استفتاء

عودة للموسوعة

استفتاء

هوالاستفتاء Referendum أوplebiscite هوالطريقة الديمقراطية المباشرة لمشاركة الشعب في سَنِّ الشرائع الدستورية والقانونية التي تحكم بها البلاد، وذلك بالتصويت على ما تعرضه عليه منها السلطات الحاكمة، أوعلى ما يطلبه أويقترحه هونفسه منها. وثمة طريقة شبيهة به تؤدي إلى هذه المشاركة الشعبية المباشرة، لأجل تنصيب رؤساء الدولة أودعمهم، هي التصديق الشعبي plébiscite . والفارق بين هذين النظامين هوحتى الاستفتاء يتوجه إلى الشعب بنصوص معينة، في حين يتوجه إليه التصديق الشعبي بطرح الثقة بشخص معين. وقد شاع عالمياً استعمال تعبير «استفتاء» في حالتي الاستفتاء والتصديق الشعبي على السواء، وأصبح يطلق غالباً على كليهما في العهد السياسي.

والذي تقوم به الصحف والمؤسسات الخاصة والعامة أوالدولة لرصد اتجاهـات الرأي العـام بالنسبة لموضوع أوقضية اجتمـاعية أواقتصادية أوسياسية معينة. وهويبحث في المواقف المتنوعة لفئة من الناس تستخلص منها بعض النتائج التي تساعد في تكوين فكرة عامة عن أي موضوع أوقضية .وهناك الاستفتاء الذى قد ينص عليه دستور الدولة كوسيلة اساسية لفهم راى الشعب في مسالة اواكثر متعلقة بنظام الدولة العام اوالموافقة على ترشيح رئيس جمهورية مثلا والاستفتاء الشعبى يعتبر من مظاهر ممارسة الديموقراطية المباشرة، حيث من خلاله يبدى الشعب رأيه بالموافقة أوالرفض في المسألة المعروضة عليه في الاستفتاء دون وسيط.

نشأة نظام الاستفتاء

إن ثمة أوضاعاً اجتماعية وسياسية كانت في الأصل وراء ظهور هذا النظام. ذلك حتى الديمقراطية المباشرة التي تعني في الأصل حكم الشعب نفسه بنفسه تبدوفي مفهومها المطلق مجرد نظرية محالة التطبيق. الأمر الذي حدا بفقهاء السياسة إلى التحري عن طرقٍ عملية تسمح للشعب بأن يمارس التشريع بنفسه أوحتى يشارك فيه دونما وساطة. وقد توصلوا إلى ابتداع أسلوبي الاستفتاء والتصديق الشعبي اللذين يجمعان بين النظرية الديمقراطية المحضة وإمكانية وضعها موضع التطبيق. يرجع الأقدم منهما، وهوالتصديق الشعبي إلى تاريخ رومة القديمة. ففي القرن الرابع قبل الميلاد كانت عامة الشعب plèbe تعبِّر عن إرادتها بالتصويت فيما يتصل بالمقررات التي تسري عليها فقط. في حين كانت تسري على الطبقات المتميزة من الشعب القوانين lex التي كانت تصدر عن مجلس الشيوخ sénat. وقد نشبت نزاعات طبقية وسياسية مُرَّة انتهت بالتفاهم بين سائر الفئات على حتى تطرح المشروعات على مجموع الشعب لتسري الأحكام التي يقرها على جميع طبقاته. وعلى مرِّ السنين تضاءل دور التصديق الشعبي واقتصر على تقليد السلطة العليا للأباطرة. ثم جعل هؤلاء يلجؤون إلى هذا الأسلوب في مجالات توطيد سلطانهم أوتوسيع صلاحياتهم عندما كانوا يشعرون بمعارضة مجلس الشيوخ لهم. وظلَّ التصديق الشعبي يطلق في القرون اللاحقة حتى اليوم على أمر الموافقة على تنصيب رؤساء الدول. وأحدث مثال عليه انتهى بالرفض وهوالطلب الذي وجهه إلى الشعب رئيس تشيلي الجنرال بينوشيه في 5/10/1988 لبيان قبوله أورفضه تجديد رئاسته التي تنتهي في عام 1989، وكان الجواب سلبياً.

ويرجع نظام الاستفتاء إلى القرن الخامس عشر، إذ مارسته بعض الأنطقيم السويسرية «الكانتونات» cantons وكان أول إقليم مارسه هوالفاليه Valais ثم الغريزون Grisons. فكانت الجمعية العمومية للإقليم تسنّ تدابير مؤقتة على حتى يستشار فيها الشعب ad référendum فإذا أقرّها أصبحت قانوناً. ولما عمَّ هذا الأسلوب الأنطقيم الأخرى أخذت هذه الاستشارة اسم الاستفتاء الشعبي. واقتدت بسويسرة في القرون اللاحقة بعض بلاد العالم ابتداءً من ألمانية وبعض الولايات الشمالية من الولايات المتحدة الأمريكية والسويد، على نطاق ضيق. ثم تبعتها فرنسة، وكان أول عهدٍ لها بالاستفتاء في عام 1793 ثم في 1795 في ظل الثورة الفرنسية. ثم لجأ إليه نابليون الأول في عام 1799 إثر الانقلاب الذي قام به، ثم في أعوام 1802 و1804 و1815. ولم تشأ السلطات المتعاقبة على الحكم في فرنسة اللجوء إلى الاستفتاء بعد ذلك إلى حتى أحياه نابليون الثالث في أعوام 1851 و1852 و1870. ثم أهمل ثانية إلى حتى عاد لإحيائه الجنرال ديغول في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945 ثم طبق في فرنسا عشر مرات كان آخرها في 6/11/1988 حول مصير جزيرة «نيوكلدونية».

وسرى نهج الاستفتاء من أوربة إلى الدول الإفريقية ودخل في صلب الكثير من دساتيرها ودساتير الدول التي تحررت بعد الحرب العالمية الثانية. كما انتقل هذا الأسلوب من الولايات المتحدة الأمريكية إلى سائر دول القارة الجديدة. إلا حتى سويسرا كانت وما تزال البلد الأمثل في الفقه النظري والعملي للاستفتاء.

وقد بقي المؤرخون لعدة قرون لا يفرقون كثيراً في التعبير بين الاستفتاء والتصديق الشعبي الموروث عن روما من القديم. ولم يؤخذ بالدقة في التفريق بين النظامين إلا في مطلع القرن العشرين.

إن الطريقة العملية للمشاركة الشعبية بوساطة الاستفتاء هي تصويت الناخبين على المشروعات الدستورية أوالتشريعية أوالقضايا المهمة التي تطرح عليهم والتي يطلب إليهم حتى يجيبوا عنها على الأغلب بإحدى حدثتي (نعم) أو(لا).


أنواع الاستفتاء

يمكن تصنيف الموضوعات التي تطرح على الاستفتاء، بحسب ماهيتها في عدة أنواع، وهي:

الاستفتاء الدستوري

وهوحتى يطرح على الناخبين مشروع دستور حديث أومشروع تعديل دستور نافذ ليقرروا قبوله أورفضه. وقد اتّبع هذا الأسلوب في فرنسة فيما يتصل بعدة دساتير، منها دستور 1940 الذي وضع مشروعه الماريشال بيتان لجنوبي فرنسا الذي لم تحتله الجيوش الألمانية وطرحه على الاستفتاء. ثم دستور 1946 الذي جرى الاستفتاء عليه عقب الحرب العالمية الثانية والذي قضى بأن تطرح على الاستفتاء أيضاً مشروعات تعديله إذا كانت الجمعيتان (أي الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) قد أقرتاها بأغلبية ضعيفة. وقد رسّخ دستور 1958، الذي حلّ محلّه، مبدأ الاستفتاء الإلزامي على جميع تعديل له تقترحه وتقره الجمعيتان، إلا أنه أجاز عدم اللجوء إلى هذا الاستفتاء إذا كانت الحكومة هي صاحبة مشروع التعديل ثم عرضته على الجمعيتين. على حتى لرئيس الجمهورية في هذه الحالة حتى يطلب إلى الجمعيتين حتى تجتمعا في مؤتمر congrès لمناقشته. فإذا حاز المشروع أغلبية ثلاثة أخماس الأصوات المدلى بها لا يطرح على الاستفتاء. أما في سويسرة فإن الاستفتاء الدستوري إلزامي على الصعيد الاتحادي وفي نطاق الأنطقيم على السواء. وفي سورية عُرض مشروع الدستور النافذ على الاستفتاء عام 1973 وأقر. إلا حتى تعديله لا يحتاج إلى الاستفتاء وإنما أعطي حق التعديل لمجلس الشعب شريطة إقراره بأغلبية ثلاثة أرباع أعضائه واقترانه بموافقة رئيس الجمهورية.

الاستفتاء التشريعي

ويكون اختيارياً تارة وإلزامياً تارة أخرى، فيطرح رئيس الدولة أوالمجلس التشريعي على الشعب اقتراحاً أومشروع قانون للموافقة عليه أورفضه. ففي فرنسة أجاز دستور عام 1958 لرئيس الجمهورية بناءً على اقتراح الحكومة أواقتراح الجمعيتين حتى يطرح على الاستفتاء أي مشروع قانون يتناول تنظيم السلطات العامة أويتضمن التصديق على معاهدة تتعارض مع بعض أحكام القوانين المحلية. وبعض الولايات المتحدة الأمريكية الشمالية تسير على نهج هذا الاستفتاء التخييري في حين تسير ولايات أخرى على مبدأ الاستفتاء الإلزامي.

أما في سويسرا فإن الاستفتاء التشريعي اختياري على الصعيد الاتحادي fédéral ويجري إذا طالب به ثلاثون ألف مواطن أوثمانية أنطقيم، شريطة ألا يتناول الموازنة أوالقوانين المالية. أما على صعيد الأنطقيم فالاستفتاء اختياري تارة، وإلزامي تارة أخرى بحسب الموضوعات.

الاستفتاء الاستشاري

قد تطلب السلطات التشريعية من المواطنين موافقتهم المسبقة على وضع مشروع قانون أومشروع تعديل دستوري يطرحان عليهم فيما بعد. وهذه الاستشارة تسمح للمواطنين بأن يبينوا رغبتهم قبل وضع نص المشروع. ففي السويد، بموجب القانون الأساسي لعام 1908، يخول الملك والمجلس التشريعي مجتمعين تحري رأي الشعب في أي موضوع يريانه ذا أهمية خاصة قبل وضع المشروع له. وفي الجزائر توجه رئيس الجمهورية في 3/11/1988 إلى الشعب يستفتيه فيما إذا كان يوافق على إصلاح دستوري بأن يوضع مشروع بتعديل بعض أحكام الدستور في أمور معينة، يعرض عليه فيما بعد. وقد وافق الشعب على العرض. واتّبع مؤخراً في فرنسة حيث طرح رئيس الجمهورية على الاستفتاء مشروع قانون يتضمن أحكاماً تنظيمية وإعدادية لتقرير المصير الذي يتم بعد عشر سنوات لجزر نيوكلدونية في المحيط الهادئ. وقد اقترن بالموافقة في 6/11/1988.

الاستفتاء التحكيمي

وذلك عندما يدعى الشعب للفصل في ما يقع من خلافات بين السلطات العامة. ففي فترة مابين الحربين العالميتين (1918- 1945) راعت بعض الدول الأوربية في دساتيرها حتى تحتكم إلى الشعب عن طريق الاستفتاء في النزاعات التي قد تنشب بين السلطات الحكومية والسلطات التشريعية. وأول هذه الدساتير الدستور الألماني الذي أقرته الجمعية التأسيسية في فيمار Weimar في مطلع عام 1919، والذي جعل من ألمانية دولة اتحادية مؤلفة من سبع عشرة ولاية تتمتع بالاستقلال الذاتي وأوجب حتىقد يكون الفصل في أي نزاع يقوم بين جميع سلطاتها، بتحكيم الشعب فيه بوساطة الاستفتاء.


المبادرة الشعبية

هي حق المواطنين، بمبادرة منهم، في سنّ التشريعات التي لا تتحمس السلطات التشريعية لها، أوفي مطالبة هذه السلطات بوضعها. ودستور إقليم برن السويسري يعطي الناخبين حق المطالبة بسنّ قانون أوإلغاء قانون قائم أوتعديله فيما إذا تقدم بهذا الطلب عدد منهم لا يقل عن اثني عشر ألفاً. والحكومة في هذه الحالة أمام أحد خيارين، فإمّا حتى تستجيب للطلب. أوحتى تطرح الاقتراح نفسه على الاستفتاء. أما على الصعيد الفدرالي السويسري فإن حق الاقتراح المقرر في هذا المجال هوفي الأمور الدستورية فقط على ألا يقل عدد الطالبين عن خمسين ألفاً.

حق الاعتراض الشعبي

هوحتى يسن المجلس التشريعي قانوناً ويقره. إلا أنه قبل وضعه موضع التطبيق يعرضه على الشعب، فإذا اعترض عليه عدد معين من الناخبين وجب طرحه على الاستفتاء لتصديقه أونقضه. وإذا لم يبلغ عدد المعترضين نصابه عدّ القانون مصدقاً. وهذا الأسلوب متبع في إيطالية وفي بعض الولايات المتحدة الأمريكية الشمالية.

حق الاختيار

تطرح الحكومة على الناخبين عدة حلول ليختاروا واحداً منها. ومن أبرز الأمثلة على هذه الطريقة ما جرى طرحه على الشعب الفرنسي في 21/10/1945 بُعيد الحرب العالمية الثانية، إذ طُلب إليه بيان ما إذا كان يرغب في حتى تكون الجمعية التي ينتخبها في اليوم ذاته جمعية تأسيسية مكلفة وضع دستور حديث أوتكون مجرد مجلس نواب يعمل ضمن نطاق القوانين النافذة. وإذا أصبحت جمعية تأسيسية فهل تتمتع بسلطات غير محدودة أوإنها تتبع دستوراً مؤقتاً إلى حتى تنتهي من وضع الدستور الجديد؟. وكذلك الاستفتاء التخييري الذي جرى في إيطالية عام 1946 بعد الحرب العالمية الثانية لتخيير الشعب بين النظام الملكي والنظام الجمهوري، وكان الاختيار للثاني. كما حتى دولة النروج هجرت للشعب حتى يختار بالاستفتاء بين الانضمام إلى المجموعة الأوربية الاقتصادية أوعدمه. وقد اختار عدم الانضمام. وثمة نوع آخر هوالاستفتاء على الثقة بالمجلس المنتخب القائم، إذ للشعب حتى يقرّ استمرار الثقة به أوحجبها عنه، فإذا ما حجبها عُدَّ المجلس منحلاً. وهذه الطريقة متبعة في أحد عشر إقليماً سويسرياً. أما في الولايات المتحدة الأمريكية ففي اثنتي عشرة ولاية منها يجوز وفق هذه الطريقة إبطال نيابة عضوفي المجلس أوتسريح أحد الموظفين. مزايا الاستفتاء

الاستفتاء هوالترجمة العملية للديمقراطية المباشرة إذ يسهم الشعب مباشرة في صوغ الكثير من المقررات المهمة التي تحكمه. وهوالرديف المتمم للتمثيل الشعبي الذي تبرز فيه الديمقراطية غير المباشرة. ومن أبرز مزايا نظام الاستفتاء: ـ حتى مجالس الشعب بفضل قيامه تمارس صلاحياتها ونصب أعينها حقوق هذا الشعب الرقيب عليها.

ـ أنه وسيلة للتوازن بين السلطات لأن لكل من السلطتين التشريعية والتطبيقية حتى تحتكم إلى الشعب.

ـ أنه يبعث في المواطنين الشعور بسلطانهم المستقل في لقاءة الأحزاب السياسية، فيدلون بأصواتهم بصدق وشجاعة ومن واقع حاجاتهم، من دون التزام السير على خطا هذا الحزب أوذاك. نطق العلامة دوغي Duguit «إن الناخبين هم أكفأ في تقدير ملاءمة القوانين التي تنظم شؤونهم، منهم في اختيار ممثليهم في المجالس».

ـ لا ينكر الأثر الأخلاقي الواعي الذي تخلفه هذه الطريقة الاستشارية سواء في نفوس الناخبين أولدى الأحزاب أوفي الحياة السياسية بمجملها. ولذلك فمن شأن نظام الاستفتاء كما يقول جورج بوردوBurdeau «أن يرقى بالشعب إلى مستوى إنساني رفيع».

المآخذ على الاستفتاء

لم ينج هذا النظام من النقد. ومن أبرز المآخذ التي أوردها عليه الفقهاء: ـ أنه يقلل من شأن الحكومة المنبثقة عن التمثيل النيابي، كما مضى إليه مؤرخ فهم القانون آديمار إيسمن Esmein. ـ أنه يتسم بالطابع المحافظ، بحسب رأي العلامة موريس دوفيرجيه Duverger وآخرين. فغالبية مشروعات الإصلاح في سويسرة، مثلاً، اصطدمت عند الاستفتاء عليها، بحرص الناخبين على الأوضاع التي ألفوها. وكان مصيرها الرفض.

ـ أنه يغلب على الاستفتاء في كثير من الأحيان مفهوم التصديق الشعبي، فكثيراً ما ينقاد الناخبون إلى التصويت بحسب مشاعرهم تجاه رجل الدولة صاحب المشروع، وليس بحسب مضمون المشروع، أوحتى يسلب من الناخبين حرية الاختيار الحقيقي عندما يتراءى لهؤلاء حتى التصويت السلبي على الموضوع المطروح عليهم يتسبب في مضار كبيرة للبلد، فينجرون إلى الموافقة مكرهين.

وإن التاريخ زاخر بالأمثلة على حالات انحراف الاستفتاء إلى مفهوم التصديق الشعبي. ففي عام 1799 لما دعي الشعب الفرنسي إلى الاستفتاء على الانقلاب الذي تزعمه نابليون وعلى مشروع الدستور الذي وضعه والمشهور بدستور العام الثامن للثورة، كان التصويت إيجابياً بأغلبية ساحقة مراعاة لشخص صاحب الاستفتاء. وقد استوعب نابليون الغنم الذي يمكن حتى يجره له هذا الشكل من الاستفتاء فأعاد الكرة في عام 1802 لينال الموافقة على تنصيبه قنصلاً مدى الحياة. ثم في عام 1804 لإعلان الامبراطورية وتنصيبه امبراطوراً. وأخيراً في عام 1815 بعد إبحاره من مقره في جزيرة إلبة Elbe واستيلائه على الحكم ثانية أجرى استفتاءً حول تعديل الدستور لتعزيز سلطته. واقتفى خطواته ابن أخيه نابليون الثالث إثر الانقلاب الذي أجراه في عام 1851، ثم في عام 1852 لتنصيبه امبراطوراً، وكذلك في عام 1870 من أجل دعم مركزه تجاه المعارضة. والانحرافات التي رافقت هذه الاستفتاءات أفقدت الثقة إلى حد بعيد بهذا النظام الأمر الذي استتبع العزوف عنه. حتى النصوص الدستورية نفسها التي كانت تطرح على الاستفتاء كان واضعوها يضفون عليها طابع التصديق الشعبي. فدستور فيمار الألماني الذي صدر في أعقاب الحرب العالمية الأولى عام 1919 تجيز المادة 74 منه لرئيس الدولة حتى يطرح على الاستفتاء القوانين التي يقرها المجلس التشريعي بمعنى حتى لرئيس الدولة حتى يجابه المجلس بالشعب ويُعَرِّضَ إرادة المجلس لأن يخذلها ناخبوه.

إن هذه السابقة وبعض مثيلات لها تسببت في نفرة السلطات الألمانية من هذه الأساليب في الاستفتاء وأدت إلى هجره.

وعلى الرغم من هذه المثالب فإن بعض البلاد، وفي أوضاع مختلفة، توصلت بالاستفتاء إلى التغلب على صعوبات شائكة. فبفضل اللجوء إليه تمكنت بلجيكة في عام 1950 من حسم معضلة استمرار النظام الملكي الذي تضعضع بعد الحرب العالمية الثانية، فأبقي عليه. وفي سويسرة، وعلى الصعيد الاتحادي، رفض الشعب في عام 1970 اقتراحاً عرض عليه مع أنه كان قد وضع بمبادرة شعبية، في الوقت الذي أقر فيه عام 1971 مشروعاً، اقترحته الحكومة، حول مشاركة المرأة في الانتخابات. وعلى صعيد الأنطقيم أقر الشعب في مقاطعة زوريخ عام 1970 حق المرأة في الانتخاب والترشيح للمجلس المحلي. ثم سارت مقاطعات أخرى على نهجها. فكان الرجوع إلى الشعب في هذه الأمور إيجابياً إلى حد بعيد. إلا حتى المحذور يبقى كامناً في حتى السلطات لا تعدم أحياناً وسائل للانحراف بالاستفتاء وتشويهه باستخدامه لأغراضها. كما حصل مثلاً في أثناء رئاستي الجنرال ديغول لفرنسة، فبعد مضي أمد طويل على نظام الاستفتاء منذ 1870، بعثه ديغول من مرقده سنة 1945، ولجأ إليه بضع مرات بعد ذلك، وكان يستخدمه في جميع مرة للتغلب بوساطته على الأزمات التي كانت تعترضه.


تقهقر نظام الاستفتاء

إن ظاهرة تقهقر نظام الاستفتاء تفشت في كثير من الدول ولاسيما التي تحررت حديثاً في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وخاصة في القارة الأفريقية. ولئن توجت هذه الدول دساتيرها بشعار حتى السيادة الوطنية ملك للشعب وأنه يمارسها بوساطة ممثليه وعن طريق الاستفتاء، أي إذا اللجوء إلى الشعب مباشرة أصبح نظرياً أكثر منه عملياً، ولا يطبق إلا في حالات نادرة جداً. وأن بعض النصوص الدستورية الحديثة أخذت العبرة من نفور سائر الدول من نظام الاستفتاء فأهملت الأخذ به كما هي الحال فيما يتصل بدستور الكونغووميثاق المجلس الرئاسي لدولة بينين الصادرين عام 1970؛ في حين حتى البعض الآخر من الدول الأفريقية وغيرها من الدول التي أخذت دساتيرها بنظام الاستفتاء قد تنكرت عملياً لهذا النظام.

وإن أوضاعاً خاصة في بعض البلاد تجعل الرجوع إلى رأي الشعب أمراً شكلياً مضمون النتائج. ونظام الحزب الواحد الذي تأخذ به بعض الدول كفيل بأن يفوز فيه جميع مشروع يطرح على التصويت الشعبي بإجماع الأصوات. وليس خافياً ما يصاحب هذا الأسلوب من خطر حلول الطبقة الحاكمة محل الشعب.

وإذا كان الاستفتاء قد ولج بصورة عامة في طور التقهقر، فإن هذا القول لا ينطبق على الدولة السويسرية التي لا يزال الاستفتاء يحظى فيها بمسقط الصدارة. فهويؤهل الناخبين لأن يتخذوا مواقف صادقة في لقاءة أسئلة موضوعية صريحة خالية من أي لبس. والخيار الذي يرتضونه يبقى في نطاقه الموضوعي ولا يعني تأييداً للسياسة العامة للدولة أورفضاً لها.

وأخيراً وإن كان للاستفتاء جوانب مظلمة فإنه لا تنكر عليه في الوقت نفسه جوانبه المضيئة شأنه في ذلك شأن أي نظام، ويبقى صلاحه وفساده في يد المسؤولين عن تطبيقه.

الاستفتاء في سورية

أول تشريع سوري اتى بالاستفتاء صدر بالمرسوم التشريعي رقم 106 المؤرخ في 4/6/1949 إثر انقلاب الزعيم حسني الزعيم، إذ نادى الشعب لبيان موافقته على انتخاب رئيس للجمهورية من الشعب مباشرة، وعلى حتى يخول وضع دستور حديث يعرض على الاستفتاء، وأن يتولى الرئيس سلطة التشريع حتى وضع الدستور. وأعقبه بعد يومين المرسوم التشريعي /111/ متضمناً الأسئلة التي تطرح في ذلك الاستفتاء، الذي جرى عملاً في 25/6/1949، وأجيب عن الأسئلة بالموافقة بما يشبه الإجماع. وفي 13/8/1949 أطاح انقلاب الزعيم الحناوي ذلك الحكم وانتخبت جمعية وضعت دستوراً جديداً أعرب في 5/9/1950، ثم ألغي في 29/11/1956 وحل محله دستور حديث أقر باستفتاء شعبي.

وفي 1/3/1973 صدر المرسوم التشريعي رقم /8/ الذي وضع للاستفتاء أصولاً وقواعد تنظيمية سواء أكان استفتاءً على الدستور أم على أي موضوع آخر. فهويضم إذاً ما اصطلح على تسميته بالتصديق الشعبي وبمقتضى هذا التشريع يجري الاستفتاء بناءً على دعوة توجه للمواطنين بمرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية يتضمن المشروع المطروح والأسئلة الموجهة إلى المواطنين وشكل الإجابة عنها وموعد إجرائه. ويتمتع بحق التصويت الذكور والإناث على السواء، الذين أتموا الثامنة عشرة من عمرهم. ويعد موضوع الاستفتاء مُقراً إذا وافقت عليه الأكثرية المطلقة لمجموع أصوات المقترعين.

وفي إثره دعي المواطنون لاستفتائهم على مشروع دستور الجمهورية العربية السورية. فوافق عليه الشعب بتاريخ 12/3/1973 وهوالدستور النافذ. وتقضي أحكامه بأن يتم انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاستفتاء. وأن يجري بدعوة من رئيس مجلس الشعب. ومنح لرئيس الجمهورية الحق بأن يستفتي الشعب بالقضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد العليا. وجعل للقوانين التي تنال موافقة الشعب امتيازاً على القوانين التي تصدر عن مجلس الشعب بأن حصّنها وجعلها في منأى عن الطعن بعدم دستوريتها أمام المحكمة الدستورية العليا. وتكون نافذة من تاريخ إعلانها..


مصادر

  • Interview with Chris Patten, EU Commissioner for External Affairs (2003). bbc.co.uk. Retrieved 13 Oct. 2004 from http://news.bbc.co.uk/1/hi/programmes/breakfast_with_frost/2954232.stm.
  • Emerson, P J. Defining Democracy puts both two-option and multi-option referendums into their historical context and suggests which are the more accurate measures of "the will of the people". The de Borda Institute is at http://www.deborda.org
  • Emerson Peter, Designing an All-Inclusive Democracy (Springer-Verlag, 2007), describes the Modified Borda Count (MBC), as well as the Quota Borda System (QBS) and the matrix vote.
  • The Federal Authorities of the Swiss Confederation, statistics (German). http://www.bfs.admin.ch/bfs/portal/de/index/themen/17/03/blank/key/stimmbeteiligung.html

انظر أيضاً

  • قائمة المواضيع المتعلقة بالسياسة
  • علوم سياسية
  • Referendums related to the European Union
  • مبادرة
  • المبادرة والاستفتاء
  • United Nations in Kashmir
  • استفتاء الاستقلال

الهامش

  1. ^ "الاستفتاء والتصديق الشعبي". الموسوعة العربية. 2007.
هذه بذرة منطقة عن مواضيع أوأحداث أوشخصيات أومصطلحات سياسية بحاجة للنمووالتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.
تاريخ النشر: 2020-06-04 15:40:01
التصنيفات: بذرة قانون, استفتاءات, ديمقراطية مباشرة, انتخابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

إحباط تهريب 75790 قرص أمفيتامين مخدر بالمنطقة الشرقية - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:23
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 62%

منتدى الرياض الاقتصادي يعقد دورته العاشرة في نوفمبر المقبل

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:18
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 95%

ميقاتي: لبنان يحتاج لخطة تعاف اجتماعي تواكب أي خطة انتعاش اق

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:21:50
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 58%

لماذا تجتذب حركة «الاستلقاء على الأرض» الشباب الصيني؟

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:20
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 87%

نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني: زيارة رئيس وزراء إسرائ

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:21:56
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

جراحة بالدماغ قد تساعد في التغلب على الإدمان

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:21
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 95%

الكرملين: تحليل حلف الأطلسي لتحركات القوات الروسية خاطئ

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:21:57
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

بعد فاجعة ريان... مصرع الطفل عشعاشي داخل حفرة عميقة بالجزائر

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:17
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 96%

جميلة بوباشا... ناشطة سابقة في الجزائر ترفض منصباً برلمانياً

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:20
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 90%

تعيين قائد المجلس العسكري في بوركينا فاسو رئيسا للبلاد

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:21:59
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 60%

الكويت تلغي نصا قانونيا يجرم التشبه بالجنس الآخر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:21:48
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

أزمة جديدة بين بغداد وأربيل.. واشنطن تتوسط - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:24
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

مقتل ثلاثة مدنيين بقصف لمخزن محروقات شمال غربي سوريا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:19
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 88%

وزير الخارجية التركي يعلن إصابته بكورونا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:21:46
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

الجزائر: القمة العربية تعقد في الربع الأخير من 2022 - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:24
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 68%

«ميتا» تواصل جهودها التسويقية لتغيير صورتها لدى المستخدمين

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:18
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 90%

الرئيس الأوكراني يطلق احتفالات بمناسبة عدم هجوم روسيا على بل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:21:49
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 60%

مجلس الأمة الكويتي يجدد الثقة في وزير الخارجية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:21:55
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 54%

الصين: أميركا تبالغ في التهديد الروسي لأوكرانيا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:19
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 89%

الرسوم تحرم «38» ألف طفل بالعاصمة السودانية من شهادة الميلاد

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:05
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

الجيش اليمني يحرر مواقع جديدة في جبهة الصفراء بصعدة

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:17
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 98%

أمريكا ترحب برفع الطوارئ في إثيوبيا وتشدد على تحقيقات شفافة

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:22:06
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

بعد عامين من اختفائها.. العثور على طفلة مخبأة أسفل سلم في من

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-16 15:21:51
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية