ثقافة

التعبير الرمزي الإنساني تطور بوصول إنسان ما قبل التاريخ إلى الحداثة السلوكية.
الدين والفن من الجوانب الهامة في الثقافة الإنسانية.
الاحتفالات، الطقوس، وأنماط الاستهلاك هي جوانب هامة من الثقافة الشعبية.
يختلف التنظيم الاجتماعي والسياسي من ثقافة لأخرى.
التقنيات، مثل الكتابة، تسمح بدرجة عالية من الهجريب الثقافي.

الثقافة Culture ( //)، من أكثر المصطلحات استخداما في الحياة العربية المعاصرة، لكنه من أكثر المصطلحات صعوبة على التعريف ففي حين يشير المصدر اللغوي والمفهوم المتبادر للذهن والمنتشر بين الناس إلى حالة الفرد الفهمية الرفيعة المستوى، فإن استخدام هذا المصطلح كلقاء لمصطلح (Culture) في اللغات الأوروبية تجعله يقابل حالة اجتماعية شعبية اكثر منها حالة فردية، فوفق المعنى الغربي للثقافة: تكون الثقافة مجموعة العادات والقيم والتنطقيد التي تعيش وفقها جماعة أومجتمع بشري، بغض النظر عن مدى تطور العلوم لديه أومستوى حضارته وعمرانه.

أصل الحدثة

الثقافة في اللغة العربية أساسا هي الحذق والتمكن، وثقف الرمح أي قومّه وسواه، ويستعار بها للبشر فيكون الشخص مهذباً ومتفهماً ومتمكناَ من العلوم والفنون والآداب، فالثقافة هي إدراك الفرد والمجتمع للعلوم والفهم في شتى مجالات الحياة؛ فحدثا زاد نشاط الفرد ومطالعته واكتسابه الخبرة في الحياة زاد معدل الوعي الثقافي لديه، وأصبح عنصراً بناءً في المجتمع.

وكان أول من استخدم مصطلح ثقافة ليقابل به لفظة culture في العصر الحديث هوسلامة موسى1.

ويستخدم مصطلح الثقافة وفق المفهوم الغربي للإشارة إلى ثقافة المجتمعات الإنسانية، وهي طريقة حياة تميّز جميع مجموعة بشرية عن مجموعة أخرى. والثقافة يتم تعليمها ونقلها من جيل إلى آخر؛ ويقصد بذلك مجموعة من الأمور المرتبطة بنخبة ذلك المجتمع أوالمتأصلة بين أفراد ذلك المجتمع، ومن ذلك الموسيقى، الفنون الشعبية، التنطقيد المحببة، بحيث تصبح قيما تتوارثها الأجيال ومثال ذلك الكرم عند العرب، الدقة عند الأوروبيين، أورقصات أومظاهر سلوكية أومراسم تعبدية أوطرق في الزواج .

استخدمت أيضاً حدثة «ثقافة» في اللغات الأوربية لاسيما الألمانية، وفي الأدبيات الأمريكية مرادفاً لحدثة «حضارة» civilization، لانطواء مفهومها على معنيين اثنين: أحدهما ذاتي هوثقافة العقل، وثانيهما موضوعي هومجموع العادات والأوضاع الاجتماعية والآثار الفكرية والمنجزات الفنية والفهمية والتقنية وأنماط التفكير والقيم السائدة، أي جميع ما يتداوله الناس في حياتهم الاجتماعية من مكتسبات تُحصّل بالتناقل والتفهم. أما في اللغة العربية، فهناك تمييز واضح بين حدثة «حضارة» التي تدل على جملة المنجزات والمكتسبات الإنسانية في كافة الميادين، وحدثة «ثقافة» التي تعني مظاهر التقدم الفكري والعقلي، وبهذا المعنى ينطق الثقافة اليونانية، والثقافة العربية، والثقافة اللاتينية، والثقافة الحديثة. كما ينطق امتزاج الثقافات كالثقافة الهلنستية، والنشاط الثقافي، والعلاقات الثقافية أوالتبادل الثقافي (التثاقف بأشكاله المتعددة: التمثيل أوالتكامل أوالتوفيق)، وحتى التخلف الثقافي. وانطلاقاً من هذا المفهوم للثقافة حصراً ينتفي معناها كصورة إجمالية لحضارة مجتمع معين، أوكمرادف لها، بل يصبح دالاً على التقدم في مستوى الرقي. ومن شروط الثقافة الفهم، والملائمة بين الإنسان والطبيعة، وبينه وبين المجتمع، وبينه وبين القيم الروحية والإنسانية.

ويفيد تاريخ الفهم الفلسفي للثقافة حتى السفسطائيين اليونانيين ميزوا بين الإنسان في حالته الطبيعية الفطرية وبين وضعه الثقافي المكتسب بواسطة الاتصال الاجتماعي والتربية. كذلك عهد شيشرون الفلسفة بأنها «تثقيف الفكر».

أما في عصر النهضة فقد اقتصر مفهوم الثقافة على دلالاته الفنية والأدبية، وبخاصة في الدراسات المتعلقة بالتربية والإبداع، فعمد فلاسفة القرن السابع عشر إلى تطبيق المناهج الفهمية في دراسة المسائل الإنسانية ضمن مجال الثقافة. فاعتمد فرنسيس بيكون صورة التثمير الزراعي للدلالة على هدف الفلسفة من عملية التثقيف. واستخدم توماس هوبز حدثة تثقيف بمعنى العمل الذي يبذله الإنسان بهدف التطوير، مقارناً بين التثقيف المادي والتثقيف النفسي كالنشاط التربوي مثلاً أوالتعمق في المسائل الإيمانية.

وعالج الفلاسفة الألمان في القرنين التاسع عشر والعشرين، طبيعة الثقافة وطبيعة الحياة الروحية، واهتموا بالعلاقة بين «العلوم الثقافية» والعلوم الطبيعية. وبنى هيگل والفلاسفة الرومانسيون أمثال: تخصصه ودلتاي وفيندلباند وريكرت وسيميل، الخطوط العريضة للتفكير الفلسفي والاجتماعي على القيم المتجسدة في الإنتاجات الثقافية، وعلى طبيعة القيم الثقافية، وعلى التفاعل بين الذاتي والموضوعي ضمن عملية تحول الثقافات.

وخلافاً للنظريات المثالية التي تنكر الأسس المادية للثقافة وتعدها النتاج الروحي للصفوة، ميزت الماركسية اللينينية بين الثقافة المادية (نظام الحياة المادية للمجتمع) والثقافة الروحية (نظام المعاني والقيم في المجتمع، أي المنجزات في مجال الفهم والفن والدين والأدب والفلسفة والأخلاق والتربية وغيرها)، فجعلت الأولى (الثقافة المادية) أساس الثقافة الروحية ومصدرها. وخصت لفظ «ثقافة» بالثقافة الروحية؛ و«حضارة» بالثقافة المادية. ووجدت الماركسية حتى للثقافة طابعاً طبقياً سواء فيما يتعلق بمضمونها الإيديولوجي، أووظيفتها الاجتماعية وأهدافها العميقة. لهذا تنقسم الثقافة الوطنية، في ظل الرأسمالية مثلاً، إلى ثقافتين: الثقافة المسيطرة وهي الثقافة البرجوازية، والثقافة الاشتراكية للجماهير المقهورة.

كما قصر ماكس ڤبر مفهوم الثقافة على مجال المعاني والقيم، وعد الحضارة نتاجاً للتقدم الفهمي والتقني، فهي تراكمية تعزى أساساً للطبيعة أكثر من عزوها للإنسان، في حين حتى الثقافة على عكس ذلك هي المعاني والقيم التي يضفيها الإنسان عليها، أوأنها التأويل الإنساني في صورة معان وقيم، في الفلسفة والدين والفن، لأغراض الحياة والمجتمع.

كما انطلق بعض المفكرين الإنكليز في المسائل السياسية والدينية لينظروا إلى الثقافة من زاوية تطبيقاتها العملية. فعرّف ماثيوأرنولد الثقافة بأنها «عملية تراق نحوالكمال الإنساني تتم بتمثل أفضل الأفكار التي عهدها العالم، وبتطوير الخصائص الإنسانية المميزة».

أما فهماء الأنثروبولوجيا، الأمريكيون خاصة، فإنهم يرون حتى الثقافة أوسع من الحضارة، لأن الثقافة هي نمط أوطريقة الحياة في مجتمع ما، تضم جميع أنماط السلوك التي يعبر بها الإنسان عن نفسه والتي يشاركه بها الآخرون. فهي تضم الأدب والفن والديانات والميثولوجيات والأخلاق أوالآداب القومية والشعبية وكافة مظاهر الحياة الاجتماعية. أما الحضارة في رأيهم فهي إما ثقافة العالم بأسره، أوثقافة مجتمع كبير نسبياً تدوم لفترة زمنية طويلة، وتتضمن قيام المدن والتنظيمات السياسية والإدارية الواسعة، وتضم المجال في المهن والأعمال والأدوار الاجتماعية، أي حتى لا تكون مجرد ثقافة شعب بدائي فقط (لأنه ليس له حضارة خاصة). فالحضارات هي من صفات المجتمعات المتطورة الحائزة على قسط من العمران والتمدن، فهي تشير إلى شكل متطور من الثقافة. فللهنود الحمر والإسكيموعلى سبيل المثال ثقافة لكن ليست لهم حضارة، وإن كانت ثقافة الشعوب مهما كانت بدائية تساهم في التطور الحضاري العام. لهذا كانت الثقافة أوسع من الحضارة، فهي عامة لكل المجتمعات. أما الحضارة فهي خاصة بالمجتمعات الأكثر تطوراً، وهي حصيلة جميع الثقافات. والنتيجة حتى الحضارة شريحة خاصة من شرائح الثقافة فليست جميع الثقافات حضارات في حين حتى جميع الحضارات ثقافات أوحتى الحضارة الواحدة هي الهجريب الأعلى لجميع الثقافات.

وتكاد الحضارة بهذا حتى تكون عملية تثقيف متواصلة، تتولاها قومية من القوميات الواحدة تلوالأخرى. وفي جميع فترة تتلخص الحضارة العالمية في ثقافة قومية خاصة. وعندما تؤدي الثقافة دورها تعود لتصبح خاصة بالمجموعة الإنسانية التي أنتجتها. إذا الثقافة القومية تستطيع في وقت من الأوقات حتى تبلغ القمة فتصبح هي والحضارة صنوين. من هنا يمكن الحديث عن الحضارة الإغريقية والحضارة العربية والحضارة الغربية الحديثة.

وفي القرن العشرين تعهد الثقافة، بأنها حصيلة التفاعل بين الإنسان وبيئته كما هوالحال عند جون ديوي John Dewey، في حين يركز الفلاسفة الوجوديون على العوامل الخلاقة التي تنطوي عليها الثقافة في تخطيها الحتميات الطبيعية. وقد لجأ الأنثروبولوجي كلود ليفي ستراوس إلى لقاءة الثقافة بالطبيعة، باعتبار الطبيعة نظام، والثقافة انعكاس هذا النظام وسيطرة الفكر البشري عليه.

وباللقاء، هاجم بعض المفكرين الثقافة وعدوها السبب الرئيسي في تعثر الحياة وإحباط النزعات الطبيعية. وأشهر ممثلي حركة الاعتراض على الظاهرة الثقافية والدعوة إلى تحرير الطبيعة من سيطرتها هربرت ماركيوز، الذي لا يرفض الثقافة كثقافة، لأنه يؤمن بأن الثقافة لا تتضاد جوهرياً مع الطبيعة، بل يعترض على تغييبها للطبيعة بشكل متجني وعدائي، فعملية الزجر التي تمارسها الثقافة حيال النوازع الطبيعية تخطئ من حيث أنها تفرض موجبات عبثية، إذ تصف الطبيعة باللاإنسانية والإنسان باللاطبيعي. غير حتى الاعتراض على مفهوم الثقافة يعود إلى عصر التنوير، وبخاصة في كتابات جان جاك روسو.


عناصر الثقافة

يرى بعض الفهماء حتى الثقافة تقسم إلى قسمين رئيسيين:

  • عناصر مادية: وهي تتضمن جميع ما ينتجة الانسان من مخترعات حسية.
  • عناصر غير مادية :تتضمن الاعراف والعادات والتنطقيد والقيم والأخلاق، وهي عناصر سلوكية التي يمارسها الفرد خلال حياته.

ولكن الغالبية العظمى ترى ان العناصر الثقافية ثلاثه وعلى رأس هؤلاء الفهماء رالف لنتون الذي قسم العناصر الثقافية الى:

- أولا – العموميات اوالعالميات الثقافية : وهي تلك العناصر من الثقافة التي تشهجر فيها الغالبية العظمى من الامة (( عموميات )) اوالغالبية العظمى من العالم (( عالميات )) .. وتضم هذه العناصر المخترعات المادية والممارسات المعنوية . وهذه العناصر مثل الافكار العامة ، العادات والتنطقيد ، النظم ، والاستجابات العاطفية ، والمخترعات التي تخدم الامه وتميزها عن غيرها وتجعلها متميزة باسلوب حياة معينة واستعمالات للمخترعات التي بين يديها بطريقة خاصة بها . فالزواج من حيث المحتوى اوالمفهوم يعتبر من العالميات أما من حيث الشكل والطريقة فيعتبر من العموميات . ثانيا – الخصوصيات اوالمجالات الثقافية : هي العناصر التي يشارك بها بعض الافراد المجتمع ، اوفئة من المجتمع ولكن ممارسة تلك الفئة من الناس لهذا النوع من الثقافة يعود بالفائدة دوما على المجتمع ككل ، ولا يضر بأحد كما انه ذوفائدة كبيرة للجماعة .. مثال على ذلك ما يقوم به البعض من سلوكيات اومهارات اوقدرات تعود بالفادة على الجميع .. والخصوصيات اوالمجالات تقسم الى عدة اقسام منها:

  • الخصوصيات المهنية : هي العناصر الثقافية التي يمارسها اصحاب مهن معينة دون غيرهم (( كلباس الاطباء اوالجنود ..الخ )) اواسلوب حياة عمال المناجم ، ام طريقة غناء الصيادين ..الخ .
  • الخصوصيات الطبقية : كتصرفات ولباس وطريقة حياة طبقة معينة من طبقات المجتمع ، أوطريقة حديثهم .
  • الخصوصيات العقائدية : يظهر ذلك في ممارسة الافراد للشعائر الدينية اوطريقة الملبس اوالمأكل اواقامة الطقوس الدينية المتنوعة في المناسبات العامة .
  • الخصوصيات العنصرية : فهناك عادات وقيم وطريقة حياة يومية يمارسها جنس معين في مجتمع معين ولا يمارسها جنس اخر في نفس المجتمع وتعود هذه الممارسة للعنصر الذي انحدر منه هؤلاء الافراد .

الأنماط الثقافية

ان العناصر المعيارية لاي ثقافة تاخذ شكل نماذج تمثل انماط السلوك الفردي التي يمارسها اعضاء المجتمع . وتعطى هذه الانماط التماسك والاستمرارية والشكل المميز لاسلوب الحياة للناس والمتبنين لها . وللتخطيط الثقافي مظهران متكاملان : سلوك ظاهري ماخوذ بدلالته المميزة وقيم نفسية مفهومة ضمنا . إن هذه القيم الضمنية تؤثر في الاشكال الظاهرية الممارسة . والقيم المتنوعة تتضح في اشكال المختلفه وهذا ما يمكن رؤيته مثلا من انماط الزواج بين الامريكين والعرب فاختيار القرين اوالطرف الاخر يقوم به الافراد في ثقافة معينه ويفرض من العائلات الاخرى وهكذا.

وفي المجتمعات الاوربية يعتبر تقديم الاشياء الثمينة خلال الخطبة وفي وقت الزواج ثانويا (( وشكليا )) وفي المجتمعات اخرى كالمجتمعات العربية يعتبر اساسية ومنظمة ومتبعه .

ومع هذا نتعهد على الطريقة السليمة في كلا المجتمعين ظاهريا و(( ضمنيا )) واكثر من هذا يستطيع اعضاء جميع من المجتمعين القول بان انماطهم وطريقتهم في الزواج هي الاصح . وهكذا يمكن القول ان النمط الثقافي هو : " انعكاس العناصر المشهجرة على السلوك الفردي لهولاء الذين يعيشون في الثقافة التي ولدوا في احضانها.


التغير

نقش من القرن 19 يظهر السكان الأصليين الأستراليين يعارضون وصول الكاپن جيمس كوك عام 1770.
طفل آشوري يرتدي الزي التقليدي.


الكشوفات الحديثة المبكرة

الرومانسية الألمانية

نادى يوهان هردر إلى الاهتمام بالثقافات القومية.
طور أدولف باستيان النمط العالمي للثقافة.

الرومانسية الإنگليزية

الشاعر والناقد البريطاني ماثيوأرنولد رأى "الثقافة" كغرس للمثل العليا الإنسانية.
الأنثروپولوجي البريطاني إدوارد تايلور كان واحداً من أوائل الدارسين باللغة الإنگليزية الذين استخدموا مصطلح culture بمعناه الكامل العام.


فهم الإنسان

نقوش صخرية في گبوستان، فيما هواليوم أذربيجان، وتعود إلى سنة 10,000 ق.م. وتدل على ثقافة مزدهرة.


فهم الاجتماع


الباحثون المبكرون وتطور فهم الاجتماع الثقافي

الدراسات الثقافية

الديناميكا الثقافية

الثقافة والحضارة والمدنية

لا توجد في الحقيقة حدود فاصلة وحاسمة بين مفهوم الثقافة ومفهومي الحضارة والمدنية في اللغات الأوربية الحديثة، فمعانيها متقاربة وكثيراً ما تستخدم حدثة حضارة بمعنى مدنية أوثقافة وبالعكس. وقد درج الكتّاب والمؤلفون على استخدام هذه المفاهيم الثلاثة كمترادفات، ولهذا تترجم culture أحياناً بالثقافة أوالحضارة، بينما تترجم civilization بالمدنية.

إن فهم الحضارة في الغرب في القرن الثامن عشر، بأنها حركة المجتمع ككل، التي تضم الآراء والأعراف الناتجة عن تفاعل الحرف والصناعة مع المعتقدات والآثار الجميلة والعلوم، حيث لا تمييز فيه بين المظاهر المادية والمعنوية، قد أكسب مفهوم الحضارة أبعاداً جديدة، ميزته عن المعنى الذي خصّه به ابن خلدون (العمران). ومع ذلك مازال مصطلح الحضارة يستخدم بكثير من عدم الدقة، ليعبر تارة عن الثقافة بمعناها الأنثروبولوجي، وتارة أخرى عن الانتماء الديني، كأن ينطق الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية والحضارة البوذية.

وهذا يشير على تلازم مفهومي الحضارة والثقافة في استيعاب الإنجازات الإنسانية الكبرى. ويؤدي بدوره إلى ضرورة التسليم بوجود علاقة وثيقة بين الثقافة والحضارة مع افتراض أسبقية الأولى زمنياً على الأخرى. لأن كليهما إنجاز إنساني يتوقف أحدهما على الآخر. فلا بد من ثقافة لوضع التقدم الفهمي والتقني في مصلحة البشرية وخدمتها، لا حتىقد يكون على حسابها ومعيقاً لها. ولهذا تم إدراج معظم التعاريف المعطاة لمصطلح الحضارة تحت إحدى المقولتين التاليتين: الأولى تقول بوجود ثقافات قومية متعددة وحضارة إنسانية واحدة، حيث تتنوع الثقافات وتتسع العناصر المكونة لها. ومع اتحادها واندماجها وانصهارها في النطقب الواحد تصبح حضارة. والثانية تقول بوجود حضارات إنسانية عدّة، تصل عند توينبي Toynbee إلى نحوعشرين حضارة إنسانية. والحضارة في هذه الحالة هي ثقافة مجتمع كبير تدوم لمدة طويلة من الزمن.

وقد أجاد جورج باستيد في أواسط القرن العشرين رسم خطوط جلية بين هذه المفاهيم. فخص حدثة حضارة بالدلالة على الجانب المتحقق من المطلب الإنساني في تجربة حياة البشر الاجتماعية التاريخية، وهومطلب إبداع إنسانية الإنسان، بما تهدف إليه الأخلاق؛ وقصر حدثة المدنية للدلالة على هذا المطلب الأخلاقي ذاته: فهي الجهد الإنساني المشهجر الذي يبدع الحضارات، ويحقق الحضارة العامة، ويثابر على الاستمرار ماثلاً في مسعى الاستقلال عن أسر الطبيعة وضبط ضروراتها والسيطرة عليها لتحرير الإرادة المبدعة. فالمدنية هي القيمة العليا والملاذ الوحيد لالتقاء عقول الناس وقلوبهم على الرغم من تباين عقائدهم وتنوع ثقافاتهم وتنطقيدهم. فهي إذن المثل الأعلى الذي يضطلع بتوحيد النوع البشري في مضمار جهد جمعي متآزر غرضه التثاقف acculturation والمعايشة السلمية والمضي في ابتكار مصير إنساني جدير بكرامة الإنسان.

أما الثقافة فإنها تدل على جميع فهم يمكن حتى تنقل وتنتقل فتنير الأذهان حول معقولية الموضوع ( الفهم)، أوعمق الهيجانات (الفن)، أوأنماط السلوك من حيث غائية المصير (الأخلاق والفلسفة، والدين)، أوأنها تتناول جدوى الوسائل (التقنية). وكل ثقافة هي عمل مشهجر يقتضي حتى يثبت في إشارات وأدوات كوسائل تنمية وانتنطق. وهذا ما أكده ماكيفر في ربطه بين الثقافة أوالحضارة والغايات، وجعل المدنية خاصة بالوسائل، بينما جعل النظام التقني ضمن إطار النظام الثقافي للمعاني والقيم. ومع ذلك لن نعدم الخط والمؤلفين الذين يخطون culture بمعنى ثقافة فقط، أوبمعنى حضارة، وcivilization بمعنى مدنية فقط، أوحضارة بشكل عام.

انظر أيضاً

  • ثقافة حيوانية
  • فهم الإنسان
  • منطقة ثقافية
  • موضوعات عن الثقافة
  • Semiotics of culture
  • نطقب:Wikipedia books link

الهوامش

  • 1: "كنت أول من أفشى لفظة الثقافة في الأدب العربي الحديث ولم أكن أنا الذي سكّها بنفسه فإني انتحلتها من ابن خلدون، إذ وجدته يستعملها في معنى شبيه بلفظة (كلتور) الشائعة في الأدب الأوروبي الثقافة هي المعارف والعلوم والآداب والفنون يتفهمها الناس ويتثقفون بها، وقد تحتويها الخط ومع ذلك هي خاصة بالذهن". عن سلامة موسى: الثقافة والحضارة - مجلة الهلال

مراجع إضافية

خط
  • محمد عودة، أسس فهم الاجتماع، بيروت، دار النهضة، 2009
  • ابراهيم العثمان، مقدمة في فهم الاجتماع، القاهرة، دار الشروق، 2008
  • محمد حسن البرغثي، الثقافة العربية والعولمة، بيروت، دار الفارس، 2007
  • سامي خشبة، نقدالثقافة، بغداد، دار الخط والوثائق العراقية، 2004
  • ابراهيم ناصر، دلال ملحس، 1996، فهم اجتماع تربوي، بيروت، دار الجيل
  • أحمد رأفت عبدالجواد، مبادئ فهم الاجتماع، القاهرة، نهضة الشرق، 2013
  • Barker, C. (2004). The Sage dictionary of cultural studies. Sage.
  • Terrence Deacon (1997). The Symbolic Species: The Co-evolution of Language and the Brain. New York and London: W. W. Norton.
  • Ralph L. Holloway Jr. (1969). "Culture: A Human domain". Current Anthropology. 10 (4). doi:10.1086/201036.
  • Dell Hymes (1969). Reinventing Anthropology.
  • James, Paul; Szeman, Imre (2010). . London: Sage Publications.
  • Michael Tomasello (1999). "The Human Adaptation for Culture". Annual Review of Anthropology. 28: 509–529. doi:10.1146/annurev.anthro.28.1.509.
  • Whorf, Benjamin Lee (1941). "The relation of habitual thought and behavior to language". Language, Culture, and Personality: Essays in Honor of Edward Sapir. Menasha, WI: Sapir Memorial Publication Fund.
  • Walter Taylor (1948). A Study of Archeology. Memoir 69, American Anthropological Association. Carbondale IL: Southern Illinois University Press.
  • "Adolf Bastian", Encyclopædia Britannica Online, January 27, 2009
  • Ankerl, Guy (2000) [2000]. Global communication without universal civilization, vol.1: Coexisting contemporary civilizations: Arabo-Muslim, Bharati, Chinese, and Western. INU societal research. Geneva: INU Press. ISBN .
  • Arnold, Matthew. 1869. New York: Macmillan. Third edition, 1882, available online. Retrieved: 2006-06-28.
  • Bakhtin, M. M. (1981) The Dialogic Imagination: Four Essays. Ed. Michael Holquist. Trans. Caryl Press. ISBN 978-0-252-06445-6.
  • Barzilai, Gad. 2003. Communities and Law: Politics and Cultures of Legal Identities University of Michigan Press. ISBN 0-472-11315-1
  • Benedict, Ruth (1934). "Patterns of Culture". Boston: Houghton Mifflin Company.
  • Bourdieu, Pierre. 1977. Outline of a Theory of Practice. Cambridge University Press. ISBN 978-0-521-29164-4
  • Cohen, Anthony P. 1985. The Symbolic Construction of Community. Routledge: New York,
  • Dawkins, R. 1982. The Extended Phenotype: The Long Reach of the Gene. Paperback ed., 1999. Oxford Paperbacks. ISBN 978-0-19-288051-2
  • Findley & Rothney. Twentieth-Century World (Houghton Mifflin, 1986)
  • Geertz, Clifford. 1973. The Interpretation of Cultures: Selected Essays. New York. ISBN 978-0-465-09719-7.
  • 1957. "Ritual and Social Change: A Javanese Example", American Anthropologist, Vol. 59, No. 1. DOI:10.1525/aa.1957.59.1.02a00040
  • Goodall, J. 1986. The Chimpanzees of Gombe: Patterns of Behavior. Cambridge, MA: Belknap Press of Harvard University Press. ISBN 978-0-674-11649-8
  • Hoult, T. F., ed. 1969. Dictionary of Modern Sociology. Totowa, New Jersey, United States: Littlefield, Adams & Co.
  • Jary, D. and J. Jary. 1991. The HarperCollins Dictionary of Sociology. New York: HarperCollins. ISBN 0-06-271543-7
  • Keiser, R. Lincoln 1969. The Vice Lords: Warriors of the Streets. Holt, Rinehart, and Winston. ISBN 978-0-03-080361-1.
  • Kroeber, A. L. and C. Kluckhohn, 1952. Culture: A Critical Review of Concepts and Definitions. Cambridge, MA: Peabody Museum
  • Kim, Uichol (2001). "Culture, science and indigenous psychologies: An integrated analysis." In D. Matsumoto (Ed.), Handbook of culture and psychology. Oxford: Oxford University Press
  • McClenon, James. "Tylor, Edward B(urnett)". Encyclopedia of Religion and Society. Ed. William Swatos and Peter Kivisto. Walnut Creek: AltaMira, 1998. 528-29.
  • Middleton, R. 1990. Studying Popular Music. Philadelphia: Open University Press. ISBN 978-0-335-15275-9.
  • O'Neil, D. 2006. Cultural Anthropology Tutorials, Behavioral Sciences Department, Palomar College, San Marco, California. Retrieved: 2006-07-10.
  • Reagan, Ronald. "Final Radio Address to the Nation", January 14, 1989. Retrieved June 3, 2006.
  • Reese, W.L. 1980. Dictionary of Philosophy and Religion: Eastern and Western Thought. New Jersey U.S., Sussex, U.K: Humanities Press.
  • Tylor, E.B. (1974) [1871]. Primitive culture: researches into the development of mythology, philosophy, religion, art, and custom. New York: Gordon Press. ISBN .
  • UNESCO. 2002. Universal Declaration on Cultural Diversity, issued on International Mother Language Day, February 21, 2002. Retrieved: 2006-06-23.
  • White, L. 1949. The Science of Culture: A study of man and civilization. New York: Farrar, Straus and Giroux.
  • Wilson, Edward O. (1998). Consilience: The Unity of Knowledge. Vintage: New York. ISBN 978-0-679-76867-8.
  • Wolfram, Stephen. 2002 A New Kind of Science. Wolfram Media, Inc. ISBN 978-1-57955-008-0
منطقات
  • "Adolf Bastian". Today in Science History. January 27, 2009 Today in Science History
  • The Meaning of "Culture" (2014-12-27), Joshua Rothman, The New Yorker

وصلات خارجية

تقدر حتى تجد معلومات أكثر عن ثقافة عن طريق البحث في مشاريع الفهم:

تعريفات قاموسية في ويكاموس
خط من فهم الخط
اقتباسات من فهم الاقتباس
نصوص مصدرية من فهم المصادر
صور وملفات صوتية من كومونز
أخبار من فهم الأخبار.

  • Cultura: International Journal of Philosophy of Culture and Axiology
  • Religion and Culture: Differences (Table)
تاريخ النشر: 2020-06-04 17:24:26
التصنيفات: CS1 errors: missing periodical, ثقافة, علم الإنسان, علم الاجتماع الثقافي, تصنيفات الموضوعات الرئيسية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بعد كأس أمم إفريقيا.. المنتخب المغربي يتقدم بتصنيف "فيفا"

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:18:15
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 60%

دفاع مدني دبي يسيطر على حريق تسبب في سحابة كثيفة من الدخان

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:18:09
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

"الجدعنة والشهامة" تتسبَّب بمقتل شاب مصري

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:18:12
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

برلماني: «100 مليون صحة» ساهمت في تحسين المؤشرات الصحية للدولة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:17:50
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 66%

محامي شيرين يحسم الجدل حول عودتها لطليقها حسام حبيب

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:18:11
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 62%

أمين سر «إعلام النواب» تطالب بإلقاء الضوء على تعديلات الشهر العقاري

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:17:49
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

القوى العاملة: تعيين 503  شابًا والتفتيش على 236 منشأة عمالية بالفيوم

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:17:47
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

تركيا: التطبيع مع إسرائيل لا يعني تغيير السياسة تجاه الفلسطينيين

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:18:15
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 63%

إعلان نتيجة صفوف التعليم الأساسي بمدارس القاهرة.. الأسبوع القادم

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:17:47
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

برلمانية من المعارضة: وعود حكومة أخنوش كبيرة حتى كدنا أن نصدقها

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:17:51
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 82%

هذه الوضعية أثناء النوم تنظف الدماغ وتجنب الإصابة بـ«الزهايمر»

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:18:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية في المدارس.. مطلع الأسبوع المقبل

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:17:50
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 66%

النيابة العامة تعيد طالباً جامعياً إلى مقاعد الدراسة بالسعودية

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:18:10
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 62%

الكشف عن حكم نهائي مونديال الأندية.. وحكم إماراتي ضمن الطاقم

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:18:08
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 61%

القوى العاملة: استرداد 7.5 مليون ليرة لبنانية لـ5 عمال مصريين في بيروت

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:17:48
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 60%

بتعليمات جديدة.. «التعليم» تستعد لاستئناف الدراسة بعد إجازة نصف العام

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:17:48
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

البوسنة ترتعد خوفا مع إطلالة أشباح الماضي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:17:59
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 72%

دراسة أميركية: زيادة مدة النوم تساعد على إنقاص الوزن

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:18:09
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 55%

إيقاف متزلج إيراني في "أولمبياد بكين" بسبب تعاطي المنشطات

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-02-10 12:18:13
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

تحميل تطبيق المنصة العربية