أبوحيان التوحيدي (310 - 414 هـ / 922 - 1023 م) فيلسوف متصوف، وأديب بارع، من أعلام القرن الرابع الهجري، عاش أكثر أيامه في بغداد وإليها ينسب. وقد امتاز أبوحيان بسعة الثقافة وحدة الذكاء وجمال الأسلوب، كما امتازت مؤلفاته بتنوع المادة، وغزارة المحتوى؛ فضلا عما تضمنته من نوادر وإشارات تكشف بجلاء عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والسياسية للحقبة التي عاشها، وهي -بعد ذلك- مشحونة بآراء المؤلف حول رجال عصره من سياسيين ومفكرين وكتاب.

اسمه وكنيته

هوعلي بن محمد بن العباس التوحيدي البغدادي، كنيته "أبوحيان", وهي كنية غلبت على اسمه فاشتهر بها.

مولده ووفاته

كانت ولادة أبي حيان في بغداد سنة 310 هجرية؛ أما وفاته فكانت في شيراز سنة 414 هجرية وفي هذين التاريخين خلاف؛ والمقطوع به أنه كان حيا سنة 400 هجرية حسب ما تفيد بذلك بعض رسائله.

ومما يروى عن بعض أصحاب أبي حيان أنه لما حضرته الوفاة كان بين يديه جماعة من الناس فنطق بعضهم لبعض: (اذكروا الله فإن هذا مقام خوف وكل يسعى لهذه الساعة) ثم جعلوا يذكرونه ويعظونه، فحمل أبوحيان رأسه إليهم ونطق: (كأني أقدم على جندي أوشرطي !!! إنما أقدم على رب غفور) ومات من ساعته.

أصله ونسبته

اصله عربي وهومن اهل بغداد واليها ينسب .

اختلف في نسبته إلى التوحيد:

• قيل سببها حتى أباه كان يبيع نوعا من التمر العراقي ببغداد يطلق عليه "التوحيد""
• وقيل: يحتمل حتىقد يكون نسبة إلى التوحيد الذي هوجوهر دين الإسلام؛ لأنه معتزلي والمعتزلة يلقبون أنفسهم بـأهل العدل والتوحيد وممن مال إلى هذا الرأي ابن حجر العسقلاني نقله عنه جلال الدين السيوطي، ونطق ابن خلكان في وفيات الأعيان (كتاب) بأنه لم يقف على هذه النسبة (يعني إلى التوحيد) في شيء من خط الأنساب العربية.

نشأته وسماته

في عائلة من عائلات بغداد الفقيرة؛ نشأ أبوحيان يتيما, يعاني شظف العيش ومرارة الحرمان؛ لا سيما بعد رحيل والده, وانتنطقه إلى كفالة عمه الذي كان يكره هذا الطفل البائس ويقسوعليه كثيرا.

وحين شب أبوحيان عن الطوق، امتهن حرفة الوراقة، ورغم أنها أتاحت لهذا الوراق الشاب التزود بكم هائل من الفهم جعل منه مثقفا موسوعيا إلا أنها لم ترضِ طموحه ولم تلّبِ حاجاته، مما جعله يتجه إلى وجهة أخرى، فاتصل بكبار متنفذي عصره من أمثال ابن العميد والصاحب بن عباد والوزير المهلبي غير أنه كان يعود في جميع مرة صفر اليدين، خائب الآمال، ناقما على عصره ومجتمعه.

هذه الإحباطات الدائمة، والإخفاقات المتواصلة؛ انتهت بهذا العبقري إلى غاية اليأس فأحرق خطه بعد حتى تجاوز التسعين من العمر، وقبل ذلك فّر من لقاءة ظروفه الصعبة إلى أحضان التصوف عساه يجد هنالك بعض العزاء فينعم بالسكينة والهدوء.

ولعل السر في ما لاقاه أبوحيان في حياته من عناء وإهمال وفشل يعود إلى طباعه وسماته؛ حيث كان مع ذكائه وفهمه وفصاحته، واسع الطموح، شديد الاعتداد بالنفس، سوداوي المزاج ... إلى غير ذلك من صفات وضعت في طريقه المتاعب وحالت دون وصوله إلى ما يريد.

مصادره الفهمية

شكل عمل أبي حيان التوحيدي بالوراقة وقتاً كبيرا من حياته في نسخ الخط وبيعها رافدا أساسيا من روافده المعهدية؛ فقد جعلته القراءة المستمرة لما ينسخ بحكم حرفته على اتصال دائم بثقافة عصره، وعلى وعي كبير أيضا بنتاجات العصور السابقة في مجالات الفكر والفهم والأدب، على حتى أبا حيان كثيرا ما تذمر من هذه المهنة في خطه.

شيوخه

من بين من تتلمذ على يدهم التوحيدي:

1. أبوسعيد السيرافي: أخذ عنه النحووالـتصوف
2. أبوزكريا يحيا بن عدي المنطقي: أخذ عنه الفلسفة
3. علي بن عيسى الرماني: أخذ عنه فهم اللغة وفهم الكلام
4. أبوحامد المروزي.

ونقل شمس الدين المضىي عن ابن النجار قوله:

(سمع -يعني أبا حيان- جعفرا الخلدي، وأبابكر الشافعي، وأبا سعيد السيرافي، والقاضي أحمد بن بشر العامري).

وغيرهم الكثير، فقد كان ملازما لمجالس الفكر والأدب والفلسفة وسواه، حريصا على الاتصال بأدباء عصره وفهمائه ومثقفيه.

تلاميذه

نقل المضىي في سيره عن ابن النجار قوله: (روى عنه: علي بن يوسف الفامي، ومحمد بن منصور بن جيكان، وعبد الكريم بن محمد الداوودي، ونصر بن عبد العزيز الفارسي، ومحمد بن إبراهيم بن فارس الشيرازيون ). ثم عّقب المضىي بقوله: (قلت: قد سمع منه أبوسعد عبد الرحمن بن ممجة الاصبهاني، وذلك في سنة أربع مئة، وهوآخر العهد به).

مؤلفاته

هجر أبوحيان التوحيدي خلفه إرثا نفيسا تزهوبه المخطة العربية في مجالات متعددة منها الأدب والأخبار والفلسفة والتصوف واللغويات إلخ...

• كتاب الإمتاع والمؤانسة (كتاب) يعد من الخط القيمة الجامعة وإن غلب عليه الطابع الأدبي. وهذا الكتاب هوثمرة لمسامرات سبع وثلاثين ليلة نادم فيها الوزير أبا عبد الله العارض.

وبالإضافة إلى قيمة الكتاب الأدبية، هوأيضا يتفرد بنوادر لم يوردها غيره كما يكشف وعلى امتداد ثلاثة أجزاء ضخمة عن بعض جوانب الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية لتلك الأيام.

• كتاب البصائر والذخائر (كتاب)يعد موسوعة اختيارات ضخمة؛ حيث تقع في عشرة أجزاء، انتخبها أبوحيان من روائع ما حفظ وسمع وقرأ.

وقد بلغ تعداد اختيارات الكتاب سبعة آلاف وتسعا وسبعين اختيارا حسب النسخة المطبوعة منه بتحقيق الدكتورة وداد القاضي وهي تسعة أجزاء فقط. والكتاب لا يقتصر على الاختيارات ولا تكمن قيمته فيها فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى قيمة ما أضافه التوحيدي إلى تلك الاختيارات من آراء وتعليقات حملت الكثير وكشفت عن الكثير..

• كتاب الصداقة والصديق (كتاب) مؤلف آخر يكشف عن موسوعية أبي حيان وتبحره، وهوكتاب لا غنى لمحب الأدب عن مطالعته. ومما نطقه أبوحيان في الكتاب متحدثا عن نفسه: (فلقد فقدت جميع مؤنس وصاحب، ومرافق ومشفق، ووالله لربما صليت في الجامع، فلا أرى جنبي من يصلي معي، فإن اتفق فبنطق أوعصار، أونداف أوقصاب، ومن إذا وقف إلى جانبي أسدرني بصنانه، وأسكرني بنتنه، فقد أمسيت غريب الحال، غريب اللفظ، غريب النحلة، غريب الخلق، مستأنساً بالوحشة، قانعاً بالوحدة، معتاداً للصمت، ملازماً للحيرة، محتملاً للأذى، يائساً من جميع من ترى).
• كتاب أخلاق الوزيرين (كتاب) أوكما يسمى مثالب الوزيرين (كتاب) كتاب نادر في موضوعه، جمع فيه أبوحيان مشاهداته ومسموعاته عن الوزيرين: ابن العميد والصاحب بن عباد وكان قد اتصل بهما فحرماه ومنعاه ولم يجد عندهما ما كان يؤمله من حظوة وصلة وإكبار.
• كتاب المقابسات (كتاب).
• كتاب الهوامل والشوامل (كتاب) وهوتعبير عن كتابين في كتاب واحد، حيث تمثل الهوامل أسئلة بعث بها التوحيدي إلى مسكويه، والشوامل هي إجابات مسكويه على أسئلة التوحيدي.
• كتاب تقريظ الجاحظ (كتاب).
• كتاب الإشارات الإلهية (كتاب).

أسلوبه

كان أبوحيان جاحظي الأسلوب في طريقته الكتابية؛ حيث أولى المعنى غاية اهتمامه، فهجر السجع وغيره من المحسنات البديعية، ومال إلى الـإطناب والـتعليل وـالتقسيم، كما مال إلى أسلوب الكتابة الساخرة وإن بدت سخرية مرة في كثير من الأحيان.

مواقف الفهماء منه

يعد أبوحيان أحد الشخصيات المثيرة للجدل حتى الآن، فما زال الناس فيه بين مادح وقادح، وتباين تلك المواقف يعود في جانب منه إلى طبيعة الرجل الشخصية والتي أثارت عليه حنق الكثيرين، كما يعود في جانب آخر إلى ما نسب إليه أوتبناه من آراء ومواقف.

• موقف القادحين: اتهم القادحون أبا حيان بالضلال والزندقة والإلحاد واختلاق الأخبار إلخ...

ومنهم الحافظ المضىي؛ حيث ققّدم لترجمته في مصنفه سير أعلام النبلاء (كتاب) بقوله: (الضال الملحد أبوحيان، علي بن محمد بن العباس، البغدادي الصوفي، صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية، وينطق: كان من أعيان الشافعية ... كان أبوحيان هذا كذابا قليل الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان، تعرض لامور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل، ولقد وقف سيدنا الوزير الصاحب كافي الكفاة على بعض ما كان يدغله ويخفيه من سوء الاعتقاد، فطلبه ليقتله، فهرب، والتجأ إلى أعدائه، ونفق عليهم تزخرفه وإفكه، ثم عثروا منه على قبيح دخلته وسوء عقيدته، وما يبطنه من الالحاد، ويرومه في الإسلام من الفساد، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح، ويضيفه إلى السلف الصالح من الفضائح، فطلبه الوزير المهلبي، فاستتر منه، ومات في الاستتار، وأراح الله, ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أومخزية ... ونطق أبوالفرج بن الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وأبوحيان التوحيدي، وأبوالعلاء المعري، وأشدهم على الإسلام أبوحيان، لانهما صرحا، وهومجمج ولم يصرح ... ) انتهى.

ونطق ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان (كتاب): (بقي إلى حدود الأربع مائة ببلاد فارس وكان صاحب زندقة وانحلال، نطق جعفر بن يحيى الحكاك نطق لي أبونصر السجزي إنه سمع أبا سعد الماليني يقول: قرأت الرسالة المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي على أبي حيان فنطق: هذه الرسالة عملتها رداً على الروافض؛ وسببها أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء -يعني بن العميد- فكانوا يغلون طالما علي فعملت هذه الرسالة؛ قلت: فقد اعترف بالوضع) انتهى.

• موقف المعتدلين: نطق تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (كتاب): (شيخ الصوفية وصاحب كتاب البصائر وغيره من المصنفات في فهم التصوف... وقد ذكره ابن خلكان في آخر ترجمة أبي الفصل ابن العميد فنطق: كان فاضلاً مصنفاً... وقد ذكر ابن النجار أبا حيان ونطق: له المصنفات الحسنة كالبصائر وغيرها، وكان فقيراً صابراً متديناً إلى حتى نطق: وكان سليم العقيدة نطق المضىي: كذا نطق، بل كان عدواً لله خبيثا, وهذه مبالغة عظيمة من المضىي) انهى.

ونطق ياقوت الحموي:

(أبوحيان التوحيدي ... صوفي السمت والهيئة، وكان يتأله والناس على ثقة من دينه ... شيخ اصوفية وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، ومحقق الكلام, ومتحدث المحققين، وإمام البلغاء، وعمدة لبني ساسان، سخيف اللسان، قليل الرضا عند الإساءة إليه والإحسان، الذم شانه، والثلب دكانه، وهومع ذلك فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة، وفصاحة ومكنة، كثير التحصيل للعلوم في جميع فن حفظه، واسع الدراية والرواية، وكان مع ذلك محدوداً محارفاً يشتكي صرف زمانه، ويبكي في تصانيفه على حرمانه) انتهى.

حادثة إحراقه لخطه

اتى في بغية الوعاة (كتاب) حتى أبا حيان لما انقلبت به الأيام رأى حتى خطه لم تنفعه وضن بها على من لا يعهد قدرها، فجمعها وأحرقها، فلم يسلم منها غير ما نقل قبل الإحراق. وقد أشار إلى هذه الحادثة ياقوت الحموي في معجمه، وأرد فيها رسالة طويلة من أبي حيان إلى أحد الفضلاء الذين لاموه على هذا التصرف.

مصادر ومراجع

1. ياقوت الحموي، معجم الأدباء، الجزء الخامس عشر، حرف العين.
2. الحافظ المضىي، سير أعلام النبلاء، طبعة مؤسسة الرسالة، الجزء السابع عشر.
3. تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية السبكي.
4. ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، باب الكنى.
5. عبد الرزاق محيي الدين، أبوحيان التوحيدي في سيرته وفلسفته.
6. إحسان عباس، أبوحيان التوحيدي.
7. محمد إبراهيم، أبوحيان التوحيدي.

المراجع

• Craig, Edward (1998). . Taylor & Francis. p. 271. ISBN . Retrieved 2008-07-24.

• Salah NATIJ, "La nuit inaugurale d'al-Imatâ' wa l-mu'ânasa d'Abu Hayyân al-Tawhidi,une leçon magistrale d'adab", Revue Arabica, Vol. 55, No.2, 2008.

• I. Keilani, Abú Hayyán al-Tawhidi (in French), Beirut, 1950.

المصادر

• العربية