يوميات محرر

ترجمة إنگليزية لـ يوميات محرر

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس
بعنوان .

يوميات محرر (بالروسية: Дневник писателя, Dnevnik pisatelya؛ بالإنگليزية: A Writer's Diary) هي مجموعة من الكتابات غير الخيالية والخيالية بقلم فيودور دوستويڤسكي. مأخوذة من بتر خطها لدورية أسسها وأنتجها، وعادة تـُنشر في مجلدين: الأول يغطي البتر التي نشرها بين 1873 و1876، والثاني من 1877 حتى 1881.

كثر من الناس في جميع أنحاء العالم يعهدون روايات المحرر الروسي الكبير فيودور دوستويفسكي، من طريق القراءة المباشرة في معظم لغات الأرض، كما من طريق الاقتباسات السينمائية التي باتت لا تعد ولا تحصى... وكذلك في جميع بقاع الأرض. غير حتى عدداً أقل جداً من الناس يعهد كتابات دوستويفسكي الأخرى، من رسائل ومذكرات ويوميات ونصوص متنوعة ومتفرقة، تعتبر بالنسبة الى أهل الاختصاص، ضرورة لا مفر منها من أجل الاحاطة المتكاملة بعمل صاحب «الأخوة كارامازوف»، وبكيف كان يفكر، وكيف كان يشتغل على رواياته، وتحت أي ظروف خط جميع رواية منها.

ومن هنا، بعدما صارت روايات دوستويفسكي حاضرة في جميع ذهن وفي جميع بيت، كان لا بد من اعادة الاعتبار الجماعية الى النصوص الأخرى الموازية. وفي مقدم هذه النصوص، صفحات عدة كان المحرر يدوّنها لاستخدامه الشخصي، خصوصاً خلال الفترة بين 1872 و1881، وهي فترة السنوات العشر التي شهدت كتابته بعض أبرز أعماله الأدبية. إلى غير ذلك اذ جمعت تلك النصوص لاحقاً ونشرت تحت عنوان «كراسات»، جرى دائماً التوضيح في مقدمها، انها إنما كانت فقرات اعتاد دوستويفسكي تسجيلها على أوراق متفرقة ودفاتر صغيرة، ليعود اليها، فيما يخط رواياته وغيرها من النصوص.

ولأن لتلك الفقرات والصفحات طابعاً خاصاً، حيث ان الهدف منها لم يكن، على الاطلاق، ان تنشر، تعمّد الناشرون، والمترجمون أيضاً، ترجمة ونشر تلك النصوص كما هي من دون أي تسليمات أواضافات، حتى ولوبدت في بعض الأحيان غير متماسكة، وفي أحيان أخرى حافلة بأخطاء املائية... فالمهم انها، اذ تخضع للقراءة والتمحيص، على ما هي عليه، تصبح أداة شديدة الفعالية لفهم المزيد عن «صنعة» دوستويفسكي الأدبية، وحتى عن آرائه الحقيقية في زمنه وأهل زمنه، آراء كان يصعب تلمسها حقاً في ثنايا كتاباته «الرسمية».

من هنا اعتبر الاختصاصيون تلك الصفحات وسيلة لفهم المحرر وحساسيته على سجيتهما، بعيداً من نباهة المفكر وبرودة أعصابه حين يخط وهويعهد حتى ألوفاً سيقرأونه. إلى غير ذلك، مثلاً، اذا كان دوستويفسكي قد أشاد كثيراً ودائماً بمواطنه وزميله ليوتولستوي، في العلن... فإنه في تلك النصوص يظهر أقل عدلاً، اذ ها هويقول ان موهبة صاحب «الحرب والسلام» شديدة التواضع. فماذا عن أعداء القيصر، ومناهضي الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، الذي كان يخيّل الى كثر انه هوواحد منهم،يا ترى؟ انهم - في رأيه - مجموعة من الحمقى وأعداء الوطن... انهم مجرد «ديموقراطيين كريهين» على النمط الغربي. أما فرنسا، فهي بالنسبة اليه «ليست أكثر من أمة ميتة نطقت جميع ما كان لديها لتقوله وانتهى أمرها». أما الشعب الروسي، فإنه شعب أورثوذكسي، ولا يمكنه حتىقد يكون إلا كذلك... وإذ ييمم هذا الشعب وجهه الى مكان مقدس... فإن هذا المكان هوبالضرورة اسطنبول (القسطنطينية) التي تخصه دون غيره من الشعوب منذ أقدم الأزمان.

غير ان السياسة لم تكن الشيء الوحيد الذي يشغل بال دوستويفسكي. اذ ها هويحدثنا في نصوص أخرى، عن حياته، وعن كتاباته، وعن الأدب الذي يقرأه في شكل عام. فيخط مثلاً: «... عند ذلك انطلقنا أخي وأنا، نحوحياة جديدة. كنا نحلم والهين، بما لا نعهد ما هو. كنا مؤمنين بشيء ما. ولم نكن نجهل شيئاً نحن الاثنين حول ما مطلوب منا من جل امتحان الرياضيات، ومع هذا لم نكن نحلم إلا بالشعر والشعراء...». أويخط: «أخي... أنا لم أفقد شجاعتي، ان الحياة في جميع مكان، في داخلنا، وليست في العالم الخارجي. فالشمس ترى دائماً. هلم بنا، وداعاً يا أخي... هل من الممكن لي ألا أمسك بالقلم بعد الآن أبداً؟... أجل، ان لم أخط سأهلك... أفضّل خمسة عشر عاماً في السجن شرط حتىقد يكون قلمي في يدي». أو: «الحقيقة ان من الأمور الواضحة ان الاشتراكية الوليدة قد قورنت، آنذاك، حتى وعلى يد القائلين بها، مع المسيحية: لقد اعتبرت الاشتراكية، باختصار، تسليماً وتحسيناً للمسيحية يتلاءمان مع العصر والحضارة. كانت جميع تلك الأفكار الجديدة تسحرنا آنذاك في سانت بطرسبورگ، وكانت تبدولنا مقدسة وأخلاقية، وإنسانية في شكل خاص، غايتها حتى تصبح شريعة لكل النوع الانساني من دون أي استثناء».

لاحقاً... اذ يزور دوستويفسكي، المناضل السياسي والناقد الأدبي بيلنسكي، الذي كان قد أبدى إعجاباً مبكراً بروايات دوستويفسكي الأولى، يخط: «لقد خرجت من عنده وأنا طالما من النشوة. توقفت عند زاوية بيته، ونظرت الى السماء، كان نهاراً مضيئاً. ونظرت الى العابرين وشعرت بكليتي ان لحظة رنانة في حياتي قد عبرت منعطفاً أبدياً، وأن شيئاً جديداً جميع الجدة قد بدأ لتوّه، شيئاً لم يسبق لي حتى رأيته حتى في أكثر أحلامي شغفاً. كنت في تلك اللحظة حالماً رهيباً». وفي صفحات أخرى يدوّن دوستويفسكي ملخصاً لإفادته أمام لجنة التحقيق المكلفة التحقيق في قضية بتراشفسكي على النحوالآتي: «يتهمونني بأنني قد قرأت منطق «مراسلات بيلنسكي/گوگول» في احدى أمسيات بتراشفكسي. أجل لقد قرأت ذلك الموضوع علناً. لكن، هل في وسع ذلك الذي وشى بي حتى يعهد ما هي المراسلات التي أفضّلها على غيرها،يا ترى؟ هل في وسعه حتى يتذكر ما اذا كان ثمة في أحكامي القيمية (وأنا لم أورد أي أحكام من هذا النوع) ولكن في اشاراتي وحركاتي أثناء القراءة، ما يشير حقاً الى تفضيلي قسماً من المراسلات على قسم آخر،يا ترى؟ ان هناك في عالم الأدب كثراً من الناس صاروا يعهدون الكثير عن خلافي مع بيلنسكي، وانقطاعي عنه خلال العام الأخير من حياته (...). أما بتراشفسكي فإنه يؤمن بأفكار فورييه. ونظريات فورييه نظريات مسالمة. انها أفكار تسحر الروح بأناقتها، وتخلب الفؤاد بما تحتويه من حب عامر للناس. وهوالحب الذي يحرك فورييه فيما هومنكب على صوغ نظريته، وتندهش النفس إزاء ذلك بتناسق تلك الأفكار... في منظومة فورييه الفكرية، ليس ثمة أي مكان للحقد». وعن أدب الواقع يخط دوستويفسكي: «إن الفكرة التي صنعتها لنفسي عن الواقع والواقعية، تختلف تماماً عن فكرة واقعيينا ونقادنا. ان مثاليتي، مثلاً، أكثر واقعية من جميع ضروب الواقع التي يتحدثون عنها. يا إلهي...! أمام أيّ وصف ذكي لما عشناه نحن معشر الروس، خلال السنوات العشر الأخيرة من تاريخ أخلاقنا، ألن يصرخ واقعيّونا بأن هذا كله من قبيل الخيال،يا ترى؟ ومع هذا... جميع ما عشناه كان حقيقة... وكل وصف له يظهر وصفاً حقيقياً... انها الحقيقة. والحقيقة هي الواقعية الأكثر عمقاً: أما واقعيتهم فإنها لتطفوعلى السطح. وأنت بواقعيتهم لن تقدر حتى تصف ولوقدراً ضئيلاً من الوقائع التي تحل في عالمنا حقاً. أما نحن فإننا وصلنا بمثاليتنا حتى الى التنبؤ المسبق لما سيكون عليه الواقع بعد حين». أما عن بلزاك الذي كان أحد كتّابه المفضلين، فيقول دوستويفسكي: «ان بلزاك محرر كبير... وشخصياته هي من نتاج الذكاء الكوني... انها ليست روح الزمن، بل روح الأزمان كلها التي هيأت مثل تلك النهاية في الروح الانسانية، عبر نضال الشخصيات التي رسمها قلم هذا المحرر».

ان ملاحظات من هذا النوع، ومقتطفات من رسائل ومدوّنات أخرى، تبدوفي نهاية الأمر قادرة أكثر وأكثر على إدخالنا روح وذهن فيودور دوستويفسكي (1821 - 1881)... وبالتالي على وضعنا في صلب عمله، والاجابة عن كثير من أسئلة يمكن القارئ، بعد ان يتمتع ويرهف ذهنه بقراءة بعض أعمال دوستويفسكي الكبيرة (مثل «الجريمة والعقاب» و «الأخوة كارامازوف» و «الأبله» و «المقامر» و «الشياطين» و «من سردابي»)، يمكنه حتى يطرحها على نفسه وعلى ذلك الأدب الذي كان، ويبقى، من أعظم ما أنتجه محرر في التاريخ.