شارل بودلير

عودة للموسوعة

شارل بودلير

شارل بودلير
الأدب الفرنسي
بالتصنيف
تاريخ الأدب الفرنسي

العصور الوسطى
القرن السادس عشر - القرن السابع عشر
القرن الثامن عشر -القرن التاسع عشر
القرن العشرون - المعاصر

كتـّاب الفرنسية

قائمة زمنية
كتـّاب حسب تصنيفهم
روائيون - كتاب مسرحيات
شعراء - كتاب منطقات
كتاب السيرة القصيرة

بوابة فرنسا
بوابة الأدب
     

شارل پيير بودلير (Charles Pierre Baudelaire؛ UK //, الأمريكي //؛بالفرنسية: [ʃaʁl bodlɛʁ]  ( استمع)؛ 1821-1867) هوشاعر وناقد فني فرنسي. ويعتبر بودلير من أبرز شعراء القرن التاسع عشر ومن رموز الحداثة في العالم. وكان شعر بودلير متقدماً عن شعر زمنه فلم يُفهم جيداً إلا بعد وفاته.

بدأ بودلير كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه ازهار الشر ، مدفوعا بالرغبة في شكل شعري يمكنه استيعاب الكثير من تناقضات الحياة اليومية في المدن الكبري حتي يقتنص في شباكه الوجه النسبي الهارب للجمال ، عثر بودلير ضالته فيما خطه ألوسيوس برتران من پالادات نثرية مستوحاة من ترجمات البالادات الاسكتلندية والالمانية الي الفرنسية. والبالاد هوالنص الذي يشبه الموال القصصي في العربية وهوالشكل الذي استوحاه وردزورث وكولردج في ثورتهما علي جمود الكلاسيكية.

وفي عام 1861 بدأ بودلير في محاولة لتدقيق اقتراحه الجمالي وتطبيقه فخط هذه القصائد التي تمثل المدينة اهم ملامحها ، وتعتبر معينا لا ينضب من النماذج والاحلام.


وكان الشاعر شارل بودلير يري ان الحياة الباريسية غنية بالموضوعات الشعرية الرائعة وهي القصائد التي اضيفت الي ازهار الشر في طبعته الثانية عام 1861 تحت عنوان لوحات باريسية.

لم ينشر ديوان سأم باريس في حياة بودلير ، وهوالديوان الذي لم يتحمس له غوستاف لانسون وسانت ـ بيف ، هذا الديوان الذي اثر تأثيرا عارما في الاجيال اللاحقة.

حياته المبكرة

وُلد بودلير في پاريس، فرنسا، فيتسعة أبريل 1831، وعُمد بعد شهرين في كنيسة سان-سولپيس للروم الكاثوليك. كان والده فرانسوا بودلير، من كبار الموظفين المدنيين وفنان هاوي، وكان أكبر 34 سنة من والدة بودلير، كارولين. توفي فرانسوا عندما كان بودلير لا يزال طفلاً، عام 1827. في العام التالي، تزوجت كارولين من الكولونيل جاك أوپيك، الذي أصبح لاحقاً سفيراً لفرنسا لدى عدد من الدول الشهيرة. عادة ما يرى كتاب سيرة بودلير هذا الوقت بأنه لحظة حرجة، معتبرين حتى العثور على نفسه لم يعد يهجرز على عاطفة تجاه والدته التي هجرته مصدوماً، ومما يمهد إلى ما لشرح التجاوزات الظاهرة في وقت لاحق في حياته. لاحقاً صرح بودلير في رسالة أوفدها لوالدته، "كان في طفولتي فترة من الحب العاطفي تجاهك". كان بودلير دائماً ما يتوسل إلى والدته من أجل المال طوال حياته المهنية، وكثيرًا ما كان يعدها بأن هناك عقد نشر مربح أولجنة صحفية كان قاب قوسين أوأدنى.

درس بودلير في ليون، حيث استقل بحياته. في الرابعة عشر، وصفه زميل في الصف بأنه "أكثر دقة وأكثر تميزًا من أي من زملائنا التلاميذ ... نحن ملتزمون تجاه بعضنا البعض ... من خلال الأذواق المشهجرة والتعاطف، والحب المبكر للأعمال الجميلة في الأدب". كان بودلير غير منتظم في دراسته، في بعض الأحيان دؤوب، في أوقات أخرى عرضة "الكسل". في وقت لاحق، جاء في ليسيه لويس-لو-گران في باريس، حيث تفهم القانون، المجال الشهير لأي إنسان لم يقرر بعد اختيار مهنة محددة. بدأ علاقاته بالعاهرات، وربما أصيب في تلك الفترة بالسيلان أوالزهري. كما بدأ في الاستدانة، وكان ينفق معظمها على الملابس. بعد حصوله على الليسانس عام 1839، أبلغ أخيه "لا أشعر حتى لدي موهبة في أي شيء". كان زوج والدته يخطط ليجعله محامياً أودبلوماسياً، لكن بدلاً من ذلك قرر بودليك العمل الأدبي. علقت والدته لاحقاً: "يا إلهي، إنه لأمر محزن، إذا كان تشارلز قد جاز لنفسه حتى يسترشد بزوج والدته، لكانت مسيرته مختلفة جداً .... لم يكن ليهجر علامة في الأدب، هذا سليم، لكن كنا سنصبح أكثر سعادة، ثلاثتنا".

پورتريه لبودلير، رسمه إميل دروي عام 1844.

أوفده زوج والدته في رحلة إلى كلكتا، الهند، عام 1841 أملاً في حتى يقلع عن عاداته المستهترة. أمدته الرحلة بانطباعات قوية عن البحر، والإبحار، والموانئ الغريبة، التي استخدمها فيما بعد في شعره. (لاحقاً بالغ بودلير في وصف رحلته ليخلق أسطورة عن رحلاته وتجاربه الشبابية، بما في ذلك "ركوب الأفيال".".) لدى عودته إلى حانات باريس، بدأ في تأليف بعض القصائد مثل "أزهار الشر" Les Fleurs du Mal. عندما بلغ 21 عام، حصل على ميراث كبير لكنه أهدر الكثير منه خلال بضع سنوات. حصلت عائلته على قرار بوضع ممتلكاته تحت الوصاية، الأمر الذي أشعره بالمرارة، في وقت ما بحجة حتى السماح له بالفشل مالياً كان من شأنه حتىقد يكون الوسيلة الوحيدة المؤكدة لتعليمه الحفاظ على شؤونه المالية.

اشتهر بودلير في الدوائر الفنية على أنه كرجل من الطراز الأول وأنه ينفق ببذخ، وأنه بدد الكثير من ميراثه في فترة زمنيه قصيرة. أثناء ذلك لاوقت، أصبحت جين دوڤال عشيقته. رفضتها عائلته. وكانت والدته تصفها "بڤينوس السوداء" التي "تعذبه بكل وسيلة" وتستغل جميع فرصة لاستنزاف أمواله. وفي تلك الفترة حاول بودلير الانتحار.

شارك في ثورات 1848 وخط في إحدى الجرائد الثورية. ومع ذلك، فقد تبدد اهتمامه بالسياسة، كما أشار لاحقاً في إحدى كتاباته.

في أوائل عقد 1850، عانى بودلير من حالة صحية سيئة، وضغوط الديون، ودخلاً غير منتظم من الأدب. وانتقل من هبط إلى آخر هرباً من الديانة. تولى الكثير من المشروعات والتي لم يتمكن من إكمالها، على الرغم من إنهائه لترجمات قصص إدگار آلن پو.

لدى وفاة زوج والدته عام 1857، لم يرد ذكره في الوصية، لكنه شعر اطمأن لإحساسه بأن الاختلاف بينه وبين والدته قد يزول. عندما بلغ 36 عام خط لها: "أعتقد أنني أنتمي لك بكل كياني، وأنني أنتمي لك أنت فقط".


أعمال منشورة

كانت أول أعمال بودلير المنشورة هي مراجعة فنية بعنوان "صالون 1845"، والتي لفتت الأنظار على الفور لجرأتها. كان لدى بودلير الكثير من الآراء الفنية الجديدة في ذلك الوقت، ومنها دفاعه عن ديلاكروا، وتبدوبعض آرائه متناغمة بشكل رائع مع النظريات المستقبلية للرسامين الانطباعيين.

عام 1846، خط بودلير ثاني مراجعات الصالون، مكتسباً مصداقية إضافية كمدافع وناقض للرومانسية. دعمه لديلاكروا كفنان رومانسي رائد أكسبه شهرة واسعة. في العام التالي نُشرت رواية بودلير التي تحمل اسم لا فانفارلو.

أزهار الشر

الطبعة الأولى من أزهار الشر.
ديوان أزهار الشر، مترجم للعربية. للقراءة، اضغط على الصورة.


«إن الكتاب الصغير، أزهار الشر الذي لا يزيد عن ثلاثمئة صفحة، يفوق في القيمة، بالمعيار الأدبي، أكثر الأعمال ضخامةً وشُهرة. لقد تُرجم إلى غالبية اللغات الأوروبية. وهي حقيقة سأتوقف عندها برهةً، لأنها - في ما أعتقد - بلا سابقة في تاريخ الأدب الفرنسي». ذلك ما خطه الشاعر بول فاليري عن «أزهار الشَّر»، ديوان بودلير الشهير الذي صدر في 25 حزيران (يونيو) 1857، في 1100 نسخة، بثمن ثلاثة فرنكات للنسخة.

ولكن، كيف من الممكن أن كان لمعاصريه - شعراء ونقاداً وصحافيين - حتى يدركوا حتى هذا الديوان الصغير، للشاعر الذي لم يتجاوز عُمر الشباب، سيكون ألمع ما أنتجه القرن شعرياً، بما انطوى عليه من فتوحات لا تُستنفَد؟

لن يدرك ذلك سوى ڤيكتور هوگو- ببصيرته الخارقة - حين خط له: «إنك تخلق رعشةً جديدةً في الشعر الفرنسي».

وقبل مرور أسبوعين على صدور الديوان، يتم تقديم بودلير وناشرَيه إلى المحاكمة بتهمة انتهاك الأخلاق العامة. وتطالب النيابة العامة بحذفعشرة قصائد، ست منها بحجة إهانة الأخلاق العامة، وأربع بحجة إهانة الأخلاق المسيحية.

عملاً، كان الديوان «الصغير» - بمصطلح فاليري - قفزةً خارج السياق، لا السياق الشعري الفرنسي وحده، بل «الأوروبي» كله، الذي كان محكوماً بهيمنة «الرومنطيقية»، وظلال القامات الكبرى لشعرائها. ولا بد حتى بودلير استوعب ذلك مبكراً: حتى «شعراء مشهورين تقاسموا في ما بينهم منذ أمدٍ بعيد أكثر الأنطقيم ازدهاراً في المجال الشعري»، مستنداً - في إدراكه - إلى ما رصده سانت - بيف (الناقد المرموق للفترة): «كل شيءٍ تم الاستيلاء عليه في مجال الشعر. استولى لامارتين على الفضاءات. واستولى فيكتور هوغوعلى الأرض، وما هوأكثر من الأرض. ولابراد استولى على الغابات. واستولى موسِّيه على العاطفة والعربدة الباهرة. واستولى آخرون على البيت، والحياة الزراعية... إلخ».

لكنه - مبكراً، أيضاً، في 1838 - كان يراقب هذا الازدهار بعين يقظة، ويقرأ جميع ما كُتب خلال العقدين الأخيرين، فيخط إلى أمه في ثلاثة آب (أغسطس) 1838: «لم أقرأ سوى أعمال حديثة، لكن من تلك الأعمال التي يتحدثون عنها في جميع مكان، ولها سمعة، ويقرأها جميع الناس، آه حسناً، جميع ذلك زائف، مبالغٌ فيه، ومهووس، ومفتعَل. إنني متقزز من جميع ذلك: ليس هناك سوى مسرحيات وأشعار فيكتور هوغووكتاب لسانت - بيف (شهوة) التي أمتعتني. إنني قرفان تماماً من الأدب، وفي الحقيقة، فمنذ عهدت القراءة، لم أعثر بعد على عمل يمتعني تماماً، ويمكن حتى أحبه من أوله إلى آخره».

فما الذي تبقَّى له،يا ترى؟ سيخط بودلير في أحد مشروعات مقدمة «أزهار الشر»: «لقد تقاسم شعراء مشهورون في ما بينهم - منذ أمدٍ بعيد - أكثر الأنطقيم ازدهاراً في المجال الشعري. لقد بدا لي ذلك ساراً، بل أكثر إمتاعاً لأن المهمة كانت أصعب، وهي استنباط الجمال من الشر»: «الوعي في الشَّر»، «لأنَّنِي أُرِيدُ البَحثَ عَن خُلاَصَةِ الشَّر»، كما يقول في قصيدة له.

إنه «الوعي». الوعي بدور «الوعي» في الإبداع، بالخروج - أيضاً - على السياق الرومنطيقي الذي يُحِل «الوحي» والإلهام أداة للإبداع، طالما اعتبروا «الشعور» والعاطفة مركز ومنطلق الإبداع. و«الوعي» هوما يخرجه عن السياق السائد، ويكتشف له بؤرته الشعرية الفريدة: «استنباط الجمال من الشر»، بؤرة لم يكن الوعي «العام» بقادر على فهمها، آنذاك، وتمثلها. وهوما أفضى به إلى المحاكمة، في الشهر التالي مباشرة لصدور الديوان الفريد، بعد التحريض عليه من جريدة «لوفيغارو» المحافظة.

غلاف Les Épaves، رسم صديق بودلير فيلنسين روپ.

هنا، يصبح الوعي فاعلاً أساسياً مُدرَكاً - من الممكن للمرة الأولى في التاريخ الشعري - في التأسيس للتجربة الشعرية وتحقيقها. فهوما يحدد منطلَق التجربة، ويراعي تحققها خطوةً خطوة، وصولاً إلى الصوغ النهائي للديوان (ليس الديوان - «أزهار الشر» - في وعي بودلير، تجميعاً لما كُتب في السابق من قصائد منفردة، بل «بنية» فنية محسوبة بدقة، بعدد القصائد - مئة قصيدة، وتوزيعها على أقسام محددة، ذات خيط «سُري» سِري). وأكثر ما أزعج بودلير في الحكم بحذف ست من قصائد الديوان، هوإرباك هذه البنية «المحسوبة»، والتشويش على التجربة الشعرية. فنسق ترتيب القصائد يحدد الشكل الخاص للديوان، ويؤسس المعنى الذي سيستمده القارئ، فيما يؤدي الحذف إلى تغيير الشكل والمعنى معاً. بل وصل الأمر إلى حد تحديده القصائد المطلوب كتابتها لتحقيق بنية العمل - الديوان، واختيار عناوين للقصائد، ورصد بعض الملاحظات التي ستدخل بنية القصيدة (نكتشف ذلك من مخطوطاته).

كتابٌ ذوبداية ونهاية، وأقسامه تم اختيارها قصدياً واحداً وراء الآخر، في إطار محدد. كتابٌ تتحد فيه القصائد أحياناً في «دوائر»، فيما تتخذ عناصر أخرى قيمةً ترجع إلى الترابط أوالتضاد، مثلما في التجاور البسيط. وهذا «المعمار السري» يفسر لنا اعتبار إيڤ بونفوا: «أزهار الشر» هو«سيد الخط في شعرنا».

وكان لا بد لهذا الوعي - في اللقاء - من اكتشاف «الحداثة»، ليتحقق اكتمال التجربة المؤسسة، شعرياً وثقافياً.

في مشروع خاتمة لديوان «أزهار الشر»، يخاطب بودلير مدينته باريس: «إِنَّنِي استَخلَصتُ مِن كُلِّ شَيءٍ الجَوهَر/ أعطَيتِنِي طِينَكِ فَصَنَعتُ مِنهُ الذَّهَب».

وفي موضع آخر، يكرر الفكرة بطريقة شبه كاملة: «عَجَنتُ الطِّينَ وَصَنَعتُ مِنهُ الذَّهَب». ولم يكن هذا «الطين» سوى ركام المدينة، المادي والإنساني، أطلالها الحجرية والبشرية. حانات القاع، والمقابر، والنادىرة، والمسوخ، والمقعدون، والموتى. فالمدينة تمارس على المتجول فيها عملاً يتخذ شكل الصدمة.

واختيار المدينة هذا هو- بالتأكيد - أحد مفاتيح الحداثة البودليرية. وهوما سيؤكده ت. إس. إليوت بعد قرابة قرن: «أعتقد أنني قد تفهمتُ من بودلير (...) المظاهر الشائنة للمدينة الحديثة بالذات، وإمكان انصهار الواقعية الأكثر قذارةً فيها والرؤى الخارقة، إمكان تجاور المبتذل والخيالي. منه، كما من لافورغ، درست حتى المادة التي توفرتُ عليها، والتجربة التي توفرتُ عليها، كمراهق، في مدينة صناعية بالولايات المتحدة، كان يمكن حتى تكون مادةً شعرية، وأن منبع الشعر الجديد كان يمكن حتىقد يكون اكتشافًا فيما يمكن اعتباره حتى الآن كواقع عصي، عقيم، لا شعري بصورة لاَ تُرَد».

مدينةٌ موسومةٌ بالشيخوخة. فمن «الشيوخ السبعة» إلى «العجائز القصيرات»، يُضاعف الديوان من إشارات الوهن التي تسِم «الثنايا الآثمة» لـ «العاصمة العتيقة»، شأن جباه سكانها. والمفارقة حتى هذا الوعي بالشيخوخة هو- بالعمل - أحد مفاتيح جِدَّة الديوان. ففي قصيدة «بياتريس»، بعدما تذكر بودلير تهكم الشياطين المفعم بالسخرية، يستحضر رد العمل الذي يمكن حتى يقوم به، رد عمل الشعراء الرومانطيقيين، أسلافه، القائم على كِبرِيَاء «بِارتِفَاعِ الجِبَال/ يُشرِفُ عَلَى الغَيمَةِ وَصُرَاخِ الشَّيَاطِين»، إلى «أن أُدِيرَ رَأسِيَ السَّامِيَةَ بِبَسَاطَة». وهذا السموهوبالتحديد ما فقده العجائز، «أنقَاض إِنسَانِيَّةٍ نَاضِجَة مِن أجلِ الأبَدِيَّة»، تلك «الأطلال» التي نطق عنها أنها «عائلته». وفجأةً، مع هذا الفقدان لـ «وهم» السمو، ينفتح الفصل الأليم للاغتراب والتعاسة.

فالقارئ مدعُو- في الديوان - إلى مسرح حزن أوجفاف داخلي، إلى رسم صورة موضوعيةٍ متشيئة، إلى حد عدم القدرة على الإشارة - في بعض الأحيان - إلّا إلى العناصر غير الذاتية. وقصائد السأم تصور بالأساس حالة روح معذَّبة في إحساسها بنفسها، وذلك من خلال العلاقة بين هذه الروح والآخر، التي يمكن خلالها حتى نرى - بطريقة أكثر وضوحًا - شارات الاغتراب.

وفي ظل هذا الاغتراب، يتحقق - في «أزهار الشر» - الارتباط بين الحب والألم، المتعارض مع المفهوم المسيحي، ومع مثالية أي فيكتور هوعو. وهوالمسؤول عن الصور التي صدمت كثيراً بعض معاصريه. والتعارض، الذي يجعل من الكراهية الرفيق اللصيق للحب، الذي يقود العاشق إلى الإحساس بعاطفته كعبء لاَ يُحتَمل، يُغذِّي رغبةً لاَ تتحقق إلّا في تخيل عِقاب قاس بصورة سادية. «أكرَهُكِ بِقَدرِ مَا أُحِبُّك!»، يعلن الشاعر: «هَكَذَا أُرِيدُ، ذَاتَ لَيلَة،/ عِندَمَا تَدُقُّ سَاعَةُ الشَّهوَة،/ حتى أزحَفَ بِلاَ صَوتٍ، كَجَبَان،/ نَحوَ كُنُوزِ جَسَدِك،/ لأُهَذِّبَ جَسَدَكِ المُبتَهِج،/ لأجرَحَ صَدرَكِ المُتَسَامِح،/ وَأرتَكِبَ فِي خَصرِكِ المَذهُول/ جُرحًا كَبِيرًا وَغَائِرًا،/ وَعَبرَ هَذِهِ الشِّفَاهِ الجَدِيدَة،/ الأكثَر صَخَبًا وَجَمَالاً،/ أيَّتُهَا العُذُوبَةُ المُدَوِّخَة! / أبُثَّ فِيكِ سُمِّي، يَا أُختِي!»

فـ «السُّم» رمزٌ للسأم أوللكآبة، والرغبة لاَ تنكشف إلاَّ في نزوع تدميري هو- بالتحديد - أحد أشكال الألم. وخارج القسوة، تكشف قصيدة «إلى تلك المبتهجة للغاية» مُقوماً آخر للروح البودليرية: السخط، لا كتعبير متفاقم عن استثارة مُعذَّبَة، بل شارة يأس ميتافيزيقي. ولا تنفد الدلالات، ولا تكتمل الإحاطة. ويظل «أزهار الشر» تجربة شعرية عصية، لا تنفد، ولا تُستنفد. لا تستهلكه القراءات والزمن، ولا تلمسه عوامل التعرية الإبداعية والثقافية... شاهداً على قدرة الوعي والخيال الإنساني، في أقصى تجلياتها.


السنوات الأخيرة

شارل بودلير، تصوير نادار، 1855
جين دوڤال، بريشة إدوار مانيه.
أپولوني سباستييه، ملهمته وإحدى عشيقاته، رسم ڤنسان ڤيدال.

بعد ذلك عمل بودلير على ترجمة وتعديل رواية اعترافات آكل الأفيون الإنگليزي تأليف توماس دى كوينسي. ومن الأعمال الأخرى التي أنتجها في السنوات التالية Petits Poèmes en prose (قصائد نثرية صغيرة)؛ سلسلة مراجعات فنية نشرت في Pays, Exposition universelle (Country, World Fair)؛ دراسات عن گوستاڤ فلوبير (في L'Artiste، 18 أكتوبر 1857)؛ عن تيوفيل گوتييه (Revue contemporaine، سبتمبر 1858)؛ ساهم بمختلف الممنطقات في Eugene Crepet's Poètes francais؛ Les Paradis artificiels: opium et haschisch (الشعراء الفرنسيون الجنان الاصطناعية: الأفيون والحشيش) (1860)؛ وUn Dernier Chapitre de l'histoire des oeuvres de Balzac (الفصل الأخير من تاريخ أعمال بلزاك) (1880)، كان في الأصل منطق نُشر في "Comment on paye ses dettes quand on a du génie" ("كيف يدفع المرء ديونه عندماقد يكون عبقرياً")، والتي تحول نقده فيها تجاه أصدقائه اونوريه دى بلزاك، تيوفيل گوتييه، وجيرار دى نرڤال.

شاهد قبر شارل بودلير، مون‌پارناس.

بحلول 1859، بسبب سقمه، استعماله الطويل للوندوم، وضغوط الحياة، وتأثره بالفقر فقد بودلير شبابه بشكل ملحوظ. لكن في النهاية، تراجعت والدته وسمحته له بالعيش معها لفترة في هونفلور. كان بودلير منتجاً وعاش في سلام في هذه البلدة الساحلية، وتعتبر قصيدة الرحلة Le Voyage، من الأمثلة على جهوده في ذلك الوقت. عام 1860، أصبح مؤيداً متحمساً لريتشارد ڤاگنر.


وزادت الصعوبات المالية مرة أخرى، وخاصة بعد إفلاس دار النشر التي يملكها عام 1861. وفي عام 1864، هجر باريس إلى بلجيكا، أملاً في بيع حقوق نشر أعماله، وكذلك لإلقاء المحاضرات. علاقاته الطويلة من جان دوڤال استمرت ما بين صعود وهبو، وساعدها بودلير كي تنهي حياته. علاقة بودلير مع الممثلة مارلي دوبرون والمومس أپولوني سباستييه، وعلى الرغم من كونها مصدراً للكثير من الإلهام، إلا أنها لم تشعره أبداً بالرضا التام. كان يدخن الأفيون، وفي بروكسل بدأ احتساء الكحول بإفراط. أصيب بودلير بجلطة حادة عام 1866 وبعدها أصيب بالشلل. بعد معاناة من فقدان القدرة على الكلام استمرت لأكثر من عام، حصل على الطقوس الأخيرة في الكنيسة الكاثوليكية. قضى بودلير العامين الأخيرين من حياته شبه مشلولاً في "مصحات" في بروكسل وباريس، حيث توفي في 31 أغسطس 1867. دُفن بودلير في مقبرة مونپارناس، پاريس.

نُشرت الكثير من أعماله بعد وفاته. ودفعت والدته ديونه بالكامل، وشعرت أخيراً ببعض الراحة من شهرت بودلير. "أرى ابني، بجميع أخطائه، متمتعاً بمكانة أدبية". وعاشت بعده أربع سنوات.

الشعر

اقرأ نصاً ذا علاقة في

شارل بودلير


مختارات من شعره، ولقراءة القائمة كاملة، اضغط هنا:

  • فلنصرع الفقراء.
  • صلوات للشيطان.
  • موت العشاق.
  • موت الفقراء.
  • أغنية الخريف.
  • أغنية الخريف.
  • إيقاع المساء.
  • السم.
  • السماء الغائمة.
  • الهر.
  • دعوة إلى السفر.
  • محادثة.
  • نشيد خريفي.
  • أغنية لبعد الظهر.
  • إلى سيدة خلاسية.
  • الشبح.
  • الملاح المحنك.
  • الباطروس.
  • إلى عابرة.
  • الإنسان والبحر.
  • تواصل.
  • الشاعر والطائر.
  • القارورة.
  • الدعوة إلى السفر.
  • الغريب.
  • نشيد الخريف.
  • أحزان القمر.
  • البوم.
  • الغليون.
  • الموسيقا.


تأثيره

پورتريه بريشة گوستاڤ كوربيه، 1848.


أعماله

بودلير، Bibliothèque de la Pléiade, Œuvres complètes (أعمال كاملة)، الجزء الأول.
  • صالون 1845، 1845
  • صالون 1846، 1846
  • لا فانفارلو، 1847
  • زهور الشيطان، 1857
  • الجنة الصناعية Les paradis artificiels، 1860
  • Réflexions sur Quelques-uns de mes Contemporains, 1861
  • Le Peintre de la Vie Moderne, 1863
  • Curiosités Esthétiques, 1868
  • L'art romantique, 1868
  • Le Spleen de Paris, 1869
  • Oeuvres Posthumes et Correspondance Générale, 1887–1907
  • Fusées, 1897
  • Mon Coeur Mis à Nu, 1897
  • Oeuvres Complètes, 1922–53 (19 vols.)
  • مرآة الفن، 1955
  • The Essence of Laughter, 1956
  • Curiosités Esthétiques, 1962
  • رسام الحياة الحديثة ومنطقات أخرى، 1964
  • Baudelaire as a Literary Critic, 1964
  • الفنون في باريس 1845–1862، 1965
  • كتابات مختارة حول الفن والفنان، 1972
  • رسائل مختارة لشارل بودلير، 1986
  • عشرون قصيدة نثرية، 1988
  • Critique d'art; Critique musicale, 1992


انظر أيضاً

  • Épater la bourgeoisie

المصادر

  1. ^ "Baudelaire". مريم-وبستر.
  2. ^ Charles Baudelaire, Richard Howard. Les Fleurs Du Mal. David R. Godine Publisher, 1983, p.xxv. ISBN 0-87923-462-8, ISBN 978-0-87923-462-1.
  3. ^ Richardson 1994, p. 16
  4. ^ Richardson 1994, p. 35
  5. ^ Richardson 1994, p. 70
  6. ^ Richardson 1994, pp. 67–68
  7. ^ Richardson 1994, p. 71
  8. ^ Richardson 1994, p. 75
  9. ^ Richardson 1994, p. 219.
  10. ^ Richardson 1994, p. 110.
  11. ^ "شارل بودلير خلق من الطين مضىاً". جريدة الحياة. 2017-07-01. Retrieved 2018-07-30.
  12. ^ Richardson 1994, p. 311.
  13. ^ Chisholm 1911.
  14. ^ Richardson 1994, p. 281.
  15. ^ Richardson 1994, p. 400
  16. ^ Library.vanderbilt.edu
  17. ^ شارل بودلير، الموسوعة العالمية للشعر العربي
Wikisource has the text of the 1911 Encyclopædia Britannica article شارل بودلير.
  • Richardson, Joanna (1994). Baudelaire. New York: St. Martin's Press. ISBN . OCLC 30736784.

وصلات خارجية

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بشارل بودلير، في فهم الاقتباس.
Wikisource has original works written by or about:
شارل بودلير
  • Charles Baudelaire's Cats
  • The Baudelaire Song Project - Site of The Baudelaire Song Project, a UK-based AHRC-funded academic project examining song settings of Baudelaire's poetry.
  • Twilight to Dawn: Charles Baudelaire. Translations, Cordite Poetry Review
  • www.baudelaire.cz — Largest Internet site dedicated to Charles Baudelaire. Poems and prose are available in English, French and Czech.
  • Charles Baudelaire — Site dedicated to Baudelaire's poems and prose, containing Fleurs du mal, Petit poemes et prose, Fanfarlo and more in French.
  • Charles Baudelaire International Association
  • Nikolas Kompridis on Baudelaire's poetry, art, and the "memory of loss" (Flash/HTML5)
  • baudelaireetbengale.blogspot.com—the influence of Baudelaire on Bengali poetry
  • Alexander Barykin — The Invitation to Travel at YouTube
  • Harmonie du soir — Tina Noiret

نصوص أونلاين

  • أعمال من Charles Baudelaire في مشروع گوتنبرگ
  • خطأ لوا في وحدة:Internet_Archive على السطر 573: attempt to index field 'wikibase' (a nil value).
  • Works by شارل بودلير at LibriVox (public domain audiobooks) Speaker Icon.svg
  • Charles Baudelaire—Largest site dedicated to Baudelaire's poems and prose, containing Fleurs du mal, Petit poemes et prose, Fanfarlo and more in French.
  • Poems by Charles Baudelaire—Selected works at Poetry Archive
  • Baudelaire's poems at Poems Found in Translation
  • Baudelaire – Eighteen Poems
  • "baudelaire in english", Onedit.net—Sean Bonney's experimental translations of Baudelaire (humor)
  • ), at athena.unige.ch (بالفرنسية)

نطقب:Bibliowiki

أعمال فردية

  • FleursDuMal.org—Definitive online presentation of Fleurs du mal, featuring the original French alongside multiple English translations
  • , 1861 edition (Charles Baudelaire / une édition illustrée par inkwatercolor.com)
  • "The Rebel"—poem by Baudelaire
  • Les Foules (The Crowds)—English translation
تاريخ النشر: 2020-06-04 20:27:13
التصنيفات: صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي, Articles which use infobox templates with no data rows, Pages using Infobox writer with unknown parameters, Portal templates with redlinked portals, شارل بودلير, مواليد 1821, وفيات 1867, صحفيون فرنسيون من القرن 19, صحفيون فرنسيون, شعراء فرنسيون من القرن 19, مترجمون فرنسيون من القرن 19, مترجمو الإنگليزية-الفرنسية, مترجمو إدگار ألان پو, مدفونون في مقبرة مونپارناس, وفيات بالزهري, أدب منحل, ناقدون فنيون فرنسيون, شعراء اللغة الفرنسية, مترجمون فرنسيون, خريجو ليسيه لوي-لو-گران, Obscenity controversies in literature, أشخاص مصابون باضطراب ثنائي القطب, Poètes maudits, Psychedelic drug advocates, مؤلفو سونيتات, شعراء رمزيون, كتاب من باريس, كتاب من القرن 19

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

قناة إسرائيلية تكشف عن "تهديد وجهته الإمارات" لواشنطن وتل أبيب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:08:00
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 91%

عزيز داداس يفتح ستار أعماله الفنية الرمضانية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:10:54
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 80%

مفتي الجمهورية: الصيام تدريب على الإنسانية والرقي - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:20:29
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

وزير التعليم: لا تعديل في جداول الثانوية العامة 2024 - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:20:27
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 59%

تراقب السرعة في الاتجاهين معا.. اعتماد ردارات جديدة لمراقبة الطرق

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:10:44
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 76%

أزيد من مليوني سائح زاروا المغرب عند متم فبراير 2024

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:10:30
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 85%

التعليم تعلن بدء امتحانات النقل والشهادة الإعدادية 4 مايو

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:20:42
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

"التاريخ يراقبنا".. غوتيريش "مصدوم" من استمرار قصف غزة خلال رمضان

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:11:36
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

كم مليون سائح زاروا المغرب خلال يناير وفبراير 2024؟

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:11:35
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 60%

رفع 36 إعلانًا مخالفًا من شوارع “المنتزه ثان” بالإسكندرية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:21:27
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

الجزء الأول.. تفاصيل عرض المغرب الضخم لقيادة ثورة الهيدروجين الأخضر

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:11:37
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 61%

مصر توزع 10 آلاف وجبة إفطار صائم و7 آلاف وجبة سحور على أهل غزة

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-11 21:20:54
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 52%

تحميل تطبيق المنصة العربية