تنتورتو

عودة للموسوعة

تنتورتو

تنتورتو

تـِنتورِتـّوTintoretto (الاسم الحقيقي: جاكوپوكومن Jacopo Comin؛ عاش 29 سبتمبر 1518 – 31 مايو1594) رسام إيطالي عاش في عصر النهضة الإيطالية الأخيرة. وقد أصبح فنانًا رئيسيًا في تلك الفترة للكنائس والأسر الثرية بمدينة البندقية بإيطاليا.

سيرته

سنين التتلمذ

لوح تذكاري في البندقية

إن اسم تنتوريتوالحقيقي هوجاكوبوروبستي. ويلقب بإل تونتوريتو، والذي يعني الصبّاغ الصغير، لأن والده كان صبّاغاً. يعتقد الفهماء حتى تنتوريتوفهم نفسه الرسم الزيتي. وقد افتتح أول استديوله عندما كان عمره 21 عامًا.

"لا، لم يكن موته خاتمة لكل شيء، لأن قوة وروحاً تكادان تقلان عظمة عن قوته وروحه قد عاشتا بعد موته ثمانية عشر عاماً، ورسمتا صورة الجنة."

كان ياقوبوروبستي Jacopo Robusti ابن صباغ، وهذا هوأصل هذا اللفظ المصغر الذي سماه به من قبيل السخرية الإيطاليون الهوائيون والذي انحدر إلينا من خلال أحقاب التاريخ. والحق أنه أصبح صانعاً إذا فهمنا من هذا اللفظ أنه كان ملونا عظيما. غير حتى اسم أسرته كان أليق به من غيره من الأسماء لأن روحه القوية وحدها هي التي مكنت ياقوبومن حتى يخرج ظافراً من الكفاح الطويل الذي خاض غماره حتى اعترف للناس بفضله.

ويكادقد يكون أول ما عهدناه عنه إنه أوفد ليتدرب عند تيشيان في سن غير معروفة، ثم فصل من العمل بعد أيام قليلة. وقد خط ريدلفي Ridolfi بعد مائة عام من ذلك الوقت يصف الحادث كما ينظر إليه ابنا تنتورتونطق:

لما عاد تيشيان إلى بيته ودخل المكان الذي يعمل فيه تلاميذه رأى أوراقاً بارزة من أحد الأدراج، وعليها بعض رسوم، فسأل عن رسمها، فأجاب ياقوبوفي خوف إنها من خلق يده. وأدرك تيشيان من هذه البدءات حتى هذا التلميذ سيصبح رجلاً عظيماً، وأنه سيسبب له بعض المتاعب من ناحية الفن، فلم يكد يصعد الدرج إلى حجرته ويخلع ميدعته حتى أمر كبير تلاميذه جيرولامودانتي، وهونافض الصبر، حتى يمنع ياقوبومن دخول البيت من تلك اللحظة. إلى غير ذلك تحدث الغيرة، مهما تكن ضئيلة، أثرها في القلوب البشرية(25).

ونحن نميل إلى تكذيب هذه السيرة، ولكن أريتينوصديق تيشيان الحميم، يشير إلى هذه الحادثة في رسالة له خطها عام 1549. فأما فصل ياقوبومن عمله فحقيقة مؤكدة، أما مسببات هذا الفصل فموضع للأخذ والرد؛ ذلك حتى من أصعب الأمور حتى نعتقد حتى تيشيان، الذي كان وقتئذ مصوراً للملوك حين لم يكن ياقوبوإلا صبياً في الثانية عشرة من عمره، يغار من هذا المنافس المفترض، أوأنه يستطيع حتى يرى مستقبل نتورتومن اطلاعه على رسوم طالب قبل تواً في مدرسته. ولعل الرسوم قد أغضبت تيشيان لما بدا فيها من إهمال لا بما كانت عليه من الجودة والإتقان، ولقد بقي الإهمال. الرسم من عيوب نتورتوكثيراً من السنين. وظل ياقوبونفسه طوال حياته يعجب بتيشيان أشد الإعجاب، ويعتز بصورة أهداها إليه تيشيان، ويضع على جدار مرسمه ما يذكره على الدوام بما كان يطمح إلى حتى يبلغه برسومه مبلغ "ميكل أنجيلوفي التصميم وتيشيان في التلوين"(26).

ويقول تيشيان، وتقول الرواية المتواترة، إذا ياقوبولم يتلق تعليماً منظماً بعد حتى افترق عن تيشيان، ولكنه فهم نفسه بمداومته على التجربة والتقليد. وكان يشرح الأجسام ليتفهم التشريح، ولا يكاد يفتر هن ملاحظة جميع ما يعترض سبيله في تجاربه بحرص يبلغ حد الشراهة والنهم، ويصمم على ألا تفوته منه كبيرة أوصغيرة في هذا الرسم من رسومه أوذاك. وكان يصنع نماذج من الشمع، أوالخشب، أوالورق المقوى، ويلبسها الأثواب، ويرسمها من جميع زاوية كي يجد طريقة يستطيع بها حتى يصور أبعاداً ثلاثة في بعدين اثنين. وكانت تصنع له صور منقولة عن اللوحات الرخامية القديمة في فلورنس وروما وعن تماثيل ميكل أنجيلووترسل له حيث يقيم؛ وكان يضع هذه النسخ في مرسمه، وينقل عنها صوراً ملونة ذات ظلال وأضواء مختلفة. وقد افتتن بما شاهد من الاختلاف الناشئ في مظهر الأمور نتيجة لتغير كمية الضوء، وطبيعته، وطريقة سقوطه؛ ورسم مائة صورة وصورة في ضوء المصابيح أوالشموع؛ وأسرف في حبه للخلفيات القائمة، والظلال الثقيلة، وأصبح أخصائياً خبيراً في تمثيل أثر الضوء والظل على اليدين، والوجه، والثياب، والمباني، والمناظر الطبيعية، والسحب، ولم يهجر وسيلة يستعين بها في كفاحه للتفوق والامتياز إلا سلكها.

غير أنه مع ذلك كان متسرعاً في عمله نافذ الصبر، ينقصه الصقل- ولعل هذا كان جزاء له على أنه فهم نفسه بنفسه- وتلك عيوب أخرت اعتراف الجمهور بفنه. وقد ظل كثيراً من السنين، بعد حتى بلغ دور الرجولة، يتحين الفرص ويسعى إليها. وكان يرسم الأثاث. وينشئ المظلمات في قابلات البيوت، ويرجوالبنائين حتى يحصوا له على أعمال بأجور قليلة، ويحاول حتى يبيع صوره بعرضها في ميدان القديس مرقص(27). لكن الناس كلهم كانوا يريدون تيشيان؛ وكان تيشيان وأريتينويعملان على ألا يعامل أي إنسان ذي مال يمكن الحصول عليه منه غير تيشيان، فإذا كان هذا الفنان مشغولا فلن يلجأ واحد منهم إلى غير بنيفادسيوفيرونيري Bonifazio Veronese. وما من شك في حتى ياقوبوقد ساءته طريقة أريتينوفي التصوير؛ ولكن وقع انه حين اتى الجلاد الكبير إلى ياقوبوليصوره، أخرج الفنان مسدساً رهيباً من جيبه، وتظاهر بأنه يصوبه على جميع جزء من جسم أريتينوالضخم، وسر أيما سرور مما شاهده من مظاهر الخوف على وجه ذلك المبتز لأموال الناس(28). ولم يسع أريتينوبعد هذه الحادثة إلا حتى يراعي الأدب فيما يخطه عن نتورتو. ولما حتى رأى ياقوبوالجدران الواسعة الطويلة التي يبلغ ارتفاعها خمسين قدماً في مرنمة كنيسة مادنا دل أورتوMadonna dell Orto، عرض حتى يغطيها كلها بالرسوم الجصية نظير أجر إجمالي قدره مائة دوقة (1250،يا ترى؟ دولاراً)، فما كان من المصورين البنادقة إلا حتى شكوا من أنه "قد أضر بالحرفة" إذ قدر الفن هذا التقدير الضئيل. ولكن نتورتوصمم على حتى يقوم بالعمل.

وقد بلغ الثلاثين من العمر قبل حتى يحرز أول نصر له. ذلك حتى مدرسة القديس مرقص Scula di San Marco أجرت مباراة لرسم قديسها ينقذ عبداً من العذاب والقتل. وقد وردت هذه السيرة في كتاب السيرة المضىية لياقوبوده ڤوراجينه Liacopo de Voragine: وخلاصتها حتى خادماً من بروفنسال قد نذر حتى يحج إلى قبر القديس مرقص في الإسكندرية، ولكن سيده لم يأذن له بالسفر، غير أنه سافر على الرغم من هذا التحريم. فلما عاد أمر سيده يضم عينيه، ولكن أطراف الحديد انثنت فلم تنفذ فيها. فما كان من سيده إلا حتى أمر بتحطيم أطرافه، ولكن القضبان الحديدية لم تحدث أي أثر فيها. وأدرك السيد ما للقديس مرقص من أثر في هذا فعفا عن العبد. وروت صورة نتورتوهذه السيرة في ألوان فخمة، وواقعية مقنعة، وقوة مسرحية عظيمة: صورت الرسول المبشر ممسكاً بالإنجيل، هابطاً من السماء لينقذ الرجل المتعبد، الذي يوشك حتى يخر صريعاً بضربة يوجهها إليه مغربي، ومن حوله نحوعشرين من مختلف الأشخاص ينظرون إليه وقد بلغ اهتياجهم غايته. وانتهز ياقوبوجميع ما أتاحته له السيرة من فرص: فصور رجالا أقوياء ونساء ظريفات رشيقات، وحرص على دراسة أثر الضوء على المخملات والحرير والعمامات الشرقية، وعمل على غمر المنظر بالألوان التي تفهمها من جيورجيوني وتيشيان. وساور مديروالمدرسة بعض الخوف حين شاهدوا ما في التصوير من واقعية مجسمة، وأخذوا يتناقشون في هل يليق بهم حتى يعلقوا الصورة على جدرانهم، فما كان من نتورتوإلا حتى اختطف الصورة من أيديهم في عنف وكبرياء، وأخذوها إلى منزله. فاتىوه وتوسلوا إليه حتى يعيدها لهم، فهجرهم قليلا من الوقت تأديباً لهم، ثم أعادها إليهم، وبعث إليه أريتينوحدثة ثناء، ومن ذلك الوقت تفتحت الأبواب أمام مواهبه.

وانهالت عليه الطلبات مجتمعة، فطلبت إليه نحوست كنائس ونادىه نحواثني عشر من الأعيان، وستة من الأمراء، ومثل هذا العدد من الدول للقيام بأعمال فنية. وقص لهؤلاء مرة أخرى في مائة من الصور الملحمة المسيحية الكبرى ملحمة خلق العالم، والدين، وفلسفة الموت والبعث والدار الآخرة، من بدء الخليقة إلى يوم الحساب... ولم يكن نتورتومسيحياً متديناً،- وقلما كان من الفنانين في هذا القرن السادس عشر في البندقية من هومتدين- فقد أثرت في نفوسهم وعقيدتهم المبادئ المنتشرة في بلاد الشرق والإسلام. وكان دينه هوالفن، يقرب له القرابين بالليل والنهار، ولكن أي موضوعات يستطيع المصور حتى يتخيلها أرق وأظرف من قصص آدم وحواء، وسيرة مريم وطفلها، مأساة الصلب، وتعذيب القديسين وأعمالهم العجيبة، ثم تلك الغاية التاريخية الرهيبة وهي جمع الأحياء والأموات في صعيد واحد أمام قضاء المسيح،يا ترى؟ وخير ما في هذه المجموعة كلها هي صورة التنصيب (حوالي عام 1556)، التي رسمها نتورتولكنيسة مادنا دل أورتو: وفيها يرى هيكل بيت المقدس وقد صور في بهائه القديم؛ ومريم الضئيلة الجسم الواجفة يرحب بها القس الأكبر وهومبسوط الذراعين ملح؛ وامرأة فخمة الصورة لاتقل في ذلك عن فخامة صور فيدياس تعهد ابنتها بمريم؛ وإلى جانبها صور نساء غيرها ومعهن أطفالهن واضحية واقعية، ومتنبئ يلقي نبوءات غامضة، ومتسولون ومقعدون نصف عرايا راقدون على درج المعبد. تلك صورة تضارع أحسن ما صوره تيشيان وهي من أعظم ما صور في عهد النهضة.

وتأكد نجاح تنتورتوحين رشحته الاسكولا دي سانت ركوScuola di San Rocco أوأخوه القديس رك لزخرفة قاعات اجتماعها (الألبرجوAlbergo). وتفصيل ذلك حتى المشرفين على هذه الطائفة أرادوا حتى يختاروا مصوراً لنقش سطح الجدران الواسع، فدعوا الفنانين لتقديم رسوم لصورة تلتئم مع سقف بيضي الشكل تظهر القديس روك في مجده، فتقدم باولوفيرونيز، وأندريا شيافوني Andrea Shiavone وغيرهما برسوم تخطيطية، أما نتورتوفرسم صورة نهائية زاهية الألوان حية بالحركات والأعمال، وعمل سراً على حتى يلصق قماش الصورة في مكانها المعين وأن يغطي. ولما أقبل اليوم الذي تقدم فيه الفنانون الآخرون برسومهم، أمر بكشف هذه الصورة النهائية، وروع القضاة والمتنافسون. وقد برر هوهذا التدبير غير السليم بقوله إنه يستطيع العمل بهذه الطريقة السريعة الحاسمة بدلا من طريقة الرسوم الأولية. ولكن الفنانين الآخرين نددوا بها، وانسحب نتورتومن المباراة، ولكنه هجر الرسوم هدية إلى الجماعة؛ فقبلته آخر الأمر، وعينت نتورتوعضواً بها، وخصصت له مرتباً قدره مائة دوقة في العام مدى الحياة، وطلبت إليه في نظير ذلك حتى يرسم لها ثلاث صور جميع سنة.

وبذلك استطاع حتى يضع على حجرات قاعات الاجتماع سنة وخمسين منظرا في السنين الثمان عشرة التالية (1564-1581). وكانت الحجرات التي يعمل فيها قليلة الضوء، واضطر نتورتوحتى يشتغل فيما يشبه الظلام، وكان يعمل بسرعة، ويضع الألوان في غير إتقان كأنها تشاهد من تحتها بعشرين قدماً. وكانت الصور أشهر ما صوره رجل بمفرده في تاريخ البندقية كله، واتى الفنانون فيما بعد ليدرسوها كما مضى الطلاب إلى فلورنس ليدرسوا رسوم ماساتشيو. وأثر المطر والرطوبة في الصور على مر السنين. ولكنها لا تزال تبعث في النفس الروعة بحجمها وقوتها؛ وقد خط عنها رسكن قبل وقتنا هذا بمائة عام يقول: "وقد أنزلت هذه الصور منذ عشرين أوثلاثين عاماً لإصلاحها وإعادتها إلى ما كانت عليه، ولكن الرجل الذي عهد هذا العمل إليه توفي لحسن الحظ ولم تتلف إلا واحدة منها"(29).

وقد روى نتورتوفي هذا المتحف المدهش السيرة المسيحية مرة أخرى؛ ولكنها لم تكن قد رسمت من قبل بهذه الواقعية الجريئة التي انتزعت الحوادث من عالم العواطف المثالية ووضعتها في هذه البيئة الطبيعية، ولهذا بدا حتى هذه السيرة قد استحالت تاريخاً من أعظم التواريخ صدقاً وأبعدها عن الشك. وكان الشرر الذي أوقد النار في قلب نتورتوهوقدرته على النظر، وأن يلاحظ جميع دقائق المنظر، وأن يحس بأن هذه الدقائق تهب الحياة، وأن بادر بوضعها على الجدار بضربة أوضربتين من الفرشاة- كالماء الذي يراه الناظر من خلال جذور الغار في صورة مجلية. وخصص نتورتوالطابق الأسفل من الحجرات لصور مريم العذراء: فصور فيها دهشتها الذليلة من البشارة، ورشاقتها المتواضعة عند الزيارة، ورهبتها الساذجة عندما قدمت لها الهداية الشرقية في عبادة المجوس، وسيرها البطيء على ظهر حمار مجتازة منظراً هادئاً في صور الهروب إلى مصر فراراً من "مذبحة البريئين"، وهي أقوى صورة في هذه المجموعة. وروى نتورتوعلى جدران الحجرة العليا الكبرى حوادث في تاريخ المسيح نفسه: تعميده بيد يوحنا، ومحاولة الشيطان إغواءه، والمعجزات والعشاء الأخير. وكانت هذه الصورة الأخيرة واقعية بعيدة جميع البعد عن العهد المألوف إلى حد جعل رسكن يصفها بأنها "أسوأ ما عهد عن نتورتو"(30). وقد رسم المسيح في الطرف البعيد، والقديسين منهمكين في الأكل أوالحديث، والخدم رائحين بالطعام وغادين، وكلباً يسأل متى يتناول هوأيضا الطعام. ورسم نتورتوفي حجرة داخلية في الطابق الأعلى صورتين من أعظم صوره. إحداهما صورة المسيح أمام بيلاطس ويظهر فيها إنسان لا يمكن حتى ينساه الإنسان قط يرتدي ثوباً أبيض كأنه كفن، ويقف متعباً، مستسلماً، ولكنه يقف مهيباً كريماً أمام بيلاطس الذي يحاول التكفير عن خطيئة الخضوع إلى تعطش الغوغاء للدماء. وآخر ما نذكره من هذه الصور صورة يرى نتورتوأنها خير صوره على الإطلاق- صورة الصلب، التي تتحدى صورة يوم الحساب لميكل أنجيلووتسموعليها في قوتها واتساع مدى تكوينها، وتطبيقها الفني، فها هي ذي أربعون قدماً من الجدار تغطيها ثمانون صورة لأشخاص، وخيول وجبال، وأبراج، وأشجار، روعيت فيها الأمانة في رسم التفاصيل، مراعاة لا يكاد يتصورها العقل، ويرى فيها المسيح يمضه الألم الجثماني والنفساني، ولص من اللصوص يلقى فوق صليب مطروح على الأرض، وهويقاوم إلى آخر لحظة؛ ولص آخر جبار في قوته وتهوره، ثم يحمله للقتل جنود غلاظ شداد يحول غضبهم من ثقله دون حتى تأخذهم به رأفة، وترى النساء وقد انكمشن جماعات من شدة الرعب، والنظارة يتزاحمون في حرصهم على حتى يروا الرجال يعذبون ويموتون. ويرى من بعيد جومكفهر لا يستجيب إلى المأساة البشرية، ولكن فيه رعداً وبرقاً ومطراً لا تعبأ بها. وفي هذه الصورة بلغ نتورتوالذروة وضارع أحسن المصورين.

وأضاف نتورتوإلى جميع هذه الآيات الفنية التي رسمها في قاعات الاجتماع ثماني صور أخرى رسمها لكنيسة هذه الجماعة نفسها معظمها خاص بالقديس روك نفسه. وأظهر ما في هذه المجموعة كلها صورة بركة بيت جسدا وذلك لما تبعثه في النفس من رهبة إذا لم يكن لشيء سواها.

ويستمد الفنان موضوعه من الإصحاح الخامس من الإنجيل الرابع: "في هذه كان مضطجعاً جمهور كثير من سقمى، وعمى، وعسم " ينتظرون حتى تتاح لهم الفرصة للاستحمام في بركة ذات الماء الشافي. وتنتورتولا ينظر إلى معجزة شفاء السقمى، بل يرى الجماهير المصابة بمختلف الأمراض، ويصورها كما يراها وهوساكن هادئ بأجسامها المشوهة وأسمالها البالية، وأقذارها، وآمالها، ويأسها. إذا هذا المنظر كأنه أخذ من منظر الجحيم لدانتي أوالأثنطق لزولا.

وهذا الرجل الذي يستطيع حتى يحدث بفنه هذه السورة العارمة ضد الشرور التي يتعرض لها الجسم الإنساني بفطرته: هذا الرجل نفسه قد استجاب بحماسة بالغة لمباهج الجسم الإنساني في صحته وجماله، وكاد يضارع تيشيان وكريجيوفي رسم العرايا. ونحن وإن كان يحق لنا حتى نتسقط من روحه القلقة وفرشاته السريعة حتى تعجزا عن نقل الإحساس القديم بالجمال أثناء راحته؛ لنجد مع ذلك في أماكن كثيرة في أوربا أشكالا أنيقة أمثال صورة دانائي المحفوظة في متحف ليون بفرنسا، والمزدانة بالجواهر، وصورة ليدا والبجع الموجودة في معرض أفيدسي، وفينوس وفلكان المحفوظة في متحف ميونخ وصورة إنقاذ أرسينوئي، المحفوظة في متحف درسدن، وعطارد وربات الجمال وباخوس وأدرياني المحفوظتين في قصر الدوج بالبندقية... ويظن سيمندس حتى هذه الصورة الأخيرة هي أجمل صورة بالزيت موجودة في هذه الأيام، إذا لم تكن أعظم الصور كلها"(31). على حتى أكمل منها صورة أصل المجرة الموجودة في معرض لندن الفني التي تعزوهذا الأصل إلى ضغط كيوبد على ثديى Juno- وهوتفسير لا يقل في صدقه عن أي تفسير آخر تقدم به الفهماء. وفي متاحف اللوفر، والبرادووفينا، ومعرض واشنجتن الغني أربع صور مختلفة من رسم نتورتوتمثل سوزنا والكبراء. وفي معرض برادوحجرة ممتلئة بصور تمثل جمال النساء "منها صورة فتاة بندقية تزيح رداءها لتكشف عن صدرها، وحتى في صورة معركة الهجر والمسيحيين نرى ثديين ناهدين يستلفتان الأنظار بين بريق الأسنة والرماح: وفي متحف فيرونا صورة تمثل جوقة مكونة من تسع نساء موسيقيات ثلاث منهن عاريات إلى أوساطهن- كأن الآذان تحسن السمع إذا كان في وسع العيون حتى ترى هذا القدر الكبير من الجمال. وليست هذه الصور أحسن ما أبدعه تنتورتو، بل إذا قدرته لتظهر أعظم ما تظهر في تمثيل الرجولة في الحياة، والبطولة في الموت على أوسع نطاق؛ ولكن هذه الصور تدل هي الأخرى على أنه يستطيع كما يستطيع جيورجيوني وتيشيان حتى يرسم الانحناءات الخطرة بيد ثابتة؛ ولسنا نرى فيما رسمه من صور للنساء العاريات شيئاً من فساد الخلق، بل نجد فيها المتعة الحسية السليمة. فهؤلاء الآلهة وهذه الإلاهات يرون العري من طبيعة الأمور، وهولا يشعرون به؛ ويرون حتى من صفاتهم الإلهية حتى يحيوا الشمس "وكل أجسامهم وجوه"، يحيونها بأجسامهم كلها غير مضيق عليها الأزرار، والأشرطة والأربطة.

وظل نتورتوممتنعاً عن الزواج فوستينا ده ڤسكوڤي Faustina de Vescovi، ولكنها وجدته مضطرباً مسكيناً إلى حد لم يسعها معه إلا حتى تجد السعادة في حتى تكون له أماً. وولدت له ثمانية أبناء أصبح ثلاثة منهم مصورين لابأس بأعمالهم. وكانوا يسكنون بيتاً متواضعاً غير بعيد من كنيسة مادنا دل أورتو(عذراء أورتو)، وقلما كان الفنان الكبير يبتعد عما حول البيت إلا إذا مضى ليصور في كنيسة بالبندقية، أوفي القصر، أوفي مقر الإخوان. ولهذا فإنا لا نستطيع تقدير قوته وتنوع صوره إلا في نطاق المدينة التي ولد فيها. وقد عرض عليه دوق مانتوا منصباً في بلاطه، ولكنه رفضه؛ ذلك أنه لم يكن سعيداً إلا في مرسمه، حيث لم يكن ينبتر عن العمل لا ليلا ولا نهارا، وكان زوجا وأبا طيبا، ولكنه لم يكن يعني أقل عناية بالمتع الاجتماعية. وكاد يبلغ في عزلته، واستقلاله، ونكده، واكتئابه، وتوتر أعصابه، وعنفه، وكبريائه، كاد يبلغ في هذا كله مبلغ ميكل أنجيلوالذي ظل طول حياته يعبده، ويحاول حتى يتفوق عليه. ولسنا نجده عنده السلام لا في روحه ولا في أعماله، وكان كميكل أنجيلويعظم قوة الجسم، والعقل، والروح، أكثر مما يعظم الجمال الظاهر، ولهذا نرى صور العذراء التي رسمها منفرة كصورة عذراء دوني Doni. وقد هجر لنا صورة له (توجد الآن في متحف اللوفر)، رسمها وهوفي الثانية والعشرين من عمره. ولا نكاد نرى فيها فرقاً بين رأسه ووجهه وبين وجه أنجيلوووجهه نفسه. -فالوجه قوي مكتئب، عميق مندهش حائر، ترتسم عليه علامات مائة عاصفة.

والصور التي رسمها لنفسه خير صوره جميعاً، ولكنه رسم صوراً أخرى تشهد بعميق نظراته النافذة ووحدة فنه. ذلك أنه في هذه الناحية أيضا ظل واقعياً، لا يجرؤ امرؤ على حتى يجلس أمامه ليصوره إذا كان يرجوحتى يخدع الخلف. وكم من عظيم من أهل البندقية قد انتقل إلينا من خلال القرون بفضل فرشاة نتورتو: أدواج، وأعضاء في مجلس الشيوخ، ووكلاء نادىو؛ وثلاثة من مديري دار سك النقود، وستة من أصحاب بيت المال؛ وخير من هؤلاء كلهم في هذه المجموعة صورة ياقوبوسوراندسو- وهي من أعظم الصور التي أخرجها فن البندقية. ومن هذه الصور أيضاً صورة سان سوفينوالمهندس المعماري وكرناروCornaro المعمر. ولتنتورتوصور لا يفوقها إلا صورة السوراندسوSoranzo ولا يعهد من تمثله وهي صورة الرجل لابس الزرد (في برادو) وصورة الشيخ (في بريستشنسا) وصورة رجل (في الخلوة بلينينجراد)؛ وصورة مغربي في مخطة مورجان بنيويورك. وحدث في عام 1574 حتى تخفى تنتورتوفي ثياب خادم من خدم الدوج ألفيزي متشينيجوDege Alvise Mocenigo واستطاع الوصول إلى البارجة بوتشنتور Bucentaurs بارجة أمير الأسطول، ورسم خلسة بالبسطل صورة تقريبية لهنري الثالث ملك فرنسا. ثم استطاع فيما بعد حتى يتخذ له مكاناً في ركن حجرة كان هنري مجتمعاً فيها مع اعيان البلاد ومن هذا المكان أتم الصورة. وبلغ من حب هنري لها حتى عرض على الفنان لقب فارس، ولكنه رجاه حتى يقبل اعتذاره.

وكانت معهدته بأعيان البندقية قد بدأت في عام 1556 حين عهد إليه هووفيرونيزي حتى يرسم صوراً على القماش في قصر الدوق. رسم في قاعة المجلس الكبير Sala del Maggior Consiglo صورتين هما تتويج فردريك بربرسا وحرمان الاسكندر الثالث لبربرسا. وفي القاعة المعروفة باسم صالا دل اسكروتينوSaladel Scrutinio (قاعة البحث والتحقيق) غطى جداراً كاملا بصورة يوم الحساب. وسر مجلس الشيوخ من الصورتين سروراً حمله على حتى يختاره في عام 1572 لتخليد ذكرى الفوز العظيم في ليبانتو. غير حتى هذه الصور الأربع قد دمرتها النار التي شبت في عام 1577، وفي عام 1574 عهد مجلس الشيوخ إلى نتورتوحتى يصور حجرة الانتظار (الانتيكاليجيوAnticollegio). وهنا رسم للمشترعين الكبار صورة عطارد وربات الجمال وأندريا ياخوس. وكيرفلكان ومينيرقا تطارد المريخ.. وفي قاعة مجلس الشيوخ Sata de Predadi رسم نتورتو(1574- 1585) طائفة من اللوحات الكبيرة يطري بها أدواج أيامه، فصوره ومن خلفهم الميدان الفخم العظيم: كنيسة القديس مرقص بقبابها البراقة أوبرج الساعة، أوبرج الأجراس، أوالقابلة الفخمة لمخطة فيتشيا أوبواكي قصر الدوبرج البراقة، أومناظر القناة الكبرى تحجبها الغيوم أوتسلط عليها أشعة الشمس. ثم توج هذه الرسوم بصور توائم ذوق الحكومة الفخورة المزهوة فرسم على السقف صورة رائعة فاقت جميع ماعداها وهي صورة البندقية ملكة البحار؛ ترتدي أثواباً ذات روعة وجلال تحيط بها دوائر من الأرباب المعجبين بها، وتتلقى من آلهة البحر وحورياته هدايا الماء- المرجان والأصداف، واللآلئ.

ولم يثن الحريق الكبير من عزم مجلس الشيوخ فطلب إلى نتورتوحتى يعوضه عن الخسارة بصور تمحومن ذاكرة الناس جميع شيء عنها. فنفش في "قاعة البحث" منظر معركة كبرى هي الاستيلاء على زارا، وصور على جدار إحدى حجرات المجلس الكبير لإمبراطور فردريك بربرسا يستقبل الوفود من عند البابا والدوج، كما رسم على السقف آية فنية رائعة هي الدوج نقولوبنتي يتلقى خضوع المدن المغلوبة.

ولما قرر مجلس الشيوخ (1586) حتى يغطي المظلم القديم الذي صوره گواريينتوGuariento على الجدار الشرقي من حجرة المجلس، افترض حتى تنتورتو، وكان وقتئذ في الثامنة والستين من عمره. قد بلغ من الكبر حداً لا يستطيع معه حتى يقوم بهذه المهمة. ولهذا قسم العمل كما قسم الجدار بين فاولوفيرونيزي، وكان وقتئذ في الثامنة والخمسين، وفرانتشيسوبسانو، البالغ وقتئذ سبعا وثلاثين سنة. لكن فيرونيزي توفي عام 1588 قبل حتى يبدأ العمل عملا، وعرض نتورتوحتى يحل محله، وأن يغطى الجدار كله بصورة واحدة هي مجد الجنة، ووافق مجلس الشيوخ على هذا العرض، ووضع الشيخ الطاعن في السن، بمساعدة ابنه دومينيكووابنته ماريتا Marietta، في الاسكولا دلا ميزيربكورديا Scuola della Misericordia بتر القماش التي ستتألف منها الصورة الأخيرة. ورسمت كثير من الرسوم التخطيطية الأولية؛ منها رسم، يعد في حد ذاته آية فنية، يوجد الآن في متحف اللوفر. ولما وضعت هذه الأجزاء كلها في مكانها (1590)، وبعد حتى لون دومينيكومواضع الاتصال بين الأجزاء وأخفاها، كانت الصورة أكبر صورة بالزيت سقطت عليها العين حتى ذلك الوقت- فقد كان طولها اثنتين وسبعين قدماً وارتفاعها ثلاثا وعشرين. وأجمعت الجماهير التي احتشدت لرؤيتها على أنها أعظم أعمال التصوير التي تمت في مدينة البندقية- وأنها "أعجب بترة في العالم كله من الصور الزيتية النقية، السامية التي تمثل الرجولة الحقة"(33). وعرض مجلس الشيوخ على نتورتوأجراً بلغ من الارتفاع حداً لم يسعه معه إلا حتى يرد إليه جزءاً منه واستاء من ذلك زملاؤه الفنانون.

وعدا الزمان على هذه الجنة، واليوم إذا ما ولج الإنسان قاعة المجلس الكبير، والتفت إلى الجدار القائم خلف عرش الدوج، لم يجد الصورة التي هجرها تنتورتوهناك، بل عثر صورة سودها الدخان والرطوبة اللذين تناوبا عليها مئات السنين، حتى لا يستطيع حتى يتبين من الأشكال الخمسمائة التي كانت تملأها إلا أقلية صغرى واضحة للعين. أما فيما عدا هذا فدوائر داخل دوائر تهتز وترتجف- وتتكون من السذج المباركين، والعذارى، والمؤمنين بالدين، والشهداء، والمبشرين بالإنجيل، والحواريين، والملائكة، وكبار الملائكة- كلهم محتشدون حول مريم وابنها، كأن هؤلاء جميعاً قد أصبحوا هم الآلهة الحقيقيين للعالم المسيحي اللاتيني، وقد اتىوا يعترفون بجلال قدرة المرأة والرجل اعترافاً جديراً بهم. ويشعرنا تنتورتوبما وراء الأشكال المائة التي تستطيع حتى تراها بالعين من مئات أخرى يخطئها الحصر.

والحق أنه حتى إذا لم يكن اللذين يدخلون الجنة إلا قلة تتخذ من اللذين يدعون إليها، فإن من دخلوها عملا في ستة عشر قرناً من التاريخ المسيحي ليبلغون عدداً كبيراً من الجماهير السعيدة، وقد أخذ تنتورتوعلى نفسه حتى يصور لنا هذا العدد الكبير، ويمثل لنا سعادتهم. وهولم يمِت الجنة فيصفها مكاناً مكتئباً كما وصفها دانتي، بل تصورها مكاناً مليئاً بالمرح والطرب، لا يقبل فيه إلا السعداء المبتهجون. وكأن هذا العمل كان هوالرقية التي أخرجت الفنان من سابق كراهيته للمجتمع.

لكن تلك الأيام من حياة الفنان لم تكن خالية من مسببات الحزن؛ ففي السنة التي أزيح فيها الستار عن الصورة العظيمة ماتت ابنته المحبوبة ماريتا، وكان حذقها التصوير والموسيقى من أكبر مباهجه وأسباب سلواه في شيخوخته. فلما حتى فارقته لاح كأنه لا يفكر إلا في حتى يراها تحيا حياة أخرى. فكان يتردد أكثر من ذي قبل على مادنا دل أورتو-سيدة الحديقة- حيث يقضي الساعات الطوال في التفكير والنادىء بعد حتى أصبح آخر الأمر رجلا ذليلا. وكان لا يزال يصور، وأخرج في هذه السنين الختامية طائفة من الصور تمثل القديسة كترين لتوضع في الكنيسة المسماة باسمها. لكنه أصيب في السابعة والسبعين من عمره بسقم في معدته سبب له آلاما ممضة حرمت النوم على عينيه. فخط وصيته، وودع زوجته، وأطفاله، وأصدقاءه؛ ومات في الحادي والثلاثين من شهر مايوسنة 1594، وأودعت جثته في مادنا دل أورتو.


أعماله الأولى

Finding of the body of St Mark (1548).
St Mark's Body Brought to Venice (1548)

أبدع تنتوريتوأعمالاً اشتُهرت بتأثيرها الدرامي. تُظهر لوحاته تأثير الألوان الصارخة التي استخدمها تيتيان وللأشكال القوية التي رسمها مايكل أنجلو. حقق تنتوريتوأسلوبًا فريدًا من خلال المبالغة. وأحياناً يشوه صور أشكاله للحصول على تأثير درامي. تتحرك الأشكال بنشاط خلال المساحة العميقة والضوء المتغير.

خلاص أرسنو (ح. 1560).
معجزة العبد (1548).

أعد تنتوريتوتصاميمه بوضع الأشكال الشمعية أوالصلصالية في صندوق ـ مثل الممثلين على خشبة المسرح ـ واستخدام الشموع لخلق تأثير الإضاءة. وكان يفهم هذه الترتيبات ويرسم الصور قبل تلوينها. يمكن مشاهدة الشخصية المسرحية لرسومات تنتوريتوفي واحدة من أشهر أعماله، القديس مارك ينقذ عبداً عام 1548م. حقق تنتوريتوالتناقض الدرامي بهجريز الضوء على بعض الأشكال بلون عميق، ورسم الأخرى بألوان وظلال أخف.

الأسلوب

وإذا ما حاول الإنسان حتى يتبين فن هذا المصور الكبير بعد حتى يطوف بقاربه في مياه البندقية الضحلة ويقف أمام جميع صورة من فنانها الذي لا يقل قدراً عن ميكل أنجيلو، إذا ما عمل هذا فإن أول ما ينطبع في ذهنه هوطابع الكثرة والضخامة، إذ يرى الجدران الكبيرة مغطاة بصور الآدميين والحيوانات على درجات متفاوتة من الجمال والقبح لا تقل عن الألف عدا، تختلط فيها الأجسام وتضطرب اضطراباً لا نجد له ما يبرره إلا قولنا إنه هوالحياة. ذلك حتى هذا الرجل الذي كان يبتعد عن الجماهير ويبغضها، يقابلها في جميع مكان، ويصورها تصويراً صادقاً دقيقاً غاية في الصرامة. ويبدوأنه كان قليل الاهتمام بالأفراد؛ وإنه إذا رسم صوراً لهم فإنما كان يقصد بذلك كسب العيش صراحة. وكان يرى الإنسانية جملة، ويفسر الحياة والتاريخ على أنهما كتل من الخلائق البشرية تكافح، وتنافس، وتحب، وتستمتع، وتعذب، طابعها الرجولة والجمال، مريضة ومعقدة، ناجية أومعذبة. وكان يغطي بصوره بتراً من قماش الرسم ذات حجم مروع في كبره، لأن هذه السعة وحدها هي التي كانت تفسح له المجال ليصور ما يشهده. ومع أنه لم يكن يتقن أصول فن التصوير، كما يتقنها تيشيان، فإنه قد استخلص لنفسه الكيفية التي رسم بها هذه الصور الضخمة، وإليه يرجع أكبر الفضل في روعة الحجرات التي في قصر الأدواج، لهذا لا ينبغي لنا حتى نطلب إليه رقة الصقل أيا كان نوعها، فهوفي فنه خشن، فج، سريع، يخلق أحياناً منظراً بضربة واحدة من فرشاته.على حتى خطأه الحقيقي ليس هوخشونة السطح- لأن السطح الخشن ذاته قد ينير ما ينطوي عليه الرسم من معنى-، أما هذا الخطأ فهوالعنف المسرحي لما يختاره من الأحداث، وثوران أهوائه ونزواته ثوراناً سقيما، والكآبة التي يغرق فيها الحياة كما يصورها، وتكرار صور الجماهير تكراراً متعبا مملا. لقد كان تنتورتومفتتناً بكثرة العدد، كما كان ميكل أنجيلومفتتناً بالأشكال، وروبنز Rubens، مفتتناً بالأجسام. ولكن ما أكثر ما نجده في هذه الكثرة نفسها من دقائق وتفاصيل عظيمة الدلالة، وما أعظم ما نجده من دقة ونفاذ في الملاحظة، ومن تنوع وانفرادية في الأجزاء لا ينضب لهما معين، وواقعية جريئة حيث لم نكن نجد قبل إلا خيالا وعاطفة!

وآخر ما نشعر به ونحن نقف أمام هذه الصور هوالاستجابة لها استجابة صريحة أكيدة قائلين: هذا هوالفن في أعظم طراز له. لقد صور غيره من الفنانين الجمال كما عمل رافائيل، أوالقوة كما عمل ميكل أنجيلو، أوعمق النفس كما عمل رمبرانث أما عنا في هذه الرسوم العالمية- سواء كانت تمثل صخب مدينة، أولجماهير صامتة تؤدي الصلاة، أودخائل ألف بيت وبيت وما تضمه من متاعب أومحبة وولاء- نقول أما هنا فإنا نجد الحياة الإنسانية نفسها. وقد نحس أحياناً ونحن وقوف صامتون أمام هذه الجدران الحائلة في قصر أدواج البندقية، أوفي حجرات إخوان القديس روك، حتى صور غيره من الفنانين الأرقى منه درجة تنمحي من ذاكرتنا" وأنه لواستطاع الصباغ الصغير حتى يصقل صوره صقل الجوهري بعد حتى فكر فيها تفكير الجبابرة، لكان أعظم المصورين أجمعين.

انظر أيضاً

  • تصنيف:لوحات تنتورتو


معرض الصور

الهوامش

المصادر

  • Butterfield, Andrew (2007-04-26). "Brush with Genius". New York Review of Books. NYREV, Inc. 54 (7). Retrieved 2007-04-18.
  • Carlo Ridolfi, La Vita di Giacopo Robusti (A Life of Tintoretto) 1642

وصلات خارجية

  • www.JacopoTintoretto.org hundreds of works by Tintoretto
  • Classic encyclopediaتحوي هذه الموضوعة معلومات مترجمة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية لسنة 1911 وهي الآن من ضمن الملكية العامة.


  • Artcyclopedia - Tintoretto's paintings
تاريخ النشر: 2020-06-04 20:36:58
التصنيفات: Articles which use infobox templates with no data rows, Articles with hCards, No local image but image on Wikidata, Pages using infobox artist with unknown parameters, مقالات مأخوذة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية, مواليد 1518, وفيات 1594, أشخاص من البندقية, إيطاليو القرن 16, رسامون إيطاليون, كاثوليك إيطاليون, رسامون بنادقة, رسامو عصر النهضة, رسامو الكنيسة الكاثوليكية الرومانية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:17
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

وزير الإنتاج الحربى: نشارك فى COP27 بـ 110 أتوبيسات كهربائية

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:34
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

مجلس الشيوخ يناقش تعديلات قانون الاستثمار بعد قليل - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:17
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 56%

النجم الهندي رانفير سينغ: تكريمي في المغرب مفخرة

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:17
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

إلزام أصحاب الأبراج بتوفير جراج سيارات لإصدار ترخيص بناء

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:44
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

أمن سلا يوقف حاول سرقة سيدة باستعمال العنف

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:16
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 53%

بعثة المنتخب المغربي تشُد الرحال صوب قطر تأهبا للمونديال

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:14
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 63%

خلال أسبوع القادة.. ماذا حدث في كواليس COP 27 ؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 53%

فحص يُؤخر انضمام لاعب للمنتخب المغربي استعدادًا للمونديال

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:16
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 62%

بنك المغرب: ارتفاع الدرهم بنسبة 0,58 في المائة مقابل الدولار

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:15
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 50%

الإحصاء: 3.3 مليار دولار صادرات مصرية خلال شهر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-13 12:20:43
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 57%

تحميل تطبيق المنصة العربية