أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي

عودة للموسوعة

أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي

اقرأ نصاً ذا علاقة في

أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي


كتاب أزمة التطور الحضاري بقلم علاء الدين الأعرجي

تعريف الكتاب ومناقشته

أ)تعريف الكتاب:

موجز مكـثــّـف لكتاب أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنعمل:

مجموعة فصول مختارة نشرت تباعا بشكل منطقات بحثية، منذ مطلع القرن الجاري. وهي تشكل حلقات متكاملة من موضوع واحد يتعلق بـ"أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، في بعض أبعادها التاريخية والسوسيولوجية والفلسفية، وعلاقـة تلك الأزمة بما يعاني منه الشعب العربي من نكبات وما ينتظره من ويلات. ولئن تبدوبعض الاستـنـتاجات قاسية أوصادمة، إلا أنها تـنطلق من حرص المحرر الشديد على مستقبل هذه الأمة ومصيرها. وتشكل هذه البحوث محاولة متواضعة لسبر أُسّ السقم، وتلقي ضوءا على بعض العلاج. ومع ذلك أشار المحرر إلى حتى الدراسات الإنسانية، خلافا للحقائق الفهمية، تظل عرضة للنقاش والشك. ويعترف باحتمال تعرضه للشطط والزلل. لذلك يتطلع لاستمزاج آراء وملاحظات الزملاء خاصة، والقراء عامة، ولاسيما النقاد، ليأخذها بعين الاعتبار.

ففي الفصل الأول التمهيدي (غير منشور سابقا) من هذا الكتاب، جازف المؤلف بالتعرض، صراحة، لمسألة إمكانية انقراض الأمة العربية، كما انقرضت قبلها أمم متعددة، كما يؤكد "توينبي". وبَـيَّـن علامات سقوطها ومؤشراته، منذ فترة طويلة، ثم تفاقم هذه الأوضاع في العصر الحديث. وهي على أربعة أصناف: مادية ومعنوية واقتصادية وتكميلية، وقد تتداخل هذه المظاهر أوتتكامل أوتتوازى في الغالب. وذكر منها سبعة عشر مؤشرا، من بين عشرات أخرى، كانت وما تزال قائمة، منذ مئات السنين. واستشرف مستقبل الأمة الكالح في ظل التداعيات الجارية والظروف الراهنة. ولئن تعرض المحرر لهذه المؤشرات، فإنه يحاول لقاءة الحقائق ولوكانت مرّة، كما أنه يلح على قرع ناقوس الخطر الداهم لشحذ العـقول وإبداع الحلول، وتنبيه الزعماء السياسيين، والمعـنيـين والمثـقـفيـن والمفكرين والمتخصصين، الحريصين على مصير أمتنا العربية العريقة والعظيمة.

وبغية تبرير وتفسير المخاوف القائمة على أسس واقعية وتاريخية، درس المؤلف، في الفصل الثاني، مسألة "نشوء الحضارات وازدهارها وسقوطها"، من خلال بعض من آراء ونظريات فهمين من أبرز فهماء التاريخ والاجتماع: ابن خلدون الذي يعتبر أول مفكر طـَرَقَ هذا الموضوع، الشائك، وأول من طرح مسألة بداوة العرب التي ظلت تنخر نادىئم الحضارة العربية الإسلامية، حتى يومنا هذا. ثم أبرز مفكر غربي عالج الموضوع في القرن العشرين:أرنولد توينبي، في كتابه الموسوعي"دراسة للتاريخ" (13مجلدا). وقد حـَصَرَ هذا المفكر الحضارات البشرية في 21 حضارة، انقرض منها 14 حضارة، والست الباقية في طريقها إلى الانقراض، منها الحضارة (العربية) الإسلامية. أما السابعة وهي الحضارة الغربية، فلم يُعهد مصيرها بعد. ومن هنا انطلق المحرر في درس مصير الحضارة العربية الإسلامية المظلم، إلا إذا تحولت من حالة الجمود إلى حالة الحركة، وذلك من خلال جهود أبنائها، وخاصة قياداتها ومفكريها. ولاحظ حتى مسألة ثنائية الحركة والجمود، كما يرى جمهور الباحثين، بما فيهم "توينبي" و"ويل ديورانت"، مؤلف موسوعة" سيرة الحضارة"، ومحمد عابد الجابري، صاحب "رباعية نقد العقل العربي"، تشكل المحور الرئيس الذي يقرر ظهور الحضارة وتقدمها وازدهارها، أوضمورها وانهيارها. وبالتالي سيقرر هذا المحور بالذات مصير حضارتنا. كما شرع الباحث، في هذا الفصل، بطرح نظرية مُتـَـقـَحِـّمَة، تفسر عدم شفاء العرب من العقلية البدوية، التي كانت، ولا تزال، إلى حد بعيد، سائدة في الجزيرة العربية، بل وفي معظم المجتمعات العربية. وتستـند هذه النظرية إلى حقائق تاريخية تدور حول"عدم مرور العرب بفترة الزراعة"، على نحويكفي لمحوالقيم البدوية.

ولكن كيف من الممكن أن يمكن لأبناء الأمة العربية حتى ينتقلوا من حالة الجمود إلى حالة الحركة، في الوقت الذي يخضعون فيه لألف قيد وقيد،يا ترى؟ وللإجابة عن هذا السؤال، درس المؤلف في أمر تحرير الإنسان العربي من تلك القيود، أولا،ً ليتمكن من الحركة، بكل معانيها وأبعادها، وخاصة حركة الفكر والإبداع والابتكار، وبالتالي التقدم. غير أنه لاحظ، بتمعن، حتى تحرير الإنسان يحتاج النظر في تحرير عقله قبل جميع شيء. فالعقل المكبل بعشرات الأغلال المفروضة عليه من سلطات متعددة، منها سلطة "الآخر" الحاكم بأمره، في الداخل أوالزعيم المستبد؛ أومن الخارج: الهيمنة الأجنبية، والتبعية إلى الآخر، بجميع أشكالها، ومنها السياسية والاقتصادية والفهمية والتكنولوجية والفكرية والثقافية؛ فضلا عن سلطة الماضي أوالسلف، أوسلطة الأموات على الأحياء، بالإضافة إلى سلطة المجتمع( أوبالأحرى سلطة ما يطلق عليه الباحث مصطلح "العقل المجتمعي")، بكل ما يحمله من تنطقيد وأعراف وقيم وعقائد ومسلـّمات متخلفة من الفترة المظلمة، بوجه خاص، يقول المؤلف- هذا العقل المقيد، لا يُخلـِّف إنساناً حرا مبنادى، بل دمية تحركها الخيوط المتصلة بجميع تلك السلطات.

وهذا ما يبحثـه الفصلان الثالث والرابع، تحت عنوان"تحرير الإنسان العربي من خلال تحرير العقل العربي" في حلقتين. فبعد حتى حدد مفهوم العقل وميّـز بين العقل والفكر، تساءل عن وجود عقل عربي متميز، كما يوجد عقل متميز لكل شعب أو"وحدة مجتمعية" معينة. وشرح، بتفصيل واف، أشكال وأصناف السجون التي يخضع لها العقل العربي، التي تتراوح بين سجون خارجية، يفرضها الزعيم الأوحد، أو"الآخر": الأجنبي المستعمِـر أوالمستـثمِـر والمتـنفذ؛ وأخرى ذاتية، يفرضها العقل الفردي نفسه على ذاته، دون حتى يعي ذلك. ومنها قيود الأعراف والتنطقيد والمعتقدات، أي المسلـَّمات التي يفرضها "العقل المجتمعي" السائد على معظم أعضاء المجتمع. ثمَّ عرَّج على صدمة العقل العربي لدى احتكاكه بالحضارة الغربية، بوجهيها المشرق والبشع، ونكوصه إلى ماضيه التليد، يستلهمه، ليـتوكأ عليه أويستر عورته ويحمي غربته، كدفاع تلقائي بدائي عن الذات: الهوية، الثقافة، العقيدة. ثم باشر بإرساء نظرية "العقل المجتمعي"، ذلك "الكيان" الذي يحمل تاريخ المجتمع، وبالتالي قيـَمه ومسلـّماته. وأشار إلى أنه في الوقت الذي يقوم فيه ذلك العقل، على الجانب الإيجابي، بتمثيل ذاكرة المجتمع وتثبيت هويته وثقافته، من جهة، فهويشكل، في ذات الوقت، على الجانب السلبي، قيدا ثقيلا على حرية الإنسان العربي وقدراته الإبداعية، من جهة أخرى، نظرا لأن "العقل المجتمعي" العربي، في هذه الحالة بالذات، خاضع بوجه خاص، لتاريخ "التخلف" الذي أعقب فترة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية. أي أنه حاول حتى يثبت حتى الإنسان العربي المعاصر هوسليل "الفترة المظلمة"، وليس سليل الحضارة العربية الإسلامية في عصرها المضىي الآفـل، خلافا لما قد يتصور الكثير من الناس. وهذه نقطة أغفلها الكثير من الباحثين، كما يعتقد المؤلف. ومن جهة ثالثة، حتى لوافـْـتـُرضنا جدلا حتى هذا العقل له علاقة بتلك الحضارة العريقة، ولكن ْ " لكل زمان ٍ دولة ٌ ورجالُ"، وتتغير "الأحكام بتغير الأزمان"، كما نطق فقهاؤنا. فضلا عن حتى حضارة العرب التالدة قد مر بمحطتها قطار الحضارة منذ أكثر من ألف عام، وهوالآن في محطة تبعد مئات الآلاف من الأميال عنها.

وسعيا وراء معالجة بعض هذه الأوصاب، لجأ المؤلف إلى نظرية "العقل الفاعل والعقل المنعمل"، التي تحاول حتى تـُوَصِّـفُ وتحدد كيفية الخلاص من قهر "العقل المجتمعي"، في وجهه المتخلف. كما أنها تحلل وتـُنـَظـِّرُ، من جهة ثانية، الصراع المتواصل بين "العقل الفاعل والعقل المنعمل"، على صعيد الفرد والجماعة، الذي يتوقف على نتائجه تقدم المجتمع أوتخلفه: فالتخلف يتناسب طرديا مع رجحان كفة العقل المنعمل، وعكسيا مع رجحان كفة العقل الفاعل. بينما يتـناسب التقدم طرديا مع رجحان كفة العقل الفاعل، وعكسيا مع رجحان كفة العقل المنعمل.

إلى غير ذلك فقد درس المحرر في الفصول الثلاثة الأخيرة أزمة العقل العربي المعاصر من خلال "ثنائية الإبداع والاتـِّباع"، باعتبارها ترتبط ارتباطا مباشرا، وغير مباشر، بالعقل المجتمعي وبنظرية العقل الفاعل والعقل المنعمل. فبقدر ما يتحرر الإنسان العربي من "العقل المجتمعي" في جانبه السلبي، ومن عقله المنعمل، الخاضع لذلك العقل، عن طريق استخدام عقله الفاعل؛قد يكون، بنفس القدر، متمكنا من الخلق والإبداع، باعتبارهما مفتاح تقدم الأمم وانطلاق الحضارة.

وخلال جميع هذه البحوث كانت مسألة تمكين المرأة مسألة أساسية، ماثلة ضمنا، سواء باعتبارها تشكل جزءا مهما من جوهر"العقل المجتمعي"، بوجه عام، أوباعتبارها جزءا من مضمون "العقل العربي الفردي الذكوري المنعمل"، الذي يعتبر المرأة متاعا أوسلعة. ويعتقد المؤلف حتى مسألة تحرير المرأة هي جزء أساسي من تحرير عقل الرجل العربي المنعمل بذلك العقل المجتمعي في وجهه المتخلف، والموروث خاصة من العصور المظلمة من تاريخ المجتمع العربي والإسلامي . ويعكف الباحث على طبع وإصدار الجزء الثاني من كتابه "أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، الذي نـُشر عملا في حلقات متسلسلة، ظهرت تباعا في 18 فصلا، في مجلة"صوت داهش" الفصلية، التي تصدر في نيويورك، ابتداء من عدد صيف 2002 إلى شتاء 2007 .

وتعالج هذه الحلقات (الفصول) سلسلة العوامل الأساسية التي أدت إلى أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي، منذ اصطدام العرب بالحضارة الغربية المعاصرة حتى يومنا هذا. وهي بالتالي تـُنـَظـِّر لأسباب فشل النهضة العربية. والأهم من ذلك، أنها تدعوجميع المفكرين والكتاب والمثقفين الحريصين على مستقبل هذه الأمة، إلى تكريس جهودهم وشحذ "عقولهم الفاعلة"، للتوصل إلى وضع بعض الحلول التي تسعى إلى إنقاذ هذه الأمة من هذه الغـُمـَّة. ولئن يـُعرب المحرر عن تقديره البالغ لأعمال جميع المفكرين الكبار، الذين ذكرهم في سياق بحثه، والذين أسهموا في هذا المجال، فإنه يعترف بفضلهم في الإيحاء له بكتابة هذه السطور المتواضعة، كقطرات قليلة من المنابع التي فجروها.

                                      *          *            *

وفي سياق درس وتحليل هذه القضايا الفكرية والتاريخية، التزم المؤلف بمنهج البحث الموضوعي الفهمي، المدعوم بالحجج العقلية والشواهد التاريخية، قدر الإمكان. وبقدر ما يتعلق بالمقـتبسات التاريخية أوالفكرية أوالنصية،التزم المحرر ،بصرامة، بتثبيت مصادر البحث، بالمستويات الأكاديمية المعروفة. وتوخيا لزيادة الإيضاح، ثبـَّت الاستطرادات وشرح المسائل ذات العلاقة بأية نقطة، في الحواشي المطولة أحيانا، في آخر جميع فصل من الفصول .


خلاصة وتحديد نقاط الجـِدَّة في الكتاب

يفترض الباحث في هذا الكتاب حتى جميع المشاكل والنكبات التي أصابت الأمة، تعود إلى"أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، أوبالأحرى "تخلف العرب عن اللحاق بالحضارة العالمية المتفجرة". وهذه الفرضية ليست جديدة، بل كانت وما تزال مطروحة منذ أول احتكاك مباشر للعرب بالحضارة الغربية منذ مطلع القرن التاسع عشر. وقد تجلت من خلال السؤال القديم الجديد المطروح بصيغ مختلفة منها:" لما تقدم الغرب وتخلف المسلمون أوالعرب؟".

وفي هذا الإطار يتفق المؤلف مع معظم المفكرين البارزين المعاصرين العرب، على حتى "التخلف الحضاري"، الذي يعاني منه المجتمع العربي ، كان السبب الرئيس لجميع إخفاقات الأمة العربية قي مختلف الميادين التنموية، وبالتالي، لنكباتها المتلاحقة وخضوعها المزري. ومنهم على سبيل المثال فقط قسطنطين زريق ومحمد عابد الجابري وحسن حنفي وزكي نجيب محمود وجورج طرابيشي ومحمد أركون وعبد الله العروي ومحمد جابر الانصاري وهشام جعيط وعلي حرب وعلي الوردي وغيرهم. وإلى هذا الحد فإن المؤلف لا يقدم جديدا، ألـَّلهـمَّ إلا من حيث استشرافه مصير الأمة الآيلة إلى السقوط وربما الاندثار، إذا لم تتضافر الجهود المتـنورة لإنقاذها، كما أسلفنا. لأن أحدا من الكتاب لم يتجرأ على قول ذلك، حسب فهمه، مع حتى توينبي أشار إلى ذلك بوضوح.

ولكن الشيء الجديد والجدير بالمناقشة، في طروحات المؤلف، على الأرجح، هوأنه يعرض، نظريتين، تجذران وتفسران هذا التخلف، ونظرية ثالثة تحاول حتى تعالجه. فالنظرية الأولى تسعى لإعادة السبب الرئيسي لظاهرة تخلف العرب(أصل الداء) إلى هذا "العقل المجتمعي" الذي يتجلى في القيم والمعتقدات والأعراف المسلـَّم بها، والذي تكوَّن من تراكم الموروث الخرافي والغيبي، الذي ساد خاصة الحقبة الأخيرة المظلمة التي أعقبت ازدهار الحضارة العربية الإسلامية. وذلك بالإضافة إلى اللحظات المعتمة في التاريخ العربي الإسلامي، التي نتجت غالبا من تراكمات صراعات مجتمع البداوة(المجتمع القبلي) التي كانت سائدة في الجزيرة العربية، خاصة قبل ظهور الإسلام. وهي أمور حاربها الإسلام، دون جدوى، في الغالب، فظلت تختفي أحيانا، وتظهر أخرى بعنف فجر ما يسمى بـ" الفتنة الكبرى"، بتعبير طه حسين، مما خلق هذا الشرخ الكبير الذي ظل ينخر في هذا المجتمع حتى يومنا هذا، بدليل ما يحدث اليوم في العراق ولبنان. ومن هنا تنبثق النظرية الثانية في "بداوة العرب"، التي يفسرها بعدم مرورهم بفترة الثورة الزراعية، على نحويكفي لتغيير القيم البدوية أومحوها. ويأتي بأدلة وشواهد من التاريخ القديم والتاريخ العربي الإسلامي على هذه الظاهرة، أشار إلى بعضها في هذا الجزء وفصَّلها في الجزء الثاني المنشور بشكل حلقات.

أما النظرية الثالثة التي تحاول حتى تلقي ضوءا على علاج السقم فهي "نظرية العقل الفاعل والعقل المنعمل". وفيها يحاول المحرر حتى يضع بعض المؤشرات للوصول إلى تحرير "العقل العربي المنعمل"، من سجن "العقل المجتمعي، أوقيوده، التي يحملها الإنسان العربي، زينة ً وفخرا، في الغالب، وذلك عن طريق تنمية "العقل الفاعل" الذي يولد بشكل طبيعي مع الفرد، ولكنه يضمر تدريجيا من جراء قهر العقل المجتمعي أوسطوته. ويعتمد تطور المجتمع وتقدمه على مدى تحرر بعض أفراده أونخبة متـنورة منهم، تتمرد على سدود وقيود العقل المجتمعي، وعلى قدرتهم على الصمود في وجه حُرَّاس ذلك العقل، ابتداء من الآباء إلى المفهمين والأساتذة. وقد اغتال أوعوقب الكثير من أفراد تلك النخبة باعتبارهم ضحايا هذا التمرد: ابتداء من سقراط وانتهاء بفرج فودة ونجيب محفوظ ومحمود محمد طه( السودان ) ونصر حامد أبوزيد وغيرهم. ومن جهة اخرى نجح بعض أفراد تلك النخب في إنشاء حضارات أوقيادة مواكبها. ومنهم الرسول محمد(ص) ومارتن لوثر وكوبرنيك وغاليليو، وغيرهم الكثير من أعلام عصر الأنوار والحداثة. وملخص القول يرى مؤلف الكتاب حتى مشكلتنا الرئيسية هي "العقل"، وليست معضلة فلسطين ولا العراق ولا لبنان إلخ . . . ولا حتى الاستعمار والإمبريالية أو"الآخر"، الذي نعلق على مشجبه جميع معضلاتنا الساخنة، دفعا للعتب وترضية للضمير، أوجهلا . "يعمل الجاهل بنفسه ما يعمله العدوبعدوه"، ويقول الشاعر: لا يدرك الأعداء من جاهل ما يدرك الجاهل من نفسه.

مناقشات الكتاب

ندوات

1) جرت المناقشة الأولى للكتاب برعاية "المركز العربي للحوار والدراسات" و" النادي العربي في الأمم المتحدة"، في قاعة السليمانية( جيرسي سيتي)، في 14/10/2004. واشهجر في المناقشة جميع من الدكتور جورج الحاج (لبنان)، أستاذ في جامعة كولومبيا، والدكتور محرز الحسيني(مصر)، مدير المركز العربي للحوار والدراسات، ورئيس تحرير صحيفة" المنصة العربية"، والأستاذ فرانسوا باسيلي( مصر)، محرر وشاعر، والأستاذ عدنان محمد يوسف(العراق)، رئيس سابق لدائرة الترجمة العربية في الأمم المتحدة. وقام بإدارة الندوة الإعلامي المعروف الأستاذ أحمد العيسوي. وقد جاء هذه الندوة عدد كبير من الصحافيين ورجال الإعلام وأعضاء من الممثلية العراقية لدى الأمم المتحدة، ومنهم رئيس البعثة، السفير الأستاذ سمير الصميدعي، ونشرت بشأنها عدة منطقات وتعليقات.

2) وحضر المناقشة الثانية، التي جرت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك،(21/12/2004) برعاية النادي العربي، نخبة من المثقفين، بما فيهم عدد من أعضاء البعثات الدبلوماسية في الأمم المتحدة، فضلا عن مندوبي الصحافة والإعلام ، وعدد من أعضاء النادي العربي، والموظفين العرب العاملين في المنظمة. وقام بإدارة الندوة الأستاذ عصام البدري، رئيس النادي العربي. وتكونت هيئة المناقشة من الدكتور سعدون السويح ،(ليبيا) أستاذ سابق في فهم اللغة في جامعة الفاتح، نائب رئيس النادي العربي(طرابلس الغرب)، نائب رئيس النادي العربي، والدكتور منصور عجمي،(لبنان) أستاذ سابق للأدب العربي والفكر الإسلامي في جامعات كولومبيا وبيركلي وبرينستون، والأستاذ أحمد أبوالعطا (مصر)، محرر وناقد وشاعر، رئيس تحرير صحيفة إجيبشن نيوز.

وقوبل الكتاب بكثير من الترحيب من جهة، والنقد الشديد من جهة أخرى. وقد أشير إلى بعض وجهات النظر هذه في الموضوعات التي نشرت في الصحف والمجلات، التي وردت بعض مقتطفاتها أعلاه، ولاسيما صحيفة القدس العربي. كما كرس المحرر حلقة خاصة للرد على أبرز الانتقادات التي وجهت إلى الكتاب، صدرت في مجلة"صوت داهش" عدد خريف 2005. وقد خطت بعض الصحف والمجلات عن هاتين الندوتين، وخاصة صحيفة "القدس العربي"(لندن) الواسعة الانتشار.


مقتطفات من أقوال بعض الصحف والمجلات بشان الكتاب

  1. مجلة الكفاح العربي، بيروت، 2/10/2004: "خطاب جريء قد يصدم ويثير، إذا وضعنا واقعنا المرّ بلا رتوش أمام القارئ". . ." فبقدر ما يتحرر الإنسان العربي من العقل المجتمعي في جانبه السلبي ومن عقله المنعمل باستخدام عقله الفاعل،قد يكون قادرا على الإبداع ، مفتاح تقدم الأمم وانطلاق الحضارة ".
  2. صحيفة النهار ،بيروت، 9/10/2004 :"كتاب علاء الدين الأعرجي “أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي” يتضمن خطاباً جريئاً يدق ناقوس الخطر ليوقظ النيام ويـُسمع الصُم، إذ كيف من الممكن أن يتمكن الإنسان العربي من النهوض والتقدم وعقله مكبل بأغلال الذات وقهر الآخر،يا ترى؟ ويتصدى الباحث لمسألة الإبداع والاتباع وعلاقتهما بأزمة تحرير العقل العربي، ويميل إلى تأكيد اتباعية العقل العربي لقاء غربته عن الإبداع".

3- صحيفة السفير، بيروت، 19/10/2004: "الكتاب يشدد على التفريق بين العقل والفكر ويركز على الأسباب التي تجعل العقل العربي سجينا في <<زنزانة القهر الاجتماعي والسياسي>>، ويطرح حلولاً لتحرير هذا العقل، بهدف الوصول إلى إنسان قادر على الإبداع والعطاء، فيفرق بين العقل المنعمل الذي يميز بين الصح والخطأ في إطار مجتمع معين، والعقل الفاعل أي <<الملكة الطبيعية التي تولد مع الإنسان ثم تضمر تدريجيا".

  1. صحيفة الأسبوع تصدر في القاهرة ونيويورك، في نفس الوقت، 22/10/2004:"خطاب يطرق ناقوس الخطر ليوقظ النـُوَََّم، ويُسْمِعَ الصُمَّ، لكنـَّه يفتحُ بابَ الأمل ويَحْـفِـزُ على التفكير والعمل، ويحاول الإجابة عن بعض التساؤلات الصعبة: لما فشل العرب في النهوض والتقدُّم، ومنافسة الغرب، في حين تمكـّـنتْ أممٌ أخرى من ذلك،يا ترى؟ ولماذا بقيَ العرب ممزّقين بين ضغوط الماضي وضرورات الحاضر، وفشلوا في التوفيق بين الأمرين،يا ترى؟ كيف من الممكن أن يتمكن الإنسان العربي من النهوض والتقدُّم، وعقلـُه مكبـّل بأغلال الذات وقهر الآخر ؟هل ثـمَّة "عقل مجتمعيّ"، قاهر يتحكـَّم في عقولنا، لنصبح دُمىً يحرِّكها بخيوطه،يا ترى؟ هل يؤدي استخدام "العقل الفاعل" بدل "العقل المُنعمل"إلى التحرّر من قيود "العقل المجتمعيِّ"، لتحقيق طفرةٍ نوعيّة يمكن حتى تـُنـقذ هذه الأمَّـة من هذه الغمّة،يا ترى؟ بتحليل فهميٍّ موضوعيٍّ، يحاول هذا الكتاب، للمفكر العراقي المعروف، علاء الدين الأعرجي، حتى يكشف عن أزمة الإنسان العربيِّ الممزق بين سلطة الأموات وقهر الأحياء وإذلال الآخر، ساعيا إلى إلقاء ضوء على بعض الحلول".
  2. صحيفة المنصة العربية، نيوجيرسي، نيويورك، 1/11/2004: "بنهج موضوعي هادف وهادئ ، وبحث فهمي عميق ودقيق، يحاول مؤلف هذا الكتاب، المفكر العراقي علاء الدين الأعرجي، معالجة أخطر إشكالية تجابه الأمة العربية في العصر الحديث" . . . " وبغرض محاولة إنقاذ هذه الأمة من هذه الأزمة، يطرح المؤلف نظريات جديدة، جديرة بالتمعن والدراسة، أهمها نظرية"العقل المجتمعي" ونظرية "العقل الفاعل والعقل المنعمل" ونظرية " عدم مرور العرب بفترة الزراعة". فهما حتى نخبة من الكتاب والأكاديميين العرب في أمريكا، عكفوا على دراسة هذا الكتاب الخطير، وهم بصدد عرض وجهات نظرهم في ندوات عامة . . ." (جرت الندوة الأولى في 14/10/2004، في قاعة السليمانية، في جيرسي سيتي، وجرت الندوة الثانية في مقر الأمم المتحدة،بنيويورك، في 21/12/2004، وحضرهما عدد كبير من الصحافيين والدبلوماسيين والمثقفين، كما هومشروح أدناه )
  3. صحيفة القدس العربي لندن 2/11/2004: أشارت الصحيفة إلى ندوة مناقشة الكتاب من جانب بعض المفكرين العرب المقيمين في الولايات المتحدة،برعاية مشهجرة من المركز العربي للحوار والدراسات والنادي العربي في الأمم المتحدة. وذكرت حتى المؤلف ركز في عرضه للكتاب على الفصل الأول المعنون" النهضة أوالسقوط"، حيث طرح نظرة متشائمة عن الوضع العربي، وقدم سبعة عشر مؤشرا لتدهور الحاضر العربي، الذي يشير على مستقبل مظلم. بل حذر من إمكان انقراض الأمة العربية، كما انقرضت قبلها 14 أمة أوحضارة سابقة، كما يقول فيلسوف التاريخ آرنولد توينبي، الذي يرى حتى الحضارة العربية الإسلامية تمر بدور الانحلال. وعزا هذا المصير إلى "العقل المنعمل" أوالخاضع لــ"العقل المجتمعي" السائد، الذي يتكون من جملة الأعراف والقيم والمعايير والمعتقدات السائدة والمتراكمة عبر تاريخ المجتمع، والتي تصبح من المسلمات التي يتبعها أفراده، دون وعي، بصرف النظر عن قيمتها، بل يدافعون عنها باعتبارها آراءهم الخاصة. ومع ذلك قد تظهر نخبة تحمل "عقلا فاعلا"، ترفض الخضوع إلى العقل المجتمعي، فتـُتهم في مجتمعاتنا بالكفر أوالردة أوالاستغراب. ويقدم أمثلة على هؤلاء" المرتدين"، ومنهم طه حسين وعلي عبد الرازق ونصر حامد أبوزيد وفرج فودة ونجيب محفوظ وغيرهم. ولئن رُحب بالكتاب غير انه تعرض للنقد، لأنه يحمّـل "الأنا" المسؤولية القصوى لأزمة التطور الحضاري في الوطن العربي، بينما يصرف النظر تقريبا عن مسؤولية الأخر. كما أخذ عليه البعض لغته الأكاديمية العالية التي قد تصعب علي القارئ العادي، وعدم التطرق بصراحة لمسألة الدين وقضية المرأة ".
  4. صحيفة "القدس العربي"، لندن، 26/11/2004 " تحت عنوان "رؤية متميزة من خلال نظريات فلسفية وسوسيولوجية، ويربط نكبتنا بـ "العقل المجتمعي" العربي . . . (انظر الموضوعة ادناه)
  5. صحيفة صوت العروبة نيوجيرسي- نيويورك، 9/12/2004: "في هذا الكتاب قام المؤلف علاء الدين الأعرجي، بتشخيص الداء . . . تشخيصا سليما ومباشرا، وبتواضع المفكر الدارس المتفحص والمتمكن، ولج أتون النار مباشرة . . . وكان صريحا مع نفسه ومع القراء باعتبار حتى القضية عامة تخص وطنا بأجمعه، حيث نطق في الصفحة 91"إذا أردنا تحرير الإنسان العربي لإنجاز نهضته وتقدمه فينبغي علينا أولا، وقبل جميع شيء، تحرير عقله الذي تعرض للقهر على مرّ العصور، فأصبح خاضعا. . . خانعا . . . تابعا . . . مقلدا. . . مرددا . . . لا مجددا" . . . ويوجه المحرر إلى الأمة العربية تحذيرا وتـنبـيـها مريرا يقضي بأنها إذا استمرت على هذا التخلف فقد تتعرض للانقراض كما انقرضت قبلها 14 أمة وحضارة سابقة، كما يقول المؤرخ والفيلسوف أرنولد توينبي" .
  6. صحيفة "الإيجبشن نيوز" نيويورك- نيوجيرسي ، 15/12/2004: " من اعظم فضائل الإنسان، فضيلة مصارحة الذات، وكشف الحقيقة مهما كانت مرارتها، ومهما كانت حدتها وقسوتها. إذا دفن الرأس في الرمال لا يعني عدم كشف باقي الجسد. وعندما يتحدد ما بداخلنا من عيوب وما تحتويه أجسادنا من بؤر سقميّـة، يمكن التشخيص دون خطأ، وقتها يمكن وصف العلاج الشافي. وهذا ما قدمه لنا المفكر الأعرجي في كتابه المتميز هذا. وهويعرج على حقيقة خطيرة وهي حتى هناك صراعا بين قوى التقدم والتطور وقوى التخلف والتقليد الأعمى ، وأن هذا الصراع سيحسم لصالح القوى الأولى، إذا لم تسارع المجتمعات العربية المتخلفة، إلى اللحاق بركب الحضارة الحديثة ".
  7. مجلة كتابات معاصرة، بيروت، العدد 55( شباط-آذار 2005):"يطرح المفكر الأعرجي في هذا الكتاب تساؤلات خطيرة منها : هل يمكن التحدث عن عقل عربي متميز،يا ترى؟ وهل العقل العربي سجين لاتاريخيته؛ تراثه وثقافته،يا ترى؟ أم سجين تخلفه الحضاري الذي استمر ما يـُربوعلى سبعة قرون،يا ترى؟ وهل أسفرت صدمة العقل العربي- الإسلامي بالحضارة الغربية الحديثة منذ حملة نابليون على مصر، ثم هزيمة الأمة العربية بكاملها أمام إسرائيل، إلى نكوص ذلك العقل ولجوئه إلى الماضي، تعويضا عن فشله في لقاءة واقعه المُرّ ومصير الأمة الكالح،يا ترى؟ هل ثمة " عقل مجتمعي" قاهر يتحكم في عقولنا إلى الحد الذي نصبح فيه دمى يحركها بخيوطه،يا ترى؟ وما السبيل لتحرير العقل العربي من سجنه اللاشعوري المؤبد هذا وإطلاق طاقاته الجبارة،يا ترى؟ وهل يمكن حتى يؤدي إحلال استخدام العقل الفاعل محل سيادة "العقل المنعمل" الخاضع لـ"العقل المجتمعي" السائد والمتسلط، إلى تحقيق طفرة فكرية قد تنقذ هذه الأمة من هذه الغمة،يا ترى؟ وأخيرا ما وجه الترابط العضوي بين تحرير العقل العربي وتحرير الإنسان العربي،يا ترى؟ . . . كتاب يقدم رؤية متميزة ونظريات سوسيولجية وثقافية جديدة".


تعليق صحيفة "القدس العربي"(لندن) في 26/ 11/2004، على كتاب الأعرجي


رؤية متميزة من خلال نظريات فلسفية وسوسيولوجيةر ويربط نكبتنا بـ العقل المجتمعي العربي

كتاب الأعرجي أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنعمل :

نيويورك ـ من بسمة الجالودي: يتعرض هذا الكتاب لأخطر أزمة تقابل الأمة العربية والاسلامية اليوم، منذ أكثر من قرنين، الا وهي أزمة التطور الحضاري ، التي يعزوها المؤلف الي خصائص العقل المجتمعي العربي المتخلف أوالمنغلق الذي تكون نتيجة تفاعل العقلية البدوية، مع حصائل الأحداث والملابسات التي مرت علي العرب في عصور التخلف، وخاصة الفترة المظلمة الأخيرة. ويري حتى هذه الأزمة تقف وراء جميع مشاكلنا ونكباتنا في الوطن العربي، خاصة منذ منتصف القرن الماضي، حتي يومنا هذا. ويعتقد حتى الاستقلال الذي حقـقـته جميع البلدان العربية لم يؤد الي تحسين الأوضاع القائمة بل علي العكس، فقد ازدادت تعقيدا وترديا. بل حتى الدول العربية الغنية التي حققت آلاف المليارات من العوائد النفطية، أظهرت نموا سالبا، أوتخلفا في اقتصاداتها خلال الربع الأخير من القرن الماضي، يقـدر بحوالي (ناقص 2 في المئة). كما أدت تلك الأزمة إلي ما وصلت إليه الأوضاع في العراق وفي فلسطين وفي السودان والجزائر ومصر من ترد، أما بقية البلدان العربية فأوضاعها لا تبشر بالخير. ونظرا لأهمية الكتاب فقد اقترح عدد من المثقـفين في المهجر الأمريكي، عقد ندوة عامة لمناقشته وتقييمه. إلى غير ذلك انعقدت الندوة برعاية مشهجرة من المركز العربي للحوار والدراسات والنادي العربي في الأمم المتحدة، في 14/10/2004، في قاعة السليمانية، بأحد أحياء نيوجيرسي التي يكثر فيها السكان العرب. وقد اضطلع بمناقشة الكتاب، نخبة من المفكرين والكتاب العرب في الولايات المتحدة وهم: الدكتور جورج الحاج، أستاذ في جامعة كولومبيا، والدكتور محرز الحسيني، مدير المركز العربي للحوار والدراسات ورئيس تحرير صحيفة المنصة العربية ، والأستاذ فرانسوا باسيلي، محرر وشاعر، والأستاذ عدنان محمد يوسف، رئيس دائرة الترجمة العربية في الأمم المتحدة سابقا. وأتيح للحضور حرية التعليق والمناقشة، بعد ذلك. وقام المؤلف بشرح بعض من جوانب الكتاب، وركز علي الفصل الأول المعنون الخيار الحاسم: النهضة أوالسقوط . ويطرح هذا الفصل نظرة متشائمة عن الوضع العربي بوجه عام، ويقدم سبعة عشر مؤشرا لتدهور الحاضر العربي، ويبشر بمستقبل مظلم، بل يحذر من إمكان انقراض الأمة العربية، كما انقرضت قبلها 14 أمة أوحضارة، كما يقول المؤرخ والفيلسوف البريطاني أرنولد توينبي. إلى غير ذلك يعقد المؤلف في الفصل الثاني مقارنة بين نظرية ابن خلدون ونظرية أرنولد توينبي، بشأن نظرياتهما حول ظهور الحضارات وسقوطها، ويتطرق إلي ما ذكره توينبي، في كتابه الموسوعي المعنون دراسة للتاريخ ، الذي يتألف من 13 مجلدا، من حتى الحضارة العربية الإسلامية تمر في دور الانحلال. ويعالج الأعرجي، في الفصل الثالث المعنون تحرير العقل العربي لتحرير الإنسان العربي ، عددا من التساؤلات الخطيرة، ومنها: هل يمكن التحدث عن عقل عربي متميز،يا ترى؟ وهل العقل العربي سجين لاتاريخيته: تراثه وثقافته،يا ترى؟ أم سجين قهره السياسي والاجتماعي، الذي يتحول إلي قهر ذاتي،يا ترى؟ أم سجين تخلفه الحضاري الذي استمر ما يربوعلي سبعة قرون،يا ترى؟ هل أسفرت صدمة العقل الإسلامي بالحضارة الغربية الحديثة ثم هزيمة الأمة العربية بكاملها أمام إسرائيل، إلي نكوص ذلك العقل ولجوئه إلي الماضي، تعويضا عن فشله في لقاءة واقعه المر ومصير الأمة الكالح،يا ترى؟ هل ثمة عقل مجتمعي قاهر يتحكم في عقولنا إلي الحد الذي نصبح فيه دمي يحركها بخيوطه وما السبيل لتحرير العقل العربي من سجنه اللاشعوري المؤبد واطلاق طاقاته الجبارة،يا ترى؟ وهل يمكن حتى يؤدي إحلال استخدام العقل الفاعل محل العقل المنعمل إلي تحقيق طفرة فكرية قد تنقذ هذه الأمـَة من هذه الغـُمَة،يا ترى؟ ما وجه الترابط العضوي بين تحرير العقل العربي وتحرير الإنسان العربي،يا ترى؟ ويفترض المؤلف في الفصل الرابع حتى لكل مجموعة من البشر، أووحدة مجتمعية ، كما يسميها، تعيش في ظروف جغرافية وتاريخية معينة، عقلا مجتمعيا لاشعوريا يتشكل نتيجة المجريات التي تمر علي المجتمع خلال سيرورته التاريخية وصيرورته المجتمعية، أي خلال عملية تشكــُله الهيكلي وتخـَلــُقـه البنيوي. وهويري حتى هذا العقل يتكون من جملة الأعراف والقيم والمعايير والمعتقدات السائدة المتراكمة عبر تاريخ الوحدة المجتمعية والتي تصبح من المسلـمات الذي يتبعها أفرادها، دون وعي، وبصرف النظر عن قيمتها من حيث الفائدة أوالضرر، بل يدافعون عنها باعتبارها آراءهم الخاصة، في الغالب. ويحدث ذلك بالنسبة لعامة الناس، أوعامة أعضاء تلك المجموعة، الذين يحملون عقلا منعملا . ولكن قد تظهر في نفس ذلك المجتمع (أوالوحدة المجتمعية الكبيرة أوالصغيرة ) نخبة قليلة من الأشخاص الذين يستخدمون عقلهم الفاعل ، فيحاولون نقد هذه القيم والمعايير التي يفرضها العقل المجتمعي ، للتمييز بين الصالح والطالح. وحدثا كان المجتمع بدائيا أومتأخرا، حدثا كان العقل المجتمعي فاعلا ومسيطرا لا يقبل التغيير، بل يُعاقب من يخرج عليه بأقصى العقوبات أحيانا. بينما تتسامح المجتمعات المتقدمة التي وصلت إلي مراحل متقدمة من حرية الفكر والتعبير والديمقراطية، مع الثائرين علي العقل المجتمعي، إلا إذا خالفوا القانون. ولكن مادام القانون نفسه يعبر عن عقل مجتمعي سائد فهوعرضة للتعديل، عند الاقتضاء. لذلك فان الحضارة الحديثة قد استحدثت وسائل معينة مشروعة لتعديل وتحوير أوتغيير قواعد العقل المجتمعي. أما بالنسبة للمجتمع العربي فان العقل المجتمعي السائد فيه يكاد يتسم بالقداسة، أي غير قابل للتغيير أوالتعديل. لذلك غالبا ما يـُتهم الأشخاص الذين يحاولون نقده أوبيان جوانب ضعفه أوتعريته وفضحه، يـُتهم مثل هؤلاء إما بالكفر أوالردة أوالخيانة أوالتآمر أوغيرها. إلى غير ذلك نلاحظ حتى معظم هؤلاء يظلون صامتين أومنعزلين، فيحرمون المجتمع من طاقاتهم الخلاقة. ومع ذلك قد تظهر نخبة قليلة متقحِـمة، تسعي الي الإصلاح والتطوير، عن طريق استخدام عقلها الفاعل بدلا من عقلها المنعمل بالعقل المجتمعي السائد، فتـتجرأ علي التفكير والقول والتعبير بشجاعة. لذلك غالبا ما يتعرض أفرادها للعقاب بشكل أوآخر. ويقدم المؤلف أمثلة على هؤلاء الرواد الذين عاقبهم المجتمع لأنهم تمردوا علي سلطة عقله المجتمعي القاهرة، ومنهم: جميل صدقي الزهاوي، وعلي الوردي (العراق) وطه حسين، وعلي عبد الرازق، سابقا، ونصر حامد أبوزيد، وفرج فودة ونجيب محفوظ (مصر)، حاضرا. وينتقل المؤلف في الفصول الثلاثة الأخيرة إلي معالجة ثنائية الإبداع والاتباع، فيفترض مقدما حتى العقل العربي يميل إلي الاتباع أكثر مما يميل نحوالإبداع. ويربط ذلك بالعقل العربي المنعمل بالعقل المجتمعي السائد. ونظرا لأن العقل المجتمعي العربي يتسم بالثبات، من خلال قيـمه ومعاييره الموروثة، فانه يفرض علي أعضاء المجتمع الثبات والتقليد. كما يربط الإبداع بالعقل الفاعل الذي يتمثل في الملكة الذهنية الفطرية التي تحفز الانسان علي الاستكشاف والتساؤل والبحث، وبالتالي إلي التطوير والتغيير، أي الخلق والإبداع، الذي يتوقف بين أمور أخري علي القدرات الذاتية المتميزة لبعض الأشخاص، فضلا عن مدي انفتاح العقل المجتمعي أوانغلاقه، في المجتمع الذي يحتوي هذه الفئة. فالعقل المجتمعي المتسامح والمنفتح الذي يقبل الرأي المخالف، يشجع علي الإبداع. بينما يعمل العقل المجتمعي المنغلق أوالمحافظ علي قهر الأشخاص الذين يحاولون التغيير والتحسين. وقوبل الكتاب بالترحيب والتقدير بوجه عام، ونوقشت أبرز موضوعاته بنهج موضوعي صارم، يتراوح بين التقـيـيم العالي والنقد البناء. فوصفه أحدهم، مثلا، بأنه قد يعتبر مدخلا لقاعدة تنظيرية: فلسفية وسوسيولوجية، لحركة حداثية عربية مستقلة. بل قارنه، إلي حد ما، بما قام به ديكارت في فرنسا وفرنسيس بيكون في انكلترا، وغيرهم من الفلاسفة الذين أرسوا أسس العقلانية والحداثة للحضارة الأوربية. وأضاف، مفسرا، حتى جميع الحضارات والنهضات أنشئت علي قواعد فلسفية وتنظيرية خاصة بها، ولاسيما الحضارة الغربية الحديثة. وبينما تمكن الفلاسفة والفقهاء والفهماء العرب السابقون، من إرساء الحضارة العربية علي نظريات ومبادئ إسلامية منطقية معتبرة، تنسجم مع دينهم وزمانهم وظروفهم، فشل العرب في العصر الحديث في وضع مثل هذه النظريات والمناهج التي تنسجم وهويتهم وعصرهم. فالفلاسفة العرب، من أمثال عبد الرحمن بدوي وزكي نجيب محمود، يعكسون أوينقلون مذاهب فلسفية وسوسيولوجية قائمة في الغرب الأوروبي، لذلك فشلوا في تطبيقها علي المجتمع العربي. بينما يقدم الأعرجي نظريات مبتكرة تحلل وتفسر وتؤصل الأسباب الجذرية للأوضاع المتردية الراهنة في هذا المجتمع، كما ينذر بتفاقمها بصراحة مدعومة بالأرقام والبيانات. إلا إذا تمكن المفكرون والقادة العرب من انقاذ الأمة، بنقلها من حالة الركود والموات، إلي حالة الحركة والحياة، علي حد تعبيره. واكتفي محاور آخر باعتبار الكتاب خطوة جريئة وواعدة بخطوات أخري قد تعرض الحلول المقترحة علي نحوأكثر تحديدا وتفصيلا. وهنا يكمن نقد مبطن: بمعني حتى الكتاب يفتقر إلي وصف الحلول. وقد تكرر هذا النقد من جانب عدد من الحاضرين. ولكن المؤلف يعتبر حتى تشخيص الأسباب الجذرية للأزمة يشكل نصف الحل، فضلا عن رده بأن الحلول ستوضع بشكل أفضل في الأجزاء القادمة. كما أخذ عليه البعض الآخر كونه يتميز بلغة أكاديمية قد تصعب علي القارئ العادي، فضلا عن غياب موضوع الدين والمرأة. ونطقوا بأن الكتاب يقدم نظريات عامة تتسم بالتجريد، ولا تقدم أمثلة واقعية على نظرية العقل المجتمعي مثلا. بينما اعتبره أحدهم كتابا خطيرا كان من الأفضل حتى يوضع تحت عنوان نقد العقل الديني . وعلي الضد من ذلك، اعترض عضوآخر علي غياب قضيتي الدين والمرأة عن الكتاب. ومع حتى معظم أعضاء هيئة المناقشة تتفق مع المؤلف في جملة توجهاته وطروحاته، الا أنهم، يختلفون معه من حيث تحميل الأنا ، المسؤولية الأكبر في مسببات تدهور أحوال الأمة، بينما لا يكاد يحمـل الآخر ، أي قدر من المسؤولية. وقام الأعرجي بالرد على هذه الاعتراضات، بقدر ما يسمح به المقام. وأشار بين أمور أخري، إلي حتى هذا الكتاب يمثل المقدمات النظرية، وهوجزء أول من عدة أجزاء، ستـتمم، ما شرع به في هذا الكتاب المتواضع، علي حد قوله. كما سيقوم باستكمال درس نظرية العقل المجتمعي ونظرية العقل الفاعل والعقل المنعمل، ونظرية عدم مرور العرب بفترة الزراعة، ويعالج إشكالية التراث والحداثة، ومسألة الفهم التكنولوجيا. وسيدعم بحثه التـنظيري بأمثلة وشواهد واقعية. هذا إضافة إلي الحلول التي سيعالجها المحرر من خلال طرح بعض النظريات في ميدان التربية والتعليم، وأهميتهما في خلق جيل واع ومتفهم، أومثقف، ينحوإلي الإبداع بعقل فاعل، بدلا من الاتِـباع بعقل منعمل. أما قضيتا الدين والمرأة فيري الأعرجي أنهما متضمنتان في جميع سطر من سطور هذا الكتاب، لمن يحسن القراءة ويمعن النظر. ويري حتى تحرير الإنسان العربي، من خلا ل تحرير عقله المنعمل، يؤدي حالا ومباشرة إلي تحرير المرأة التي تشكل نصف أعضاء المجتمع. ومن بين الأمور المهمة التي أوضحها المؤلف ردا علي الاعتراضات المتعددة بشأن مدي تحميل الآخر مسؤولية تخلفنا كعرب، ذكر الأعرجي أنه اعترف في كتابه بدور الآخر في تخلف الأمة، أوبالأحرى، في الوقوف، علي وجه الخصوص، ضد جميع المحاولات الرامية إلي وحدتها وتقدمها الفهمي والتكنولوجي. ولكنه أكد في ذات الوقت علي حتى الآخر يراعي بهذا السلوك مصالحه الخاصة. وأن المسؤولية الأخلاقية أوالعدالة، بمعناها المطلق، ليس لها مكان في العلاقات بين الأمم والشعوب. لأن هذه العلاقات تخضع، بكل أسف، لقانون ينطبق علي جميع الأحياء، بما في ذلك المجتمعات البشرية، ألا وهوقانون تنازع البقاء وبقاء الأصلح: أي الأقوى والأذكى والأفهم، والأدهي والأفهم. والتاريخ البشري يشهد علي ذلك. وكرر الأعرجي الشاهد الذي أورده في كتابه من حتى الحضارة الحديثة قامت علي أشلاء عشرات الملايين من سكان أمريكا الأصليين وسكان أفريقيا السوداء، وعلي استغلال الحضارة الغربية للشعوب المتخلفة والضعيفة، كما يعترف بذلك المؤرخ أرنولد توينبي في كتابه العالم والغرب. ولكن من الذي سيسائل الغرب عن ذلك،يا ترى؟ لذلك فهويؤكد حتى علي العرب تحمل تام المسؤولية في إثبات وجودهم وتحديد مصيرهم، في عالم ظل يخضع دائما لشريعة الغاب، حيث يأكل فيه القوي الضعيف. وفسر فشلهم في لقاءة الغرب، لأنهم لم يأخذوا، منذ بداية احتكاكهم المباشر به، بنصيحة المفكر البريطاني توينبي الذي يوجهها الي الشعوب النامية، وهي: حاربوا الغرب بذات أسلحته! ويقصد بها: الفهم والفهم والعقلانية والتطور، كعناصر أساسية للحداثة. واعترف الأعرجي بأن هذا الكتاب بعيد عن الكمال، وأنه يمثل فرضيات أونظريات مطروحة للمناقشة. قد تشكل دافعا للمفكرين من جيل الشباب الناشئ، في المهجر بوجه خاص، لبحث أزمة التطور الحضاري بشكل أفضل، من خلال معارفه الحداثية وتأثره بالعقل المجتمعي الغربي المتقدم، وشعور أفراده بالانتماء المزدوج إلي هذا البلد الكريم، مع عدم التفريط بقضايا الوطن الأم، التي أصبحت موضع اهتمام العالم أجمع، وانطلاقا من شعورهم القومي والإنساني. سعيا للتوصل إلي صيغة مناسبة لحوار الحضارات، بدل صدامها، خدمة لمصالح جميع من المجتمعين الأمريكي، أوالغربي، والعربي. واستعاد الأعرجي ما كرره في كتابه بشأن القول المأثور لفقهائنا: من اجتهد فأصاب، له أجران، ومن اجتهد ولم يصب، له أجر واحد . لذلك أشار الي أنه سيستـفيد من ملاحظات أعضاء هيئة المناقشة، وجمهور الحاضرين ويأخذها بعين الاعتبار في الأجزاء القادمة، بعونه تعالي.


وصلات خارجية

  • نسخة مجانية من الكتاب
تاريخ النشر: 2020-06-04 16:56:35
التصنيفات: كتب علاء الدين الأعرجي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بنعلي "هزات أيديها": "أسعار المحروقات لا تدخل في اختصاصات الوزارة”

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:23:38
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 77%

سيد عبد الحفيظ يؤكد على جاهزية الفريق للقاء ريال مدريد

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:23:15
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 70%

أسرع 10 أهداف في تاريخ الدوري المصري

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:23:38
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 49%

فيوتشر يسحق البنك الاهلى بثلاثية نظيفة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:23:16
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 55%

"إنفانتينو" يشيد بالتنظيم المغربي للموندياليتو

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:23:35
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 81%

كهرباء مصر العليا: ارتفاع عدد المشتركين لـ3.624 مليون مشترك

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:22:48
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

جار النبى الحلو وأسامة البحيرى يشاركان فى احتفالية تكريم الكفراوى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:23:04
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 50%

كيف تخيل الكتّاب المصريين عالم «ميتافيرس» في أعمالهم؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:23:05
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 57%

خبير جيولوجي: زلزال تركيا حرك البلاد 3 أمتار نحو الغرب

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:23:33
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 70%

كمال بهجات يتفقد مشاريع مثلث ماسبيرو وسور مجرى العيون (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:22:49
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 64%

المتحف المصري بالتحريريقيم معرض أثري مؤقت للآثار القبطية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-02-07 21:23:18
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

تحميل تطبيق المنصة العربية