الحضارة الهيلينية
- هذه الموضوعة هجرز على النواحي الثقافية للعصر الهليني؛ للنواحي التاريخية، انظر العصر الهليني.
الحضارة الهلينية (وهي مستمدة من حدثة هـِلين وهي الاسم العرقي الذي يطلقه اليونانيون على أنفسهم) بجدهم الأسطوري هيلين Hellen وببلادهم التي عهدت باسم بلاد هيلاس Hellas أوالهيلاد Hellad، إضافة إلى تسمية حضارة دولة المدينة City-State (Polis) لارتباط هذه الحضارة سياسياً وحضارياً بعدد من المدن التي كانت جميع واحدة منها مع ريفها تعدّ دولة بكل معاني الحدثة، وكذلك حضارة العصر الكلاسيكي Classical (وتعني أصوليّاً أوقديماً) وهي تسمية أطلقها المؤرخون الأوربيون والغربيون عموماً على هذه الحضارة؛ إذ عدّوا أنفسهم ورثة هذه الحضارة التي تميزت بإنجازاتها التاريخية الرائعة.
يمتد منذ أوائل القرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الخامس الميلادى وفى هذه الحقبة أصبحت الثقافة الاغريقية ملكا مشهجرا بين جميع بلدان البحر المتوسط وكانت اليونانية لغة الفهم في ذلك الوقت والهيلينستية هى ثقافة مركبة من عناصر يونانية وشرقية حمل فيها الاغريقيون إلى الشرق الفلسفة ولقح فيها الشرقيون حضارة اليونان بروحانية الشرق ونظمه وفهمه . يقول بعض المؤرخين مثل تارن في كتاب الحضارة الهيلينستية حتى الحضارة الاغريقية تنقسم إلى مرحلتين الاولى هلينيك اى الفترة اليونانية البحتة وتضم مرحلتى النشأة والنضج والازدهار وتضم العالم اليونانى وحضارته منذ الغزوالدوري وحتى الاسكندر الأكبر والفترة الثانية هى هيلينستك اى الفترة الهيلينيستية وهى فترة يونانية متأخرة وتضم البقاع التى تألفت منها امبراطورية الاسكندر وتضم بلاد اليونان والممالك الشرقية بعد غزوالاسكندر لها.
التاريخ
Alexander had made no special preparations for his succession in his newly founded empire, dying as he did at a young age, and thus on his death-bed (apocryphally), he willed it to "the strongest". The result was a state of internecine warfare between his generals (the Diadochi, or 'Successors'), which lasted for forty years before a more-or-less stable arrangement was established, consisting of four major domains:
- The Antigonid dynasty in Macedon and central Greece;
- The Ptolemaic dynasty in Egypt based at Alexandria;
- The Seleucid dynasty in Syria and Mesopotamia based at Antioch;
- The Attalid dynasty in Anatolia based at Pergamum.
A further two kingdoms later emerged, the so called Greco-Bactrian and Indo-Greek kingdom. ويمتد تاريخ هذه الحضارة من بداية الألف الأول قبل الميلاد، وهوتاريخ ترسيخ المدن الدول نفسها دولاً مستقلة في العهد السياسي الإغريقي، وينتهي بظهور الإسكندر المقدوني منتصف القرن الرابع قبل الميلاد عندما بدأ تأسيس الدول الإغريقية الكبرى خارج بلاد اليونان.
وتتميز هذه الفترة سياسياً بظهور مجموعة من المدن التي كانت تتناحر غالباً فيما بينها لأسباب اقتصادية أوخارجية، في حين تتفق أحياناً للدفاع عن حريتها الذاتية وأسلوب حياتها ضد القوى الخارجية أولإقامة شعائر دياناتها وأعيادها واحتفالاتها الرياضية المرتبطة بهذه الشعائر أوالمستقلة عنها.
وتعدّ أثينا وإسبرطة وطيبة وكورنثه وميغارا وأرغوس ودلفي إضافة إلى عدد من مدن جزر البحر الإيجي وغيرها في الداخل أبرز هذه المدن الدول التي كان لها تاريخها الخاص، واشتهر منها جميع من أثينا وإسبرطة أكثر من غيرها. وقد عانت دول المدن في العصر الهلّيني حربين أولاهما مع الفرس، وهي الحروب الفارسية وثانيتهما بين معسكر أثينا من جهة ومعسكر إسبرطة من جهة أخرى، وهي حرب البلوبونيز كما عهدت هذه الدول نتيجة معاناتها السياسية والاقتصادية عدداً من أشكال الحكومات أبرزها الملكي و«الأرستقراطي والأوتوقراطي والثيوقراطي والأوليغاركي».
وقد شهد العصر الهلّيني تطوراً بارزاً في عدد من العلوم والفنون؛ ولاسيّما في الفلسفة والمسرح والنحت، كما ظهر فهماء وفنانون ونحاتون ومهندسون بهروا العالم القديم ومايزالون حتى اليوم أمثال الطبيب هبوقراطس والمهندس هيبوداموس Hippodamos الملطي، والمؤرخان هيرودوت وثوكوديدس، والفلاسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو، والمسرحيّين أيسخولوس Aeschylos وسوفوكلس ويوريبيدس وأريستوفانيس، والنحّاتين فيدياس ولوسيبيوس ومورون وبراكسيتلس وغيرهم.
وفي العصر الهلّيني ارتبطت الحياة الاجتماعية بالديانة وولدت فكرة عيد الإله المصحوب بألعاب رياضية احتفالية، ومن هذه الفكرة عهد الإغريق عدداً من الأعياد لعل أبرزها الألعاب الأولمبية التي عقدت أول مرّة سنة 776ق.م على شرف كبير آلهة الأولمب، وسميت باسمها.
ويعزى إلى هذا العصر تطويره مجموعة أنظمة سياسية في المدن الدول الحرة وصولاً إلى النظام الشعبي أو«الديمقراطي»، وهوالنظام الذي عدّه المؤرخون المعاصرون أفضل نظام ارتضاه مواطنوذلك العصر، واتفقوا على صلاحه مقارنة بالأنظمة المعمول بها في ذلك العصر، وأبرزها الملكية المطلقة، وهي «ديمقراطية» تعتمد أساساً مفهوم مشاركة جميع مواطن قادر في التوجيه أوالمساعدة أوتطبيق سياسة بلده الداخلية أوالخارجية؛ إذ كان المفهوم السائد أنه لا خيار للمواطن في المشاركة في حكم وطنه وأنه لا خير في المواطن الذي يعزف عن هذه المشاركة.
العالم الهليني
اليونان
مقدونيا
قبرص
البلقان
غرب المتوسط
مملكة إپيروس
آسيا الصغرى
آسيا الصغرى
مصر
أرمنيا
Parthia
Nabatean Kingdom
Judea
The Greco-Bactrians
The Indo-Greek kingdoms
Other states and Hellenistic influences
بزوغ روما
الهلننة
الهلننة تحت الأتباع
الثقافة الهلينية
العلوم
العلوم العسكرية
دور الخط والفهماء
في جميع ميدان من ميادين الحياة الهلنستية، عدا ميدان التمثيل، نجد ظاهرة بعينها-نجد الحضارة اليونانية تنتشر ولا تنعدم. فقد كانت أثينة تحتضر، وكانت المحلات اليونانية في الغرب، عدا سرقوسة، آخذة في الانهيار والزوال؛ ولكن المدن اليونانية في مصر وفي الشرق كانت في ذروة مجدها المادي والثقافي. وقد خط بولبيوس، وهورجل واسع التجارب، غزير الفهم بالتاريخ، حصيف الرأي، صادق الحكم، خط في عام 148 ق.م عن هذه الأيام "التي تتقدم فيها العلوم والفنون بخطى سريعة(1)"؛ وهي نغمة ألفنا سماعها من غيره من الكتاب. وبفضل انتشار اللغة اليونانية واتخاذها لغة عامة وجدت وحدة ثقافية دامت في بلاد البحر الأبيض المتوسط ما يقرب من ألف عام. فكان جميع المتفهمين في الإمبراطوريات الجديدة يتفهمون اللغة اليونانية ويتخذونها وسيلة للصلات الدبلوماسية، ولنشر الآداب والعلوم؛ وكان الكتاب المؤلف باليونانية يفهمه جميع متفهم تقريباً من غير أنباء اليونان في مصر والشرق الأدنى. وكان الناس إذا تحدثوا عن العالم المعمور (الأيكوميني Oikoumene) تحدثوا عنه بوصفهِ عالماً ذا حضارة واحدة، قد أصبحت له نظرة عالمية للحياة أقل بعثاً للهمم من النظرة القومية الضيقة المتغطرسة التي كانت تسود دول المدن ولكنها قد تكون أكثر منها مطابقة لمقتضيات العقل.
ولهذه الدائرة الواسعة من القراء خط آلاف الكتاب مئات الآلاف من الخط، ولدينا أسماء آلف ومائة مؤلف هلنستي؛ وما من شك في حتى من لا يعهد أسماءهم يخطئهم في الحصر؛ ونشأ خط سريع دارج لتسهيل الكتابة، بل إننا لنسمع في واقع الأمر منذ القرن الرابع عن طرق للاختزال يُستطاع بها "التغيير عن بعض الحروف والحركات بشروط مختلفة الأوضاع". وظلت الخط تُخط على أوراق البردي المصري حتى حرم بطليموس الرابع تصدير هذه المادة من مصر لعله يمنع بذلك نمومخطة برجموم. ورّد يومنيز الثاني على هذا العمل بأن شجع صناعة معالجة جلود الضأن والعجول على نطاق واسع، وكانت هذه الجلود تُستعمل للكتابة في بلاد الشرق من زمن بعيد، وسرعان ما أصبح الرق المصنوع في برجموم والمشتق اسمه الأوربي Parchment من اسمها ينافس الورق بوصفهِ أداة للتخاطب وبقل الآداب.
وبعد حتى تضاعف عدد الخط إلى هذا الحد أصبح إنشاء دور الخط ضرورة محتومة. كانت هذه الدور قد قامت في مصر وبلاد النهرين قبل ذلك الوقت، غير أنها كانت فيهما من وسائل الترف التي يختص بها الملوك؛ ولكن يظهر حتى مخطة أرسطوكانت أولى مجموعات الخط الخاصة الكبيرة. وفي وسعنا حتى نقدر حجم هذه المخطة وقيمتها إذا عهدنا أنه دفع ما قيمته 18.000 ريال أمريكي ثمناً لجزئها الذي اشتراه من اسبيوسبوس خليفة أفلاطون. وأوصى أرسطوبخطه إلى ثاوفراسطوس، ثم أوصى بها هذا (في عام 287) إلى نيلوس Neleus، ونقلها هذا إلى اسكبسيس Scepsis في آسية الصغرى، حيث دفنت في باطن الأرض، كما تقول بعض الروايات، لتنجومن شره ملوك برجموم الفهمي. وبعد حتى ظلت هذه الخط مدفونة على هذا النحوالبالغ الضرر، بيعت حوالي عام 100 ق.م. إلى أبلكون Apellison التيوسي of Teos الفيلسوف الأثيني. ووجد أبلكون حتى فقرات كثيرة في الخط قد أتلفتها رطوبة الأرض، فخط منها نسخاً جديدة، وملأ الثغرات المفقودة بقدر ما هداه إليهِ تفكيره(3)؛ وقد يحدث هذا هوالسبب في حتى أرسطوأكثر الفلاسفة جاذبية في التاريخ القديم. ولما استولى سلا Sylla على أثينة عام 86 أخذ مخطة أبلكون ونقلها إلى رومة، حيث سجل أندرنكوس Andronicus العالم الرودسي نصوص مؤلفات أرسطو(4). ونشر هذه النصوص المسجلة-وكان لهذه الحادثة في تاريخ التفكير الروماني أثر لا يقل عن أثر يقظة الفلسفة في العصور الوسطى.
وإن سيرة هذه المجموعة وتنقلها من مكان إلى مكان ليدلنا على ما يدين به الأدب لملوك البطالمة لإنشائهم مخط الإسكندرية العظيمة وجعلها جزءاً من متحفها. لقد بدأ هذه المخطة بطليموس الأول وأتمها بطليموس الثاني، ثم أضاف إليها مخطة أصغر منها في معبد سرابيس بإحدى ضواحي المدينة. وقد بلغ عدد ما فيها من الملفات قبل نهاية حكم فلدلفس 532.000 ملف يتكون منها في أكبر الظن مائة ألف كتاب بالمعنى الذي يفهم من هذا اللفظ في هذه الأيام(5). وظل تكبير هذه المجموعة حيناً من الدهر ينافس في قلوب ملوك مصر حبهملتقوية سلطانهم. ومن الشواهد الدالة على ذلك حتى بطليموس الثالث أمر حتى جميع كتاب يصل إلى الإسكندرية يجب حتى يودع في المخطة، وأن تنسخ من صور تُعطى واحدة منها لصاحبه وتجتفظ المخطة بأصل الكتاب. وطلب هذا الملك صاحب السلطان المطلق إلى أثينة حتى تعيره مخطوطات إيسكلس، وسفكليز، ويوربديز، وأودع لديها ما قيمته 90.000 ريال أمريكي ضماناً لعودتها سالمة، فلما أوفدت إليه احتفظ بأصولها ور إليها نسخاً منها، وأبلغ الأثينيين حتى يحتفضوا بالمال جزاء له على عمله(6). وانتشرت رغبة الناس في اقتناء الخط انتشاراً بلغ من اتساعه حتى نشأت طائفة من الناس تخصصت في صبغ المخطوطات الجديدة وإتلافها ليبيعوها لجامعي النسخ الأولى على أنها خط قديمة(7).
وما لبثت الخطة حتى زادت على المتحف في أهميتها وتعلق الناس بها، وأصبح منصب أمين المخطة أكبر المناصب مرتباً عند الملك، وصار من اختصاصاته حتىقد يكون المفهم الخاص لولى العهد. وقد بقيت لنا أسماء هؤلاء الأمناء وإن اختلفت بعضها عن بعض في المخطوطات المتنوعة. ويذكر أحدث ثبت لها أسماء الستة الأمناء الأولين وهم: زنودوتس، وأبلونيوس الرودسي، وأرستثنيز القوريني، وأبلونيوس الإسكندري، وأرسطوفان البيزنطي، وأرستارخوس السمثراسي؛ وإن اختلاف أصولهم ليوحي مرة أخرى بوحدة الثقافة الهلنية. ولا يكاد يقل عن هذه الأسماء أهمية حدثخوس الشاعر والعالم الذي صنف هذه المجموعة ونظمها في فهرس عام بلغ عدد ملفاته مائة وعشرين ملفاً. وإنا لتطوف بخيالنا صورة طائفة كبيرة من النساخين، نظن أنهم من العبيد، ينسخون صوراً ثانية من أصول الخط القيمة، ومعهم عدد ل يحصى من الفهماء يقسمون هذه الخط مجموعات. وكان بعض هؤلاء الرجال يخطون تواريخ مختلف الآداب والعلوم، وبعضهم يخرجون للناس "طبعات" من الروائع القيمة، ومنهم من كانوا يخطون تعليقات وشروحاً للنصوص ليستنير بها غير الأخصائيين وقراء الأجيال التالية. وقد أحدث أرسطوفان Aristophanes البيزنطي انقلاباً عظيماً في الأدب بفصل الجمل المستقلة والتبعية في المخطوطات القديمة بعضها عن بعض بالحروف الكبيرة (Capitals)، وبعلامات الترقيم، وكان هوالذي اخترع النبرات التي تضايقنا أشد المضايقة في قراءة الكتابات اليونانية.
وقد بدأ زنودوتس تهذيب الألياذة والأوذيسة، وواصل أرسطوفان عمله، وأتمه أرستارخورس، وكانت نتيجة عملهم هوالنص الحالي لهاتين الملحمتين، وهم الذين شرحوا ما غمض فيها شرحاً يشير على غزارة الاطلاع. ولم ينقضِ القرن الثالث حتى أضحت الإسكندرية بفضل متحفها ومخطتها وفهمائها العاصمة الذهنية للعالم اليوناني في جميع فرع من فروع الفهم والأدب عدا الفلسفة.
وما من شك في حتى مدناً هلنستية أخرى كانت بها دور خط، يشير على ذلك حتى فهماء الآثار النمساويين قد كشفوا عن بقايا مخطة جميلة الشكل تابعة لبلدية إفسوس، ونسمع حتى مخطة عظيمة قد احترقت حين خرب سبيوScipio مدينة قرطاجة. ولكن المخطة الوحيدة التي يمكن موازنتها بمخطة الإسكندرية هي مخطة برجموم. ذلك حتى ملوك هذه الدولة القصير الأجل كانوا يحسدون حسد المستنيرين ملوك البطالمة على جهودهم الثقافية، وقام يومنيز الثاني بإنشاء مخطة برجموم، واستقدم لأبهائها طائفة من أعظم فهماء اليونان. وأخذت مجموعة الخط التي بها تنمونمواً سريعاً، حتى بلغ عددها، حين أهداها أنطونيوس لكليوبطرة ليعوض بها ذلك الجزء من مخطة الإسكندرية الذي احترق أثناء الثورة على قيصر عام 48 ق.م.، مائتي ألف ملف. وبفضل هذه المخطة، وما كان لملوك برجموم من ذوق أتيكي حسن أضحت هذه المدينة في أواخر العصر الهلنستي مركزاً لأنقى مدرسة من مدارس النثر اليوناني، وهي مدرسة لم تكن ترى حتى لفظاً ما يونانياً نقياً إلا إذا كان قد ورد في كتابات العصر القديم. ونحن مدينون إلى حماسة هؤلاء الأدباء بما بقي من روائع النثر الأتيكي.
ولقد كان هذا العصر أولاً وقبل جميع شيء عصر النابهين والفهماء، عصراً أصبحت الكتابة فيهِ مهنة لا هواية، ونشأت فيهِ جماعات وحلقات يتناسب تقدير بعضها مواهب البعض الآخر تناسباً عكسياً مع مربع المسافة بينها. وبدأ الشعراء يخطون للشعراء، وأضحت كتاباتهم لذلك متكلفة مصطنعة، وأخذ الفهماء يخطون للفهماء، فكانت كتاباتهم خالية من البهجة والروعة، وشعر المفكرون حتى إلهام اليونان المبدع كاد ينضب معينه، وأن أبقى خدمة يستطيعون أدائها هي حتى يجمعوا، ويحفظوا، ويدونوا، ويشرحوا الأعمال الأدبية التي أنشأها عصر أسمى وأعظم جرأة من عصرهم. لذلك أوجدوا طرق نقد النصوص والآداب بجميع أشكالهِ تقريباً، وحاولوا ان يستخرجوا خلاصة المخطوطات الكثيرة التي كانت بين أيديهم، وأن يرشدوا الناس إلى ما يجب حتى يقرؤوه منها. فوضعوا قوائم "بأحسن الخط" و"شعراء البطولة الأربعة" و"التسعة المؤرخين" و"العشرة الشعراء الغنائيين" و"العشرة الخطباء" وما إلى هذا(9). وألفوا سيراً لكبار الكتاب والفهماء، وجمعوا وأنجوا من الدمار المعلومات المشتتة التي لا نعهد الآن غيرها عن هؤلاء الرجال. وخطوا خلاصات في التاريخ والآداب، والتمثيل، والفهم، والفلسفة(10)؛ وقد ساعدت هذه الخلاصات التي كانت أشبه "بالطرق المختصرة للفهم" على حفظ المؤلفات الأصلية التي لخصتها، وإن كان بعضها قد حل محلها وقضى بغير فهم واضعيها على هذه المؤلفات. وأقضَ مضاجع الفهماء الهلنستيين تدهور اللغة اليونانية الأتكية الفصحى وحلول الرطانة اليونانية الشرقية المنتشرة في ذلك الوقت محلها، فأخذوا يضعون المعاجم وخط النحو؛ وأصدرت مخطة الإسكندرية، كما يعمل المجمع الفهمي الفرنسي في هذه الأيام، وقرارات تبين الاستعمال السليم للألفاظ والعبارات اليونانية القديمة. ولولا جد هؤلاء الفهماء وصبرهم لقضت الحروب، والثورات، والكوارث التي توالت على هذا الجزء من العالم مدى ألفي عام، على هذه "الشذرات الثمينة" التي انتقلت إلينا من حطام التراث اليوناني القديم.
الدين والفلسفة
الفن
لقد تأخر اضمحلال الحضارة اليونانية من ناحية الفن زمناً طويلاً. ففي هذه الناحية لا يقل ازدهار العصر الهلنستي، في خصوبة الإنتاج وفي الابتكار، عن ازدهار أي عصر آخر في التاريخ. وما من شك في حتى الفنون الصغرى لم يطرأ عليها شيء من الاضمحلال، وأن مهرة الصناع في الخشب والعاج والفضة والمضى انتشروا في جميع أنحاء العالم اليوناني الذي اتسعت رقعته. وفيهِ بلغ الحفر على الجواهر والنقود أعلى درجاته، وكان الملوك الهلنستيون في البلاد الممتدة إلى بكتريا يحلون نقودهم بالكثير من النقوش، ولسنا نبالغ إذا قلنا إذا البترة ذات العشر الدرخمات من نقود هيرون الثاني كانت أجمل ما رأته العين في فن المسكوكات الذي سجله التاريخ. واشتهرت الإسكندرية بمن فيها من صائغي المضى والفضة، الذين لم يكن فنهم يقل جمالاً عن اسلوب شرائعها الذي لا تشوبه قط شائبة، كما اشتهرت بأحجارها الثمينة وأصدافها ذات النقوش البارزة الملونة، وبخزفها الأخضر والأزرق، وبفخارها المغطى بطبقة زجاجية بديعة، وبزجاجها الكثير الألوان ذي النقش الدقيق الجميل. ويتجلى هذا الفن بأجلى مظاهره في مزهرية بورتلاند Portland وهي في أغلب الظن من خلق الإسكندرية، فقد نُقشت عليها صور رشيقة محفورة في طبقة زجاجية ناصعة البياض في لون اللبن الصافي فوق جسم من الزجاج الأزرق. وما أشبه هذه التحفة في الزمن القديم بتحف جوسيا ودجود في الزمن الحديث .
الموسيقى
وظلت الموسيقى شائعة بلين جميع طبقات السكان، وتبدلت فيها السلالم والأنغام في اتجاه الرقة والجدة(1)؛ وأدخلت الأنغام الناشزة القصيرة في النغمات المتوافقة؛ وازدادت الآلات والتآليف الموسيقية تعقيداً(2). وكبرت "زمارات بان" القديمة حوالي عام 420 في الإسكندرية حتى صارت مجموعة من الزمارات البرنزية، وحسن تسبيوس حوالي عام 175 هذه الآلة فجعلها أرغناً يدار بالماء والهواء مجتمعين ويجعل في مقدور العازف حتى يُحدث به نغمات من الصوت جد طويلة. ولسنا نعهد عن هجريب هذه الآلة أكثر مما ذكرنا، ولكننا سنرى كيف من الممكن أن تطورت تطوراً سريعاً في أيام الرومان حتى صارت هي أرغن المسيحية وأرغن هذه الأيام(3). وكانت الآلات تجتمع فيتكون منها جوقة العازفين؛ وكانت ألحان من الموسيقى الآلية الخالصة مكونة في بعض الأحيان من خمس حركات تُعزف في ملاهي الإسكندرية وأثينة وسرقوسة(4). ونال عدد من مهرة الموسيقيين شهرة واسعة وأصبحت لهم مكانة اجتماعية تتناسب مع أجورهم العالية. وفي عام 318 خط أرسطوكسنوس من تاراسوس Aristoxenus التاراسي، تلميذ أرسطو، رسالة صغيرة تُدعى قواعد الألحان صارت هي النص القديم الذي يُرجع إليه في النظريات الموسيقية. وكان أرستكسنوس هذا رجلاً جاداً، لم يستسغ كما لم يستسغ معظم الفلاسفة موسيقى زمانهم. ويروي عنه أثينيوس قوله في عبارات سمعتها أجيال كثيرة من بعده: "بعد حتى طغت البربرية على دور التمثيل، وبعد حتى فسدت الموسيقى وقُضي عليها القضاء الأخير، وأصبحنا نحن أقلية صغرى في هذا الزمان، نستعيد في عقولنا، ونحن جالسون بمفردنا، ما كانت عليه الموسيقى في الأيام الخالية"(5).
العمارة
أما عمارة العصر الهلنستي فليس لها سقط في نفوسنا لأن الدهر قد عدا عليها فسواها بالأرض وناصبها العداء بلا تفريق بين بعضها والبعض الأخر. غير أننا نستدل من الأدب ومن آثارها، على حتى فن العمارة اليوناني أنتشر في هذا العصر من بكتريا إلى أسبانيا. ولقد نشأ من التأثير المتبادل بين بلاد اليونان والشرق خليط من الأنماط: فغزت الأروقة المعمدة والعرضة الراكزة داخل آسية، ودخلت الأقواس والعقود والقباء بلاد الغرب. ففي ديلوس نفسها، وهي المركز اليوناني القديم، قامت تيجان العمد المصرية والفارسية. وقد بدا الطراز الدوري جامداً كئيباً في عصر أولع بالرقة والزينة، ولهذا أخذ يختفي من مدينة إثر مدينة، في الوقت الذي أخذ فيه الطراز الكورنثي المزخرف يرقى حتى بلغ ذروته. وكانت النزعة الدنيوية في الفن تجاري في سرعة تقدمها النزعة الدنيوية في نظام الحكم، وفي الشرائع والأخلاق، والآداب، والفلسفة؛ وأخذت العمد المقامة حول البيوت، والمداخل الواسعة، والأسواق، ودور القضاء، وقاعات الجمعيات الوطنية، ودور الخط والتمثيل، ومدارس التدريب الرياضي، والحمامات، أخذت هذه العمد تحل محل المعابد؛ وكانت قصور الملوك والأفراد ميداناً جديداً ظهر فيهِ فن التخطيط والزخرف اليوناني. وصارت مداخل البيوت تزدان بالرسوم، والتماثيل، والنقوش على الجدران، كما أخذت الحدائق الخاصة تحيط بالبيوت الواسعة الفخمة. وأنشئت للملوك بساتين وحدائق، وبحيرات، وسرادقات في حواضر البلاد، وكانت تفتح عادة للجماهير. وتطور فن تخطيط المدن ليجاري فن العمارة، فخططت الشوارع على طراز هپوداموس Hippodamus الرباعي، وكان منها شوارع رئيسية لا يقل عرضها غن ثلاثين قدماً-وهوعرض يتناسب مع الخيل والمركبات التي كانت وسائل النقل في تلك الأيام. وكانت مدينة أزمير تزهوبشوارعها المرصوفة(6)، ولكن لأكبر الظن حتى معظم شوارع المدن الهلنستية كانت أرضاً معبدة تعهد مساوئ التراب والطين.
وكثرت المباني الجميلة كثرة لم يكن لها مثيل من قبل؛ ففي أثينة شيدت في القرن الثاني العمد الكورنثية المقامة في الأولمبيوم ووضع الروماني كوسوتيوس Cossotius الخطة العامة للصرح الرحب العظيم الذي كان أفحم بناء في أثينة-وكان كوسوتيوس بهذا العمل قلباً للوضع المألوف وهواعتماد رومة على الفنانين اليونان. ويصف ليڤي هيكل زيوس الأولمبي بأنه لم يرَ بناء غيره يليق لأنقد يكون مسكناً لإله الآلهة(7). ولا تزال ستة عشر عموداً من أعمدته قائمة وهي أجمل النماذج الباقية من الطراز الكورنثي. وفي إلوسيس أتم صلاح أثينة في دور احتضاره، وأتمت عبقرية فليون، هيكل الطقوس الخفية الفخم الذي بدأه بركليز في موضع كان مكاناً مقدساً منذ العصور الميسينية. ولم يبقَ من هذا الهيكل إلا بتر متفرقة، ولكن بعضها يشير على حتى التخطيط والنحت اليونانيين كانا لا يزالان وقتئذ في أوجهما. وقد كشف الفرنسيون في ديلوس عن قواعد هيكل أبلوكما كشفوا عن مدينة كانت في أيامها مزدحمة بالمباني الفخمة المحصصة للأعمال التجارية أولإيواء مائة من الآلهة اليونانية أوالأجنبية. وأقام هيرون الثاني في سرقوسة كثيراً من المباني الضخمة ذات الروعة والجلال، وجدد دار التمثيل التابعة للبلدية وزاد في مساحتها، ولا هبط في هذه الأيام نقرأ اسمه منقوشاً على حجارتها. وزين البطالمة مدينة الإسكندرية بالمباني الشاهقة التي أذاعت اشتهارها بالجمال، ولكن شيئاً من هذه المباني لم يبقَ حتى الآن. وشاد بطليموس الثالث عند إدفومعبداً هوأفحم ما بقي من العمائر من عصر الاحتلال اليوناني، وشاد خلفؤه معبد أيزيس في جزيرة فيلي وجددوا بناءه. وفي أيونيا أقيمت بيوت جديدة للآلهة في ميليطس، وپريينه Priene، ومجنيزيا، وغيرها من المدن؛ وتم في عام 300 ق.م بناء المعبد الثالث لأرتميس في إفسوس، وشاد المهندسان پايونيوس Paeonius، ودفنيس في ديديا بالقرب من ميليطس معبداً أوسع من هذا تكريماً لأبولو(332 ق.م.-41م)؛ ولا تزال صفحات الأعمدة الأيونية الفخمة التي كانت قائمة في هذا المعبد باقية إلى اليوم. وفي برجموم أذاع أومنيز الثالث شهرة عاصمته في طول بلاد اليونان وعرضها بما أنشأه فيها من المباني وخاصة مذبح زيوس الذائع الصيت الذي كشفه الألمان في عام 1878، وأعادوا بناءه بحذق عظيم في متحف برجموم القائم في برلين. وكانت مجموعتان فخمتان من الدرج حول بابين عظيمين لهذا المذبح تؤديان إلى بهورحب ذي عمد؛ وكان حول مائة وثلاثين قدماً من القاعدة إفريز يبلغ في أيامه من الفخامة ما بلغه ضريح الإسكندر في القرن الرابع أوالبارثنون في القرن الخامس. وقصارى القول حتى بلاد اليونان لم تزدن في وقت من الأوقات بمثل ما ازدانت به في تلك الأيام، وأن حماسة مواطنيها ومهارة فنانيهالم تعملا مثل ما عملتاه في ذلك الوقت من تحويل الكثير من مساكن أهلها إلى قصور فخمة ذات روعة وجمال.
الفترة بعد الهلينية
انظر أيضاً
- Greek colonies
- Hellenistic art
- Hellenistic astronomy
- Hellenistic geography
- Hellenistic Greece
- Hellenistic mathematics
- Hellenistic period
- Hellenistic philosophy
- Hellenistic religion
- Hellenization
الهامش
- ^ Green, p. 20.
- ^ [http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=162653&m=1 الهلّينية (الحضارة ـ), الموسوعة العربية
- ^ Delamarre, Xavier. Dictionnaire de la langue gauloise. Editions Errance, Paris, 2008, p. 299
- ^ Davies, Cuthbert Collin (1959). An Historical Atlas of the Indian Peninsula. Oxford University Press.
- ^ Narain, A.K. (1976). The Coin Types of the Indo-Greek Kings. Ares. ISBN .
- ^ Hans Erich Stier, Georg Westermann Verlag, Ernst Kirsten, and Ekkehard Aner. Grosser Atlas zur Weltgeschichte: Vorzeit. Altertum. Mittelalter. Neuzeit. Westermann, 1978, ISBN 3-14-100919-8.
- ^ Boardman, 131-133
- ^ Bill Casselman. "One of the Oldest Extant Diagrams from Euclid". University of British Columbia. Retrieved 2008-09-26.
المصادر
- Green, Peter. Alexander The Great and the Hellenistic Age. Orion Publishing Group, Limited, 2008, ISBN 0753824132.