جوڤاني بليني

عودة للموسوعة

جوڤاني بليني

جوڤاني بليني

جوفانـّي بـِلـّيني (Giovanni Bellini)(ح. 1430 - 1516) هورسام ايطالي، ولعله أشهر الرسامين من أسرة بليني البندقية، بما فيهم والده الرسام ياكوبوبليني وشقيقه الرسام جنتيلي بليني. وقد أحدث ثورة في اللوحة البندقية، نحومزيد من الاسلوب الحسي, من خلال استخدام وخلق العمق، والصبغات الغنيه مفصلة التظليل والمناظر الطبيعيه في الغلاف الجوي كان لها أثر عظيم على مدارس البندقية، وخصوصا على تلاميذة جيورجيوني‏ وتيتيان‏.

رسام من أشهر أعضاء عائلة بلّيني من الرسامين في مدينة البندقية في عصر النهضة الإيطالية. وتعد أكبر إسهاماته الفنية، أعماله التجريبية باستخدام الألوان لتصوير البيئة في لوحاته الزيتية.

أوائل أعماله

هيرونيموس (القديس جروم) في البرية , ح. 1455; Tempera on panel; Barber Institute, Birmingham
Pietà, 1460; Tempera on panel; Pinacoteca di Brera, Milan

وقد أثرت لوحاته التي تصوِّر الطبيعة الشاعرية في عدد من الرسامين اللاحقين مثل: جورجيونه وتيتيان، كما أثرت في رسامي مدينة البندقية الآخرين في القرن السادس عشر الميلادي. توضح أعمال جيوفاني الأولى تشكيلات واضحة ومحددة المعالم. وفي السبعينيات والثمانينيات من القرن الخامس عشر، بدأ في استخدام ألوان أكثر دفئًا وتشكيلات أكثر نعومة وقدر أكبر من البيئة. كما استطاع جيوفاني باستخدام ألوان زيتية واضحة وبطيئة الجفاف حتى يكوِّن ألوانًا عميقة وغنية وظلالاً مفصَّلة. ويتوافق اهتمام جيوفاني بالمناظر الطبيعية مع انبهار سكان مدينة البندقية بعالم الطبيعة.


قمة النهضة

San Giobbe Altarpiece, ح. 1487; Oil on panel; أكاديميا, البندقية
عيد الآلهة, ح. 1514 أكملها تلميذه، تيتيان, 1529; Oil on canvas; National Gallery of Art, Washington

ألبرشت دورر، في زيارته الثانية للبندقية في 1506، يصف جيوفاني بليني بأنه مازال أفضل رسام في المدينة، وبأنه يسبغ تام الاحترام والكرم على أخوة الريشة الأجانب.

آل بيليني

كان التصوير هوالسبب الثاني من مسببات مجد البندقية الفني بعد كنيسة القديس مرقس وقصر الدوج. وقد اجتمعت عوامل كثيرة فجعلت المصورين موضع الرعاية الخاصة في مدينة البندقية. فقد كان على الكنيسة هنا، كما كان عليها في المدن الأخرى، حتى يقص سيرة المسيحية على شعبها الذي لم يكن يعهد القراءة منه إلا عدد قليل، وكانت من أجل ذلك في حاجة إلى الصور والتماثيل لتستبقي بها أثر الكلام السريع الزوال فكان لابد والحالة هذه حتىقد يكون لكل جيل، وأنقد يكون في كثير من الكنائس والأديرة، صورة للبشارة، والولادة، والعبادة، وزيارة العذراء لإليصابات، والمخاض، ومذبحة الأبرياء ، والفرار إلى مصر، والتجلي، والعشاء الأخير، والصلب، والدفن، والبعث، وصعود المسيح إلى السماء، وصعود العذراء، والاستشهاد. وكانت الصور التي يمكن انتزاعها من مواضعها ونقلها إذا تقادم عهدها وحالت ألوانها، أومل المصلون رؤيتها، تباع للمولعين بجمعها أوللمتاحف. وكانت من آن إلى آن ويعاد تلوينها أوإصلاحها في بعض الأحيان، ولوحتى مصوريها بعثوا إلى الحياة اليوم لمل استطاعوا حتى يتعهدوا عليها. ولا حاجة إلى القول إذا هذا لا ينطبق على الصور الجذابة، فقد كانت هذه في العادة تتلف وهي على جدرانها. وكان مصيرها هذا يتقي أحياناً بتصويرها على القماش الخشن ثم يلصق هذا القماش بعدئذ على الجدار، كما وقع في قاعة المجلس الأكبر. وكانت الدولة تناقش الكنيسة في البندقية في حبها للصور الجدارية، لأن في وسع هذه الصورة حتى تذكى نار الوطنية والعزة القومية حين يحتفل بعظمة الحكومة ومواكبها، وفوزها، في ميدان التجارة أوالحرب. وكانت الجماعات المتنوعة تطلب هي الأخرى صوراً جدارية، وأعلاماً لتخليد ذكرى قديسيها المشفعين أولمواكبها السنوية. وكان الأغنياء يطلبون صوراً للمناظر الخارجية الجميلة، أومناظر العشق داخل البيوت، ترسم لهم على جدران القصور، وكانوا يجلسون أمام المصورين ليرسموا لهم صوراً يخدعون بها ساعة من الزمان سخريات مجدهم السريع الزوال. وكان مجلس السيادة يطلب صورة لكل دوج يتولى الحكم، وحتى النواب القائمون بالعمل في كنيسة القديس مرقس عملوا على حفظ ملامحهم للخلف الذي لا يعنى بهم. ولهذا كله كانت البندقية هي المدينة التي انتشرت فيها الصور الملونة الثابتة وذات الحوامل أوسع انتشار.

وظل التصوير الملون يتقدم بخطى بطيئة في البندقية حتى منتصف القرن الخامس عشر، ثم ما لبث حتى ازدهر ازدهاراً مفاجئاً، وتلألأ تلألؤاً منبتر النظير، وتفتح كما تتفتح الزهرة حين تستقبل شمس الصباح الساطعة، وذلك لأن البنادقة وجدوا فيه وسيلة لنقل الألوان والحياة التي تفهموا الافتتان بها، وربما كان بعض هذا الولع بالألوان قد اتى إلى البندقية من بلاد الشرق مع التجار الذين استوردوا من البضائع، ونقلوا عنهم ذكريات للقرميد البراق، والقباب الممضىة، وعرضوا في أسواق البندقية، أوكنائسها، أوبيوتها، حرير الشرق وطيلسانه، ومخمله، وديباجة، وأقمشته المنسوجة من خيوط المضى والفضة، والحق حتى البندقية لم تقرر في يوم من الأيام أهي دولة غربية أم شرقية، فقد كان الشرق والغرب يجتمعان في سوق المال، وكان في وسع عطيل ودزدمونا حتى يتزوجا، وإذا لم تستطع البندقية حتى تأخذ اللون من الشرق ولم يستطع مصوروها حتى يأخذوه منه فقد كان من المستطاع أخذه من سماء المدينة، وحسبهم حتى يراقبوا تعاقب الأضواء والغيوم تعاقباً لا ينبتر على مر الأيام، وبهاء مغرب الشمس حين ترسل أشعتها المضىية على أبراج الجسور والقصور، أوتنعكس على مياه النهر. وكانت فوزات جيوش البندقية وأساطيلها في تتلك الأيام، وانتعاشها ببسالة من خطر الخراب المحدق بها، مما أثار خيال أنصار الفن والمصورين وكبرياءهم، فخلدوا ذلك في الفن، وأدرن ذووالثراء إذا المال لا قيمة له إلا إذا استطاعوا حتى يحولوه إلى صلاح، أوجمال، أوحق.

وأضيف إلى هذه الحوافز حافز آخر خارجي عمل على قيام مدرسة بندقية للتصوير. وتفصيل ذلك حتى جنتيلى فابريانوGentile Fabriano استدعى إلى البندقية في عام 1409 ليزين القاعة الكبرى في المجلس الكبير، واتى أنطونيوبيرانوالمسمى بيزانيلومن فيرونا ليشهجر معه في هذا العمل. ولسنا نعهد إلى أي حد أجادا عملهما، ولكنهما في أغلب الظن أثارا رغبة مصوري البندقية في حتى يستبدلوا بالأشكال الدينية الجامدة القائمة المأخوذة من التنطقيد البيزنطية، وبالأشكال الحائلة اللون العديمة الحياة المأخوذة من مدرسة جيتوومن على شاكلته - حتى يستبدلوا بهذه وتلك الخطوط الرفيعة والألوان الزاهية. ولعل بعض التأثيرات الصغرى قد هبطت عليها أيضاً من فوق الألب مع جوفاني الألماني Giovanni d'Alamagna (المتوفى عام 450)، ولكن حتى جوفاني قد كبر في مورانووالبندقية وتفهم فيهما فنه، وقد صور هووصهره أنطونيوفيفاريني Antonio Vivarini ستاراً لمحراب كنيسة القديس زكريا بدت في صوره تلك الرشاقة والرقة اللتان جعلتا أعمال بليني فيما بعد وحيا أوحى إلى البندقية.

واتى أكبر المؤثرات إليها من صقلية أوالفلاندرز، وكان ممن اتى على أيديهم أنطونيلودا مسينا Antonello d Messina. نشأ أنطونيلونشأة رجال الأعمال، ولعله لم يكن في شبابه يظن حتى اسمه سيخلد في تاريخ الفن قروناً طوالاً. وشاهد وهوفي نابولي (إذا صدقنا سيرة فارساي التي من الممكن كانت من نسج الخيال) صورة زيتية بعث بها إلى الملك ألفونسوجماعة من التجار الفلورنسيين من بروج. وكان المصورون الإيطاليون من عهد سيمابوى Cimabue (من حوالي 1240 إلى حوالي عام 1302) الذين يصورون على الخشب أوالقماش الخشن يعتمدون على الألوان الزلالية - فيمزجون الألوان بمادة هلامية. وهذه الألوان تهجر سطح الصورة خشناً، ولم يكن مزيجاً صالحاً للظلال المتدرجة الدقيقة، وكانت تنتزع إلى التشقق والانطفاء حتى قبل موت الفنان. ولكن أنطونيلواستوعب فائدة خلط المادة الملونة بالزيت إذ وجدها أسهل مزجاً، وأيسر استعمالاً وتنظيفاً، وألمع صقلاً، وأطول بقاء. ثم سافر الرجل إلى بروج حيث تفهم صناعة التصوير بالزيت على المصورين الفلمنكيين الذين كانوا ينعمون وقتئذ بمجد بيرغندية. ولما له فرصة للذهاب إلى البندقية أحب المدينة - وكان هونفسه ((زير نساء عاكفاً على اللذات))(25) - حباً حمله على حتى يقضي فيها بقية حياته. وهجر الأعمال المالية ووجه جهوده كلها نحوالتصوير. فرسم لكنيسة سان كاسيانوSan Cassiano بالزيت شعاراً للمذبح أصبح فيما نموذجاً لمائة صورة من نوعه: نرى فيها العذراء متربعة على عرشها بين أربعة من القديسين، وتحت قدميها الملائكة الموسيقيون، وقد لونت أثواب الديباج والأطلس بالألوان البندقية الكاملة. وكان يشارك أنطونيوفي عمله بالأسلوب الجديد غيره من الفنانين، إلى غير ذلك بدا عصر التصوير العظيم في البندقية. واتىه كثير من النبلاء ليصورهم، ولا يزال لدينا حتى اليوم عدد من هذه الصور: صورة الشاعر الخشنة القوية في بافيا، وصورة المحارب المغامر في اللوفر، وصورة رجل بدين مستهزئ في مجموعة جنسن بفيلادلفيا، وصورة شاب في نيويورك، وصورة المصور نفسه في لندن. ولما بلغ أنطونيوذروة نجاحه انتابه السقم، وأصيب بالتهاب البلورة، ومات في سن التاسعة والأربعين، ودفنه فنانوالبندقية في موكب فخم، واعترفوا بفضله عليهم في قبرية كريمة نطقوا فيها:

في هذه الأرض يثوي أنطونيوالمصور، أعظم من تزدان به مسنا وصقلية جميعها، ولم تقتصر شهرته على صوره التي امتازت بالحذق والجمال، بل امتاز فضلا عن هذا لأنه خلع على التصوير الإيطالي هالة من المجد والخلود بتحمسه العظيم له وبجهوده التي لا تعهد الملل، وبمزجه الألوان بالزيت(39).

وكان من بين تلاميذ جنتيلى دا فابريانوفي البندقية ياقوبوبليني الذي أنشأ أسرة قصيرة الأجل ولكنها عظيمة الشأن في فن النهضة. وشرع ياقوبوبعد حتى قضى عهد التلمذة يعمل في فيرونا، وفيرارا، وبادوا. وفي هذه المدينة الخيرة تزوجت ابنته بأندريا مانتينيا وفيها سقط ياقوبوتحت نفوذ اسكوراتشيوني بتأثير أندريا هذا وبغير تأثيره، فلما عاد إلى البندقية اتى إليها معه بمسحة من فن بادوا وصدى من فلورنس إذا أجيز لنا حتى نستخدم هذه الكناية بعد أساليب أنطونيلوفي استخدام الزيت، انتقلت إلى أبناء ياقوبوالذين ينافسون في عبقريتهم جنتيلي وجوفاني بليني.

وكان جنتيلي في الثالثة والعشرين من عمره حين انتقلت أسرته إلى بادوا (1452) وفيها أحس إحساساً قوياً بتأثير صهره مانتينا، فحين أخذ ينقش مصراعي الأرغن لكتدرائية بدوا حاكى بعناية مفرطة الصور الجامدة وأساليب القرب والبروز في التصوير التي شاهدها في مظلمات إرمتاني. أما في البندقية فقد ظهرت في صورته التي رسمها لسان لورندسوجوستنياني رقة جديدة لم تعهد من قبل. وفيها عهد إليه مجلس السيادة عام 1474 والى جيوفني أخيه غير الشقيق حتى يصوروا أويعيدا تصوير أربع عشرة لوحة في قاعة المجلس الأكبر. وكانت هذه الصور المرسومة على القماش الخشن من أوائل الصور التي رسمت بالزيت في البندقية(30)، ولكن النار حرقتها في عام 1577. غير حتى ما بقى من رسومها التخطيطية يشير على حتى جنتيلي قد استخدم فيها طرازه القصصي الذي يمتاز به، والذي يصور فيه حادثة كبرى في الوسط والى جانبها نحوعشر حوادث أقل منها شأناً. وقد شاهد فارساي هذه الصور، ودهش من واقعيتها، وتنوعها، وتعقدها(31).

ولما بعث السلطان محمد الثاني إلى المجلس الأعلى في طلب مصور ماهر، اختير له جنتيلي فسافر إلى القسطنطينية وزين حجرات السلطان (1474) وأنعش روحه بصور غرامية، ورسم له صورة (توجد الآن في لندن) وصورة على مدلاة (بسطن) تدل كلتاهما على شخصية قوية صورتها يد صناع، ومات السلطان في عام 1481 وكان خليفته أكثر استمساكاً منه بقواعد الدين يطيع ما جرى عليه المسلمون من تحريم تصوير الآدميين، فبعثر جميع ما وجده من هذه الصور ما عدا هاتين الصورتين اللتين صورهما جنيتلي في العاصمة الهجرية. وجر النسيان ذيوله على غيرهما من الصور. وكان من حسن حظ جنتيلي أنه عاد إلى البندقية في عام 1480 مثقلاً بالهدايا والنياشين من السلطان الشيخ، وعاد فانضم إلى جيوفني في قصر الدوج، وأتم ما تعاقد عليه مع المجلس الأعلى، وكافأه المجلس على عمله بأن رتب له معاشاً قدره مائتا دوقة جميع عام.

وكانت أعظم صور له هي التي رسمها في شيخوخته. وكان في حوزة نقابة القديس يوحنا الإنجيلي الصليب الحقيقي الذي يعتقد انه يأتي بالمعجزات، فطلبت إلى جنتيلي حتى يوضح في ثلاث صور شفاء أحد السقمى بقوة هذا الصليب، وموكباً فيه الجسد الطاهر يحمله، والعثور على الجزء المفقود بمعجزة. فأما اللوحة الأولى فقد عدا الدهر عليها فأفقدها بهائها ورونقها، وأما الثانية التي رسمها جنتيلي في سن السبعين فهي منظر متلألئ كبير من العظماء، والمرنمين، وحملة الشموع يسيرون حول ميدان القديس مرقس، الذي يرى في خلفية الصورة، ولم يكن منظره في ذلك الوقت يختلف كثيراً عما هوعليه اليوم. وأما الصورة الثالثة التي رسمها جنتيلي في الرابعة والسبعين فقد رسم هذا الصليب المقدس وقد سقط في قناة سان لورندسووازدحم الناس في الطرق الجانبية والجسور وقد استولى عليهم الفزع، وخر الكثيرون منهم ركعاً ضارعين، ولكن أندروفندرامين يقفز في الماء، ويستعيد الأثر المقدس، ثم يطفووهومعه، ويتحرك في مهابة غير متصنعة نحوالشاطئ. وقد رسم جميع إنسان على هذا القماش المزدحم بإخلاص واقعي، ونرى الفنان مرة أخرى يبتهج إذ يحيط الحادثة الرئيسية فيها بالحوادث التي تسترعي الالتفات: بقارب يتسلل من حوضه في الوقت الذي يرقب فيه ملاح الجندول استعادة الأثر المقدس، والمغربي الأسود العريان وقد وقف متأهباً لأن يغطس في الماء. ورسم جنتيلي آخر صورة عظيمة له (بريرا Bera) وهوفي السادسة والسبعين من عمره، وقد رسمها إخوان لجماعة القديس مرقس ينتمي اليها، ومثل فيها الرسول يعظ في الإسكندرية. وهي كالعادة صورة مزدحمة، لأن جنتيلي كان يفضل تصوير الإنسانية جملة لا تفصيلاً، ومات الرجل في الثامنة والسبعين (1507) وهجر الصورة ليكملها أخوه جيان.

ولم يكن جيوفيني بليني (جيان بليني، أوجيامبيليني Giambellini) أصغر من جنتيلي إلا بعامين ولكنه عاش بعده تسع سنين. وقد طاف في عمره المديد البالغ ستة وثمانين عاماً بجميع نواحي فنه فحاول وأتقن عدداً كبيراً من الصور المتنوعة وسما بالتصوير البندقي إلى ذروة مجده. وقد استوعب وهوفي بدوا تعاليم منتينيا الفنية دون حتى يقلد طريقته أوطرازه في نحت التماثيل، ولما كان في البندقية سار بنجاح لم يسبق له مثيل على الطريقة الجديدة في خلط المادة الملونة بالزيت. وكان أول من كشف من البنادقة عن عظمة الألوان ومجدها، وبلغ في الوقت عينه درجة من الرشاقة والدقة في رسم الخطوط، وفي رقة الإحساس، وعمق التفسير، حملته حتى في حياة أخيه إلى منزلة أعظم المصورين في البندقية وأكثر من يسعى إليه منهم.

القديس فرانسيس في Ecstasy,1480; Oil and tempera on panel; Frick Collection, New York

ويلوح حتى رجال الكنائس، ونقابات الحرف، وأنصار الفن لمقد يكونوا يملون من صور العذراء التي كان يخرجها لهم. وقد هجر من ورائه صوراً لها في مائة شكل وشكل في أكثر من عشرة بلاد.

وفي المجمع الفهمي البندقي وحده مجموعة كبيرة من هذه الصور: صورة العذراء مع الطفل النائم، والعذراء مع امرأتين مقدستين، والعذراء مع بامبينو، وعذراء ألبرتيني، وعذراء القديس بولس والقديس جورج، والعذراء على العرس ... وخير هذه المجموعة كلها على الإطلاق عذراء القديس أيوب، ويقولون إذا هذه الصورة الخيرة هي أولى الصور التي رسمها جيوفيني بالزيت، وهي أبهى الصور ألواناً في البندقية - أي في العالم أجمع. وفي متحف كرير Correr الصغير القائم في الطرف الغربي من ميدان القديس مرقس صورة أخرى للعذراء من رسم جامبلينوحنونة، حزينة، جميلة، وفي كنيسة القديس زكريا صورة لعذراء أيوب تختلف عن مثيلتها السالفة الذكر، وفي كنيسة فراري Frari صورة العذراء على عرشها، وهي صورة جامدة بعض الشيء قاسية بعض القسوة، يحف بها قديسون مكتئبون، ولكنها تسترعي النظر بأثوابها القيمة الزرقاء. وفي وسع الجائل الطلعة حتى يكشف عن كثير غير هذه من عذارى جيان في فيرونا، وبرجامو، وميلان، وروما، وباريس، ولندن، ونيويورك، وواشنجتن. ترى ماذا عسى ينطق أكثر من هذا بالتصوير الملون، عن السيدة مريم بعد هذه الصور الممثلة للإخلاص والتعبد،يا ترى؟ إذا في وسع بروجينوورفائيل حتى يضارعا هذه الصور في كثرتها، ولقد استطاع نيشيان فيما بعد حتى يجد ما يقوله عنها في كنيسة فيراري نفسها.

ولم يوفق جوفاني هذا التوفيق كله فيما رسمه من الصور للمسيح نفسه، فصور بركة المسيح المحفوظة في متحف اللوفر لا تعلوعلى المرتبة الوسطى، ولكن صورة الحديث المقدس القريبة منها ذات جمال يثير الدهشة. وقد لاقت صورة الأتقياء في البرايرا بميلان ثناء جماً(32)، ولكنها تمثل مجموعة من ذوى الوجوه المنفرة، يمسكون بالمسيح الميت الذي يظهر أنه لا يطلب لراحته الجسمية الكاملة إلا حتى يتخلص من ذلك الإسراف في الاهتمام به، وهذه الصورة الخشنة الفجة التي تمثل دفن المسيح - والتي لا يعهد تاريخها - من الصور التي رسمها بليني في شبابه على طراز منتينيا. وأجمل من هذه وأجلب للسرور صورة القديس جستينا وهي إحدى الصور في مجموعة خاصة بميلان. وهي أيضاً صورة تحكم فيها العهد ولكنها رقيقة المعارف، تنخفض جفونها في حياء، عليها ثياب رائعة، مما جعلها من أكثر جهود جيان نجاحاً. ويبدوأنها كانت لسيدة من الأحياء، ولقد برع جيان وقتئذ في تصوير وجوه الأحياء ونفوسهم براعة جعلت الكثيرين من أنصار الفن يرجون حتى يشاركوه في خلود ذكراه. أنظر مرة أخرى إلى صورة الدوج لوردانو. لقد استطاع بليني بعمق فهمه، ونفاذ بصره، ومهارة يده، حتى يستوعب قوة الرجل الصافية، الغير مترددة التي أمكنته من حتى يقود شعبه إلى النصر في حرب حياة أوموت ضد هجمات الدول الكبرى في إيطاليا وفي أوربا شمالي جبال الألب جميعها إلا القليل منها، ثم هاهوذا جوفاني ينافس ليوناردوالذي كان وقتئذ يطغي عليه في مهارته وشهرته، فيحاول حتى يرسم مناظر طبيعية مختلفة غريبة كتلك المجموعة المختلطة من الصخور، والجبال، والقلاع، والضأن، والماء، والأشجار المنشقة، والسماء الغائمة التي يقابلها القديس فرنسيس في هدوء (في مجموعة فريك Frick) حين يكوى بالنار.

Le Christ Bénissant, 1465-1470. لاحظ حافة الإزار مزخرفة بشكل واسع بخط شبيه الكوفي (انظر التفصيلة).

ولما بلغ الفنان سن الشيخوخة مل تكرار الموضوعات المقدسة المعتادة وأخذ يجرب الموضوعات الرمزية وموضوعات الأساطير القديمة، فجسد الفهم، والسعادة، والصدق، والنميمة، والمطهر، والكنيسة نفسها، أوحولها إلى قصص، وحاول حتى يبعث الحياة بالمناظر الطبيعية المغرية الفاتنة، ومن صوره اثنتان معلقتان في معرض الصور القومي بواشنجتن هما صورة اورفيوس بسحر الوحوش وصورة عبد الأرباب- وهما مجموعة من النساء العاريات النهود، والرجال نصف العرايا نصف السكارى. وتاريخ الصورة هو1514، وقد صورت إجابة لطلب ألفنسودوق فيرارا حينما كان الفنان في الرابعة والثمانين من عمره. وهي تذكرنا مرة أخرى بمفخرة ألفيري Alfieri وهي حتى نماء الآدميين في إيطاليا أشد وأقوى من نمائهم في أي مكان آخر على وجه الأرض.

ولم يعش جيوفني إلا عاماً واحداً بعد حتى ودع بهذه الصورة عهد الشباب؛ وقد عاش حياته كاملة سعيدة سعادة معقولة: لقد كان موكباً مدهشاً من روائع الفن، ومجموعة بديعة من الألوان النقية على الأثواب الملساء، وكان ارتقاء لا حد له من الرشاقة، والهجريب، والحيوية عن الحياة آل جيولسكي Giolleschi والمعجبين بفنون بيزنطية، وكان فيها من قوة الإدراك والانفرادية ما لا يرى قط الأشكال المجدبة والخليط الذي لا يستطاع تمييزه في صورة جنتيلي. كانت توسطاً مثمراً في الزمن والطراز بين مانتينيا الذي لم يعهد غير الرومان، وتيشيان الذي كان يحس بكل ناحية من نواحي الحياة من فلورا Flora إلى شارل الخامس ويصورها. وكان من تلاميذ جان جورجونى Giorgione الذي تلقى عنه ذلك التقليد العظيم. فقد كان للفن البندقي جيلاً في أثر جيل يجمع معارفه، وينوع تجاربه، ويعد العدة لذروة مجده.


الهامش

  1. ^ The Barber Institute of Fine Arts, the Lapworth Museum of Geology and the University of Birmingham Collections - Objects
  2. ^ The Feast of the Gods
  3. ^ The Frick Collection

وصلات خارجية

  • Giovanni Bellini at Gallery of Art
  • Giovanni Bellini in "A World History of Art"
  • Web Gallery of Art
فنانون من عصر النهضة
تيتيان | رفائيلوسانزيو | بوتيتشيلي | ليوناردودا فنتشي | مايكل آنجلو | يان فان آيك | ألبرخت دورر | جيوفاني أنطونيوكانال | كارافاجيو
تاريخ النشر: 2020-06-04 19:42:32
التصنيفات: Articles which use infobox templates with no data rows, Articles with hCards, No local image but image on Wikidata, Pages using infobox artist with unknown parameters, مواليد عقد 1430, وفيات 1516, رسامون إيطاليون, رسامون بنادقة, رسامو النهضة, عصر النهضة, مواليد 1430

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الهلال والنصر والفتح يواصلون انتصاراتهم في دوري شباب الممتاز

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 03:24:28
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

كوريا الجنوبية وأميركا تجريان تدريبات بحاملة طائرات

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 06:16:46
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

كيم جونغ أون يهنئ الرئيس الروسي بعيد ميلاده

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 06:16:24
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 89%

ثلث أعضاء منظمة الدول الأمريكية رفضوا قرار إدانة روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 06:16:23
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 95%

“واتس آب” قد تحجب ميزة شائعة عن ملايين المستخدمين إلى الأبد

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 06:15:21
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 39%

التطرف الحوثي.. ومنهجية إيران الإرهابية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 03:24:26
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

«مسام» ينزع 360 ألف لغم زرعها الانقلابيون في اليمن

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 03:24:24
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

نمو ضعيف للاقتصاد المغربي 1,4 في المائة خلال الفصل الرابع من سنة 2022

المصدر: المغرب الآن - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 03:25:37
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

بعثة أوروبية تتوجه إلى أرمينيا للمساعدة بترسيم الحدود مع أذربيجان

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 06:16:47
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 94%

شاب من كوريا الشمالية انشق ثم عاد.. والسبب “حضن الأم”

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 06:15:21
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 46%

مهسا أميني: هل تستخدم إيران تقنية التعرف على الوجوه؟

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 06:16:12
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 98%

بوتين وشروط "الحمقى"!

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-07 06:17:26
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 99%

تحميل تطبيق المنصة العربية