تاريخ العراق

عودة للموسوعة

تاريخ العراق

عهدت العراق في العصر الكلاسيكي العتيق باسم بلاد الرافدين، والتي كانت موطنا لأقدم حضارات العالم، حيث يمتد تاريخها لأكثر من 10,000 عام. وبالتالي فقد كانت العراق طرفا أساسيا فيما يعهد بصراع الحضارات. وقد ارتبط نشوء الحضارة وتطورها في العراق منذ عصور ما قبل التاريخ بنهري دجلة والفرات؛ عملى ضفافيهما تأسست القرى الزراعية الأولى مثل بابل وآشور . والزراعة كانت وما تزال من أبرز الأنشطة الاقتصادية لسكان العراق. كما كان للنهرين دور عظيم في قيام حضارة العراق منذ القدم.

بلاد الرافدين القديمة

إن أقدم سكان وادي الرافدين المعروفين هم السومريون، في الجزء الجنوبي منه. ونحو3000ق.م.، وفدت شعوب سامية إلى وادي الرافدين. وهؤلاء هم الذين عهدوا في التاريخ بالأكَّاديين. لذلك، منذ 3000ق.م كان يعيش بوادي الرافدين شعبان: السومريون في الجنوب والأكّاديون في الشمال، يتحدثون لغتين مختلفتين، إحداهما سامية، وهي اللغة الأكّادية والأخرى غيرسامية، وهي اللغة السومرية. وكان السومريون مؤسسي حضارة وادي الرافدين، وأرقى حضاريًا من الأكّاديين عندما قدم إليهم هؤلاء. ولذا تأثر بهم الأكّاديون وورثوا كثيرًا من حضارتهم الراقية، وبخاصة الديانة والأدب ورموز الكتابة.


سومر

عهد العراق قيام دول ودويلات عدة، كان لبعضها شأن كبير، ابتداءً من أواخر الألف الرابع قبل الميلاد إلى القرن السادس قبل الميلاد حين سقطت بابل الكلدانية أمام الغزوالفارسي. وأهم هذه الدول والدويلات أوما ولاغش ونفَّر، وأكاد، وأور الثالثة، والممالك الأمورية في آشور وبابل وإشونة، ومملكتا ميتاني والكاشيين ذواتا الأصول الهندية الأوروبية، وأخيرًا بابل الكلدانية آرامية الأصل. واشتهرت مملكتا آشور وبابل بأنهما كانتا تظهران وتخمدان مرات عدة، وكانت المرة الأخيرة لكل واحدة منهما هي أزهاها. فكان المجد الأخير لآشور فيما عهد في تاريخها بالعصر الآشوري الحديث ما بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، كما كان المجد الأخير لبابل المعروفة بالكلدانية، بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد حيث ورثت مُلْك آشور.

إلى غير ذلك نشأت في العراق حضارات ومدنيات قديمة ترجع إلى ما قبل الألف الثالث قبل الميلاد، وتعاقبت على أرضه عدة إمبراطوريات، أدت دورًا مهمًا في عصور التاريخ، نظرًا لمسقطه الجغرافي المتوسط بين الشرق والغرب، ولوفرة الأراضي الخصبة وغزارة المياه، وكذلك لوجود المعادن المهمة في أراضيه. ومن أبرز هذه الإمبراطوريات السومرية والأكّادية والبابلية والآشورية والكلدانية.

كان العراق بحق مهدًا لحضارة عريقة، ففيه بدأت إحدى أقدم محاولات الإنسان في الزراعة وتدجين الحيوان في حدود الألف السابع قبل الميلاد، ونشأت المدن والمراكز الحضارية على شواطيء النهرين العظيمين دجلة والفرات وفيه كانت إحدى أقدم محاولات الإنسان في الكتابة والتدوين الرقمي، كما ازدهرت فيه نتيجة لذلك التربية والتعليم، والقوانين وتدوين الطب والكيمياء والرياضيات والفلك والفن والأدب والتجارة والصناعة وغيرها. وغدت تلك المحاولات المبكرة الأساس المتين الذي قامت عليه الحضارة العراقية القديمة فيما بعد.


بابل وآشور

اصطلح المنقبون الغربيون مطلع القرن 18 على الارض التي قامت عليها حضارة بلاد بابل والجزء الشمالي الشرقي من حضارة الاشوريين ببلاد مابين النهرين اووادي الرافدين Mesopotamia حيث ظهرت اول كتابة في التاريخ في مدينة اور في الناصرية جنوب العراق حاليا والتي ولد فيها النبي ابراهيم(ع) حيث ظهرفيها الكتابة الصورية. وحضارة بابل هي مزيج من الاقوام الاكدية المتحدرة من اليمن والجزيرة العربية من سلالة سام ابن نوح (ع) والسومريون وهم من بقايا الاقوام المحلية التي سكنت هضبة بادية الشام .شارك الاكديون والسومريون في بناء تلك الحضارة في 2350 قبل الميلاد وطوروا النظام اللغوي الصوري إلى شكل الكتابة الرمزية المسمى بالخط المسماري، وهم اول من اسس النظام التعليمي المركزي المعروف بنظام المدارس وسنوا القوانين والتشريعات وكانت اشهرها مسلة حمرابي في زمن حمرابي كما طوروا هندسة الري والزراعة وصناعة الأدوات المتنوعة والتجارة الداخلية والخارجية، وأسسوا الكثير من المدن مثل الوركاء واريدوواشنونا اضافة إلى العاصمة بابل التي سميت البلاد باسمها . وقد امتد تأثير الحضارة البابلية إلى العيلاميين في إيران، وبلاد الأناضول.


الإمبراطورية الأكادية الثانية

في عهد الحضارة أكادية أسس القائد الأكادي سرجون الأول الدولة الأكادية على أنقاض مملكة سومر، ويرجع أصل الأكاديين إلى العرب المهاجرين من شبه الجزيرة العربية. وامتدت دولة الأكاديين لتضم جميع منطقة الهلال الخصيب تقريبا وبلاد العيلاميين وبعض الأناضول. وتقبل الأشوريون الحضارة الأكادية لقربها منهم . وقد اشتهر الأكاديون بصناعة البرونز. وفي سنة 2200 قبل الميلاد سقطت الدولة الأكادية إثر غارات الغوتيين والقبائل الجبلية الأخرى.


من 1894 إلى 1594 ق.م، دولة البابليين الأولى استمر التوافد إلى بلاد ما بين النهرين بعد سقوط الدولة الأكدية السومرية المشهجرة وأنشؤت الكثير من الدويلات مثل دولة آشور وإيسن ولارسا، وبابل التي استقلوا بها. وتمكن الأشوريون في بابل من السيطرة على تام منطقة ما بين النهرين، واشتهر منهم الملك حمورابي صاحب شريعة حمورابي الشهيرة. وسقطت الدولة البابلية الأولى على أيدي الكاشيين سنة 1594 قبل الميلاد

تأسيس الحكم الكاشي

بعد حتى وحد ملوك الكاشيين جنوب بلاد ما بين النهرين أسسوا دولتهم متأثرين بشريعة حمورابي إلى حتى انتهت دولتهم على أيدي الأشوريين سنة 1153 قبل الميلاد.


الدولة الأشورية

وترجع أصول الآشوريين إلى القبائل التي استقرت في منطقة نهر دجلة في الألف الرابعة قبل الميلاد، وأسست تلك القبائل مدينة آشور، واستطاع سكان المدينة حتى يطوروا بعض الصناعات، وارتبطوا بالتجارة الخارجية مع المناطق المجاورة، إضافة إلى تمرسهم في الزراعة والري. وقد تعرضت الدولة الآشورية لغزوالحيثيين الذين قدموا من عاصمتهم أتكانا والأكاديين، وسقطت تحت سيطرة ملوك أور، ثم حكمها البابليون، وبعد سقوط الدولة البابلية الأولى تعرضت آشور إلى غزوات الكاشيين مما دفعهم إلى بناء جيش نظامي قوي، وفي القرن الثاني عشر قبل الميلاد كان العراق مقسما بين الآشوريين في الشمال والكاشيين في الجنوب. ثم تعرضت الدولة الآشورية إلى اضطرابات داخلية وغزوخارجي وسقطت على يد البابليين بقيادة نبوبولاسر الميديني سنة 612 قبل الميلاد.

الإمبراطورية البابلية الثانية

خلف نبوبولاسر على حكم الدولة البابلية الثانية ابنه نبوخذ نصر الثاني (بختنصر) الذي دام حكمه من 605 إلى 562 قبل الميلاد. وقد قام نبوخذ نصر بإجلاء اليهود من فلسطين في السبي الأول سنة 597 ق.م، وفي السبي الثاني الذي قاده بنفسه سنة 586 ق.م. وخلف نبوخذ نصر بعد وفاته ملوك ضعفاء إلى حتى قضى كورش الإخميني الفارسي على الدولة البابلية الثانية سنة 539 ق.م.

العصر الكلاسيكي العتيق

حكم الأخمانيين والسلوقيين

احتل الفرس الميديون (من ميديا) في زمن ملكهم قورش العراق في القرن السادس قبل الميلاد في فترة ضعف بابل الكلدانية. وعُرف ملكهم بملك الأخمينيين. ونشر الفرس نظام الإقطاع ووزع ملكهم الأراضي على جنوده. ونجح الفرس في تحقيق أرباح كثيرة من الزراعة ونشطت التجارة وتراكمت الأموال الهائلة لدى الملك الفارسي.

انتهى احتلال الفرس ليحل محله احتلال الإسكندر المقدوني ملك الإغريق الذي هزم داريوس الثالث في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد. ولما توفي الإسكندر، واقتسم قواده ملكه، كان العراق مع بلاد الشام من نصيب سلوقس، وعهدت هذه الفترة بالسلوقية. ثم اتى الغزوالفارسي الجديد بقيام الفرس الفرثيين (البارثيين) وسيادتهم على المنطقة. وأعقب هؤلاء ملوك ساسان الذين شغلوا بحروبهم المعروفة مع البيزنطيين، والتي استمرت حتى ظهور الإسلام.


شهدت بلاد الرافدين تحت حكم السلوقيين والتي ترجع أصولهم إلى مقدونيا، الكثير من الحروب انتهت بسقوط الدولة السلوقية على يد البارثينيين Parthians سنة 141 ق.م.


البارثانيون والرومان

تعود أصول البارثانيون إلى إيران، واستقرت بلاد ما بين النهرين في عهدهم. واستمرت دولة البارثينيين حتى تم اسقاطها على يد الساسانيين سنة 224م.

خلال فترة الصراع الساساني البيزنطي ظهرت دولة الحيرة، وهي إحدى الممالك العربية في مناطق الفرات الوسطى والجنوبية، وقد حكم الحيرة 25 ملكًا. كان من أشهر ملوكهم النعمان بن المنذر (400-418م) والمنذر بن ماء السماء الذي رفض المزدكية وعاصر كسرى أنوشروان الساساني، ثم الملك عمروبن هند عام 554-569م، الذي اغتال وخلفه النعمان بن المنذر (580-602م) آخر ملوك الحيرة. وكان عهده مميزًا بجومن السلام ساد علاقة الحيرة في العراق بالغساسنة في بلاد الشام.

وانتهى حكم النعمان بمقتله الذي كان له صدى في أوساط أهل الجزيرة العربية، وأدى إلى تكتلهم ضد الفرس وهزيمتهم لهم في زمن بعثة النبي ³. وقد افتخر العرب بهذا النصر.


ساسانيون

عين الساسانيون ملكا عربيا من أسرة اللخميين من قبيلة تنوخ لينوب عنهم في إدارة العراق، وفي سنة 602 عين الساسانيون حاكما فارسيا استمر في حكم العراق حتى انهزم الفرس على أيدي المسلمين في معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص سنة 637م/ 14هـ، وسقطت المدائن بعد شهرين من معركة القادسية.

الفتح العربي

The Age of the Caliphs ██ Prophet Mohammad, 622-632 ██ Patriarchal Caliphate, 632-661 ██ Umayyad Caliphate, 661-750
This earthenware dish was made in 9th century Iraq. It is housed in the Smithsonian Institution in واشنطن دي سي

ظهر الإسلام والعرب متفرقون ومتفككون سياسيًا واجتماعيًا، وأجزاء كبيرة من أرضهم تحت الاحتلال؛ فقد بسط البيزنطيون نفوذهم على بلاد الشام ومصر والمغرب، بينما بسط الفرس نفوذهم على العراق واليمن، وتمتعوا بنفوذ سياسي واقتصادي في الخليج العربي.

استطاع النبي محمد حتى يقيم مجتمعًا إسلاميًا متكاملاً، وأن يحوله إلى قوة عسكرية تدافع عن مركز الإسلام في المدينة المنورة وتسعى لنشر الدين الجديد. وقد تمكن عملاً من تحقيق هدفه في توحيد الجزيرة في حدثة واحدة، وسار على نهجه الخلفاء الراشدون في تثبيت سلطة الدولة والمحافظة على وحدتها، وخاصة بعد حتى قضى أبوبكر على المرتدين وحافظ على الدولة الإسلامية، فقرر مواصلة الجهاد بدءًا ببلاد الشام. وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب حقق المسلمون فوزهم على البيزنطيين الروم، وقرر الخليفة عمر كذلك إرسال الصحابي سعد بن أبي وقاص إلى العراق ضد الفرس، فانتصر عليهم في مسقطة القادسية الشهيرة يؤازره المُثَنَّى بن حارثة الشيباني. وكان ذلك يومستة محرم 15هـ، 19 فبراير 636م. إلى غير ذلك أنهت معركة القادسية السيادة الفارسية في العراق. كما تابع المسلمون ملاحقة الفرس في بلادهم فدخلوا المدائن ونهاوند بعد معركة فاصلة، هزم فيها الفرس.


الخلفاء الراشدون

بعد حتى أتمت الدولة الإسلامية فتح العراق، أصبح جزءًا من الدولة الإسلامية التي تعلوفيها حدثة الله، ويسود فيها الإسلام عقيدة ومنهجًا وشريعة. ويتساوى فيها أفراد الأمة في الحقوق والواجبات، ويعملون جميعًا وفق منهج القرآن والسنَّة النبوية من أجل قوة هذه الدولة ومنعتها.

كان الخلفاء الراشدون الثلاثة الأوائل يقيمون في المدينة، حيث نشأت دولة الإسلام، وحيث يقيم الصحابة الأولون الذين رافقوا الرسول ³ وجاهدوا معه في بناء الدولة وتثبيت نادىئمها وتفهُّم الإسلام، وظل هؤلاء الخلفاء يقيمون في المدينة ما عدا الإمام علي كرم الله وجهه، الخليفة الرابع الذي أقام معظم أيام خلافته في الكوفة، فكان يشرف خلال ذلك على شؤون العراق مباشرة، ولما انتقلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان أصبح مركزها دمشق، في بلاد الشام، وانحصرت الخلافة في الأسرة الأموية، وأصبح الخليفة يختار ولي عهده ثم يدعوالناس لمبايعته، بينما كانت مبايعة الخلفاء الراشدين تتم في المدينة.

وقد شيد عمر بن الخطاب مدينتي البصرة والكوفة، واستمرت العراق تدار من قبل الولاة الذين يعينون من قبل الخلفاء في المدينة حتى قبيل مقتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، إذ كان على ولاية الموصل في سنة 656م/ 36هـ واليان، أحدهما من قبل علي وهوالأشتر مالك بن الحارث النخعي، وثانيهما من قبل معاوية وهوالضحاك بن قيس.

منذ ضم العراق إلى الدولة الإسلامية كان يعين فيه واليان: أحدهما على الكوفة، والثاني على البصرة. ويسمى جميع منهما أميرًا وكان جميع أمير مسؤولاً عن إدارة المناطق التابعة له، كما أنه كان مسؤولاً عن الأمن والاستقرار في ولايته، وعن جباية الخراج وحل المشكلات. وقد اعتمد الأمراء في تعزيز سلطاتهم على قوات من الحرس أوالشرطة كانت لها تنظيمات خاصة، وتتبع الأمير وتعمل على تطبيق أوامره. ولما كان معظم السكان في الأمصار عربًا من الجزيرة، فقد احتفظوا بتجمعاتهم القبلية، وعُـيّن لكل قبيلة عريف مسؤول عن الأمن والنظام.

كان في جميع من البصرة والكوفة قاض من العرب يعينه الأمير لينظر في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية الخاصة بالزواج والطلاق والميراث، وكذلك ما يتعلق بمعاملات البيع والشراء والتجارة وغيرها. أما القضايا المتعلقة بالأمن والجنايات فكان ينظر فيها الأمير أوصاحب الشرطة. كما عين المحتسب للإشراف على معاملات السوق والأوزان والمكاييل. وقسمت الكوفة إلى أربعة أقسام كبيرة والبصرة إلى خمسة، جميع قسم يضم عدة عشائر ولكل عشيرة رئيس يتم اختياره من ذوي المكانة الرفيعة عند العشائر، ويقر الخليفة اختياره، ولهؤلاء الرؤساء سلطة كبيرة مستمدة من مراكزهم الشخصية والاجتماعية ومن الواجبات الملقاة على عاتقهم؛ فكانوا ينظرون في شؤون عشائرهم، ويمثلون هذه العشائر ومصالحها أمام الأمير، ويقودون مقاتلي قبائلهم في الحروب.

تقرر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب إنشاء ديوان في جميع من الكوفة والبصرة لحفظ السجلات الخاصة بالدولة وينقسم الديوان إلى قسمين هما: ديوان الخراج وديوان الجند. أما الأول فيضم السجلات المتعلقة بالجبايات والخراج، وأما الثاني فيضم سجلات الجند وأسماءهم وعائلاتهم ومقدار عطائهم. ويشرف على جميع ديوان رئيس له صلاحيات واسعة في إدارته وتطبيق القرارات.

عمل المسلمون على إنعاش المدن ونموها وذلك عن طريق تيسير نقل السلع ونشاط التجارة بين مختلف مراكز الدولة، وكذلك تأمين حرية الأفراد في التنقل والعمل. كما تطلبت الأوضاع الجديدة للدولة بأنقد يكون العراق قاعدة للفتوح الإسلامية في المشرق، فاتخذت الدولة مراكز جديدة تقيم فيها حاميات عسكرية لحماية حدود الدولة واستتباب الأمن. ومن هذه المراكز الكوفة والبصرة وواسط، وقد تطورت وأصبحت مراكز حضارية ومواطن لحياة مدنية نشيطة. وبذلك حلت هذه المراكز محل المدائن والأنبار.


الحركة الفكرية وموقف الإسلام من الفهم

عمل الإسلام بالنص القرآني والسنة على تنقية الحياة الفكرية العربية من عوامل التخلف والخرافة، وأخذ يدعوإلى استخدام العقل والحواس للتأمل في مظاهر الكون والحياة، كما حثهم على التفهم المنظم والقراءة.

وقد نشطت الحركة الفكرية في البصرة والكوفة، فقد هبط عدد كبير من الصحابة، من أبرزهم عبد الله بن مسعود وعلقمة والأسود والحارث بن قيس وسعيد بن جبير وغيرهم في الكوفة. أما البصرة فقد ضمت أبا موسى الأشعري وأنس بن مالك والحسن البصري. وقد برز أهل العراق في اللغة والنحو، وظهر فيه ممضىا الكوفة والبصرة في النحو. وقد اتسم النشاط الفكري في العراق بطابع الإعلاء من شأن العقل والرأي، ولذا فقد عهدت المدرسة الفقهية التي ظهرت في العراق باسم مدرسة الرأي.

وأهم العلوم التي نالها الاهتمام: تفسير القرآن الكريم والسيرة النبوية والنحو. وكان من أبرز فهماء النحوواللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي والكسائي والأخفش وسيبويه الذي كان كتابه في النحومثالاً يحتذى في التأليف.


الأمويون والعباسيون

تحولت العراق إلى حكم الأمويين وصار ولاتها يعينون من دمشق عاصمة الدولة الأموية، وشهد العراق إبان الحكم الأموي الكثير من الحروب بين مؤيدي أبناء علي بن أبي طالب وبين الدولة الأموية، واستمرت العراق تدين للأمويين إلى حتى قامت الدولة العباسية عام 750م/132هـ.

بقيام الخلافة العباسية انتقلت إدارة الدولة الإسلامية للعراق بعد حتى كانت في دمشق، وتألقت بغداد التي بناها العباسيون لتصبح عاصمة الفهم والترجمة عن مختلف الحضارات السابقة التي كانت تتم في بيت الحكمة الذي أسسه المأمون سنة 830م. وبرزت في الدولة العباسية الكثير من الأسر التي يرجع أصلها إما إلى العرب مثل بني المهلب ، أوإلى الفرس مثل البرامكة، والسلاجقة الذين حكموا باسم السلطان ما بين 1055 - 1152م، وتعرضت العراق في عهد العباسيين إلى الكثير من الثورات والحروب الداخلية إلى حتى سقطت على يد القائد المغولي هولاكوخان سنة 1258م/656هـ.

أدرك الخلفاء منذ أيام عمر بن الخطاب مكانة العراق المتميزة وأحواله الخاصة؛ فكانوا يختارون لولايته أقدر الرجال، وأنادىهم لشؤون أهله. كما بذل الأمويون جهودًا كبيرة لتأمين سيطرتهم على العراق، ولكنهم لم يفلحوا في كسب ود الناس. وكثر المعارضون للحكم الأموي واتخذوا من العراق قاعدة للمعارضة التي نادت بجعل الخلافة في آل البيت، ونجحت المعارضة في النهاية في الثورة على الأمويين بقيادة أبي مسلم الخراساني الذي كان يعمل لصالح العباسيين وانتهت الثورة بفوز العباسيين، على الأمويين، وبذلك انتقل الحكم إلى البيت العباسي، الذي اتخذ من بغداد عاصمة للدولة العباسية في زمن أبي جعفر المنصور. واستقر الحكم العباسي في أسرة واحدة لمدة تزيد على خمسة قرون.

ومهما يكن من أمر فإن الأمويين قد قاموا بتوسيع الدولة الإسلامية العربية حتى وصلت حدودها إلى الصين شرقًا وفرنسا غربًا، بينما ازدهرت الحياة الفهمية والفكرية والحضارة الإسلامية في عهد الدولة العباسية.

فقد حرص العباسيون، الذين ينحدرون من سلالة العباس عم الرسول ³، على العناية بالأمور الدينية، فاهتموا بخطبة الجمعة والقيام على الحج، وعنوا بالجوامع وتوسيعها، واهتموا بفرائض الإسلام وشعائره.

ويمكن القول بأن الدولة الإسلامية، وعاصمتها بغداد، شهدت في العصر العباسي ازدياد نموالمدن وازدهار الحياة المدنية وانتعاش الصناعة والتجارة، وارتفاع مستوى المعيشة. كما ساعد على ازدهار الحياة الاقتصادية في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، استتباب الأمن وحرية العمل والتنقل في الدولة. وقد شهدت البلاد حركة فكرية واسعة فظهر عدد كبير من الفهماء والمفكرين الذين عنوا بعلوم الدين، والآداب والمعارف والعلوم الدنيوية في مختلف فروعها ونشطت حركة العمران والتأليف. لكنه في الوقت نفسه ظهرت بعض الأفكار والمعتقدات الغريـبة على الإسلام كالخرمية والشعوبية والزندقة والمانوية والمزدكية.

المغول والصفويون

دخل المغول بغداد في فبراير 1258 بعد حتى استسلم الخليفة العباسي المستعصم الذي لقي حتفه بعد خمسة أيام من دخول المغول. وتعرضت بغداد للهدم والسلب وأهلها للقتل. وقسم المغول العراق إلى منطقتين جنوبية وعاصمتهابغداد وشمالية وعاصمتها الموصل، ويدير المنطقتين حاكمان مغوليان ومساعدان من الهجرمان أوالأهالي الموالين. وفي الفترة ما بين 1393 - 1401م هجم المغول التيموريون بقيادة تيمورلنك على العراق ونهب بغداد التي كانت عاصمة له ثم سلم أمرها إلى المجموعات الهجرمانية التي عاشت متصارعة إلى حتى سيطرت الأسرة الصفوية (من الهجرمان) على منطقيد الأمور في العراق سنة 1508، واستمروا يحكمون بغداد حتى أخرجهم العثمانيون الأتراك سنة 1534.


دخل المغول بغداد فيخمسة صفر 656 هـ، 1258م بعد مقاومة عنيفة، وفتكوا بأهلها سبعة أيام أوتزيد، وتم تخريب المدينة وحرقها وقتل سكانها؛ وبذلك انتهى الحكم العباسي واستطاع أحد أفراد الأسرة العباسية النجاة وهوأبوالقاسم أحمد بن الظاهر بأمر الله الذي أعربه سلطان مصر الظاهر بيبرس سنة 659هـ، 1260م خليفة باسم المستنصر بالله، ولم يكن له من السلطة إلا الاسم.

أُلغيت الدواوين وبقي ديوان الوزير وديوان الزمام ثم أدمج الديوانان في ديوان واحد صار رئيسه صاحب الديوان، وهوالحاكم الأعلى في العراق، وهوالذي يعين كبار الموظفين وغيرهم. وإلى جانب صاحب الديوان، هناك محرر السلة، وهومسؤول عن كتاب الولاية وبيده أسرارها. وهناك قاضي القضاة. وأهم الوظائف العسكرية الشحنة (القائد العسكري الأعلى) ومهمته المحافظة على الأمن والقضاء على الثورات وكذلك وظيفة نائب الشرطة. أما إدارة الدولة فهي لا مركزية.

عانى الشعب من وطأة الضرائب تحت حكم المغول، مما أدى إلى تدهور أحوال البلاد اقتصاديًا وازدياد الخراب في بعض المدن. ولم يضف المغول شيئًا جديدًا إلى ما كان عليه أسلافهم من النظم الإدارية والحضارية والاقتصادية. قامت الحروب بين الفرق المغولية الجلادية، مما أدى إلى تعرض البلاد لغزوات القره قوينلو، والأق قوينلومما جعل الصفويين يهاجمون العراق.


الصفويون في العراق. احتل الشاه إسماعيل الصفوي بغداد عام 914هـ، 1508م واتبع سياسة تفريق صفوف الأمة الواحدة، وباضطهاد السكان وتخريب مزارعهم. غير حتى العثمانيين لم يمكنوهم من البقاء. فقد هزم السلطان العثماني سليم الأول الصفويين في مسقطة جالديران عام 920هـ، 1514م. وقد أدى فوز العثمانيين على الصفويين إلى أعطى النفوذ العثماني إلى شمال العراق في الجزيرة والموصل وأربيل وكركوك. وقد زعزع فوز العثمانيين النفوذ الإيراني الفارسي في المنطقة.


الحكم المملوكي والعثماني


استولى العثمانيون على بغداد في 24جمادى الثانية 941هـ،31 ديسمبر 1534م في عهد السلطان سليمان القانوني، الذي هزم الصفويين. وبذلك سيطر العثمانيون على أبرز الطرق التجارية الرئيسية التي تربط الشرق الأقصى بأوروبا. وترتبت على ذلك مسؤوليات دفاعية ضد البرتغاليين في منطقة الخليج العربي. فأمر السلطان بإعداد الأسطول العثماني لمنازلة البرتغاليين. وسقط السلطان سليمان صلحًا مع الشاه طهماسب الصفوي تخلى فيه السلطان سليمان عن تبريز لقاء تعهد الشاه بعدم الاعتداء.

بعد حتى سيطرت الدولة العثمانية على العراق قسمته إلى أربع ولايات: بغداد وفيها ثمانية عشر سنجقًا أولواء إضافة إلى المركز، والموصل، وفيها ستة سناجق، وشهر زور وفيها واحد وعشرون سنجقًا بما فيها القلاع، والبصرة، ولم يكن فيها سناجق لهجريبها العشائري وتجبى ضرائبها بالالتزام. وقد حدثت فيما بعد تبدلات فرعية في هذه التقسيمات. ويرأس الجهاز الحكومي الوالي وغالبًا ماقد يكون برتبة وزير. ولوالي بغداد صلاحيات أوسع مما لولاة الولايات الأخرى، فهومسؤول عن الإدارة المدنية والعسكرية ويعاونه وكيله الكتخدا. ويشرف الدفتردار على الأمور المالية. ويلي الوالي في المكانة الاجتماعية القاضي، فهومسؤول عن تطبيق العدل ويعاونه رئيس الشرطة (صوباشي) والمحتسب (احتساب أغاسي) ومهمتهما تطبيق الأوامر ومراقبة الأسواق. وبالإضافة إلى هذه المناصب هناك أغا الانكشارية قائد الحامية، و(المكتوبجي) محرر الرسائل ومهردار (حامل الأختام) و(خزنة دار) أمين الصندوق (واحتشامات أغاسي) رئيس التشريفات، و(روزنامجي) محرر الوقائع اليومية.

كانت كبرى المشكلات التي قابلت الحكم العثماني للعراق في ولايتي شهر زور والبصرة. فالأولى في منطقة الجبال على الحدود مع الدولة الصفوية، ولهذا تعرض الحكم العثماني فيها إلى الأخطار باستمرار. أما البصرة، فهي تقع في منطقة شديدة المراس، وكانت دائمًا تنازع سلطات بغداد. وقد أبدى العثمانيون مرونة مع الأسر المحلية المتنفذة التي أعربت ولاءها، خاصة وأن العثمانيين حرصوا على تثبيت نفوذهم وسلطاتهم في منطقة البصرة من أجل التحكم بشبكة الطرق التجارية وبخاصة طريق الخليج العربي، وذلك من أجل منازلة البرتغاليين والتصدي لهم في منطقة الخليج العربي.

سادت العراق حقبة من الاستقرار دامت قرابة نصف قرن، تخللها عدد من الاضطرابات في منطقة البصرة نتيجة الثورات الفكرية. وقد استوعب السلطان سليمان القانوني أهمية العراق وأن ضياعه يعني تجدد الأطماع الفارسية في الأناضول، فعمل على التمسك به، وجند في سبيل ذلك إمكانات مالية وعسكرية كبيرة تحديًا لفارس وإصرارًا على الوقوف أمام أطماعها. وأصبحت السياسة العثمانية في عهده تقوم على الحفاظ على العراق وعدم التساهل في التنازل عن أي جزء منه. فنشط ولاة العراق في تأمين النظام داخل المدن وصد اعتداءات الصفويين على الحدود. وشيد بعض الولاة عددًا من الجوامع والمدارس، ونشطت التجارة في هذه الحقبة.

ثم أخذ الوضع العام في العراق في التدهور، وبدأت الفوضى وعدم الاستقرار في الانتشار مع مطلع القرن السابع عشر الميلادي، وكثرت الحركات الانفصالية، فاستغلها الصفويون الذين احتلوا بغداد ومناطق أخرى في عام 1623م. واستعاد العثمانيون بغداد مرة أخرى سنة 1638م بعد محاولات مستمرة. وأدت هذه الحروب إلى الكثير من الخراب والدمار، وكثرة الاضطرابات وحركات التمرد.

وتكررت محاولات الصفويين للاستيلاء على البصرة وبغداد، وانتهت هذه المحاولات بتوقيع معاهدة أرضروم عام 1847م بين الدولتين تم فيها اعتراف بلاد فارس بتبعية العراق للعثمانيين.

أدى ضعف السلطة المركزية، والانحسار العملي للوجود العثماني المباشر عن أنطقيم عديدة، إلى قيام سلطات محلية قوية تمكنت من ملء الفراغ الناجم عن ذلك الانحسار، فظهرت سلطة المماليك في العراق.

وتميزت فترة حكم المماليك بتعاقب ولاة مماليك على السلطة في بغداد، وظهور دور ملحوظ للقوى الأوروبية في إسناد ترشيح أحد الأغوات المماليك لولاية بغداد ممن يجدون في تعيينه ما يحقق لهم مزيدًا من المصالح في العراق، الأمر الذي أضاف عاملاً جديدًا في إبقاء السلطة بيد المماليك وترسيخ السيطرة العثمانية غير المباشرة، فكان تعيين سليمان باشا الكبير سنة 1194هـ، 1780م بدعم جميع من المقيم البريطاني في البصرة والسفير البريطاني في إسطنبول. كما اتى تعيين خلفه علي باشا سنة 1802م بتدخل من المقيم البريطاني في بغداد، بينما وصل سليمان باشا الملقب بالصغير إلى الحكم سنة 1808م بمساندة ودعم من الفرنسيين، وكان آخر الولاة داود باشا.

وقد استطاعت الدولة العثمانية القضاء على المماليك إثر معركة سقطت بين الطرفين في رمضان 1225هـ، أكتوبر 1810م وظلت الأسر المحلية في العراق تحكم بموجب فرمانات من السلطة العثمانية كأسرة الجليلي في الموصل وأسرة البابانيين في السليمانية. وقد عينت الدولة العثمانية الوالي علي رضا باشا واليًا على بغداد وعمل على توطيد نفوذه في البلاد. وقد عملت بريطانيا على توطيد نفوذها في العراق، فأوفدت بعثات تقوم بأعمال المسح والتخطيط خلال الفترة (1830-1860م).

القرن 20

الانتداب البريطاني ومملكة العراق

يرجع اهتمام بريطانيا بالعراق والخليج العربي وتطلعها إلى السيطرة عليهما منذ القرن السابع عشر الميلادي، وذلك لمسقطهما الجغرافي وأهميتهما الاستراتيجية لوقوعهما على طريق مواصلات بريطانيا إلى الهند، درة التاج البريطاني آنذاك؛ هذا فضلاً عن أهمية العراق الاقتصادية، ووجود النفط في أرضه، وقربه من حقول النفط البريطانية في بلاد فارس (إيران).

بدأ تسرب النفوذ البريطاني إلى العراق عن طريق دخول التجار والرحالة الإنجليز إلى ربوعه منذ أواخر القرن السادس عشر الميلادي، ثم عن طريق شركة الهند الشرقية البريطانية التي أنشأت أول وكالة لها في البصرة سنة 1053هـ، 1643م، ثم أصبح لوكيل الشركة مهمة سياسية، إضافية لعمله فيها، عندما أصبح قنصلاً لدولته. وازداد نفوذ بريطانيا في العراق في أعقاب قدوم الحملة الفرنسية على مصر.

غير حتى النفوذ الإنجليزي لم يلبث حتى قابل منافسة خطرة من روسيا التي احتلت شمالي فارس (إيران)، في محاولة منها للوصول إلى الخليج العربي فالمحيط الهندي، وتحويل تجارة فارس (إيران) والهند وآسيا الوسطى لمصلحة روسيا. فلجأت بريطانيا ـ كما أشرنا ـ إلى تشكيل شركة ملاحية وهي شركة لنش للملاحة والتجارة في نَهْري دجلة والفرات، وكانت لها سفن وبواخر كثيرة، كما اتسعت أعمالها وازدادت مالاً ونفوذًا. وكانت الحكومة البريطانية تدعمها، لأن الشركة المذكورة كانت تعمل على تقوية النفوذ البريطاني في العراق حتى تفاقم وأصبح خطرًا على كيانه، ولا سيما بعد حتى أصبح الإنجليز يشرفون على الملاحة في شط العرب وعلى عملية إرشاد السفن فيه، الأمر الذي حدا بنواب العراق في (مجلس المبعوثان) العثماني النيابي سنة 1327هـ، 1909م لإثارة البحث حول وضع الشركة.

وظلت إنجلترا تعزز نفوذها السياسي في العراق سواء عن طريق التجارة أوخطوط البريد والبرق وإرسال البعثات للكشف عن آثار العراق، أوإقامة مشروعات، وتحرص على جعل هذه الأمور محصورة فيها دون غيرها من الدول، حتى قابلت المشروع الألماني الخاص بسكة حديد برلين ـ بغداد، فأوقفت المشروع ببسط نفوذها على الكويت عام 1317هـ، 1899م، وظلت بريطانيا تقاوم جميع المحاولات الدولية الرامية للسيطرة على الخليج والعراق حتى قيام الحرب العالمية الأولى.

وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، تقدمت قوة بريطانية واحتلت البصرة فيخمسة نوفمبر 1914م لتبدأ عملياتها الحربية ضد الدولة العثمانية التي دخلت الحرب إلى جانب ألمانيا، فقامت بريطانيا بإرسال حملة بحرية لتحتل العراق بالقوة وتحقيق ما كان التجار والبحارة والسياسيون والسياح والخبراء قد مهدوا له ووضعوا أسسه خلال ثلاثة قرون.

وقد تحركت الحملة الإنجليزية بقيادة الجنرال ديلامين بعد احتلال البصرة متقدمة إلى العمارة فاحتلتها في ثلاثة يونيو1915م كما احتلت الناصرية في 25 يوليومن العام نفسه بعد معارك دامية. وزعم الإنجليز أنهم اتىوا لتحرير العراق من ظلم الأتراك، وذلك من أجل كسب ود الشعب العراقي. إلى غير ذلك سيطر البريطانيون على منطقة جنوبي العراق بحيث ضمنت بريطانيا المحافظة على المصالح النفطية من جهة، والسيطرة التامة على الخليج العربي، من جهة أخرى.

تابعت القوات البريطانية زحفها في اتجاه بغداد حيث جرت معركة بين الإنجليز والأتراك في الكوت عام 1916م، وتمت هزيمة الإنجليز هزيمة ساحقة حيث تكبدوا خسائر فادحة، غير حتى الإنجليز لم يتنازلوا عن احتلال بغداد، فجهزوا حملة بقيادة الجنرال مود تمكنت من هزيمة القوات الهجرية العثمانية، واحتلت بغداد في 11 مارس 1917م بعد انسحاب القوات الهجرية منها. وتابع الجيش البريطاني زحفه على الجبهات الأخرى بقيادة الجنرال مارشال الذي خلف مود، فاحتل سامراء ثم الرمادي وأخيرًا احتل الموصل فيسبعة نوفمبر 1918م واكتمل احتلال بقية العراق. وادّعى الإنجليز بعد احتلال بغداد أنهم دخلوها محررين وليسوا أعداء منتصرين.

كان الاحتلال البريطاني تطبيقًا لجزء من اتفاقية سايكس ـ بيكوالتي اقتسم بها الإنجليز والفرنسيون مناطق النفوذ والسيطرة الاستعمارية في الشام والعراق، ولكن العراقيين كانوا يأملون تحقيق الاستقلال نظرًا لوعود بريطانيا للشريف حسين من جهة خاصة بعد نجاح الثورة العربية ضد الأتراك العثمانيين، وكذلك وعود بريطانيا لهم بالاستقلال والحرية من جهة أخرى، مما دفعهم لعدم مساعدة الأتراك خلال الحرب.

وكان السير بيرسي كوكس المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي رئيسًا لإدارة الاحتلال، وقد أصبح فيما بعد المندوب السامي المسؤول عن الإدارة المدنية، فوضع أنظمة وقوانين مستمدة من الهند، وفرض الضرائب.

فوجئ العراقيون في نهاية الحرب العالمية الأولى بإنشاء إدارة استعمارية في العراق على نمط الإدارة في الهند، ووعد الإنجليز بتنظيم الإدارة في العراق على شكل يؤمن مطالب الجيش المحتل من جهة، ويحقق السلام العام للأهالي ويوفر نوعًا من الرخاء الاقتصادي، والنشاط التجاري في البلاد، من جهة أخرى.

إلا أنهم لم يفوا بوعودهم بل عمدوا إلى تأمين مقتضيات الاحتلال ومتطلباته قبل جميع شيء، والعمل على "تهنيد" العراق وخاصة القسم الجنوبي منه، وذلك بإشاعة النظم والقوانين والمبادئ الإدارية الهندية تمهيدًا لضم جنوب العراق إلى الهند، كما اهتموا بكسب ودّ العشائر لخدمة المصالح البريطانية، فزودوها بالمال والسلاح ومنحوها إقطاعات كبيرة من الأرض. كما عامل الإنجليز الأهالي معاملة العدوالمغلوب، واستولوا على جميع الوظائف في الدولة، وجنّدوا الفلاحين لعمل السُخْرة، وحظروا تجارة المواد الغذائية إلا بعد تأمين حاجة الجيش، ونفوا زعماء العشائر والضباط العرب الذين اشهجروا في الثورة العربية الكبرى إلى الهند وسيلان ومصر. هذا فضلاً عن فرض الضرائب الباهظة التي أثقلت كاهل الشعب العراقي، وذلك لتغطية نفقات الجيش البريطاني في العراق.

وتحوّل شعور الشعب العراقي من الدهشة والاستغراب والمفاجأة من هذه الأعمال إلى نقمة ثورية وحين سمع العراقيون بإقامة حكومة عربية في دمشق، وبالمبادئ الأربعة عشر للرئيس الأمريكي ولسون، وبخاصة مبدأ حق تقرير المصير للشعوب، بادروا إلى تكوين جمعيات تطالب بالاستقلال، مثل حرس الاستقلال وجمعية العهد، اللتين تأسستا عام 1919م. وأوفد بعض الضباط العراقيون مذكرة إلى الحكومة البريطانية تطلب إقامة حكومة وطنية في العراق. ولكن الرد البريطاني كان مخيبًا للآمال، كما حتى مقررات مؤتمر سان ريموعام 1920م أوضحت نوايا الحلفاء الاستعمارية والتي تقرر بموجبها فرض الانتداب البريطاني على العراق. الأمر الذي أثار استياء الشعب العراقي وغضبه مما دفعه للكفاح من أجل التخلص من الاحتلال ونيل الاستقلال.

ثورة 1920

هب الشعب العراقي بكافة فئاته وشرائحه الاجتماعية، فقام بثورة عام 1920م (ثورة العشرين)، ضمت معظم المدن العراقية لمقاومة النفوذ البريطاني، وذلك بسبب سوء معاملة الإنجليز للعراقيين، وانتشار الروح الوطنية والوعي القومي بينهم. وكان السبب المباشر لاندلاع الثورة هوقيام الحاكم الإنجليزي في الرميثة بالقبض على أحد شيوخ العشائر، مما أدّى إلى دخول رجاله عنوة إلى سراي الحكومة، وإطلاقهم سراح شيخهم وقتلهم الحرس، وقلعهم سكة حديد الرميثة وما كان جنوبها، والسيطرة على بعض المدن وإلحاق الخسائر بالقوات البريطانية في تلك المناطق. إلى غير ذلك انتشرت الثورة في محافظات بغداد وكربلاء وبابل والنجف وغيرها. ودامت الثورة حوالي ستة شهور تكبدت خلالها القوات البريطانية خسائر بشرية كبيرة بلغت حوالي ألفين وخمسمائة بين قتيل وجريح، وخسائر في الممتلكات تزيد عن أربعين مليونًا من الجنيهات الأسترلينية. وقد كشفت الثورة عن التضامن والنضج السياسي والاستعداد العسكري بين العراقيين آنذاك. ويؤخذ على الثورة عدم وجود قيادة موحدة لها، الأمر الذي أدى إلى عدم قيام العراقيين بالثورة في آن واحد مما نجم عنه وقوع أخطاء فردية.

وقد أظهرت هذه الثورة صعوبة استمرار الحكم البريطاني المباشر في العراق. ونتيجة لانتقادات الساسة البريطانيين في مجلس العموم البريطاني لسياسة بريطانيا في العراق، قررت الحكومة البريطانية حتى تحكم العراق بصورة غير مباشرة، وذلك بإقامة حكومة وطنية فيه.

الحكومة الوطنية المؤقتة وتأسيس الملكية

أسرعت الحكومة البريطانية إلى تشكيل أول حكومة وطنية مؤقتة برئاسة عبد الرحمن الكيلاني، وروعي في توزيع الحقائب الوزارية التمثيل الديني والطائفي والعشائري للبلاد، ووُضِع مستشار إنجليزي بجانب جميع وزير. وأعربت بريطانيا عن رغبتها في إقامة ملكية عراقية رشحت لها الأمير فيصل بن الشريف حسين بعد خروجه من سوريا. وتم اختيار الأمير فيصل ملكًا على العراق، وتوّج في 18 ذي الحجة 1340هـ، 23 أغسطس 1921م بعد إجراء استفتاء شعبي كانت نتيجته 96% تأييدًا لفيصل.

ومهما يكن من أمر فقد بدأ التدخل الأجنبي في الحكومة، وقد قابل فيصل وحكومته مشكلات داخلية وخارجية معًا: أما المشكلات الداخلية فكانت تتعلق بالقبائل والأقليات كالأكراد والآشوريين والانقسام الطائفي بين السُنة والشيعة. أما المشكلات الخارجية فتتعلق بموقف العراق من بريطانيا والتي أجبرته على توقيع معاهدة معها فيعشرة أكتوبر 1922م تضمنت أسس الانتداب، واشترطت المعاهدة تأسيس مجلس تأسيسي منتخب لتشريع الدستور وإصداره.


المجلس التأسيسي العراقي والمعارضة الوطنية

صدرت الإرادة الملكية في 19 أكتوبر 1922م بتأليف المجلس التأسيسي ليقر دستور المملكة، وقانون انتخاب مجلس النواب، والمعاهدة العراقية البريطانية. ولكن الشعب العراقي عارض فكرة المجلس، ودعت المعارضة الوطنية من خلال الصحف والاجتماعات لمقاطعة الانتخابات، وطالبت بإلغاء الحكم العسكري البريطاني، وإطلاق حرية المطبوعات، وسحب المستشارين البريطانيين من البلاد، وإعادة المنفيين العراقيين إلى بلادهم والسماح بتأليف الأحزاب.

ثم جاز فيصل بإنشاء الأحزاب السياسية على النمط الأوروبي في عام 1922م، وتشكلت ثلاثة أحزاب كان اثنان منها يمثلان المعارضة، هما الحزب الوطني العراقي وحزب النهضة العراقية، ويطالبان بالاستقلال وإقامة حكومة ملكية دستورية في العراق؛ في حين يطالب الحزب الثالث، وهوالحزب الحر العراقي بتأييد الوزارة ويؤيد عقد معاهدة تحالف مع بريطانيا.

أصبح لهذه الأحزاب أثر واضح في الحياة السياسية للعراق، فقد نظم الحزب الوطني وحزب النهضة مظاهرة شعبية في الذكرى الأولى لتتويج الملك نادت بإلغاء الانتداب. وألقيت الخطب الوطنية الحماسية مما جعل المندوب السامي البريطاني يحتج على ذلك. ونجم عن ذلك حلّ حزبي المعارضة ونفي زعمائهما إلى خارج البلاد. وعم السخط جميع أنحاء العراق، وقامت انتفاضات شعبية في بعض أنحاء العراق، فلجأ المندوب السامي إلى القصف الجوي لقمع هذه الانتفاضات، واستخدم العنف والقسوة ضد مناوئي الانتداب.

وأجريت الانتخابات للمجلس التأسيسي في فبراير 1924م، استخدمت فيها بريطانيا جميع وسائل الضغط والإكراه في سبيل السيطرة على عملية الانتخابات، وتم افتتاح المجلس التأسيسي في مارس عام 1924م، وانتخب عبد المحسن السعدون رئيسًا له، وحددت مهمة المجلس بالتصديق على معاهدة 1922م التي تؤمن استقلال العراق ودخوله عصبة الأمم وحسم معضلة الموصل.

وجوبهت المعاهدة بمعارضة شديدة، ولجأت الحكومة إلى الإرهاب، ورفض المندوب السامي البريطاني إجراء بعض التعديلات على المعاهدة قبل إبرامها. وتم التصديق على المعاهدة وإعلان الدستور وقانون الانتخابات. وانحل المجلس التأسيسي وحل محله مجلس النواب في 21 مارس 1925م.

أنهى المجلس معضلة الموصل التي كانت تطالب بها هجريا، وعرضت قضية الموصل على عصبة الأمم التي أوصت بأن تكون ضمن المملكة العراقية على شرط حتى تظل تحت الانتداب البريطاني مدة 25 سنة. وعلى أثر ذلك تم عقد معاهدتين الأولى بين العراق وبريطانيا في 13 يناير 1926م والثانية بين العراق وهجريا وبريطانيا فيخمسة يونيو1926م، تضمنت علاقات حسن الجوار، ونص فيها على اعتبار الحدود نهائية. وصادق البرلمان العراقي على المعاهدة في 18 يناير 1926م التي كانت مادتها الثالثة تنص على إمكان النظر في دخول العراق عصبة الأمم بعد أربع سنوات.

الأحزاب في العراق

تشكلت في هذه الفترة أحزاب أخرى منها حزب الأمة عام 1925م. وكان يهدف إلى المطالبة بالاستقلال التام، كما نشأت في الموصل أحزاب ثلاثة هي: حزب الاستقلال وجمعية الدفاع العراقي والحزب الوطني العراقي، وكلها تدافع عن قضية الموصل، وتطالب بأن تكون هذه الولاية ضمن حدود العراق. كما تشكَّل حزبان آخران في بغداد هما حزب التقدم وحزب الشعب. وفي عام 1930م شكل نوري السعيد حزب العهد الموالي لبريطانيا، وظهرت أحزاب أخرى منها الحزب الوطني وحزب الإخاء اللذان اندمجا معًا في حزب واحد وهوحزب الإخاء الوطني، وكذلك جماعة الأهالي، والحزب الشيوعي العراقي. وأخذت هذه الأحزاب على عاتقها قيادة الحركة الوطنية في البلاد بما يحقق للعراق استقلاله التام وسيادته الوطنية، ومعارضة النفوذ البريطاني والمطالبة بتعديل المعاهدة العراقية البريطانية عام 1930م. انظر: الأحزاب السياسية العربية .

وعمل الملك فيصل بن الحسين على تأسيس الجيش العراقي الحديث، وإنشاء الكلية العسكرية عام 1925م. وتقدم التعليم في عهده، فأوفد البعثات الفهمية إلى الخارج، واستقدم المدرسين والمهندسين والفنيين من مصر، وأنشأ عدة كليات كانت نواة لجامعة بغداد، كما عمل على توسيع الزراعة عن طريق مشروعات الري الحديثة، وقيام الصناعات النسيجية الآلية، واستغلال آبار النفط. وعقد كذلك معاهدات صداقة وحسن جوار مع جميع من المملكة العربية السعودية والأردن وهجريا عام 1931م ومع إيران عام 1932م. وأنهى الخلافات القديمة بينه وبين جيرانه وحل مشكلات الحدود.

وبالنسبة لامتيازات النفط الأجنبية في العراق، فقد وقِّع اتفاق في 14 مارس 1925م يصبح النفط بموجبه مِلكًا لشركة مساهمة تضم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وتؤمن المصالح الأجنبية فيها، وسُميت شركة نفط العراق المحدودة، وبدأت بتصدير النفط عام 1934م عن طريق ميناء حيفا في فلسطين. وقد بلغ إنتاجها خلال ذلك العام حوالي ثلث مليون طن. وقد استغلت الدول الكبرى مسألة النفط للضغط على العراق من أجل موافقتها على ضم الموصل إليه.


النضال ضد الانتداب البريطاني

بدأ العراقيون لقاءتهم للإحتلال البريطاني منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدام قوات الإحتلال أرض العراق. وقد قابلت المقاومة الوطنية العراقية الوجود البريطاني لإصرار قوات الاحتلال على استمرار سيطرتها على العراق لأهميته الاستراتيجية والاقتصادية. فاستبدلت بريطانيا الانتداب بمعاهدة تحالف عقدتها مع العراق عام 1922م، وكانت صورة مستورة لصك الانتداب الذي يمقته العراق.

غير حتى فيصلاً الذي لم يكن راضيًا تمامًا عن المعاهدة، اتبع سياسة خذ وطالب التي تؤدي إلى الاستقلال خطوة بعد أخرى.

وأخذ العراقيون يعملون على إزالة الحكم المزدوج الذي تمتع فيه البريطانيون بمشاركة العراقيين في إدارة البلاد، وظلت العناصر الوطنية تنظر إلى معاهدة 1922م على أنها كبدت العراق عبئًا ثقيلاً في قيودها وشروطها ومسؤولياتها. ولذا عُدّل عُمْر المعاهدة من عشرين سنة إلى أربع سنوات فقط، ثم استبدل بها عام 1926م معاهدة أخرى من أجل قضية الموصل. وجرت مفاوضات بين الحكومتين العراقية والبريطانية بشأن تعديل الاتفاقيتين المالية والعسكرية، وانتهى الأمر بالتوقيع على معاهدة جديدة تحل محل المعاهدتين السابقتين في 14 ديسمبر 1927م. وأدت هذه المعاهدة إلى تقليل الرقابة والإشراف البريطاني على الشؤون العسكرية والمالية في العراق، كما تضمنت المعاهدة وعدًا من جانب بريطانيا بتأييد ترشيح العراق لعضوية عصبة الأمم في عام 1351هـ، 1932م.

وتأزَّم الموقف بين العراق وبريطانيا حيث كان الشعب يطالب بالاستقلال وإلغاء الانتداب، في حين كانت الحكومة البريطانية تصر على عقد معاهدة جديدة في شكل لا يختلف بمضمونه عن المعاهدات السابقة. ونتيجة لذلك أُصيب الشعب بخيبة أمل واستنطقت عدّة وزارات لأنها لم تستطع تلبية رغبات الشعب في الحرية والاستقلال لأن الوضع في العراق كان قائمًا على أساس حكومة وطنية خاضعة لنفوذ المستشارين البريطانيين.

هاج الشعب وقامت مظاهرات صاخبة ضد تدخل المندوب السامي البريطاني، وتأزمت العلاقات من جديد. ولم ينه هذا الصراع إلا تشكيل وزارة جديدة برئاسة نوري السعيد، الذي بدأ المفاوضات مع الجانب البريطاني في بغداد وانتهت بالتوقيع على المعاهدة في 18 يوليو1930م. وقد ألّف نوري السعيد كما أشرنا حزب العهد الموالي لبريطانيا والمدافع عن المعاهدة، في حين شكلت المعارضة الوطنية حزب الإخاء الوطني برئاسة ياسين الهاشمي.

معاهدة الاستقلال ودخول العراق عصبة الأمم

عُقِدتْ معاهد التحالف بين بريطانيا والعراق لمدة 25 سنة، وأكَّدت بريطانيا عزمها على ترشيح العراق لدخول عصبة الأمم في عام 1932م، ثم إعلان استقلال العراق. وقد نصت المعاهدة على التعاون في السياسة الخارجية والحرب، إذ تعهدت بريطانيا بالدفاع عن العراق في لقاء تقديم كافة التسهيلات لبريطانيا، كما نصت على إنشاء قواعد حربية جوية في قاعدة الشعيبة في البصرة، وقاعدة أخرى هي قاعدة الحبانية في بغداد، مع منح القوات البريطانية حق المرور من الأراضي العراقية، وتعهدت بريطانيا بتدريب الجيش العراقي وتزويده بالسلاح ـ وقبلت المعاهدة في مجلس النواب والأعيان وجرى التصديق عليها.

وقد قوبلت المعاهدة بآراء مختلفة، فقد عثر فيها فيصل ونوري السعيد خطوة أولية موفقة نحوالاستقلال التام مع حفظ بعض المصالح البريطانية، بينما عدّها رجال المعارضة العراقيون صكًا انتدابيًا مغلفًا، ووسيلة لتدعيم النفوذ البريطاني في بلاد الرافدين. وغدت هذه المعاهدة نموذجًا يُحتذى به لمعاهدات أخرى مع الدول العربية.

وفي ثلاثة أكتوبر 1932م قرر مجلس عصبة الأمم قبول العراق عضوًا في العصبة، وأصبح العراق الدولة السابعة والخمسين من أعضاء العصبة، وانتهت عندئذ مهام المعتمد السامي البريطاني، وحلّ بدله السفير البريطاني لتمثيل دولته.


جمهورية العراق

تولى ابن الملك غازي ، فيصل الثاني البالغ من العمر ثلاث سنوات الحكم تحت الوصاية، وكاننوري السعيد هوالذي يدير الدولة بمباركة من الحكومة البريطانية، وفي نفس السنة أعربت العراق مقاطعتها لألمانيا. وفي 2 مايو1941 قامت ثورة ضد الوجود البريطاني بقيادة رشيد عالي الكيلاني، وتم تشكيل حكومة جديدة بعد هروب نوري السعيد خارج العراق، ولم تستطع الثورة الاستمرار في المقاومة فاستسلمت بعد شهر من الحرب، وتم التوقيع على هدنة مكنت بريطانيا من استعادة السيطرة على العراق، وتم تشكيل حكومة موالية لبريطانيا برئاسة جميل المدفعي الذي استنطق وخلفه نوري السعيد، وفي يناير 1943 أعربت العراق الحرب على دول المحور.


قادت القبائل الكردية ثورة في ما بين سنتي 45 و1946 قيل إنها تلقت دعمها من روسيا، وأوفدت بريطانيا قوات إلى العراق لضمان أمن البترول، وبعد انتهاء ثورة الأكراد سنة 1947 بدأ نوري السعيد التفاوض مع ملك الأردن لإنشاء اتحاد بين العراق والأردن، وتم في السنة نفسها التوقيع على معاهدة إخاء بين البلدين، ونصت المعاهدة على التعاون العسكري مما قاد سنة 1948 إلى اشتراك الجيش العراقي في الحرب مع الجيش الأردني ضد إسرائيل (بعد إعلان قيام إسرائيل). رفض العراق الهدنة التي سقطها العرب مع إسرائيل في 11 مايو1949 وشهد العراق في الفترة ما بين 49 و1958 الكثير من الأحداث الداخلية والخارجية المهمة مثل انتفاضة عمال شركة نفط العراق سنة 1948، وانتفاضة يناير التي قضت على معاهدة بورتسوث البريطانية العراقية، وانتفاضة أكتوبر 1952 التي طالب فيها المنتفضون بإجراء انتخابات مباشرة والحد من صلاحيات الملك، وفي سنة 1955 سقط العراق مع هجريا على اتفاقية بغداد الأمنية والتي انضمت إليها بريطانيا وباكستان وإيران، كما سقط العراق والأردن على اتحاد فدرالي في 12 فبراير 1958.

قاد الجيش العراقي بقيادة عبد الكريم قاسم انقلابا ضد الملك في 14 يوليو1958، وقتل الملكفيصل الثاني وخاله عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد، وأعربت الجمهورية برئاسة محمد نجيب الربيعي، واحتفظ عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء بصلاحيات واسعة في إدارة البلاد. كما انسحب العراق من معاهدة بغداد والاتحاد مع الأردن سنة 1959، وفي سنة 1960 أعرب العراق بعد انسحاب بريطانيا من الكويت عن تبعية الأخيرة له، وقاد حزب البعث انقلابا على عبد الكريم قاسم فيثمانية فبراير 1963، وأصبح عبد السلام عارف الذي لم يكن بعثياً رئيساً للعراق، وتولى عبد الرحمن عارف -أخوالرئيس السابق- الرئاسة بعد موت عبد السلام سنة 1966.

وفي عهد الملك غازي، شهدت البلاد كثرة تغيير الوزارات، وفساد الحياة النيابية، وعجز التنظيمات السياسية والحزبية عن التعبير عن وجهة نظرها في غياب الديمقراطية، فاضطرت معظم الأحزاب والمجموعات السياسية إلى التحالف مع فئات غير سياسية، كالعشائر والجيش، تملك قوة السلاح والأفراد من أجل مساعدتها للوصول إلى الحكم. وقد شهدت هذه الحقبة الكثير من حركات التمرد العشائرية والانقلابات العسكرية من أجل إسقاط حكومة وتبديلها بحكومة أخرى.


تدخل الجيش في السياسة

تألفت بعض القوى السياسية من أمثال ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان مع بعض رؤساء عشائر الفرات الأوسط للقيام بحركة مسلحة ضد حكومة علي جَودت، 1934م، وضد وزارة جميل المدفعي عام 1935م، مما أدى إلى إسقاطهما وكلّف الملك ياسين الهاشمي بتأليف الوزارة بتأييد الجيش.

وفي مايو1936م قامت بعض العشائر بحركة أخرى ضد حكومة ياسين الهاشمي، إلا حتى الحكومة أصدرت أوامرها إلى الجيش للقضاء على الحركات العشائرية.

ومما يجدر ذكره، حتى الجيش العراقي كان قوة وطنية ضاربة بعد الاستقلال، وقد تمثل ذلك في إخماد الجيش العراقي لفتنة الآشوريين عام 1933م، وكذلك إخماد ثورات الفرات الأوسط (الرميثة وسوق الشيوخ والمنتفق) عام 1935م، ثم قمعه لحركة بارزان واليزيدية في الشمال خلال عامي 1935 و1936م. وقد اندلعت هذه الثورات والانتفاضات بإيعاز من رجال السياسة في بغداد، أوبسبب معارضة القبائل لقانون التجنيد الإجباري.

وعلى العموم، فقد قام الجيش بأول انقلاب عسكري في بغداد بقيادة بكر صدقي للإطاحة بوزارة ياسين الهاشمي عام 1936م، غير حتى ضباط الجيش أطاحوا به بعد عشرة أشهر فقط، وذلك لأنهم كانوا يريدون إنهاء مظاهر التدخل الأجنبي، ووضع نظام سياسي سليم مستقر، وتحرير الدول العربية الشقيقة التي كانت تسعى للحرية والوحدة. وظل الجيش القوة المحركة للسياسة العراقية من وراء ستار، وصار هوالذي يقر تشكيل معظم الوزارات وإسقاطها خلال الفترة 1937 - 1941م عن طريق الانقلابات العسكرية.


ميثاق سعد آباد 1937م

شهدت هذه الفترة توقيع العراق على اتفاق ميثاق سعد أباد عام 1937م بين جميع من العراق وهجريا وأفغانستان وإيران، وكذلك توقيع معاهدة تقسيم شط العرب بين إيران والعراق، وتوقيع معاهدة الإخاء والتحالف بين العراق والسعودية وبين العراق واليمن عام 1936م.


مقتل الملك غازي 1939م

لقد كان الملك غازي يولي القضايا الوطنية والقومية جل اهتمامه، حيث تبنَّى مهاجمة الاستعمار، وخصص إذاعة خاصة من قصره لتذيع البيانات الوطنية ضد الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، لذا عمد الاستعمار البريطاني إلى التخلص منه، فقُتل في حادث سيارة غامض إثر ارتطامها بعمود كهربائي في مساء ثلاثة أبريل (نيسان) 1939م. وهاج الشعب العراقي وقامت مظاهرات صاخبة تندد ببريطانيا ومعاونيها في العراق. ونودي بابنه فيصل الثاني ملكًا على البلاد، وكان عمره أربعة أعوام، وعُين خاله الأمير عبد الإله وصيًا على العرش، والذي حكم البلاد بالتعاون مع رئيس الوزراء نوري السعيد.


العراق والحرب العالمية الثانية

أعربت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا يوم ثلاثة سبتمبر 1939م، وكانت بداية اندلاع الحرب العالمية الثانية، فأسرعت حكومة نوري السعيد آنذاك ببتر العلاقات مع ألمانيا، وأصدرت أوامرها بطرد الرعايا الألمان أعضاء السفارة الألمانية من بغداد، كما اعتقلت الرعايا الألمان وسلمتهم للسلطات البريطانية واقترح نوري السعيد إعلان العراق الحرب على ألمانيا، وتقديم فرقتين عسكريتين للمشاركة إلى جانب الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) في حربهم ضد دول المحور (ألمانيا وإيطاليا).

وكان لموقف الحكومة رد عمل سيئ لدى الأوساط الشعبية في العراق، لا سيما وأن بريطانيا كانت تمارس سياسة بغيضة في الأوساط العراقية، في حين كانت ألمانيا تحرز فوزات كاسحة وتمني العراقيين بوعود من أجل حرية العراق واستقلاله، وعدائها للاستعمار واليهود. وقد انعكس هذا التطور على الوضع السياسي في العراق، فانتظمت مختلف الفئات والقوى السياسية في معسكرين متضادين دخلا في صراع مفتوح للسيطرة على منطقيد الأمور، وكان المعسكر الأول يضم المجموعة الموالية لبريطانيا، في حين يضم المعسكر الثاني المجموعة الوطنية والقومية المناوئة لبريطانيا والحلفاء والمؤيدة لدول المحور.

وقد طالبت المجموعة الثانية بالوقوف موقف الحياد بين الأطراف الدولية المتنازعة، ودعت إلى تطبيق بنود المعاهدات والمواثيق التي يرتبط بها العراق باعتدال دون الاندفاع بالوقوف إلى جانب بريطانيا في حربها مع المحور، كما رأت وجوب استغلال فرصة الحرب لمساومة بريطانيا وفرنسا من أجل الحصول على ضمانات وتنازلات لتحقيق استقلال البلاد العربية، وضمان حق الشعب العربي الفلسطيني، وتسليح الجيش العراقي وتنمية اقتصاديات العراق.

وكان يتزعَّم هذا المعسكر الوطني رشيد عالي الكيلاني وناجي شوكتْ وناجي السويدي وتدعمهم شخصيات عربية أمثال الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين وفوزي القاوقجي. وقد حصلت هذه المجموعة على تأييد واسع من قِبل الشعب العراقي وفي صفوف الجيش خاصة.

وبدا واضحًا حتى صِدَامًا عنيفًا سيحدث في المستقبل، فاستنطقت وزارة نوري السعيد في مارس 1940م، وتم تكليف رشيد عالي الكيلاني رئيسًا للوزراء. وقد ألحت بريطانيا على الوزارة لإعلان العراق الحرب على ألمانيا، فطلب رئيس الوزراء العراقي رشيد عالي الكيلاني من بريطانيا تعهدًا باستقلال فلسطين واستقلال سوريا نظير إعلان الحرب على ألمانيا واشتراك العراق في الحرب. ولكن الحكومة البريطانية رفضت ذلك فتأزمت العلاقات بين الطرفين.


حركة العراق التحررية 1941م

نجح رشيد عالي الكيلاني في كسب تأييد قادة الجيش (العقداء الأربعة) والعناصر القومية بسبب تمسكه بمبدأ الحياد بين الأطراف الدولية المتنازعة، وفوجئ الزعماء العرب بموقف بريطانيا المتعنِّت، فعملوا على إذكاء روح العداء ضد بريطانيا، كما أدت النادىية النازية دورًا في إذكاء مشاعر الشعب ضد الإنجليز، ونتيجة لموقف بريطانيا السلبي بشأن قضية فلسطين وقع انقسام في الوزارة القائمة، واتسعت الهوة بين أنصار بريطانيا بزعامة نوري السعيد وبين الوطنيين بزعامة رشيد عالي الكيلاني.

في هذه الأثناء جرت اتصالات بين الوطنيين والحكومة الألمانية لفهم موقفها فيما لوقامت ثورة ضد بريطانيا وفرنسا، فأصدرت ألمانيا بيانًا تبدي فيه تعاطفها وتأييدها للقضايا العربية في المستقبل. وكان ذلك بمثابة إشارة للعراقيين للقيام بعمل ما ضد بريطانيا، الأمر الذي دفع الإنجليز إلى إسقاط وزارة الكيلاني وإقامة وزارة موالية لهم، وبالعمل أُطيح بوزارة الكيلاني، وتشكلت وزارة جديدة برئاسة طه الهاشمي التي قررت إقصاء الضباط الأحرار، العقداء الأربعة، وهم: صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب، الذين أُطلق عليهم المستعمرون المربع المضىي. فرفض الضباط أوامر الوزارة وقاموا بانقلاب عسكري أطاح بالوزارة، وشكلوا حكومة الدفاع الوطني في 2 أبريل 1941م برئاسة رشيد عالي الكيلاني، وفر الوصي عبد الإله إلى البصرة ومنها إلى عمَّان، وانتخب المجلس النيابي الشريف شرف وصيًا على العرش العراقي بدلاً من الأمير عبد الإله، وكلف رشيد عالي الكيلاني بتأليف الوزارة الجديدة.


الحرب العراقية البريطانية

رفضت بريطانيا الاعتراف بالحكومة الجديدة، وبدأت تعد الخطط للقضاء على الثورة العراقية، فطلبت السماح لقواتها بالمرور من العراق تطبيقًا للمعاهدة، فوافقت الحكومة العراقية على ذلك، لكن بريطانيا، كررت الطلب مرة أخرى قبل حتى ترحل القوات السابقة تطبيقًا لبنود المعاهدة، فرفضت الحكومة العراقية ذلك؛ ولما كان واضحًا ما في الطلب من الاستفزاز، فقد توتر الموقف بين الجانبين، وأحاطت القوات العراقية بقاعدة الحبانية في بغداد في الأول من مايو1941م، وأطلق الإنجليز النار على القوات العراقية بالحبانية، ونشب القتال بين الطرفين، وأعرب العراق بتر العلاقات مع بريطانيا، كما اشهجر متطوعون عرب إلى جانب الجيش العراقي، فضلاً عن اشتراك الشعب العراقي في الدفاع عن ثورته وحكومته الوطنية. ولكن الحرب لم تكن متكافئة في السلاح إذ لم تصل أي نجدات للعراقيين من ألمانيا، في حين توالت النجدات للإنجليز من الأردن وفلسطين والبصرة، مما أدى إلى فوز الجيش الإنجليزي بعد حرب دامت شهرًا كاملاً، وعاد الوصي السابق عبد الإله من عَمَّان إلى بغداد، وهرب الكيلاني وأنصاره إلى ألمانيا، وتشكلت حكومة جديدة بزعامة نوري السعيد، ورزح العراق تحت نَيْري التسلط والاحتلال البريطانيين، ووضعت الحكومة العراقية الجديدة نفسها وإمكانيات العراق في خدمة الجهد الحربي البريطاني، كما عملت على إخماد الروح الوطنية، وتصفية العناصر الوطنية وإرهاب الناس، وبرز أنصار بريطانيا في العراق وتحكموا في مقدرات البلاد.


الأوضاع الاقتصادية خلال سنوات الحرب

شعر العراق بوطأة الحرب بكافة أبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية. وكان للناحية الاقتصادية أعمق الأثر في حياة جميع طبقات المجتمع العراقي، وقد تجسدت هذه الأزمة في النقص الشديد في المواد التموينية والارتفاع الباهظ في الأسعار، وذلك بسبب سيطرة بريطانيا على الاقتصاد العراقي حيث قامت بتجهيز قواتها العسكرية وتموينها على حساب العراقيين. وقد كشفت هذه الأزمة عن ضعف الجهاز الحكومي ومساوئه ومدى إهماله لأمور المواطنين، وقوتهم اليومي بخاصة، مما خلق استياء شعبيًا عامًا تجاه بريطانيا، وزاد من شعبية القوى الوطنية في العراق.


تطور الإقطاع بين 1932-1946م

كانت حكومة الانتداب قد عمدت إلى توسيع عملية استحواذ رؤساء العشائر والتجار ورجال الطبقة الحاكمة على أراض وإقطاعات زراعية إضافية وذلك بتشريعها قوانين لصالحهم، وخلق طبقة متنفذة موالية لبريطانيا، كما عملت على إضعاف الفلاحين وإجبارهم على الخضوع لمشيئة شيوخ العشائر والمالكين التابعين لهم قانونًا واقتصادًا. وأدت هذه السياسة إلى هجرة الفلاحين إلى المدن، مما أدى إلى تخلف الزراعة وقلة الإنتاج الزراعي وضعف الاقتصاد العراقي وعرقلة نموه.


الصناعة

لم تقم في العراق صناعات متطوره، لأن اقتصاده يعتمد على الزراعة بشكل رئيسي، وبقي القطاع الصناعي يتمثل في وجود الحِرَف والصناعات اليدوية، واضطر العراق إلى حتى يستورد معظم حاجاته من البضائع الاستهلاكية والإنتاجية المصنعة من الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا. ولكن الحرب العالمية الثانية فرضت على العراق قيام صناعات استهلاكية كالصابون والزيوت والإسمنت والجلود والسجاير والغزل والنسيج. وكان لتأخر الصناعة في العراق مسببات عديدة منها عدم توافر المواد الأولية، وقلة الأيدي العاملة الفنية، وضعف دعم الحكومة لتمويل مشاريع صناعية حديثة. ولم يكن في العراق غير ثلاث مؤسسات كبيرة توظف أعدادًا كبيرة من العمال ويسيطر عليها ويديرها الإنجليز، وهي ميناء البصرة، والسكك الحديدية، وشركة نفط العراق.


التجارة

كان للتجارة الخارجية بين عامي 1850 و1950م أكبر الأثر في تحديد طبيعة الاقتصاد العراقي، فقد كان لسيطرة الشركات البريطانية على الاستيراد والتصدير أثر كبير في السيطرة السياسية والعسكرية حيث عملت الحكومة البريطانية على حماية مصالحها وابتزاز الأرباح. فأغلبية البضائع المصدّرة والمستوردة تنقل على بواخر بريطانية، كما حتى جميع رؤوس الأموال المستثمرة هي إنجليزية أيضًا، وفي عام 1957م كان عدد الشركات الأجنبية التي تعمل في الطرق يزيد على 225 شركة تهيمن بشكل واضح على حركة السوق.


تطور التعليم

خلال فترة الانتداب وقع تطور في قطاع التعليم من حيث النوع والكم، فقد ازدادت مخصصات وزارة التربية والتعليم من 3% في بداية الانتداب إلى 8% في نهايته، ثم أصبحت مخصصات الوزارة حوالي 10% في السنوات الواقعة بين 1932 و1946م. ويرجع هذا التطور إلى حتى وزارة التربية والتعليم (المعارف) بالإضافة إلى وزارتي الصحة والزراعة كانت تُدار من قِبل العراقيين بعكس الوزارات الأخرى كالمالية والدفاع والخارجية والداخلية والتي كانت تحت إشراف المستشارين البريطانيين.

ورغم الزيادة الإشارة في عدد الطلاب والمدارس إلا حتى اتجاه التعليم ظل خلال تلك الفترة مُركّزًا على تخريج كوادر وظيفية وأهملت الكوادر الفنية والفهمية، فحتى سنة 1945م لم يكن في العراق غير إعدادية زراعية واحدة وإعداديتين صناعيتين فقط.

وشهد قطاع التعليم زيادة نسبية في عدد طلاب الكليات والمعاهد العالية. ففي عام 1920-1921م كان عدد الطلاب في المعاهد العالية 65 طالبًا، وفي عام 1932- 1933م أصبح 115 طالبًا، ثم ارتفع في عام 1945- 1946م إلى 2146 طالبًا بينهم 284 طالبة. واستمرت الحكومة العراقية في إرسال البعثات الفهمية إلى خارج العراق للحصول على تخصصات عالية. ومع ذلك فإن تطور التعليم لم يكن يسد حاجة العراق من المدرسين والمدارس. وأدى ذلك إلى حرمان أبناء الشعب العراقي من التعليم وخاصة في القرى والأرياف، فحتى عام 1946م كانت نسبة الأمية في العراق تزيد على 90% من مجموع السكان.

لكن العراق شهد نهضة فهمية واسعة في الخمسينيات وحتى التسعينيات من القرن العشرين، فازدادت المدارس والجامعات والمعاهد الفهمية والفنية والصناعية ونشطت الحركة الفهمية إلى أبعد مدى، حيث أصبح لدى العراق فهماء مبدعون ومخترعون في كافة مجالات العلوم والتكنولوجيا.

ما بعد الحرب العالمية الثانية

رأت بريطانيا في أعقاب فوز دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، حتى تخفف من وطأة الحكم وقسوته في العراق، فأصدر الوصي بيانًا يمنح قدرًا ما من الحرية بعد فترة قاسية من الكبت، وأعرب كذلك عزم الحكومة العراقية على إطلاق الحريات العامة، والسماح بتأليف الأحزاب والجمعيات السياسية والسير بالبلاد على أسس ديمقراطية. ونتيجة لذلك ظهرت بعض الأحزاب الجديدة، أهمها حزب الاستقلال، وحزب الأحرار، والحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الشعب، وحزب الاتحاد الوطني. كما كانت هناك أحزاب ممنوعة مثل حزب البعث والحزب الشيوعي. ولكن هذه الأحزاب جميعها قابلت صعوبات من الحكومة العراقية وصلت إلى حد إلغائها.

وشارك العراق في تأسيس الجامعة العربية عام 1945م، وأصبح عضوًا فيها، كما عقد معاهدة تعاون مع الأردن عام 1946م، وعقد كذلك معاهدة صداقة مع هجريا في العام نفسه انتقدتها القوى الوطنية. وأخيرًا طلب العراق إجراء مفاوضات مع بريطانيا لتعديل المعاهدة بينه وبين بريطانيا فانتهت هذه المفاوضات بتوقيع معاهدة بورتسماوث، أومعاهدة صالح جبر ـ بيفن 1948م التي تنص على التحالف الدفاعي مع بريطانيا وتلغي المعاهدات السابقة جميعًا، يوافق العراق بمقتضاها على إقامة قواعد جوية في أراضيه، مع تقديمه كافة التسهيلات للجيوش البريطانية في العراق. وقد رفض عامة العراقيين هذه المعاهدة، فاضطر الوصي إلى حتى يصدر بيانًا بإلغائها.

العراق وحرب فلسطين 1948م

أصبحت القضية الفلسطينية محور السياسة العربية منذ الحرب العالمية الأولى، وكان العراق قد ساند الشعب الفلسطيني في ثورته عام (1936-1939م) ضد الانتداب البريطاني وضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وبعد الحرب العالمية الثانية كانت الأحزاب العراقية تتخذ من القضية الفلسطينية قضية قومية، ودعت إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، واستنكر العراقيون عامة قرار تقسيم فلسطين. وعندما دعت الجامعة العربية إلى دخول الجيوش العربية فلسطين، شارك العراق كغيره من الدول العربية في حرب فلسطين عام 1948م، التي انتهت بهزيمة الجيوش العربية في نهاية المطاف لأسباب عديدة، منها انعدام الخطط الحربية المنظمة والاستعدادات الحربية الكافية. ولم يكن الصف العربي متحدًا، ولم تكن هنالك يقظة للخطط الصهيونية التي كانت تؤازرها بريطانيا والدول التي ارتضت سياستها.

وكان لهزيمة 1948م أثرها السياسي في العراق، إذ زادت النقمة على الحكومة، وزادت المعارضة لدور الجيش العراقي في الحرب ومؤازرته للجيش الأردني، فعمدت الحكومة إلى حل الأحزاب والبطش بالمعارضة. لكن المعارضة للحكومة أخذت في التصاعد وأسفرت عن انتفاضة عام 1952م التي تأثرت كثيرًا بالأحداث الدولية آنذاك (حركة مصدق وتأميم النفط في إيران وثورة مصر في 23 يوليو1952م)، وطالبت الانتفاضة بالحريات والديمقراطية وإصلاح أحوال الشعب. ولكن الحكومة لم تستجب لهذه المطالب، وقررت استخدام الجيش للقضاء على الانتفاضة.


ملكية فيصل الثاني 1953-1958م

توِّج فيصل الثاني ملكًا على البلاد في أربعة مايو1953م، فلم تستفد البلاد شيئًا من التغيير السياسي؛ لأن خاله الوصي عبد الإله ونوري السعيد ظلا يحرِّكان الأحداث ويوجهانها كما كانا من قبل.

ولجأ رئيس الوزراء نوري السعيد في عام 1953م إلى التضييق على الحريات مرة أخرى تمهيدًا لعقد حلف بغداد، الذي تم التوقيع عليه عام 1955م، وسقطته جميع من هجريا وباكستان وإيران وبريطانيا والعراق، بهدف حماية المصالح الغربية في منطقة الخليج. واستغل نوري السعيد هذا الحلف في القضاء على العناصر المعارضة بحجة مكافحة الشيوعية.


ثورة 14 يوليو1958م

أدّى موقف نوري السعيد المتخاذل من العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر عام 1956م إلى توحيد الأحزاب العراقية وتكتلها في جبهة وطنية واحدة سُميت بجبهة الاتحاد الوطني، إثر قيام الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير عام 1958م، أقام العراق والأردن اتحادًا هاشميًا. وفي 14 يوليو1958م سقط انقلاب عسكري أنهى الحكم الملكي في العراق وأعرب عن قيام الحكم الجمهوري.


إعلان الجمهورية العراقية 14يوليو1958م. برز في ثورة يوليوشخصان يمثلان تيارين مختلفين، هما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف. كان الأول مع بقاء العراق دولة مستقلة ذات سيادة، ويعارض وحدة العراق مع مصر. أما الثاني فكان قد أعرب عن رغبته في توحيد العراق مع الجمهورية العربية المتحدة التي كانت تضم مصر وسوريا آنذاك. كان الأول منهما انعزاليًا والثاني عربيًا وحدويًا. وحاول بعض قادة العهد الجمهوري الاشتراك في دولة الوحدة بين مصر وسوريا، إلا حتى عبد الكريم قاسم أبعد عبد السلام عارف من السلطة، ليحكم العراق طوال خمس سنوات حكمًا فرديًا مطلقًا. وكان مترددًا في سياسته، فأحيانًا يقرِّب إليه الشيوعيين ليضرب بهم القوميين، وأحيانًا أخرى ينقلب عليهم، كما كان مترددًا في سياسته مع الأكراد، حيث أعطاهم بعض الامتيازات ثم اصطدم بهم بعد ذلك، مما أدى إلى قيام الثورة الكردية عام 1961م.

وتميزت سياسته الخارجية بعدة أزمات مع الدول العربية خاصة، كان من أهمها الأزمة التي أثارها مع الكويت عند استقلاله في 19 يونيو1961م، حيث طالب بضم الكويت إلى العراق، ولكن الجامعة العربية استطاعت حتى تسيطر على الأزمة وتحتويها لتُحل في إطار عربي. وقد عزلت هذه الأزمة العراق عن باقي الدول العربية، خاصة بعد انسحابه من الجامعة العربية.

أدت هذه العزلة الخارجية إلى قيام انقلاب عسكري أطاح بعبد الكريم قاسم في 28 فبراير 1963م، 14 رمضان 1383هـ، وتسلم الحكم من بعده عبد السلام عارف بالتعاون مع حزب البعث العربي الاشتراكي، ولكنه ما لبث حتى تخلص من البعث بعد ثمانية أشهر من الحكم، واستمر في الرئاسة حتى سقطت به الطائرة في البصرة في أبريل 1966م، فتسلم رئاسة الجمهورية شقيقه عبد الرحمن عارف الذي استمر في الحكم حتى عام 1968م حين تمكن حزب البعث من حتى يقوم بانقلاب عسكري عليه في 17/7/1968م وتسلم الحزب حكم البلاد، وصارت رئاسة الجمهورية للفريق الركن أحمد حسن البكر. وفي عام 1979م تنازل البكر عن رئاسة الجمهورية لأسباب صحية وخلفه صدّام حسين.


قاد حزب البعث بالتنسيق مع بعض العناصر غير البعثية انقلابا ناجحا في 17 يوليو1968، وتولى الرئاسة أحمد حسن البكر، واتجه العراق نحوروسيا. واستطاع البكر حتى يسقط إتفاقية الحكم الذاتي للأكراد فأصبح للأكراد ممثلون في البرلمان ومجموعة من الوزراء. وأغلقت الحدود مع الأردن سنة 1971، وأمم العراق شركات النفط سنة 1972. وفي مارس1974 عادت الاضطرابات مع الأكراد في الشمال والذين قيل إنهم كانوا يتلقون دعما عسكريا من إيران. وإثر تقديم العراق بعض التنازلات المتعلقة بالخلاف الحدودي مع إيران والتوقيع على اتفاقية الجزائر سنة 1975، توقفت إيران عن دعم ثورة الأكراد، وتمكن العراق من إخماد الثورة. كما حاول الرئيس أحمد حسن البكر إنشاء وحدة مع سوريا. وفي سنة 1979 تولى صدام حسين رئاسة العراق بعد تنازل أحمد حسن البكر عن السلطة. وبعد قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 أعرب العراق الاعتراف بها.


عهد صدام حسين

Promoting women's education in the 1970s.
الحرب العراقية الإيرانية

يرجع بدايات الحرب إلى انادىءات عراقية بان إيران قامت بقصف بلدات على الحدود العراقية في أربعة سبتمبر 1980 واعتبر العراق ذلك بداية للحرب فقام الرئيس العراقي صدام حسين بالغاء اتفاقية عام 1975 مع إيران في 17 سبتمبر 1980 وفي 22 سبتمبر 1980 هاجم العراق اهدافا في العمق الايراني. وبدات ايران بقصف أهداف عسكرية واقتصادية عراقية.

فيسبعة يونيو1981 هاجمت طائرات اسرائيلية مركزا بحثيا نوويا عراقيا في التويثة قرببغداد وكان يسمى مفاعل تموز النووي. في 16 مارس 1988 برز على السطح تقارير تقول إذا العراق استخدم أسلحة كيماوية ضد بلدة حلبجة الكردية. وبعد ثماني سنوات من الحرب العراقية الإيرانية التي قدرت الخسائر البشرية فيها بما يقرب من مليون قتيل وافقت الدولتان على خطة السلام المقترحة من الأمم المتحدة في أغسطس 1988 والتي تضمنها قرار الأمم المتحدة رقم 598. وبعد انتهاء الحرب أعاد العراق بناء قواته المسلحة.

أثار وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول مجدداً قضية اغتال الأكراد في حلبجة بالأسلحة الكيميائية بينما كان يفتتح "نصباً تذكارياً" بحضور جلال الطالباني في صيف عام 2003 المنصرم. وما زلنا نسمع ونقرأ من يحمل العراق عرضاً مسؤولية مذبحة حلبجة، وكأن ذلك من البديهيات. ويجيء ذلك عادةً في سياق "بديهية" أخرى هي حتى أمريكا سلحت العراق في الحرب العراقية-الإيرانية الدامية خلال الثمانينات‍‍.

وتأتي هذه "البديهيات" اليوم، خاصة حلبجة، تعبيراً عن حاجة قوات الاحتلال لذرائع تشرعن عدوانها على دولة ذات سيادة. بالتحديد أكثر، تتجلى في مذبحة حلبجة بعض أبرز ذرائع الاحتلال مثل: 1) أسلحة الدمار الكامل، و2) الديكتاتورية، و3) المذابح الجماعية. ولذلك، صار لا بد من التدقيق بما جرى هناك اعتماداً على المصادر الرسمية الأمريكية نفسها.

ويذكر معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي حتى استيراد العراق للأسلحة ما بين عامي 1973 و2002 توزع إحصائياً كما يلي: 57% من روسيا والاتحاد السوفياتي السابق، 13% من فرنسا، 12% من الصين، 1% من أمريكا، وأقل من 1% من بريطانيا. فليس دقيقاً التعميم حتى أمريكا سلحت العراق في الثمانينات، وليس في سجل العراق شيء مثل فضيحة "إيران غيت" أوصفقات أسلحة "إسرائيلية" من السوق السوداء أوغيرها، مع الفهم حتى مسؤولين أمريكيين شهدوا أمام الكونغرس عام 1982 حتى "إسرائيل" نقلت أسلحة أمريكية لإيران وجيش لبنان الجنوبي دون حتى يتبع ذلك تحقيق بالرغم من مخالفته لنص القانون الأمريكي.

من جهة أخرى، يذكر تقرير محدود التوزيع عن حلبجة لوكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية، اقتطفت أجزاءً منه مجلة الفيليج فويس Village Voice الأمريكية المعروفة في عددها الصادر يوم 1 أيار/مايو2002 :"معظم الضحايا في حلبجة تسبب بموتهم محلول السيانوجين كلوريد كما بلغنا، ولكن هذا العامل الكيميائي لم يستخدمه العراق يوماً، بل حتى إيران هي التي اهتمت به. أما قتلى غاز الخردل في البلدة فمن المرجح أنهم قضوا بالأسلحة العراقية، لأن إيران لم يلحظ أبداً أنها استخدمته".

وفي تقرير أخر عن حلبجة عن مؤتمر دام يومين للملحقين العسكريين في السفارات الأمريكية في "الشرق الأوسط" ومحللين عسكريين وسياسيين من وكالة الاستخبارات المركزية CIA ووكالة الاستخبارات العسكرية DIA ، اعتمد في نتائجه على التقارير الميدانية والمتوفرة للعموم وعلى التقاط الرسائل السلكية واللاسلكية للجيشين العراقي والإيراني من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية NSA ، اتى تقييم ما وقع في حلبجة كما يلي: "على افتراض حتى السيانوجين كلوريد هوالمسؤول أساساً عن أسوأ حالات استخدام الكيماويات في القتل الحربي للأكراد في حلبجة، وبما حتى العراق ليس له سجل في استخدام هذين العنصرين، والإيرانيون لهم سجل من هذا النوع، فإننا نستنتج حتى الإيرانيين هم المسؤولون عن هذا الهجوم".

ونقلاً عن تقرير أخر لوزارة الدفاع الأمريكية، تقول صحيفة الواشنطن بوست في ثلاثة أيار 1990 حتى مجزرة حلبجة اتىت نتيجة القصف المتبادل بالأسلحة الكيميائية بين الجيشين العراقي والإيراني بهدف السيطرة على البلدة. ونستنتج من المصادر المتنوعة في هذا السياق حتى ما وقع في حلبجة هوبدء الجيش الإيراني بقصف حلبجة بالسيانوجين كلوريد بهدف السيطرة عليها، وهوما أدى لوقوع القسم الأعظم من الضحايا الكردية المدنية، دون حتىقد يكون تعمد استهدافهم هوالغرض، ولكن الجيش العراقي عاد وقصفها بغاز الخردل لتحريرها بعد حتى سقطت المجزرة بالمدنيين الأكراد، ولذا فإن ضحايا الأسلحة العراقية كانت أساساً من القوات الإيرانية المهاجمة وقوات الطالباني المتحالفة معها. فلا يستطيعن كولن باول على الأقل اتهام العراق بذبح المدنيين في حلبجة، وإلا فليبدأ أولاً بتكذيب المصادر العسكرية الأمريكية في عهد بوش الأب الذي تقلد فيه منصباً عسكرياً رفيعاً ...

وعلى جميع حال، ليس ثمة نفاق أكبر من إنادىء واشنطن أنها تحرص على الأكراد وهي التي جعلت من الدولة الهجرية أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية في العالم عام 1994، أي العام نفسه الذي هرب فيه أكثر من مليون كردي إلى ديار بكر هرباً من البطش الذي أنزلته القوات الهجرية بالريف في كردستان المحتلة في هجريا.

حرب الخليج الثانية

بعد إحتلال العراق للكويت في 1990 م، وطرد القوات العراقية من طرف قوّات التحالف الدولية، عثر العراق نفسه في عزلة عالمية وضع اقتصادي غير مستقر، حتى سنة 2003 م. في 27 يونيوقامت الطائرات الأمريكية بشن هجوم بصواريخ كروز على مقر المخابرات العراقية في بغداد انتقاما من محاولة اغتيال الرئيس جورج بوش في الكويت في شهر أبريل تلك المحاولة التي اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية العراق بالتدبير والتخطيط له.

فيعشرة نوفمبر 1994 اعترف البرلمان العراقي والذى كان يسمى بالجمعية الوطنية العراقية بالحدود الكويتية واستقلالها. في 14 أبريل 1995 صدر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 986 التي جاز للعراق بالاستئناف الجزئي لصادرات النفط العراقية لشراء الطعام والدواء بموجب برنامج "النفط لقاء الغذاء" وهوالأمر الذي لم يقبله العراق حتى شهر مايو/ أيار 1996 ولم ينفذ حتى ديسمبر عام 1996.

في أغسطس 1995 غادر حسين تام زوج ابنة صدام حسين وأخوه وعائلاتهما العراق وحصلوا على اللجوء في الأردن لكنه فشل في استتقطاب المعارضة العراقية في خارج العراق حوله وعانى من عزلة سياسية مما ادى به للعودة إلى العراق ليقتل هناك في عملية وصفها صدام حسين بالثأر العشائري للخيانة التي قام بها حسين كامل.

في 15 أكتوبر 1995 فاز الرئيس صدام حسين في استفتاء صوري بنسبة %99.9 ونتيجة هذا الأستفتاء شرع له بالبقاء في السلطة لسبع سنوات أخرى. في 31 أغسطس 1996 شنت القوات العراقية هجوما على منطقة حظر الطيران في الشمال احتلت محافظة أربيل بعد نداء للمساعدة من الحزب الديمقراطي الكردستاني اثناء الحرب الصراع المسلح بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني.

في 31 أكتوبر 1998 انهى العراق تعاونه مع اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة والمسؤولة عن مراقبة تدمير أسلحة الدمار الكامل العراقية مما حدى بالولايات المتحدة وبريطانيا بشن حملة قصف أطلق عليها اسم "عملية ثعلب الصحراء" عقب إجلاء موظفي الأمم المتحدة من أجل تدمير برامج الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية العراقية. في 17 ديسمبر تم تشكيل لجنة المراقبة والتقصي والتفتيش بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1284 لكن العراق رفض ذلك القرار. في أبريل 2002 علق العراق صادرات النفط احتجاجا على الهجمات الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية. ورغم دعوات صدام حسين إلا حتى أيا من الدول العربية لم تستجب له في اتباع نهجه إلى حتى تم استئناف صادرات النفط العراقية بعد 30 يوما.

في سبتمبر 2002 وبعد عام على احداث 11 سبتمبر التي هزت السياسة الأمريكية بدأت بوادر التهيئ الأمريكي لضرب العراق حيث طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش من قادة العالم المتشككين خلال جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة حتى يقابلوا "الخطر الجسيم والمتراكم" للعراق أوحتى يتنحوا جانبا لتتصرف الولايات المتحدة. وفي الشهر نفسه، نشر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ملفا عن قدرات العراق العسكرية. في نوفمبر 2002 عاد مفتشوالأسلحة التابعين للأمم المتحدة إلى العراق بموجب قرار للأمم المتحدة يهدد العراق بتحمل العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن انتهاك بنود القرار وفي مارس 2003 اصدر كبير مفتشي الأسلحة الدوليين في العراق هانز بليكس تقريرا بأن العراق زاد من تعاونه مع المفتشين ويقول إذا المفتشين بحاجة إلى مزيد من الوقت للتأكد من إذعان العراق ولكن سفير بريطانيا في الأمم المتحدة صرح في 17 مارس 2003 بان السبل الدبلوماسية مع العراق قد انتهت، وتم إجلاء مفتشي الأمم المتحدة من العراق ومنح الرئيس جورج بوش ، صدام حسين مهلة 48 ساعة لمغادرة العراق أولقاءة الحرب.

في 17 مارس 2003 قامت الصواريخ الأمريكية بقصف بغداد ليمثل ذلك بداية للحرب التي قادتها الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين. وفي الأيام التالية تدخل القوات الأمريكية والبريطانية العراق من الجنوب. وفيتسعة أبريل 2003 تقدمت القوات الأمريكية صوب وسط بغداد وتحطم تمثال صدام حسين في وسط بغداد. وفي الأيام التالية سيطر المقاتلون الأكراد والقوات الأمريكية على مدينتي كركوك ومحافظة نينوى الشماليتين، وسقط أعمال نهب كبيرة فيبغداد وغيرها من المدن.

التاريخ الحديث (2003–الآن)

غزوالعراق 2003

في أبريل 2003 قامت قوات الولايات المتحدة بوضع قائمة تضم 55 مطلوبا من نظام صدام حسين حيث تم القبض على معظم من في القائمة في فترات زمنية متفاوتة وتم تشكيل سلطة الائتلاف الموحدة برئاسة بول بريمر وقام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالتصديق على قرار يدعم الإدارة التي تقودها الولايات المتحدة ويحمل العقوبات الاقتصادية عن العراق. في يوليو2003 تم عقد اول اجتماع لمجلس الحكم في العراق الذي عينته الولايات المتحدة، وقائد القوات الأمريكية بدأ بالتصريح بان قواته تقابل حرب عصابات بسيطة، وقتل نجلي صدام حسين قصي وعدي في معركة مسلحة في محافظة نينوى .

بدأ المقاومة العراقية بتكثيف هجماتها حيثت تمت في أغسطس 2003 هجوم بالقنابل على السفارة الأردنية في بغداد وقتل 11 شخصا، وهجوم على مقر الأمم المتحدة ببغداد يقتل 22 شخصا من بينهم مبعوث الأمم المتحدة، واعتنطق علي حسن المجيد ابن عم صدام حسين والمعروف باسم علي الكيماوي، ومقتل 125 شخصا في انفجار سيارة ملغومة بالنجف من بينهم الزعيم الشيعي آية الله محمد باقر الحكيم.

في أكتوبر 2003 صدق مجلس الأمن على قرار يعطي الشرعية للاحتلال الأمريكي للعراق ويؤكد على نقل السلطة مبكرا للعراقيين. لكن الموقف الأمني بدأ بالتدهور وبعد ستة أشهر من إعلان الرئيس الأمريكي انتهاء العمليات العسكرية في العراق وبالتحديد في شهر نوفمبر كان عدد الضحايا الأمريكين في العراق قد تجاوز عدد القتلى خلال الحرب، ففي خلال شهر واحد اغتال 105 جنديا من قوات التحالف.

في 14 ديسمبر 2003 تم اعتنطق صدام حسين في تكريت، وقام مجلس الحكم في العراق بالموافقة على على دستور مؤقت للبلاد بعد مفاوضات مطولة وخلافات حادة حول دور الإسلام ومطالب الأكراد بحكم فدرالي، وفي أبريل 2004 قامت المليشيات التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر بشن هجمات على قوات التحالف، وتقارير عن مقتل المئات في القتال بين الجيش الأمريكي الذي حاصر مدينة الفلوجة، وظهرت صور عن انتهاكات ضد السجناء العراقيين على يد قوات أمريكية في فضيحة سجن ابوغريب، وقتل رئيس مجلس الحكم عزالدين سليم في انفجار خارج مقر التحلاف ببغداد.

في الأول من يونيو2004 تم تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة الذي تم حلها فيما بعد وحل محلها الحكومة العراقية الانتنطقية التي كانت من مهامها الرئيسية تهيئة الأنتخابات العراقية لاختيار مجلس النواب العراقي الدائمي والتصديق على الدستور العراقي الدائمي .

فترة ما بعد الغزو

المناطق المحتلة في العراق، سبتمبر 2003.

أعرب الرئيس الأمريكي جورج دبليوبوش بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له بلاده في 11 سبتمبر 2001م، حتى العراق إحدى دول محور الشر الداعمة للإرهاب والساعية إلى الحصول على أسلحة الدمار الكامل، وأكد على ضرورة توجيه ضربات استباقية وحتمية لتغيير النظام العراقي. وفي سبتمبر 2002م، أعرب بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى نظام صدام يشكل تهديداً مباشراً بسبب تاريخه الحافل في مهاجمة جيرانه، واستخدامه للأسلحة الكيميائية، ومساندته للجماعات الإرهابية، وتحديه السافر والمستمر لقرارات مجلس الأمن. وخلال الشهور التالية مهدت الإدارة الأمريكية عبر حشودها العسكرية ومساعيها الدبلوماسية والإعلامية لشن حرب ضد العراق.

قام العراق بسلسلة من الإجراءات للحيلولة دون اندلاع الحرب، فأعاد في أكتوبر 2002م للكويت أرشيفها الوطني الذي كان قد استولى عليه خلال احتلالها عام 1990م. وسمح لخبراء الأمم المتحدة في 27 ديسمبر 2002م باستئناف عمليات التفتيش على أسلحة الدمار الكامل وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1441. وفي مطلع عام 2003م، وافق العراق على التخلص من صواريخ الصمود. لم تثن هذه الإجراءات الولايات المتحدة عن شن حرب (لتحرير) العراق فأطلقت في 25 فبراير 2003م مشروعاً في مجلس الأمن بالتضامن مع المملكة المتحدة وأسبانيا يدعولشن حملة عسكرية ضد العراق. عارضت معظم الدول الأعضاء في المجلس مشروع القرار قبل التصويت عليه، ولوحت فرنسا وألمانيا باستخدام حق النقض (الفيتو) لاسقاطه فلم يتم التصويت عليه. وفي مارس 2003م، حدد الرئيس الأمريكي مهلة للرئيس صدام حسين للخروج من العراق أوشن حملة عسكرية عليه. وعاد بوش وأكد حتمية دخول قواته العراق سواء خرج صدام أم لم يخرج منه. وبعد أقل من ساعتين من انقضاء المهلة المحددة صبيحة 20 مارس بدأت حرب (تحرير) العراق. وفي اليوم الثامن من أبريل احتلت القوات الأمريكية والبريطانية القصور الرئاسية في بغداد. وفي التاسع من أبريل عام 2003م أي بعد مرور 21 يوماً على اندلاع الحرب سقطت بغداد، وكان انهيار الجيش والنظام العراقي دون مقاومة تذكر مفاجئاً. دمرت الحرب البنية التحتية للعراق. ونهب الغوغاء تحت بصر جنود الاحتلال المتاحف والمصارف والدواوين الحكومية، وأحرقوا المخطات وسادت الفوضى. وتحت الاحتلال الأمريكي البريطاني تم تكوين مجلسين أحدهما للحكم الانتنطقي والآخر للوزراء على أساس تمثيلٍ طائفي. وفي الوقت نفسه تصاعدت أعمال المقاومة العراقية ضد الاحتلال؛ فهي تضرب في أكثر من مسقط جميع يوم.

ظل صدام حسين ملاحقاً من القوات الغازية التي أعربت مقتل نجليه عدي وقصي في معركة بمدينة الموصل في 22 يوليو2003م. وفي 14 ديسمبر من العام نفسه أعرب مسؤولون أمريكيون اعتنطق صدام في مغرسة بتكريت.

ونتيجة لضعف السيطرة الأمنية، تختلط أعمال المقاومة ضد الجنود الأمريكيين والبريطانيين بتخريب المنشآت والبنية الأساسية للبلاد وبسقوط الضحايا من المدنيين العراقيين ومن العاملين في الهيئات الدولية. وتعلن الحكومة الأمريكية حتى جنودها سيرحلون عن البلاد فور تحقيق الأمن وإرساء نظام ديمقراطي.


انظر أيضا

  • تاريخ بغداد
  • بلاد الرافدين
  • عباسيون
  • إمبراطورية أكادية
  • أشوريون
  • بابليون
  • سومر

المصادر

  1. ^ Hart, Ron Duncan (2007), A Phoenix Rising, World Arts Press, p. 33, ISBN 9780977751419 
  2. ^ Elsheshtawy, Yasser (2004), Planning Middle Eastern Cities, Routledge, p. 60, ISBN 9780415304009 
  3. ^ "Baghdad's Treasure: Lost To The Ages". Time. 28 April 2003. Retrieved 4 May 2010.
  4. ^ http://www.timeforkids.com/TFK/teachers/wr/article/0,27972,447386,00.html
  5. ^ موسوعة حضارة العالم أنشأها أحمد محمد عوف

وصلات خارجية

  • العراق: صراع الحضارات
  • Iraq History and Culture from the cradle of civilization and Noah to the present age and time


تاريخ النشر: 2020-06-04 18:57:46
التصنيفات: تاريخ العراق, بلاد الرافدين, الهلال الخصيب, تاريخ بلاد الشام

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

ملياردير روسي جمع ثروته من ألعاب الموبايل يشتري قصرا في لندن

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:08:33
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 88%

الجيش الأمريكي يدمر صاروخا حوثيا مضادا للسفن

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:08:31
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 97%

حصيلة جديدة لقتلى الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:08:28
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 96%

كوت ديفوار تتأهل إلى نصف نهائي كأس أمم إفريقيا وتفوز على مالي

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:21:37
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 57%

كوبا تدين بشدة العدوان الأمريكي على سوريا والعراق

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:08:37
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 96%

عاجل| مفاجأة.. رد رسمي من الزمالك على صفقة رمضان صبحي - رياضة

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:20:48
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 52%

الخارجية الأميركية تتجه نحو التصعيد مع إسرائيل

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:08:49
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 96%

احتفالات غير مسبوقة لجماهير كوت ديفوار في باريس (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:08:44
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 94%

محمود عصمت: لدينا اقتصاد قوي قادر على مواجهة الأزمات الخارجيه

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:22:11
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 67%

سحب فيلم ليه تعيشها لوحدك من السينما بعد 4 أسابيع - فن

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:21:14
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 51%

لماذا لا يعترف الناتو بذنبه في إسقاط الطائرة الروسية Il-76

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:08:51
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 86%

تحطم مروحية للشرطة التركية ومقتل طياريها

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-04 09:08:32
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 92%

تحميل تطبيق المنصة العربية