مالك بن أسماء
مالك بن أسماء (توفي نحو100هـ/ نحو718م) شاعرٌ غَزِلٌ ظريف، وصفه المرزبانيّ بأنّ «شعره كثير»، وهوخطيب فصيح حلوالحديث، شريف جواد شجاع بديع الجمال، معدود من أشراف أهلِ الكوفة، وقد وليَ للحجّاج، وكان الحجّاج تزوّج أخته هند بنت أسماء، وهي من الشّاعرات الفصيحات، وتزوّجت أيضاً بشر بن مروان بن الحكم فولدت له عبد الله بن بشر؛ وكان أبوه وأخوه عيينة ابن أسماء من أشراف أهل الكوفة أيضاً؛ وكان الحجّاج لا يستعمل مالكاً لإدمانِهِ الشرابَ، ثم هجر الشراب وأظهر التوبةَ والتنسّك، فولاه أصبهان؛ وقيل: إذا الحجّاج أوفده إلى عبد الملك بن مروان، فأعجِب به وبكلامه، وسأله فنطق: «بلغني أنّ فيك خصالاً شريفةً فأبلغني بها؛ فنطق: ما سألني أحد حاجة إلاّ قضيتها، ولا أكل رجل من طعامي إلا رأيت له الفضلَ عليّ، ولا أقبلَ عليّ رجل بحديث إلاّ أقبلت عليه بسمعي وبصري؛ فنطق له عبد الملك: حقّ لك حتى تَشرُفَ وتسود» وخط إلى الحجّاج: «إنك أوفدت إليّ رجل أهل العراق، فولّهِ واستخدمْه وأكرمْه؛ ثم حبسَه الحجّاج - قيلَ - لخيانة في المال ظهرت عليه، واستنادىه من السجنِ لخلافٍ بينه وبين هند أخت مالك، فكان مما خاطبه به الحجّاج حتى نطق له إنك - والله - للخائنُ أمانتَهُ، اللئيم حَسَبهُ، الزاني فرجهُ؛ فنطق: إذا أذِنَ الأميرُ تكلّمْتُ؛ نطق: قل؛ نطق: أما قولهُ (الزاني فرجهُ) فواللهِ لأنا أحقر عند اللهِ، وأصغرُ في عين الأمير من حتى يجبَ لله عليّ حدٌّ فلا يقيمَهُ، وأما قوله: (اللئيم حسبهُ) فواللهِ لوفهمَ الأميرُ مكانَ رجلٍ أشرفَ مني لم يصاهرني، وأما قوله (إني خؤون) فلقد ائتمنني فوفّرْتُ، فأخذني بما أخَذَني بهِ، فبعْتُ ما كانَ وراءَ ظهْرِي، ولومَلَكْت الدنيا بأسرها لافتَدَيْتُ بها من مِثْل هذا الكلام».
وما أحراهُ حتىقد يكونِ كما نطق، فإنّ الشريف الكريمَ يربأ بنفسِهِ عن الزّنا والخيانة، وإن ابتلِيَ بالشراب واستهتر به؛ ويؤكد هذا حتى الحجاج عاد فاستخدمهُ، وكانَ الحجاجُ شديد المحاسبةِ لعماّله، ثمّ عادَ فحبسهُ وضيقَ عليه في حبسه، فهرب ولم يزل متوارياً إلى حتى توفي الحجّاج.
نسبه
مالك بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفَزَاريّ، وفزارة من ذبيان ثمّ من غطفان ثمّ من قيس عيلان ثمّ من نزار بن معدّ بن عدنان؛ كنيته أبوالحَسَن، وأمّه أمّ وَلَدٍ تسمّى صفيّة.
أخباره
ولأسماء أخبار مع عمر بن أبي ربيعة والفرزدق وغيرهما من الشعراء، فقد لقيه عمر في الحج ونطق له: ما زلت أحبّك منذ سمعت قولك:
إنّ لي عندَ كلِّ نفحةِ بستا نٍ من الورد أومن الياسمينا نظـرةً والتفـاتةً أترجّى أن تكوني حـَلَلْتِ فيما يلينا
وجرى بينهما حديث أخذ فيه عمر على أسماء ما فيه من أسماء القرى التي يذكرها في شعره، فاعتذر بأنها أسماء قرى البلد الذي هوفيه، وأن في شعر عمر مثل ذلك من أسماء البلاد التي هوفيها.
ومرّ بالفرزدق وهويَهْنأ بعيراً له بنفسه (أي يدهنه بالقطِران)، فعزّ عليه ذلك، وأمر له بمئة بعير، فمدحه الفرزدق بأبيات منها:
-
إنّ السّماحَ الذي في الناس كلِّهم قد حازه اللهُ للمفـضال أسمـاء
-
ومن مشهور شعره الذي كان يغنّى فيه:
-
حبّـذا ليلــتي بتَـلّ بَوَنَّى حينَ نســقى شرابَنَا ونغَنّى إذ رأَيْنَا جَــوَارياً عَطـراتٍ وغـناءً وقَرْقَـــــفاً فنَزَلْنَا
-
وقولهُ:
-
أمغطّى منّي على بصري في الـ ـحبّ أم أنتِ أكمل الناسِ حُسْنا وحــديثٍ ألـَذُّه هـوممّــا يشتهي الســامعونَ يُوزَنُ وَزْنا منطقٌ صائبٌ وتلـحَن أحــيا ناً وخـيرُ الحـديث ما كانَ لَحْنَا
-
يعني باللحنِ ما أومأتْ بِهِ ووَرّتْ به لئلا يفهمهُ غيرهما؛ وذكرت امرأة من فزارة خطت الأولَيْن («أمغطّى-»، وما بعده) على قبر وَلَدها لكثرة ما كان يتمثّل بهما حتى أسماء نطقهما في امرأتهِ حبيبة بنت أبي جندب الأنصارية، وأنشدت له شعراً آخر فيها يدلّ على شغفه بها، ومنها قوله:
-
ياجارةَ الحيّ كنتِ لي سكناً إذ ليس بعض الجيرانِ بالسّكَنِ أذكر من جارتي ومجلسـها طرائفاً من حديثــها الحسنِ ومن حديثٍ يزيدُني مِقَــةً ما لحديثِ الموموق مِنْ ثَمَـنِ
-
وأشعاره سهلة الألفاظ سلسة التراكيب طريفـة المعاني تظهر فيها الآثار الحضرية، ولاسيما الغزل منها، وفيها فخر وحماسة واعتذار؛ ومن بديعه قوله:
-
زارتك بين مهلّل ومسـبّحٍ بحطيمِ مكة َحينَ سالَ الأبطَحُ فكأنّ مكة والمشــاهد كلها ورحالَنَا باتَتْ بمسْـك تنْضَحُ
-
المصادر
- محمد شفيق البيطار. "مالك بن أسماء". الموسوعة العربية.
للاستزادة
- الأصفهاني، الأغاني (دار الخط الفهمية، بيروت 1992).
- المرزباني، معجم الشعراء (مخطة النوري، دمشق، د.ت).
- القاري، مصارع العشاق (دار صادر، بيروت، د.ت).
- المبرد، التعازي والمراثي (مجمع اللغة العربية، دمشق 1976).