تحكيم قناة السويس

عودة للموسوعة

تحكيم قناة السويس

أيمن زغلول
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

سيرة قناة السويس هى من أعقد القصص القانونية فى تاريخ مصر وقد نتج عن إنشائها فرع تام من فروع القانون الدولي يبحث فى حقوق الملاحة للدول ومراعاة حقوق السيادة للدولة صاحبة الممر الملاحى. فالقناة واقعة بالكامل على أرض مصر من الشرق ومن الغرب. و[مياه اقليمية|البحر الإقليمي]] الذى يحيط بمدخليها هوبحر مصر الإقليمى شمالا وجنوبا. والمؤكد حتى فكرة القناة التى تصل بين البحرين الأحمر والمتوسط هى فكرة قديمة جدا تعود إلى ما قبل الإحتلال العثماني لمصر عام 1517 حيث أنه من الثابت حتى مجلس تجار فينيسيا الإيطالية قد درس الأمر وعقد العزم بالعمل على الدخول فى مفاوضة مع مصر من أجل التصريح بشق هذه القناة لأن الإيطاليين كانوا أكبر المستفيدين من مسقط مصر المتفرد على البحرين الأبيض والأحمر. ولكن الغزوة العثمانية لمصر أنهت تلك المحاولات الأولى. وفى أثناء حكم العثمانيين لمصر تبنى السلطان مصطفى المشروع لبعض الوقت ولكن وفاته على ما يروى جعلت الفكرة تذوى من جديد.

وبعد ذلك أثناء الحملة الفرنسية يروى حتى نابليون بونابرت قد سافر بنفسه لمعاينة مسقط المشروع بالقرب من برزخ السويس ولكن لسوء الحظ كان البحر الأحمر يومها هائجا ثائرا مما عضد من الإنطباع السائد وقتها بأن البحر الأحمر يقع منسوبه أعلى من البحر المتوسط بحوالىتسعة متر وهومن طبيعة الحال خطأ مساحى هندسى. وفيما بعد قام عدة مساحين بإجراء عملية القياس من حديث واستقروا فى النهاية على حتى البحرين متساويان تقريبا فى الإرتفاع.

الامتياز

القناة التى نعهدها اليوم أنشئت باتفاق تجارى (عقد إمتياز) بين الفرنسى فرديناند ديليسبس والخديومحمد سعيد. والخديومحمد سعيد لم يكن حريصا ولا حتى حاذقا لدى إبرامه هذه الإتفاقية. إذ عندما صدر عنه إمتياز قناة السويس عام 1854 جاز هذا العقد للشركة بأن تلتزم الحكومة المصرية بتقديم 80% من العمالة اللازمة للتطبيق. ولم يكن الأمر مبنيا على السخرة كما أشيع بعد ذلك ولكنه كان مبنيا على الإجبار مع دفع أجر ينطق أنه يزيد على ثمن السوق السائد فى ذلك الزمان. وهذا الشرط وحده كفيل بمراجعة الإتفاق من أساسه حيث حتى الشركة هى مؤسسة تجارية تسعى للربح وعليها حتى تبذل العناية الواجبة وعلى نفقتها وبطريقتها الخاصة لتدبير اليد العاملة للمشروع. ونص الإمتياز على صرف المواد الغذائية للعاملين فى المشروع مجانا على نفقة الشركة وكذلك خدمات العلاج التى تقدم للسقمى منهم. كذلك منح صك الإمتياز للشركة حق معاقبة من لا يؤدى عمله من العمال بكيفية ترضى الشركة بالخصم المالى فقط ومنع أى عقوبة أخرى كالعقوبات البدنية. وبهذا النص وضعت الحكومة المصرية العمال فى وضع أفضل كثيرا من الوضع الذى كان عليه العمال المصريون العاملون تحت الإشراف البريطانى أثناء أعطى خطوط السكك الحديدية من الأسكندرية إلى القاهرة والسويس حيث يروى حتى عشرة آلاف مصرى من الفلاحين المسخرين قد هلكوا فى يوم واحد فقط بسبب الجوع فى الصحراء. ويبدوحتى هذا الخلط بين المشروعين هوما إستقر فى وجدان الفلاحين المصريين وفى التراث الشعبى عن المشروع إذ حتى أحدا لا يتذكر اليوم المهالك التى صاحبت خط السكة الحديد بينما يعتقد كثيرون حتى تلك المهالك مرتبطة بمشروع حفر القناة. وأغلب الظن لوصحت الروايات هوحتى الفلاحين لم يكنوا يعهدون فى أى مشروع هم يبذلون الجهد والكد وذلك بسبب الجهل السائد فى ذلك الزمان.

ونص صك الإمتياز الذى سلم إلى ديليسبس شخصيا فى إحتفال أقيم بالقلعة – مقر الخديو- بمدينة القاهرة فى يوم 18 نوفمبر عام 1854 على حتى تنشأ ترعة مياه عذبة على طول المسافة التى كانت تبترها القناة القديمة من وادى النيل إلى السويس وعلى حتى تكون الأراضى العامة الغير مملوكة ملكية خاصة والمتاخمة لهذه الترعة على الجانبين ملكا للشركة تحصل عليها بدون لقاء لتستغرسها لصالحها!! وهوشرط أيضا غريب فى بابه. وقد نص الإمتياز أيضا على حتى تحصل مصر على 15% من صافى الربح الذى تدره القناة بينما يحصل حملة الأسهم على 75% ويحصل مؤسسوالشركة (ديليسبس ومن بدأوا معه المشروع ) على 10% من تلك الأرباح الصافية. أى أنهم يحصلون على ثلثى ما تحصل عليه الدولة المصرية. ونص المرسوم أيضا على حتى تكون رسوم العبور التى تحددها الشركة مع الحكومة المصرية متساوية لجميع السفن بغض النظر عن جنسيتها. وكذلك حدد مرسوم الإمتياز مدة 99 عاما منذ يوم إفتتاح القناة للملاحة لكى تصبح بعد ذلك ملكا للدولة المصرية حيث تؤول جميع ممتلكات الشركة إلى مصر لقاء دفع تعويض عما تهجره الشركة للمصريين من معدات وأصول يحدد بطريقة ودية بين الطرفين أوبناء على إجراءات تحكيم يجرى فى حينه. ومضى المرسوم بعد ذلك فى تحديد الضرائب التى ستفرض على المشروع ثم انتهى بعبارات مثل نحن خديومصر نتعهد بأن نتعاون بإخلاص ومعنا جميع موظفى الدولة فى مصر مع الجهود المبذولة من جانب السيد/ ديليسبس والشركة التى ينوى إنشاءها من أجل إنفاذ واستغلال مشروعه وذلك بكل ما فى وسعنا.

ولابد من القول حتى دليسبس كان رجلا داهية يعهد ماذا يعمل حيث أنه هومن قام بإقناع السلطان العثمانى فى القسطنطينية بجدوى مشروعه بعد حتى مثل أمامه وقدم له المشروع الذى كانت إنجلترا أبرز حلفاء السلطان تقف منه موقفا سلبيا لأن مصر لم تكن قد إحتلت بعد بالجنود البريطانيين. وانجلترا لم تكن مرحبة بقناة تتحكم فى طرق الملاحة البحرية ولا تخضع لسيطرتها المباشرة حيث أنها تعودت على التحكم فى الطرق الملاحية كقوة بحرية عظمى كان جميع من باب المندب ومضيق جبل طارق من بين ما يخضع لسيطرتها. وإقناع السلطان العثمانى بالمشروع كان أمرا حيويا لتطبيقه حيث حتى مصر كانت تابعة قانونيا للدولة العثمانية وتعد جزءا من ممتلكاتها وقد أعيد تأكيد ذلك فى معاهدة لندن التى ثبتت حكم محمد على فى مصر وجعلت السلطة وراثية فى عائلته بعد مماته ولكنه كان يحمل لقب نائب الملك Vice Roy أى أنه ينبغى عليه وعلى خلفائه العودة للباب العالى فى مثل هذه الأمور الهامة التى تمس أراضى الإمبراطورية العثمانية، وكان هذا هونفس المركز القانونى للخديومحمد سعيد فكان لزاما عليه الحصول على موافقة السلطان، وهى المهمة التى قام بها فرديناند دليسبس بنجاح. ولم تشارك القوى الأخرى إنجلترا فى موقفها السلبى هذا. ففرنسا كانت فى صف المشروع من طبيعة الحال حيث حتى الشركة كانت مسجلة فى فرنسا وصاحب الفكرة فرنسى. والنمسا التى كانت إمبراطورية لها ميناء تريست على البحر المتوسط كانت تمنى نفسها برواج كبير ناتج عن تسهيل الحركة التجارية البحرية بين شرق العالم وغربه وكانت تشجع المشروع بل حتى مساحين نمساويين كانوا من ضمن من أثبت تساوى منسوب جميع من البحرين ودحض فكرة إرتفاع مستوى البحر الأحمر. وإيطاليا لم تكن أيضا قد وجدت كدولة موحدة بعد ولكن النشاط التجارى البحرى الإيطالى نشاط قديم وقد كان تجار فينيسيا يحلمون بهذا المشروع قبل ذلك بأكثر من 400 عام. أما ألمانيا التى لم تكن أيضا قد وجدت كدولة موحدة بعد فقد كانت الدول البحرية فيها فى صف الفكرة التى تقرب المسافات وتسهل التجارة بين الشرق والغرب، حتى حتى فرديناند ديليسبس ارسل فى عام 1858 خطابا طويلا لرئيس تحرير إحدى الصحف فى مدينة كولن يشكره فيه على موقف الصحافة الألمانية "الإيجابى والحضارى من المشروع، خلافا لمواقف آخرين".

وكان دليسبس قد قام بزيارة إنجلترا عام 1855 عقب نجاحه لدى الباب العالى لكى يحاول إقناع حكومتها بتقليل معارضتها لمشروعه وقابل اللورد بالمرستون رئيس الوزراء الجديد والدبلوماسى السابق الذى كان هوالمحرك الرئيسى لانجلترا فى مؤتمر لندن عام 1840 الذى قلم أظافر محمد على وقلص نفوذه بأن ألب الدول الأوروبية عليه حفاظا على كيان الدولة التى أسماها قيصر روسيا "الرجل المريض على البوسفور"، حيث حتى إرث الإمبراطورية العثمانية المترهلة كان يمثل حلبة صراع بين الدول الأوروبية وهوما كان يطلق عليه المسألة الشرقية. وبالمرستون هذا لم يكن سياسيا بارعا بل كان عدائيا ومحتد المزاج ويتدخل فى جميع ركن من أركان العالم حتى حتى الصحافة أطلقت عليه Lord Firebrand أى أنه كان عامل إزعاج لمن تعاملوا معه. وفى لقاء دليسبس مع رئيس الوزراء عبر الأخير عن قلقه من عدم الصلاحية الفنية للمشروع! وكأن هذا هومن شواغل رؤساء الوزراء! ولكن دليسبس الداهية رد على مناورة رئيس الوزراء الإنجليزى ففاقت براعة الأول ذكاء الثاني بمراحل حيث أنه نادى إلى تشكيل لجنة فنية على أعلى مستوى من الخبراء الأوروبيين من كافة الدول، النمسا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا وإنجلترا وهولندا لكى تجتمع فى باريس ثم تشد الرحال إلى مصر لمعاينة المشروع على الطبيعة. والطرف الوحيد الذى غاب عن هذه اللجنة هوالولايات المتحدة الأمريكية التى لم تكن قوة عالمية فى ذلك الزمان.

وصلت لجنة المهندسين فى نوفمبر عام 1855 إلى مصر وكان عدد أعضائها 11 من جميع الجنسيات بالإضافة إلى دليسبس ورينان بك وموجول بك من الحكومة المصرية (وهما من طبيعة الحال ليسا من المصريين) وقد لقيها الخديومحمد سعيد بحفاوة بالغة وعاملهم كما يروى فى الخط التى تحدثت عن تلك الحقبة معاملة الملوك من حاملى التاج حيث أنهم يحملون على رؤوسهم تاج الفهم! وقد ذكر بعد ذلك حتى إقامتهم فى مصر كلفت الدولة المصرية 300 ألف فرنك فرنسى دفعها الخديورغم حتى هذا يعد من صميم عمل الشركة التجارية التى أسسها دليسبس وليست مسئولية مانح الإمتياز. وقد بدأت اللجنة الفنية الهندسية عملها فى مصر برحلة نيلية كانت بالغة الرخاء حتى يستكشفوا البلد ويتعهدوا على النيل! وأوصت بعد ذلك بالبدء أولا فى شق ترعة المياه الحلوة حتى يمكن من خلالها إمداد مسقط العمل فى الصحراء بالماء والغذاء اللازمين للعمال. وفى بداية يناير 1856 قدمت لجنة المهندسين الدولية تقريرها للخديومحمد سعيد وفيه ذكرت حتى التكلفة النهائية للمشروع لن تتعدى 200 مليون فرنك فرنسى وأن المشروع مجز وله جدوى إقتصادية حيث أنه يربط بين الشرق والغرب وأن الصعوبات التى تكتنف العمل فى ميناءى السويس وبورسعيد (الميناء المستحدث) هى صعوبات تطبيقية عادية ولا تشكل قلقا هندسيا.. وكلها كما نرى معلومات عادية لا قيمة لها يستطيع أى مهندس متوسط الخبرة حتى يدلى بها بأتعاب أقل كثيرا جدا من عشر ما تكبده الخديومن تكاليف. إلى غير ذلك فى نوفمبر عام 1857 بدأ الإكتتاب فى أسهم شركة قناة السويس وكان ثمن السهم 500 فرنك وبلغ عدد الأسهم المطروحة من أجل البيع 400 الف سهم وبذلكقد يكون رأس مال الشركة هونفسه مبلغ 200 مليون فرنك التى قدرت اللجنة الهندسية أنه يكفى لإنجاز المشروع. وقد تم بيع حوالى 207 ألف سهم بمجرد الطرح فى ذلك اليوم. وكان حتى بدأ الحفر من شمال القناة عند بورسعيد فى أبريل 1858 حتى وصل إلى بحيرة التمساح فى نوفمبر 1862. ولكن فى تلك الأثناء سقطت معضلة وخلاف قانونى تسبب عنهما توقف العمل لبعض الوقت وكلفا مصر كثيرا من المال بسبب سوء صياغة عقد الإلتزام (الإمتياز) الذى منحه الخديومحمد سعيد. كانت إنجلترا غير مستريحة بالمرة إلى فكرة مضيق مائى يسيطر على حركة التجارة والاساطيل العسكرية ولاقد يكون واقعا فى نطاق سيطرتها. (هذا الموقف تكرر مرة أخرى قبيل الحرب العالمية الأولى حينما مول البنك الألمانى دويتشه بنك مشروع سكك حديد الحجاز وهوما كان سيربط بين مكة والمدينة وإسطنبول مرورا بدمشق مع تفريعة إلى بغداد. وبذلك تكتمل شبكة مواصلات أرضية على مساحة هائلة لوأنها إتصلت أيضا بالسكة الحديدية الموجودة فى مصر لاتصل العراق بمصر مباشرة عبورا بسوريا وفلسطين ووصولا إلى إستنبول. وهذا ما كان يخيف إنجلترا فسعت أثناء فترة البناء إلى حتى يبنى هذا الخط فى فلسطين قريبا جدا من الساحل حتى يمكن لمدافع الأسطول البريطانى فى حال الحرب حتى تدمره من البحر لتمنع حركة الجيوش الهجرية).


الخلاف

وكانت عملية الدس على السلطان فى إستنبول لا تتوقف. وكان القنصل الإنجليزى يقضى أمسيته فى محاولة إقناع الأتراك ألا يصرحوا بهذا الإمتياز بينما كان القنصل الفرنسى يقضى الأمسية التالية فى محاولة محوأثر ما أوعز به قنصل إنجلترا. وقد ظهر التردد الهجرى بقوة فى حقيقة حتى الديوان (مجلس الوزراء) قد عقد 17 جلسة كاملة خصصت جميعها فقط لبحث موضوع القناة والإمتياز حتى وافق فى النهاية ومنح دليسبس موافقة السلطان. ولكن الصحافة البريطانية على قدر ما كانت تبتعد عن حتى تمالىء الحكومة البريطانية فى موقفها العدائى للمشروع، إلا أنها كانت تهاجم كيفية التشغيل الإجبارية للفلاحين المصريين الذين كان تشغيلهم يتم بقوة الدولة المصرية حسب مقتضى عقد الإمتياز الذى أشرت إليه سالفا. وبذلك فإن الخديوإسماعيل عندما إعتلى أريكة مصر عقب وفاة الخديومحمد سعيد كان مضطرا إلى إيقاف المشروع بسبب الهجوم الشديد عليه من جانب إنجلترا التى كانت تعبر عن سخطها مما أطلقت عليه السخرة، متناسية ما سقط للفلاحين المصريين أثناء بناء خط السكة الحديد من هلاك تحت إدارتها المباشرة.

وعند هذه النقطة لابد من الوقوف أمام عقد الإمتياز. فالعقد لم يتضمن أى شرط للتحكيم فى حال الخلاف. وكل ما ذكر عن التحكيم هوأنه فى حالة عدم الإتفاق الودى بين الطرفين عند إنتنطق الملكية من الشركة للدولة المصرية بعد نهاية مدة الإمتياز (99 عاما) يلجأ الطرفان للتحكيم. أما خلافات الطرفين أثناء تطبيق العقد فلم يرد بشأنها نص. ومن الواضح حتى العقد لم يحدد المحكمة المختصة بنظر الخلافات الناشئة عن العقد. وكان الأجدر بالخديوحتى يحدد فى العقد المحكمة المختصة بنظر الخلافات حول تطبيقه. ولوحتى الرد على ذلك اتى بأن مصر لم يكن فيها فى ذلك الوقت محاكم تستطيع نظر هذه القضايا كان من الممكن إشتراط إختصاص محاكم هجريا مثلا بالفصل فى النزاعات التى قد تنشأ حول تطبيق العقد. ولكن التساهل فى الحقوق كان فى تلك الفترة شديدا وكان مبناه الجهل وعدم الخبرة بالإضافة إلى الإنبهار بكل ما أجنبي. أضف إلى ذلك حتى الرعايا الأجانب كانت لهم مميزات وامتيازات على تام أرض الإمبراطورية العثمانية ومن ضمنها من طبيعة الحال مصر.

وهنا لابد للمرء حتى يلاحظ الفرق الثقافى بين الولايات المتحدة ومصر. فالتحكيم الذى جرى بشأن قناة السويس كان سابقا على تحكيم آلاباما الذى جرى بين الولايات المتحدة وبريطانيا عقب الحرب الأهلية الأمريكية بحوالى سبع سنوات. ولكن الأمريكيين اصروا قبل الموافقة على مبدأ التحكيم على حتى توضع قواعد ثابتة ومتفق عليها يجرى التحكيم على أساس منها، أى ما نطلق عليه اليوم مشارطة التحكيم. وهوما أغفلته مصر بطبيعة الحال. ثانيا كانت هيئة التحكيم التى أجرت تحكيم ألاباما الشهير مختلطة من جنسيات لا تنتمى إلى طرفى النزاع بينما عهد الخديوإسماعيل بمهمة التحكيم إلى "صديقه" نابليون ملك فرنسا لكى يفصل فى نزاع بين الخديووشركة فرنسية!! وهذه الشركة الفرنسية تنفذ مشروعا تتأمل فيه فرنسا زيادة كبيرة فى نفوذها فى العالم. إلى غير ذلك جرى تحكيم بلا قواعد ولا مشارطة مسبقة بل ولا حتى إتفاق عقدى على إجرائه وبلا فريق مصرى يقوم بمهمة الدفاع عن مصلحة الدولة المصرية. (تكرر هذا الموقف العاجز من جانب مصر عدة مرات فى عصرنا هذا حيث تبرم إحدى هيئات الدولة عقدا مع جهة خارجية ثم تكتشف هيئة مصرية أخرى أنها لا توافق على مثل هذا الإتفاق فتفسخه حكومة مصر وتكون قد إتفقت على تحكيم دولى تأتى نتيجته فى غير صالح مصر). وهذه الظاهرة لا استطيع حتى أفسرها فى عصرنا هذا إلا من خلال منظور التعالى الساذج. فالمسئول المصرى يتعالى على قضاء بلاده ويرفض الخضوع لولايته ويشعر بأنه مميز عن أقرانه بسبب أنه قد إتفق على "تحكيم دولى" وهوغير عارف لما يخفيه هذا النص من مفاجآت سيئة لصاحبنا المتعالى. وهنا يظهر فرق مستوى خبرة أجهزة الدولة بين الأمم. وقد تكررت مواقف عديدة فى العصر الحالى ظهر فيها عجز مستودع الخبرة الحكومى فى دول مثل إيطاليا واليونان عن فهم طبيعة الإلتزامات التى يقيد بها هؤلاء الخبراء حكومة بلادهم ولا تأتى نتائج هذا العجز المعهدى إلا بعد فوات الأوان. بينما دول أخرى مثل إنجلترا كان فهم المشرع فيها سريعا فأصدر قانونا يمنع المحليات من الإقتراض المباشر من البنوك الإستثمارية التى كانت سبب الأزمة فى اليونان وإيطاليا. والآن نعود إلى موضوعنا الأصلى وقناة السويس. على أثر الضغط البريطانى الشديد على الباب العالى وعلى أثر الحملة المنظمة التى شنتها الصحافة البريطانية - ليس على المشروع فى ذاته وإنما على "السخرة" التى رأوها متمثلة فى إجبار العمال على بذل الجهد فى المشروع لقاء أجر، أصدر الباب العالى ثلاثة قرارات كانت حاسمة فى مسار المشرع:

1. إعتبارا من تاريخ صدور القرارات لا تمد الحكومة المصرية الشركة إلا بستة آلاف عامل بدلا من 20 ألف.

2. حمل أجر العامل اليومى لكى يصل إلى 2 فرنك و16 سنت وهوأجر يزيد عن ضعف الأجر الذى يدفع فى جميع مصر.

3. إلغاء البند فى الإلتزام الذى يتيح للشركة الحصول على الاراضى الواقعة على جانبى الترعة وإعادة هذه الاراضى للدولة المصرية.

وبالطبع فإن الدولة المصرية التى يقف على رأسها الخديولم يكن لها إلا حتى تصدع بأمر الباب العالى الذى يمثل السلطة العليا فى البلاد فأعربت مصر (فى عهد الخديوإسماعيل الذى بدأ عام 1863) عن تطبيق قرارات الباب العالى. وقد كان فى تلك القرارات هلاك الشركة حيث حتى التكاليف قد زادت عليها بينما كان المشروع فى منتصف الطريق بالإضافة إلى حتى المساهمين كانوا قد حصلوا على وعد بالإفتتاح والبدء فى جنى ثمرات إستثمارهم فى مشروع كان ينظر إليه وقت الإكتتاب – أيضا بعمل التأثير البريطانى – على أنه مثيل لنوعية مشاريع غزوالفضاء فى عصرنا هذا بسبب شائعة فرق المنسوب بين البحرين. وكانت الشركة تعانى من ضائقة مالية لا تستطيع بسببها أوتبنى بوابات من الحديد (يبدوحتى المقصود هوأهوسة حيث أنها لم تكن تصنع فى مصر بعد) فاتىت الضربة الإدارية من الباب العالى شبه قاصمة لنشاط الشركة. وبالطبع هللت الصحافة البريطانية "للنصر الذى أحرزته الإنسانية فى حربها على السخرة والإستعباد"!! ونفس هذه الصحافة البريطانية التى زفت للناس بشرى النصر على السخرة لم تنبس بحدثة فى شأن السخرة الأخرى التى مارستها الدولة البريطانية بصفتها دولة الإحتلال فى جميع مكان من الهند إلى أفريقيا إلى مصر كما أنها لم تخرج بحدثة واحدة حول ضلوع الأسطول البريطانى فى تهريب الافيون من البنجال إلى الصين والتسبب فى إدمان 15 مليون إنسان لهذا السم المخدر. ولكن هذه قصص ليس هنا محلها.

التحكيم

إلى غير ذلك بدا الموقف مخيفا للشركة ومهددا لبقائها نفسه. وفى هذه الظروف العصيبة للشركة سقط التحكيم الذى لم يكن متفقا لا على بنوده ولا على إجراءاته ولا على نفاذ قراره ولا على أى شىء بشأنه. وهنا كان الدور التاريخى الذى لعبه نابليون الثالث ملك فرنسا الذى ركن إليه الخديوإسماعيل لكى يحكم بين طرفين أحدهما شركة تابعة لفرنسا. كان نابليون الثالث ملك فرنسا رجلا قد تفهم العلوم العسكرية وتخصص فى المدفعية وكان حاكما أتوقراطيا لا يشاور وزرائه وكان معتدا بنفسه إلى درجة الغرور بالإضافة إلى إيمانه – مثل جميع من حكموا فرنسا – بالدور الكونى "للأمة العظيمة" la Grande Nation التى تنشر الحضارة والفهم والتنوير فى ربوع العالم. وهوالملك الفرنسى الذى هزم على يد الألمان فى مسقطة سيدان الرهيبة عام 1870 وكان هوشخصيا على أرض المعركة وقد قام بتسليم سيفه للقائد الالمانى فون مولتكه قائلا: "هذا هوسيفى أسلمه لكم دليلا على إستسلامى أما الجيش فلا أفهم عنه شيئا" !! وقد أيدت فرنسا الوحدة الإيطالية قبل تلك المعركة بسنوات قليلة جدا وساندت الإيطاليين فى حربهم لكى يستقلوا عن النمسا والمجر. وهذه المستوى بالذات كانت متصلة بقناة السويس حيث أنها جرت فى ستينات القرن التاسع عشر أثناء الحفر مما جعل إنجلترا ترسل جزءا من أسطولها إلى الأسكندرية تهديدا لفرنسا التى زاد نفوذها بالعمل بإنشاء دولة إيطالية حليفة جديدة تدين لفرنسا بجميل المساعدة على تحقيق وحدتها القومية عقب مئات السنين من التشرذم. فقد رأت إنجلترا حتى نفوذ فرنسا سيرتفع فى أوروبا وسيرتفع فى مجال التجارة والحركة البحرية فلعلها ارادت تخويف فرنسا بإيهامها أنها مقدمة على غزومصر!! وهذا الفصل من تاريخ مصر لا يعهد كثيرون عنه شيئا. المهم لدينا هوحتى نابليون الثالث كان يرى بصفته رجل سياسة حتى مشروع القناة هومشروع حيوى للنفوذ والسلطة الفرنسية فى العالم حيث حتى الشركة كانت متفقة مع الدولة فى مصر على أنهما يحددان ثمن المرور فى القناة وهوأمر يجعل إنجلترا التى تعبر سفنها هذا الطريق باستمرار إلى الهند ومن الهند خاضعة لإرادة فرنسية تضع الرسوم بمشاركة مصر التى تفهم إنجلترا حتى مستودع الخبرة بها يكادقد يكون منعدما مما يودى فى النهاية إلى حتى فرنسا تحدد تكاليف الرحلات الإمبراطورية البريطانية وهوما لم تكن الدولة العظمى فى ذلك الزمان ترضى به أبدا. (شىء مشابه لتحديد ثمن البترول فى عصرنا هذا وهوما قد يدفع بالأمور إلى الحرب كما سقط فى عام 1990). وفى ظل هذه الإعتبارات المعقدة دخلت مصر التحكيم واستأمنت الملك نابليون على إجرائه والنطق بالقرار فيه.. فماذا قرر الملك؟

قبل التعرض للحكم ينبغى القول حتى المزايدة على مفهوم حقوق الإنسان فى الشرق الأوسط من الممكن تكون قد وجدت بدايتها الأولى فى تلك القضية. وهذا الكارت لا يزال حتي اليوم مستعملا فى لقاءة جميع من لا يساير الدول الغربية الكبري فيما تريد. وبيان ذلك حتى دليسبس خط إلى صحيفة شمال الراين فى مدينة كولونيا بألمانيا معلقا على الحملة الصحفية البريطانية ضد السخرة قائلا "إن هذا يذكرنى بمحاكم التفتيش فى القرون الوسطى حينما كانت الكنيسة تحكم على المخالفين لها بالحرق حتى الموت تحت ذريعة حتى فى ذلك تطهير لهم وغسل لأرواحهم من ذنوب إرتكبتها أجسادهم وعقولهم فى حق العقيدة المقدسة. وهونوع من التطهير كان يتم رغم أنف صاحبه الذى من الممكن لم يكن يريد هذه الطريقة البشعة من التطهير". وهوهنا كان يشبه الحملة الحكومية البريطانية المتذرعة بحقوق الإنسان فى مصر بالكنيسة الكاثوليكية التى تحتكر الحقيقة ولا تسمح لغير نظرها بالوجود إلى درجة تطبيق أحكام إعدام فى حق من يخالفونها فى النظر مع عدم الإخلال بالمن عليهم بأن ذلك فيه مصلحة لهم حيث يتم تطهير أرواحهم. ودليسبس كان يرى فى نفسه مكانة قريبة من مرتبة المرسل السماوي الذى يفترض أن يجلب الخير الوفير على الشعب المصرى المسكين عن طريق شق هذه القناة التى ستأتى بالعالم كله حضارة وثقافة وتعليما إلى ارض مصر لتعمرها وتجعلها من الأمم الراقية. وهومفهوم قريب من مفهوم الأمة العظيمة صاحبة الرسالة الحضارية (فرنسا). وبريطانيا وفقا لهذا النظر الدليسبسى كانت ماضية فى طريقها للإضرار بالشعب المصرى عن طريق السعى إلى إيقاف العمل أوتعطيله، تماما كالكنيسة التى لم تكن ترى إلا وجهة نظرها ولا تأبه بالضرر الواقع على من يراد له "التطهير". والتعبير الوحيد الذى أصاب فيه دليسبس فى جميع ما خط هوتعبير الشعب المصرى المسكين، وهوما يفترض أن يتأكد بقرار التحكيم، فإلى القرار.


قرار التحكيم

صدر قرار التحكيم فى يوليو1864 وقد كان يومستة يوليو"يوما سعيدا" فى حياة شركة قناة السويس كما يقول التعبير الغربى فى مثل هذه الحالات. لقد حكم الإمبراطور نابليون الثالث بأن تحصل الشركة على التعويضات التالية: 38 مليون فرنك تدفعها الدولة المصرية للشركة تعويضا عن المعدات التى تحتاجها الشركة لتعويض نقص العمال المصريين وكذلك عن فرص العمل التى يفترض أن يتم شغلها من الآن فصاعدا بعمالة خارجية بعد قرار الباب العالى بخفض عدد العمال المصريين بنسبة 70%. 30 مليون فرنك تدفعها الدولة المصرية للشركة نظير تنازل الأخيرة عن الأراضى الممتدة على مسار الترعة العذبة وإرجاعها للدولة المصرية.ستة مليون فرنك تدفعها الدولة المصرية إلى الشركة كتعويض عن ملكية الأخيرة للترعة التى تنقل المياه العذبة حيث أنها تتنازل عنها لمصر بعد حتى قامت بحفرها.عشرة مليون فرنك تدفعها الدولة المصرية إلى الشركة كنعويض عن النفقات التى تكبدتها الشركة فى حفر الترعة العذبة (ترعة الإسماعيلية الآن). تقسط قيمة التعويضات المذكورة أعلاه (84 مليون فرنك) على 16 قسطا سنويا حدد حكم التحكيم قيمتها ومواعيد سدادها. والحكم بادى الظلم والإنحياز ضد الخديوالذى لم يكن واعيا لما يعمله. فقد ضمنت الشركة هكذا قسطا سنويا صافيا من الدخل قيمته 5250000 فرنك جميع عام لمدة 16 عاما هوقدر التعويضات التى حكم بها الإمبراطور "الصديق". وفى سياق الحكم لم يفت على الإمبراطور "الصديق" حتى يضيف المهانة إلى الظلم حيث أنه وصف الفلاح المصرى بأنه "كسول بطبعه، غير مكترث ولا يبالى إذا كان الأمر يتعلق بمصلحته". وهذه العبارات وحدها تجعل من هذا المحكم "الصديق" غير صالح لتولى مسئولية التحكيم حيث أنه بتضمين حكمه لها قد عبر عن فقدانه لحياد القاضى من قبل حتى يبدأ التحكيم.

وجهات النظر الاقتصادية والقانونية

والآن نحاول دراسة هذا الحكم من وجهة النظر الإقتصادية والقانونية. أولا لابد من ملاحظة حتى موقف الباب العالى من هذا الأمر كان هوالمتسبب فى هذا التعويض القاسى الذى هبط بالمالية المصرية. فقد أرادت الدولة العثمانية حتى ترضى الحليف البريطانى الذى كان صاحب أكبر نفوذ سياسى على الدولة العثمانية، أرادت حتى ترضيه فاصدرت تلك القرارات التى نتج عنها اللجوء إلى التحكيم غير عابئة بما يفترض أن يحدث لمصر من جرائها. وقد ظل الباب العالى معتمدا على المساندة البريطانية حتى تبدل الحال وقامت دولة ألمانيا الموحدة فى عام 1871 ومع الوقت بدأت أمورها كدولة تستقر وتتحول إلى قوة كبيرة، أوهكذا توسم فيها السلطان، فبدل تحالفه وأصبحت ألمانيا هى الحليف الأكبر للباب العالي إلى درجة وضع الأسطول الهجرى فى الحرب العالمية الأولى وضعا مباشرا تحت قيادة الأدميرال سوشون الألمانى المتمركز فى البوسفور. أى أنه فى الحالة الماثلة قامت الدولة العثمانية بتبدية مصالحها الأوروبية وتحالفاتها على مصلحة مصر التى كانت جزءا من ممتلكاتها القانونية وإن لم تكن ممتلكات عملية. ثم حتى هجريا هجرت مصر تدفع هذه التعويضات وحدها دون أى تدخل أومساندة من الدولة العثمانية فكانت هذه التعويضات إلى جانب تكاليف أخرى مثل حرب الحبشة وتحديث مدينتى القاهرة والأسكندرية عوامل مباشرة فى التمهيد لاحتلال مصر من قبل إنجلترا عام 1882. وقد اثبتت الأيام بعد ذلك عدم مبالاة الدولة العثمانية بمصر إذ أنها لم تحرك ساكنا ضد حليفها الأكبر بريطانيا عندما قامت الأخيرة باحتلال مصر إحتلالا سافرا رغم كون الدولة العثمانية هى صاحبة الولاية القانونية على مصر. وهذا الموقف العثمانى لابد من دراسة إستمراره منذ مؤتمر لندن عام 1840 الذى قلم أظافر محمد على وحتى قبيل إندلاع الحرب العالمية الأولى. عملى إمتداد هذه الفترة كانت إنجلترا (وفيما بعد ألمانيا) تملى على الباب العالى والأخير يسمع وينفذ دونما إعتبار لمصالح الشعوب التى يعد الباب العالى هوممثلها القانونى. والدليل الأكبر على ذلك هوتضمين القرارات السلطانية شأن ترعة المياه العذبة سواء من جهة ملكيتها أومن جهة تكلفة إنشاءها أومن جهة الأراضى المحيطة بها على الجهتين وكلها أمور لا تمت لموضوع السخرة بأى صلة. والسليم هوحتى إنجلترا أرادت بهذه القرارات التى أوحت بها للباب العالى حتى تنهى حياة المشروع بالقضاء على الشركة قضاءا نهائيا.

والمؤكد هوحتى مسقط مصر الممتاز فى ذلك الزمان قبل تطور الطائرة والصاروخ لم يكن يوما نعمة على أهلها إذا كانوا لا يتمتعون بالإستقلال. فمنذ سقوط مصر فى إحتلال الإغريق ثم الرومان ثم العرب ثم الهجر ثم الفرنسيين والإنجليز وهى تعانى نتيجة مسقطها هائل الأهمية. إلى غير ذلك وفى حالتنا الماثلة تحول مسقط مصر إلى ورقة فى يد الباب العالى يستغله فى توازناته الدولية دون مراعاة مصلحة من يقطنون فى هذا البلد المسكين. والآن نعود إلى قرار التحكيم.

الموقف التطبيقى للمشروع

أول ما يلجأ إليه المرء عند تقييم هذا الحكم هوفهم الموقف التطبيقى للمشروع على الأرض. كنا قد عهدنا حتى مياه البحر المتوسط قد تدفقت عبر القناة ووصلت إلى بحيرة التمساح فى شهر نوفمبر عام 1862 أى قبل قرار التحكيم بحوالى 20 شهرا. وهذا يعنى فى الحقيقة حتى أكثر من نصف العمل فى القناة قد تم بنجاح بالإضافة إلى إتمام ترعة الإسماعيلية بالكامل حيث أنها سبقت فى التطبيق أعمال الحفر فى المياه المالحة. وبذلك يمكن إعتبار حتى الموقف التطبيقى كان يتخطى النصف من جميع أعمال المشروع (ترعة مياه عذبة وقناة مالحة تم أكثر من نصفها). ولما كان الحكم قد ألزم مصر بأن تدفع 38 مليون فرنك تعويضا عن نقص العمالة المصرية وبسبب إستبدال عمالة خارجية وافدة بها، وباعتبار الموقف التطبيقى للمشروع يتبين للمرء حتى مشروعا قدرت تكلفته الكلية بما فيها الترعة العذبة بمائتين مليون فرنك قد تقرر صرف تعويض له عن بند واحد فقط هوبند العمالة بما يعادل 38 مليون فرنك من حوالى 75 مليون فرنك حجم عمل متبقى لم يشرع فيه بعد. وهى نسبة تزيد عن النصف، وذلك فقط لتعويض بند العمالة. هذا عن بند أولا من الحكم. أما عن الأراضى التى أعادتها الشركة إلى الدولة المصرية فمن الثابت بنص صك الإمتياز حتى الشركة قد تقاضتها بدون لقاء من الدولة وذلك عقب صدور الأمر الخديوى بالإمتياز أى خلال عام 1855 والتحكيم جرى فى عام 1864 أى أنه قد مر على حيازة الشركة لهذه المساحات من الأراضى ما لا يزيد بحال من الأحوال عنثمانية سنوات. ولما كانت هذه الأراضى تعتمد فى زراعتها حصريا على المياه القادمة من الترعة فيمكن القول بأن تاريخ نهوأعمال الترعة هونفسه تاريخ البدء فى إستزراع المساحات على جانبيها. ولهذا فمن غير المستساغ حتى تحصل الشركة على هذا التعويض الكبير (30 مليون فرنك) بسبب إرجاعها لأراض لم تدفع فيها أى لقاء ولم تستصلحها بأى طريقة من طرق الإصلاح المستدام وذلك لقصر المدة. وكان الأجدى بالمحكم لوأنه ليس منحازا حتى يقوم بحساب المكسب الذى قد يعود على الشركة من زراعة هذه المساحات خلال مدة العقد (رغم حتى الشركة هى شركة إدارة قناة بحرية وليست إستثمارا زراعيا) وتعويض الشركة بالقدر المعقول عن هذا الكسب الفائت. إلا حتى قرار المحكم اتى جائرا ومنحازا ولسوء حظ الشعب المصرى المسكين الذى دفع الفاتورة وحده من الضرائب ثم من الإحتلال لم يلاحظ أحد رجال الخديوهذه المغالطات. وثالثة الأثافى اتىت فى الحكم بتعويض الشركة بمبلغستة مليون فرنك من جانب الحكومة المصرية بسبب تنازلها عن "ملكية الترعة" التى قامت بشقها على نفقتها. ثم زاد المحكم الملح على الجرح بأن حكم بمبلغعشرة مليون فرنك إضافية نظير العمل الذى قامت به الشركة فى شق الترعة رغم أنها قد تقاضتستة مليون فرنك من البند السابق نظير تنازل عن ملكية ترعة لم تكن تملكها يوما واحدا وإنما كانت فيها صاحبة إمتياز محدود بمدة زمنية. ولست أدرى كيف من الممكن أن لم يخطر ببال الحكومة المصرية التى دفعت جميع تلك التعويضات حتى تطالب الشركة بشراء المياه التى تتدفق فى الترعة فى الفترة المتبقية من العقد حيث حتى الحكومة قد إشترتها ملكية أرض ومياها ومجهودا. ولكنه مستودع الخبرة الذى لابد أنه إعتبر حتى الماء والكلأ والنار ملك للجميع فطبق ذلك على العقود التجارية !!! والظاهر حتى نابليون الثالث كان يتسقط معارضة أوفصال من جانب المصريين حيث حتى الملاحظ أنه وضع الثقل الأكبر للتعويضات فى كفة المعدات والرجوع عن توريد العمال وهى بنود لا يستطيع المصريون التنصل من تبعة قرار الباب العالى عليها بينما جعل الوزن الأخف لأمور يمكن الطعن عليها مثل ملكية ترعة غير مملوكة أومكسب أرض زراعية غير مضمون.. وعلى جميع حال فقد كان المصريون كعادتهم طيبين ولم يعترضوا على أى شىء ولا حتى طالبوا الباب العالى بتحمل نصيبه من نتائج قراره الأهوج ولا باعوا مياه الترعة ولا عملوا أى شىء سوى إنتظار المقادير التى اتىتهم بعد أقل من 18 عاما بالإحتلال. إلى غير ذلك اتى الدس البريطانى لدى الباب العالى بنتيجة عكسية، إذ بدلا من حتى تفلس الشركة ويتوقف المشروع كما تسقط الإنجليز من جراء القرارات السلطانية الثلاث، نجح دليسبس فى تحويل المؤامرة البريطانية إلى وقع سعيد للغاية فى تاريخ الشركة معتمدا على الجهل المصرى بحقوق البلاد وتواجد عقلية الوارث السخى لدى الخديوإسماعيل بعد حتى كانت أيضا هى التى تتحكم فى تصرفات الخديوسعيد عند إصدار الإمتياز. وشتان بين عقلية الوارث السخى هذه وبين عقلية منشىء الثروة أوالمورث التى كانت تحكم تصرفات محمد على إذ لم يكن ليسمح أبدا بهذا الإهدار الساذج للموارد المصرية. وسوء النية البريطانى واضح فى الإيعاز بالقرارات السلطانية الثلاثة حيث حتى موضوع الترعة العذبة ليس له أى علاقة بمسألة حقوق الإنسان التى كانت هى الذريعة خلف إصدار هذه القرارات الشاهانية كما كان ينطق عنها فى ذلك الزمان. ولعل هذا هوسبب خفض قيمة التعويض عن ملكية وشق الترعة إذ من الممكنقد يكون نابليون الثالث قد تسقط معارضة مصرية فى شأن الترعة كما أسلفت.

وعلى جميع حال فانجلترا عندما إستقرت الأوضاع للشركة وتم إفتتاح القناة فى عام 1869 وتأكدت أهميتها الملاحية بادرت بالتدخل السريع لشراء حصة الخديوإسماعيل من أسهم الشركة والتى كانت تبلغ 15% أوأكثر قليلا عندما تعرضت ماليات مصر للأزمة فى عام 1876 وتم ذلك سرا وبليل (بالعمل بالليل) دون إستشارة البرلمان وبتمويل من البارون روتشلد حيث أقرض الحكومة البريطانية المال اللازم لتلك الصفقة نظرا لأهميتها الهائلة لاستراتيجية بريطانيا لاحتواء القناة والسيطرة عليها. ودفع المال بسرعة للخديووتم نقل حيازة صكوك الأسهم وتحميلها فى صناديق خشبية على ظهر سفينة بريطانية خرجت مسرعة من مياه الأسكندرية وخطت بذلك حكومة بريطانيا المستوى الثانية (عقب مؤتمر لندن عام 1840) على طريق إحتلال مصر بأن أصبحت مصلحتها الإقتصادية مرتبطة بشركة قناة السويس. وكما أسلفت فإن حصة بريطانيا فى تلك الشركة زادت بعد ذلك لتصل إلى أكثر من 44% عند التأميم. إلى غير ذلك تحسن الوضع المالى للشركة بعد هذا الحكم وقد قابل دليسبس مساهمى الشركة فى جمعية عمومية عقدت فى باريس فى أغسطس 1864 أى بعد أسابيع قليلة من صدور الحكم ودخل منتشيا منتصرا مزهوا بنجاحه بعد حتى كان يخشى هذا الإجتماع بسبب الضائقة التى كانت تمر بها الشركة والتهديد الذى كاد حتى يفلسها ويضعه تحت طائلة القانون. وافتتحت القناة فى عام 1869 واقيم حفل هائل حضره كبار القوم من أوروبا وتكفلت الدولة المصرية ذات الخبرة المنعدمة بتكاليف الحفل وكان ذلك على ما يروى أحد مسببات الإفلاس المفضى إلى الإحتلال.

وحديث الإحتلال يطول وقد لا ينتهى. إذ حتى السبب الحقيقى لدخول البريطانيين إلى مصر كان هوالحرص على وقوع قناة السويس فى يد السلطة البريطانية. والأسباب الحقيقية وراء جميع ما وقع منذ نهايات عصر إسماعيل فى سبعينات القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية فى أربعينات القرن العشرين هى أيضا مسببات متعلقة بقناة السويس. سليم حتى أهميتها قد قلت بنسبة ما نتيجة إختراع الطائرات والصواريخ التى لا بحاجة إلى مرور بحرى، إلا حتى النقل التجارى بل والحربى أيضا لا يزال معتمدا عليها بكثافة. وسيرة إحتلال مصر عام 1882 معروفة ولا داع لتكرارها. فقد راوغت إنجلترا بأن أعطت الإنطباع بأنها ستهاجم مصر من جهة الغرب فى الأسكندرية بينما كان الإستعداد الحقيقى هوللهجوم من الشرق. وقد أوفدت القيادة تستدعى جيشا من الهند لكى ينضم للأسطول القادم من أوروبا. وقد حاول عرابى حتى يردم القناة حتى لا تستعمل فى مرور القوات الغازية ولكن دليسبس رئيس الشركة أقنعه بالعدول عن تلك الخطة حيث حتى القناة منشأة دولية لا يمكن المساس بها ولا تستطيع الجيوش البريطانية حتى تغزومصر عن طريقها، وقد صدقه عرابى. وبالعمل دخلت السفن البريطانية من بورسعيد وحدث إنزال فى الإسماعيلية وكذلك وصلت سفن قادمة من الهند تحمل جنودا لإكمال عملية الإحتلال. وبالطبع كان أول هدف للقوات الغازية هومعدات ومبانى شركة القناة حتى لا يتوقف العمل ولا تحدث لحركة الملاحة أية أضرار. وبعد حتى تم وضع جميع ذلك تحت الحماية البريطانية زحف الجيش إلى القاهرة عبورا بالتل الكبير حيث سقطت المعركة وانتهى الأمر بالإحتلال. والذى يعنينا هنا ليس الإحتلال ولكن القناة. ودور القناة فى تسهيل الإحتلال كان لا ينكر. ولا أقصد هنا التسهيل المادى بعبورها إذ حتى الجيش كان لديه القدرة على النزول فى بورسعيد والسويس بنفس الكفاءة. ولكننى أقصد التسهيل القانونى المتمثل فى حتى الغرض المعلن لبريطانيا من هذه العملية العسكرية كان هوحماية الحركة الملاحية التجارية المعتمدة على المرور فى القناة. وهذه الحجة كانت كافية لأن يقبل الجميع بهذا الإحتلال. وأول الجميع من طبيعة الحال كان هوالباب العالى، المستأمن على مصر !!!

والآن وقد إستقرت الأوضاع لبريطانيا فى مصر عقب الإحتلال فقد كانت فرنسا لا تزال قلقة من وضع يد بريطانيا على القناة أولا بسبب الوجود المادى العملى فى مصر وثانيا بسبب الوجود القانونى بشراء أسهم فى شركة القناة طمعا فى المزيد من السلطة فى إدارة شئونها. ولذلك إقترحت فرنسا مؤتمرا دوليا يبحث الملاحة فى قناة السويس يعقد فى إستنبول وكان ذلك فى عام 1888 ودعيت إليه الأمم البحرية فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وروسيا والنمسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وبالطبع الدولة العثمانية التى قامت بدور المضيف. واللافت للنظر هوتسمية المؤتمر نفسه. حيث سمى مؤتمر القنسطنطينية بدلا من مؤتمر إستنبول وهوالإسم الرسمى للمدينة منذ عام 1452. وإسم القسطنطينية يظهر أنه إسم عزيز على الأوروبيين حيث أنهم أرادوا إعادته مرة أخرى عقب هزيمة الأتراك فى الحرب العالمية الأولى بحيث تصبح تلك المدينة هى عاصمة المسيحية الشرقية وتضم اليونان إلى سلطتها ولكن الإجراءات السريعة التى قابل بها مصطفى كمال أتاتورك هذه الخطة نجحت فى إفشالها. وعلى جميع حال فالدولة العثمانية لم تعترض حتى على الإسم فاستقرت المعاهدة الناتجة عن هذا المؤتمر تاريخيا تحت إسم معاهدة القسطنطينية. وكان الغرض من عقد مؤتمر القسطنطينية هوتدويل القناة بالكامل لكى تصبح ممرا مائيا دوليا مفتوحا للملاحة فى جميع وقت وتحت أى ظرف من الظروف ولا تكون لمصر المسكينة أية سلطة على إقليمه. وهذا المبدأ خطير للغاية إذ حتى القناة كما رأينا تقع داخل إقليم مصر شرقا وغربا ومدخلاها من الشمال والجنوب هما مياه إقليمية مصرية أى أنه بذلك يصبح ممرا مائيا داخليا مصريا مائة فى المائة. والأمر الغريب فى جميع ذلك هوموقف الباب العالى. فهذا المفهوم هوفى الواقع سلخ لجزء من مصر عن السيادة المصرية التى هى فى النهاية تابعة للسيادة الأعلى، أى العثمانية. ولكن الأتراك قبلوا كالعادة ولم يعترضوا على شىء من هذا حيث أننا قد تأكدنا من قبل حتى مصر لم تكن تعنيهم فى شىء. وفرنسا وإنجلترا كانا فى ذلك الوقت خصمين إذا لم نستعمل حدثة عدوين. وفى نهايات القرن التاسع عشر فى عام 1888 تولى القيصر الشاب فيلهلم الثانى عرش ألمانيا. وكان طموحا مائلا للزهوحيث حتى جدته لأمه هى الملكة فكتوريا ملكة إنجلترا. وكان هذا القيصر يرى حتى لألمانيا دور فى العالم ومكانة لم تصل إليها بعد. ولهذا فقد طالب بنصيب لألمانيا فى المستعمرات وقام ببناء أسطول ألمانى أراد به حتى ينافس سيدة البحار فى ذلك الوقت، بريطانيا العظمى. ولكن الساسة البريطانيين كانوا يراقبون تحركاته وتطور ألمانيا ببالغ القلق وكانوا يتسقطون حربا مع ألمانيا عاجلا أم آجلا. ولهذا فقد سعى البريطانيون إلى محاصرة ألمانيا من الجانبين بعقد تحالفات مع جاريها الكبيرين، فرنسا وروسيا. وفى سياق ذلك سقطت جميع من بريطانيا وفرنسا الإتفاق الودى بينهما فى عام 1904 وبذلك إنتهت الخصومة بينهما ودخلا الحرب العالمية الأولى جبهة واحدة ضد ألمانيا التى كانت قد تحالفت مع الباب العالى بعد حتى بدل الأخير تحالفه الأساسى مع بريطانيا إلى تحالف ألمانى.

وفى هذا الجوالمشحون بالتوتر بين فرنسا وبريطانيا عقد مؤتمر القسطنطينية عام 1888 بغرض تدويل الممر الملاحى بصفة نهائية على مقتضى الإقتراح الفرنسى. وإتفاقية القسطنطينية هذه منذ 125 عام هى الوثيقة الوحيدة من جميع ما اتى ذكره من وثائق والتى لا يزال لها أثر قانونى ولا تزال سارية وقائمة بأحكامها وشروطها إلى اليوم بعد حتى زالت جميع الوثائق الأخرى. ولهذا فلابد من الوقفة الفاحصة لنصوصها. والواقع حتى المرء يندهش من بجاحة القوى المشاركة فى ذلك المؤتمر، ولم تكن الدولة العثمانية أقلها بجاحة!! فالطلب الفرنسى كان هوفتح القناة باستمرار لجميع الدول بلا إستثناء فى جميع الأحوال من سلم وحرب !! والنص بهذه الصياغة لا يعنى سوى نزع السيادة عن القناة نهائيا وتحويلها إلى ممر فى أعالى البحار لا سلطان لأحد عليه. وهوأمر غريب جدا فى مبناه ومعناه. إذ حتى ذلك يعنى حتى سفن الدول المحاربة ضد مصر تصبح صاحبة حق مرور داخل المياه الإقليمية المصرية فى البحرين الأبيض والأحمر وصولا إلى مداخل القناة فتعبرها مخترقة الخطوط المصرية وتخرج سالمة من الجهة الأخرى ومصر لا تحرك ساكنا!!! وهذا ما نصت عليه المادة الأولى من الإتفاقية. ويأسف المرء حتى يقر بأن من دافع داخل المؤتمر عن حق مصر فى السيادة على أراضيها وصيانة دفاعاتها والحفاظ على بحرها الإقليمى لم يكن الطرف صاحب السيادة القانونية "الشرعية" على مصر ، الباب العالى، ولكن كانت قوة الإحتلال "الغير شرعى" هى من قامت بتلك المهمة، بريطانيا !! فقد أصرت بريطانيا على نص المادة العاشرة من الإتفاقية والذى يفرغ المادة الأولى من محتواها فى حالات الدفاع عن مصر بحيث أصبح من حق مصر منع الدول المعادية من إستعمال القناة رغم الصياغة الغائمة للمادة العاشرة. وكان هذا هوأساس رفض مصر مرور جميع السفن الإسرائيلية أوالمتجهة إلى إسرائيل فى القناة عقب حرب 1948 حيث أنه طلب من مصر الموافقة على مرور تلك السفن. والآن إلى نصوص الإتفاقية الوحيدة الباقية منذ تلك الايام حتى يومنا هذا.


نصوص معاهدة القسطنطينية

إن جلالة ملك بريطانيا العظمى وإيرلندا وإمبراطور الهند وجلالة إمبراطور ألمانيا وملك بروسيا وجلالة إمبراطور النمسا وملك بوهيميا إلخ وملك المجر وجلالة ملك أسبانيا وباسمه الملكة الوصية على المملكة ورئيس جمهورية فرنسا وجلالة ملك إيطاليا وجلالة ملك هولندا ودوق لوكسمبرج إلخ وجلالة إمبراطور الدول الروسية وجلالة إمبراطور الدولة العثمانية . رغبة منهم في إبرام اتفاق فيما بينهم خاص بوضع نظام نهائي لضمان حرية جميع الدول في استعمال قناة السويس في جميع وقت وفي تكميل نظام المرور في القناة المذكورة المقرر بمقتضى الفرمان الصادر من الباب العالي بتاريخ 22 فبراير سنة 1866 (2 ذي القعدة سنة 1282) والمؤيد للشروط التي منحها سموالخديوي قد عينوا ممثلين لهم المذكورين بعد ( ) الذين اتفقوا بعد تقديم أوراق الاعتماد والتثبت من صحتها على المواد التالية:

مادة 1 - تظل قناة السويس البحرية بصفة دائمة حرة ومفتوحة في زمن السلم كما في زمن الحرب لجميع السفن التجارية والحربية بدون تمييز بين جنسياتها. وبناء على ذلك فقد اتفقت الدول العظمى المتعاقدة على عدم إلحاق أي مساس بحرية استعمال القناة سواء في زمن السلم أوفي زمن الحرب. ولن تكون القناة خاضعة مطلقا لاستعمال حق الحصار البحري.

مادة 2 - تقرر الدول العظمى المتعاقدة نظرا لما تفهمه من لزوم قناة المياه العذبة وضرورتها للقناة البحرية أنها أحيطت فهما بتعهدات سموالخديوقبل شركة قناة السويس العالمية فيما يختص بقناة المياه العذبة وهي التعهدات المنصوص عنها في الاتفاق المبرم بتاريخ 18 مارس سنة 1863 والمشتمل على ديباجة وأربع مواد. وتتعهد الدول العظمى بعدم المساس بسلامة القناة ومشتقاتها وعدم إتيان أية محاولة لسده.

مادة ثلاثة - تتعهد الدول العظمى المتعاقدة أيضا بعدم المساس بالمهمات والمنشآت والمباني والأعمال الخاصة بالقناة البحرية وقناة المياه العذبة.

مادة أربعة - بما حتى القناة البحرية تظل في زمن الحرب طريقا حرا ولوكان ذلك لمرور السفن الحربية التابعة للدول المتحاربة عملا بالمادة الأولى من هذه المعاهدة قد اتفقت الدول العظمى المتعاقدة على عدم جواز استعمال أي حق من حقوق الحرب أوإتيان أي عمل عدائي أوأي عمل من شأنه تعطيل حرية الملاحة في القناة أوفي المواني الموصلة إليها أوفي دائرة نصف قطرها ثلاثة أميال بحرية من هذه المواني حتى ولوكانت الدولة العثمانية إحدى الدول المتحاربة. ويمتنع على البوارج الحربية للدول المتحاربة حتى تباشر داخل القناة أوفي المواني المؤدية إليها عمليات التموين أوالتخزين إلا بالقدر الضروري جدا ويتم مرور السفن المذكورة في القناة في أقصر زمن ممكن وفقا للأنظمة المعمول بها ولا يجوز لها الوقوف إلا لضرورة قضت بها مصلحة العمل. ولا يجوز حتى تزيد مدة بقائها في بور سعيد أوفي خليج السويس على 24 ساعة إلا في حالة التوقف الجبري وفي هذه الحالة يجب عليها الرحيل في أقرب فرصة ممكنة. ويجب حتى تمضي 24 ساعة بين خروج سفينة متحاربة من إحدى مواني الدخول وبين قيام سفينة أخرى تابعة للدول المعادية.

مادةخمسة - لا يجوز لدول الأعداء في زمن الحرب حتى تأخذ أوتنزل في القناة أوالمواني المؤدية إليها جيوشا أومعدات وأدوات حربية غير أنه في حالة حدوث مانع طارئ في القناة يجوز ركوب أونزول الجيوش في موانئ الدخول على دفعات بحيث لا تتعدى الدفعة الواحدة ألف رجل مع المهمات الحربية الخاصة بهم.

مادةستة - تخضع الغنائم في جميع الأحول للنظام نفسه الموضوع للسفن الحربية التابعة للدول المتحاربة.

مادةسبعة - لا يجوز للدول حتى تظل سفنا حربية في مياه القناة بما في ذلك ترعة التمساح والبحيرات المرة. ولكن يجوز للسفن الحربية حتى تقف في المواني المؤدية إلى بور سعيد والسويس بشرط ألا يتجاوز عددها اثنين لكل دولة. ويمتنع على الدول المتحاربة استعمال هذا الحق.

مادةثمانية - تعهد الدول المسقطة على هذه المعاهدة إلى مندوبيها بمصر بالسهر على تطبيقها. وفي حالة حدوث أمر من شأنه تهديد سلامة القناة أوحرية المرور فيها يجتمع المندوبون المذكورون بناء على طلب ثلاثة منهم برياسة عميدهم لإجراء المعاينة اللازمة وعليهم إبلاغ حكومة الحضرة الخديوية الخطر الذي يرونه لتتخذ الإجراءات الكفيلة بضمان حماية القناة وحرية استعمالها. وعلى جميع حال يجتمع المندوبون مرة في السنة للتثبت من تطبيق المعاهدة تطبيقا حسنا. وتعقد هذه الاجتماعات الأخيرة برياسة قوميسير خاص تعينه حكومة السلطة العثمانية لهذا الغرض ويجوز أيضا لقوميسيرا لحضرة الخديوية حضور الاجتماع كذلك، وتكون له الرياسة في حالة غياب القوميسير العثماني. ويحق للمندوبين المذكورين المطالبة بنوع خاص بإزالة جميع عمل أوفض جميع اجتماع على ضفتي القناة من شأنه حتى يمس حرية الملاحة وضمان سلامتها التامة.

مادةتسعة - تتخذ الحكومة المصرية في حدود سلطتها المستمدة من الفرمانات والشروط المقررة في المعاهدة الحالية التدابير الضرورية لضمان تطبيق هذه المعاهدة. وفي حالة عدم توافر الوسائل الكافية لدى الحكومة المصرية يجب عليها حتى تستعين بحكومة الدولة العثمانية التيقد يكون عليها اتخاذ التدابير اللازمة لإجابة هذا النداء، وإبلاغ ذلك إلى الدول المسقطة على تصريح لندن المؤرخ 12 مارس سنة 1885، وعند اللزوم تتشاور معها في هذا الصدد. ولا تتعارض أحكام المواد أربعة و5 و7 و8 مع التدابير التي ستتخذ عملا بهذه المادة.

مادةعشرة - كذلك لا تتعارض أحكام المواد أربعة وخمسة وسبعة وثمانية مع التدابير التي قد يرى عظمى السلطان وسموالخديواتخاذها باسم صاحب الجلالة الإمبراطورية ليضعا، بواسطة قواتهما وفي حدود الفرمانات الممنوحة، الدفاع عن مصر وصيانة الأمن العام. وإذا رأى صاحب العظمة الإمبراطورية السلطان أوسموالخديوضرورة استعمال الحقوق الاستثنائية المبينة بهذه المادة يجب على حكومة الإمبراطورية العثمانية حتى تخطر بذلك الدول المسقطة على تصريح لندن. ومن المتفق عليه أيضا حتى أحكام المواد الأربعة المذكورة لا تتعارض إطلاقا مع التدابير التي ترى حكومة الإمبراطورية العثمانية ضرورة اتخاذها لكي تضمن بواسطة قواتها الخاصة الدفاع عن ممتلكاتها الواقعة على الجانب الشرقي من البحر.

مادة 11 - لا يجوز حتى تتعارض التدابير التي تتخذ في الحالات المنصوص عليها في المادتينتسعة وعشرة من هذه المعاهدة مع حرية استعمال القناة. وفي الحالات المذكورة يظل إنشاء الاستحكامات الدائمة المقامة خلافا لنص المادة الثامنة محظورا.

مادة 12 - إذا الدول العظمى المتعاقدة- تطبيقا لمبدأ المساواة الخاص بحرية استعمال القناة ذلك المبدأ الذى يعتبر إحدى نادىئم المعاهدة الحالية - قد اتفقت على أنه لا يجوز لأحدها الحصول على مزايا إقليمية أوتجارية أوامتيازات في الاتفاقات الدولية التي تبرم مستقبلا فما يتعلق بالقناة. ويحتفظ في جميع الأحوال بحقوق هجريا كدولة ذات سيادة إقليمية.

مادة 13- فيما عدا الالتزامات المنصوص عنها في هذه المعاهدة لا تمس حقوق السيادة التي لصاحب العظمة السلطان وحقوق صاحب السموالخديووامتيازاته المستمدة من الفرمانات.

مادة 14 - قد اتفقت الدول العظمى المتعاقدة بأن التعهدات المبينة في هذه المعاهدة غير محددة بمدة الامتياز الممنوح لشركة قناة السويس العالمية.

مادة 15 - لا يجوز حتى تتعارض نصوص هذه المعاهدة مع التدابير الصحية المعمول بها في مصر.

مادة 16 - تتعهد الدول العظمى المتعاقدة بإبلاغ هذه المعاهدة إلى فهم الدول التي لم تسقط عليها مع دعوتها إلى الانضمام إليها.

مادة 17 - يصدق على هذه المعاهدة ويتم تبادل التصديقات في القسطنطينية خلال شهر أوقبل ذلك إذا أمكن، وإثباتا لما تقدم قد سقط عليها المندوبون المفوضون وختموها بخاتم شاراتهم.

تحريرا في القسطنطينية في 29 أكتوبر سنة 1888

إنتهى نص المعاهدة


تحليل المعاهدة

بقراءة نص المادة 13 من إتفاقية القسطنطينية يصطدم المرء بالحقيقة التى تشير إليها هذه المعاهدة. فالمادة تتحدث صراحة وبدون لف ولا دوران عن حتى السيادة السلطانية قد تم الإعتداء الصارخ عليها بهذه النصوص ولكنه يعود ليؤكد " فيما عدا الالتزامات المنصوص عنها في هذه المعاهدة لا تمس حقوق السيادة التي لصاحب العظمة السلطان وحقوق صاحب السموالخديووامتيازاته " إلخ.. أى حتى النص يعترف بأن الإلتزامات تتعارض مع مبدأ السيادة. ثم تجىء المادة رقم 14 بما هوأشد وأنكى حيث تمتد بمقتضاها أحكام المعاهدة إلى ما بعد إنتهاء فترة الإمتياز الممنوح للشركة أى ما بعد عام 1968 موعد عودة القناة لمصر. وهذان النصان بالإضافة إلى نص المادة الأولى تشكل ثلاثتها سلخا لقناة السويس عن أرض مصر أوالبلد الذى له السيادة على مصر. ولولا وقوف إنجلترا موقفا صلبا فى ذلك المؤتمر بأن أضافت نص المادة العاشرة لانسلخت القناة بالعمل وأصبحت مياها دولية تماما كالبحر العالى. جميع ذلك وهجريا لم تبد أى إعتراض رغم كونها صاحبة الحق السيادى على مصر حتى سقوطه عنها عام 1914 بوضع مصر تحت الحماية البريطانية ثم إرسال جنود مصريين لكى يحاربوا إلى جانب الجيش البريطانى ضد جنود السلطان خليفة المسلمين !!! وهذه وحدها جريمة فى حق مصر إرتكبها الباب العالى من ضمن ما إرتكب من جرائم فى هذا الموضوع ثم حتى نص المادة الرابعة يشير بصراحة إلى حتى القناة تظل مفتوحة للملاحة المدنية والعسكرية لكل الدول حتى ولوكانت هجرياالعثمانية هى نفسها دولة محاربة !! أى حتى الدولة صاحبة الأرض (الدولة العثمانية سابقا ومصر حاليا) عليها حتى تفتح إقليمها للدول الأخرى لكى تمر حتى لوكانت هذه الدول الأخرى هى من الدول المحاربة ضد هجريا (أومصر الآن)!! يعنى صاحب الأرض يفتحها لعدوه !! ثم إقرأ نص المادة الخامسة الذى يعطى الحق للدول المتحاربة لكى تنزل قوات على أرض مصر "فى حالات حدوث مانع طارىء فى القناة" أى أنه لوكانت القناة غير صالحة للملاحة يصبح ممكنا للجنود المحمولين على ظهر السفن حتى ينزلوا بسلاحهم إلى أرض مصر ليعبروا المسافة بين المينائين عن طريق البر !! وكأن مصر أصبحت ملزمة بتدبير بديل برى للقناة فى حالة توقف الملاحة بها لأى سبب طارىء !! وهونص يهدر البقية الباقية من سيادة مصر لأن الغرض من الإتفاقية هوضمان فتح الملاحة البحرية بالقناة فإن كانت القناة مغلقة بسبب "مانع طارىء" فلماذا تأتى هذه الجيوش إلى أرض مصر،يا ترى؟ بل وتكون مصر ملزمة بأن تنزل الجيوش بمهامها وسلاحها إلى أرض مصر لكى "تعبر" بدون سفن!! ولست أدرى بوجود حالة شبيهة بمثل هذا النص فى جميع إتفاقيات الدول ذات السيادة.

أما عن موضوع أعطى سريان المعاهدة إلى ما بعد فترة الإمتياز فهوأمر يتعارض تماما مع مفهوم السيادة حيث حتى الإمتياز يعنى مركز قانونى إستثنائى لفترة من الزمان ثم تعود القناة لتصبح أرضا ومياها مصرية داخلية كما أسلفت فى البداية. وفى الفترة التى تلت توقيع معاهدة القسطنطينية كانت إنجلترا هى السلطة ذات السيادة العملية De Facto فى مصر بأسرها بينما إحتفظت الدولة المصرية بالسيادة القانونية De Jure باعتبارها مندوب عن السلطة القانونية العليا أى الباب العالى.

وفى عام 1909 وقع حتى بطرس غالى رئيس الوزراء إقترح أعطى إمتياز قناة السويس لمدة 40 عام أخرى لكى ينتهى فى عام 2008 مع نص يضمن للشركة الحصول على كسب سنوى لا يقل عن 50 مليون فرنك سنويا وحرمان الحكومة المصرية من نسبة الربح لوأنه قل عما يسمح للشركة بالحصول على هذا المبلغ السنوى، وكل ذلك فى نظير مبلغ مقطوع هوحوالى 10.5 مليون فرنك تدفع على أربعة أقساط إبتداءا من عام 1910. وهوإقتراح مسرف فى إجحافه بحقوق مصر. ولكن هذا الإقتراح قوبل بطلقات رصاص أردته قتيلا وأنهت حياة الرجل وأنهت معه الحديث فى هذا الشأن.

وفى صيف عام 1914 سقط حادث سراييفوالذى سارع بالتطورات المؤدية إلى حرب عالمية كبرى كانت أول خطوات إنجلترا فيها هى فرض الحماية البريطانية على مصر وحدها رغم كونها جزءا من الإمبراطورية العثمانية التى كانت تحارب فى صف ألمانيا ضد الحلفاء بقيادة إنجلترا. وهذا الوضع جعل إنجلترا تتحدث باسم الحكومة المصرية فى الشئون الدولية فاعتمدت على المادة العاشرة من معاهدة القسطنطينية والتى تسمح للخديوباتخاذ إجراءات الدفاع عن مصر. (عقب نفى الخديوعباس إلى ترؤكيا التى كان يقضى بها إجازة الصيف لم يعد هناك خديوبل أصبح هناك فراغ قانونى حتى اتى السلطان حسين) . واستمر الحال هكذا والقناة فى يد بريطانية حتى وضعت الحرب أوزارها وأعرب عن مؤتمر للصلح فى فرساى بالقرب من باريس فأعرب ملاك الأراضى المصريون عن عزمهم حضور المؤتمر وعرض قضية مصر على المؤتمر وتقدموا بهذا الطلب لصاحب السلطة العملية فى البلاد وهوالمفوض البريطانى المقيم فى القاهرة الذى رد طلبهم قائلا أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم مما حمس أفراد الشعب إلى القيام بحملة جمع توقيعات لهذا الوفد تثبت تمثيله لإرادة الشعب وسافر الوفد المصرى بالعمل إلى باريس ولكنه لم يصل إلى شىء فقامت ثورة 1919 عند نفى سعد ورفاقه. وفى ظل جميع هذه الأحداث كانت القناة شأنا لا يتم عنه أى حديث بل كان الحديث عن "القضية الوطنية" وهومصطلح لا يقترب من وضع الشركة العالمية لقناة السويس البحرية كما كان يطلق عليها أيامها. وفى النهاية صدر تصريح 28 فبراير 1922.


وفى الفترة التى تلت الحرب العالمية الأولى ثم ثورة 1919 كانت إنجلترا هى المسئولة عن حماية الملاحة والحركة التجارية فى قناة السويس وذلك بناءا على شروط تصريح 28 فبراير 1922 وهوتصريح من جانب واحد أصدرته إنجلترا وحصلت مصر بمقتضاه على وضع الدولة ذات السيادة. إلا حتى التحفظات الأربع التى وردت فى هذا التصريح كان من بينها ولعله أهمها تحفظ حول حماية وسائل المواصلات الإمبراطورية (يقصد بها من طبيعة الحال قناة السويس). وقد إستثنت الزعامات المصرية موضوع القناة طوال الثلاثين عاما التالية من أى مفاوضات حيث حتى هذه القيادات على إختلاف إنتماءاتها الحزبية كانت تفهم بشأن معاهدة القسطنطينية وأيضا تتفهم حرص فرنسا على الشركة الفرنسية (رغم تعاظم النصيب البريطانى فى أسهمها) وحرص العالم على عدم إثارة الموضوع لحساسيته لدى جميع الأطراف. وفى معاهدة 1936 تم النص أيضا على حتى الدفاع عن القناة هومسئولية بريطانية وألزمت المعاهدة مصر بإنشاء الطرق اللازمة لهذه المهمة فأنشئت طرق سميت فى الموروث الشعبى طرق المعاهدة ومن بينها بل وأهمها كان طريق الإسماعيلية الصحراوى. وفى الحرب العالمية إستماتت إنجلترا مرة أخرى فى الدفاع عن القناة حيث حتى هدف الحملة الألمانية القادمة من الغرب كان الوصول بأى ثمن لقناة السويس والسيطرة عليها وبتر طريق الإمداد البريطانى من الهند وأستراليا. وبتحقق نصر الحلفاء فى عام 1945 تحول مؤشر بوصلة القوة الدولية عن إنجلترا واستقر على الولايات المتحدة الأمريكية التى كانت ترغب حتى ترث الإمبراطورية الهرمة بأسرع مما تقبل بريطانيا. إلى غير ذلك قررت بريطانيا الخروج من الهند وفقدت حجة المواصلات الإمبراطورية جدواها. كما حتى الولايات المتحدة تختلف عن بريطانيا فى حتى الأخيرة لا تتبنى نظرة إستعمارية تقليدية كالتى عهدتها ومارستها بريطانيا لأكثر من قرنين من الزمان بل كانت ترغب التعامل مع "أمم حرة" حيث أنها خلعت على نفسها لقب "قيادة العالم الحر".

إلى غير ذلك بدأت القبضة البريطانية على مصر وعلى القناة بالذات ترتعش وترتخى مما أشعل حركة مقاومة مصرية فى منطقة القناة إنتهت بحريق القاهرة عقب معركة الإسماعيلية فى اليوم السابق. وفى أعقاب هزيمة عام 1948 فى حرب فلسطين ثار جدل حول أحقية إسرائيل فى اجتياز سفنها فى القناة بمقتضى أحكام إتفاقية القسطنطينية ولكن الحكومة المصرية أصدرت بيانا فى عام 1950 يحدد الإجراءات السيادية التى تحتفظ مصر بمقتضاها بحق منع السفن المعادية وتفتيش ما تراه ضروريا من السفن (عدا السفن الحربية نظرا لتمتعها بحماية أسرارها) وهذا البيان المصرى كان مبناه الفقرة العاشرة من الإتفاقية والذى حاربت بريطانيا من أجل حتى يضاف لأحكامها. كذلك أصدر مجلس الأمن فى سبتمبر 1951 قرارا يدعومصر إلى "حمل القيود المفروضة على مرور السفن التجارية فى قناة السويس وعلى مرور البضائع مهما تكن وجهتها" وذلك فى إشارة واضحة إلى إسرائيل. ولكن مصر إعتبرت حتى البيان له دافع سياسى وأنها تمارس حقها القانونى بمقتضى تلك المادة العاشرة من إتفاقية القسطنطينية فأهملت قرار المجلس ولم تنفذه ولم تعبر السفن الإسرائيلية أوالمؤجرة لصالح إسرائيل فى القناة. بل أكثر من ذلك كان من حق مصر حتى تصادر السفن الإسرائيلية أوالمؤجرة من قبل إسرائيل أوبضائع السفن المتجهة إلى إسرائيل وذلك باعتبار أنها من الغنائم الحربية الخاصة بدولة محاربة والتى تستولى عليها الدولة المصرية على إقليمها بمقتضى ما تم الإتفاق بشأنه فى المادة السادسة من الإتفاقية. وهذه التخريجات القانونية السليمة تقدم بها قانونيون مصريون رفيعوالمستوى كانوا فى ذلك الوقت يقدمون النصح للدولة المصرية. كما حتى إتفاقية الجلاء التى عقدت فى عام 1954 كان بها نص متكرر ومأخوذ من معاهدة 1936 يتناول الدفاع عن مصر وعن قناة السويس فى حالة قيام حالة دولية تستدعى ذلك. وبالعمل خرجت القوات البريطانية يوم 18 يونيوعام 1956 من جميع مصر أوبالأحرى من منطقة القناة حيث أنها كانت قد خرجت قبل ذلك من سائر أنحاء الإقليم إلا منطقة القناة. وبعد أقل من 40 يوما من خروج البريطانيين سقطت واقعة جديدة هى تأميم القناة. وفى عام 1956 عقب التأميم تحمست بريطانيا وفرنسا لفكرة "قافلة دولية" من مجموعة من السفن من عدة دول مختلفة تبحر إلى منطقة القناة وتعبرها بالقوة تعبيرا عن مصلحة حركة التجارة العالمية فى إستمرار فتحها وإدارتها بواسطة الشركة حيث حتى الإدارة المصرية كانت محل شك فى قدرتها. وبالطبع لم ينفذ الإقتراح بسبب معارضة جميع من أمريكا والإتحاد السوفيتى أيضا. وفى أعقاب حرب 1956 أصدرت مصر على لسان خارجيتها بيانا فى أبريل 1957 يحدد كيفية التعامل مع تسوية نزاعات الدول بسبب العبور فقررت طريقتين من التعامل: أولا بين الدول المسقطة على إتفاقية القسطنطينية بمناسبة تفسيرها فتحال نزاعاتها إلى محكمة العدل الدولية وقد قبلت مصر ولاية المحكمة فى شأن هذه الخلافات. ثانيا الخلافات التى تقع بين دول ليست كلها أوبعضها أطراف فى إتفاقية القسطنطينية فتحل نزاعاتها طبقا لميثاق الأمم المتحدة والوسائل المشار إليها فى البابين السادس والسابع من هذا الميثاق. وهى حركة بارعة من مصر.

ومن هذا البيان الذى أبلغت به مصر الأمم المتحدة وطلبت إيداعه فى سكرتاريتها يتضح حتى مصر قد ألزمت نفسها بنوعين من طرق تسوية المنازعات حول المرور فى قناة السويس:

1. قبول الولاية الجبرية لمحكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالخلافات التى تنشأ بين أطراف معاهدة القسطنطينية لعام 1888 ويكون موضوعها تفسير نصوص هذه الإتفاقية أوتطبيقها.

2. قبول ميثاق الإمم المتحدة أساسا لتسوية المنازعات التى قد تنشأ بين دول ليست كلها أوبعضها من المسقطين على معاهدة القسطنطينية (إستنبول) لعام 1888

وفى شأن هذه الخلافات يطبق الميثاق بالوسائل المشار إليها فى البابين السادس والسابع منه. وبما حتى الولايات المتحدة لم تكن طرفا فيها فهذا يجعلنى أميل للإعتقاد حتى تطبيق ميثاق الأمم المتحدة به بعض من حيز لحرية الحركة لأطرافه عما تتيحه محكمة العدل الدولية حيث حتى الباب (الفصل) السابع قد يصل الأمر فيه إلى إستخدام القوة المسلحة لتطبيقه وذلك بناءا على قرار من مجلس الأمن والظاهر حتى مصر عقب تجربتها فى حرب السويس أرادت حتىقد يكون الأمريكيون الذين لمقد يكونوا طرفا فى المعاهدة أحرار اليد فى التصرف فى حال تهديد الملاحة من قبل الإنجليز أوالفرنسيين أوالروس وجميعهم من المسقطين بحيث تضمن أمريكا بطريقة خفية حتى لها نفوذا رغم عدم كونها من المسقطين. وقد اتى هذا الإعلان فى عام 1957 أى فى الوقت الذى كانت فيه جميع من فرنسا وانجلترا لا تزالان من المعارضين بعض الشىء للمجهود الأمريكى لوراثة إمبراطورياتهما عبر العالم وبيان ذلك حرب السويس نفسها التى خططت ونفذت دون فهم أمريكا مما حدا بها إلى إجهاضها منذ اليوم الأول.. الغريب فى الأمر هوموقف الإتحاد السوفيتى الذى ورث روسيا والتى كانت طرفا مسقطا للمعاهدة فقد أدخلت مصر لاعبا جديدا فى شأن القناة هوالولايات المتحدة الخصم اللدود للإتحاد السوفيتى (روسيا) عن طريق قبول ميثاق الأمم المتحدة أساس للتسوية بكل ما يحمله ذلك القبول من إحتمال إستخدام القوة (فى هذه الحالة كانت يفترض أن تكون قوة أمريكية بالطبع) وهوما يضعف موقف الروس.. أضف إلى ذلك حتى مصر ورثت توقيع الدولة العثمانية مما يجعلها طرفا فى المعاهدة وبالتالى تكون فى مأمن من إستعمال الفصل السابع ضدها فى حالة الخلاف مع دولة من المسقطين (تحديدا إنجلترا أوفرنسا) حيث حتى أحكام محكمة العدل الدولية ليس لها أنياب مثل قرارات مجلس الأمن الصادرة تحت راية الفصل السابع.. والظاهر حتى تفكير المصريين كان منصبا على محاولات مستقبلية فرنسية أوإنجليزية للإنتقام مما وقع لهما فى حملة السويس.. أما أمريكا فقد كانوا يأمنون شرها لأن تسليح إسرائيل فى تلك الفترة كان أوروبيا خالصا ولم تكن علاقات واشنطن مع تل أبيب قد وصلت بعد إلى ما وصلت إليه فى الستينات فى عهدى كيندى وجونسون ومن بعدهما... ولكن إحقاقا للحق فإن السياسة المصرية فى ذلك الوقت لم يكن فى إمكانها الوصول لما هوأفضل من ذلك حماية للقناة وحقوق مصر فيها.. أى حتى الصراع الذى تخوضه مصر من أجل إثبات سيادتها الكاملة الغير منقوصة على إقليم القناة أرضا ومياها هوصراع أساسه ضد المواد الشاذة التى اتىت بها إتفاقية القسطنطينية التى تحمل إسم عاصمة الخلافة الهجرية. ومن الواضح حتى هجريا فى القرن الأخير من حياتها كانت قد ماتت بالعمل وما إستعمال إسم القسطنطينية فى معاهدة تسقط عليها الدولة التى تعطى عاصمتها إسما مختلفا إلا إقرار بأن لا حول لها ولا قوة وهوما ثبت بالنصوص والأحداث.

ولهذا يظهر حتى جيل أبى من أبناء مصر والذى كان يمثله عبد الناصر والسادات لم يكن متحمسا أبدا لموضوع الخلافة ولا الحكم الهجرى بل كانوا أكثر ميلا لحركة التجديد التى أتى بها أعضاء جمعية الإتحاد والترقى التى حكم أفرادها بعد ذلك وكان على رأسهم مصطفى كمال أتاتورك. ولكن لا يزال بعض من لا يعهدون فى بلادنا يحلمون بإعادة الخلافة الهجرية ويرونها علاجا ناجعا لأوجاعهم الناتجة عن عدم الفهم. وهذا يشرح لى موقف كثير من الآباء فى العقدين الأول والثانى من القرن العشرين حين كان المواليد الذكور يسمون بأسماء أعضاء حركة الإتحاد والترقى الهجرية فعهد المصريون أسماء كمال وجمال وعصمت وأنور وكلها أسماء أعضاء تلك الجمعية. وقد روى أنور السادات فى أحد أحاديثه مع همت مصطفى أنه قد نشأ فى منزل تعلق فيه صورة أتاتورك باعتباره بطلا أنقذ الدولة الهجرية من التحول للمسيحية من حديث (وهذه حقيقة تاريخية إذ أنه قاوم بالعمل خطة إقامة دولة يونانية مسيحية على أرض هجريا تكون عاصمتها القسطنطينية) وهذه الحركة هى سبب تسميته أنور كما حتى أخاه الأكبر إسمه عصمت وزملاؤه فى مجلس الثورة هم جمال وجمال وكمال وجميعهم من مواليد تلك الفترة التى على مايبدولم تكن شعبية الدولة العلية فيها لا جيدة ولا حتى متوسطة فى أوساط المصريين البسطاء. وأظن حتى السبب هوتخاذل تلك الدولة فى شأن إحتلال مصر وعدم إرسال جيش يحررها من الإنجليز. كما حتى معظم هؤلاء هم من مواليد فترة ما بعد عزل الخديوعباس حلمى الذى كان معروفا بميوله الشديدة تجاه هجريا فى الفترة التى كانت هجريا فيها قد هجرت حلف إنجلترا وإتجهت نحوالتحالف الألمانى وذلك فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وهوبالضبط سبب عزله مع الإبقاء على الأسرة العلوية الحاكمة وهوأيضا سبب حادث أربعة فبراير الذى كاد حتى يعزل الملك الشاب فاروق بسببه..

المهم لدينا هوحتى إنجلترا بعد حتى ضمنت قدرتها على السيطرة على الحركة الملاحية فى القناة من خلال إستعمال "حق الخديو" الذى ورد فى المادة العاشرة فى الإتفاقية منعت ألمانيا من المرور فى القناة وإستماتت فى الدفاع عن القناة خلال الحرب العالمية الأولى ولم تتوقف فيها الملاحة ولا يوم واحد ومنعت هجريا من إرسال جيوش لتحرير مصر من اليد البريطانية حيث أنها ألبت العرب ضد هجريا من ناحية وأوفدت جيشا مصريا إلى الشام لملاقاة جيش هجريا من الناحية الأخرى. واظن حتى هذا هوالسبب فى عدم إزاحة الأسرة العلوية عن الحكم.. والقناة كانت هى الشريان الذى تتدفق من خلاله دماء الحياة للجيش البريطانى قادمة بالجنود من المستودع البشرى فى الهند وكذلك من أستراليا التى كانت ولا تزال دولة كومنولث بريطانى. وكان الجنود الأستراليون هم من سقطوا فى معركة جاليبولي الرهيبة التى خسرتها القوات البريطانية ضد الجيش والأسطول الهجرى بقيادته الألمانية. والآن نفتح موضوع المواصلات الإمبراطورية الذى تناوله تصريح 28 فبراير عام 1922 والذى حصلت مصر بمقتضاه على إستقلالها وأصبحت دولة ذات سيادة منقوصة بسبب التحفظات الأربعة التى كان من بينها تحفظ بريطانى على سلامة قناة السويس. كما رأينا كانت الحكومة البريطانية مهتمة بأن تراكم حصصها فى ملكية أسهم القناة بدءا من شراء اسهم مصر من الخديوإسماعيل فى عام 1876 قبل عزله بثلاثة سنوات ثم بعد إحتلال مصر كانت مهتمة بزيادة هذه الحصة حتى وصلت إلى أكثر من 44% من الأسهم قبل التأميم مباشرة أى قبل إرجاع القناة إلى الأيدى المصرية بأحد عشر عاما فقط. وهذه النقطة بالذات تلقى ظلالا على حقيقة نية إنجلترا تجاه تطبيق البند الخاص بعودة القناة إلى مصر عام 1968 حسب إتفاق الإلتزام أوالإمتياز الممنوح للشركة. إذ أنه من غير المستساغ حتى تراكم الدولة البريطانية أوراق تملك فى شركة يفترض أن تنتهى فى خلال عشرة أعوام وتؤول بالكامل إلى مصر، اللهم إلا إذا كانت تنوى دخول التحكيم المتفق عليه فى عام 1854 بمقتضى الإمتياز فى حالة عدم المقدرة على الإتفاق وديا. أى حتى إنجلترا كانت تجهز نفسها على الأقل لنزاع قانونى مع مصر فى عام 1968 تتم تسويته بالتحكيم، وهوما تتفوق فيه إنجلترا على مصر بالطبع. إلا حتى التأميم اتى أسرع من جميع تلك الفروض. فإلى التأميم.

تأميم القناة

الواقع حتى القرار بقانون لتأميم قناة السويس كان مرتجلا ومكتوبا بطريقة ساذجة ومنقوصة الحرفية. ورغم حتى الرئيس جمال عبد الناصر قد قرأه على الملأ فى خطابه الشهير إلا حتى النص الكامل على ما يظهر لم يتح للكثيرين بسبب ضجة الجمهور والصخب الإعلامى الذى صاحب هذا الحدث فلم يتنبه كثيرون إلى درس نصوصه. والمادة الأولى والثانية تنصان على تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس وتصبح ملكا للدولة ويتم تعويض حملة الأسهم فور تسلم الدولة لأصول وممتلكات الشركة المؤممة بواقع ثمن الاسهم فى البورصة اليوم السابق على القانون مع نقل كافة أموالها وحقوقها وإلتزاماتها إلى هيئة مستقلة لها الشخصية القانونية وتلحق على وزارة التجارة. وتحل جميع الهيئات والمنظمات القائمة حاليا على إدارة القناة. والمادة الثالثة تنص على تجميد جميع أصول وأموال الشركة فى الداخل والخارج ومنع البنوك من التصرف فى أى من أموال الشركة إلا بإذن من الهيئة السابق بيانها فى المادة الثانية. والواقع حتى نصا كهذا لم يمكن تطبيقه بسهولة حيث حتى الحكومة المصرية قد إضطرت للتنازل عن جميع أصول الشركة خارج مصر كجزء من التعويضات السخية التى قامت بدفعها للمساهمين. والمادة الرابعة من ذلك القانون اتىت بقاعدة غريبة فى بابها حيث نصت على حتى تحتفظ الهيئة بجميع الموظفين والعمال مع إستمرارهم جميعا فى أداء واجباتهم ولا يسمح لأى منهم بمغادرة محل عمله إلا بإذن من الهيئة المذكورة فى المادة الثانية. وهذا الشرط أيضا يصعب تطبيقه إذا لم يكن محالا. فالعمل هومن الأنشطة الإختيارية للإنسان ولا يمكن إجبار أحد على حتى يعمل ولا منعه من مغادرة محل عمله. والقناة كان بها كثير جدا من العاملين الأجانب وهؤلاء لا يمكن منعهم من مغادرة محل عملهم بالقوة. ثم اتىت المادة الخامسة بقمة الإرتجال والسذاجة حيث نصت على معاقبة جميع من يخالف أحكام المادة الرابعة والخاصة بالعاملين بعقوبة السجن مع حرمانه من أى حق فى التعويض أوالمعاش.. وسيرة الحرمان من المعاش والتعويض هى نص غالبا تم نقله من قانون الغدر الفاشى الذى أصدرته الثورة فى نهاية عام 1952 حيث نص على عقوبتى الحرمان من العمل الحر والحرمان من المعاش، وكلاهما من الحقوق المكفولة بالدستور والقانون. فالمعاش حق لمن قام بدفع أقساطه طيلة سنوات سريان العقد ولا يمكن حرمان صاحبه منه. والعمل الحر حق دستورى لا يحرم منه أحد.. على حتى أمر التأميم لم ينته عند هذا الحد..

فبينما كانت الجماهير منتشية بخمر الإنتصار الضخم على قوى الإستعمار كانت الحكومة المصرية تتفاوض على طبيعة وقدر التعويضات التى يفترض أن تدفع لحملة الأسهم على حسب مقتضى القرار بقانون كما أعربه الرئيس عبد الناصر فى تلك الأمسية الهادرة. كانت شركة قناة السويس العالمية تمتلك أصولا وأموالا ليس فقط فى داخل مصر ولكن فى خارجها. وكان على التفاوض من طبيعة الحال حتى يحل كيفية وصول مصر إلى هذه الاصول. والحقيقة حتى الوصول إليها لم يكن سهلا حيث حتى الشركة كانت تمارس أنشطة متعددة فى أوروبا لا علاقة لها بالقناة منها على سبيل المثال توليد الكهرباء فى محطات بفرنسا. كما حتى الحكومة البريطانية كانت تملك أكثر قليلا من 44% من أسهم شركة قناة السويس وهوما جعل هذه الحكومة البريطانية برئاسة أنتونى إيدن تدخل طرفا مباشرا فى نزاع عسكرى دارت رحاه على أرض مصر بسبب التأميم. وعلى ذلك كان من غير الممكن عمليا حتى تحوز مصر أيا من تلك الأصول خارجها حيث حتى حكومة بريطانيا منعت البنوك من التصرف فى تلك الأموال بالإضافة إلي تجميد جميع أرصدة مصر فى بريطانيا وفرنسا ومنع التصرف فيها إلا بأوامر الحكومات (تماما كما عملت الحكومات الغربية مع الأرصدة العراقية بعد ذلك خلال أزمة إحتلال الكويت) .. إلى غير ذلك يظهر حتى الحل العملى كان فى التنازل من جانب مصر عن تلك الأصول. وليس لدى فهم بقيمة تلك الأصول وعلى أى حال فلابد حتى قيمتها قد أدخلت فى التسوية النهائية لقضية التعويضات. وقضية التعويضات التى دفعت عن التأميم قضية كان عليها نوع من التعتيم الإعلامى حتى أننى أول مرة أسمع عنها فى حياتى كانت فى نهاية السبعينات على لسان الرئيس المرحوم أنور السادات فى أحد أحاديثه مع المذيعة همت مصطفى، أى بعد ربع قرن من التأميم، حيث ذكر شيئا عن هيئة المنتفعين (يقصد حملة الأسهم) ومفاوضات دارت فى لندن إلخ.. وفى النهاية فقد تم الإتفاق على حتى تدفع مصر للمساهمين مبلغ 23 مليون جنيه مصرى على ستة أقساط تبدأ فى يناير 1959 وتنتهى فى يناير 1964 وقيمة جميع قسط منها أربعة مليون جنيه عدا القسط الأخير.. وقد يظهر هذا الرقم تافها من منظور يومنا هذا ولكنه فى ذلك الزمان كان مبلغا هائلا من المال. ولبيان قدر هذا المبلغ يكفى حتى نفهم حتى التمويل الأمريكى البريطانى لمشروع السد العالى الذى بسببه سقط التأميم كان متفقا على حتى يبلغ 70 مليون دولار أمريكى أى 24.4 مليون جنيه مصرى بأسعار ذلك الزمان حين كان الدولار الأمريكى يعادل أقل من 35 قرشا، وهوتقريبا نفس القدر الذى دفعته مصر تعويضا لحملة الأسهم. على حتى مصر قد تحملت، بالإضافة إلى الخسائر البشرية، تكاليف تدمير جيشها بالكامل ومدينة بورسعيد وبعض منشآت البنية التحتية فى حرب أعقبت التأميم بثلاثة شهور ولم تتقاض عن خسائرها فى تلك الحرب التى لم تشعلها أى تعويضات. أى حتى مصر لم تحصل على 24 مليون جنيه من البنك الدولى بل دفعت 23 مليون جنيه وتكاليف حرب لكى تحصل على تام منشأ قناة السويس مبكرا عن موعد حصولها الطبيعى عليه بأحد عشر عاما.

والرأى عندى كان هوالإقتراض بضمان العوائد المستقبلية التى يفترض أن تحصل عليها مصر بمجرد نقل الملكية عام 1968 حين تصبح القناة ملكية خالصة للدولة المصرية بمقتضى عقد الإمتياز الذى كان محددا له 99 عاما فى لقاء تجنيب مصر خسائر الحرب التى سقطت. والصين الشعبية التى لا تستطيع أى قوة على الأرض حتى تناصبها العداء المفتوح بسبب كثافتها السكانية الهائلة وتعدادها الكبير وقدرتها على ممارسة حرب الإستنزاف لسنين طويلة لم تحصل على هونج كونج بطريق الإجراءات العنيفة الغير متسقطة وإنما حصلت عليها عن طريق التفاوض السلمى الذى تم بين مارجريت ثاتشر ودنج شياوبنج زعيم الصين فى عام 1986 والذى نتجت عنه إتفاقية الجلاء بسلام عن هونج كونج بعد ذلك بأحد عشر عاما فى عام 1997 بلا حروب وبلا خسائر من أى نوع. جميع ذلك رغم حتى هونج كونج لم تكن محلا لعقد إمتياز ولا كان لها مدى زمنى تنتهى فيه أحقية إنجلترا فى حيازتها. والواقع حتى الرئيس عبد الناصر قد ولج فى مخاطرة غير محسوبة بقرار التأميم حيث حتى ذلك قد جر على البلاد حربا لا مبرر لها. لأنه حتى وإن كانت مصر يفترض أن تدخل تحكيما ضد إنجلترا فى عام 1968 عند تسليم القناة فإن التحكيم لا يعنى تغييرا فى الحالة السيادية قد ينشأ عنه تدهورا للوضع السيادى المصرى. فالتحكيم كان يفترض أن يجرى بين الدولة المصرية وشركة تجارية بصفتها هذه وليس بين الدولة المصرية والدولة البريطانية. سليم حتى الدولة البريطانية تملك نصيب الأسد من الأسهم ولكنها تملكه بصفتها مستثمر وليس بصفتها صاحبة سيادة. وهذه النقطة بالذات كانت محلا لمركز تفاوضى قوى فى جانب مصر. أى حتى التفاوض كان سيتم على قدر من المال فقط للتعويض وليس حول شروط سيادية أوسياسية جديدة.

وفى التاريخ الحديث وأثناء مفاوضات الوحدة الألمانية عام 1990 أثار وزير الخارجية البريطانى فى المفاوضات نقطة حق إنجلترا فى إجراء مناورات وتدريبات لقواتها فى أى وقت تراه وذلك على أرض ألمانيا الموحدة فكادت هذه النقطة حتى تنهى المفاوضات بالفشل. ولكن جورج بوش الأب كان قد حدد مسقطه ورغبته بأن تتم الوحدة وتصبح ألمانيا دولة ذات سيادة فطلب من ثاتشر حتى تسحب طلب وزيرها فعملت بالطبع. والمقصود هوحتى بريطانيا تحاول دائما – حتى وهى فى وضع القوة المتوسطة وليس حتى الكبرى – حتى تحصل لنفسها على ما ليس من حقها. والتحكيم بين مصر وملاك الأسهم (على رأسهم بريطانيا) كان من الممكن سيقع أرخص مما سقط للبلاد من خسائر بعمل حرب لا لزوم لها. ولكننى أظن حتى ماتم كان شبه مقصود من جانب إدارة الرئيس آيزنهاور لكى تنتهى الحقبة الإستعمارية البريطانية والفرنسية إلى غير رجعة حيث حتى فكرة وكنه الإستعمار كان شوكة فى جانب إدارة أمريكية ترغب مكافحة الشيوعية فى جميع مكان على الأرض من خلال التعاون مع "أمم حرة" كما أسلفت. إلى غير ذلك فإن الرئيس آيزنهاور صرخ فى المعارضين من أعضاء الكونجرس أثناء أزمة القناة بأن "إصمتوا فلدى خطة" أى أنه كان يعهد ماذا يعمل بتأييد مصر ضد الغزو.


المصادر

  1. ^ قناة السويس 1، أيمن زغلول، مدونات الفهم
  2. ^ قناة السويس 2، أيمن زغلول، مدونات الفهم
  3. ^ قناة السويس 3، أيمن زغلول، مدونات الفهم
  4. ^ قناة السويس 4، أيمن زغلول، مدونات الفهم
  5. ^ قناة السويس 5، أيمن زغلول، مدونات الفهم
  6. ^ قناة السويس 6، أيمن زغلول، مدونات الفهم
  7. ^ قناة السويس 7، أيمن زغلول، مدونات الفهم
  8. ^ قناة السويس (الجزء الأخير)، أيمن زغلول، مدونات الفهم

وصلات خارجية

تاريخ النشر: 2020-06-04 19:11:28
التصنيفات: قناة السويس, قضايا تحكيم, قضايا 1864, نزاعات 1864, الخديوي إسماعيل, ناپليون الثالث, اللورد پالمرستون, العلاقات البريطانية المصرية, العلاقات الفرنسية المصرية, العلاقات البريطانية الفرنسية, دليسپس

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الموعد والقنوات الناقلة لقرعة دوري أبطال أوروبا 2023-2024

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:09:59
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 85%

السودن: قرار بحظر التجوال في مدينة الفولة

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:22:43
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

تصنيف دولي يضع المغرب بين البلدان الأقل استهلاكا للكحول

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:10:03
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 71%

تعرف على الفئات المحرومة والمعفية من التصويت فى الانتخابات الرئاسية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:21:38
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 49%

روسيا تستخدم حق "الفيتو" ضد مشروع قرار تمديد العقوبات على مالى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:21:41
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 49%

«التعليم»: 7 حالات للغياب بعذر - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:23:25
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

بالصور.. أحمد الفيشاوي يظهر مع ابنه للمرة الأولى بعد الاعتراف به

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:08:00
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 88%

ظاهرة لن تتكرر حتى 2032.. الأرض على موعد اليوم مع القمر الأزرق العملاق

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:21:46
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 43%

5 مزايا مخفية ستغير طريقة استخدامك لهاتف آيفون

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:08:56
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 100%

آخر أخبار الرياضة من العربية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:09:02
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 96%

وزارة التضامن تبدأ غدا صرف معاشات سبتمبر من ماكينات الصرف الآلى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:21:39
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 46%

آخر الأخبار من العربية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:09:05
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 86%

شعبة الأرز: لدينا اكتفاء لمدة عام كامل.. والسعر المتوقع 19 جنيها للكيلو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:21:44
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 41%

آبل تعلن عن إطلاق آيفون 15 فى 12 سبتمبر: "القصة فى 12 نقطة"

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:21:51
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 36%

26.44 تريليون دولار قيمة الخدمات اللوجستية الاجتماعية في الصين خلال 6 أشهر

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:23:07
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 36%

71.4 مليار جنيه استثمارات حكومية بمحافظات الصعيد فى خطة 23/24

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:21:36
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 48%

مقايضة الشهرة الافتراضية بالعالم الحقيقي .. الحذر

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-31 03:23:13
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 45%

تحميل تطبيق المنصة العربية