لماذا لا يثور المصريون؟ هوكتاب من تأليف علاء الأسواني، يتناول فيه الحياة السياسية والاجتماعية المصرية.والكتاب مجموعة من الموضوعات الصحفية الجريئة والتى نشرها المحرر حتى عام 2008. وفيها يتناول همومًا مصرية شغلتنا جميعًا في تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر. يناقش الأسوانى ويحلل أوضاع المصريين أمام حكّامهم، والزمن الصعب الذى يعيشونه. ويستعرض أبرز الأفكار السياسية والأزمات الديمقراطية التى تهم جميع من يفكر في مستقبل مصر. كما يتطرق إلى الأوضاع العربية وما شهدته الساحة السياسية العربية من تغيرات عنيفة في تلك السنوات القلقة. علاء الأسوانى يسجل يومياته ومشاهداته والجدالات التى ولج فيها مع مثقفين مصريين وعرب وأجانب امتازت جميعًا بأسلوب المحرر الذى يمسك بتلابيب القارئ ولا يدعـه حتى ينتهى من القراءة.

فكرة الكتاب

من خلال الكتاب يشير علاء الأسواني حتى الأوضاع الداخلية في مصر تكفي لإشعال عشر ثورات في بلد آخر ولكن خبرة الجماهير الأليمة مع القمع ويأسهم الكامل من الإصلاح جعلهم يبتعدون بقدر الإمكان عن السلطة بل ويسخرون منها أحيانا ولا يفكرون في الاعتراض عليها .. الكل يعمل ليكسب ويربي الأولاد وينعم ببعض المتع الصغيرة ، فلماذا يعبأ المواطن بمن يحكمه وهولم يختره .

يقول المؤلف بكتابه : المصريون اعتادوا على وجود زعيم حقيقي مخلص للقضية الوطنية يلتفون حوله ويعبرون عن سخطهم على الأوضاع ، هكذا وقع مع سعد زغلول ومصطفى النحاس وجمال عبد الناصر.. حتى أنور السادات اجتمع حوله المصريون ليخوضوا حرب التحرير عام 1973 فلما انتهى السادات إلى الصلح مع إسرائيل، عاد المصريون وانسحبوا إلى داخلهم وراحوا يتفرجون على الأحداث.

أقسام الكتاب

يتكون الكتاب من مجموعة منطقات:

صناعة الطغيان

في منطق تحت عنوان " صناعة الطغيان " يقول المؤلف إذا القمع بكل أسف سلوك مألوف في مصر، بل هوتراث نحمله داخلنا جميعا، وكما تحسب لشعبنا قدرته المذهلة على الاستمرار والإبداع في أسوأ الظروف، فالمؤكد أيضا حتى تعايشنا الطويل مع الظلم قد هجر آثارا سيئة في سلوكنا ؛ حيث تفهمنا كيف من الممكن أن نداهن السلطة الغاشمة لمجرد اتقاء شرها، تفهمنا حتى نظهر غير ما نبطن حتى ننجو.. ولعلنا ننفرد بين شعوب العالم بتعدد ألقاب التفخيم والتعظيم التي نخاطب بها رؤساءنا . ويرى ان الاستبداد الطويل جعلنا نتجنب لقاءة من يقمعنا ونستعيض عن ذلك بالبحث عن سلطة صغيرة لأنفسنا نستطيع من خلالها حتى نعيد إنتاج القهر الذي سقط علينا.

ضد الغش

يروي الأسواني بمنطق آخر واقعة حدثت في إحدى المدارس بقيام المراقب بمساعدة التلاميذ على الغش قائلا لهم بالحرف "خذوا راحتكم في الغش وسوف أقف أنا على الباب أراقب الطريق وإذا اتى تفتيش خارجي يفترض أن أنقر على الباب نقرتين وعندئذ تأخذون حذركم.." وبعد نهاية الامتحان مضى التلاميذ ليشكروا المراقب فنطق لهم "أنا لا أساعدكم انتم.. أنا أساعد آباءكم الذين يصرفون دم قلبهم على تعليمكم"..

وتكشف هذه الجملة في رأي المؤلف السبب الحقيقي وراء انتشار الغش الجماعي، ويراه نوعا من التضامن ضد الدولة بطريقة ما، نفس الشعور الذي يجعل المارة يحذرون الباعة المتجولين من شرطة المرافق القادمة لمصادرة بضائعهم، الشعور الذي يجعل المصري يحرص على تسديد ديونه الشخصية بمنتهى الأمانة وفي الوقت نفسه يتهرب من الضرائب أويعبث بعداد الكهرباء في منزله حتى يدفع أقل من استهلاكه، شعور المواطن بأن الحكومة تظلمه وتخدعه وتسرقه وبالتالي فهويعطي لنفسه الحق في حتى يخدعها بدوره في أول فرصة يأمن فيها من العقاب.

حرارة الفرن

يقارن الأسواني في كثير من منطقاته بين الأوضاع في البلاد العربية وبين غيرها من الدول الديمقراطية فيقول أنه في أوائل الثمانينات عندما رشح رونالد ريجان نفسه لفترة رئاسية ثانية اعترضت بعض الصحف الأمريكية على إعادة ترشيحه وخطت تصفه بأنه "عجوز مخرف ومصاب بفقدان الذاكرة"، أما الرئيس جيمي كارتر فقد وصفته بعض الصحف بأنه غبي لدرجة أنه لا يستطيع حتى يمضغ لبانة ويحتفظ في الوقت نفسه توازنه أثناء المشي.

وكان بيل كلينتون من أكثر الرؤساء تعرضا لهجوم الصحف التي وصفته بأنه "مجرد دمية تحركها زوجته هيلاري".. هذا النقد اللاذع يوجه إلى رؤساء الدول الديمقراطية يوميا فلا يثير غضب أحد ولا يحبس أحد بسببه، وفي الوقت نفسه فإن أقل إهانة توجهها إلى كناس في الشارع هناك تسقطك فورا تحت طائلة القانون..

ويرى الأسواني حتى هناك تفرقة دقيقة بين حقوق المواطن العادي وواجبات المسئول العام لدرجة صارت راسخة في الغرب ؛ فواجب المسئول هناك حتى يحتمل نقد الصحافة مهما كان قاسيا وأن يسعى للدفاع عن نفسه أمام الرأي العام وهويعتبر الهجوم عليه واختراق حياته الخاصة نوعا من ضريبة العمل العام التي ينبغي حتى يتحملها ولقد شكا أحد الوزراء الأمريكيين من هجوم الصحافة عليه إلى الرئيس هاري ترومان فأجابه ضاحكا "إما حتى تتحمل حرارة الفرن أوتخرج من المطبخ، وفي فرنسا يرى فقهاء القانون أنه لا يوجد ما يسمى بقدسية الحياة الخاصة لكل من يتولى مسئولية في الدولة لأن من يتقدم للعمل العام لابد حتى يتحمل النقد مهما يكن قاسيا.. هذه هي الديمقراطية.

في منطق آخر يحكي الأسواني انه عندما تولى هتلر قيادة ألمانيا وبدأت الجيوش النازية في الاعتداء على أوروبا، تباينت ردود العمل داخل بريطانيا، فكان نيفيل تشمبرلين (رئيس الوزراء آنذاك) متمسكا باستمرار السلام مع ألمانيا بأي ثمن وأخذ يردد كلاما عن بشاعة الحرب وأن طاقة الأمة يجب حتى توجه إلى البناء والرخاء وليس إلى الهدم والدمار.. وعلى النقيض من ذلك وقف الزعيم ونستون تشرشل يحذر الحكومة من الاستسلام لأوهام السلام الزائف ويدعوها للاستعداد للحرب مع ألمانيا النازية التي لا تعترف إلا بلغة القوة وبالتالي فكل معاهدات السلام معها تظل بلا قيمة لأنها يفترض أن تخرقها بمجرد حتى تتاح لها الفرصة .. على حتى سياسة مهادنة ألمانيا ظلت سائدة حتى أفاق البريطانيون على جيوش النازي وقد هاجمت بريطانيا، وفي عام 1940 استنطق تشمبرلين وانتخب البريطانيون تشرشل الذي استطاع بشجاعته وحكمته حتى يقود بريطانيا وحلفائها إلى النصر النهائي.

يقول المؤلف حتى الدروس التي نتفهمها من هذا التاريخ كثيرة فالصهاينة كالنازيين لا يفهمون إلا القمع والقتل والتوسع وبالتالي علينا ألا نثق أبدا في تعهداتهم لأن إسرائيل التي خرقت جميع الاتفاقات التي سقطتها مع الفلسطينيين ليس هناك ما يمنعها من خرق معاهدة كامب ديفيد ومهاجمة مصر في أول فرصة سانحة، ويعلق بأنه شتان بين الكيفية التي قاد بها تشرشل أمته وبين ذلك العجز المشين الذي يتخبط فيه حكامنا العرب الآن.

من إدوارد سعيد إلى مقهى ريش

تحت عنوان "من إدوارد سعيد إلى مقهى ريش" يقدم لنا المؤلف تحليلا دقيقا لعنصرية الغرب التي قدمها من قبل المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، ويقول إذا الأطفال والنساء الذين تذبحهم إسرائيل جميع يوم لا يمكن حتى يثيروا عطف الغرب مثل ضحايا 11 سبتمبر، فهؤلاء غربيون وهؤلاء عرب.. كما حتى الانحياز الغربي الأعمى لإسرائيل لا يرجع فقط إلى تحقيق إسرائيل لمصالح الغرب، ولكن يبقى العامل الأساسي الذي نجهله أونتجاهله وهوحتى الغرب يعتبر إسرائيل جزءا من الحضارة الغربية، وبالتالي لا يمكن حتى يساوي الذهن الغربي بين حقوق الإسرائيليين وحقوق العرب..

إن أعرق الديمقراطيات الغربية قامت على الحملات الاستعمارية بكل ما تعنيه من اغتال ونهب. وأكثر الحكومات الغربية احتراما لحقوق الإنسان لا تجد غضاضة في الحفاوة بحكام عرب مستبدين ما داموا يحققون مصالحها.. بل إذا القوانين الاستثنائية التي يتم إعدادها في الغرب من أجل مكافحة الإرهاب، لا تؤرق الضمير الغربي الديمقراطي لأنها ببساطة ستطبق فقط على العرب والمسلمين المشتبه فيهم دائما..

وتمنى الأسواني حتى نفهم طبيعة التحيز الغربي حتى نقلع عن اللهاث خلف العدل الغربي الذي لن يجيء أبدا، إذا الطريق الوحيد لتحقيق العدل هوحتى ننتزع حقوقنا بأنفسنا.. عندما نعود كما كنا أمة قوية لها أهداف كبرى وكرامة وطنية لا تسمح لأحد بإهانتها.. عندئذ فقط يفترض أن يسمع الغرب حدثتنا

من هنا نبدأ

على مدى قرنين من الزمان ظل المثقفون المصريون يقودون الحركة الوطنية، لذا يتأمل الأسواني وضع المثقفين الآن منذ تولي فاروق حسني وزارة الثقافة في أواخر الثمانينات والذي استوعب حتى المثقفين قد يبدون أفرادا ضعاف الحيلة من السهل تجاهلهم لكن هؤلاء الأفراد يفترض أن يعملون الكثير إذا اجتمعوا على موقف وطني حقيقي.

واعتبر المؤلف حتى وزير الثقافة حاول استقطاب حتى المثقفين المعارضين للوزارة وله ، وقد تم له ما أراد بالعمل مع شريحة كبيرة منهم ، لدرجة ان نرى مثقفين يناصرون النظام في جميع قراراته بدعوى مناصرة الدولة المدنية ضد ما يعتبرونه فاشية دينية تمارسها الجماعات الإسلامية في مصر ، وتناسى هؤلاء أنه لا توجد في مصر دولة مدنية أساسا حتى نقف معها أوضدها.

وينتقد الأسواني معظم بيانات المثقفين وكتاباتهم التي أصبحت قاصرة على إدانة القوى الخارجية لكننا لا نجد أبدا موقفا قويا من أجل إلغاء قانون الطوارئ أومنع التعذيب وتزوير الانتخابات وغيرها.. توجد بعض المواقف المعلنة لكنها تكون أقرب إلى تسجيل الموقف وإبراء الذمة منها إلى مواقف حقيقية تضغط على النظام من أجل تحقيق العدل.

وفي هذا يثمن الأسواني كثيرا موقف الأديب الكبير خلق الله إبراهيم الذي رفض جائزة الرواية احتجاجا على سياسة الحكومة ، وبهذا أثبت خلق الله حتى المحرر الحقيقي غير قابل للشراء.

ديمقراطية أبوطربوش

تحت عنوان " ديمقراطية أبوطربوش " يرى الأسواني حتى العبقرية المصرية من الممكن تتلخص في حدثة واحدة: التأقلم .. إذا قدرة المصري اللانهائية على التكيف مع أصعب الظروف والاستمرار في الحياة، هذه القدرة صفة حضارية رائعة يتميز بها شعبنا بجدارة.. فربما لا نكون أشجع الشعوب ولا أمهرها لكننا بالتأكيد أساتذة كبار في الدفاع الحياة ضد جميع ما يهددها، فنحن نعهد تماما كيف من الممكن أن ننتزع من الطغاة مساحة ما ولوصغيرة لنعيش ونستمتع ونبدع.

وعندما يجلس المصري آخر النهار وسط أولاده فإنه يعهد كيف من الممكن أن يسخر من ظالميه ويكون مجرد استمراره في الحياة بمثابة هزيمة للذين قمعوه.. ولم يكن المصري ليستمر عبر آلاف السنين من الظلم لولم يكن حكيما وصبورا وقد تفهم من تجربته الطويلة كيف من الممكن أن يتعايش مع الطغيان بحيث لا يصيبه إلا أقل الضرر، إنه لا يتمرد على الطاغية ولا ينسحق أمامه بل هويبحث دائما عن حل وسط يقيه الشرور ويمكنه من الاستمرار.

وقد يرى البعض حتى المصريين شعب مذعن وخاضع وبالتالي غير ثوري.. ولكن ثورات المصريين على مر العصور تكذب هذا الزعم، فالمصريون يثورون في النهاية ولكن متى؟!.. عندما تتدهور أحوالهم إلى درجة لا راتى منها وبعد حتى تنفد جميع محاولات التأقلم والتعايش مع الظلم والفقر، عندئذ ينتفض المصريون وتكون ثورتهم هنا إلى غضب الحليم الذي قد يتأخر لكنه عندما يندلع يكتسح جميع شيء، والمدهش حتى جميع الثورات المصرية (على الأقل في العصر الحديث) قد اندلعت فجأة بعد فترات من السكون الظاهري التي قد يظن معها حتى مقاومة الناس قد ماتت.

المصادر