سقوط طليطلة

عودة للموسوعة

سقوط طليطلة

حصار طليطلة (1085)
جزء من حروب الاسترداد

ألفونس السادس من طليطلة، في 25 مايو1085، يدخل مدينة طليطلة
التاريخ 1084 حتىستة مايو1085
المسقط
طليطلة، اسبانيا
النتيجة Disparition de la طائفة طليطلة
التغيرات
الإقليمية
سقوط طليطلة، مجريط، وشقة ولاردة
الخصوم
مملكة ليون
مملكة قشتالة
مملكة جليقية
طائفة طليطلة
طائفة بطليوس
القادة والزعماء
ألفونسوالسادس من ليون
ألڤار فانييز
يحيى القادر
الفضل بن الأفطس

كان نتيجة زلزال عصر ملوك الطوائف هوسقوط طليطلة، ففي سنة (478هـ= 1085م) سقطت طليطلة، هذا الثغر الإسلامي الأوسط في بلاد الأندلس، تلك المدينة العظيمة التي كانت عاصمة للقوط قبل دخول المسلمين في عهد موسى بن نصير وطارق بن زياد.

طليطلة التي فتحها طارق بن زياد بستة آلاف؛ فتحها بالرعب قبل مسيرة شهر منها.

طليطلة الثغر الذي كان يستقبل فيه عبد الرحمن الناصر الجزية من بلاد النصارى، ومنه كان ينطلق هوومَنْ تبعه من الحكَّام الأتقياء لفتح بلادهم في الشمال.

طليطلة المدينة العظيمة الحصينة، التي تحوطها الجبال من جميع النواحي عدا الناحية الجنوبية.

هجمات النصارى على طليطلة

أما عن سيرة سقوط طليطلة: فقد تعرَّضت مدينة طليطلة لهجمات كثيرة من النصارى في عهد فرناندوالأول وابنه ألفونسوالسادس، هذا إضافة إلى غارات ملوك الطوائف المجاورة لها إثر النزاعات المتبادلة بينهم، وكان النصارى على فهم بأن طليطلة واسطة العِقد في بلاد الأندلس، فلوسقطت فمِنَ المؤكَّد حتى تسقط قرطبة وبطليوس وغرناطة وإشبيلية إلى غير ذلك تباعًا.


سذاجة المأمون بن ذي النون

تُرى لويفهم المأمون بن ذي النون حتى ألفونسوهومَنْ سيُسقط طليطلة، هل كان سيُحسن ضيافته؟!

إنها لسذاجة حقًّا من المأمون، فألفونسوالذي هرب من حرب أهلية مع أخيه سانشو، وأحسن المأمون ضيافته تسعة أشهر كاملة.. وأخذ عليه عهده حتى يحفظ طليطلة له ولأبنائه.. وقَبِلَ ألفونسو، وكأنه استخفَّ بعقل ذلك الرجل!

المأمون بن ذي النون يستضيف ابن فرناندوالذي أثقل كاهله وكاهل المسلمين بالجزية والغارات والإتاوات، الآن يستقبل ابنه الذي عمَّا قليل سيُسقط طليطلة!

يبدوحتى ألفونسوكان أكبر ذكاءً من المأمون؛ إذ كان ألفونسويتريَّض في جنبات طليطلة ويأكل من خيراتها، ويُخَالِط أهلها، ويعهد كمائنها ونقاط قوَّتها وضعفها، ويتأمل أسوارها، لقد جعل ألفونسوحياته في طليطلة من منفى إلى مهمة استخباراتية سيحتاج إليها بعد حين.

وما هي إلاَّ أشهر قليلة وأصبح ألفونسوملكًا على قشتالة سنة 1072م، وأخذ يُعِدُّ عُدَّته لإسقاط طليطلة.

فساد القادر بن ذي النون

مات المأمون بقرطبة وخلفه من بعده حفيده يحيى بن إسماعيل بن يحيى بن ذي النون وذلك سنة (467هـ=1075م)، وتلقَّب بالقادر بالله، وكان القادر بالله سيئ الرأي، فاسد الخُلُق، أحاط نفسه ببطانة سوء، فتحكَّمَت فيه نساء القصر، وسار وراء هوى الغانيات والمغنيات، وما لبثت هذه البطانة السيئة حتى أوغروا صدره على وزيره الرجل القوي ابن الحديدي، الذي قتله في أوائل ذي الحجة (468هـ=1076م)[1].

وما لبث القادر حتى جنى عاقبة فساده واعتماده على بطانة السوء، وانهالت عليه الثورات والهموم من جميع جانب؛ فالمقتدر بن هود صاحب سرقسطة يُرهقه بغاراته من ناحية، وأبوبكر بن عبد العزيز صاحب بلنسية أعرب الثورة والاستقلال، والنصارى من ناحية ثالثة يُغيرون على أعمال مملكته، وكادت قونقة حتى ينتزعها منه سانشوراميروملك أراجون، لولا أنه افتداها بمبلغ كبير من المال، وحاول القادر حتى يجد عونًا ونصيرًا له أمام تلك المتاعب والهموم، فالتجأ إلى ألفونسوالسادس ملك قشتالة، يطلب مساعدته، وبالطبع وافق ألفونسو، ولكن في لقاء ماذا؟!

وافق ألفونسوفي لقاء حتى يتنازل له القادر بن ذي النون عن بعض الحصون القريبة من الحدود، وقد تَسَلَّم منها بالعمل حصون سرية وفتورية وقنالش، جميع ذلك إضافة إلى الأموال الباهظة التي اشترطها عليه، والتي يعجز عنه القادر، إلا أنه وافق لحاجته إليه!

ثورة أهل طليطلة

في خضمِّ جميع هذه الأحداث كان المتآمرون داخل طليطلة يُمَهِّدُون لثورة انقلابية على القادر وأعوانه، وأمام هذه التنازلات المخزية من القادر، واستشراء الفساد في طليطلة اندلعت ضده الثورة الداخلية ونادت بالإطاحة به، وعملاً هرب القادر من طليطلة إلى حصن وبذة، وأصبح أهل طليطلة بلا أمير ولا حكومة ولا نظام، فاستقدموا المتوكل بن الأفطس ليحكم البلاد سنة (472هـ=1079م).

ألفونسويعيد القادر على حراب الصليبيين

انتقل القادر بن ذي النون من ملجئه في وبذة إلى مدينة قونقة، وأوفد إلى ألفونسويطلب مساعدته، ويُذَكِّره بسالف الودِّ بينه وبين جدِّه المأمون وما كان للمأمون من فضل في عونه وإغاثته، فاستجاب له ألفونسو، وسار معه في سرية من جنوده، فهي فرصة سانحة لألفونسوحتى يبسط سلطانه على القادر، إلى حتى تحين الفرصة ويبسط سلطانه على المدينة كلها، فعاد القادر مرَّة أخرى بمعونة ألفونسوملك قشتالة، وحاصرت قوَّات النصارى طليطلة، مما اضطر المتوكل بن الأفطس إلى حتى يخرج منها بعد حتى أخذ من أسلاب القادر ما شاء؛ من أثاث وفراش وآنية، وسلاح وخط وغيرها، وبعث بها إلى بطليوس، ونجحت قوَّات ألفونسوفي الدخول إلى طليطلة وإعادة القادر إليها بعد عشرة أشهر من خروجه منها، ودخل القادر طليطلة في حمى النصارى وجنودهم، وينطق: إذا ألفونسوحاصر طليطلة والمتوكل بداخلها، واضطر المتوكل حتى يغادرها بالفرار، وكان ذلك في ذي الحجة سنة (473هـ=1080م) [2].

ألفونسويحاصر طليطلة

الواقع حتى ألفونسوكان قد أعدَّ عُدَّتَه للقضاء على طليطلة، ووضع خطته العسكرية التي تُمَهِّد لمشروعه الواسع بالسيطرة على ممالك الطوائف كلها، وكان المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية لَمَّا رأى من استفحال أمر ألفونسووقوَّته فكر كيف من الممكن أن يصنع؛ وبدلاً من حتى يسلك مسلك الشرفاء الأعزاء فيُساند طليطلة، أويسارع فيُكَوِّن حلفًا من ملوك المسلمين، إذا به يخشى على نفسه من حتى ينساب تيار الغزوالقشتالي إلى مملكته، فرأى حتى يعقد مهادنة وصلحًا مع ألفونسويأمن بها على أراضيه، فبعث وزيره ابن عمار ليتفاوض مع ألفونسو، وتمت المعاهدة والاتفاق على ما يلي:

- يُؤَدِّي المعتمد للملك القشتالي الجزية سنويًّا.

- يُسمح للمعتمد بغزوأراضي طليطلة الجنوبية على حتى يُسَلِّمَ منها إلى الملك القشتالي الأراضي الواقعة شمالي سيرامورينا (جبال الشارات).

- لا يعترض المعتمد على مشروع ألفونسوالقاضي بالاستيلاء على طليطلة.

إلى غير ذلك ضحَّى المعتمد بمعقل إسلامي مهمٍّ؛ لكي يفوز بإمارات لم تخضع له بعد، وهذا خطأ سياسي جسيم يُضاف إلى أخطائه، ودلالة على استهتاره نحوأُمَّته ودينه[3].

وفي شوال (474هـ=1082م) ضرب ألفونسوالحصار على طليطلة، وشدَّد غاراته عليها، وظلَّ على ذلك أربع سنوات كاملة؛ يُخَرِّب في الزروع والأراضي والقرى، وعاش الناس في ضيق وكرب، وليس بين المسلمين مجير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم!

وفي الوقت الذي تُحَاصَر فيه طليطلة كان ملوك الطوائف يُقَدِّمُون ميثاق الولاء والمحبَّة له؛ أي: الجزية والإتاوة، ولم يجرؤ أحد منهم على الاعتراض عليه في ذلك إلاَّ المتوكل بن الأفطس الذي أُخْرِج من طليطلة قبل قليل، وفي الوقت نفسه الذي تُحَاصَر فيه طليطلة نجد حتى ممالك الطوائف الأخرى تتنازع فيما بينها، أوتَرُدُّ غارات النصارى المتواصلة عليها.


ألفونسوعلى أعتاب طليطلة

هكذا أضحت طليطلة وحيدة بلا مأوى!

إلى غير ذلك أضحت طليطلة تنتظر ساعة الحسرة والسقوط.

إلى غير ذلك تُركت طليطلة المدينة المنكوبة لمصيرها، وفي خريف سنة (477هـ=1084م) اقترب ألفونسومن المدينة، وأحكم الحصار بشدَّة، وضاق الناس ذرعًا، وكان موقف القادر مريبًا، وكأنَّ هناك اتفاقًا بينه وبين النصارى! وحاول أهل المدينة حتى يُطيلوا انتظارهم عسى نجدة من المسلمين تنجدهم، ولكن ليس بين مسلمي الأندلس في ذلك الوقت مجير!

ولما طال الحصار واستحكم على المسلمين وضاق بهم، أوفدوا جماعة من زعمائهم إلى ألفونسوتتحدث عن الصلح والمهادنة، فما كان من ألفونسوإلا حتى أهانهم، وسخر منهم واستدعى سفراء ملوك الطوائف، وقد كانوا جميعًا يومئذ لديه يخطبون ودَّه، ويُقَدِّمُون إليه الأموال، إلى غير ذلك خرج زعماء طليطلة وقد فقدوا أملهم، عادوا خائبين، وأيقنوا سوء المصير[4].

شروط ألفونسوعلى أهل طليطلة

مضى على الحصار إلى الآن تسعة أشهر، وتحطَّمت جميع الآمال المرجوَّة في الصلح والهدنة، إلى غير ذلك عرضت المدينة التسليم، بعد حتى عجزت عن المقاومة، وبعد حتى سَلَّمها ملوك الطوائف ثمنًا لدينهم، وشرفهم وعزَّتهم!

وكان من ضمن شروط التسليم:

- حتى يُؤَمَّن أهل المدينة على أنفسهم وأموالهم.

- حتى يُغادرها مَنْ يشاء حاملاً أمواله، وأن يُسمح لمن عاد منهم باسترداد أموله.

- حتى يُؤَدُّوا الجزية إلى ملك قشتالة على ما كانوا يُؤَدُّونَه لملوكهم من المكوس والضرائب.

- حتى يحتفظ المسلمون للأبد بمسجدهم الجامع، وأن يتمتَّعُوا بالحرية التامَّة في إقامة شعائرهم وشريعتهم.

- تسليم سائر القلاع والحصون.

وأما بالنسبة للقادر بن ذي النون:

يمكِّنه ملك قشتالة من الاستيلاء على بلنسية، وبالتالي تخضع له القواعد الشرقية كلها[5].

خروج القادر بن ذي النون من طليطلة

وكانت هذه العلاقة المشئومة بين القادر بن ذي النون وألفونسوالسادس ملك قشتالة سببًا في سقوط طليطلة، وخروج القادر المنكود منها ذليلاً هووأهله، وما أبلغ تعبير ابن بسام في وصف حال القادر عند خروجه! إذ يقول: «وخرج ابن ذي النون خائبًا مما تمنَّاه، شرقًا بعقبى ما جناهُ، والأرض تَضِجُّ من مُقامه، وتستأذنُ في انتقامه، والسماء تودُّ لولم تُطْلِعْ نَجْمًا إلاَّ كدَرَتْهُ عليه حَتْفًا مبيدًا، ولم تُنْشِئ عارضًا إلا مَطَرَتْهُ عذابًا فيه شديدًا، واستقرَّ بمحَلَّة أذفنوش (ألفونسو) مخفورَ الذِّمَّة، مُذَالَ الحرمة، ليس دونه باب، ولا دونَ حُرمِه سِترٌ ولا حجاب، حدَّثَنِي مَنْ رآه يومئذ بتلك الحال وبيده أصطرلابٌ؛ يرصدُ فيه أيّ وقت يَرْحَل، وعلى أي شيء يعوِّل، وأيّ سبيلٍ يتمثَّل، وقد أطافَ به النصارى والمسلمون، أولئكَ يضحكونَ من فِعله، وهؤلاء يتعجَّبونَ من جهله»[6].

وما أبلغ شماتة ابن الخطيب في القادر وأهله عندما نطق: «والطاغيةُ بين يديه يَتَبَحْبَح[7] بيده عنده، واستقرَّ بها شرَّ استقرار، واقتضاه الطاغيةُ الوَعْد، وسلبه الله النصر والسعد، وهلكت الذمم، واستُؤصلت الرِّمَم، ونُفِّذ عقابُ الله في أهلها جاحدي الحقوق، ومُتَعَوِّدي العقوق، ومُقيمي أسواق الشقاق والنفاق، والمَثَل السائر في الآفاق»[8].

سقوط طليطلة

الأندلس بعد سقوط طليطلةوفي صفر (478هـ=1085م) ولج ألفونسوالسادس ملك قشتالة طليطلة، إلى غير ذلك سقطت طليطلة وخرجت من قبضة الإسلام، وغدت عاصمة للنصرانية، وحاضرة لمملكة قشتالة، التي يتربَّع على عرشها ألفونسوالسادس.

وبسقوط طليطلة اهتزَّ العالم الإسلامي في الشرق والغرب، يُصَوِّره الشاعر ابن عسال بقوله: [البسيط]

يَا أَهْلَ أَنْدَلُسٍ حُثُّوا مَطِيَّكُمُ *** فَمَـا الْمَقَـامُ بِهَـا إِلاَّ مِـنَ الْغَلَطِ

الثَّـوْبُ يُنْسَـلُ مـِنْ أَطْرَافِهِ وَأَرَى *** ثَوْبَ الْجَزِيرَةِ مَنْسُولاً مِنَ الْوَسَطِ

مَنْ جَاوَرَ الشَّرَّ لاَ يَأْمَنْ بَوَائِقَهُ *** كَيْفَ الْحَيَـاةُ مَـعَ الْحَيَّاتِ فِي سَفَطٍ[9]

وهي صورة عجيبة ينقلها ذلك الشاعر (إعلام ذلك الوقت) المحبَّط، حتى كأنَّه يدعوأهل الأندلس جميعًا بكل طوائفه ودويلاته إلى الهجرة والرحيل إلى بلاد أخرى غير الأندلس؛ لأن الأصل الآن هوالرحيل، أما الدفاع أومجرَّد البقاء فهوضرب من الباطل أوهو(الغلط) بعينه، ولقد سانده وعضَّد موقفه هذا حتى من الطبيعي إذا ما انسلَّت حبة من العِقد -مثلاً- فإن الباقي لا محالة مفروط، فما الحال إذا كان الذي انسلَّ من العِقد هوأوسطه (طليطلة) أوسط بلاد الأندلس، فذاك أمر ليس بالهزل، بل وكيف يعيشون بجوار هؤلاء (الحيَّات) إذا هم رضوا لهم بالبقاء؟! فما من طريق إلا الفرار وشدِّ الرِّحَال.

استنادىء المرابطين

وعلى إثر سقوط طليطلة، بدأ ألفونسويُعِدُّ عُدَّته، ويتجهَّز للهجوم على الممالك الأخرى، لا سيما إشبيلية وبطليوس وسرقسطة وما حولهما، وبدأ ألفونسويستخدم سياسة الاستهزاء والاستهتار بزعماء الأندلس، وتسمَّى بذي الملتين، وتطوَّر الأمر حتى حاصر إشبيلية على نحوما ذكرنا، حتى كان ما كان من فكرة الاستنجاد بالمرابطين.


المعتمد بن عباد واستنادىء المرابطين

إلاَّ حتى ما يدلُّك على فساد الحكام في ذلك الوقت هوحتى بعضهم رفض فكرة المعتمد، وراسله في حتى يعود عن قرار الاستنجاد بالمرابطين، وخوَّفُوه من حتى نزول المرابطين إلى الجزيرة قد يُغريهم بحكمها بأنفسهم، وحقًّا إذا شهوة الملك هذه تُمضى الدين والعقل والمروءة وسائر الصفات الكريمة، فما أكثر الحسرات التي يعانيها القارئ في تاريخ الأندلس وهويقرأ أخبار هذه الفئة التي سكنتها شهوة الحكم الصوري الضعيف الهش، الذي لا يتماسك أمام العدوِّ، ولا يتوسَّع إلاَّ على حساب دماء المسلمين، ويرضى بالذلِّ ودفع الجزية، ويسكت عن إخوانه المحاصرين والمقتولين، ولا يُبصر حتى الدور سيأتي عليه، فلا يرضى حتى بالنجدة تعبر إليه لاحتمال حتى تحوز الملك دونه! أيُّ فسادٍ في الدين هذا، بل في العقل، بل في الفطرة السوية؟!

إلاَّ حتى الله ألهم المعتمد بهذه العزيمة والإصرار، ونطق حدثته الخالدة التي صارت مثلاً: «رعي الجمال خير من رعي الخنازير». ومعناه حتى كونه مأكولاً ليوسف بن تاشفين أسيرًا يرعى جماله في الصحراء، خير من كونه ممزَّقًا للأذفونش أسيرًا له يرعى خنازيره في قشتالة. ونطق لعُذَّاله ولوَّامه: يا قوم؛ إني من أمري على حالتين: حالة يقين، وحالة شكٍّ، ولا بُدَّ لي من إحداهما، أما حالة الشكِّ فإني إذا استندت إلى ابن تاشفين أوإلى الأذفونش ففي الممكن حتى يفي لي ويبقى على وفائه، ويمكن حتى لا يعمل، فهذه حالة شكٍّ، وأما حالة اليقين فإني إذا استندت إلى ابن تاشفين فأنا أُرضي الله، وإن استندت إلى الأذفونش أسخطتُ الله تعالى، فإذا كانت حالة الشكِّ فيها عارضة، فلأي شيء أدع ما يُرضي الله وآتي ما يُسخطه،يا ترى؟ فحينئذ قصر أصحابه عن لومه»[10].

والحق حتى المعتمد -أيضًا- لم يهجر من حسنات في سيرته إلاَّ هذه المستوى، ثم جهاده وصبره في معركة الزلاقة الذي سيأتي بيانه، أما قبل هذا القرار وبعده فهوليس إلا واحدًا من ملوك الطوائف، سكنته شهوة السلطان؛ حتى أمضىت عنه جميع أثر من عقل أوفضيلة، وسنراه كيف من الممكن أن سيقاتل المسلمين المرابطين بما لم يعمل مثله مع النصارى.

ولكن لا نسبق الأحداث؛ فأمام الحالة الإيمانية والجهادية العالية التي كان عليها المعتمد بن عباد تحرَّكت النخوة في قلوب الأمراء الآخرين، فقام المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس وعبد الله بن بلقين صاحب غرناطة، فوافقوا المعتمد بن عباد في رأيه، وبذلك اجتمعت الحواضر الكبرى في الأندلس على استنادىء المرابطين، وتقدَّمت الوفود تلوالوفود إلى المغرب العربي؛ يقول الحميري: «وكان يوسف بن تاشفين لا يزال يَفِدُ عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين مجهشين بالبكاء، ناشدين الله والإسلام، مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته، فيستمع إليهم ويُصغي إلى قولهم، وترقُّ نفسه لهم»[11].

المراجع

[1] ابن بسام: الذخيرة 7/150-155، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص179، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/107.

[2] ابن بسام: الذخيرة 7/163، 164، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/108.

[3] طقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص443، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/109.

[4] ابن بسام: الذخيرة 7/165-167، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/112، 113.

[5] عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/113، 114.

[6] ابن بسام: الذخيرة 7/156-169.

[7] التَّبَحْبُح: التمكن في الحلول والمُقامِ والنفقة. ابن منظور: لسان العرب، مادة بحح 2/406، والمعجم الوسيط 1/39.

[8] ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص181.

[9] الصفدي: وفيات الأعيان 5/28، والمقري: نفح الطيب 4/352. والسَّفَط: وعاء يوضع فيه الطيب. المعجم الوسيط 1/433.

[10] المقري: نفح الطيب 4/359.

[11] الحميري: الروض المعطار في خبر الأقطار 1/288، 289.

المصادر

  • راغب السرجاني. "سقوط طليطلة". سيرة الإسلام.
تاريخ النشر: 2020-06-04 17:42:36
التصنيفات: 1085 في الأندلس, نزاعات 1085, طليطلة, طائفة طليطلة, حروب الاسترداد

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

اعتراض 3 طرود قبل وصولها إلى السفارة الأوكرانية في إسبانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:19
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 92%

اليابان ترصد 318 مليار دولار للتسلح خلال السنوات الـ5 المقبلة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:20
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 91%

مصر ترحب بالتوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري في السودان

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:21
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 89%

باريس تسعى للتهدئة مع المغرب بعد أشهر من التوتر

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:01
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 97%

الخارجية الكندية تستدعي السفير الروسي في أوتاوا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:11
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 91%

مسؤول أميركي: لا نريد أن تصل الصواريخ المقدمة لكييف إلى أراضي روسيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:47
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 100%

القوات الإسرائيلية تهدم مسجدا في الخليل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:16
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 88%

مونديال 2022.. مدرب البرتغال يعلق على تصرف رونالدو بعد استبداله

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:28
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 92%

مونديال 2022: مدرب سويسرا لا يفكر بصناعة التاريخ أمام البرتغال

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:04
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 94%

شولتس يبحث مع أمير قطر قضايا الاقتصاد والطاقة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:15
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 97%

وزير الدفاع الفنلندي يزور تركيا لبحث انضمام بلاده للناتو

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:18
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 92%

هل يتجه البنك المركزي المصري لتعويم الجنيه خلال ساعات؟

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:24
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 91%

أهداف مباراة اليابان وكرواتيا (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-05 18:17:29
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 96%

تحميل تطبيق المنصة العربية