سعيد بن عامر الجمحي
سعيد بن عامر الجمحي (ت. 20هـ/640م)، من كبار الصحابة رضوان الله عليهم، كان إذا خرج عطاؤه اقتنى لأهله قوتهم وتصدق بما بقى، توفي سعيد بن عامر رضي الله عنه ولم يكن يملك شيئا توفي سنة 20 هجرية وهووال حمص في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
سيرة إسلامه
عندما كان فتى كان واحدا من الآلف المؤلفة , الذين خرجوا إلى منطقة التنعيم في ظاهر مكة بدعوةمن زعما قريش , ليشهدوا مصرع خبيب بن عدي أحد أصحاب محمد بعد حتى ظفروا به غدرا. وقد مكنه شبابه الموفور وفتوته المتدفقة من ان يزاحم الناس بالمناكب , حتى حاذى شيوخ قريش من أمثال أبي سفيان بن حرب , وصفوان بن أمية , وغيرها ممن يتصدرون الموكب . وقد أعطى له ذلك حتى يرى أسير قريش مكبلا بقيوده , وأكف النساء والصبيان والشبان تدفعه إلى ساحة الموت دفعا , لينتقموا من محمد في شخصه , وليثأروا لقتلاهم في بدر بقتله. ولما وصلت هذه الجموع الحاشدة بأسيرها إلى المكان المعد لقتله , وقف الفتى سعيد بن عامر الجمحي بقامته الممدودة يُطل على خُبيب , وهويُقدم إلى خشبة الصلب , وسمع صوته الثابت الهادىء من خلال صياح النسوة والصبيان وهويقول : إن شئتم حتى تهجروني أركع ركعتين قبل مصرعي فاعملوا.... ُثم نظر إليه , وهويستقبل الكعبة , ويصلي ركعتين , يالحسنهما ويا لتمامهما ... ثم رآه يُقبل على زعماء القوم ويقول : والله لولا حتى تظنوا أني أطلت الصلاة جزعا من الموت , لاستكثرت من الصلاة ..... ثم شهد قومه بعيني رأسه وهم يمثلون بخُبيب حيا , فيبترون من جسده البترة تلوالبترة وهم يقولون له : أتحب حتىقد يكون محمد مكانك وأنت ناج ،يا ترى؟ فيقول والدماء تنزف منه : والله ما أُحب حتى أكون آمنا وانادى في أهلي وولدي , وحتى محمدا يوخز بشوكة ... فيلوح الناس بأيديهم في الفضاء , ويتعالى صياحهم : حتى اُقتلوه ... اُقتلوه .. ثم أبصر سعيد بن عامر خُبيبا يحمل بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب ويقول : اللهم أحصهم عددا , واقتلهم بددا , ولا تغادر منهم أحدا , ثم لفظ أنفاسه الأخيرة , وبه مالم يستطع إحصاءه من ضربات السيوف وطعنات الرماح. بعدها لم يغيب خُبيب عن سعيد بن عامر لحظة فكان يراه في حلمه إذا نام , ويراه بخياله وهومستيقظ , ثم إذا خُبيبا فهم سعيدا مالم يكن يفهم.
فهمة حتى الحياة الحقة عقيدة وجهاد في سبيل العقيدة حتى الموت , وفهمه أيضا حتى الإيمان الراسخ يعمل الأعاجيب , وفهمه أمرا آخر هوحتى الرجل الذي يحبه أصحابه جميع هذا الحب إنما هونبي مؤيد من السماء . عند ذلك شرح الله صدر سعيد بن عامر إلى الإسلام , فقام في ملاء من الناس وأعرب براءته من آثام قريش وأوزارها , ودخوله في دين الله .
بعدها هاجر سعيد بن عامر إلى المدينة ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه خيبر وما بعدها من الغزوات . وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم أصبح سيفا مسلولا في أيدي خليفتيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
عهد عمر بن الخطاب
ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمص ولما زار عمر حمص شكا اهل حمص إلى عمر أربعة أمور عنه:
- أنه لا يخرج اليهم حتى اذا تعالى النهار:فنطق أنه يعجن الخبز لاهله
- أنه لا يرد عليهم بليل :لانه يقوم الليل فالنهار للعامة والليل لربه
- أنه لا يخرج اليهم يوما من الشهر:لانه ليس لديه سوى قميص واحد فيغسله ذلك اليوم حتى يجف ثم يلبسه
- أنه يصيبه من حين لآخر غشية فيغيب عمن في مجلسه: لأنه يتذكر كيف من الممكن أن عملت قريش بالصحابي الجليل خبيب بن عدي حيث مثلت به قريش وأنه هجر نصرته فيظن حتى الله لن يغفر له فتصبه الغشية.
فعذره عمر بن الخطاب.
بعض المواقف من حياته مع الصحابة
انطلاقا من حرص عمر علي تفقد أحوال الرعية فقد سأل عمر بن الخطاب () عامله على حمص سعيد بن عامر فنطق له عمر: مالك من المال،يا ترى؟ نطق: سلاحي وفرسي وأبغل أغزوعليها وغلام يقوم علي وخادم لامرأتي وسهم يعد في المسلمين. فنطق له عمر: مالك غير هذ،يا ترى؟ نطق حسبي هذا هذا كثير. فنطق له عمر: فلم يحبك أصحابك،يا ترى؟ نطق: أواسيهم بنفسي وأعدل عليهم في حكمي. فنطق له عمر: خذ هذه الألف دينار فتقوبه. نطق: لا حاجة لي فيها أعط من هوأحوج إليها مني. فنطق عمر: على رسلك حتى أحدثك ما نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إذا شئت فاقبل وإن شئت فدع: إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض علي شيئا فقلت مثل الذي قلت فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم.من أعطي شيئا من غير سؤال ولا استشراف نفس فإنه رزق من الله فليقبله ولا يرده. فنطق الرجل: أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم،يا ترى؟ نطق: نعم. فقبله الرجل ثم أتى امرأته فنطق: إذا أمير المؤمنين أعطانا هذه الألف دينار فإن شئت حتى نعطيه من يتجر لنا به ونأكل الربح ويبقى لنا رأس مالن. وإن شئت حتى نأكل الأول فالأول: فنطقت المرأة: بل أعطة من يتجر لنا به ونأكل الربح ويبقى لنا رأس المال نطق: ففرقيه صررا فعملت فجعل جميع ليلة يخرج صرة فيضعها في المساكين ذوي الحاجة فلم يلبث الرجل إلا يسيرا حتى توفي فأوفد عمر يسأل عن الألف فأبلغته امرأته بالذي كان يصنع فالتمسوا ذلك فوجدوا الرجل قدمها لنفسه ففرح بذلك عمر وسر ونطق: يإن كان الظن به كذلك. (2)
واستخدم عمر بن الخطاب سعيدا بن عامر على جند حمص فقدم عليه عملاه بالدرة فنطق سعيد: تجاوز سيلك مطرك إذا تستعتب نعتب وإن تعاقب نصبر وإن تعف نشكر. نطق: فاستحيى عمر وألقى الدرة ونطق: ما على المؤمن أوالمسلم أكثر من هذا إنك تبطئ بالخراج. فنطق سعيد: إنك أمرتنا حتى لا نزيد الفلاح على أربعة دنانير فنحن لا نزيد ولا ننقص إلا أنا نؤخرهم إلى غلاتهم. فنطق عمر: لا أعزلك ما كنت حيا.
شكوى أهل حمص
عندما زار عمر حمص تحدث مع أهلها فسمع شكواهم، فقد نطقو: نشكومنه أربعا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، ولا يجيب أحد بليل، وله في الشهر يومان لا يخرج فيهما إلينا ولا نراه، وأخرى لا حيلة له فيها ولكنها تضايقنا وهي أنه تأخذه الغشية بين الحين والحين... فنطق عمر همس: اللهم إني أعهده من خير عبادك، اللهم لا تخيب فيه فراستي...ونادى سعيدًا للدفاع عن نفسه...
فنطق سعيد: أما قولهم:إني لا أخرج إليهم حتى يتعالى النهار، فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب، إنه ليس لأهلي خادم، فأنا أعجن عجيني، ثم أدعه حتى يختمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ للضحى، ثم أخرج إليهم...وتهلل وجه عمر ونطق: الحمد لله، والثانية؟!...
نطق سعيد: وأما قولهم: لا أجيب أحدا بليل، فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب، إني جعلت النهار لهم، والليل لربي...
وأما قولهم: إذا لي يومين في الشهر لا أخرج فيهم، فليس لي خادم يغسل ثوبي، وليس لي ثياب أبدله، فأنا أغسل ثوبي ثم أنتظر حتى يجف بعد حين وفي آخر النهار أخرج إليهم...
وأما قولهم: إذا الغشية تأخذني بين الحين والحين، فقد شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة، وقد بضعت قريش لحمه، وحملوه على جذعة، وهم يقولون له: أتحب حتى محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانك، وأنت سليم معافى؟... فيجيبهم قائل: والله ما أحب أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمه، ويصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشوكة... فحدثا ذكرت ذلك المشهد الذي رأيته، وأنا يومئذ من المشركين، ثم تذكرت هجري نصرة خبيب يومه، أرتجف خوفا من عذاب الله ويغشاني الذي يغشاني...
وانتهت حدثات سعيد المبللة بدموعه الطاهرة...عندها نطق عمر: الحمد لله الذي لم يخيب ظني به...وعانق سعيدا.(4)
وفي العام العشرين من الهجرة ٬ لقي سعيد ربه أنقى ماقد يكون صفحة ٬ وأتقى ماقد يكون قلبا ٬ وأنضر ما يكون سيرة.
