بيان 30 مارس
بيان 30 مارس، هوبيان ألقاه الرئيس المصري جمال عبد الناصر في 30 مارس 1968، بعد خروج مظاهرات طلابية في الجامعات المصرية تطالب بمحاسبة المسؤولين عن النكسة. .
نص البيان
الآن يصبح في إمكاننا حتى نتطلع إلى المستقبل، وقبل الآن فإن مثل ذلك لم يكن ممكناً إلا بالاستغراق في الأحلام أوالأوهام، وكلاهما لا تستسلم له الشعوب المناضلة، فضلاً عن حتى تقع فيه بينما هى عند مفترق الطرق الحاسمة وأمام تحديات المصير
قبل الآن لم يكن في مقدورنا حتى ننظر إلى أبعد من مواقع أقدامنا؛ فلقد كنا بعد النكسة مباشرةً على حافة جرف معرض للانهيار في أى وقت. وكان واجبنا في ذلك الظرف يحتم علينا - قبل أى شىء آخر- حتى نتحسس طريقنا إلى أرض أصلب تتحمل وقفتنا، وأرض أرحب تتسع لحركتنا. ولقد كانت جماهير الشعب بموقفها يومىتسعة و10 يونيوهى التى جعلت ذلك قابلاً للتحقيق؛ بفضل ما أظهرته من تصميم يرفض الهزيمة ويثق في النصر. إن الموقف المؤمن والبطولى الذى اتخذته جماهير شعبنا في ذلك الظرف العصيب، هووحده الذى مكن للتحولات الهامة، التى سقطت منذ ذلك الوقت من حتى تحدث عملها وأثرها؛ بحيثقد يكون في مقدورنا اليوم حتى نقول بأمل في الله عظيم: إنه الآن يصبح في إمكاننا حتى نتطلع إلى المستقبل. ومن دلائل الخير حتىقد يكون ذلك في مقدورنا اليوم في ذكرى عيد الهجرة بما تحمله إلى المؤمنين من معانى التضحية فداءً للمبدأ، والنضال المستمر من أجل الحق، والصبر على المشاق في سبيل نصر الله عزيزاً وصادقاً.
أيها الإخوة المواطنون:
إن الموقف البطولى المؤمن لجماهير شعبنا يومىتسعة و10 يونيو، هووحده الذى خلق عدداً من التحولات الهامة مكنت لعملنا من حتى يبتعد عن الحافة الخطرة التى كان عليها في أعقاب النكسة، ليقف على الأرض الأصلب، وليستشرف الأفق الأوسع الذى يستطيع حتى يتحرك عليه نحوأهداف نضاله الشريفة والغالية. وأبرز هذه التحولات كما يلى:
أولاً: إننا استطعنا إعادة بناء القوات المسلحة، وكانت تلك بداية ضرورية وبغير بديل، إذ كنا نريد جداً وحقاً حتى نصحح آثار النكسة، وأن نزيل العدوان، وأن نسترد ما ضاع منا فيه. بغير إعادة بناء القوات المسلحة لم يكن أمامنا غير تقبل الهزيمة مهما كانت آمالنا، ومهما كان إيماننا؛ ذلك حتى منطق هذا العصر - ولعله منطق جميع العصور- حتى الحق بغير القوة ضائع، وأن أمل السلام بغير إمكانية الدفاع عنه استسلام، وأن المبادئ بغير مقدرة على حمايتها أحلام مثالية مكانها السماء، وليس لها على الأرض مكان.
ثانياً: إننا استطعنا تحقيق مطلب الصمود الاقتصادى، في وقت كانت الأمور كلها تسير في اتجاه معاكس لفرصة تحقيقه، ولقد ساعد على ذلك رضا الشعب بالمزيد من التضحيات، وساعد عليه موقف عربى أصيل في مؤتمر الخرطوم، وساعد عليه أصدقاء لنا على اتساع العالم كله، وقفنا معهم فوقفوا معنا. ولقد كان محتماً حتى يسير مطلب الصمود الاقتصادى جنباً لجنب مع عملية إعادة بناء القوات المسلحة؛ فلم يكن في استطاعتنا بغير اقتصاد سليم حتى نوفر لاحتمال الحرب، ولا كان مجدياً حتى نقف رابضين على خطوط النار بينما مقدرتنا على الإنتاج معطلة وراء الخطوط، وشبح الجوع يهددنا بأسرع من تهديد العدولنا.
ثالثاً: إننا استطعنا تصفية مراكز القوى التى ظهرت، وكان من طبيعة الأمور وطبيعة النفوس حتى تظهر في مراحل مختلفة من نضالنا. إذا العمل السياسى لا يقوم به الملائكة وإنما يقوم به البشر، والقيادة السياسية ليست سيفاً بتاراً قاطعاً، وإنما هى عملية موازنة وعملية اختيار بعد الموازنة، والموازنة دائماً بين احتمالات مختلفة، والاختيار في كثير من الظروف بين مخاطر محسوبة. ولقد تجاوزت الأمور حد ما يمكن قبوله بعد النكسة؛ لأن مراكز القوى وقفت في طريق عملية التسليم خوفاً من ضياع نفوذها، ومن انكشاف ما كان خافياً من تصرفاتها. وكان ذلك لوهجر وشأنه كفيلاً بتهديد جبهة الصمود الشعبى؛ ولذلك فلقد كان واجباً - بصرف النظر عن أى اعتبار- تصفية مراكز القوى، ولم تكن تلك بالمسألة السهلة إزاء المواقع التى كانت تحتلها مراكز القوى، وفى إطار الظروف الدقيقة التى كان يعيشها الوطن. رابعاً: إننا استطعنا - وهذه مسألة أخلاقية ومعنوية أعلق عليها قيمة كبيرة - حتى نضع أمام الجماهير- بواسطة المحاكمات العلنية - صورة كاملة لانحرافات وأخطاء فترة سابقة. وكان رأيى حتى هذه مسئولية يجب حتى يتحملها نظامنا الثورى بأمانة وشجاعة، وكان رأيى أيضاً حتى الضمير الوطنى الذى أحس بأن انحرافات وأخطاء قد سقطت من حقه ومن مصلحته حتى يعهد الحقيقة، وأن يخلص وجدانه من أثنطقها، وأن ينفض عن نفسه جميع رواسب الماضى؛ لكى يدخل إلى المستقبل بصفحة نقية طاهرة. ومع جميع العذاب الذى تحملته شخصياً وتحمله المواطنون معى خلال هذه العملية، فلقد بقى إيمانى بضرورتها كإيمانى بطب الجراحة يبتر لينظف، ويبتر لينقذ. خامساً: إننا استطعنا حتى نقوم بجهد سياسى واسع على جبهات عريضة؛ جبهات عربية وجبهات دولية، وتنوعت جهودنا وتعددت على هذه الجبهات بالاتصال المباشر مع الأصدقاء في الدول الاشتراكية، وفى مقدمتها الاتحاد السوفيتى الذى أكدت لنا ظروف النكسة صداقته المخلصة وتعاونه الصادق ووقوفه الصلب في جبهة الثورة العالمية المعادية للاستعمار، وكذلك مع الدول غير المنحازة، ومع الدول الآسيوية والإفريقية، ومع الدول الإسلامية، ومع جميع الشعوب الراغبة في سلام قائم على العدل، ومع جميع الساسة العالميين الذين يستطيع بعد نظرهم حتى يتجاوز نكسة عارضة في تاريخ أمة كان لها دورها العظيم في التاريخ، وسوفقد يكون لها الدور العظيم في مصير الإنسانية. إذا هذه التحولات كلها قادها ودعمها إحساس عميق بالواجب لدى كثيرين من رجالنا في جميع مجالات المسئولية في القوات المسلحة، ومن خبراء الاقتصاد والعاملين في وحدات الإنتاج، ومن الملتزمين بأهداف النضال الشعبى والقادرين على خدمتها، ومن المشتغلين بالسياسة والفكر والدبلوماسية؛ جميع هؤلاء ساهموا في قيادة ودعم هذه التحولات التى تقارب المعجزة، والتى نستطيع بعدها حتى نقول اليوم: الآن يصبح في إمكاننا حتى نتطلع إلى المستقبل. أيها الإخوة المواطنون: والآن ونحن نتطلع إلى المستقبل، فإن اعتقادى الأكيد حتى خير ما نستطيع حتى نتسلح به للقاءة مسئولياتنا المقبلة هوحتىقد يكون في يدنا برنامج عمل محدد، ندرسه معاً، ونقره معاً، وتتفق عليه إرادتنا جميعاً؛ برنامج عمل يكفل وصولنا إلى الأهداف القريبة لنضالنا، ويقرب منا يوم الوصول إلى الأهداف البعيدة لهذا النضال، برنامج عمل لا تختلف فيه الاجتهادات، ولا تتصارع الآراء ولا تتصادم القوى، برنامج عمل نمسك به في أيدينا، وبعد حتى يتحقق لقاء فكرنا عليه؛ ثم نمضى على طريق الكفاح الطويل وفى يدنا خريطة للأفق الفسيح أمامنا، وخطة عمل لتقدمنا على هذا الأفق، برنامج للتغيير يستجيب للآمال العريضة التى حركت جماهير شعبنا إلى وقفتها الخالدة يومىتسعة و10 يونيو، وهى الوقفة التى سأظل دائماً وإلى آخر لحظة في العمر مؤمناً بأنها كانت بعثاً للثورة، وتجديداً لشبابها، وإلهاماً لا يخيب، وضوءاً لا يخبوأمام طريق المستقبل. ولقد بدأت التغيير - كما تعهدون - بإعادة تشكيل الوزارة، والذى يعنينى في تشكيل الوزارة الجديدة أنه اتى إلى مواقع الحكم بصفوة من شباب هذا الوطن، لا يدين أحد منهم بمنصبه لأى اعتبار سوى اعتبار فهمه وتجربته في العمل السياسى، وهم على أى حال يمثلون جيلاً جديداً يتقدم نحوقمة المسئولية. وإلى جانب ذلك فهناك تغييرات أخرى قادمة في قيادات الإنتاج، وفى السلك الدبلوماسى، وفى المحافظين، وفى رؤساء المدن. إذا الكثيرين ممن يشغلون هذه المناصب أدوا مسئولياتهم بجدارة واستحقاق، ولكن بعضهم لم يكن على مستوى المسئولية سياسياً وتطبيقياً، ومن الضرورى عليهم وعلينا إفساح المجال للأقدر والأجدر. لكن التغيير يبقى بعد ذلك أكبر من حتىقد يكون مسألة أشخاص، وإنما التغيير الذى نريده يجب حتىقد يكون أكثر بعداً وأكثر عمقاً من مجرد استبدال إنسان بشخص. إذا التغيير المطلوب لابد له حتىقد يكون تغييراً في الظروف وفى المناخ، وإلا فإن أى أشخاص جدد في نفس الظروف وفى نفس المناخ يفترض أن يسيرون في نفس الطريق الذى تجاوز إليه غيرهم. إذا التغيير المطلوب يجب حتىقد يكون فكراً أوضح، وحشداً أقوى، وتخطيطاً أدق؛ وبذلكقد يكون للتصميم معنى، وتكون للإرادة الشعبية مقدرة اجتياح جميع العوائق والسدود، نافذة واصلة إلى هدفها.
أيها الإخوة المواطنون: إن المسئولية التاريخية للأيام العصيبة والمجيدة التى نعيش فيها، ونعيش لها، تطرح بنفسها علينا برنامج عمل له جانبان: الجانب الأول: حشد جميع قوانا العسكرية والاقتصادية والفكرية على خطوطنا مع العدو؛ لتحرير الأرض وتحقيق النصر. الجانب الثانى: تعبئة جميع جماهيرنا بما لها من إمكانيات وطاقات كامنة؛ من أجل واجبات التحرير والنصر، ومن أجل آمال ما بعد التحرير والنصر.
أيها الإخوة المواطنون: سوف أبدأ بالجانب الأول من برنامج عملنا المقترح وهوالحشد، وإنى لأرجوحتىقد يكون اتفاقنا كاملاً على أنه ليس هناك الآن - ولا ينبغى حتىقد يكون هناك الآن - صوت أعلى من صوت المعركة، ولا نداء أقدس من ندائها. إذا أى تفكير أوحساب لا يضع المعركة وضروراتها أولاً وقبل جميع شىء لا يستحق حتىقد يكون تفكيراً، ولا تزيد نتيجته عن الصفر. إذا المعركة لها الأولوية على جميع ما عداها، وفى سبيلها وعلى طريق تحقيق النصر فيها يهون جميع شىء، ويرخص جميع بذل؛ مالاً كان أوجهداً أودماً، ومهما كان السبيل الذى نسلكه إلى تحرير الأرض وتحقيق النصر فإنه يصبح سبيلاً مسدوداً بغير استعداد للمعركة؛ سواء قبلنا بطريق العمل السياسى وسرنا فيه إلى مداه؛ فإن نتيجته مرهونة باستعدادنا للمعركة، وسواء يئسنا من العمل السياسى وهجرناه وقابلنا أقدارنا في ميدان القتال؛ فإن النتيجة معلقة على استعدادنا للمعركة. ولقد أبدينا استعدادنا - ولا نزال - للعمل السياسى عن طريق الأمم المتحدة أوغيره من الطرق، ونحن نضع مع أشقائنا العرب جميع وسائلنا؛ سواء بواسطة مؤتمرات القمة، أوبواسطة التنسيق الثنائى المباشر. ونحن نتعاون مع جميع القوى الشعبية العربية من أجل المقاومة المسلحة للعدو، وكافة أشكال المقاومة الأخرى. ونحن نفتح عقولنا وقلوبنا للعالم كله من نفس المنطق الذى حكم نضالنا الطويل؛ وهوأننا نصادق من يصادقنا ونعادى من يعادينا. نحن نعمل ذلك كله عن تقدير واع لنتائجه الواقعة والمحتملة، لكننا بعده يجب حتى نكون مستعدين للمعركة مهما كلفتنا، وحتى إذا وقفنا فيها وحدنا. إذا الأرض أرضنا والحق حقنا، والمصير مصيرنا، ولا نستطيع أمام أنفسنا، وأمام أمتنا العربية، وأمام الأجيال القادمة من أبنائنا وأحفادنا إلى الأبد حتى نتردد أونتخاذل أونوزع التبعات على الآخرين، مهما اقتضانا ذلك من التكاليف على مواردنا وعلى أعصابنا وعلى أرواحنا. هذا هوالجانب الأول من برنامج عملنا، ولا أظنه بيننا موضع خلاف؛ ذلك لأن الخيار فيه هوالنصر أوالهزيمة، الشرف أوالعار، الحياة أوالموت، وليس هناك خيار حقيقى في ذلك كله؛ لأن القرار حتمى، وهوأننا نختار النصر، ونختار الشرف، ونختار الحياة.
أيها الإخوة المواطنون: أنتقل الآن إلى الجانب الآخر من برنامج عملنا المقترح، وهوتعبئة جميع جماهيرنا بما لها من طاقات وإمكانيات من أجل واجبات التحرير والنصر، ومن أجل آمال ما بعد التحرير والنصر، وفى هذا الصدد فإنى أطرح النقط التالية:
1- إنه من الضرورى والحيوى حشد جميع القوى الشعبية، وبوسيلة الديمقراطية وعلى أساسها؛ وراء أهداف نضالنا القريبة والبعيدة، أى وراء واجب المعركة، وراء أمل إتمام بناء المجتمع الاشتراكى الذى حققنا منه كثيراً، وينبغى حتى نحقق منه أكثر.
2- إذا صيغة الاتحاد الاشتراكى هى أكثر الصيغ ملاءمة لحشد القوى الشعبية بوسيلة الديمقراطية وعلى أساسها، وهى تجسيد حى وصحى لمعنى حتى تكون الثورة للشعب وبالشعب، ثم إنها الضمان بعد ذلك لتجنب دموية الصراع الطبقى، ولكفالة فتح أسرع الطرق وأكثرها أماناً إلى التقدم. والاتحاد الاشتراكى - كما تذكرون وفقاً للميثاق - هوقابلة عريضة تضم تحالف قوى الشعب العاملة كلها، ثم تنظيم سياسى يقوم وسطها من الطلائع القادرة على قيادة التفاعل السياسى نحوهدف تذويب الفوارق بين الطبقات. ولم تكن المشاكل التى عاناها الاتحاد الاشتراكى ترجع إلى قصور أوعيوب في صيغته العامة، وإنما كانت مسببات القصور والعيوب ترجع إلى التطبيق. وأول هذه الأسباب هوحتى عملية إقامة الاتحاد الاشتراكى لم تبن على الانتخاب الحر من القاعدة إلى القمة.
3- إذا علينا الآن حتى نعيد بناء الاتحاد الاشتراكى عن طريق الانتخاب من القاعدة إلى القمة؛ أى من اللجان التأسيسية في القرية، والحى، والمصنع، والوحدة، إلى المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى، وإلى لجنته المركزية، وإلى اللجنة التطبيقية العليا. وتذكرون أننى كنت قد أشرت في خطابى يوم 23 يوليوالماضى إلى تكوين اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، وكان التصور في ذلك الوقت حتى تكون بالتعيين، ولقد أجلت ذلك خلافاً لما قلت ووعدت به، عن اقتناع بأن أسلوب التعيين ليس أفضل الأساليب، وأن التعيين في النهاية قد لا يعطينا إلا ما تفرزه مراكز القوى، أوما تقدمه المجموعات المتنوعة والشلل، وليس ذلك هوالمرجو، وليس هوما يحقق لنا الهدف والدور الذى كنا نطلبه للجنة المركزية. إذا طريق الانتخاب يفترض أن يعطينا الحل الأوفق؛ حتى يتم بناء الاتحاد الاشتراكى بالإرادة الشعبية وحدها، وأن تقوم قوى الشعب العاملة باختيار قيادتها المعبرة عنها والمستوعبة لآمالها الثورية، ثم تدفعها إلى مواقع القيادة السياسية.
أيها الإخوة المواطنون:
من هذه النقط الثلاث فإنى أقترح البرنامج التطبيقى التالى: 1
- تجرى الانتخابات للوحدات التأسيسية للاتحاد الاشتراكى العربى، وتتدرج الانتخابات حتى تصل إلى المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى، الذى ينتخب بدوره اللجنة المركزية، التى تنتخب بدورها رئاستها، وهى اللجنة التطبيقية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى.
2- يظل المؤتمر القومى المنتخب للاتحاد الاشتراكى العربى قائماً إلى ما بعد إزالة آثار العدوان، ويعقد دورة عامة بكامل هيئته مرة جميع ثلاثة شهور؛ لكى يتابع مراحل النضال ويوجهها، ويصدر في شأنها ما يرى.
3- تظل اللجنة المركزية المنتخبة من المؤتمر القومى في حالة انعقاد دائم، وتقوم لجانها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية برسم سياسات العمل في جميع المجالات؛ استهدافاً لتحقيق النصر وإعادة البناء الداخلى.
4- إذا مجلس الأمة الحالى قد قارب على استيفاء مدته الدستورية، وهولم يفرغ بعد من المهمة الأساسية التى أوكلت إليه؛ وهى وضع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة. وإذا كان المجلس لم يتمكن من أداء هذه المهمة فينبغى للإنصاف حتى نذكر له دوره الكبير، وما قام به من عمل يستحق التقدير. والمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى العربى - وهوأعلى سلطة ممثلة لتحالف قوى الشعب العاملة - قد يرى حتى يقوم بنفسه بعملية وضع مشروع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة، وقد يرى في الأمر رأياً آخر. ومهما يكن فإنه من المهم حتىقد يكون مشروع الدستور الدائم معداً بحيث يمكن فور انتهاء عملية إزالة آثار العدوان حتى يطرح للاستفتاء الشعبى العام، وأن تتلوه مباشرة انتخابات لمجلس أمة حديث على أساس الدستور الدائم، وانتخابات لرئاسة الجمهورية.
5- إذا اللجنة المركزية للمؤتمر القومى يفترض أنقد يكون عليها - غير واجباتها المحددة في قانون الاتحاد الاشتراكى، وغير مسئوليات الظروف الخاصة للنضال الوطنى في مرحلته الحاضرة - عدة مهام إضافية هى: بناء التنظيم السياسى لطلائع الاتحاد الاشتراكى، وتحديد مهام العمل الوطنى للفترة الجديدة والتنسيق بينها، ثم المشاركة في وضع الخطوط العريضة للدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة.
أيها الإخوة المواطنون:
لكىقد يكون هناك ضوء كاف على طريقنا فإننى أريد من الآن حتى أضع أمامكم تصورى لبعض المهام الرئيسية في الفترة القادمة من نضالنا: 1
- تأكيد وتثبيت دور قوى الشعب العاملة وتحالفها وقياداتها في تحقيق سيطرتها بالديمقراطية على العمل الوطنى في كافة مجالاته.
2- تدعيم عملية بناء الدولة الحديثة في مصر، والدولة الحديثة لا تقوم - بعد الديمقراطية - إلا استناداً على الفهم والتكنولوجيا؛ ولذلك فإنه من المحتم إنشاء المجالس المتخصصة على المستوى القومى سياسياً وفنياً؛ لكى تساعد على الحكم، وإلى جانب مجلس الدفاع القومى؛ فإنه لابد من مجلس اقتصادى قومى؛ يضم شعباً للصناعة، والزراعة، والمال، والعلوم، والتكنولوجيا، ولابد من مجلس اجتماعى قومى؛ يضم شُعباً للتعليم والصحة وغيرها مما يتصل بالخدمات المتنوعة، ولابد أيضاً من مجلس ثقافى قومى؛ يضم شعباً للفنون وللآداب وللإعلام.
3- إعطاء التنمية الكاملة دفعة أكبر في الصناعة والزراعة لتحقيق حمل مستوى الإنتاج والعمالة الكاملة، مع الضغط على أهمية إدارة المشروعات العامة إدارة اقتصادية وفهمية. 4
- العمل على تدعيم القيم الروحية والخلقية، والاهتمام بالشباب وإتاحة الفرصة أمامه للتجربة.
5- إطلاق القوى الخلاقة للحركة النقابية سواء في نقابات العمال أونقابات المهنيين.
6- تعميق التلاحم بين جماهير الشعب وبين القوات المسلحة.
7- توجيه جهد مركز نحوعمليات البحث عن البترول؛ لما أكدته الشواهد العملية من احتمالات بترولية واسعة في مصر، ولما يستطيع البترول حتى يعطيه لجهد التنمية الكاملة من إمكانيات ضخمة.
8- توفير الحافز الفردى؛ تكريماً لقيمة العمل من ناحية، واحتفاظاً للوطن بطاقاته البشرية القادرة، وإفساح فرصة الأمل أمامها.
9- تحقيق وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
10- ضمان حماية الثورة في ظل سيادة القانون، ولعلهقد يكون مناسباً حتى تقوم اللجنة المركزية بتشكيل لجنة خاصة، ويكون لهذه اللجنة حق نظر جميع الإجراءات التى ترى السلطة اتخاذها لدواعى الأمن الوطنى في الظروف الراهنة.
أيها المواطنون:
طلباً لمزيد من الضوء والوضوح أمد البصر أيضاً إلى بعض الخطوط العامة التى يجب - في تقديرى - حتى يتضمنها الدستور؛ لكى تكون من الآن تحت سمعنا وبصرنا دليلاً ومرشداً. إذا الدستور الجديد يجب حتىقد يكون حقيقة عملية وسياسية، تعيش في واقعنا وتنبع منه؛ ولهذا فإنى أقترح من الآن حتى تتضمن مواد الدستور الخطوط الأساسية العامة التالية:
1- حتى ينص الدستور على تحقيق وتأكيد الانتماء المصرى إلى الأمة العربية؛ تاريخياً ونضالياً ومصيرياً، وحدة عضوية فوق أى فرد وبعد أى فترة.
2- حتى ينص الدستور على حماية جميع المكتسبات الاشتراكية وتدعيمها؛ بما في ذلك النسبة المقررة بالميثاق للفلاحين والعمال في جميع المجالس الشعبية المنتخبة، واشتراك العمال في إدارة المشروعات وأرباحها، وحقوق التعليم المجانى والتأمينات الصحية والاجتماعية، وتحرير المرأة، وحماية حقوق الأمومة والطفولة والأسرة.
3- حتى ينص الدستور على الصلة الوثيقة بين الحرية الاجتماعية والحرية السياسية، وأن تتوفر جميع الضمانات للحرية الشخصية والأمن بالنسبة لجميع المواطنين في جميع الظروف، وأن تتوفر أيضاً جميع الضمانات لحرية التفكير والتعبير والنشر والرأى والبحث الفهمى والصحافة.
4- حتى ينص الدستور على قيام الدولة العصرية وإدارتها؛ لأن الدولة العصرية لم تعد مسألة فرد ولم تعد بالتنظيم السياسى وحده، وإنما أصبح للعلوم والتكنولوجيا دورها الحيوى، ولهذا فإنه يجب حتىقد يكون واضحاً حتى رئيس الجمهورية يباشر مسئولية الحكم بواسطة الوزراء، وبواسطة المجالس المتخصصة التى تضم خلاصة الكفاءة والتجربة الوطنية، بما تحققه إدارة الحكومة عن طريق المجال واللامركزية.
5- حتى ينص الدستور على تحديد واضح لمؤسسات الدولة واختصاصاتها؛ بما في ذلك رئيس الدولة والهيئة التشريعية والهيئة التطبيقية. ومن المرغوب فيه حتى تتأكد سلطة مجلس الأمة باعتباره الهيئة التى تتولى الوظيفة التشريعية، والرقابة على أعمال الحكومة، والمشاركة في وضع ومتابعة الخطة العامة للبناء السياسى، وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية. كذلك فإن من المرغوب فيه إفساح الفرصة لوسائل الرقابة البرلمانية والشعبية لتحقيق حسن الأداء وكفالة أمانته.
6- حتى ينص في الدستور على تأكيد أهمية العمل باعتباره المعيار الوحيد للقيمة الإنسانية.
7- حتى ينص في الدستور على ضمانات حماية الملكية العامة، والملكية التعاونية، والملكية الخاصة، وحدود جميع منها ودوره الاجتماعى.
8- حتى ينص في الدستور على حصانة القضاء، وأن يكفل حق التقاضى، ولا ينص في أى إجراء للسلطة على عدم جواز الطعن فيه أمام القضاء؛ ذلك حتى القضاء هوالميزان الذى يحقق العدل ويعطى لكل ذى حق حقه، ويرد أى اعتداء على الحقوق أوالحريات.
9- حتى ينص في الدستور على إنشاء محكمة دستورية عليا،قد يكون لها الحق في تقرير دستورية القوانين وتطابقها مع الميثاق ومع الدستور.
10- حتى ينص في الدستور على حد زمنى معين لتولى الوظائف السياسية التطبيقية الكبرى؛ وذلك ضماناً للتجدد وللتجديد باستمرار.
أيها الإخوة المواطنون:
لقد قصدت حتى أتناول أكبر قدر ممكن من رءوس المسائل وتفاصيلها؛ ليكون برنامج العمل الذى تمسك به أيدينا في الفترة القادمة قادراً على الوفاء وعلى التحقيق، وبعد ذلك فإنى أرى طرح هذا البرنامج الذى أقترح حتى نسميه اختصاراً بتاريخ هذا اليوم 30 مارس للاستفتاء العام، وبطرح برنامج 30 مارس سنة 1968 للاستفتاء العام فإنى أقصد بذلك حتىقد يكون واضحاً لنا جميعاً ما نريد، وأنقد يكون موضع اتفاقنا؛ كذلك أريده حتىقد يكون واضحاً أمام أمتنا العربية ومنادىة لثقتها في وحدة النضال واستمراره، وأريده أيضاً حتىقد يكون واضحاً أمام الصديق وأمام العدوعلى حد سواء، وموضع اعتبار جميع الذين يقفون معنا وكل الذين يقفون ضدنا. إذا الدستور المؤقت الصادر سنة 1964 يعطى لرئيس الجمهورية حق حتى يستفتى الشعب في المسائل الهامة المتصلة بمصالح البلاد العليا؛ وذلك وفقاً للمادة 129 منه، وإذا كان هناك من يتصور صعوبة الاستفتاء العام في مثل الظروف التى نعيش فيها فإننا نرى حتى ذلك وقته، وظروف المعركة ليست حائلاً دونه بل إننا نراه ضرورة من ضرورات المعركة. إذا المعركة ليست معركة فرد، وليست معركة جيش، وإنما هى معركة شعب ومعركة أمة بأسرها، وهى في نفس الوقت معركة حياة أوموت. إذا قوى الشعب العاملة هى وحدها التى تستطيع توفير جميع ضرورات النصر، وحشد جميع الطاقات اللازمة لتحقيقه، وإعطاء أكبر قدر من إرادة الصمود لجبهة ميدان القتال. إذا أى نظام ثورة يستند على الجماهير وحدها لا يكفيه حتىقد يكون الشعب وراءه راضياً ومؤيداً، وإنما هويحتاج إلى أكثر من ذلك؛ يحتاج إلى حتىقد يكون الشعب أمامه موجهاً وقائداً.
أيها الإخوة المواطنون:
إذا كان هذا البرنامج تمثيلاً سليماً لأفكارنا جميعاً فإننى أرى المراحل التطبيقية التالية:
1- حتى يجرى الاستفتاء العام على برنامج 30 مارس سنة 1968 في يوم الخميس 2 مايوسنة 1968.
2- بعد ظهور نتيجة الاستفتاء، وإذا كانت النتيجة بنعم فسوف أصدر قراراً بتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على انتخابات المؤتمر القومى، ويحق لها حتى تنضم إلى عضويته العاملة بعد انتهاء عملية انتخابات المؤتمر.
3- على هذا الأساس فإنه يمكن للمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى العربى حتى يجتمع يوم الثلاثاء 23 يوليوسنة 1968، ويعقد دورة افتتاحية ينتخب في نهايتها لجنته المركزية.
أيها الإخوة المواطنون:
إن سجل نضالنا يشهد لشعبنا حتى الشعب الذى غير بكفاحه خريطة الشرق الأوسط، وأزال من فوقها سيطرة الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة، وتصدى في وسطها لمحاولات الاستعمار الجديد، وتحمل تبعات الوحدة العربية سِلماً وحرباً، وفجر عصر الثورة الاجتماعية، وبنى أعظم السدود، وقهر الصحراء، وأقام أول قاعدة عربية للصناعة المتقدمة، هذا الشعب يملك المقدرة ويملك التجربة لتجاوز هزيمة عارضة في تاريخه وتاريخ أمته. إننا يفترض أن نحقق كما حققنا، وسوف ننتصر كما انتصرنا، ولتعلوإرادة الحق فوق جميع إرادة؛ لأنها جزء من إرادة الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.انظر أيضا
- تاريخ مصر
- الثورة المصرية 2011
- جمال عبد الناصر
المصادر
- ^ بيان 30 مارس، جمال عبد الناصر