مشروع محمد بوجنال،يا ترى؟ هل لابد من رؤية فهمية شاملة لتحقيق الديمقراطية؟ ج : يوجد الإنسان العربي-الإسلامي حاليا، كما في السابق، في وضع يتميز بالتخلف والقابلية للخضوع أوقل الإنسان الذي تم تسليعه.إنه الوضع الذي أفرز لنا عداءه للعقل والجسد على السواء بعمل تراكم استبداد سلطة أشكال الدولة السلبية العربية بما في ذلك نخبها وفي نفس الآن سلطة الاستعمار بمختلف أشكاله؛ والناتج ، بناء إنسان عربي عاجز عن التأسيس للنهضة. ومن هنا ينطلق مشروعنا : بناء منهج متكامل له قدرة تشخيص درجات تسليع الإنسان العربي على المستويين العقلي والجسدي لقياس درجات إمكاناته في الزمان والمكان وبالتالي التوصل إلى مقترحات لتحريره عقلا وجسدا وهوما يمكن من تفجير الإمكانات ذات القدرة على بناء النهضة العربية في جدليتها مع إنجازات باقي الحضارات العالمية. إنه النهج الذي، بعمل رويته الشمولية، يتضمن القدرة على تعرية الوضع التسليعي للإنسان العربي في أفق خلق شروط تحريره التي منها إعادة توزيع الثروات والبناء السياسي المشهجر والعلاقات الاجتماعية العادلة والبنيات الثقافية المعقلنة والمتحررة. إنها الرؤية الشمولية التي يستحيل تحرير الإنسان العربي من التسليع بدون اعتمادها محررة(بفتح الراء الأولى) بدورها.إنه شرط حصول الديمقراطية وبالتالي النهضة في مجتمعاتنا العربية-الإسلامية.

س : السياسة، السوق،الديمقراطية: ما هي محددات هذا التراتب الذي رسمته في رؤيتك داخل كتاب جد مهم في فترة حساسة؟

ج : لا ريب حتى المجتمع العربي-الإسلامي بنيات تتمثل في الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي؛ ولا شك في حتى لكل مستوى من هذه المستويات درجة أهميته مع استحضار العلاقة الجدلية. لقد كثر اللغط منذ أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، حول الديمقراطية أوقل أنه تم توظيفها لامتصاص غضب الشعوب العربية-الإسلامية، وفي نفس الآن تم خلق شروط جعلت منها موضة العصر لا آلية حل قضاياه ومشاكله. وبهذا المعنى التوظيفي السلبي والموضوي استخدمها الكثير من المفكرين ومجمل وسائل الإعلام والمجتمع المدني والسياسي لتنزاح عن مجالها السليم إلى مجال تم اعتبارها فيه أداة للترويض المؤذب والتسليع المتوحش الإنسان العربي. إنه الوضع الذي يسهر على صياغته وخلق شروط ومتابعة تطبيقه المستوى السياسي حيث، بالمعنى ذاك، تتحدد أنشطة وبرامج مختلف مؤسسات أشكال الدولة السلبية العربية. هكذا، فالدساتير العربية، في مجمل مضامينها وبنودها تحمي ظاهرة التسليع، والبرلمانات تشرع وفق ما تقتضيه قاعدة التسليع؛ وقس على ذلك باقي المؤسسات. وتسمى هذه الأشكال من المكر والمراوغات بغير حقيقتها ليصبح المكر والمراوغات والتسلط هو"الديمقراطية" التي اتخذت أشكالا موضوية كثيرة يتطلبها منطق ونجاح السوق الرأسمالي الذي يمارس ضغطه على المستوى السياسي بأشكال خفية لتصبح الديمقراطية الكاذبة تلك هي جميع الأنشطة والأساليب التي بعملها تحصل وفرة الإنتاج وارتفاع نسبة الفائدة. وبطبيعة الحال،هذا في ديمقراطيتهم يقتضي، وبالضرورة، تسليع عقل وجسد الإنسان العربي. هكذا، فظاهر الديمقراطية، كما هورائج مكرا،ليس هوحقيقتها ، بل هوحجاب لإخفاء الحقيقة تلك التي حدثا تم اكتشافها انهار نظام السوق الرأسمالي.

س : تحدثت طويلا في فكر ما بعد الحداثة كتصور فكري سياسي، يهدف إلى طمس معالم رؤية ديمقراطية هدفها الإنسان؛ هل تقربنا أكثر بشكل مختصر لفهم خطورة هذه الأشكال المعهدية المعيقة لمشروع تحرري عالمي؟

ج : تأسست موجة ما بعد الحداثة كانتقاد لموجة الحداثة باعتبارها نظاما عقليا وشموليا في البحث والدراسة والابتكار معتمدة مركزية الذات وحريتها أي الهجريز على فعالية الذات الإنسانية عوض إقصائها كما عملت الفلسفات الميتافيزيقية التي سادت حتى العصر الوسيط. فالحداثة هي موجة دافعت وتبنت ونطقت بعقلانية الذات. لقد عهد النظام الرأسمالي ركودا ملحوظا بداية الستينات من القرن العشرين وكذا سلبيات سياسات التقويم الهيكلي التي معها عجزت الدولة عن الاستجابة لحاجيات مواطنيها من شغل وصحة وسكن وغيره. وقد تمكن النظام الرأسمالي من تجاوز هذه الأزمة الفوردية بما أسماه ب"التراكم المرن"، الذي تجاوز البناء العقلاني الصارم إلى البناء المرن المبني على التعدد والاختلاف. وقد اتى ظهور ما بعد الحداثة نتيجة هذه الأوضاع السلبية التي آل إليها المشروع الحداثي حيث انهيار مشروع دولة الرفاه في الدول الغربية وفشل التنمية في دول العالم الثالث وكذا الآثار السلبية للقوى التكنولوجية على الطبيعة والإنسان فاتىت مابعد الحداثة كرد عمل على هذه الانهيارات ونقد لممارسات وقيم الحداثة المتمثلة في اعتماد العقل.وقد مهد لذلك تخصصه في القرن التاسع عشر؛ وعمقت التوجه ذاك فلسفة هيدجر بموقفها خاصة من التقنية كمنتوج حداثي سلبي،في نظره، أفرزه العقل. وقد تبنت ما بعد الحداثة المفهوم الكانطي "التعالي" باعتباره مفهوما يفوق جميع القدرات المعهدية وهوما يعني حتى ما بعد الحداثة هوتوجه فكري يرفض الواقع.فبعمل استثمار مفهوم"التعالي أوالترنسندنتال" الكانطي تم التعتيم على عمليات الحكم السياسي والأخلاقي التي اعتبرت عمليات متعالية يستحيل الحكم على صوابها أوخطئها؛ وقد نتج عن ذلك فصل الفهم ( الخطاب) عن التاريخ والواقع.

س : كيف من الممكن أن ساهم التعليم في تسليع الإنسان العربي الذي منه المغربي؟

ج : التعليم في عالمنا العربي الذي منه المغرب يقوم بوظيفة سلعنة الإنسان العربي وذلك من خلال البرامج والمناهج التي اعتمدت، برامج ومناهج التلقين والانفصال عن قضايا المجتمع. والتخلص من هذا الوضع يقتضي الاستحضار الدياليكتيكي للقضايا على المستويين الماكرووالميكرو. عملى المستوى الماكرويفترض حتى تتضمن البرامج والمناهج ما تعهده الساحة العالمية والرأي العام العالمي من إيجابيات وسلبيات بحثا عن التطور والتقدم والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان؛ برامج تتضمن مفاهيم تشكل أساس كرامة الموجود العربي كالمساواة والحرية والعدالة والواجبات عوض السائد في البرامج والمناهج اليوم، استجابة لمصالح أشكال الدولة السلبية العربية، المتمثل في التربية على العبودية والإكراه والتسليع عقلا وجسدا. أما على المستوى الميكرو، فالمفروض حتى تتضمن البرامج والمناهج القضايا في أشكالها القطاعية كقضايا الصناعة، والفلاحة،وشؤون الجماعات المحلية،وقضايا الشباب، والمرأة ومعنى ودلالة المؤسسات وغيرها. وذلك يحتاج منهاجا يؤمن بمنطق التغيير وكرامة الإنسان؛ منطق يتمثل في:1-عدم تشيئ العمل ؛ 2-التخلص من ثقافة القمع؛ 3-اتخاذ القرارات بشكل جماعي؛ 4-التربية على تحقيق الذات في العمل من أجل الصالح العام؛ 5-ترسيخ ثقافة عالمية تؤمن بالحوار. فاستحضار هذين المستويين (أي الماكرووالميكرو) في برامجنا ومناهجنا يمكن، عموما، الإنسان العربي/التلميذ/الطالب من التخلص نسبيا من عمليات الترويض والتسليع.إلا حتى أشكال الدولة السلبية العربية ونخبها والأب الغائب الحاضر(الاستعمار بمختلف أشكاله) لا يولوا لمثل هذه المقترحات الأهمية المطلوبة ليبقى نظامنا التعليمي في عالمنا العربي، الذي منه المغرب، نظاما تقليديا يكفر العقل والجسد لينتج لنا كائنات بشرية خضعت وتخضع للترويض والتسليع. س : كتابك الأول:في الوضع الدولي الراهن طرح معطيات في آخر التسعينات، جميع ما تحدث عنه عشناه الآن ، خاصة تصوركم للرؤية الاستعمارية الجديدة، نريدك حتى تقربنا لتعرية واقع امبريالي جد متعفن،يا ترى؟ هل ندخل الكتاب في القراءة المستقبلية لفهم تاريخ يتطور حسب فهم جد خاص من زاوية مشروع محمد بوجنال التي تتصور مستقبلا بصيغة جد دقيقة؟

ج : يعتبر مؤلفنا: في الوضع الدولي الراهن بوصلة مشروعنا الفكري الذي يدخل ،في إطاره، باقي أعمالنا. لقد حددنا فيه أنه، على إثر انهيار المنظومة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي وأروبا الشرقية، ثم التهليل لما سماه النظام الرأسمالي، لفترة جديدة سماها ب"النظام العالمي الجديد" الذي حددناه في كونه ليس سوى النظام الاستعماري في شكله الجديد، نظام يعتمد نظام السوق الحر ب بثوابته الاستعمارية المعروفة المتمثلة في العمل المأجور، وسرقة فائض القيمة ،والملكية الخاصة.فالقول بكون السوق الحر النظام الذي حقق العدالة الاجتماعية ما سوى قولا يخفي وحشية النهب والاستغلال. ونجاح هذا السوق الحر، في نظره، راجع للمنظومة العادلة التي يتبناها ويدافع عنها كنظام رأسمالي وهي التنافسية الديمقراطية بين الأفراد؛ وهو،في هذا، يخفي ظاهرة الصراع الطبقي في المجتمعات حيث الارتفاع المتوحش في الهوة بين الطبقات؛ وفي هذا الاتجاه، اتجاه المكر استثمر المستوى الثقافي بدلالات سماها مكرا بالتعدد والاختلاف.

بهذه الدلالات يمكننا فهم مفاهيم الديمقراطية، المجتمع المدني، حقوق الإنسان، الشفافية، التشاركية وغيرها. إنه السائد اليوم.ولا يمكن تصور استمرار النظام الرأسمالي بدون الثالوث: العمل المأجور، فائض القيمة والملكية الخاصة؛ ثوابت تختلف شكل وتبقى ثابتة عمقا؛ هذا إضافة إلى حتى البديل الذي يقترحه الكتاب يبقى مفتوحا ورافضا للمس بقيم وكرامة الإنسان. بهذه المعاني يمكن تصنيف الكتاب مع خط المستقبليات.

س : لا تغيير بدون ثورة ثقافية، منها ننتج إنسانا مسئولا منتجا وهادفا؛ في حين المعضلة حتى الشعوب العربية هي صنيعة تاريخية لأنظمة متعفنة؛ في نظركم كيف من الممكن أن يمكننا التحول والشعوب جد مستلبة مسلعنة غير قادرة على استيعاب نفسها ولا إدراك مسقطها الحقيقي في زمن جد مستلب،يا ترى؟ هل التغيير يحتاج زمنا طويلا ووقتا غير معروف في وسط جد متحكم فيه من طرف أنظمة جد مدمرة وقاتلة؟

ج : يتميز الواقع العربي بكونه واقعا متخلفا تحتل نسبة الأمية فيه بأشكالها نسبة مرتفعة. ومعلوم حتى التطور والتقدم هونقيض الوضع ذاك. ونرى حتى التأسيس للتغيير في مجتمعاتنا العربية يقتضي أولا خلق شروط تحقيق " الثورة الثقافية أولا " بالاشتغال بشكل يعتمد التراكم المعقلن؛ إذ بدون ذلك نكون أمام ظاهرة الاعتصام بالتخلف وفشل الانتفاضات والاحتجاجات. فالتغيير يحتاج الإرادة والوعي والتجربة على مستويي النضال والسياسة والتكوين؛ لذا، لا بد من طرح الأولويات والتي تتمثل في نظرنا في حصول " الثورة الثقافية ".البداية مع التلاميذ والطلبة لكونهم الفئة التي تتوفر على درجة من التكوين؛ ثم العمل على تكوين شباب الأحياء لما لهم من حيوية وأهداف وقرب من الجماهير؛ ثم الشروع في العمل على تكوين لجان ثقافية بالمصانع العمالية والضيعات الفلاحية دون نسيان المهمشين؛ ثم الشروع في التأسيس للجن التنسيق بين هذه الفئات لبناء الوحدة وتجذير التواصل.فهذا العمل التأسيسي والتكويني لا يمكن حتى يحصل بين ليلة وضحاها، بقدر ما أنه يحتاج الوقت والسير وفق قاعدة التراكم نحو" الثورة الثقافية " التي هي، وبالكاد، الانتنطق من نمط الإنتاج الرأسمالي إلى نمط إنتاج أفضل وأرقى.

س : نريد منك أستاذنا حتى تقرب القاريء إلى استيعاب بعض المفاهيم المهمة في مشروعك الفكري: السياسة، السوق، الديمقراطية ،سياسة ما بعد الحداثة ؟

ج : هناك فلسفة السياسة وهناك فهم السياسة. فالفلسفة السياسية تحدد كوجود متخلص من الهوية التي لا تتأسس إلا بعمل أجهزة التاريخ؛ وبمعنى آخر، فهي ذلك النظام الآتي دوما دون الوصول والذي لا يتحقق إلا بعمل ومن خلال مقولات التاريخ.

أما السياسة كفهم فهي الاهتمام بالقضايا والظواهر المجتمعية كما هي حاصلة في محيطها التجريبي واليومي من حيث الدرس والتحليل والتقييم والتدبير والتطبيق من خلال المقتضيات التنظيمية والصياغات المتخذة.

السوق : فهوالنظام المنظم لقوانين التبادل السلعي الحر أثمنة وتنافسية وربحية وفق قاعدة اليد الخفية التي ليست سوى اليد الرأسمالية المستبدة.

الديمقراطية : هناك من يحددها بأنها حكم الشعب لنفسه؛ وهناك من يحددها بكونها السيادة للشعب أي حتى جميع ما يصدر من قوانين وقرارات هوبموافقة الأغلبية سواء في الحزب الحاكم أوالبرلمان وهوما يعني هزيمة الأقلية وبالتالي هزيمة مصالحها؛ وهناك من يحددها كمعنى تعددي: نظام يأخذ بمختلف الآراء ويرضي جميع المصالح ويستشير جميع جماعات الضغط صانعة الآراء والقرارات ؛ وهذا معناه حتى الديمقراطية هي توزيع للسلطة وليس هجريزا عليها. وما تدعيه هذه التعريفات وغيرها ما في حقيقته سوى تحديدات زائفة ما دامت المساواة في الحقوق السياسية التي تنادي بها لا يقابلها بالمثل مساواة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية.

سياسة ما بعد الحداثة : هي التوجه الذي يهاجم العقل محملا إياه مسئولية أزمة المجتمعات داعيا إلى بديله الذي سماه ب " اللاعقل " دون الرفض الكلي للعقل. و"اللاعقل" لا يعبر عنه باللغة في نظر ما بعد الحداثة، بل التعبير عنهقد يكون بالصمت؛ لذا، فهي سياسة تتجاهل الواقع والمعطيات التاريخية وهوتوجه يلعب في صالح إسرائيل.

س : هؤلاء المفكرون ماذا قدموا للنهضة العربية: عبد الله العروي ، محمد عابد الجابري ، مهدي عامل؟

ج 1: عبد الله العروي

تقابل المجتمعات العربية –الإسلامية التخلف على مختلف المستويات ؛ وهذا يقتضي، يقول العروي، البحث عن الوسائل المنهاجية الكفيلة التي تمكننا من التغلب على عوائقنا وتنمية قدراتنا على الاستيعاب والإدراك والفهم لتحقيق النهضة وهنا نكون أمام عملية سماها العروي ب" الوعي التاريخي": إذا كان الغرب يعهد ذاته كتاريخ وتقدم،فلا يعقل حتى نقابله نحن دون التعهد على ذواتنا كما عمل. إذا عجزنا، في نظر العروي،عن حل قضايانا ومشاكلنا راجع أساسا إلى عجزنا عن فهم ذواتنا من جهة، وفهم الآخر من جهة ثانية.

والتمهيد لبناء النهضة يقتضي كذلك في نظر العروي تبني تصور ماركس التاريخاني؛ لذا ،نطق العروي بأنه لا بديل للنخب السياسية في المجتمعات العربية لتحقيق النهضة،من هضم التجربة اللبرالية الأروبية من جهة، وفهم الماركسية باعتبارها إفرازا لهذا النظام اللبرالي من جهة ثانية. ويرى العروي أنه لايمكن بناء النهضة إلا بالرجوع إلى فكر شمولي هوالفكر الماركسي لأنه الفكر الذي يمكننا من تمثل العالم اللبرالي الذي لم نعش مراحله، كما لم نتمثل بنيته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية؛ هذه الماركسية سماها العروي ب"الماركسية التاريخية": فألمانيا 1848 كانت تشبه وضع العالم العربي من حيث التأخر، إلا ان فهمها لمنجزات اللبرالية الأروبية جعلها تتجاوز تأخرها وتحقق نهضتها، في حين رفض العالم العربي ذلك بسبب التأخر التاريخي لوعي الفقيه واللبرالي والتقني الذين يمثلون تيارات ترفض مكتسبات ما زالت تجهلها ظانة أنها تعهدها من جهة،وكذا احتقار النظام اللبرالي دون حتى تستوعب دلالته من جهة ثانية وهوما أدي إلى تعميق هوة التأخر التاريخي لتبقى النهضة مؤجلة؛ إننا ،يقول العروي، في حاجة إلى ثقافة بورجوازية دون المرور من تلك الفترة، فترة عصر الأنوار الأروبي.

ج2 : محمد عابد الجابري

يرى الجابري حتى النهضة العربية لا يمكن حتى تتحقق إلا بالعودة إلى التراث والفرز فيه بين المعقول وغير المعقول أوقل ربط ما فاعل في التراث بما هوفاعل في الحداثة لتحديد بناء المشروع النهضوي العربي. وفي هذا يطرح الجابري السؤال : هل يمكن تحقيق النهضة بدون عقل،يا ترى؟ والعقل كما حدده الجابري ليس جوهرا كما نادت الفلسفة اليونانية والعصر الوسيط، بل هوعمل (العقل ليس ملكة أومجموعة مبادئ، بل هونشاط وفعالية:ألمو) كما أنه تبنى مفهوم العقل لدى لالاند: العقل المكون(بفتح الواو) والعقل المكون(بكسر الواو)؛ بمعنى تحديده العقل كهجريب بين ثلاث مكونات:أ-العقل كبنية (البنيوية)، والعقل كلاشعور معهدي (جان بياجي)، والعقل كلاشعور سياسي (دوبرييه)، والعقل كجدل بين عقلين:مكون-بكسر الواو- ومكون-بفتح الواو- (لالاند) . إنه العقل الذي اعتمده لفهم وإعادة إنتاج تراث عقلاني حداثي معتمدا القطائع الجزئية بين ما سلبي وما هوإيجابي ؛ومن هنا عدم إعلانه موت التراث كما عمل العروي. إنه التصور الذي تحكمه المنظومة البنيوية الكفيلة في نظره بانتقاء ما تتطلبه القطيعة لديه. فهو،على النقيض مما يراه العروي،يرى حتى الفكر التاريخي ليس هومن يفرض القطيعة، بل العملية تلك تحصل بعمل الانتقاء من داخل التراث الذي هواختيار الأفيد لخدمة النهضة.

والجابري، لتحقيق النهضة، نادى بضرورة التخطيط، على السواء ،لمستقبلنا وماضينا خاصة وأن هذا الماضي هوما يمثل حاضرنا ؛ لذا، فمشروع تحقيق النهضة يقتضي تشريح العقل في مختلف مستوياته وتمظهراته المعهدية والسياسية والأيديولوجية والأخلاقية للتمكن من تحديد البنية التي تحكمت في مساره وهوفي هذا استثمر المنهج الحفري الذي نادى به فوكوبحثا عن النظام المعهدي السائد الذي مارس تأثيره على العقل العربي. وقد ميز فيه بين ثلاث نظم معهدية وهي البيان والبرهان والعهدان وهوالثالوث الذي تتحدد وفقه الثقافة العربية، منذ العصر العباسي :البيان وهوالتصور الذي أسس لرؤية الانفصال واللاسببية وقياس الغائب على الشاهد؛ والبرهان الذي أسس للعلوم والمنطق والفلسفة اليونانية برؤية قائمة على السببية والإنتاج المعهدي القائم على المنطق الذي هوحصول النتائج وفق المقدمات.

وبالمحصلة ، فالجابري يرى أنه لا يمكن بناء النهضة بالتنكر للتراث بقدر ما حتى البناء ذاك يقتضي إخضاعه لمنهج القطائع الجزئية التي لا يمكن فصلها عن الحداثة التي توجد في التاريخ وهوما يعني ضرورة ضبط الآليات المتحكمة في العقل.

ج3 : مهدي عامل

أما مهدي عامل فيرى حتى تصوره لحصول النهضة لا يمكن فصله عن ضرورة التخلص من نمط الإنتاج الكولونيالي الذي لم ينج من تبعيته مفكرونا الداعون للنهضة؛ فمعظمهم قارب ونادى للنهضة من منظور الفكر الكولونيالي،لا من منظور الاستماع للواقع. هذا الواقع جعله يرى حتى بناء النهضة يقتضي حصول" ثورة منهجية" حيث أعاد النظر أوقل انتقد بشدة لغة ومسلمات ومفاهيم المفكرين الداعين للنهضة إذ رأى أنها منفصلة عن الواقع بعمل هيمنة نمط الإنتاج الكولونيالي؛ هكذا رأى حتى تاريخانية عبد الله العروي الداعية لضرورة تمثل الفترة اللبرالية الغربية هي فكر ليبرالي منفصل عن واقع المجتمعات العربية؛ وفكر عابد الجابري الداعي للمنهج الإبستيمولوجي هوفكر لاتاريخي؛ فالإثنين،في نظره، لم ينجوا من تأثير نمط الإنتاج الكولونيالي الداعي إلى طمس حقيقة المجتمعات العربية لتبقى بمعزل عن التفكير في تحقيق النهضة (الثورة).لذا، فالقول بالنهضة، يقتضي عوض المنهج اللبرالي (التاريخانية) أوالإبستيمولوجي (البنيوية)، المنهج المادي الجدلي التاريخي الذي يختلف عن نظيره الآلي الخشبي.وقلنا حتى ذلك، في نظر مهدي عامل، يقتضي "ثورة منهجية" تخرج الماركسية العربية من جمودها ودوغمائيتها وخشبيتها، فنطق بمفاهيم جديدة أدخلت ثورة منهجية بصدد صياغة المنهج المادي الجدلي التاريخي حيث حدد تشكيلة المجتمع العربي في ثلاث مستويات عمل ويعمل نمط الإنتاج الكولونيالي على تشويهها وتحريفها لبسط استغلاله لها وهي المستوى الاقتصادي والمستوى السياسي والمستوى الأيديولوجي. وقد حدد مهدي عامل درجات أهمية المستويات الثلاث في كون حتى الأول أساسي والثاني رئيسي والثالث أحد مظاهر الصراع . والعلاقات بين المستويات الثلاث تحكمها قواعد الصراع المادي الجدلي التاريخي التي حدثا أصبح فيها السياسي هوهووليس مظاهره حدثا حصلت الثورة وهوالوضع الذي يتم فيه التخلص من نمط الإنتاج الكولونيالي وبالتالي الحصول العملي لتدمير نمط الإنتاج الرأسمالي ليحل محله نمط الإنتاج الاشتراكي الذي، بعمل علاقاته النوعية، ستحصل النهضة العربية.

س : إشكالية اليسار؟أين يكمن الضعف بالذات،يا ترى؟ لما اليسار يساير الموجات السياسية الخطيرة التي تربك التغيير،أعني هذه الأحزاب السياسية الانتخابية بالذات؟

ج : دون الدخول في معاني وحيثيات معنى مفهوم اليسار ومكوناته يمكننا القول حتى اليسار في المغرب يعاني من ضعف ملحوظ لأسباب موضوعية وذاتية. فالموضوعي منها يتمثل في هيمنةالاستبداد أوقل شكل الدولة السلبية المغربية المتمثل في الترويض باعتماد مختلف المؤسسات وبأساليب أكثر دبلوماسية.أما الذاتي فيتحدد في غياب التكوين الذاتي والإرادة. لهذه الأسباب نحن أمام يسار ضعيف من حيث الإمكانات والتكوين والمنهج. وعليه، فهويسار تتحدد مختلف مجالسه ولقاءاته ، في الأغلب، بتوجهات يساريين بارزين هما عبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون فهما بأن التكرار ذاكقد يكون دون الوعي بالدلالة وهوما يعني تغييب وغياب التنظير للواقع؛ بل وهذا يقود حتما إلى القول بأنه يسار خشبي يفتقر الفهم والإبداع وبالتالي إلى نجاعة الممارسة. ومن داخل هذا اليسار نجد قسمين كلاهما يعاني من الضعف: قسم مناضل له حضور بالتظاهرات والاحتجاجات لكنه يفتقر إلى السياسة، وقسم سياسي ولكنه يفتقر إلى النضال كما يعهده الشارع والساحات ليظهر ويختفي أثناء المناسبات؛ أوبمعنى آخر، فنحن أمام مناضل غير سياسي من جهة، وسياسي غير مناضل من جهة أخرى؛ والنتيجة ،بطبيعة الحال، يسار ساير ويساير سياسات شكل الدولة السلبي المغربي المتخذة معتمدا أساليب متنوعة هوأدرى بخلفياتها. لذا، فمجمله يسار في العلن والقابلة، ومنضبط في السر ومن تحت الطاولة.

س : هل تحقق المراد بعد ثورات الربيع العربي،يا ترى؟ هل الوعود المغربية خاصة ما بعد حركة 20 فبراير، ترجمت على أرض الواقع، أم ما سقط مجرد تمويهات لإخفاء حراك جد مهم في فترة حاسمة من تاريخ مغربي جد مقلق؟

ج : حملت حركة 20 فبراير كغيرها من الحركات التي عهدها العالم العربي الكثير من المطالب كإعادة توزيع الثروات ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات الاجتماعية والحرية والعدالة والمحاسبة والرشوة وغيرها من المطالب. وقد أظهر النظام مكرا وخطوات محسوبة في الاستجابة لذلك، فقام بإعادة هيكلة الدستور بما يتماشى مكرا وهذه المطالب. وقد تمكن ،بعمل تجربته، من الالتفاف على المطالب تلك بشكل دبلوماسي ليبقى الوضع كما هوعليه اللهم التخلص من ظاهرة الخوف وهوالمكسب الوحيد الذي تحقق على أرض الواقع.

س : كيف من الممكن أن يتصور محمد بوجنال مستقبل المغرب السياسي،يا ترى؟ وأثره على الجانب الاجتماعي، خاصة ما نرى من حصار على جميع الموجات الديمقراطية المطالبة بمشاريع تنموية حقيقية في جميع المجالات،إلى جانب الغلاء والارتفاع في الضرائب؟

ج : منذ البداية نؤكد أنه لا نظام سياسي بدون فلسفة سياسية؛ ومن هنا عداء النظام للفلسفة. وعليه، فالنظام السياسي في المغرب نظام مبني على البديهية التالية: إنا فضلنا بعضكم عن بعض في الرزق. ومن هذه البديهية/المرجع تفهم باقي مفاهيم وقواعد النظام المغربي فهما بأن الفلسفة تلك يتم إخفاؤها وتغميضها باستغلال الكثير من القيم الأخلاقية والدينية والسياسية؛ أوقل أنها البديهية التي ، انطلاقا منها، تم تحديد وتنظيم علاقات مكونات النظام الداخلية. فهناك من جهة ملك البلاد بصلاحيات كبيرة؛ وهناك البورجوازية التي تتشكل من الفئات التالية: الفئة الصناعية والفئة الفلاحية والفئة التجارية والمالية وهي فئات تتميز بالصراع الداخلي فيما بينها خاصة عند تهيئ مشروع القانون المالي السنوي؛ وهي القوى المتحكمة في جميع المؤسسات وفق بديهية: إنا فضلنا بعضكم عن بعض من خلال برلمان تنبثق عنه حكومة تؤتمر بأمر تلك الفئات ؛وذاك يعني امتلاك واحتكار القوى تلك مختلف المشاريع لتبقى باقي فئات المجتمع المغربي محكومة ببديهية فلسفة النظام: إنا فضلنا بعضكم عن بعض وهوما يعني إفقارها بأشكال مؤدبة تأخذ أشكال الدين والديمقراطية وحقوق الإنسان في الوقت الذي نجد فيه على أرض الواقع أشكال الفساد وارتفاع الأسعار والزيادة في الضرائب وإهمال المواطن أوقل انتشار الاستبداد تارة بشكله العنيف وتارة أخرى بأشكال مؤذبة حدثا تطلب الوضع ذلك. واحتجاجات المواطنين والمدن والمناطق ومطالبتهم النظام بمشاريع تنموية حقيقية تتناقض وبديهية فلسفة النظام هومرشد على فشل فلسفة سياسته التي يصر على فرضها معتمدا مختلف أجهزته وهي الفلسفة السياسية التي يتحدد منطقها الداخلي في احتكار المشاريع وإفقار المواطن.

س : أليس ذلك ما تحدثت عنه في كتابك: في الوضع الدولي الراهن، بدأت تتحقق نتائجه الآن؟

ج : فالناتج لكل ما تجاوز حتى رأيناه، التوحش المتصاعد لأشكال الاستعمار حيث أصبح يدلي اليوم، وبعلانية، حتى الملايين من البشر لم يعودوا صالحين للحياة وهوما يعني نية التخلص منهم تدريجيا وبأشكال مدروسة؛ هذا التوحش في تسليع واستغلال الإنسان يرافقه توحش أشكال الدول السلبية التي أصبحت تعتبر بدورها ساكنتها بالكائنات الدونية لتهجرها فريسة للفقر والأمراض بمختلف أشكالها.