رسالة إلى م. دالمبير حول فنون الاستعراض

عودة للموسوعة

رسالة إلى م. دالمبير حول فنون الاستعراض

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس
بعنوان .
صفحة العنوان

رسالة إلى م. دالمبير حول فنون الاستعراض بالفرنسية: Lettre a M. d’Alembert sur les Spectacles خطها جان-جاك روسوفي 1758.

من هوفي رأيكم الوالد الشرعي للمتزمتين المعادين لبعض الفنون، وبخاصة لفن التمثيل المسرحي،يا ترى؟ ستالين،يا ترى؟ هتلر،يا ترى؟ جدانوف،يا ترى؟ جميع أنواع المتطرفين السابقين والحاليين،يا ترى؟ ليس من بين هؤلاء من هوأب لهذا النوع من التزمت. هم أبناء في هذا المجال. أما الأب الشرعي فهوإنسان لا يمكن تسقطه على الاطلاق: جان-جاك روسو. أجل «بطل» الفكر التنويري الذي قاد إلى الثورة الفرنسية، المساهم في الموسوعة الشهيرة، المدافع عن الموسيقى والمحرر عنها. روسوهذا، كان في جانب من جوانب شخصيته معادياً للتمثيل... وربما يصعب فهم السبب. أفلاطون قبله بعصور عدة كان معادياً - في شكل أوفي آخر - للشعر، وربما أيضاً قاسي على أي كان حتى يعهد السبب، حتى وإن كان دارسوالافلاطونية أسهبوا في شرح الأمر مستندين الى قراءة ما وراء السطور في «الجمهورية». أما بالنسبة الى روسو، فإن له مرافعات ومرافعات في هذا المجال... وله أيضاً تلك الرسائل الشهيرة التي تبادلها - تحديداً حول فن التمثيل المسرحي - مع زميله دالامبير. وهذه الرسائل تشكل جزءاً من كتاب لروسويعهد باسم «رسالة حول فنون الاستعراض» صدر كاملاً عام 1758. أما عنوانه الكامل فهوبرنامج استعراضي بدوره: «من ج.ج. روسوالى السيد دالامبير حول منطقته «جنيف» في الجزء السابع من الموسوعة، خصوصاً حول مشروع تأسيس مسرح في هذه المدينة». والحقيقة حتى هذه الرسالة الكاملة، والتي تضم رسائل صغرى ثانوية، اعتبرت دائماً من جانب الباحثين والمؤرخين، فائقة الأهمية في مجال دراسة المواقف الأخلاقية والسياسية لروسو.

والحكاية هنا تبدأ مع منطقة دالامبير المذكورة، والتي امتدح فيها هذا المفكر الموسوعي مواقف رجال الدين البروتستانت المقيمين في مدينة جنيف بسبب تفتحهم الفكري وإيمانهم بحرية الرأي، ما قادهم الى الموافقة - بل السعي الى - إقامة مسرح في المدينة، وذلك بالتعارض مع المواقف اللاهوتية التي كانت، منذ عصور قديمة تناهض الكوميديا على اعتبار انها فن شيطاني. والحال حتى موقف روسوانما اتى مباشرة، كرد عمل على ما يقوله دالامبير هنا. إذ حتى صاحب «العقد الاجتماعي» بدا في رده السجالي انتقائياً، أي أنه راح يتفحص قضية الفن الاستعراضي منطلقاً من دوافع فكرية وأخلاقية، لا - طبعاً - من دوافع مبدئية في معاداتها لفنون التمثيل. حيث حتى هجومه هجرز في شكل خاص على الكوميديا، مشروحاً أنه إذا كانت ثمة أعمال من هذا النوع تحض على الخير وتدفع في اتجاه الأفكار الجيدة، فإن معظم الفنون الكوميدية ليست من هذا النوع، بل انها تؤثر سلباً في الجمهور انطلاقاً من كونها تقدم لهم صورة للعيش، وبالتالي صورة للحياة التي يتعين عليهم، أويمكنهم حتى يعيشوها، لا تستقيم أمام الفكر السليم. لذا، فمن الخطر حتى نعرض الجمهور الى مثل هذه الصور المشوهة للحياة والداعية الى التفاهة.

وهنا لا يفوت روسوحتى يعترف بأن المسرح، انما هوفي نهاية الأمر مرآة لكل مجتمع، وبالتالي مرآة للحضارة. ومن هنا هل يجوز، يتساءل مفكرنا، حتى نهجر الجمهور يشاهد نفسه في مرآة مشوهة، ويشاهد حضارته ممثلة على نحولا يليق ويدفع في اتجاهات بالغة الفساد والسوء،يا ترى؟ ان الجمهور، كما يرى روسو، هوعادة من الفضول والبساطة، بحيث يهجر نفسه على سجيتها أمام مشاهد من هذا النوع، تؤثر - وبحدثات روسوتحديداً - في «لا وعي الجمهور» فتصبح لديه جزءاً من طبيعته البشرية، مع انها ترتبط بالمجتمع في الأصل، لا بالطبيعة البشرية للإنسان. والفارق هنا، بالنسبة الى روسو، كبير: ذلك انه لوكان الجمهور واعياً لارتباط ما يمثل أمامه، بالمجتمع وبالظروف التي تولد حركية المجتمع في لحظة معينة من لحظات تاريخه، سيكون الأمر سهلاً... وسيمكن مقارعة الحجة بالحجة، إذ تتحمل المسألة جميع أنواع السجال. ولكن بالنظر الى حتى التمثيل، على المسرح خصوصاً، يخاطب اللاوعي مباشرة، فإن الموبقات الممثلة، والمواقف المشوهة للعيش وللحياة، تدخل مباشرة ذهنية الجمهور عبر لا وعيه، فتبدوبالنسبة إليه طبيعة إنسانية لا فكاك منها.

إلى غير ذلك، إذاً، يرى روسو، الخطر جميع الخطر في إبداع ضروب الأوهام المحاورة للاوعي البسيط هذا، وفي مقدمها ما يقدمه المسرح... ومن هنا، إذا احتاج الأمر، سيتوجب حظر المسرح نفسه. وهنا لا بد من حتى نذكر حتى خطاب روسوهذا، انما يظهر - في مناهضته لمواقف دالامبير ومساعيه المرتكزة الى مواقف تقدمية لرجال الدين - يظهر متناسقاً مع الصرامة الكالفينية، في مجال السياسة والأخلاق، والتي عهد دائماً حتى جنيف هي حصنها الحصين. ومن هنا أمام مثل هذا الهجوم، عثر دالامبير حتى عليه حتى يصعّد من هجومه المضاد، لا سيما بعد حتى قام بجولة في أوساط رجال الدين، ثم ثنى على ذلك بزيارة قام بها الى فولتير، الذي كانت له في هذا الصدد أفكار تتناقض كلياً مع أفكار روسو... ومن هنا لم يتوان عن الوقوف الى جانب دالامبير. وقد استمد هذا الأخير من موقف فولتير شجاعة دفعته أكثر وأكثر في اتجاه القسم المتنور من رجال الدين، معلناً حتى مسعاه انما هوالآن، في تجاوز لمسألة التمثيل نفسه، حتى يصل الى تقديم دفع للذين يتحركون لتحرير الأخلاق في جنيف.

واللافت هنا حتى روسو، حين أراد، في رسالته الكاملة، حتى يقدم نماذج على الأعمال المسرحية التي كان يرى فيها خطراً، لم يتردد دون ذكر أكثر من عمل لڤولتير نفسه. فركز هجومه، مثلاً، على مسرحية «محمد» وعلى مسرحية «زائير» في خطوة استفزازية نحورفيقه في الفكر التنويري... ثم أضاف الى هذين العملين أعمال كورناي وراسين، خصوصاً أعمال موليير التي ذكر مستنكراً أنها غالباً ما تحثنا على السخرية من جميع ما فضيلة. جميع هذه الأعمال في رأي روسو، كانت خطرة جداً لأنها تضعضع من روح المواطنين وتسقط أفكارهم في فوضى ما بعدها من فوضى... ومن هنا لم يتورع روسو، في معرض حديثه هذا، عن توجيه خطابه مباشرة الى شبيبة جنيف، حاثاً إياهم على التصدي لكل من يفكر في إقامة مسرح في المدينة «لأن إقامة مثل هذا المسرح معناها القضاء التام على المعنويات، وتحويل المواطنين، الى دمية في يد الممثلين وأهل المسرح، الذين سيكون من السهل عليهم التلاعب بهم، وبالتالي التلاعب بالمجتمع وبالمواطنية، معيدين السيطرة - على العقول - الى أفرادهم الذين يملكون القوة والسلطة، بحيث يصبح الممثلون وأهل المسرح بالتالي أداتهم لفرض تلك السيطرة».

إنه خطير جداً، بالطبع، هذا الكلام الذي يخطه روسوهنا. ولعل أخطر ما فيه أنه يبدو، في جانب كبير منه مقنعاً، من وجهة نظر أخلاقية خالصة، ناهيك بأنه إذ يأتي من لدن محرر كان له في ذلك الحين من السلطة الفكرية والمعنوية ما يعطي أفكاره صدقية كاملة، يصبح سلاحاً ذا حدين: يستخدم من جانب الأخلاقيين لمحاولة تطهير الفنون من الركاكة... لكنه يستخدم أيضاً من جانب الرجعيين للتصدي للفنون.

غير حتى جان-جاك روسو(1712 - 1778) لم يكن ليعبأ كثيراً بإمكان حتى يستخدم كلامه سلاحاً في يد هؤلاء أوأولئك. الأمر بالنسبة إليه كان معركة فكرية يتعين خوضها مهما كانت النتائج. لذا كانت رسالته الى الشبيبة تقول إذا عليها ألا تذعن أمام من يحاول حتى يسلبها حقها الاجتماعي الراهن في لقاء مستقبل موعود، سيكون كاذباً وضبابياً في نهاية الأمر... حتى ولوبدا هذا مستغرباً من مفكر نادى بتحديث التربية في «إميل» أوعبر عن العواطف في الكثير من نصوصه، كما وقف الى جانب التقدم في «العقد الاجتماعي» كما في عشرات النصوص الأخرى له... ناهيك بأنه لم يتردد ذات يوم في تدوين «اعترافاته» التي فتحت الباب أمام أنواع جديدة من الأدب... بل حتى أمام أنواع ومستويات جديدة من الفكر الأخلاقي.

الهامش

تاريخ النشر: 2020-06-04 15:23:05
التصنيفات: Articles containing non-English-language text, مسرح القرن 18, عصر التنوير, أعمال جان-جاك روسو

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

اعتقال فتاة بعد ضبطها وهي تحاول سرقة رضيع حديث الولادة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:23:31
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 85%

تشيكيا تتهم روسيا بشن حرب اقتصادية ضد أوروبا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:23:26
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 97%

الحكم الصادر في حق أستاذ اللغة الانجليزية بكلية المحمدية المتهم بالتحرش

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:23:32
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 78%

في عام واحد فقط: فرنسا ترفض نحو 32 ألف طلب تأشيرة شنغن تقدم بها الجزائريون

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:23:38
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 71%

مكناس..تفاصيل خلاف بين زوجين حول أضحية العيد انتهى بشكل صادم

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:23:34
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 85%

فيديو.. بالزغاريد.. استقبال الوفد الرياضي المغربي في مطار وهران

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:24:51
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

المنتخب المغربي يرتقي مركزين في تصنيف "الفيفا" الجديد

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:23:29
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 73%

زيدان يحلم بتدريب فرنسا «يوماً ما» وباريس سان جيرمان «ليس الآن»

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:23:25
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 92%

القصيري يتلقى التهاني بمناسبة تخرجه من كلية الطب - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:23:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

فيديو.. بالزغاريد.. استقبال الوفد الرياضي المغربي في مطار وهران

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:24:48
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 56%

رغم العقوبات... كيف بلغ الروبل الروسي أعلى مستوى له منذ 7 سنوات؟

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-06-23 12:23:30
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 91%

تحميل تطبيق المنصة العربية