدى قوة وخطورة كمال، أرجوحتى تتوقف لمدة شهر واحد عن مخاطبته لا تحدثه تليفونيا أوترد على اتصالاته، وسترى يا ريس من هوالشاذلي، وعملًا عمل ولم يتم أي اتصال فجن جنون الشاذلي، وأخذ يتصل بي يوميًا ويسألني لما لا يحضر أي اجتماع مع الرئيس أومن يرافقه في أي زيارة ميدانية، وهل يمكن حتى يتعامل مع أعضاء المجلس وهم يرونه بعيدًا عن الرئيس،يا ترى؟ ثم لجأ الشاذلي إلى زكريا عزمي، لكن كان الرئيس قد فهم الحجم الحقيقي لكمال الشاذلي، ولكن لم يعلق على هذا، حتى لا أتصور أنني كنت صائبًا".

في أكثر من موضع يتحدث الجنزوري عن الخوازيق التي كان ينصبها له بانتظام رجل الرئيس القوي زكريا عزمي، من ذلك مثلًا ما وقع بعد عودة الجنزوري من رحلة طويلة في شرق آسيا والصين، ليعاتب الوزراء في أول اجتماع لمجلس الوزراء أنه عاد فلم يجد أحدًا منهم في المطار، ولم يطلبه أحدهم بالتليفون ليهنئه بالسلامة، لتخرج وزيرة من الاجتماع وتتصل بزكريا عزمي قائلة له "هل تغير البروتوكول الرسمي؟، لأن رئيس الوزراء يؤنبنا لأننا لم نقابله في المطار، فهل أصبح المفروض حتى نستقبله كما كنا نعمل مع الرئيس"، وفي اليوم التالي زاره في المنزل أسامة الباز وسأله: "ماذا وقع في المطار، وما هي حكاية الوزراء الذين لم يمضىوا إلى المطار"، فنطق له غاضبًا: "هل تتصور حتى هذا سلوكي؟، لقد كنت أستنكر ما سمعته من البعض في شكل نادىبة؟، هل وصل الأمر إلى هذا الحد؟"، وحين حاول الجنزوري في اليوم التالي توضيح الأمر لمبارك رد عليه بحسم "خلاص خلاص"، معتبرًا حتى الموضوع انتهى.

واقعة أخرى حدثت في أغسطس 1999، خلال زيارة إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل إلى مصر، حيث تحفظ الجنزوري على طلب وجهه له زكريا عزمي بصفته رئيس ديوان رئاسة الجمهورية بأن يرافق باراك من المطار إلى قصر رأس التين، فطلب الجنزوري حتى يقوم أحد الوزراء بذلك، ليكتفي الجنزوري بحضور اجتماع باراك مع الرئيس، فاعتبر عزمي الأمر فرصة لضرب إسفين بين مبارك والجنزوري، فأبلغ عزمي الأمر لمبارك دون توضيح لموقف الجنزوري، مستغلًا حتى مبارك لم يكن قد نام في الليلة الماضية جيدًا، وكان عدم النوم جيدًا يثير أعصابه، لينعمل مبارك على الجنزوري بشكل وصفه بأنه قوي، لأول مرة خلال عشرين عامًا من تاريخ عمله معه، ولم يوضح ما إذا كان ذلك يتضمن شتائم بذيئة مثلًا، لكنه يروي أنه حين حاول توضيح الأمر لمبارك، نطق له "زكريا لا يكذب"، فرد: وأنا لا أكذب، اسمعني يا ريس أعطني فرصة"، فنطق: لا، فنطق الجنزوري: لا.. لا، وتصور الجنزوري حتى مبارك سيقيله في اليوم التالي، لكن لأن جميع شيئ يتعلق بمزاج مبارك المرتبط بنومه الجيد، فوجئ الجنزوري بمبارك يقابله في الأيام التالية ودودًا أكثر من أي فترة مضت.

يتحدث الجنزوري لأكثر من مرة، عن حساسية مبارك من نجاح أولمعان أي من مرؤوسيه بشكل لافت، فعندما يقول له رئيس قبرص: لديك رئيس وزراء ممتاز، يرد مبارك بامتعاض قائلا إنه هارد ووركر، للإشارة إلى حتى جميع ما يميز الجنزوري كثرة العمل، وحين يقف مواطن ليقول في زيارة لمبارك إلى الاسكندرية "لقد أتيت بالمحافظ المحجوب الذي نطلق عليه المحبوب"، يرد مبارك بامتعاض "إحنا عندنا محافظين كتير كويسين"، ومع ذلك فقد خُدع الجنزوري بتعامل مبارك معه بمودة، وجعله ذلك يأخذ قرارًا برفض زيادة الاستثمارات المخصصة لرئاسة الجمهورية لمشروع قصر رأس التين وجناح الأميرات، معتبرًا حتى هناك أولويات أبرز في ظل الحالة الاقتصادية المزرية للبلاد، ومتخيلًا حتى مبارك سيدرك أنه أخذ ذلك القرار للصالح العام الذي سيعود مردوده على مبارك نفسه، لكنه لم يدرك حتى مبارك فهم ذلك القرار بوصفه تعبيرًا عن تحدي الجنزوري له، لكنه لم يلجأ إلى التعبير عن غضبه مباشرة، بل لجأ إلى ذراعه الإعلامي المفضل سمير رجب، ليأمره بشن حملة على الجنزوري بدأت يوم الأحد ثلاثة أكتوبر 1999، حيث صدرت صحيفة الجمهورية بمنطق رئيسي لسمير رجب بعنوان (المغرور)، وظن الجنزوري حتى سبب الموضوع الذي يهاجمه، هوقيامه برفض طلب قدمه رجب بمنحه استثناء في ازدياد مبنى الجمهورية الجديد الذي اشتهر فيما بعد بمبنى الجاكوزي ـ نسبة إلى الجاكوزي الذي قام رجب بهجريبه في مخطه بالجريدة ـ ، لكن الجنزوري عهد فيما بعد حتى الموضوع خط بتوجيه من الرئيس، وكان تمهيدًا لحملة إعلامية عنيفة ساعدت على الإطاحة به بشكل فاجأه، وحين سأل الجنزوري عمر سليمان عن سر ذلك، نطق له "لقد أقنعه الذين حولك أنك أصبحت ندا له"، وهي إجابة تكشف فهم عمر سليمان لمفاتيح مبارك، وكيف جعله ذلك يكتسب ثقة مبارك الذي لا يحب حتىقد يكون حوله أنداد، حتى لوحققوا نجاحات ستُنسب في نهاية المطاف له.

لبس الجنزوري "الجلابية"، دون حتى يشفع له جميع ما بذله من مجهود لتحسين الإقتصاد، بل تحول ذلك الجهد إلى وبال عليه، حين حوله إلى منافس محتمل للحاكم الفرد، ليدرك بعد فوات الأوان أنه لا يمكن في ظل مناخ فاسد حتى تقوم بأعمال صالحة، مهما كنت حسن النية أومجتهدًا في عملك، وخلال إقامته في بلكونة منزله بدأ الجنزوري يتأمل مسار عمله مع مبارك منذ البداية، ليروي لنا واقعة مهمة شديدة الدلالة، كان يمكن لمصر حتى تفلح فيها لوانصت رئيسها إلى نصيحة امرأة، قد لا يمكن اعتبارها مثالًا تام الأوصاف للحاكم، لكن ما نطقته لمبارك في أول مايو1983، كان يمكن حتى ينفعه وينفعنا جميعًا، لوكان قد أخذ كلامها بجدية، دون حتى يردد في سره من الممكن "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، أو"إيش فهمك انتي يا ولية"، أوغيرها من العبارات التي لولم يكن قد نطق نصها، فقد عمل بمقتضاها كما من الممكن أنك تفهم.

أتحدث عن رئيسة الوزراء البريطانية الأشهر مارجريت تاتشر التي يروي الجنزوري أنها وقفت تتحدث خلال زيارة مبارك للندن في أول مايو1983، فنطقت "سيادة الرئيس نحن نحبك، ثم بعد صمت قليل: لأننا نحب مصر مصدر الحضارات العظيمة، وأشارت بيدها إلى الرئيس مستطردة: سيدي إذا بعض شعوب العالم في أشد الحاجة إلى حتى يسمعها حكامها، لا بد للقادة حتى ينصتوا لشعوبهم أكثر مما يتحدثون، وعلى الحاكم حتى يفهم جيدًا ما يطلبون، ويعلن عما يمكن حتى يحققه، وما لا يمكن، لأن لقاءة مطالبهم بالصمت ليس حلًا، لأنه إذا طال يولد الغضب الذي يختزن في القلوب، ولا يمكن للصمت والغضب حتى يستمرا، فسيأتي يوم مهما طال، لينفجر الكبت المخزون وتخرج هذه الشعوب لتقول لا لا لا ، سيادة الرئيس لا أقصد بلدًا بعينه، ولكن خبرتي قبل حتى آتي رئيسًا للوزراء، والتحامي بالطبقة البسيطة التي نشأت منها، هي التي دفعتني لكي أقول هذا لزعيم دولة كبيرة في الشرق الأوسط"، يعلق الجنزوري قائلًا "لم يعلق مبارك إلا بابتسامة خفيفة، واليوم أقول سبحان الله كيف من الممكن أن تسقطت السيدة تاتشر هذا الانفجار منذ ثلاثة عقود".

بعد خروجه من منصبه، لم يخرج الجنزوري على قواعد اللعبة، كما خرج عليها مسئولون سابقون اقتربوا من المعارضة بقوة أوعلى حذر، أوحتى تحدثوا عن تجاربهم للناس بصراحة، بل ظل صامتًا على الدوام، أذكر هنا أنني خطت مرة في عمودي اليومي بصحيفة الدستور عام 2007، أسأل فيه متى سيتحدث الجنزوري عن شهادته ويبرئ ذمته أمام الله والوطن، وفوجئت باتصال يأتيني من "رقم خاص"، وكان الجنزوري هوالمتصل، واكتشفت أنه يتابع ما كنت أخطه في الدستور ضد مبارك وعائلته، وحرص الجنزوري في مكالمته على حتى يقول أنه برئ من تهمة إغلاق النسخة القديمة من (الدستور) عام 1998 التي تعرضت بعدها أنا وكل فريق عمل الصحيفة للتشريد وبتر الرزق بدرجات متفاوتة، ليقول حتى غلق الصحيفة كان قرارًا مباشرًا من الرئاسة والأمن، وبعد حتى نطق أنه لم يحن بعد أوان حتى يقول ما لديه، أكد لأكثر من مرة على ضرورة ألا أنشر أنه اتصل بي، وحين حاولت ممارسة "الدحلبة الصحفية" لعلي أخرج منه بشيء يهم القارئ، ردني بلطف ونطق لي أنه حين يحين وقت الكلام سيتصل بي، وانتهت المكالمة، لأفاجأ بعدها بأشهر حتى الجنزوري يحضر احتفالًا للقوات المسلحة بمناسبة حرب أكتوبر، ويجلس في الصف الأول، ويومها حياه الحاضرون بقوة، وكنت مثل كثيرين من المتعلقين بأي قشة، قد ربطت بين استنادىء الجنزوري للحضور، وبين ما ورد في أوبريت ذلك الاحتفال الذي خطه الدكتور مدحت العدل من انتقادات للفساد في حضور مبارك شخصيا، وهوما تم اعتباره إعلان ضيق رسمي من المؤسسة العسكرية بكثير من سياسات وقرارات المجموعة التابعة لجمال مبارك، ويومها اتصل بي الجنزوري ثانية ليؤكد لي صحة ما خطته، ويطمئنني إلى حتى في مصر رجالًا يرفضون الكثير من الممارسات الفاسدة على حد تعبيره، ولم يستجب في المكالمة للمزيد من محاولات الدحلبة لكي يتحدث بشكل مباشر، لكنني فوجئت بعد ذلك بأن حضور الجنزوري أصبح متكررًا في كثير من المناسبات الرسمية التي لا تنظمها القوات المسلحة، في حين تواصلت ضراوة ووقاحة السياسات الفاسدة التي تحدث عن وجود رجال يرفضونها، بل وكانت تُعلن بعض قراراتها في حضور الجنزوري المحتفظ بابتسامته الغامضة طيلة الوقت، دون حتى يتاح لأحد فهم ما يراهن عليه رجل خرج من السلطة بشكل مهين، فلم يتحدث عن تجربته، ولم يقرر الاعتزال والنأي بنفسه تمامًا عن الأجواء السياسية المليئة بتلك "الممارسات الفاسدة" على حد تعبيره.

في مذكراته يلقي الجنزوري بعض الضوء على الأجواء التي كانت سببًا في ذلك "الأداء الجنزوري"، فيكشف كيف من الممكن أن تم بعد خروجه من المنصب منع جميع القيادات السياسية والوزراء والمحافظين بل ورجال الأعمال أيضًا من الاتصال به، لدرجة أنه تم تعنيف ثلاثة رجال أعمال اتصلوا به عقب اتصالهم فورًا، وطلب منهم عدم الاتصال به ثانية، وهم رجال الأعمال محمد نصير والدكتور أحمد بهجت والمهندس نجيب ساويرس، والذين يقول الجنزوري حتى مبارك بشخصه اتصل بكل منهم فور طلبهم له، وهددهم وطلب من جميع منهم عدم الاتصال به ثانية، وهوما لم ينفه ساويرس وبهجت بعد نشر المذكرات، ليؤكد صمتهما شهادة الجنزوري التي تكشف كيف من الممكن أن أصبح مبارك يعتبره خصمًا مباشرًا له، لا بد من بقائه معزولًا تمامًا عن أي تأثير أوحتى اتصال بمن لهم تأثير.

وصلت الرسالة واضحة للجنزوري فالتزم الصمت التام، خاصة أنه لم تكن توجد في ذلك الوقت أي منافذ إعلامية يمكن حتى تتيح له التحدث للرأي العام، ولوحتى على سبيل الاحتماء به من أي بطش محتمل، وحين بدأ الوضع يتغير، وظهرت حركة كفاية بما صاحبها من زخم سياسي وإعلامي متصاعد، يروي الجنزوري موقفا يثبت فيه، كيف من الممكن أن تغلبت عليه عقلية الموظف المخلص للدولة، لدرجة جعلته ينسى تجربته المريرة مع حسني مبارك، وبدلًا من حتى يستغل الفرصة ليوصل صوته للناس، أوحتى يصمت ويكتفي بالمراقبة، قرر حتى يتصل بسكرتير مبارك اللواء جمال عبد العزيز ـ الذي ورد اسمه في الكثير من قضايا الفساد عقب الثورة ـ ليسأله "هل تصل إلى الرئيس مبارك الهتافات التي تتردد ضده"، ثم يقرر حتى يبلغ جمال عبدالعزيز بواقعة غريبة لم يقم بتفصيلها في الكتاب، ليهجر مجالًا لاجتهاد القارئ في تفسيرها وتخمين الأشخاص الذين يتحدث عنهم، وهل هم من الذين كانوا سببًا في الإطاحة بالجنزوري من منصبه، حيث يروي أنه طلب من جمال عبدالعزيز حتى يقول لمبارك "أرجوحتى يفهم حتى بعض من حوله يخرجون بعد منتصف الليل من فندق الشيراتون ليستقلون اليخت، ويفهم الله مدى سوء ما يمارسونه تاركين الحرس على الشاطئ ليعودوا فجرًا، فلا بد من الحرس حتى يقولوا للعامة ماذا عمل هؤلاء، ألا يفهم أيضًا حتى البعض الآخر وهم من الفاسدين الذين تصلهم الرشاوي على ممحررهم، ونسوا أوأنساهم الله حتى يضم توزيع هذا المال الفاسد على عامل الأسانسير الذي شهد من أتى ومن خرج، وكان طبيعيًا حتى يخرج ويقول للعامة أطلب منه حتى وأكرر حتى يتخلى عن هؤلاء لحمايته وحماية أسرته وحماية وطنه".

يروي الجنزوري أنه اتصل بعد يومين بجمال عبدالعزيز، ليتأكد من أنه أوصل ما نطقه لمبارك، فأبلغه أنه أوصله لمبارك بالصوت، مما يعني أنه قام بتسجيل مكالمته، لأن الكلام أخطر من حتى ينقله، ومع ذلك لم يرد مبارك على ما نقله له سكرتيره الشخصي الذي لم يقل لنا الجنزوري أنه من الممكن أبلغ الكلام لمبارك، فقط لأنه كان على خلاف مع رجال الرئيس الذين يقصدهم الجنزوري، ومع حتى الجنزوري لم يتلق ردًا على ما نطقه، ولوحتى بشكل غير مباشر، كأن تتم الإطاحة بمن شكاهم، فقد قرر حتى يستمر في دور الناصح الذي يتوهم إمكانية ترقيع نظام فاسد، فعاد ثانية ليتصل بجمال عبدالعزيز ويقول له "الناس اختنقت من بعض الوجوه، ألا يكفي من يجلس على المنصة جميع هذه السنوات، ألا يكفي من يجول في القاعة ليقود النواب بغير فهم ولا رضا حقيقي من جانب الأعضاء"، في إشارة واضحة إلى الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب وكمال الشاذلي وزير مجلس الشعب والمتحكم في الأيدي الموافقة والمصفقة فيه، ليطلبه جمال عبدالعزيز ويقول له بالنص "إن من يجلس على المنصة ليس له بديل ولكن من يجول في القاعة ممكن، ولكن من يأتي بديلا منه؟".

وبدلًا من حتى يعتبر الجنزوري حتى هذه الإجابة مهينة أصلًا لرغبته في النصيحة، فيسكت ويفوض أمره لله، نراه يظل مصممًا على حتى يستمتع بدور الموظف الناصح المتفاني في خدمة السلطان الذي يعهد فساده وانعدام كفاءته، فيقترح الاستعانة بالدكتور مفيد شهاب وزير شئون مجلس الشورى، ليتم عملا اختياره وزيرًا لشئون مجلسي الشعب والشورى، وتتم الإطاحة بكمال الشاذلي ليصبح مشرفًا على المجالس القومية المتخصصة، ليكون ذلك الاتصال الأخير الذي تم التجاوب فيه مع الجنزوري بشكل إيجابي، ولعل ذلك ما جعله يقوم بعدها بالمبادرة بالاتصال ببعض الكتاب المعارضين، فهولم يتصل بي أنا لوحدي، بل اتصل بكتاب آخرين، من الممكن لأنه شعر حتى تحذير مارجريت تاتشر القديم سيتحقق، وأنه من الممكن أتيح له بعد تحقق ذلك التغيير حتى يعود ثانية إلى السلطة، لكنه في نفس الوقت ظل حريصًا على تلبية أي دعوات رسمية مباركية له، ليتواجد في دائرة أضواء السلطة، ولوحتى في وضع المصفق الصامت على حكم يصفه بأنه يفتقر إلى "العقل الرشيد"، وحين اتىته الفرصة بعد إطاحة الجماهير بمبارك، وعاد الجنزوري إلى الحكم، أخذ يردد ويتبنى ويدافع باستماتة عن ذلك الهراء الذي لا زال يروج إلى الآن عن ضرورة الحرص على مؤسسات الدولة واستعادة هيبتها وخطورة إسقاطها، ناسيا حتى التجارب التي رواها تؤكد لكل ذي عقل أنه لكي تخشى من إسقاط الدولة، لا بد أصلا حتىقد يكون لديك دولة.

المصادر

  1. ^ بلال فضل (2015-01-11). "الدولة المصرية "المخوّخة" كما رآها كاهنها الأعظم". مدى مصر.
تاريخ النشر: 2020-06-04 15:19:55
التصنيفات: كتب 2015, كمال الجنزوري, حسني مبارك

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

772 جولة على المستشفيات والمجمعات الطبية في الأحساء

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 03:25:57
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

السودان.. البرهان ينسحب من الوساطة بين الأطراف المدنية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:17:15
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 89%

مدارس يمنية في معتقلات الألغام - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-01-24 03:24:35
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 62%

فواتير أسلحة لزيلينسكي بدلا من الدبابات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:17:17
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 90%

مقتل 7 أشخاص بكاليفورنيا في ثاني إطلاق نار جماعي خلال 3 أيام

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:17:16
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 97%

استمرار التظاهرات في البيرو ووزير الداخلية لا يرى نهاية لها

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:17:09
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 95%

الحكومة الكويتية تتقدم باستقالتها إلى ولي العهد

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 03:25:55
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

«120 دولة» لمشاهدة الدوري السعودي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 03:24:27
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 99%

جهاز القضاء الإسرائيلي يبحث في إقالة نتنياهو

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 03:24:29
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 85%

خاص ـ النصر يحصل على توقيع الكرواتي مودريتش

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 03:26:05
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

روسيا وأوكرانيا: ألمانيا "لن تعرقل" تصدير دبابات ليوبارد2 إلى كييف

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:17:03
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 91%

وزير الخارجية الأمريكي يزور فلسطين وإسرائيل الأسبوع المقبل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:17:18
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 100%

فوائد الورد في تفتيح وتجديد البشرة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:15:33
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 39%

الأرجنتين على حافة إفلاس جديد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:17:31
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 88%

غضب في فرنسا من الشريحة الجديدة لأوكرانيا: "ليس لدينا مال"؟!

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:17:19
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 94%

تعرف على قيم وفوائد الباذنجان

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:15:31
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 46%

«مترجم بلغاتهم».. رفع وعي المستفيدين بـ«نظام العمل» في الشرقية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 03:25:59
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 59%

كيف تستفيد من الندم لتحسين حياتك!

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-24 06:15:35
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 49%

تحميل تطبيق المنصة العربية