غنوصية

الغنوصية أوالعارفية أوالعهدانية Gnosticism هي مدرسة عقائدية أوفلسفية حلولية نشأت حول القرن الأول الميلادي ، ويعتقد البعض حتى لها جذور وبدايات تعود إلى القرون الثلاث الأخيرة قبل الميلاد في المجتمع السكندري لتبرير انتشار الديانة المصرية القديمة في الإمبراطورية الرومانية بجانب الديانات المحلية. أخذت الغنوصية طورا جديدا لدى ظهور المسيحية لإثبات تواؤم المعتقدين. وكانت لا تتعارض مباشرة مع الديانات التوحيدية كالمسيحية واليهودية ولكنها تم مقاومتها وقمعها من قبل الكنيسة منذ فترة مبكرة.

في 1945 ازداد النقاش لدى اكتشاف مخطوطات نجع حمادي المكتوب في القرن الخامس الميلادي والتي مازالت المصدر الرئيسي والأكبر للغنوصية.


الغنوصـية

’الغنوصـية‘ Gnose حدثة يونانية تعني ’المعهدـة‘، اصطلح الدارسون على استخدامها لوصف عدد من الحركات الدينية في العالم الروماني القديم، كثيرٌ منها لا صلة له على الإطلاق بالمسيحية. وهي تيار وممضى فكري مُعقّد ذوفلسفات باطنية، بذل جهده لاكتساب المعارف الفلسفية الوثنية، مُهملاً الوحي الإلهي كأساس لكل فهم لاهوتية، ومُفسّراً إياها تفسيراً مجازياً خالطاً بين النظريات الفلسفية الوثنية مع العناصر الذي نقلها مع العبادات الشرقية، مكوِّناً بذلك نظريات وفلسفات غريبة. لهذا فإن جميع شكل من أشكال الغنوصية يضم بعض الفكر اليهوي إلى جانب الغنوصية الوثنية، ويبدوحتى العهد الرئيسي للغنوصية هوالرؤى اليهودية وأفكارها عن العالم السماوي، بالإضافة إلى نظرية ثنائية الكون والخلق -المنقولة نوعاً ما عن فارس (إيران)- والتي تضع الله وأعماله "الصالحة" من جهة قبالة العالم وأعماله "الشريرة" من جهة أخرى، لهذا خرجت الغنوصية بمبدأ التعارض القائم -والدائم- بين الروح والمادة (الجسد). إلى غير ذلك خلع الغنوصيون على الفكر اللاهوتي طابعاً غنياً باستخدام المنطق، وبهذا يصح القول أنهم أسسوا اللاهوت الفهمي أو’فهم اللاهوت‘.

وتمضى الغنوصية إلى حتى الخلاص هوفي تعلّم الأسرار الخفية وفهم أصل الروح ومصدرها الحقيقي، ومعتقدها الثنوي يجعل الروح الخيّرة في لقاءة الجسد الشرير، وفي حالة تعارض دائم مع المادة الفاسدة. والأرواح وحدها تمتلك الفهم، وهي قد خلصت بالطبيعة، وهذا يستتبع كُرهاً للدنيا المادية ودعوة دائمة إلى التقشف. وفي العقيدة الغنوصية، الإله الحقيقي هوإله يخفى عن عيون البشر ويتجلى بإله سفلي هوخالق العالم، وهي ترفض إله العهد القديم الذي تعتبره فاطراً شيطانياً، شريراً وغيوراً ومسؤولاً عن جميع مثالب العالم. وتعتبر المسيح مفهماً روحياً مكلفاً بقيادة البشرية نحوفهم الله الحقيقي الخفي. والمسيح حسب الغنوصية ليس ابن إله العهد القديم، بل هومن ’شيث‘، الابن الثالث لآدم الذي ينتمي إلى المعبودة الأنثوية "باربيلو" Barbélo .

والغنوصية حركة دينية خاصة، لكنها ليست مُحددة بسياق مُوحّد، بل هي مجموعة من الفروق والمدارس التي كان لها في عصور المسيحية الأولى عقائد مشهجرة عن ’المعهدـة‘، لكن الكنيسة الأرثوذكسية (وبشكلٍ خاص المصرية القبطة منها تحديداً) رفضت هذه الحركة بمعارفها وممارساتها. وذلك لأن أعضاء الجماعات الغنوصية، الذين كانوا يعتقدون أنهم يملكون مفتاح الفهم غير المُتاح للآخرين، قد تميّزوا بالحقد على العالم المادي الذي كثيراً ما يعتقدون أنه ليس من خلق الله، بل من إله دونه قد خلقه ليحبس فيه أرواح البشر. وفي المفهوم الغنوصي، حتى البشر، حرفياً، مُحاصرون في أجسادهم، كما في قول يسوع مُخاطباً يهوذا: "هذا يُغلّفني" حسبما تُشير مخطوطة ’إنجيل يهوذا‘ (الإسخريوطي)، والتي سيلي تفصيلها لاحقاً. ومعنى الخلاص عندهم هوحتى ينطلقوا ويتحرروا من أجسادهم تلك.

لقد ظهرت الغنوصية عام 70 ميلادية وتطورت في القرن الرابع، وصار لها عدة مذاهب، منها ممضى "القاينيين" الذين ظهروا حوالي عام 158/159 بعد الميلاد، وهوجزء من حركة عبدة الأفاعي الذين يعتبرون الأفعى رسول الحكمة المنقذة للبشر، وكانوا يؤمنون حتى "يهوه" كان ناقصاً وعقله مليء بالجهل والغطرسة، لذلك اعتبروا حتى اكتمال الطبيعة الإلهية يقتضي البحث عن حقائق مناقضة لتعاليم "يهوه"، فوجدوا في "قايين" (= قابيل في الإسلاميات) نموذجاً يعبرّ عن رؤيتهم ومن وجهة نظرهم حتى "قايين"، عندما اغتال أخاه "هابيل"، برهن أنه يفوق "يهـوه" الذي يرعى هابيل فقدِّسوا "قايين" ثم أضافوا إليه "عيسو" وسكان مدينة سدوم (التي عهدت في الكتاب المقدس بتجبر أهلها)، وأخيراً، "يهوذا الاسخريوطي"، وغيرهم.


الغنوصـية القبطيـة

لم نكن نعهد، حتى عام 1850 م، من الكتابات الغنوصية، بخلاف ما فنّده الكُتّاب الكنسيون (إيريناوس، هيبوليتس، أبيفانيوس)، سوى مقتطفات من ’إنجيل مريم‘ (طبعة شميدت 1896 م)، بالإضافة إلى مجموعة من بعض المُؤلّفات (المخطوطات القبطية) -مختلطة وغير واضحة- عُثِرَ عليها في رمال مصر وترجع إلى النصف الثاني من القرن الرابع والقرنين الخامس والسادس ، بها أربعة أوخمسة مؤلفات ذات أهمية خاصة، هي:

(1) المجموعة الإسكيفيانية:-

وكانت ملكاً لشخص يُدعى Askew ’آسكيف‘، وهي حالياً في المتحف البريطاني بلندن، وتُقدم لنا ’إنجيـل الحـق‘ (Pistis Sophia) مُقسّماً إلى ثلاثة أجزاء، موضوعها: أحاديث بين المسيح القائم من بين الأموات وتلاميذه (خاصةً على ساحل بحيرة طبرية) ، وخاصة مع يوحنا ومريم المجدلية، وهي تروي تكوين العالم المحسوس والسقوط (في الخطيئة) والفداء. وقد أُلِّفَت ’المجموعة الإسكيفيانية‘ (إنجيل الحق بأجزائه الثلاثة) في مصر ما بين 222 م وبداية القرن الرابع. أما الجزء الرابع من المخطوط، فهومُؤلّف مستقل يضم وحي يسوع عن التوبة، ويرجع إلى النصف الأول من القرن الثالث الميلادي. وفي نهاية المجموعة ذاتها يوجد مُؤلّف غنوصي آخر، مبتور البداية والنهاية، يتحدث عن بداية العالم .

(2) المجموعة البروسية:-

محفوظة بـ ’أوكسفورد‘ وكان يمتلكها ’چيمس بروس‘، وتتأرجح التواريخ المفترضة لتأليفها بين القرنين الثالث والعاشر الميلاديين، وإن كان يُرجّح أنها ترجع إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين. وتتضمن كتابين عن عصر ’اللوجوس (الحدثة) الكبير‘ ، هما:

- [1] الكتاب الأوّل: ويصف العالم المنظور وهومليء بالصور الرمزية، التي تُقدّم على شكل رحلة في مناطق العالم المُتسامي؛ حيث يقود يسوع تلاميذه عبر الأماكن (الكنوز) القائمة في السماء، ويكشف لهم أسمائها السرية، ويُعرّفهم العبارة السحرية التي تُغلب بواسطتها الصعوبات وتَفتح السُبل للوصول إلى الكنوز، ويُختم الكتاب بنشيد للآب مُقدّم من يسوع وتلاميذه .

- [2] أما الكتاب الثاني: ففيه يُجري يسوع -الموجود باليهودية- العماد المُثلّث بالماء والنار والروح، ويُعرّفهم العبارات السحرية المُعبّر عنها برسوم تسمح للغنوصيين بعد الموت حتى يصلوا إلى كنز النور. وعليهم عند مرورهم بكل حارس من حُراس الكنز حتى يُقدِّموا خاتماً، ويقولوا اسماً، ويتلوا دفاعاً، حينئذ يَقبلون السر الأعلى، أي: مغفرة الخطايا .

(3) برديـة برليـن القبطيـة (Berlin 8502):-

وهي من القرن الخامس الميلادي، وتضم ثلاثة مؤلفات ، هي:

- [1] جزء من ’إنجيـل مريم‘ الغنوصي: ونجد بعضاً منه يتحدث المسيح القائم من بين الأموات فيه عن مصير المادة وطبيعة الخطيئة، ثم رواية عن رؤية مريم المجدلية .

- [2] بترة صغيرة من ’رؤيـا يوحنـا‘: نجد أجزاء منها كذلك في ’مخطوط نجع حمادي‘. يبدأ هذا الكتاب ’كتاب يوحنا السري‘ بسيرة اللقاء في الهيكل بين يوحنا، أخي يعقوب، وفريسي اسمه ’أريجانوس‘ هاجم المُعلّم الذي اختفى، قائلاً: "لقد شردهم بمكر ودهاء"، فخرج يوحنا واختلى في الجبل، في مكان قفر، وتساءل: "لماذا أُرسِلَ المُخلّص إلى العالم بواسطة ابنـه،يا ترى؟ من هوأبوه،يا ترى؟ ما هي طبيعة الأبوين الذي نحن ذاهبون إليه؟" فظهر له طفل في هيئة شيخ وأوحي إليه برؤى تتخللها بعض أسئلة الرائي. ويُلاحظ في كلامه عن ظهور المسيح بأشكال مُتغيّرة "أنا الآب، أنا الأم، أنا الابن"، ويُعطينا وصفاً لله الثاني، الإله الحقيقي، المبدأ، القدرة، الذي ليس لأحد عليه سُلطان، ثم يستخدم صفات سلبية وإيجابية، ثم يأتي بتشكيل صورة الله وفكرته الأولى، ويذكر بعض العناصر من العهد القديم إنما بتفسير مُعادٍ لليهودية، مثلاً: "لا كما يقول موسى" .

- [3] حكمة يسوع المسيح: كُتِبَ النص الأصلي باليونانية، على هيئة إنجيل غنوصي بعنوان ’وحي المُخلّص القائم من الأموات للرسول والنسوة‘. ويبدوحتى كتابته كانت في القرن الثالث إذا لم تكن في نهاية القرن الثاني الميلادي .

(4) مخطوطة ’إنجيل يهوذا‘، ومخطوطات قبطية غنوصية أخرى:-

وفي إحدى كهوف الصحراء، قرب "بني مزار" بمحافظة المنيا (200 كم جنوب القاهرة)، عَثَرَ فلاح مصري، في عام 1970 م، على مخطوطة غنوصية ’لإنجيل يهوذا‘ (الإسخريوطي) مكتوبة بالقبطية ’الصعيدية‘ على 13 ورقة، وُجِدت مع عدة وثائق قبطية غنوصية أخرى، هي:

1- رؤيـا يعقوب.

2- رسـالة بطرس إلى فيلُـپس.

3- وأخيراً، ما يدعوه الباحثون بـ The Book of Allogenes .

وقد باع الفلاح تلك المخطوطات لأحد تجار الآثار المصريين الذي قام بتهريبها (عام 1984 م)، ووضعها لمدة ستة عشرة عاماً في إحدى خزائن مصرف أمريكي (في Hicksville بنيويورك) إلى حتى تمكن من بيعها (عام 2000 م) لتاجرة آثار من زيوريخ تدعى "فريدا تشاكوس نوسبيرغر"، واستقرت المخطوطة أخيرا لدى مؤسسة Maecenas المختصة بالآثار والفنون القديمة وذلك بغية إنقاذها، حيث كانت قد تعفنت وبدا ورق البردى في الصور شبيهاً بأوراق الخريف البنية الناشفة، ونطقوا أنها تفتت إلى أكثر من ألف بترة! واتفق المصريون مع مؤسسة "ناشونال چيوجرافيك" (National Geographic Society ’الجمعية الجغرافية الوطنية‘) ومعهد "ويت" للاكتشافات الأثرية على حتى يبتاعا هذه النسخة بمليوني دولار تدفع مناصفة بين المؤسستين ليقوما بعدها بترميمها وترجمتها وإعادتها إلى وطنها الأصلي مصر.

في هذه المخطوطة الوثيقة المُهّتَرِئة، التي تُمثّل جزء من "بشارة يهوذا" على ورق بردي في حالة سيئة من الحفظ، ظهرت قراءة الغنوصيين "القاينيين" لدور يهوذا في تسليم المسيح، مكتوبة باللهجة القبطية الصعيدية القديمة وقام بترميم هذه المخطوطة، ثم ترجمتها البروفسور السويسري ’رودولف كاسير‘، وهوأستاذ في كلية الآداب بجامعة جنيف وأحد كبار المختصين في اللغة القبطية القديمة. وقد قامت National Geographic Society ، في الخميس السادس من من أبريل عام 2006 م ، بنشر الترجمة الإنجليزية لمخطوطة الإنجيل الغنوصي القبطي ’بشارة يهوذا‘، ثم تبعته يوم الأحد التاسع من نفس الشهر ببث التقرير التلفزيوني الخاص به. وقد بدا إخراج الترجمة مدروساً للغاية، بحيث أصبحت مادة مثيرة بامتياز لجدالات دينية جديدة. وقد اتى نص المخطوطة بمثابة تمييز قضائي للحكم الأولي على خائن، حيث برأه هذا النص من جريمة الخيانة وردّ له اعتباره وحمله بإجرامه إلى مصاف المرسلين! جميع هذه المصادفات كانت مختبئة في كهف مصري لمدة 1700 سنة، فألهبت عند ظهورها عقول بعض الناس الذين ظنوا أنها تتعارض مع الإيمان المسيحي، وكأن ظهور نصٍ مختلف يؤدي إلى بُطلان جميع النصوص الأخرى!

والنص الذي تتضمنه المخطوطة لم يخطه يهوذا بنفسه -حسبما يُؤكّد "چيمس روبنسون"، أحد أبرز الخبراء في المخطوطات القبطية والغنوصية والأستاذ بجامعة كليرمونت-، إنما خطه أتباع الممضى "القاييني" (الذي ظهر حوالي عام 159 م). وكان من بين المسيحيين الأوائل فرقة تسمى "فرقة يهوذا" أو"الإسخريوطيين"، مُعتبرة حتى يهوذا قد تصرَّف بحسن نيّة، وأنه قديس توجَّه إليه الصلوات والدعوات والأماني، فهوفي اعتبارهم أفضل أبناء "قايين"، وأنه سلَّمَ المسيح لأعدائه في اليهودية بناء على إيعاز منه. لكن عكس ذلك هوالشائع عن يهوذا، فهومن مجمل الروايات، رمز للخيانة والجشع المادي، وفي الأدبيات القديمة والمعاصرة سُمِيَّ بـ "الإسخريوطي العجوز"، كما تُستخدم الاستعارة "قبلة يهوذا" أو"سفر يهوذا" للدلالة على الخيانة !

’إنجيل (بشارة) يهوذا (الإسخريوطي)‘ ليس نصاً مسيحياً، فهونسخة قبطية ’صعيدية‘ لأصل يوناني مفقود من نص غنوصي، ويبدومن الواضح -حسبما أقر الباحثون بالإجماع بعد دراسة دقيقة للمخطوطة- حتى نُسخته القبطية الحالية كُتِبَت في نهاية القرن الثالث أوبداية القرن الرابع الميلادي (بين 300 و340 م)، في نفس الوقت الذي شرّعَ فيه الإمبراطور ’قسطنطين (الكبير) الأول‘ (27 فبراير 272 – 22 مايو337 م) الديانة المسيحية ديناً مُعترفاً به ضمن أديان الإمبراطورية الرومانية الأخرى (مرسوم ميلانوعام 313 م)، ونادى فيه لعقد المجمع المسكوني الأوّل في "نيقية" (افتتحه في 20 مايوعام 325 م)، وجعل من مدينة "بيزنطة" روما الجديدة (عام 324 م) وعاصمةً له أسماها "القسطنطينية" (عام 330 م). أي حتى النسخة القبطية كُتِبَت بعد حوالي قرنين من زمن كتابة إنجيل يوحنا -وهورابع كُتب العهد الجديد القانونية- الذي دُوِّنَ حوالي عام 100 ميلادية، وبعد نحو300 عاماً تفصل بينه وبين لقاء المسيح مع يهوذا خلال العقد الثالث من القرن الأوّل الميلادي.

والواقع حتى إنجيل يهوذا، القبطي الغنوصي، مُشابه لبعض النصوص التي تم العثور عليها في مصر عام 1945 م في نجع حمادي.

النص القبطي الصعيدي -حسبما يُعتقد- هوترجمة لنص يوناني ضائع تمَّ تأليفه بين أعوام 130-180 م بعد الميلاد. فالقديس ’إيريناوس‘، أسقف مدينة "لوغدونوم" (ليون حالياً بفرنسا) والشهيد (202 م)، اعتبر هذا النص هرطقة في مؤلفه "ضد الهرطقة" عام 180 م، وندَّدَ بالطابع الهُرطوقي لهذا النص المكتوب بوحي غنوصي وباللغة اليونانية، واعتبر الغنوصية "إعادة تسطير" لعدد من قصص الكتاب المقدس، فابتكروا ما اسماه "إيريناوس" بـ "التاريخ الوهمي" الذي هونفسه طابع "إنجيل يهوذا".

وحسب تعليق البروفسور كاسير، مُترجم النص، ليس في هذه الوثيقة أي معلومة تاريخية جديدة عن يهوذا سوى تأويل غنوصي لاحق للأحداث، لا يؤثر لا من قريب ولا من بعيد على الأناجيل الأربعة. إن الترجمة الإنجليزية التي تمت لما تظل منه بلغت سبع صفحات، وهوبالتالي أقصر من "إنجيل مرقس" الذي هوأصغر البشارات الأربعة حجماً في العهد الجديد، كما حتى نص المخطوطة لا يروي سيرة يسوع المسيح المُعتادة (من حياته وأعماله وأقواله) ولا يُورد أية معلومة عن ولادته ولا عن موته بالصليب ولا عن قيامته.

بل خلافاً للأناجيل القانونية الأربعة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا) بـ العهد الجديد، فإنه لا يروي نصاً تاريخياً حقيقياً، فهومن تاليف مجموعة من الأشخاص الذين كانوا غريبين عن صُلب المسيحية. لهذا اعتبرتاه الكنيستان الأرثوذكسيتان، اليونانية والمصرية-القبطية، هذيان أُناس غير مسيحيين يحاولون إيجاد مزيج خاطئ من الميثولوچيا (الأساطير) اليونانية وأديان الشرق الأقصى والمسيحية. فمن قراءته، لا يظهر أنه توجد فيه أي نقطة مُشهجرة مع الأناجيل الأربعة سوى استخدامه اسمي "يسوع" و"يهوذا"، بل على العكس، يُريد نصّه القول بأن علاقة يهوذا بالمسيح كانت علاقة حميمية، وأنه الوحيد الذي فهم رسالة المسيح.

* مضمون نص إنجيل يهوذا (الإسخريوطي):

يبدأ إنجيل يهوذا قبل عيد الفصح في أورشليم؛ حيث تلاميذ "يسوع المسيح" مجتمعون بحملون صلاةً إلى الله على مائدة العشاء، فيضحك عليهم يسوع وهوينظرهم يعملون ذلك ، فيغضب تلاميذ "المسيح" منه لضحكه عليهم إلا "يهوذا" الذي يقول ليسوع:

’اعهد من أنتَ ومن أين أتيت ومن أوفدك، لقد أتيت من مملكة باربيلـوالأزلية؛ لكن متى سينبلج النور للأجيال وتأتي الساعة؟" فأجابه المسيح: "أنت يفترض أن تتفوّق على الجميع لأنك يفترض أن تضحي بالإنسان الذي يجسدني، لكن نجمكَ قد ضلَّ وتاه" ‘.

ثم تزداد الأمور غموضاً أكثر مع متابعة قراءة نص مخطوطة إنجيل يهوذا، فبسبب "فهم" (Gnose) "يهوذا" حتى "يسوع" أتى من "عالم باربيلوالخالد"، وُعِدَ بالكشف عن "أسرار لم ينظُرها إنسان إلى الأبد". وهنا يُوجد انقطاع في النص، وتُشير الأقواس المستخدمة فيه إلى فجوات في النص الأصلي، ثم الجزء الأخير من المخطوطة حيث "إعلان" يسوع الغنوصي ليهوذا. وهذا معناه حتى "يهوذا" مُكلّف بمساعدة "المسيح" على تحريره من أسر الجسد.

ويعتقد "الإسخريوطيون" حتى يهوذا كان شريك المسيح في تحقيق خلاص البشرية. وأنه تصرَّف بنُبلٍ مع فهمه المسبق حتى التلاميذ (حواريوالمسيح الاثنا عشر) ومن بعدهم باقي الرُسل وجميع المسيحيين يفترض أن يلعنونه عبر العصور. وهم يرون حتى التلاميذ قد حسدوه، لأن يسوع قد أدلى له وحده بالحقائق الغنوصية؛ إذ خلال العشاء الأخير طلب المسيح بنفسه من يهوذا حتى ينفصل عن البقية ليبوح له بأسرار الملكوت، طالباً منه حتى يقوم من دون تأخير بما ينبغي عليه القيام به، جميع ذلك مساهمة في المخطط الإلهي، الذي يقضي بأن يموت المسيح من أجل فدائه خطايا العالم، لكنه لم يتجسد إذ لا يوجد في النص أي ذكر لولادته ولا لكيفية موته، ولا للصليب، حيث يعتقدون حتى من صُلِبَ حقيقة هو"سمعان السيريني" (البرقاوي) ، حيث اتخذ هيئته ليغش الحكام، كما أنه لا يوجد ذكر لقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث! ولا لصعوده إلى السماء بما ينطوي على إنكار فكرة تحرر المسيح من جسده،يا ترى؟ فالمسيح في الغنوصية هوروح اتخذ مظهراً إنسانياً كي يأتينا بتعاليمه.

- ولعل العلامات الفارقة في نـص ’إنجيـل يهـوذا الإسـخريوطي‘ الغنوصـي، المُدوّن بالقبطيـة "الصعيديـة"، هي:

1. أن المسيح كان يظهر لتلامذته بهيئة طفل، لكننا لا نعهد ما إذا كان ذلك ترميزاً للبراءة واللطافة أوحتى ظهوره العياني هوالمقصود بالعمل.

2. كلام يهوذا منفرداً مع المسيح.

3. يسوع يضع ثقته بيهوذا، ويفهمه المعارف الغنوصية العليا!

4. حديث المسيح عن ملاك مضيء إلهي اسمه "آداماس" كان قد خرج من غيمة مضيئة، وخلق عدداً لا يحصى من الملائكة، ومن هذه الغيمة خرج ملاك اسمه "نيبرو"، أي "الثائر" وآخر يدعى "ساكلاس"، وهوالذي "خلق" آدم وحواء.


مراجـع

  • برتولـد الطانـر (Berthold Atlaner)، مختصر فهم آباء الكنيسة (Précis de Patrologi, édition 1961)، عرّبه بتصرف: الأب د/ تام وليم (د.م، د.ت)، ج1: 80-87.
  • والاس بَـدچ، آلهة المصريين [الجزء الأول]، ترجمة: محمد حسين يونس، مخطة مدبولي (القاهرة، 1418 هـ/ 1998 م)، 318-320.
  • ماري شهرستان (الدكتورة)، ’قُبلة يهوذا الإسخريوطي في سيناريوغنوصي‘، في: مجلة تحولات، عدد 17 (الثلاثاء 19 كانون الأول/ديسمبر 2006 م):

http://www.tahawolat.com/cms/article.php3?id_article=970

  • ستيفن تسيشليس (الأب، كنيسة القديس بولس اليونانية الأرثوذكسية-إيرفين، كندا)، ’إنجيل يهوذا‘، شبكة القديس سيرافيم ساروف الأرثوذكسية:

http://www.serafemsarof.org/site/modules.php?name=News&file=article&sid=67

  • وأيضاً جميع من: منطق "إنجيل يهوذا: تحدى الترجمة الحديثة للوثائق القديمة التعليم الأرثوذكسي عن يسوع والخائن" في جريدة "بالتيمـور صـن"؛ ومنطق "ترجمة إنجيل يهوذا القديم: ضوءاً جديداً على المعتقدات" في صحيفة "الواشـنطن بوسـت".
  • Stefan Lovgren, 'Lost Gospel Revealed; Says Jesus Asked Judas to Betray Him', National Geographic News (April 6, 2006):
http://news.nationalgeographic.com/news/2006/04/0406_060406_judas.html

وصلات خارجية

  • Gnostic texts at sacred-texts.com
  • Religious Tolerance — A survey of Gnosticism
  • Early Christian Writings — primary texts
  • The Gnostic Society Library — primary sources and commentaries.
  • Internet Encyclopedia of Philosophy: Gnosticism
  • Jewish Encyclopedia: Gnosticism
  • Pre-Christian Gnosticism, the New Testament and Nag Hammadi in Recent Debate
  • Catholic Encyclopedia: Gnosticism
  • Gnosticism at the Open Directory Project

نطقب:Gnosticism topics

نطقب:Heresies condemned by the Catholic Church

تاريخ النشر: 2020-06-04 17:44:48
التصنيفات: صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي, Commons category link from Wikidata, غنوصية, معتقدات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

«عرض لا مثيل له».. رئيس بوليفار يكشف قيمة صفقة انتقال سافيو للأهلي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:13
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

نفاد تذاكر حفلتي الموسيقار عمر خيرت بدار الأوبرا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:28
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 65%

حملة موسعة لإزالة التعديات على أملاك الدولة بالقصاصين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:17
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 54%

توقف مباراة برشلونة وقادش بسبب مرض أحد المشجعين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:12
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

بعد رصده فى مصر.. أبرز الدول العربية التى سجلت إصابات جدرى القرود

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:33
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 64%

محافظة الغربية تطالب والدة «أجدع طفلة في مصر» بسداد 18 ألف جنيه

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:17
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 51%

بروزوفيتش يمنح إنتر انتصارًا صعبًا من تورينو بالدوري الإيطالي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:13
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

موعد الدراسة في المدارس والجامعات 2022- 2023 والمدة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:06
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

مخرج «طير بينا يا قلبي»: أتوقع تفاعل الناس مع المسلسل بشكل كبير

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:27
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

حملات مفاجئة ودورية لمكافحة ظاهرة النباشين بنطاق أحياء الإسكندرية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:18
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

بالخطوات تسجيل الرغبات للدبلومات الفنية 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:24
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 62%

شكري يلتقي المبعوث الأممي للقرن الإفريقي ومدير برنامج «UNEP».. غدًا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:33
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 60%

شرطة النقل والمواصلات تضبط 9228 قضية متنوعة خلال أسبوع

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:20
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 54%

الحكومة السويسرية تختار موقع «نوردليش ليجرن» لدفن النفايات النووية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:32
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 55%

المشدد 15 عامًا لمدرس تعدى على طالبة في درس خصوصي بالدقهلية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:19
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 60%

لمحبي الشتاء.. موعد انتهاء فصل الصيف 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:23
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 63%

ألمانيا.. تظاهرات للمطالبة برفع الأجور بنسبة 8% فى قطاع الصناعة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:32
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 61%

10 سنوات عقوبة عاطل زوّر محرر رسمي بالزاوية الحمراء

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:21
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 63%

14 شركة تشارك في فعاليات أول مزاد لبيع الأقطان بالفيوم

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:09
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 65%

أحمد صيام: «طير بينا يا قلبي» يناقش قضايا اجتماعية في إطار كوميدي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:27
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

تعرف على تنسيق الدبلومات الفنية التجارية 2022

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:22
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

«سياحة النواب» تصف اعتماد المركزي لـ«الروبل الروسي» بـ«ضربة معلم»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-10 21:21:09
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 54%

تحميل تطبيق المنصة العربية