خطاب استوكهولم لألبير كامو

عودة للموسوعة

خطاب استوكهولم لألبير كامو

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس
بعنوان .


في عام 1957 فاز ألبير كاموبجائزة نوبل للآداب. كان في ذلك الحين في ذروة شهرته، وكانت أعماله الكبرى ترجمت الى لغات عدة، ومسرحياته تقدم على أبرز الخشبات، ومواقفه السياسية الميالة نحواستقلال الجزائر - إنما بشيء من العقلانية والاعتدال تلفت الانظار - تلفت الأنظار وتؤمن له مكانة محترمة لدى «التقدميين». وإذا كان الفرنسيون شعروا دائماً ان ليس ثمة ما يبرر أي شكوى لديهم من اهل نوبل، على اعتبار ان فرنسا كانت دائماً ذات حظوة لدى النوبليين، وفي شتى المجالات، فإنهم - أي الفرنسيين - زاد شعورهم بالغبطة إزاء فوز صاحب «الطاعون» و«أسطورة سيزيف»، لأنه في ذلك الحين كان اصبح واحداً من اكبر الكتاب الفرنسيين الأحياء. وكان متسقطاً له ان يواصل مسيرته الادبية، مدعوماً هذه المرة بالجائزة النوبلية... لكن الأقدار اختارت له، كما نعهد، مصيراً آخر: اختارت له ان يقتل في حادث سيارة مشؤوم، بعد ثلاثة اعوام من وصوله الى «قمة ادب العالم» من طريق جائزة نوبل.

طبعاً، حين فاز كاموبالجائزة كان مصيره لا يزال بعيداً ولا يخطر في بال احد... لكن الجميع كان يعهد شيئاً آخر، لا علاقة له بالموت اوبنتاجات كاموالادبية... بل كان ذا علاقة مباشرة بمواقفه الفكرية في شكل عام، وانعكس كما سنرى، في خطاب تسلمه الجائزة المسمى عادة «خطاب ستوكهولم». كان خطاباً فكرياً تقنياً، من ناحيته الظاهرية، لكنه في أعماقه وجوهره كان يؤشّر، بالنسبة الى كثر من العارفين ببواطن الامور، نحومكان آخر تماماً: نحوجان بول سارتر، صديق كامواللدود في ذلك الحين... والذي كان يقاسمه التربّع على عرش الادب في فرنسا. فالحال انه اذا كان ثمة شبح خيّم على خطاب كامو، فما هذا الشبح سوى جان بول سارتر، الذي كان كاموسجّل عليه نقطة في «الصراع الخفي» بينهما بفوزه، قبله، بالجائزة العالمية. ولعل هذا ما يفسّر، في رأي البعض، ما سيحدث بعد ذلك بسبع سنوات، حين يعلن أهل أكاديمية السويد حتى الفائز بنوبل للآداب، لعام 1964 هوجان بول سارتر. ونعهد ان هذا الاخير رفض، يومها، الجائزة، فحجبت ولم تعط له ولا لأي إنسان آخر. واذا كان المعنيون تفننوا في ذلك الحين، في تفسير سبب رفض سارتر العنيد، فإن سبباً خفياً قدّم ولم يقنع احداً يومها. كان فحواه حتى سارتر ما كان في إمكانه أبداً حتى يقبل جائزة تعطى لكامومن قبله. حسناً... قد يظهر هذا التفسير عصيّاً على التصديق. بيد حتى مراجعتنا اليوم لخطاب ألبير كاموفي استوكهولم في عام 1957، كفيلة بأن تضعنا وسط امكانية حتىقد يكون هذا التفسير منطقياً.

لقد نشر نص خطاب كامويومها في العام التالي 1958، مصحوباً بنص محاضرة اخرى كان كاموألقاها في جامعة اوبسالا، حول الموضوع نفسه: الادب... دوره ومسؤوليته. وفي النصين بدا واضحاً ان ألبير كاموانما يتعمد انقد يكون، على طول الخط، ضد جميع ما كان سارتر عبّر عنه، في هذا المجال، في الكثير من دراساته ونصوصه ولا سيما في كتابه النظري الأساس «ما هوالأدب؟». بالنسبة الى سارتر، المسألة الاولى في الحياة الفكرية هي مسألة الالتزام، ومعها الحرية كصنوين للفكر الوجودي اليساري الذي كان فكره في ذلك الحين. والالتزام بالنسبة الى سارتر أمر له علاقة بمسؤولية المحرر في زمنه، حيث يقول في احدى فقرات الكتاب: «يتمنى المتطرفون، فزعاً من ان يستخدمهم المجتمع، ألا تستطيع خطهم تنوير القارئ حتى في شؤون قلبه ذاتها، فيأبون ان ينقلوا اليه تجاربهم، ويصير العمل الادبي، في عاقبة امره، لا تبرير له كلية إلا اذا بُرّئ براءة مطلقة من جانبه الانساني. ومرد ذلك، في نهاية المطاف، الى الامل في إبداع ادب تجريدي هولبّ الترف والاسراف، غير قابل للانتفاع به في هذا العالم، لأنه ليس من هذا العالم ولا يذكّر بشيء فيه، ويرى اهله ان الخيال هوالحاسة المجردة من جميع قيد، ووظيفتها جحود الواقع...».

طبعاً، ليس من المنطقي اعتبار هذا الكلام موجهاً الى ألبير كامو. فأدب كامو- على الاقل - لا تنطبق عليه المواصفات التي يعزوها سارتر الى «الكتّاب المتطرفين». ومع هذا، لن يخفى على من يقرأ نص خطاب كاموفي استوكهولم، انه يظهر في نهاية الامر وكأنه مجرد ردّ على سارتر، كما حال محاضرة اوبسالا التي اشرنا اليها. فكامو، في الخطاب والمحاضرة، ينحوالى عرض تصوّره لدور المحرر في العالم المعاصر. بالنسبة اليه، لا ينبغي على المحرر ان يضع نفسه وأدبه في خدمة اولئك الذين يصنعون التاريخ، سياسيين كانوا ام حزبيين ام حتى طبقات شعبية مكافحة، بل في خدمة اولئك الذين يلقي التاريخ بثقله عليهم. باختصار، يجب ألا يضع الادب نفسه في خدمة الاحزاب، بل في خدمة الانسان، في خدمة ألم البشر وحريتهم. كيف،يا ترى؟ مسألة اخرى هذه. المهم هنا ايجاد تحديد لدور المحرر وبعده عن مفهوم الالتزام الضيق. وكامو، بعد ان يعرّف الادب الكلاسيكي بوصفه ادب تسويات وتوافق، يقول عن الادب الحديث، كما ظهر منذ القرن التاسع عشر على الاقل، انه ادب تمرد وثورة... «هوالثورة من دون ان يضع نفسه في خدمة الثورة وغاياتها». وللوصول الى توضيح لهذه الفكرة لا يتردد كامو، وفي الوقت نفسه، دون التنديد، وعلى قدم المساواة، بنظرية الفن للفن، كما بالأدب الواقعي. ويعلن بكل وضوح ان الواقعية أمر محال. وفي هذا الاطار يقول كاموان المحرر، اذ يظهر في الآن عينه، عاجزاً عن ادارة الظهر لزمنه، كما عن ان يضيع في تشعبات هذا الزمن تماماً، يتعيّن عليه في لقاء هذين المخرجين المحالين ان يتحمل مسؤولية هذا الالتباس الغامض كله، ذلك حتى «العمل الاكثر حملة سيكون دائماً ذلك العمل الذي يوازن بين أمرين: الواقع نفسه ورفض الانسان لهذا الواقع... واذ يتوصل الانسان الى هذا التوازن المدهش سيكتشف مدى الارتباط الحقيقي للأدب بالحياة في جميع صورها، الجزلة والممزقة...».

لقد كان من شأن مثل هذا الكلام، الذي يظهر من الواضح ان اكثره موجّه كسهام نحونحر جان بول سارتر، ان يثير عاصفة من التعليقات... لكن سارتر عهد كيف من الممكن أن يلتفّ على الامر، هوالذي حتى وإن سها هذا عن بال كامو، كان منذ سنوات قبل ذلك، وتحديداً منذ رحيل ستالين، وبدء التبدلات الاساسية في المعسكر الاشتراكي، بما في ذلك احداث المجر واستعار الحرب الباردة، كان قد بدل الكثير من مواقفه ولكن في شكل ضمني. ومن هنا كان في وسع سارتر ان يرى، هنا ايضاً، ان كامويحاول ان «ينقل» عنه، متذكراً حتى ثمة أعمالاً لكامومثل مسرحية «العادلون» و«الغريب» وحتى «الطاعون» تثير الإشكالات نفسها التي يناقضها كاموفي خطابه. اذاً: اتى خطاب ألبير كاموليشكل لا حدثاً، بالمعنى الحرفي للحدثة. ومع هذا ظل سارتر على غيظه الدفين، الذي سيكون في خلفية بعض مواقفه التالية، وصولاً الى رفضه جائزة نوبل، تالياً لكامو.

والحقيقة ان موقف سارتر السلبي الصامت من خطاب كامو، في استوكهولم، ساهم في اشاعة الصمت العامّ من حوله... بل اعتبر من البديهيات التي لا بحاجة الى مناقشة. وظل أدب كامو(1913-1960) المولود في الجزائر والمناضل طوال حياته على جبهة الحرية الانسانية، ظل مطبوعاً بنزعة تمردية، ولكن كونية فيها الكثير من التناقض مع نزعة الحرية السارترية المسؤولة. وكاموترجم أعمالاً من الانكليزية، وخط المسرحية والرواية كما خط النقد، اضافة الى كتابته الكثير من الموضوعات السياسية خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، ومنها في شكل خاص تلك الموضوعات التي تناول فيها المسألة الجزائرية.

المصادر

تاريخ النشر: 2020-06-04 15:24:39
التصنيفات: أعمال ألبير كامو, جائزة نوبل في الأدب, أعمال 1957, جان پول سارتر

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الفيدرالي الأمريكي يرفع الفائدة للمرة الثامنة على التوالي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:41
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 97%

الجزائر.. الجيش يوقف إرهابيا في تمنراست

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:43
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 91%

مراسلنا: كييف تستهدف دونيتسك بـ99 صاروخا وقذيفة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:40
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 86%

تمديد حالة الطوارئ في ميانمار وتوقعات بتأجيل انتخابات أغسطس

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:33
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 90%

السويد: الدين ليس جزءا من بروتوكول الانضمام إلى الناتو

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:42
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 98%

قتيل ومصابان بإطلاق عشوائي للنار في واشنطن

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:35
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 89%

شيخ الأزهر يتدخل بعد إنقاذ شاب سوداني سيدة مصرية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:37
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 90%

الجزائر.. القبض على أعتى محتال نصاب في البلاد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:36
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 99%

أندرو تيت: رفض طعن صانع المحتوى المثير للجدل على احتجازه في رومانيا

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:17
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 92%

كشف ملابسات مقتل مصري بطريقة وحشية في إيطاليا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:39
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 96%

شركة "إيه إم سي" الترفيهية تقرر الخروج من السوق السعودية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:41
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 90%

أوبك بلاس تؤكد التزامها باستراتيجية خفض إنتاج النفط

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:21
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 88%

بطولة فرنسا: سان جرمان يفوز ويخسر مبابي وأوناحي يفتتح رصيده

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:23
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 90%

برشلونة يبتعد عن ريال مدريد في صدارة الدوري

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:44
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 88%

المركزي السعودي يرفع أسعار "الريبو" و"الريبو العكسي" 25 نقطة أساس

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:39
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 90%

كأس الرابطة: مانشستر يونايتد يلاقي نيوكاسل في النهائي

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:24
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 86%

بطولة فرنسا: مرسيليا إلى المركز الثاني موقتاً وأوناحي يفتتح رصيده

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:26
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 100%

قناة السويس تكشف لـRT تفاصيل تعطل سفينة الغاز

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:16:35
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 99%

تحميل تطبيق المنصة العربية