غادة أم القرى
غادة أم القرى سيرة طويلة للمحرر الجزائري أحمد رضا حوحونشرت سنة 1947.
خلفية
قبل حتى نقف على تكوين رواية حوحوالوحيدة المبكرة وربما هي الرواية الأولى في شبه الجزيرة العربية، وفي الجزائر أيضاً لا بد من الإشارة إلى حتى يأس المحرر من تجاوز سيادة التنطقيد الاجتماعية الموروثة قد أخضع بطلته زكية وبطله جميل للمصير الذي يتفق كنتيجة مع هذه الهيمنة وهوالموت والفقدات كاحتجاج صارخ وكصوت إنساني مؤلم يسعى من خلال هذه المصاير السوداء إلى استنطاق الواقع المصاب بخلل فادح في بنيته الفكرية والأخلاقية وإعادة بنائه من حديث وفق تصور قيمتي: الفضيلة والتقدم في خطين متجاورين. لقد نشر أحمد سباعي روايتين الأولى "فكرة" داخل الجزيرة العربية عام 1367ه في الوقت الذي نشر فيه حوحوروايتين خارج الجزيرة في تونس، بعد حتى أعيته الحيلة وعجز عن نشرها في الداخل، فقد أبى عبدالقدوس الأنصاري صاحب المنهل نشرها منجمة كما عمل في وقت سابق بقصته "ابن البحيرة" عام 1357ه. لقد خشي الأنصاري من غضب العامة كما خشي ذلك صحفيوالجزائر فمضى حوحوبعيداً باحثاً عن دار نشر خارج بيئتي الحجاز والجزائر في السنة التي انتقل منها إلى بلده بعد صبر خمس سنوات من كتابتها وصمتها بين أوراقه، وقد أشار إلى هذا الدكتور عبدالله ركيبي مساوياً في التذكر والسخط بين البيئتين. وبموازنة الشخصيتين الرئسيتين في "فكره" للسباعي و"غادة أم القرى" لحوحونجد القوة والصمود والتفاؤل والحجة والصلابة والتحدي عند بطلة السباعي والضعف والاستسلام وعدم المقدرة على تحمل الصدمة عند بطلة حوحو. من الممكن لأن المحررين ينزعان من رؤيتين مختلفتين، فقد كان أحمد سباعي متوثباً لقاءاً حاملاً راية الإصلاح بعنف غير مجامل ولا وجل، وهوابن البيئة سيغالبها وتغالبه، أما حوحوفلا يمكن حتى نتناسى أنه لم يوطن نفسه بأنه ابن هذه البيئة فهويداريها ويجاريها ويخشى غضب أهلها ويلامس ما يعتقد أنه يوجعهم برفق وبإشارات ذكية وبعبارات ترضيه ولا تغضبهم، يكشف من خلالها فكره ويؤكد أيضاً على ما يجمعه مع الحجازيين من قيم المحافظة على الدين.
ملخص الرواية
في رواية "غادة أم القرى" لأحمد رضا حوحوتتجلى شخصية المرأة المضطهدة متمثلة في الفتاة "زكية" بطلة الرواية، وفي أم جميل التي تبترت بها الأسباب، فضعفت حيلتها، ولم تجد مخرجاً لانقاذ ابنها من غياهب السجن، ومن التهمة التي ألحقت به، ذلك حتى سيرة حب عاصفة نشأت بين "زكية" و"جميل" وهما من أبناء مكة المكرمة، فلا تتمكن من الزواج به، بسبب غلبة التنطقيد أولاً، ووشاية "رؤوف سعد" لطمعه فيها لابنه، وهورجل خبيث ذوجاه ومال، فألحق تهمة السكر والاعتداء بجميل، وأشهد على عملته شاهدين من أتباعه، شهدا زوراً، فأصيبت "زكية" بصدمة عصبية عنيفة أدت بها إلى الجنون.. ثم ماتت على إثر ذلك ومات جميل جزعاً في سجنه.
والرواية تتعمد إثارة التساؤل حول سيطرة التنطقيد وغلبتها، فلا تتمكن الفتاة من رؤية خطيبها، ولا محادثته، ولا الرد على الرجال إلا تصفيقاً باليد - على عادة أهل البلاد وكما يذكر المحرر، وإعلان حبها، أوذكر اسم حبيبها، ثم الإشارة إلى إقٍبال عامة الناس على السحر والشعوذة بحثاً عن العلاج حين ادلهمت الخطوب على زكية وأصيبت بالانهيار فمضى أهلها ومن حولها إلى أنها اصيبت بمس من الجان" وأصبحت لا تشتكي من شيء بقدر ماتشتكي من هذه العقاقير والرقي والتعاويذ والبخور التي يرهقونها بها، فمنذ أصيبت زكية أصبحت دار سليمان خليل ميداناً واسعاً للدجالين والسحرة، ضمن قائل: إنها مسحورة، ومن مؤكد حتى ما بها هومس جن، ولم تجد التمائم الكثيرة ولا الذبائح الكثيرة لولائم الجن وملوكهم، وماذا عسى حتى يعمل ملك الجن الضعيف أمام سلطان الحب الجبار".
ولكن البطلة "زكية" لا تنجومن توترها النفسي الذي سقطت فيه وأدى بها إلى شيء قاس من الخيال - كما أشار المحرر - بل إنها تهلك بمعضلتها تلك، ولا تنجوكما تعودنا في الروايات السابقة حين يأتي البطل الحبيب المختفي فينقذ الحبيبة المأزومة، وتنفرج الأحداث بنهاية سعيدة، كما وقع في رواية "سمراء الحجازية" لعبدالسلام هاشم حافظ، حين رأي الأهل ضرورة زواج سمراء بعادل انقاذاً لها، أوزواج زكية بمحسن في رواية "لا تقل وداعاً" لسيف الدين عاشور.. فلماذا لم يجعل حوحومن البطل (جميل) الذي لم يأخذ بعداً عميقاً في الرواية منقذاً،يا ترى؟ ولماذا تأتي النهايات في مجملها لشخصيات الرواية غير سارة، فيسجن البطل طويلاً ولا يخرج إلا على خبر وفاة حبيبته؟! وهي وإن انتصرت للخير وألقت برؤوف سعد في السجن في الصفحة الأخيرة من الرواية إلا حتى مشهد الظلم والخيبة وعدم نوال الحظ وإسعاده وسيادة المكر والخبث والخديعة جعل الرواية أبعد عن التفاؤل، وأقرب إلى تصوير المجتمع المكي الذي تحدثت عنه بأنه مكبل بقسوة المرابي رؤوف سعد ومكره، وقسوة التنطقيد وتجبرها على قلب الفتاة اليانعة التي لم تنل حظاً من التعليم، واستسلام "لمصيرها المقيد بحكم المجتمع وشهوته للمال وانصياعه إلى ما توحي به العادة، وربما اتىت سلبيتها هذه من جهلها وعدم تفهمها، وبراءتها الشديدة، وفشلها في المشاركة الاجتماعية، والإسهام مع أسرتها بالرأي في قضاياهم بعامة، وقد تكون حالة الهستريا التي أصابتها بعد فجيعتها في جميل بعد حتى اطمأنت إلى قرب الاقتران به تعبيراً نفسياً وحيداً عن الرفض، رفض انصياع المجتمع وتقبله للموروث من العادات دون تفكير أوتعليل أودراسة، ورفض ما هي عليه من جهل وإظلام وبعد عن القراءة والكتابة والتعبير عن رأيها ورؤيتها حول ما يمس شخصيتها على الأخص من قرارات تتخذها أسرتها دون حتى تنبس ببنت شفة، فكانت المظاهر العصبية وفقدان العقل خير ما يعبر عن جميع هذه السوءات والتردي، وبما حتى العالم من حولها ليس عاقلاً، فلماذا تحتفظ بعقلها دون حتى يحترمه ويفيد منه من حوله،يا ترى؟ فالأولى والأمر كذلك حتى يمضى هذا العقل المقيد مع العقل الاجتماعي المكبل هوالآخر بأغلال متعددة من الضغينة والتسلط والمكر والشره والخنوع للسائد من التنطقيد. وإذا كنا نلوم حوحوعلى ضعف بطلته أمام بطلة فكرة للسباعي فإننا أيضاً نعاتبه على إسرافه في تصوير البيئة الحجازية بالسوء المطلق، سوى ما بدا من إنقاذ لأسرة سليمان خليل من الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - حين اشتكت إليه أم جميل في وسط الطريق وأوقفت مسيره، والمحرر هنا يصف مشهداً رآه في الواقع مرات عديدة. ونلتمس له عذراً في غايته الشريفة التي يرمي إليها بانزاله أكبر قدر من الألم في نفوس قارئيه حين يطوق الظلم جوانب الحياة، وتطبق المأساة على الشخصيات على خلاف ابن مكة حمزة بوقري في "سقيفة الصفا" الذي كان معتدلاً في أحكامه مصوراً واقع الحياة في مكة كما كان بين سيادتي الجهل والشعودة في شخصيته الأم والوعي في حده الأدنى عند الأب، وكذلك الأمر عند حامد دمنهوري ابن مكة أيضاً في "ثمن التضحية" في شخصية الأم الجاهلة، والابنة التي لم ترض طموح الابن أحمد فيعرض عن ابنة عمه "فاطمة" لجهلها ويتعلق ب "فايزة" المصرية لتفهمها. وبموازنة يسيرة بين الصورة التي رسمها حوحوللحياة الاجتماعية في مكة والصورة التي رسمها حمزة بوقري نجد الفارق بين الصورتين في حرارة المعالجة الفنية المدفوعة بالغرض الإًصلاحي الحاد عند الأول، وبالتمكن من أدوات فن "الرواية" أي الرواية السيرية أوالسيرة الروائية عند الثاني ساعياً إلى التوفيق والوصف والتدوين الرقمي أكثر من سعيه إلى إصلاح خلل اجتماعي ملح وظاهر. وليس بين الصورتين سوى سنوات معدودة، فقد جرت أحداث رواية "سقيفه" بعد أحداث "غادة أم القرى" بما يقرب من خمسة شر عاماً، إذ صور أحمد رضا حوحونمطية الحياة الاجتماعية في مكة قرب منتصف القرن الرابع عشر الهجري الماضي، وحمل على رؤية المجتمع للمرأة أنذاك، تلك الرؤية التي تمضى إلى عزل المرأة، ومصادرة خيالاتها الحياتية بعامة، ثم عرض لفساد الطبائع، وخضوع النفوس لشهوة المال، واستذلال الفقير، على حين لم يمضى البوقري بعيداً في روايته، فقد توسع في نقل دقائق الحياة الاجتماعية في مكة، وقدم لنا وصفاً بارعاً للمأكل والمشرب، والتعليم، والعمل، والمعتقدات، والتدين، والخرافة، والرغبة في التمدين، والخطوبة، وتعليم المرأة، والفصل الحاد بين الجنسين، بحيث تكون "سقيفة الصفا" امتداداً متوسعاً متعمقاً في تتبع أيقاع الحياة الملكية في العقدين الخامس والسادس من القرن الهجري الماضي، ولم يحدث اختلاف كبير بين صورتي المرأة في الروايتين، فهي فيهما صامتة لا تنطق بل تصفق عند حوحو، وتومىء برأسها عند البوقري، وهي لا تشارك بل تسمع، ولاتبدي رأياً بل تتلقى، أوترغم على قبول خيار الأهل، ولا تبادر ولكن تتمنى وتطمح، ومن حولها يقودها إلى ما يراد لها دون حتى تبدي قبولاً مطلقاص أورفضاً بيناً، لأنها ملسلوبة الإرادة، منشأة على ذلك، ولم تتفهم بعد كيف من الممكن أن تسعى إلى إبداء رؤيتها حول ما يحيط بها أوتطمح إليه، بله حتى تحاول تمزيق ما يكبلها من رؤى تقليدية مستلبة.
المصادر
- ^ غادة أم القرى" نموذجاً". جريدة الرياض. 2007-12-13. Retrieved 2015-08-14.