بطرس الأكبر (فولتير)

عودة للموسوعة

بطرس الأكبر (فولتير)

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس
بعنوان .
فولتير

تساءل شاعر عربي معاصر بما معناه، تقريباً: «من يحمل الآن عبء الهزيمة فينا، المغني الذي طاف في الدرب يبحث عن ملك يشتريه، أم هوالملك الذي قد خيل اليه حتى حلم المغني تجسد فيه...؟»، ومن يقرأ الكتاب الذي وضعه ذات يوم - وقد أضحى عجوزاً متكالباً على المجد وربما المكاسب المادية ايضاً -، الفيلسوف الفرنسي فولتير عن «تاريخ الامبراطورية الروسية في عهد بطرس الأكبر»، سترد الى ذهنه على الأرجح هذه العبارات التي خطها الشاعر العربي بعد هزيمة عام 1967، أوما يشبهها على الأقل. ذلك حتى كتاب فولتير هذا قد يصح اعتباره أوفى نموذج لخط الرياء المتهافتة إذ تخطها أقلام مرائية ومداهنة، مثل تلك التي لم يتوقف، مثلاً، طاغية العراق السابق صدام حسين اوزميله الراحل بعده بسنوات بالطريقة نفسها تقريباً، معمر القذافي عن شرائها في أوساط المثقفين العرب، وبعض الأجانب أيضاً بأموال الشعب العراقي والليبي... مع فارق رئيس يكمن - وهذا لمصلحة فيلسوف التنوير الفرنسي من طبيعة الحال - في ان فولتير لم يكن مؤمناً، فقط، بما يخطه عن بطرس الأكبر، بل أيضاً كان يريد منه حتىقد يكون نصاً تطبيقياً يفسر نظريته حول «المستبد العادل المستنير»، كما ان ثمة فارقاً ثانياً يكمن في ان فولتير خط عن بطرس الأكبر بعد موته، أما «ايتام صدام حسين ومعمّر القذافي» فإنهم صمتوا بعد زوال هذين وبدأوا ينكرون «كل علاقة» لهم بهما. وليس جميع من يريد حتىقد يكون فولتير - حتى على هذا المستوى الوضيع - يمكنه حتىقد يكونه على أي حال.

> المهم ان فولتير وضع كتابه منجزاً اياه عام 1768، بعد حتى اشتغل عليه 11 سنة (!). والحال أنه ما إذا صدر الكتاب حتى فغر الجميع أفواههم: هل يمكن مفكراً من طراز فولتير حتى يخط مثل هذا الكلام،يا ترى؟ يومها، حتى الروس الذين كانوا هم من طلب من فولتير وضع الكتاب تمجيداً لمؤسس دولتهم الراحل لتوّه، وقفوا ضد الكتاب... فهم لمقد يكونوا يريدون ذلك النوع «المتهافت» من المديح. وهم ما كانوا ليوافقوا على نص يقول ان جميع ما في روسيا انما بدأ مع بطرس الأكبر. وقبله لم يكن ثمة في روسيا سوى الهمجية. ولم يستسيغوا تماماً وصول فولتير حتى الى تبرير اغتال بطرس الأكبر لابنه، ومثل تلك التأكيدات التي زعم من خلالها فولتير ان القيصر الروسي كان رجل قانون وفكر وتنوير من طراز رفيع، معاملاً اياه في هذا السياق كما كان يمكنه حتى يعامل، مثلاً، ملكاً تنويرياً حقيقياً مثل فردريك الثاني الألماني، الذي كان - في الماضي - صديقاً لفولتير وحامياً له وتبادل معه رسائل رائعة قبل حتى يقع بينهما سيف الخلاف، ما تسبب في مشكلات جمة لفولتير في بروسيا قبل ذلك.

> والحقيقة ان علاقة فولتير بفردريك الثاني كانت هي ما أخّر اشتغال فولتير على كتابه عن بطرس الأكبر. ولهذا كله حكاية جديرة بأن تروى: منذ بداية خمسينات القرن الثامن عشر، كان فولتير قد أبدى رغبته في وضع كتاب عن بطرس الأكبر وقدم عرضاً الى البلاط الروسي في هذا المعنى... غير ان هذا البلاط لم يجبه، حتى حين راحت عروض فولتير تتخذ طابع التوسل الصريح، صار وضع الكتاب بتكليف من الروس هاجسه ومبرر وجوده. ثم، في نهاية الأمر، حين تضافر أمران، أولهما قطيعة فولتير مع فردريك الثاني من جهة، واتخاذ اليزابيث الثانية، قيصرة روسيا، الكونت شوفالوف، صديق فولتير، خليلاً لها من جهة ثانية، صار في وسع فولتير حتى يتسقط استجابة روسية. وهذا ما كان، إذ اتصل شوفالوف بفولتير وأبلغه موافقة البلاط على حتى يضع كتابه العتيد. يومها، وعلى شاكلة الصرخة اليونانية الشهيرة «وجدتها» صرخ فولتير «أخيراً... نلت الجنسية الروسية» ثم طفق على الفور يضع كتابه. لكنه آثر حتى يخطه بعيداً من روسيا، في مكان اقامته بين فرنسا وسويسرا. فهو، كما أبلغ الروس، صار عجوزاً غير قادر على السفر، ثم انه، إذا زوّد بما يريد من وثائق ونصوص، ليس في حاجة الى حتى يزور سان بطرسبورگ حتى يؤلف كتابه. وهولم يقل يومها، انه في الأصل، لا يؤلف كتاباً عن بطرس الأكبر ولا عن تاريخ روسيا، بل عن فكرته هونفسه، عن الحاكم المتنور، وأن بطرس وروسيته، ليسا سوى ذريعة ومبرّر. ولم يقل من طبيعة الحال ان بطرس الأكبر، في كتابه انما هواعادة اختراع لملك لم يوجد على الإطلاق.

> لقد كانت هذه هي، في الحقيقة، الفكرة الأساسية المسيطرة على فولتير في تلك الفترة المتقدمة من حياته، وهوكان مستعداً لأي شيء من أجل ابراز فكرته هذه، بما في ذلك ليّ عنق التاريخ، وتحميل تاريخ روسيا ما لا يمكنه حتى يحمله، وصولاً الى تزويد بطرس الأكبر بخصال وسمات وتواريخ ليست له. والحقيقة حتى نظرتنا الى الأمر على مثل هذا النحو، تجعل لفولتير ما يمكن حتى يسمّى ظروفاً مخففة، وما يمكن حتى يجعل كتابه جزءاً من منظومته الفلسفية، لا كتاباً في مداهنة أي بلاط... ويوصلنا الى القول ان سوء التفاهم الذي أحاط بهذا الكتاب مند صدوره للمرة الأولى، لم يكن ضرورياً لمن كان في امكانه حتى يتجاوز الأخطاء التاريخية والمبالغات ليقرأ الكتاب كجزء - خيالي(!) - من فكر فولتير عن الحكم والحكام.

> بيد ان هذا لم يكن ممكناً في ذلك الحين، لأن نقاد الكتاب المحقّين كان في امكانهم حتى يسألوا: إذا كانت تلك، في الحقيقة، غاية فولتير، لما لم يخترع ملكاً وهمياً يُسقط عليه جميع أفكاره، بدلاً من اعادة اختراع بطرس الأكبر، على الشاكلة التي اعاد اختراعه عليها،يا ترى؟ من الصعب العثور على جواب عن هذا السؤال... وفي اللقاء من السهل، كما أشرنا، ربط الكتاب بتصوّر فولتير عن الملك المثالي، وهوتصوّر كان تجاوز له حتى عبر عنه من خلال علاقته بفردريك الثاني، ثم بخاصة من خلال كتابته «تاريخ شارل الثاني عشر»، ذلك الملك السويدي، الذي كان أول - وآخر - من أخرج السويد من عزلتها في الشمال الأوروبي، الى رحابة العالم، غزواً... ولكن فكراً أيضاً.

> ومهما يكن من أمر، من الواضح ان فولتير إذ خط «سيرة» بطرس الأكبر على تلك الشاكلة، بدت خلفية كتابه التاريخية شديدة الضحالة، إذ بدا واضحاً - على سبيل المثال - ان فولتير لم يعبأ بفهم أي شيء عن السمات الحقيقية الخاصة بالشعب الروسي، ولا بالتاريخ الروسي نفسه. إذ تماماً، على غرار تلك التواريخ الرسمية العربية التي يخيل اليها ان تأريخ البلد لم يبدأ إلا مع تاريخ الحاكم الحالي، الذي كان «انقلابه» بداية التاريخ وكل التاريخ، ها هوفولتير يفيدنا بأن روسيا قبل بطرس الأكبر كانت لا شيء... مجرد أصقاع تهيمن عليها الهمجية وذات شعب جاهل نكرة. أما مع مجيء بطرس الأكبر، فإن النور شع فجأة على تلك الأمة وشعبها... لأن بطرس هوملك التنوير الحقيقي، الملك الذي مع مجيئه سطعت الشمس، أووفق تعبير فولتير الحرفي: «... وأخيراً ولد بطرس، وتكونت روسيا»، وليس هذا فقط، بل ان الفلسفة نفسها، ودائماً وفق فولتير، ولدت في هذا العالم في الوقت نفسه (!)، وكأن الأمر سحر والقيصر ساحر، وعصاه السحرية قوانينه.

> كان من الواضح ان فولتير كان في ذلك الحين، بغية تطبيق أفكاره، في حاجة ماسة الى ملك أوأمير، والى أفكار تنويرية يسبغها عليه. الغريب فقط أنه عثر ضالته في بطرس الأكبر... أما المهم فهوالأفكار السياسية والفلسفية التي أراد هنا تمريرها. لكن معضلة فولتير هنا، كمنت في حتى الأفكار لا تمر على هذه الشاكلة. ومن هنا عومل الكتاب بكل احتقار وبخاصة من جانب الروس أنفسهم، ولكن من دون حتى يعي فولتير ذلك أويأبه له حتى.

> حينما بدأ فولتير (فرانسوا ماري آرويه) وضع هذا الكتاب كان في الثالثة والستين من عمره، وإذا كان جزؤه الأول قد صدر في عام 1759، بعد عامين من موافقة الروس على وضعه، فإن جزءه الثاني لم يصدر إلا في عام 1763، ولم يكتمل الكتاب في شكله النهائي إلا في عام 1768، في وقت كان فيه فولتير قليل الاهتمام بأي نقد يوجه اليه. ولكن أيضاً في وقت كانت فيه خط فولتير الأخرى (مثل «كانديد» و «رسائل فلسفية» و «أوديب» و «فلسفة التاريخ» و «القاموس الفلسفي» و «زاديغ») قد أمّنت له من الحصانة ما يمكّن من استقبال عمل سيئ على اعتبار انه كبوة موقتة أونزوة تغتفر.

المصادر

  • دار الحياة
تاريخ النشر: 2020-06-04 15:23:09
التصنيفات: كتب 1768, أعمال ڤولتير, بطرس الأكبر

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بيراميدز يفاوض «اسم مفاجأة».. والمدرب يطلب 120 ألف دولار شهرياً

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:20:52
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يناقشان خطة عمارة المساجد

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:19:49
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 56%

القوى العاملة تعلن عن 1223 فرصة عمل في 14 شركة خاصة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:19:48
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

ممثل الأغلبية يرد على انتقادات النواب لوزير التموين

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:19:45
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 57%

البوحديوي: هدفنا إسعاد الجماهير المغربية في بطولة العالم لليد

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:20:03
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 73%

تعرف على منافذ الجيزة لتوفير السلع بأسعار مخفضة

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:20:35
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

تداول 13 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بـ«موانئ البحر الأحمر»

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:19:52
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 63%

برلمانية: صندوق دعم الأسرة المصرية طوق نجاة للمطلقات والأرامل

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:19:56
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

إنجاز جديد للمرأة المصرية.. أماني أبوزيد واحدة من أكثر الأفارقة شهرة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:19:47
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

زلات وزير العدل وهبي..لعب بالنار في كومة تبن

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:20:00
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 85%

«التضامن»: 4.5 مليون متردد على منصة «مودة» للحفاظ على كيان الأسرة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:19:51
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 69%

التوتر الجزائري المغربي صُداع في رأس إفريقيا

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 12:20:07
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 85%

تحميل تطبيق المنصة العربية