خطابات إلى الأمة الألمانية

عودة للموسوعة

خطابات إلى الأمة الألمانية

غلاف أول طبعة للكتاب، 1808.

خطابات إلى الأمة الألمانية (Reden an die deutsche Nation‏، 1808) هي كتاب في الأدب السياسي خطه الفيلسوف الألماني يوهان گوتليب فيشته داعياً إلى الوطنية الألمانية رداً على احتلال واخضاع الأراضي الألمانية للامبراطورية الفرنسية بقيادة ناپليون. وقد استثار فيشته إحساس الألمان بالتميز في اللغة والتنطقيد والأدب، مما شكـّل هوية مشهجرة.

«أن نكافح ضد تهديم أكثر طموحاتنا نبلاً فهمّة ما زالت يمكن لها حتى تولد فينا. ان نجابه إذلال أمتنا كلها بالوسيلة الوحيدة الباقية لنا بعد حتى حاولنا جميع الأخريات... هذا ما تطرحه خطاباتي. إنها تحرضكم على حتى تغرسوا في الأرواح عميقاً وفي قوة، بفضل التربية الوطنية الحقة الإرادة المبنية على الايمان بخلود شعبنا، وهوضمانة خلودنا نحن. علام تقوم هذه التربية وكيف نمارسها،يا ترى؟ هذا ما يفترض أن أجرب قوله لكم في الخطاب المقبل.»

للوهلة الأولى قد يظهر هذا الكلام جزءاً من خطاب سياسي تحريضي يلقيه واحد من أولئك الزعماء السياسيين الذين يلجأون عادة الى أقصى درجات الديماغوجية لاستنهاض الهمم الشعبية في سبيل غايات سياسية واضحة، وفي وقت تكون الأخطار محيقة بأمتهم. إنها بكل تأكيد من تلك العبارات التي يمكن استعراض لأبرز الخطب التي يلقيها زعماء متمسكون بالحكم، أوقادة أحزاب يريدون ان يبرروا ما يعملون، أوكتّاب من الدرجة الثالثة طلب منهم سادتهم ان يؤلبوا الدهماء - عامة الشعب -، في سبيل حماية مصالحهم، يمكن لمثل هذا الاستعراض حتى يراها ماثلة في جميع لحظة وحين. فاستنهاض الهمم تخويفاً، يعتبر واحداً من الأسلحة الأساس التي تلجأ إليها الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية لحماية نفسها، وبالأحرى لدفع «الجماهير العريضة» الى حمايتها.

فالحال إننا لوبحرنا في خطابات معظم السياسيين الشعبويين في الماضي كما في الحاضر، لن يفوتنا حتى نجد مثل هذا الكلام، ينطق خصوصاً في اللحظات التي تكون فيها الشعوب مهزومة، وبالتالي فريسة لتصديق أي كلام تحريضي وأية فصاحة تعبوية. غير ان محرر هذا الكلام ليس من هذا النوع، بل هوواحد من أكبر الفلاسفة الذين أنجبتهم أوروبا في تاريخها، وواحد من أبرز فلاسفة العقلانية الألمانية الى جانب كانط وهيغل، بل ثمة من يبدّيه على الاثنين معاً. محرر هذا الكلام هوالفيلسوف فيخته، يوهان گوتليب فيشته، الذي، بسبب كلام من هذا النوع خطه في سنواته الأخيرة، يفترض أن يحسب دائماً ضمن خانة العقول المؤسسة للنزعة القومية الألمانية التي أسست، بدورها، للنازية، تلك الكارثة التي حلت على ألمانيا وعلى البشرية في القرن العشرين، وكان أخطر ما فيها انبناءها على أسس فلسفية تمت بألف صلة الى نوع من العقلانية التنويرية إذ انحرفت الى لا عقلانية مدمرة وصاخبة، من جراء الهزيمة السياسية والعسكرية الكبرى التي أحاقت بألمانيا أيام الحروب النابوليونية، فكانت ذات مفعولين من المؤسف انهما ترابطا في ما بينهما: من ناحية جعلت كبار المبدعين، من هيگل الى بيتهوڤن وگوته، يكفرون بالثورة الفرنسية إذ بات الجنرال الصغير وريثها، ومن ناحية ثانية، يتجهون صوب نزعات قومية ضيقة كانت في الأصل تتناقض مع جميع فكر تنويري. ويعني هذا من طبيعة الحال حتى المعركة التي كانت تدور ضد التخلف، باتت معركة ضد التنوير نفسه. وكان هذا اقسى ما يمكن ان يصيب الفكر.

ذلك، بالتحديد، ان فيخته خط هذا الكلام، الذي يختتم به الخطاب الثامن من أصل 14 خطاباً يتألف منه عمله الأشهر «خطابات الى الأمة الألمانية»، تحت وطأة الهزيمة الساحقة التي حلت بألمانيا أمام زحف قوات نابوليون بونابرت. قبل ذلك كان فيخته من الثوريين التنويريين انصار الفكر الفرنسي - مثله في هذا مثل هيغل وبيتهوفن وغيرهما -، ولكن حين هزم الفرنسيون ألمانيا، نجده - من دون حتى نغفل ما طرأ لديه من عوامل ذاتية وأكاديمية لا علاقة لها بالفرنسيين في الوقت نفسه - نجده وقد راح يخط نصوصاً تشي بتحوله عن «نزعته العقلانية المقترنة بيعقوبية سياسية، الى نزعة روحانية متعالية وتأليهية»، بحسب تعبير جوليوبريتي. وهذا ما قاده، في السياسة الى حتى ينضم الى الرجعية المعادية لفرنسا وللفكر اليعقوبي.

ولئن كانت تلك التحولات قد بدأت تظهر عليه في كتاب «قدر الانسان»، مستنداً في ذلك الى المثالية الكانطية والى نزعة حلولية تحاول المزج بين الكائن البشري والطبيعة «بالنظر الى حتى هذه الأخيرة، ليست كائناً مفارقاً لي، وليست نتاجاً منبتر الصلة بي، لا يمكنني النفاذ اليه»، فإنها - أي التحولات - صارت أكثر وضوحاً وتماسكاً في كتابيه «السمات المميزة للزمن الراهن» و» التمرس في حياة المسرة»، لتصل الى ذروتها في «خطابات الى الأمة الألمانية».

خط فيخته تلك «الخطابات» في برلين بين العامين 1807 و1808، وتحديداً بعد معاهدة الصلح في تلسيت التي أسفرت عن سحق القدرة العسكرية البروسية. ونعهد ان تلك المعاهدة وُقّعت في وقت كانت فيه ألمانيا تعيش أوقاتاً عصيبة، إذ في أواخر العام 1806، بعد معركة ينا، احتل الفرنسيون برلين. وهرب فيخته الى كونيگسبرگ ليدرّس طوال ستة أشهر، لكن هذه سقطت بدورها في أيدي الفرنسيين في العام 1807، فلجأ فيخته مع نفر من الوطنيين الألمان الى الدنمارك. وفي آب (أغسطس) من ذلك العام أُبرمت معاهدة السلم، وعاد فيخته لينتمي الى واحدة من أكثر الروابط القومية الألمانية تطرفاً (توگوندبوند) وبدأ يروج لأفكار قومية ألمانية مناهضة لفرنسا، هي تلك التي تضمنتها الخطابات.

«الخطابات الى الأمة الألمانية» هي، إذاً، 14 نصاً، القاها فيخته على شكل محاضرات في جامعة برلين. وفيها أخذ المفكر على عاتقه توجيه أمته الألمانية نحوالسبل التي عبرها يمكنها ان تنهض اخلاقياً ومعنوياً، مؤكدة نبلها وحيويتها. في الخطابات نطق فيخته حتى الزمن الذي كان يمكن فيه تحقيق هذا الأمر، عبر الاصلاحات السياسية، قد ولى. المطلوب الآن الهجريز على الأخلاق. والأمة الألمانية مؤهلة لهذا، فهي - وبحسب ما يخلص فيخته في مقدمة الخطاب السابع - «أمة تنتمي إلى طبائع الجرمان الأساسية التي هي طبائع عرق بدائي، له الحق بأن يعتبر نفسه الشعب المميز، بالمقارنة مع الشعوب الأخرى التي انفصلت عنه». وفيخته إذ يعدد مزايا هذا «الشعب الفريد»، في رأيه، يقول ان ما أضرّ به إنما هو«روح الموت الأجنبية التي تمد هيمنتها من دون حتى يتنبه لها شعورنا، على جميع مفاهيمنا الفهمية الأخرى». وهنا يرى فيخته ان اللاتين الأوروبيين - ويقصد الفرنسيين في الدرجة الأولى - إنما انفصلوا أصلاً عن الجرمان، واختلطوا بالبرابرة المنحطين، ليؤثروا سلباً في الشعب الألماني الذي «يبرهن لنا التاريخ انه اختير من قبل العناية الإلهية ولكن بمهمة سامية هي انقاذ الجنس البشري». ويؤكد فيخته هنا حتى «الفارق الوحيد بين الشعب الألماني والشعوب الأخرى يكمن في حتى الألمان وحدهم هم الذين احتفظوا بنقاء الطاقة البشرية الخلاقة وكمالها».

من الواضح حتى فيخته، الفيلسوف الكبير لم يلق مثل هذا الكلام على عواهنه، بل رسمه كأسس ذات بعد فلسفي، في انطلاق من مفهوم الأنا الخلاق، وما إلى ذلك. غير حتى في إمكاننا طبعاً، حتى نستبدل الأسماء، أسماء الشعوب والأماكن في هذا النص، لنجد كيف من الممكن أن حتى جميع شعب في إمكانه حتى يطبقه على نفسه، ويجد فيه مبررات تطرفه القوي وتعصبه ضد الآخر. ولقد امتلأ القرن العشرون، كما نعهد، بخطابات فاشية وعنصرية تكاد تكون مأخوذة بحذافيرها عن نصوص فيخته التي ترجمت وقرئت بشغف، من قبل متطرفي النزعات القومية، ومن بينهم نمط من قوميين عرب جعلوا من نص فيخته وتأكيداته أسساً بنوا عليها نظريات مماثلة. وهذا ما يجعل فيخته قابلاً لأن يعتبر الأب الشرعي لكل النزعات الفاشية المتطرفة الحديثة، عبر هذا الكتاب.

المحرر

غير حتى يوهان گوتليب فيشته (1762 - 1814) لم يكن في الأصل مفكراً فاشياً لاعقلانياً، بل كان من نادىة التنوير وأصحاب الفلسفة الإنسانية، ولطالما خاض المعارض ووضع المؤلفات التي جعلته طريدة اللاعقلانيين والكنيسة. ومن أبرز خطه، التي يعتبر معظمها «برهاناً فهمياً على مبدأ الحرية» - في رأي مؤرخ الفلسفة إميل براهييه - «أسس القانون الطبيعي» و «محاولة في نقد جميع وصي» و «المبادئ الأساسية لكل نظرية العالم» و «نظرية القانون». ومعظمها مؤلفات وضعها قبل خيبة الأمل التي دفعته الى اللاعقلانية وإلى تأسيس الفاشية الحديثة.


المصادر

  • ابراهيم العريس (2015-05-13). "«خطابات إلى الأمة الألمانية» لفيخته: الفاشية في أولى خطواتها". صحيفة الحياة اللبنانية.

الهامش

  1. ^ Jusdanis 2001, pp. 82-83.
  2. ^ James 2011, pp. 162.

ببليوگرافيا

  • James, David (2011). Fichte's Social and Political Philosophy: Property and Virtue. Cambridge, England, UK: Cambridge University Press. ISBN .
  • Jusdanis, Gregory (2001). The Necessary Nation. Princeton, New Jersey, USA: Princeton University Press. ISBN .

للاستزادة

  • Gregory Moore (ed.), Fichte: Addresses to the German Nation (Cambridge: Cambridge University Press, 2008).


انظر أيضاً

  • الوطنية الألمانية
  • Nationalism
  • الحروب الناپليونية
تاريخ النشر: 2020-06-04 20:15:28
التصنيفات: صفحات تستخدم وسوم HTML غير صالحة, كتب 1808, كتب علوم سياسية, الوطنية الألمانية, كتب يوهان گوتليب فيخته

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

برلمانية: قرارات ختام منتدي الشباب خارطة طريق لشباب العالم أجمع‎‎

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:19:42
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

وزير النقل في زيارة لمصنع الأتوبيسات «GB POLO» بالعين السخنة| صور

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:20:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

برلمانية تتقدم بطلب إحاطة بشأن إجراءات نظام الأسر البديلة‎‎

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:19:55
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 70%

وزير العدل ناعيًا السفير علاء رشدي: صاحب مسيرة عطاء في خدمة الوطن

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:19:57
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

90 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد اليوم 15 يناير

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:20:23
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

طقس الـ48 ساعه القادمة| حوض علوي يسيطر على البلاد وأجواء شديدة البرودة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:20:29
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

«التعليم العالي» تعلن تفاصيل المنحة الصينية للعام الدراسي 2022/2023

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:19:40
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 65%

90 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. 15 يناير

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:19:53
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 51%

«عربية النواب»: قرارات منتدى شباب العالم بشرم الشيخ تاريخية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:20:02
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 63%

«اقتصادية النواب»: شباب مصر قادرون على إنجاح قمة المناخ بشرم الشيخ‎‎

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:20:05
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 67%

عبد العاطي: تأهيل الترع حقق مكاسب للمزارعين ولمنظومة الري

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:20:26
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

70 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. 15 يناير

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:20:20
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

حركة القطارات| 70 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:20:18
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 62%

وزير التعليم: السماح باصطحاب «التابلت» كمرجع رئيسي في الامتحانات

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:19:51
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

حركة القطارات| 70 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. 15 يناير

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:20:10
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

7 أسئلة في طلب إحاطة.. برلماني يطالب بكشف تفاصيل انتهاكات دور الأيتام

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-15 10:20:08
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 68%

تحميل تطبيق المنصة العربية