عقد

العقد contrat، ويعهد عادة، في الفكر القانوني المعاصر، بأنه توافق إرادتين أوأكثر على إحداث أثر يرتبه القانون. ويعهد في الفقه الإسلامي المعاصر بأنه «ارتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت أثره في المعقود عليه». وهوالتعريف الذي أخذ به القانون العراقي وقانون التجارة الكويتي القديم والقانون الأردني.

التسمية

أصل معنى العقد في اللغة العربية هوالربط المحكم. والعُقدة (بضم العين) موضع العقد أوالربط، وهوما عقد عليه. وقد استخدم القرآن الكريم لفظ «العقدة» بالمدلول الفقهي للفظ «العقد» إذ أطلق على عقد الزواج اصطلاح «عقدة النكاح» وذلك في قوله عز شأنه: ولا تَعْزِموا عُقْدَةَ النِّكاح حَتَّى يَبْلَغ الِكتابَ أَجَلَهَ (البقرة:235). بيد حتى استعمال اصطلاح «العقد» هوالذي ساد في لغة الفقه الإسلامي انطلاقاً من قوله تعالى: )يا أَيُّها الَّذِيْن آَمَنُوا أَوْفُوا بالعُقُود (المائدة:1). وكان من شأن الأصل اللغوي للفظ «العقد» حتى فقهاء الشريعة الإسلامية الأقدمين جميعهم، أطلقوا على جميع تصرف من شأنه حتى يرتب أثراً شرعياً، ليس فقط في الحال التي يقوم فيها هذا التصرف على إرادتين (وهوالمجال الوحيد لاصطلاح العقد في القانون المعاصر)، بل أيضاً في الحال التي يقوم فيها على إرادة واحدة، إلى غير ذلك أضفى الفقه الإسلامي التقليدي وصف «العقد» ليس فقط على البيع أوالإيجار أوالشركة أوالقسمة أوغيرها من التصرفات التي تقوم على توافق الإرادتين، بل أضفوه أيضاً على الوصية والوقف والطلاق والعتق والإبراء من الدين، وهي تصرفات تقوم على إرادة واحدة، أوكما يقول الشرعيون، تصرفات تنعقد بالإيجاب وحده، من دون ما لزوم لأن يلحقه قبول. ولايزال بعض من فقهاء الشريعة المعاصرين يسيرون على ما سار عليه أسلافهم، فيرون عقداً في جميع تصرف قانوني، حتى لوكان تصرفاً صادراً من جانب واحد.

بيد حتى أغلب فقهاء الشريعة المعاصرين، وربماقد يكونون في ذلك قد تأثروا بلغة القانون المعاصر، يقصرون اصطلاح (العقد) على التصرف القائم على إرادتين أوأكثر، أي على إيجاب وقبول، من غير ذلك الذي يحتاج لقيامه إرادة واحدة وحسب.


شروط وأسس صحة العقد

ومن تعريف العقد على نحوما سبق، يظهر أنه يقوم على أمرين أساسين:

  • الأول: توافق الإرادتين، أوارتباط الإيجاب بالقبول، وهوما يكّون الإرادة المشهجرة، أي الرضاء، وهوالركن اللازم لقيام العقد.
  • الثاني: حتى يُبتغى بالعقد إحداث أثر يرتبه القانون، أي يتحقق بالجبر والإلزام وينطوي على جزاء تكلفة السلطة العامة بالقوة عند الضرورة، وليس محض أثر يُبتغى به المجاملة أوالتمشي مع الصداقة أوالناحية الإنسانية.

والغالب حتى يقوم العقد بين طرفين، البائع والمشتري، مثلاً، في عقد البيع، والمؤجر والمستأجر، في عقد الإيجار. ولكن لا ليس ما يمنع حتى يقوم العقد بين أطراف متعددة، كما هي الحال في عقد الشركة وعقد القسمة، وفي حدود الطرف الواحد للعقد، وليس ثمة ما يمنع من حتى يتعدد الأشخاص الذين يدخلون في تكوينه. ومثال هذه الحال البيع الصادر من أشخاص عدة لشيء يملكونه على الشيوع، والشراء الذي يعقد لصالح أشخاص متعددين للشيء نفسه، من دون تجزئته بينهم.

وإذا وجب، لقيام العقد، حتى تتفق في الأقل إرادتان وترتبطا على إحداث أثر قانوني، فلا أهمية بعد ذلك لطبيعة هذا الأثر. فسواء حتىقد يكون إنشاء حق أونقله أوتعديله أوزواله.

ومقتضى عدم الاعتداد بطبيعة الأثر القانوني المترتب على العقد حتى يصبح هذا الاصطلاح، في معناه ومدلوله، مرادفاً لاصطلاح (الاتفاق). بيد حتى بعض الفقهاء قد نطقوا بالتفرقة بين هذين المصطلحين. فهم يرون في الاتفاق convention توافق إرادتين أوأكثر على إنشاء الحق (كالبيع ينشئ حقوقاً للبائع والمشتري. وكالإيجار ينشئ حقوقاً متبادلة للمؤجر والمستأجر)، أوعلى نقله (كما هي الحال في الحوالة)، أوعلى تعديله (كالاتفاق على تقسيط الدين أوعلى أعطى أجل الوفاء به)، أوعلى زواله (كالوفاء ينهي حق الدائن). أما العقد، فهم يرون فيه توافق الإرادتين الذي يستهدف الأمر الأول وحده، وهوإنشاء الحق، من دون باقي الأمور، وهي نقل الحق وتعديله وزواله، العقد في نظر هؤلاء الفقهاء أخص وأضيق نطاقاً من الاتفاق. فهوبالنسبة إليهم بعض من كل، أونوع من جنس، ولكن أغلبية الفقهاء تنبذ التفرقة السابقة بين الاتفاق والعقد. ووصل الأمر في الوقت الحاضر، إلى حتى انعقد إجماع الفقهاء أوما يقر به، على عدم التمييز بين الاتفاق والعقد، وعلى أنهما لفظان مترادفان لمدلول واحد هوتوافق إرادتين أوأكثر على إحداث أثر يرتبه القانون إعمالاً له، أياً ما كانت طبيعة هذا الأثر، أي سواء أكان إنشاء حق أونقله أوتعديله أم زواله.

أساس العقد

أساس العقد، بمعنى الأمر الرئيس الجوهري فيه، هوالإرادة المشهجرة لعاقديه، أوقصدهما المشهجر للعاقدين هي التي تنشئ العقد، وهي التي تحدد آثاره، وذلك كله بما لا يخالف القانون والنظام العام في الدولة. وهذا هومقتضى مبدأ سلطان الإرادة أوسيادتها.

على حتى دور الإرادة في العقد، وإن بقي إلى اليوم أساسياً في إنشاء العقد وفي تحديد آثاره؛ أخذ يسير في اتجاه الانحسار بتأثير من النزعة الاشتراكية التي بدأت تتغلغل في حنايا المجتمع الحديث. فقد أدت هذه النزعة الاشتراكية بالقانون، في كثير من البلاد الراقية إلى تقييد الإرادة في ترتيب آثار بعض العقود بما يوفر الحماية أوالرأفة لأحد طرفيها على حساب الآخر. وهذا ما يعمله على وجه الخصوص في شأن عقد العمل[ر]، وفي شأن عقد إيجار الأماكن للسكنى ونحوها، وعقد إيجار الأراضي الزراعية، إذ يفرض أحكاماً تحمي العامل أوالمستأجر من دون رب العمل أوالمؤجر، ثم إذا القانون يمنح القاضي سلطة تعديل آثار العقود التي تبرم بين طرفين يبلغ أحدهما من القوة العملية إزاء الآخر، إذ يملي الشروط التي يوجب حتى يتم التعاقد على أساسها، ولاقد يكون للطرف الآخر حتى يقبلها جملة أويرفضها جملة، فلا يناقشها أويساوم في شأنها، حتى إذا ما قُبِلَ التعاقد على أساسها كان قبوله ذاك أقرب إلى الرضوخ والتسليم والإذعان منه إلى المشيئة حقاً والرضاء الحر السليم. وتُسمى هذه العقود:«عقود الإذعان». وتهجرز سلطة القاضي، إزاء هذا النوع من العقود، في تعديل ما عساها حتى تتضمنه من شروط تعسفية بالطرف المذعن بما يحمل عنه العسف والإجحاف، ويعفيه منها كلها. وفضلاً عما سبق، يوجب القانون على القاضي ـ بناء على طلب المدين ـ حتى يتدخل ويعدل من آثار العقود التي تطرأ عليها بعد إبرامها وقبل تمام تطبيقها ظروف استثنائية عامة غير متسقطة،قد يكون من شأنها حتى تصبح التزامات المدين شديدة الإرهاق به، حيث تهدده بخسارة جسيمة فادحة، وفي مثل هذه الحال، يوجب القانون على القاضي ـ بناء على طلب المدين ـ حتى يعدل من آثار العقد برد التزام المدين إلى الحد المعقول. وهذا هومقتضى نظرية الظروف الطارئة[ر] التي تقننت في كثير من البلاد. وكان من شأن ما تجاوز من توالي القيود القانونية على دور الإرادة في مجال العقود حتى أخذ بعضهم يقولون إننا نسير في اتجاه ما أطلقوا عليه العقد المفروض contrat forcé أوالعقد القانوني contrat légal.

أهمية نظام العقد

العقد نظام فذ وعملاق من أنظمة القانون. بل هوبعد القانون نفسه، أبرز الأنظمة التي تستظل بظله. فالعقد له الأثر الأساسي الأعظم في دنيا المال بين الناس. وهوأكثر الأنظمة القانونية شيوعاً في حياتهم، إذ إذا أحدنا حتى في حياته العادية يبرم العقد مع غيره في اليوم الواحد مرات ومرات.

ونظام العقد ـ على جليل خطره في مجال المال ـ لا يقف عنده، وإنما يتجاوزه إلى غيره من مظاهر الحياة. فهوـ مثلاً ـ السبيل إلى إنشاء هذا الرباط المقدس بين الرجل والمرأة والمتمثل في الزواج. ولا يقف أثر العقد عند علاقات الناس، مالية كانت أم إنسانية، وإنما يتجاوزها إلى علاقات الدول نفسها فيما بينها، فكثيراً ما تلجأ الدول إلى تنظيم شؤونها فيما بينها عن طريق عقود تبرمها، ثنائية كانت هذه العقود أم جماعية، يغلب حتى تسمى بالاتفاقيات أوالمعاهدات.

أنواع العقود وتقسيماتها المتنوعة

العقود لا تتناهى ولا يرد عليها الحصر، كما أنه لا حدَّ للصور التي يمكن لها حتى تتخذها. فهي تقوم وتنتج آثارها حدثا توافرت لها أركانها، التي سيأتي ذكرها فيما بعد. وهي على كثرتها وعدم تناهيها، ليست كلها من صنف واحد، وإنما تتنوع وتختلف. بل لا ينتظمها تقسيم واحد في تنوعها واختلافها، وإنما ترد في تقسيمات كثيرة متعددة. فحدثا نظرنا في العقود من زاوية معينة أووفقاً لأساس محدد، رأيناها تتغاير وتتشكل زمراً وطوائف، وقد عمد الفكر القانوني إلى جمع جميع ما يتشابه منها في زمرة خاصة، حتى يمكن تبين القواعد الأساسية المشهجرة التي تحكمها.

من أبرز تقسيمات العقود تقسيمها إلى عقود مسماة أومعينة وعقود غير مسماة أوغير معينة، وأساس هذا التقسيم قائم على إذا كان القانون يتناول العقد بالتنظيم الخاص أولا يتناوله، فالقانون يتناول تنظيم العقود في مجالين أساسيين؛ فهويبدأ بتنظيم العقد في إطار نظرية عامة، أي باعتباره نظاماً كلياً شاملاً، دون حتى يتطرق إلى عقد بعينه، ثم يلجأ بعد ذلك إلى التنظيم الخاص للعقود. وهو، إذ يعمل ذلك، لا يتناول العقود كلها، حيث إنها تستعصي على الحصر، وإنما هويتناول فقط تلك التي يلمس أهميتها للناس في معاملاتهم، بحسب حاجتهم إليها، وبحسب ما يثور حولها من منازعات بينهم في مألوف حياتهم. والقانون حينما يبين الأحكام الخاصة بعقد ما، يضفي عليه بالضرورة اسماً له. ومن هنا تسمى العقود التي من هذا النوع: «العقود المسماة أوالمعينة contrats només »، لتهجر لغيرها اسم «العقود غير المسماة أوغير المعينة» contrats innomés .

ومن التقسيمات الأساسية للعقود كذلك تقسيمها على عقود رضائية وعقود شكلية. وأساس هذا التقسيم حتى تكون الإرادة المشهجرة للعاقدين بذاتها، منذ لحظة حصول التعبير عنها وبغض النظر عن الشكل الذي يرد عليه هذا التعبير، تكفي لقيام العقد أوأنها لا تكفي. فإن كان الأمر الأول، كان العقد رضائياً consensuel، تأسيساً على أنه يقوم على الرضاء به مجرداً من الشكل، ومثاله البيع والإيجار والصلح والقسمة. وإن كان الأمر الثاني واستلزم القانون لذات قيام العقد شكلاً معيناً، عدَّ العقد شكلياً formel، كالرهن الرسمي والهبة. والأشكال المتطلبة لانعقاد العقود الشكلية، متغايرة، منها الكتابة (إذا كانت لازمة لذات قيام العقد وليست لمحض إثباته قضاء) أوالتوثيق أوالموظف الرسمي المكلف بذلك.

والرضائية في العقود هي الأصل. وعلى ذلك فالعقد يعدّ رضائياً مالم يقضِ القانون نفسه بشكليته.

وتنقسم العقود، بالنسبة إلى عاقدها إذا كان يأخذ لقاءاً لما يعطي أولا يأخذ، إلى عقود بلقاء أوعقود معاوضات وعقود بغير لقاء أوعقود تبرع. ففي النوع الأول يعطي جميع من العاقدين للآخر ويأخذ منه لقاءاً لما يعطيه إياه، كالبيع حيث يعطي البائع الشيء المبيع للمشتري ويأخذ منه الثمن، ويعطي المشتري للبائع الثمن ويأخذ منه المبيع. ومثال عقود المعاوضات أيضاً الإيجار وعقد العمل ثم الوكالة والوديعة إذا كانتا بأجر. وفي النوع الثاني من العقود ـ عقود التبرع ـ يعطي أحد العاقدين للآخر شيئاً، من دون حتى يأخذ لقاءاً لما يعطيه إياه، فهويتبرع له بشيء من عنده، ومثالها الهبة والعارية، ثم الوكالة والوديعة إذا عقدتا بغير أجر.

وتنقسم العقود ـ بحسب ما إذا كانت تنشئ التزامات على طرفيها كليهما أم على أحدهما فقط ـ إلى عقود ملزمة للجانبين وعقود ملزمة لجانب واحد. ففي العقود الملزمة للجانبين، تنقل الالتزامات الناشئة عنها كلاً من طرفيها على سبيل التقابل. فكل منهما دائن للآخر ومدين له، ومثالها عقد البيع وعقد الإيجار وعقد العمل. أما العقود الملزمة لجانب واحد، فهي تلك التي ترتب الالتزامات على أحد طرفيها دون الآخر. فيكون هذا الطرف مديناً غير دائن، في حين حتى الطرف الآخرقد يكون دائناً غير مدين. ومثالها الهبة والكفالة.

وتنقسم العقود، بحسب ما إذا كان للزمن ولج في تحديد مدى ما يؤدي من الالتزامات الناشئة عنها أم لا، على عقود فورية وعقود مستمرة أوزمنية أوعقود المدة كما يطلق عليها أحياناً. فالعقود الفورية contrats instantanés هي تلك التي لا يتدخل الزمن في تحديد مقدار ما يؤدي من الالتزامات المتولدة عنها. وسيان بعد ذلك حتى يتدخل في تحديد وقت نفاذها أولا يتدخل. ومثالها البيع. أما العقود المستمرة contrats successifs أوالزمنية، فهي تلك التي يتوقف مقدار ما يؤدي من الالتزامات الناشئة منها على الزمن، إذ إذا هذه الالتزامات تضيق في مداها أوتتسع، بحسب قصر أوطول المدة التي يتنفذ العقد خلالهما. ومثال العقود المستمرة عقد الإيجار وعقد العمل وعقد التوريد.

وتنقسم العقود ـ بحسب ما إذا كان من الممكن، عند إبرامها، تحديد قيمة الالتزامات الناشئة عنها أم لا ـ إلى عقود محددة القيمة وعقود احتمالية. فالعقد محدد القيمة هوذاك الذي يمكن، عند إبرامه، تبين قيمة الالتزامات الناشئة منه، حيث يستطيع جميع متعاقد حتى يعهد، في هذا الوقت، ما يأخذه وما يعطيه بمقتضاه، ومثاله بيع شيء معين أوإيجاره نظير مبلغ نقدي محدد كثمن أوكأجرة. أما العقد الاحتمالي contrat aléatoire فهوذلك الذي لا تتحدد قيمة الالتزامات الناشئة منه أوأحدها، عند إبرامه، بل تتوقف تلك القيمة على عوامل مستقبلة للصدفة فيها أثر كبير، ومثاله عقد التأمين، والبيع الذيقد يكون الثمن فيه إيراداً مرتباً لمدى حياة المشتري.


أركان العقد

أركان العقد ثلاثة، هي: الرضاء والمحل والسبب، وذلك إلى جانب الشكل في العقود الشكلية.

ولتوافر الرضاء الذي من شأنه حتى يقيم العقد، يلزم حتى تتوافر الإرادة في جميع من طرفيه، وأن يحصل التعبير عنها بأي طريق من طرق التعبير، وأن تتوافق الإرادتان المعبر عنهما على طبيعة العقد المراد إبرامه وعلى المسائل الجوهرية فيه. ويتم توافق الإرداتين بصدور الإيجاب من أحد الطرفين، ويتلوه القبول من الطرف الآخر، شريطة حتى يجيء القبول ويتصل بفهم الموجب حالة كون الإيجاب باقياً لم يسقط. والأصل حتى للموجب خيار الرجوع في إيجابه قبل حتى يقترن به القبول، كما حتى للموجَب له خيار قبول الإيجاب أورفضه. أما بعد حتى يجيء القبول ويتصل بفهم الموجب، فإن العقد يتم، ولاقد يكون لأي من طرفيه نكوص عليه بغير إرادة الطرف الآخر.

ووجود الرضاء في ذاته هوالذي يمثل ركناً لازماً لقيام العقد. فإن لم يوجد الرضاء، فإن العقد لا يقوم أصلاً، أي إنه يقع باطلاً. ولكن صحة الرضاء أوسلامته لا ترتقي إلى مرتبة الركن في العقد، وإنما هومحض أمر يؤدي إلى كماله وإبعاد العيب عنه وحسب. ونتيجة ذلك أنه إذا توافر الرضاء بالعقد، ولكنه اتى غير سليم، فإن العقد مع ذلك يقوم وينتج آثاره، جميع ما هنالك حتى فساد الرضا به يجعله مهدداً بالزوال لمصلحة من فسد رضاؤه من عاقديه. فعدم سلامة الرضاء لاتؤدي إلى بطلان العقد، ولكنها تجعله قابلاً للإبطال وحسب.

إن فساد الرضاء أوعدم سلامته ينتج من أحد أمرين: نقص الأهلية وعيوب الرضاء. وعيوب الرضاء تتمثل في ثلاثة تقليدية؛ هي الغلط[ر] والتدليس[ر] والإكراه. ويضاف إليها حديثاً، وبتأثير من القانون الألماني، عيب رابع حديث هوالاستغلال، الذي أخذ به كثير من القوانين الحديثة، ومنها القانون المصري والقوانين العربية الأخرى التي استوحته وأولها القانون السوري.

ويقصد بالمحل، باعتباره ركناً في العقد، الأمر الذي يلتزم المدين بعمله أوبالامتناع عن عمله لمصلحة الدائن، وهوبهذه المنزلة يتمثل في الحقيقة ركناً في الالتزام، ومع ذلك فمن الممكن اعتباره ركناً في العقد أيضاً، وإن كان ذلك بطريق غير مباشر. فالمحل المباشر للعقد هوالالتزامات التي من شأنه حتى يولدها. ومن ثم فما يعدّ محلاً للالتزام يعدّ محلاً غير مباشر للعقد الذي يرتبه. وهذا هوالذي يفسر ما درج عليه الفكر القانوني من النظر إلى الشيء الذي يلتزم المدين بعمله أوبالامتناع عنه، ليس على أنه يتمثل محلاً للالتزام وحسب، وإنما أيضاً على أساس أنه يتمثل محلاً للعقد وركناً لازماً لذات قيامه، وأن الخلل الذي يلحقه يؤدي إلى بطلان العقد كله.

ويلزم في المحل حتىقد يكون ممكناً غير محال. فإذا التزم المدين بأمر يستحيل استحالة موضوعية مطلقة، وليست استحالة نسبية ذاتية متعلقة به شخصياً؛ فإن العقد لا يقوم. ويلزم في المحل أيضاً حتىقد يكون معيناً أوقابلاً للتعيين، وأنقد يكون مشروعاً أي غير مخالف للنظام العام أوحسن الآداب في الدولة.

أما السبب، باعتباره ركناً في العقد، فهوالغرض أوالغاية التي يسعى المدين إليها من وراء ارتضائه العقد، وقبوله بالتالي التحمل بالالتزام الذي من شأنه حتى يرتبه في ذمته. فهويتمثل في الإجابة عن السؤال: لما التزم المدين،يا ترى؟ في حين حتى المحل يتمثل في الإجاية عن السؤال: بماذا التزم المدين؟

ويلزم السبب حتىقد يكون موجوداً ومشروعاً، ويُفتَرَض حتى لكل التزام سبباً وأن السبب المذكور في العقد هوالسبب الحقيقي، وعلى من يدَّعي عكس هذا أوذاك حتى يقيم الدليل على صحة انادىئه على نحوما يقضي به القانون.

وإذا تخلف أي ركن من أركان العقد المتمثلة في الرضاء والمحل أوالسبب، أولم يتوافر في أي من الركنين الأخيرين شرط من شروطه، سقط العقد باطلاً أصلاً، أوبلُغة التقليدين:قد يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً. أما إذا توافر الرضاء بالعقد، ولكن شابه الفساد بسبب نقص في الأهلية أوبسبب عيب من العيوب التي تلحقه والمتمثلة في الغلط أوالتدليس أوالإكراه أوالاستغلال، فإن العقد مع ذلك يقوم ويُنتج آثارَه، ولكنهقد يكون مهدداً بالزوال بناء على طلب من تعيّب رضاؤه. فهولا يقوم من الأصل باطلاً، ولكن قابلاً للإبطال، زال أثره، لا من تاريخ القضاء بإبطاله وحسب، ولكن من تاريخ إبرامه أيضاً، وعدَّ كأنه لم يقم أصلاً، ووَجَبَ إعادة العاقدين إلى الحالة التي كانا عليها من قبل.

أثر العقد

متى قام العقد ابتكر أثره. ويهجرز أثر العقد في أمرين أساسيين: قوته الملزمة، ونسبية هذه القوة، بمعنى أنها لا تكون إلا بين أشخاص محددين، هما العاقدان وخلفاؤهما، دون الغير.

فللعقد قوة ملزمة، أي إنه يلزم طرفيه بما يجيء فيه، فيتحمل جميع منهما الالتزامات التي يفرضها عليه، وليس لأي من طرفي العقد عند النكوص عليه بغير إرادة الطرف الآخر، فليس له، كأصل عام، حتى ينقضه أويعدل من آثاره إلا بموافقة الطرف الآخر. وفي هذا جرى القول المأثور: العقد شريعة المتعاقدين pacta sunt servanda. على حتى التزام جميع من طرفي العقد بأحكامه، وعدم إمكان أي منهما نقضها أوتعديلها إلا بموافقة غريمه لا يعدوحتىقد يكون مجرد قاعدة عامة ترد عليها بعض الاستثناءات. ومن أبرز الاستثناءات التي ترد على القوة الملزمة للعقد ما يمنحه القانون في العقود عامة للمدين الذي تطرأ عليه ظروف عامة غير متسقطةقد يكون من شأنها حتى تجعل التزامه شديد الإرهاق به حيث تهدده بخسارة فادحة، فيطلب من القاضي رد التزامه إلى الحد المعقول. وهذا مقتضى نظرية الظروف الطارئة[ر] التي أخذت بها القوانين الحديثة. ومن الاستثناءات التي ترد على مبدأ القوة الملزمة للعقد أيضاً ما يمنحه القانون للقاضي في عقود الإذعان من سلطة تعديل آثار ما عساه حتى تتضمنه من شروط تعسفية بالطرف المذعن أوإعفائه منها كلها. ومن هذه الاستثناءات، كذلك سلطة القاضي، في صدد المدين الذي تتعثر أحواله مؤقتاً، فلا يقدر على الوفاء بالتزامه حالاً، حيث يقرر له السلطة في حتى يمنحه أجلاً للوفاء بدينه، فينظره بذلك على مسيرة، لعل الله يأتيه من بعد عسر يسرا.

أما الأمر الثاني في خصوص آثار العقد، وهونسبية قوته الملزمة، أونسبية الآثار التي يولدها، فمؤداه حتى العقد يُنتج آثارَه في لقاءة أشخاص محددين، وتنصرف وآثارَه ضرورةً إلى عاقديه. وتنصرف من بعدهما، في حدود معينة، وبشروط خاصة إلى خلفائهما، سواء أكان الخلف عاماً أم خاصاً. كما حتى دائني جميع من العاقدين ـ وإن لم تنصرف إليهم مباشرة آثار عقدهما ـ إلا أنهم يتأثرون بها بطريق غير مباشرة بسبب ما يرتبه العقد من زيادة أوعبء في الذمة المالية[ر] لكل منهما. وإذا انصرفت آثار العقد إلى العاقدين وخلفائهم وتأثر بها دائنوهم، فإنها تقف عند هذا الحد. فهي لاتؤثر في حقوق الغير. ومن هنا كانت القاعدة الأساسية حتى العقود لا تنفع ولا تضر الغير. وكانت هذه القاعدة التي يقضي بها منطق القانون ذاته مطلقة أوتكاد في القديم، ولكنها باتت اليوم تحمل استثناءً مهماً، فرضته ظروف الحياة التي نعيشها، فأصبحنا نرى خصيصاً لكي تنصرف بعض آثارها إلى الغير. وهذا هومقتضى نظام الاشتراط لمصلحة الغير.

انحلال العقد

المقصود بانحلال العقد هوزواله بعد قيامه. والأصل حتى العقد لا ينحل. فالغاية منه هي إنشاء التزامات معينة. وهذه الالتزامات هي التي تنقضي بالوفاء أوبغيره. ولكن العقد ذاته يظل قائماً، حتى لوانقضت جميع الالتزامات التي ولدها. إذ إنه في هذه الحالة يبقى نادىمة وسنداً للحقوق التي رتبها.

وإذا كانت القاعدة حتى العقود لا تنحل، إلا حتى هذه القاعدة ليست مطلقة؛ فقد ينحل العقد نتيجة مسببات معينة في الأساس: الفسخ والانفساخ والتفاسخ.

إن الفسخ نظام قانوني مؤداه أحد العاقدين، في العقود الملزمة للجانبين، يُخلّ بالتزامه، فيمنح القانون للمتعاقد الآخر الخيار بين حتى يتمسك بالعقد ويلزم غريمه الوفاء بالتزاماته التي يوجهها عليه، وبين حتى يلجأ إلى فسخ العقد، حتى يتخلص من التزاماته، فالفسخ جزاء اختياري يمنحه القانون للدائن ضد مدينه المخل بالتزامه.

والأصل حتى الفسخ يتم بحكم القاضي، بناء على طلب الدائن، شريطة توافر شروطه. وللقاضي إذا ما طُلب منه الفسخ سلطة رحبة الحدود. فله حتى ينظِر المدين إلى ميسرة، بأن يمنحه أجلاً للوفاء بالتزامه، وله حتى يرفض الفسخ كله، على الرغم من توافر شروطه، وذلك في الحال التي يرى فيها حتى مالم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى التزاماته في جملتها.

وإذا كان الأصل حتى الفسخ يتم بحكم القاضي؛ إلا أنه يمكن له حتى يقع من تلقاء نفسه وبقوة القانون، وحين حصول الإخلال بالتزام، وذلك إذا تضمن العقد شرطاً قاطعاً في الدلالة على ما سبق. وهذا هومؤدى ما يطلق عليه الفسخ القانوني أوالإتفاقي، تمييزاً له من الفسخ الذي لا يقع إلا بحكم القاضي، والذي أطلق عليه: «الفسخ القضائي».

إن انفساخ العقد نظام مؤداه حتى يصبح، بعد قيام العقد، تطبيق التزام أحد طرفيه محالاً استحالة موضوعية مطلقة لسبب لا يُعزى إليه، على أنه قوة قاهرة أومن عمل الغير، فينقضي هذا الالتزام لاستحالة محله، وينقضي الالتزام اللقاء له لزوال سببه، ويتفرغ العقد من مضمونه، فيزول، أي إنه ينفسخ.

أما التفاسخ أوالتقابل أوالإنطقة، فيعني إزالة العقد بعد قيامه نتيجة اتفاق العاقدين عليه. فإذا كان يمتنع، بوصفه أصلاً عامّاً، على أي من طرفي العقد حتى ينقضه أويغير من أحكامه بإرادته المنفردة، فإن ذلك لا يستعصي على الإرادة المشهجرة للعاقدين كليهما. فهذه الإرادة المشهجرة هي التي تنشئ العقد، وما تنشئه تستطيع حتى تزيله.

وإذا انحل العقد بسبب الفسخ أوالانفساخ أوالتفاسخ، زال من وقت إبرامه وعدّ كأنه لم يكن أصلاً. فانحلال العقد يحدث بأثر رجعي، ولكن هذا الحكم لا يعدوحتىقد يكون الأصل العام، ويرد على هذا الأصل استثناء مهم بالنسبة إلى العقود المستمرة كالإيجار وعقد العمل، إذ لاقد يكون لانحلال العقد أثر إلا من تاريخ وقوعه، والفكر القانوني مصرٌّ على حتى يُستثنى من رجعية الفسخ ما من شأنه حتى يؤدي إلى حماية من لاقد يكون حسن النية.


نظرية العقد

انظر أيضاً

  • عقد (نزاع)
  • عقد البيع
  • التعاقد
  • بنود العقد (تصنيف)
  • التصميم حسب العقد
  • أتممة الوثائاق
  • الإيقاف
  • الآثار الأخلاقية في العقد
  • سبب قهري
  • اتفاق شرف
  • حسن النية
  • عقد ضمني
  • سنك ملكية
  • تباين المعلومات
  • Invitation to treat
  • Memorandum of understanding
  • Negotiation
  • Option contract
  • Order (business)
  • Peppercorn (legal)
  • Perfect tender rule
  • Principal-agent problem
  • Quasi-contract
  • Remedy
  • Restitution
  • Specification (technical standard)
  • Standard form contract
  • Stipulation
  • Tortious interference
  • Unjust enrichment
  • Voidable contract

حسب البلد

  • قانون العقود الأسترالي
  • قانون العقود الإنگليزي
  • قانون العقود الألماني
  • قانون العقود الهندي

الهوامش

  1. ^ العقد الموسوعة العربية

المصادر

  • Ewan McKendrick, Contract Law - Text, Cases and Materials (2005) Oxford University Press ISBN 0-19-927480-0
  • P.S. Atiyah, The Rise and Fall of Freedom of Contract (1979) Clarendon Press ISBN 0-19-825342-7
  • Randy E. Barnett, Contracts (2003) Aspen Publishers ISBN 0-7355-6535-2
  • Scott Fruehwald, "Reciprocal Altruism as the Basis for Contract," 47 University of Louisville Law Review 489 (2009).
  • [1]

وصلات خارجية

ابحث عن contract في
قاموس الفهم.
اقرأ اقتباسات ذات علاقة بعقد، في فهم الاقتباس.
  • Australian Contract Law
  • Behavioral Contracting in the Classroom
  • Contract Law Lessons & Materials by Max Young
  • Cornell Law School contracts: an overview
  • Principles of European Contract Law
  • United Nations Convention on Contracts for the International Sale of Goods, Vienna, 11 April 1980


تاريخ النشر: 2020-06-04 16:34:48
التصنيفات: صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي, Commons category link is locally defined, قانون العقود, وثائق قانونية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"تنسيقي حجاج الداخل" يطلق مبادرات نوعية لموسم حج هذا العام

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-24 12:26:12
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 52%

رياض مزور: الصناعة المغربية تحقق حاليا "نقلة استثنائية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-24 12:26:51
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

رياض مزور: الصناعة المغربية تحقق حاليا "نقلة استثنائية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-24 12:26:44
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 64%

مرتضى منصور يقيم 6 طعون في قضايا شتم الخطيب ومحامي الأهلي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-24 12:26:21
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 61%

"العنف النفسي" ضد الأطفال له عواقب صحية خطيرة.. تستمر طول الحياة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-24 12:26:06
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

الظهران.. 200 متطوع في حملة لتنظيف شاطئ المحار

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-24 12:26:09
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

مكافحة الهجرة غير الشرعية جهود المغرب بالأرقام

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-06-24 12:26:00
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 50%

تحميل تطبيق المنصة العربية