قرياقوص ميخائيل

عودة للموسوعة

قرياقوص ميخائيل

قرياقوص ميخائيل (و. 1887 - ت. 1956)، هوصحفي مصري. لم يحصل على مؤهل جامعي وعمل الصحافة، وبعد أعوام من العمل والكفاح، أصبحت لندن مستقرا له، حيث نصب نفسه فيها محامياً متطوعاً عن قضايا شعبه، حيث كان يتتبع جميع الموضوعات التي تنشر في الصحف الإنجليزية عن مصر، فإذا عثر فيها منطقا يهاجم مصر، التي كانت وقتها تحت الحماية، أوينكر حق شعبها في الاستقلال، أوفد رداً على الموضوع مدعماً بالحجج، وإذا نشرت صحيفة تصريحاً لسياسي بريطاني ضد مصر، تصدّى لذلك التصريح برد يخطه بمراعاة للتنطقيد الغربية، بعيداً عن الطنطنة والخطابية، فيجد رده طريقا إلى النشر، ويصبح، بمرور الوقت، لسان حال الشعب المصري في الصحافة البريطانية، من دون حتى يكلفه بذلك أحد، سوى محبته لمصر ودفاعه عن حقها.

حياته

وُلد في صعيد مصر لعائلة قبطية عام 1887. كان قرياقوص ميخائيل محظوظاً بمستوى التعليم الذي كفله له والده الذي ألحقه بمدرسة بسطا بك، أكبر مدارس سوهاج وقتها، لينتقل منها إلى كلية الأمريكان في أسيوط، ثم يلتحق بمدرسة الأقباط الكبرى في القاهرة لإتمام الفترة الثانوية، وكان خلال دراسته مولعا بمراسلة صحف، المؤيد التي أصدرها الشيخ علي يوسف، والوطن التي أصدرها جندي إبراهيم، وإجيپشيان گازيت التي كانت تنشر له بانتظام، ولعل تكرار النشر له جعله يصرف النظر عن الاستمرار في وظيفته مدرساً في مدرسة أهلية في بلدة ميت يشار في محافظة الشرقية، حيث هجر عمله بعد أربع سنوات، أصبح فيها ناظراً لتلك المدرسة، ليسافر في عام 1908 إلى الإسكندرية التي كانت مركزا صحفيا مهما في ذلك الوقت. وهناك، تتلمذ على يدي أستاذ أيرلندي، ليطور كتابته بالإنجليزية، وينشئ بدعم من أسرته "المخط المصري للأخبار والاستعلامات"، بل ويفتتح في عام 1910 فرعا له في لندن. "أمر طه حسين، وكان وزيرا، باقتناء مخطة قرياقوص ميخائيل، وضمت إلى دار الخط المصرية، ولا يفهم إلا الله أين مضىت مقتنيات تلك المخطة، في ظل الأحوال المزرية التي شهدتها دار الخط عبر السنين، والتي كنت شاهداً على بعضها بنفسي، والحديث في ذلك شرحه يطول ويؤلم.


الصحافة

بعد حتى قام قرياقوص ميخائيل بتطوير أدواته اللغوية والصحفية، لم يقنع بمراسلة الصحف المصرية وحدها، بل قرر مراسلة الصحف الإنجليزية، بادئاً بصحيفة (التيمس) الشهيرة التي أوفد إليها رداً على تصريحاتٍ للمعتمد البريطاني في مصر، السير إلدون گورست، استخف فيها بمطالب الحركة الوطنية المصرية، وحين رفضت الصحيفة نشره، أوفده إلى صحيفة أخرى، هي بول مول جازيت التي نشرته في مكان بارز من صفحاتها، فشجعه ذلك على ممحررة الصحف البريطانية بانتظام. وحين زادت فرصه في النشر، قرر السفر إلى لندن والإقامة فيها، بهدف مناوأة الاحتلال البريطاني في عقر داره، ولكيقد يكون لمنطقاته ثقل أكبر، بعيداً عن فكرة أنها تأتي من مواطن مصري يجيد الكتابة بالإنجليزية. التحق بكنجز كوليدج ومعاهد وكلياتٍ تتيح الدراسات الحرة، حيث تفهم الصحافة والقانون الدولي وقوانين النشر والقانون الإنجليزي وتاريخ الشرق الأدنى ومبادئ الفلسفة والمنطق وفهم النفس والاقتصاد، وحاول الالتحاق بمعهد الصحفيين في لندن ونادي الصحافة في لندن، للحصول على دبلوم في الصحافة، لكنه تعرض للرفض، بسبب نشاطه السياسي.

مخطة الأسد الأحمر

ولأن مساهماته الصحفية لم تكن تجلب له أي ولج مادي، قرر قرياقوص ميخائيل حتى يبحث عن رزقه، من خلال وسيلة تناسب تفكيره وقدراته، فأنشأ في لندن مخطة بعنوان (الأسد الأحمر)، تختص بالتعامل في الخط القديمة والمخطوطات، وقاده بحثه الدؤوب في المخطات، ولدى هواة جمع المخطوطات، إلى العثور على 800 وثيقة، تعود إلى أيام الخديوي إسماعيل، أغلبها بخط الخديوي نفسه، أوبخط ابنه الأمير إبراهيم حلمي. وحين نشر ذلك في الصحافة، أصدر الملك فؤاد أمره بشراء تلك الوثائق التي كان بعضها يتحدث عن خطط تدبر لعزل الخديوي توفيق، وإعادة أبيه إلى الحكم من جديد. وحين أعرب في الصحف الإنجليزية عن بيع متعلقات المحامي الإنجليزي ألكسندر ميرك برودلي الذي دافع عن أحمد عرابي وصحبه من قادة الثورة العرابية الموءودة، قرّر قرياقوص، بمبادرة فردية، حتى يدخل المزاد العلني، ويشتري جميع أوراق برودلي التي توثق علاقته بعرابي، وأودعها خزانة في البنك، حتى لا تتعرّض لمكروه، وبقيت في حيازته، إلى حتى آلت بعد ذلك إلى الحكومة المصرية، في عهد تولي طه حسين وزارة المعارف في إحدى حكومات "الوفد"، وحين حاول ورثة عرابي حمل دعوى قضائية للحصول على أوراق تتضمن رسائل بين عرابي ومحاميه إ.م. برودلي، حكمت المحكمة حتى تلك الرسائل ملك لمن أوفدت إليه، وليس لمرسلها الذي تنازل طوعاً بإرسالها عن ملكيته لها، ولم أجد فيما قرأت من دراسات عن الثورة العرابية إشارة إلى مصير هذه الوثائق، وما إذا كان فيها تفاصيل مختلفة عما تم نشره من مذكرات برودلي التي صدرت بعنوان (كيف دافعنا عن عرابي وصحبه).

وكما يروي لنا وديع فلسطين، حرص قرياقوص ميخائيل طوال إقامته في بريطانيا، على الاشتراك في خدمة تتيحها وكالة صحفية، تمده بكل ما ينشر عن مصر في جميع صحف بريطانيا، ليحدد أولوياته في الرد والتعليق والتوضيح على ما ينشر عن مصر وكفاح شعبها من أجل الاستقلال، كما حرص على اقتناء جميع الخط التي تتحدث عن مصر، بل وكان يفتح صفحة المراجع في أي كتاب عن مصر، فإذا عثر فيها مرجعاً لم يسبق له اقتناؤه، كتاباً كان أم مجلة، طاف بالمخطات البريطانية بحثاً عنه، وإن لم يجده، نشر إعلاناً في الصحف، طالبا شراء المرجع، وكان، في أغلب الأحيان، ينجح في الوصول إلى المرجع، من أناس يمتلكونه في مواقع متفرقة من دول العالم، لتصبح لديه، مع الوقت، مخطة فريدة تضم أبرز ما خط عن مصر بمختلف اللغات، وظل يحتفظ بتلك المخطة، ويحرص عليها وينميها، إلى حتى تقدم في السن وضعف بصره. للأسف، لم يكن لقرياقوص أبناء، بل إنه حين تبنى صبيا اسمه علي التوني، بعد وفاة والده، وكان ثمرة حب بين مصري وإنجليزية، تم تجنيد الصبي في الجيش البريطاني، في الحرب العالمية الثانية، ولقي مصرعه فيها. ولذلك، خاف قرياقوص على كنزه الثقافي الفريد من الضياع، فبدأ بالتفكير في ضمان مستقبلها بعد وفاته، وحين وصل أمر المخطة إلى طه حسين الذي كان وزيراً للمعارف وقتها، أمر باقتناء المخطة، وضمت إلى دار الخط المصرية، ولا يفهم إلا الله أين مضىت مقتنيات تلك المخطة، في ظل الأحوال المزرية التي شهدتها دار الخط عبر السنين، والتي كنت شاهداً على بعضها بنفسي، والحديث في ذلك شرحه يطول ويؤلم. ومن يدري، من الممكن كان مصير مخطة قرياقوص دافعاً لوديع فلسطين لكي يتخذ قراره بإبعاد مخطته عن مصر بأكملها.

ثورة 1919

كان بديهياً، بعد جميع ما بذله قرياقوص ميخائيل من مجهودات في الدفاع عن قضايا مصرأن يختاره الزعيم سعد زغلول وكيلا للوفد المصري في بريطانيا، في فترة مبكرة من مفاوضاته مع الإنجليز، وحين اندلعت ثورة 1919، قلقت السلطات الإنجليزية من نشاط قرياقوص السياسي والإعلامي، فاعتقلته، ثم رحلته، بعد أربعة أيام، إلى مصر، حيث كان ينتظره اتهام ملفق بأنه عضوفيما عهدت بجماعة الانتقام، التي وصفت بأنها الجهاز السري للثورة الذي يأتمر بأوامر سعد زغلول، وكان شريكاً له في ذلك الاتهام 28 شخصا، في مقدمتهم المناضل العتيد عبد الرحمن فهمي، وإبراهيم عبد الهادي (القيادي السعدي فيما بعد)، ومن الصحفيين توفيق صليب وحامد المليجي، حيث وجهت لهم جميعا اتهامات خلع السلطان، والسعي إلى اغتيال الإنجليز وقلب نظام الحكم. وبعد عامين من الاعتنطق، نُظرت تلك القضية أمام محكمة عسكرية بريطانية، دامت أعمالها ثلاثة أشهر، وأسقطت عقوبات قاسية على غالبية المتهمين، لكنها برأت قرياقوص ميخائيل الذي كان، طوال الوقت، في بريطانيا، ولم تتمكن سلطات الاحتلال، وأذنابها في البوليس المصري، من تقديم أي مرشد يقنع المحكمة بتوقيع العقوبة عليه. ومع ذلك، نطق الجنرال البريطاني الذي رأس المحكمة لقرياقوص: "المحكمة قررت بعد تردد شديد الإفراج عنك". والمؤسف حتى وديع فلسطين يخبرنا في كتابه حتى قرياقوص ميخائيل أملى عليه مذكراته عن هذه القضية، شديدة الخطورة والأهمية، لكنه لم يجد فرصة لنشر تلك المذكرات طوال سنوات عمله الصحفي، ولعل الإخوة في دار الجديد اللبنانية الذين حصلوا على مخطة الأستاذ وديع ينتبهون إلى هذه المذكرات، ويبادرون إلى نشرها وتحقيقها، في جزء من ذاكرة الإنسانية، قبل حتى تكون جزءاً من ذاكرة مصر والوطن العربي.

هيلا سيلاسي في ضيافة قرياقوص

بعد حتى حصل قرياقوص ميخائيل على البراءة بصعوبة من المحكمة العسكرية الإنجليزية، عاد إلى لندن ليزاول نشاطه، صحفياً يراسل صحفاً مصرية، لكنه قرر حتى يؤمن نفسه مادياً، فأنشأ شركة للتجارة والاستيراد تحمل اسمه، لاقت نجاحاً كبيراً، مكّنه من اقتناء بيت كبير، جعله مقراً غير رسمي للمصريين الذين يزورون بريطانيا، بل والمفاجئ، كما يخبرنا وديع فلسطين، أنه استضاف في ذلك البيت الإمبراطور هيلا سيلاسي، إمبراطور الحبشة، عندما لجأ إلى بريطانيا، هربا من الغزوالإيطالي لإثيوبيا، والأمير سعود بن عبد العزيز، ولي عهد المملكة العربية السعودية، وملكها فيما بعد، والخديوي المخلوع عباس حلمي الثاني، والحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين. وكان قرياقوص يضع سيارته بسائقها تطوعاً، تحت تصرف المصريين والعرب الزائرين لبريطانيا، ليصبح بيته بمثابة دوار العمدة، بل ويحرص على تعليم مديرة بيته الإنجليزية طبخ الطعام على الطريقة المصرية، بل والصعيدية أيضا، وهوما جعل صديقه، مجد الدين حفني ناصف (شقيق باحثة البادية ملك حفني ناصف) يداعبه بمقطوعة زجلية، يقول فيها "أخوجميع مصري لازم له قريب/ وضامن وشاهد تحت الطلب/ مفهم مترجم مؤلف أديب/ ومخط مخدم وبياع خط/ وده كله راجع يا ابن الحلال/ لأكل الملوحة وعيش الدرة/ منيش قادر أفسر وجود لاحتلال/ ده حتة صعيدي فتح لندره".

لم يكتف قرياقوص ميخائيل بذلك، بل اقتنى، بعد انتعاش أحواله المادية، حديقة على نهر التيمز، قام بتجهيزها بمرسى للزائريق وحمام سباحة، وتنازل عنها للحكومة المصرية، لتجعلها منتدى للطلبة المصريين الذين يدرسون في بريطانيا، ليصعقه رد عمل الحكومة المصرية التي خشيت من حتى يتجمهر الطلبة المصريون في تلك الحديقة، ويمارسوا فيها نشاطاً سياسياً غير مرغوب فيه، فتكاسلت عن تسلم الحديقة رسميا وهجرتها مهملة، متبعة سياسة (الباب اللي ييجي لك منه الريح سده واستريح)، وهي من السياسات المفضلة في هذا البلد، المنكوب بحكوماته المتعاقبة التي لا يتغير فيها إلا اسمها. وبعد حتى يئس قرياقوص من الحكومة، استردّ الحديقة، والمؤسف أنه كان يملك إلى جوار الحديقة بيتاً كان يرغب في حتى يتنازل عنه، ليحوله إلى بيت للطالبات المصريات القادمات للدراسة في بريطانيا، لكنه عدل عن ذلك، بعد تجربته الفاشلة مع الحديقة. "لم تكن حياة قرياقوص ميخائيل حافلة بالصداقات مع الملوك والكبراء فقط، بل كانت مليئة بالتجارب القاسية والثرية، عانى في أثنائها من الاعتنطق مرتين، وحوكم مرة في تهمة عقوبتها الإعدام، ونجا من الغرق ثلاث مرات، وكاد يلقى حتفه في الجومرتين"

لم ييأس قرياقوص ميخائيل من سعيه إلى حتى يفيد وطنه بشيء. وبعد سنين من تلك الواقعة، كان في غاية السعادة، حين تمكن من استغلال علاقاته من أجل خدمة وطنه، وقع ذلك، كما يروي لنا وديع فلسطين في عام 1950، حين أذاعت وكالات الأنباء حتى حكومة إثيوبيا بدأت تتفاوض مع شركة أميركية على بناء خزان على بحيرة تانا، فخشيت مصر من نتائج هذا المشروع عليها مائياً وزراعياً، خصوصاً حتى الزراعة كانت المورد الأهم لمصر وقتها، قبل تأميم قناة السويس، وقبل وجود أي نشاط صناعي كبير. وحين تذكر المهندس عثمان محرم باشا وزير الأشغال المسؤولة عن ملف الري، أنه التقى في بيت قرياقوص ميخائيل في لندن بإمبراطور الحبشة، ولمس مودتهما الوثيقة، أوفد برقية إلى قرياقوص، نادىه فيها إلى المجيء إلى القاهرة، ليشهجر في مناقشات حول مشروع خزان تانا، يحضرها وزير الخارجية الوفدي، الدكتور محمد صلاح الدين باشا.

لبى قرياقوص دعوة عثمان محرم من دون تردد، وحين تم تكليفه بالسفر إلى أديس أبابا، لبحث موضوع الخزان مع صديقه الإمبراطور، سافر فوراً، والتقى الإمبراطور الذي رحب بقرياقوص بحفاوة، وأكد له حتى حكومة بلاده ستولي آراء مصر بشأن مشروع الخزان جميع عناية وتقدير، مصدراً أوامره إلى الوزراء المختصين بدراسة مقترحات مصر والتعامل الإيجابي معها. ولم يكتف الإمبراطور بذلك، بل وجّه خطاباً إلى عثمان محرم باشا، أشاد فيه بمساعدات مصر المادية والأدبية للحبشة، في حربها مع إيطاليا الفاشية، قائلا إذا بلاده لن تتصرف بمفردها في مشروع الخزان.

ومن الممكن أنك حين تقرأ هذه الواقعة، في خضم ما تعانيه مصر من أزمات مع إثيوبيا، بخصوص سد النهضة، تتضاعف حسرتك على أحوال مصر التي لم يهجر مسؤولوها رصيداً مادياً، أومعنويا، تجمّع في عهود سابقة، إلا وانهالوا عليه تبديداً وإتلافاً، وكم كان أولى بعلاقةٍ، كالتي نشأت بين صحفي مصري مخضرم وإمبراطور الحبشة، حتى تتحول من علاقة شخصية قائمة على أفضال ومجاملات إلى علاقة وثيقة بين بلدين، تقوم على التبادل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، كما وقع في دول عديدة نجحت في استغلال العلاقات التي تربط شخصياتها العامة بقادة دول أخرى، لتحويلها إلى علاقات مؤسسية، تظل بعد رحيل أصحابها، ثم تتعمد بالمصالح والمنافع، فتدوم ويبقى أثرها.


علاقته بالملوك والسياسيين

لم تكن حياة قرياقوص ميخائيل حافلة بالصداقات مع الملوك والكبراء فقط، بل كانت مليئة بالتجارب القاسية والثرية، عانى في أثنائها من الاعتنطق مرتين، وحوكم مرة في تهمة عقوبتها الإعدام، ونجا من الغرق ثلاث مرات، وكاد يلقى حتفه في الجومرتين، لولا حتى نجت طائرته بالهبوط الاضطراري في المرتين، ودس له السم مرتين "أصدقاء"، لا يخبرنا وديع فلسطين عنهم، مع حتى طريقة كتابته الواقعة توحي بأنه يعهد المزيد، وعلى الرغم من حتى قرياقوص ميخائيل نجا من جميع مسببات الموت المتعددة هذه، إلا أنه لم ينجح في الإفلات من سقم الشلل الذي أصابه في سبتمبر عام 1956، وهوعلى مشارف السبعين من عمره، ليرسل إلى جميع أصدقائه بطاقة مطبوعة، يخبرهم فيها بسقمه، ويعتذر عن عدم الرد على رسائلهم، واعداً بالكتابة إليهم بعد شفائه، من دون حتى يدري حتى وعكته الصحية لن تكون عابرة، وأنه سيعود إلى بلده الحبيبة مصر، في تابوتٍ تنقله طائرة، لكي يدفن في مصر التي عاش من أجلها حقيقةً لا مجازا، وأوصى بأن يضمها ترابه بعد رحيله، لعله يعوّض ابتعاده عنها أغلب حياته.

بعد رحيل قرياقوص ميخائيل بأيام، خط القس الدكتور إبراهيم سعيد، رئيس طائفة الأقباط الإنجيليين، في صحيفة "الأهرام" منطقا مستفيضاً، ينقل وديع فلسطين مقاطع مهمة منه، تصف الراحل بأنه كان "لغزاً بين الرجال"، لأنه جمع بين بساطة المظهر، التي كانت تجعله أحيانا يسافر إلى لندن، وهويحمل "قُفّة" يضع فيها بعض أشيائه، وعمق التفكير الذي جعله يخط في كبريات الصحف البريطانية، بأسلوب مؤثر وقوي، وعلى الرغم من فهمه عادات الإنجليز وطريقتهم في الحياة والتفكير، فقد كان يعتز في داخله بالمراغة مسقط رأسه، وبطابعه الصعيدي الصميم الذي جعل بيته مقصد جميع مصري مغترب في لندن، لكنه كان عمدةً عصرياً، يناديه الناس بلقب (أونكل مايكل). يشير القس إبراهيم سعيد، في منطقه، إلى واقعةٍ، تصدّى فيها قرياقوص ميخائيل للورد بيفر بروك، أحد ملوك الصحافة الإنجليزية، حين نشرت إحدى الصحف المملوكة له، خبراً غير سليم عن مصر، فخاض قرياقوص ضده بمفرده، حملة ضارية في الصحف والمحاكم، حتى أجبره على الاعتذار، وهوما لم يعمله اللورد بروك، حين خاض معركة صحفية مع قصر باكنجهام قبل ذلك.

ينقل لنا وديع فلسطين منطقا آخر خطه عالم مسلم، في رثاء هذا الصحفي المسيحي الذي يصدق فيه قول الشاعر القروي رشيد سليم الخوري "حامل فوق همه همّ شعبه"، هوالشيخ أبوالوفا المراغي، مدير المخطة الأزهرية، الذي نشر في "الأهرام" منطقا يشيد فيه بدور قرياقوص ميخائيل في الحركة الوطنية، وهودور استوقف الخطباء من المسلمين والأقباط الذين وقفوا على منبر الجامع الأزهر في أيام ثورة 1919، ليشيدوا بالحملة الإعلامية التي قادها الرجل، بالتعاون مع بعض أصحاب الضمائر في الصحف الإنجليزية، ليكشف المخازي والجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال في حق المتظاهرين المطالبين بالاستقلال، مشيرا إلى حملة أخرى، قام بها قرياقوص ميخائيل للدفاع عن الأزهر، إزاء حملة شنها عليه كتاب إنجليز أغضبهم الدور الذي لعبه عدد من مشايخ الأزهر في حشد الجماهير نحوالمطالبة بالحرية والاستقلال. وبالطبع، كان ذلك قبل حتى يفقد الأزهر ومشايخه حريتهم واستقلالهم، ويتحول، هووأغلب مشايخه، إلى بوق ينافق الحاكم، طبقا للمواصفات الشرعية المزعومة.

المصادر

  1. ^ "أفضال صحفي مصري على امبراطور الحبشة (1 من 2)". العربي الجديد. 2015-10-20. Retrieved 2015-10-20.
  2. ^ "أفضال لصحفي مصري على إمبراطور الحبشة (2 من 2)". العربي الجديد. 2015-10-21. Retrieved 2015-10-21.
تاريخ النشر: 2020-06-04 17:19:08
التصنيفات: مواليد 1887, وفيات 1956, أشخاص من محافظة سوهاج, صحفيون مصريون, أقباط

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

جدول مزيف ورحلة سرية.. كيف وصل بايدن لأوكرانيا؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:07
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 99%

الحكومة توافق على مد العمل بتيسيرات المصريين بالخارج

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:35
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 65%

اليمن.. ضبط شحنة أسلحة مهربة في طريقها للحوثيين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:27
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 89%

خلاف على موقف سيارة ينتهي بمقتل سيدة أمام أطفالها

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:11
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 97%

الرئيس السيسى يستقبل رئيس أوزبكستان بمطار القاهرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:36
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 64%

وزير القوى العاملة يشيد بالمنصة التفاعلية لوزارة التعليم العالي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:44
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 67%

«شعبة الأرز»: هناك فئة مستغلة تتربح من قوت الشعب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:33
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 56%

جاكبو: نريد الفوز على ريال مدريد ذهابًا وإيابًا وهذا ما قُلته لكلوب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:58
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

أراوخو: الإصابة أفادتني وتشافي أعاد فلسفة برشلونة من جديد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:22:04
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 65%

متجاهلًا محمد صلاح.. ساديو مانى: أوريجى أفضل مهاجم لعبت بجواره

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:22:00
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 63%

ارتفاع أسعار الذهب مع هبوط الدولار وترقب بيانات اقتصادية أمريكية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:31
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 63%

حركة النهضة: السلطات استدعت راشد الغنوشي للتحقيق

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:41
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 95%

الأرصاد: طقس الثلاثاء معتدل نهارًا بارد ليلًا والصغرى بالقاهرة 13

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:39
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

وزير التعليم يشارك في فعاليات الدورة الثانية لمنتدى «Edu Tech Egypt»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:21:52
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

تحميل تطبيق المنصة العربية