تأسيس المملكة العربية السعودية

عودة للموسوعة

تأسيس المملكة العربية السعودية

توحيد السعودية

دولة (السعودية) المعاصرة
التاريخ 1902–1932
المسقط
شبه الجزيرة العربية, العراق، إمارة عبر الأردن، الكويت
النتيجة

تولى السعوديون حطم المناطق الشمالية والغربية من شبه الجزيرة العربية

  • نهاية دولة آل رشيد ومملكة الحجاز.
  • انتهاء الوجود العثماني في شبه الجزيرة.
  • تأسيس دولة السعودية المعاصرة عام 1932.
  • ضم عسير للسعودية بعد الحرب السعودية اليمنية عام 1934.
الخصوم
إمارة جبل شمر
مملكة الحجاز

سلطنة نجد

  • القبائل العربية المتحالفة
الدولة العثمانية
القادة والزعماء
عبد العزيز بن متعب
الشريف حسين بن علي
الرشيف علي بن الحسين
عبد العزيز بن سعود أحمد توفيق باشا
فخري باشا
القوات
38,000 77,000 23,000
الخسائر
غير معروفة غير معروفة تدمير القوات المشاركة.[بحاجة لمصدر]

توحيد المملكة العربية السعودية هي المعارك التي خاضها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود من عام 1902 م حتى عام 1932 م حيث تم الإعلان عن قيام المملكة العربية السعودية.

وقد بدأ ابن سعود باستعادة الرياض، عاصمة آل سعود السابقة، من آل رشيد أمراء حائل، ثم بسط نفوذه على نجد والأحساء وجبل شمر وعسير وتهامة والحجاز وتم الإعلان عن توحيد البلاد سنة 1932 م. وقد بدأ دعوته من حريملاء

كان تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بعدما وحد أجزاء الجزيرة العربية بأكملها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب فاتخذ من مدينة الرياض - وكانت تسمى ذلك الوقت بـ العارض - عاصمة لدولته، كان ذلك عام 1351ه


بعث إمارة الرياض في مطلع القرن العشرين (1902-1914)

في مطلع القرن العشرين نشأ في الجزيرة العربية من حديث وضع ملائم لبعث إمارة الرياض . فإن سلطة حائل كانت قائمة على القوة العسكرية لقبيلة شمر وحلفائها وعلى مساعدة الأتراك ، ولكن تأييدها من جانب سكان نجد كان يتقلص باطراد . وأخذت بريطانيا تتدخل في شئون الجزيرة سعيا منها إلى إضعاف اعتماد الإمارات المحلية فيها على الباب العالي وإخضاعها للحماية البريطانية في آخر المطاف . وغدت عائلة آل سعود التي استقرت في الكويت مركز جذب طبيعيا لجميع النجديين المتذمرين من حكم آل رشيد .

استيلاء الأمير الشاب عبدالعزيز على الرياض والسيطرة على المناطق المجاورة لها

في خريف عام 1900 تزعم عبدالرحمن بن فيصل غزوة موفقة على أحد بطون قحطان ووصل إلى مناطق السدير . وبعد حتى عاد إلى الكويت أخذ يستعد لحملات عسكرية أكثر جدية واتساعا على نجد . واستنادا إلى السياسة العامة الموجهة ضد آل رشيد تحالف شيخ الكويت مع زعيم المنتفق سعدون باشا أبوعجيمي .

وفي أواخر 1900-أوائل 1901 جمع حاكم الكويت عساكره المكونة من البدووالحضر وتوجه إلى القصيم . والتحق به عبدالرحمن وبعض الأمراء السعوديين الآخرين الذين انضوت تحت رايتهم أقسام من قبائل العجمان ومطير . وخط آداموف قنصل روسيا في البصرة : (حقق الجيش الكويتي نصرا وتمكن من الاستيلاء على الرياض نفسها ، ومن هناك تحرك مبارك بالغ في التباهي بفوزاته الأولى . وتمكن عبدالعزيز بن متعب منا لحصول على أسلحة إضافية من الأتراك فعبأ جميع قواته فدحر الكويتيين وحلفاءهم في شباط – آذار (فبراير – مارس) 1901 على مقربة من واحة الصريف .

وفي تلك الأثناء حاول عبدالعزيز بن عبدالرحمن حتى يستولي على حصن المسمك في عاصمة أجداده الرياض . وتمكن فصيله مع الكويتيين من اقتحام المدينة ، إلا حتى الحاكم الشمري عجلان بن محمد تمركز في الحصن وتحمل الحصار . وعندما فهم عبدالعزيز بنتيجة معركة الصريف عجل في العودة إلى الكويت . كانت بريطانيا تشجع أعمال الكويت ولحفائها بصورة مباشرة أوغير مباشرة . ويعتقد قنصل روسيا في البصرة أداموف حتى بريطانيا التي لها مصلحة في إضعاف جبل شمر كانت تقف وراء مبارك . وشاترى شيخ الكويت كميات كبيرة من بنادق (مارتيني) الإنجليزية في البحرين .

وأخذت السلطات العثمانية في العراق تحشد فواتها العسكرية لتسد ضربة إلى الكويت بحجة (إحلال النظام) ، ولكنها لم تتجرأ على القيام بذلك خشية الصدام مع الإنجليز . وبنتيجة صراع معقد تمكنت الدبلوماسية العثمانية بدعم من برلين من الاتفاق في أيلول (سبتمبر) 1901 على الاحتفاظ بالوضع القائم في الكويت ودرء احتلال القوات البريطانية لهذه المشيخة . وكانت روسيا في بداية القرن العشرين ، كما اتى في توجيه سري إلى أداموف قنصلها في البصرة ، تسعى كذلك إلى الإبقاء على الوضع القائم في حوض الخليج كما هو.

وبعد الاتفاق مع الأتراك هجم حاكم حائل على المشيخة التي أصابها الضعف بعد هزيمة الصريف . وحاضر ابن متعب مسقط الجهراء على ساحل الخليج ، إلا حتى الإنجليز بعثوا سفينة حربية أطلقت النار على معسكر الشمريين . وأخذت الأسلحة الإنجليزية تتوارد على المشيخة ، بينما احتج القائم بالأعمال البريطاني في اسطنبول في لقاء مع السلطان على أعمال الشمريين . وبعد أسبوعين أوثلاثة م حصار ميئوس منه عاد إبن متعب إلى حائل بأمر من السلطان .

وأقنع عبدالعزيز أباه بأن يسمح له مرة أخرى حتى يجرب حظه في الرياض . فتوجه في حملة على رأس أربعين محاربا فقط كما تفيد أغلبية المراجع ، وكان بينهم شقيقه محمد بن عبدالرحمن وإبن عمه عبدالله بن جلوى . وفي تشرين الثاني – كانون الأول – (نوفمبر – ديسمبر) 1901 توجهوا عبر الإحساء نحوالجنول إلى الربع الخالي . وفي الطريق اجتذب هذا الفصيل محاربين من قبائل العجمان وآل مرة وسبيع والسهول . وتحول الفصيل إلى قوات من عدة آلاف إنسان . وأخذ عبدالعزيز يغزوبهذه القوات القبائل المعادية وقرى نجد التي ظلت موالية لآل الرشيد .

وعندما فهم إبن متعب بأعماله بعث برسائل إلى السلطات العثمانية في بغداد والبصرة طالبا إبعاد عبدالعزيز عن الإحساء . وفهم البدوبذلك فهجروا الأمير الشاب خشية بطش الأتراك . فظل عبدالعزيز مع جماعته الأولى التي لايتجاوز عددها الأربعين شخصا . وأدرك عبدالرحمن حتى أعمال إبنه تتحول إلى مغامرة خطرة فطلب منه العودة إلى الكويت والتخلي عن خطة الاستيلاء على الرياض . وأرغمت السلطات الهجرية في الإحساء فصيله على هجر المنطقة . وقضى عبدالعزيز شهر رمضان في واحة يبرين . يبدوحتى إبن متعب لم يعر اهتماما كبيرا لهجمات الأمير الشاب ، مما أفاد هذا الأخير . وقرر عبدالعزيز المجازفة مرة أخرى رغم ممانعة أبيه . وفي 12 كانون الثاني (يناير) 1902 ظهر في أطراف عاصمة السعوديين السابقة .

وبعد حتى أخذ قسطا من الراحة في واحة صغيرة هجر فيها جماعة من أفراده من الإبل والخيل وأوصاهم بالفرار إذا لم يعد في الفجر . أما الباقون فتوجهوا إلى أسوار المدينة . وفي ظلام الليل اجتاز المحاربون وعلى رأسهم عبدالعزيز سور المدينة في منطقة (الشمسية) ، وهجروا احتياطيا عشرة رجال وتوجهوا إلى صاحبهم جويسر الذي كان يعيش قرب منزل الحاكم الشمري عجلان بن محمد . كان عجلان متزوجا من إحدى نساء الرياض وكان يعودها نهارا ، ويفضل قضاء الليل مع الحامية التي يوجده فيها زهاء 80 شخصا في حصن المسمك . أطعم جويسر عبدالعزيز ورجاله ثم تسللوا إلى منزل زوجة عجلان . لم يجدوا عجلان فيه ، ولكنهم حبسوا زوجته وأمرأة أخرى في إحدى الغرف . واستدعى عبدالعزيز شقيقه محمد مع الرجال العشرة الذين هجرهم وراء سور المدينة . واجتمع الفصيل كله في منزل عجلان . ونطقت زوجته أنه يمكن حتى يأتي إليها بعد صلاة الصبح فقرروا الانتظار . وبلغ التوتر أوجه عنده هذه الجماعة الصغيرة التي كانت تشعر تماما بالصبغة المغامرة لأعمالها .

حل صباح 15 كانون الثاني (ينانير) 1902 . وأخيرا ظهرا من بوابة الحصن عجلان مع حرس غير كبير . فأطلق عبدالعزيز ورجاله النار وهرعوا إلى عجلان . حاول الشمريون الهرب . وفي اللحظة الأخيرة فقط اغتال عبدالله بن جلوى عجلان عند باب الحصن .

لقد استفاد رجال عبدالعزيز من عنصر المباغتة فانتقموا من الحامية الشمرية الموجودة في الحصن ، ثم ثتلوا من كان في المدينة . وأطلق سراح عشرين من الشمريين بحدثة شرف بعد حتى اعتصموا في البرج . وكانت خسائر الأمير الشاب هي قتيلان وثلاثة جرحى لاغير . وكان فوزه الرائع غير المتسقط قد خلب ألباب أهالي نجد من طبيعة الحال ، وفيما بعد صار الشعراء والرواة يتغنون به في روايات وقصائد كثيرة . وأقسم أهل الرياض يمين الولاء لعبدالعزيز الذي بدأ على الفور يتحصن أسوار المدينة .وعندما فهم إبن متعب بنبأ سقوط الرياض استولى علهي الهياج وأقسم بأن يثأر من أعدائه التقليديين . ونزح من الفرات الأوسط إلى حائل ليجمع العساكر ويتوجه إلى الرياض ، إلا حتى الاستعدادات استغرقت عدة أشهر .

وفي تلك الأثناء وصلت إمدادات إلى عبدالعزيز من الكويت – سبعون مقاتلا وعلى رأسهم أخوه سعد . وتمكن الأمير الشاب من القيام بحملة على لجنوب واحتلال الخرج قبل وصول الشمريين .

وفي آيار (مايو) 1902 وصل أبوه عبدالرحمن إلى الرياض . ويجمع المؤرخون العرب والأوربيون على حتى الأب والإبن كانا يفهمان بعضهما البعض جيدا ، وكانت الثقة بينهما قد ساعدت على استقرار الدولة الجديدة . فالأمير العجوز كان ، كما يظهر ، يقدر قابليات إبنه تقديرا واقعيا . وعندما جمع عبدالعزيز الفهماء ووجهاء الرياض وطالبهم بأداء يمين الولاء لأبيه رفض عبدالرحمن هذا التكريم وأعرب حتى إبنه هوالأمير ، وصار عبدالعزيز حاكما للرياض وهوفي الثانية والعشرين . وظل أبوه مستشارا رئيسيا له وإماما للمسلمين .

أثبتت جسارة عبدالعزيز في الاستيلاء على الرياض أنه يتحلى بخصال الشيخ والأمير : البسالة والمهارة في القيادة والموفقية . وأثبتت الأحداث اللاحقة حتى عبدالعزيز كان شخصية بارزة دون ريب بمقاييس الجزيرة العربية . وهذا ما أجمع عليه جميع المؤرخين والرحالة من عرب وأوربيين . فقد تمرس عبدالعزيز في المنفى وتضلع في أخلاق البدووعاداتهم ونقاط ضعفهم وقوتهم ، وكان يجيد التحكم فيما عهده عن البدو. وإلى جانب ذلك كان يدرك بأن عليه حتى يعتمد بالأساس على سكان نجد الحضر ، ولذا أولاهم عناية دائمة . وكان يدرك قوة الدين فأقام علاقات طيبة مع فهمائه منذ البداية . جرت العادة في المطبوعات الأوربية ، والعربية جزئيا ، على تسمية مؤسس الدولة السعودية الحديثة باسم أسرته : إبن سعود . ولذا يفترض أن نستخدم نحن أيضا هذا الإسم في بعض الأحيان .

وقد هجرت لنا المستعمرة الإنجليزية هيرترودا بيل في كتابها (الحرب العربية) صورة أدبية لعبدالعزيز ، مع أنها تخص فترة متأخرة من حياته : (يداه نحيفتان بأصابع رقيقة ، وتلك سمة منتشرة بين القبائل العربية الأصيلة . ورغم طول قامته وعرض منكبيه يشير مظهره على التعب ، ولكنه تعب أقرب إلى الارتخاء العربي وليس صفة فردية . إنه تعب شعب عريق منطوعلى نفسه عبأ قواه الحيوية لدرجة كبيرة ولم يغترف من الطاقة إلا أقلها خارج حدود بلاده الوعرة . إذا حركاته المتأنية وابتسامته الطيبة البطيئة وعينيه اللتين تتطلعان بفطنة من تحت حاجبين ثقيلين – جميع ذلك يضيف إلى خصاله جاذبية ، ولايتفق مع المفهوم العربي للشخصية النشيطة . ومع ذلك تشير الأحداديث عنه إلى تحمله البدني النادر حتى في الجزيرة العربية ذات الظروف الصعبة) . ونحن نهجر (الارتخاء العربي) و(الانطواء على النفس) على ذمة المستعربة الملتزمة بالمدرسة الاستعمارية البريطانية ، ولكننا نشيد بتقييمها الرفيع عموما لشخصية أمير الرياض . انتهز عبدالعزيز فرصة الهدوء التي هيأها الشمريون فسدد ضربات في جميع الاتجاهات محاولا حتى يؤمن حول الرياض على الأقل الحد الأدنى من الأراضي لتكون لديه القدرة العسكرية والاقتصادية اللازمة لمواصلة الحرب .

وخلال تلك الفترة أثارت الأحداث في الجزيرة العربية اهتمام لندن وبرلين وبطرسبورغ فضلا عن اسطنبول . ومارست الدبلوماسية الألمانية ضغطا على السلطان العثماني بغية توفير منفذ أمين لسكة حديد بغداد إلى الخليج . وكان حاكم حائل الذي حاول استعادة السيطرة على جنوب نجد واثقا من الدعم الهجري . إلا حتى بريطانيا كانت من وراء ظهر خصومه الكويتيين ، والسعوديين في التطبيق العملي . وفي تموز – آب (يوليو– أغسطس) 1902 تمكن أمير شمر من مهاجمة الرياض وقام في الطريق بغزوات على القبائل والواحات المعادية له . وتدل هجماته على واحات الوشم والمحمل والقصيم على حتى سكان هذه المناطق كانوا ضده .

بدأ إبن سعود يجمع المتطوعين من سكان مدن العارض وبدوالدواسر وآل مرة . ولم يتمكن الشمريون من الاستيلاء على العاصمة الرياض رأسا لأنها صارت جيدة التحصين . ولذا فضل إبن متعب عدم اقتحام المدينة وراح يقوم بحملات حولها وخصوصا على الخرج . واستمرت الصدامات والمناوشات بين الطرفين في أيلول (سبتمبر) حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 1902 ، إلا حتى الوباء الذي تفشى بين الشمريين حسم الأمر لصالح عبدالعزيز ، واضطر إبن متعب على الانسحاب نحوالشمال .

وبعد حتى عاد ابن متعب من حملته الفاشلة على الرياض قام بغزوات جديدة . وظل كالسابق يعتبر حاكم الكويت مبارك عدوه الرئيسي فقرر حتى يسدد الضربة إليه . وفي هذه المرة هب عبدالعزيز مع عدة آلاف من رجاله لنجدة الكويتيين في كانون الثاني – شباط (يناير – فبراير) 1903 . وهجم الكويتيون بقيادة جابر والنجديون بقيادة إبن سعود ومن التحق بهما من قبائل العجمان وآل مرة وسبيع والسهول وبني هاجر وبني خالد والعوازم على بدومطير الذين كانوا موالين لآل الرشيد . وقتل في المعارك أحد زعماء مطير وهوعماش آل دويش وإبنه . وكانت نتيجة المعركة غامضة . وهذا مايستفاد من تقرير قنصل روسيا في البصرة ، حيث خط عن هزيمة الحلفاء الكويتيين والسعوديين على أيدي مطير .

وفي تلك الفترة زار عبدالرحمن بن فيصل الكويت وتقابل مع قنصل روسيا في بوشهر . إلا حتى تلك المستوى اتخذت على الأكثر لتهديد الإنجليز بغية إرغامهم على تقديم المساعدة لأمير الرياض ، وليس لإقامة اتصالات سياسية عملية مع روسيا . وفي ربيع 1903 حاول الشمريون للمرة الأخيرة الاستيلاء على الرياض ، إلا أنهم انهزموا أمام حاميتها بقيادة عبدالرحمن أبى عبدالعزيز . كانت أولى فوزت عبدالعزيز تعني بعث نواة إمارة الرياض بدعم نشيط من الكويتيين ، وبدعم غير مباشر من الإنجليز .


التقدم نحوالقصيم

في كانون الثاني (يناير) 1903 تقابل ممثل إبن سعود مع المعتمد السياسي البريطاني في البحرين وطلب منه الحيلولة دون إنزال القوات الهجرية في حالة استيلاء أمير الرياض على الإحساء . ولم يحصل إبن سعود على جواب محدد ، إلا حتى الإدارة الإنكلوهندية صارت أكثر فأكثر تراقب نشاط عبدالعزيز بعين الرضا . وبتبريك منها تعزز التحالف بين حاكم جبل شمر . وفي آذار (مارس) عقدوا اجتماعا في الكويت واتفقوا على الأعمال المشهجرة . وفي عام 1903 صار الشمريون أكثر فأكثر يفلتون السيطرة على المناطق الواقعة جنوبي القصيم.

وفي تلك الأثناء حدثت تغيرات جدية في الوضع الدولي . فقد نشطت بريطانيا هجومها على منافسيها الألمان والروس في حوض الخليج . وفي تشرين الثاني – كانون الأول (نوفمبر – ديسمبر) 1903 زار نائب الملك البريطاني في الهند كيرزون بلدان الخليج بصحبة عمارة حربية وبفخفخة كبيرة . وكانت الحرب النجدية الشمرية جزءا من الصراع بين الدول الكبرى من أجل النفوذ في حوض الخليج . وفي مطلع عام 1904 وحفت قوات أمير الرياض بسرعة نحوالقصيم . وفي آذار (مارس) 1904 على وجه التقريب اقتحم الفصيل الذي أوفده مدينة عنيزة حيث اغتال القائد العسكري الشمري فهيد السبهان في سوقها الكبير .

ولكن المدينة لم تكن قد احتلت بعد . وفي المعركة التي نشبت قرب عنيزة دحر عبدالعزيز قوات الشمريين التي قادها ماجد بن حمود . وشارك في المعركة إلى جانب الشمريين بعض أقارب عبدالعزيز من أبناء أخوته وأحفاد عمه سعود بن فيصل الذي ادعى بعرش الرياض . وعهدهم عبدالعزيز ونعتهم (بالعرايف) ، وهذا المصطلح يطلقه البدوعادة على إبلهم التي يستولي عليها العدوثم تستعاد في حملة مضادة . وكان إبن سعود ، بما يلازمه من تسامح تقليدي ، وعلى الأصح مرونة كبيرة وبصيرة نافذة وقدرة على تجريد الأعداء الذين لم يعودوا خطرين من سلاحهم ، قد عفا عن أقاربه هؤلاء بلا قيد أوشرط واقترح عليهم إما البقاء معه وإما الانضمام إلى آل الرشيد . وفي تلك الآونة قبلوا اقتراحه بالتصالح والتعاون والضيافة ، ولكنهم بعد حين صاروا مجددا من أخطر أعدائه .

وعين إبن سعود أحد أبناء الوجهاء أميرا لعنيزة ، وهوعبدالعزيز آل سليم الذي عاد من منفاه في الكويت مع أتباعه المسلحين . وبعد سقود عنيزة بعث أهالي بريدة وفدا إلى إبن سعود طالبين السماح لهم بمهاجمة الحصن في مدينتهم ، والذي تمركزت فيه حامية من الشمريين . فإن الاستيلاء على عنيزة أقنع أهالي بريدة بأن الأحداث في تلك اللحظة تتطور لصالح أمير الرياض . زد على ذلك حتى آل مهنا (وهم من أبرزم بطون بريدة الذين كانوا في السابق في المهجر الكويتي) قد وصلوا إلى عنيزة مع فصيل غير كبير ، منتظرين فرصة استلام منطقيد السلطة مجددا .

وكان الطريق إلى بريدة مفتوحا ، فبعث إبن سعود إلى المدينة فصيلا بقيادة صالح آل مهنا أبا الخيل . وفيما بعد ، عندما ولج عبدالعزيز بريدة أقسم له سكانها يمين الولاء . وسلمت الحامية الشمرية المكونة من 150 شخصا الحصن في حزيران (يونيو) 1904 نصب إبن متعب معسكرا في قصيبة – في منتصف الطريق تقريبا بين حائل وبريدة ، وهناك استقبل الحامية الشمرية التي جاز لها إبن سعود بمغادرة بريدة . وقبيل العمليات الحربية الحاسمة بعث حسن شكري برسالة إلى عبدالعزيز عندما كان هذا الأخير لايزال في عنيزة وحذره من العواقب الوخيمة للعمليات الحربية ذد حاكم حائل . وخط العقيد الهجري يقول : (إن جلالة الخليفة الأعظم بلغة اضطراب الفتنة في بلاد نجد ، وأن يدا خارجية محركة لها . فلهذا السبب بعثني إليكم حقنا للدماء ولمنع التدخل الأجنبي في بلاد المسلمين) . ثم تشكى محرر الرسالة من تعاون عبدالعزيز مع مبارك الذي يتعاون مع بريطانيا الدولة الأجنبية الكافرة ، واقترح بلهجة متعالية على عبدالعزيز بأن يعرض شكاواه على السلطت العثمانية وليس على مبارك الذي أعرب العصيان على الخليفة . وأشار شكري إلى أنه حليف ليس فقط لأل الرشيد ، بل ولجميع الذين ينشدون المعونة والدعم من الإمبراطورية العثمانية ، ونطق بأنه إذا رغب إبن سعود أيضا في هذه المساعدة فبوسعه حتى يتمتع بنفس النعم التي يتمتع بها آل الرشيد من الحكومة العثمانية .

شعر حاكم الرياض بالقلق ، ولكنه كان متصلبا في موقفه . ورد على تلك الرسالة بجواب اتى فيه : (وأما الآن ، فلا نقبل لكم نصيحة ولانعترف لكم بسيادة ، والأحسن أنك ترجع من هذا المكان إذا كنت لا تود سفك الدماء . فإن تعديت مكانك هذا ، مقبلا إلينا ، فلا شك أننا نعاملك معاملة المعتدين علينا ... فإن كنت حرا منصفا فلا يخفاك حتى سبب عدم إطاعتي هوعدم ثقتي بكم ... وخلاصة القول حتى جميع العمال الذين رأينا أنهم خائنون منافقون . فلا طاعة لكم علينا ، بل نراكم كسائر الدول الأجنبية) . ثم يستشهد عبدالعزيز بالوضع في اليمن والبصرة والحجاز وبسلوك الأتراك هناك لتوضيح أعماله . وأعاد إلى الأذهان نهب سلطات الحجاز للحجاج أمام الكعبة . وحذر الأمير في ختام رسالته العقيد بأنه إذا تحرك الأتراك نحوالمنطقة الخاضعة له فإنه سيعاملهم معاملة المعتدين .

وفي صيف 1904 حاول إبن سعود الاعتماد على الإنجليز في صراعه ضد الأتراك وصنيعتهم فأقام اتصالات مع الميجر بيرسي كوكس الذي كان قد صار قبل حين معتمدا سياسيا لبريطانيا في منطقة الخليج . وقبل ذلك كان كوكس مساعدا للمعتمد البريطاني في الصومال خلال الفترة من 1892 حتى 1901 وقنصلا في مسقط للفترة من 1901 حتى 1904 . وقدر له حتى يلعب دورا هاما في العلاقات الأنكلوسعودية حتى إحالته على التقاعد في 1923 . وبإشرافه عمل المستعربون المعروفون ولسن وبيلي وفيلبي . وكانوا يمثلون جيل الموظفين والمخبرين والعسكريين الاستعماريين البريطانيين الذي يعتبر كيبلنغ أميرا لهم . وكانوا يعتقدون ، بهذا القدر أوذلك من الإخلاص ، بأنهم يتحملون (عبء الإنسان الأبيض) عندما يدافعون عن المصالح الاستعمارية البريطانية ، إلا حتى الكثيرين منهم كانوا يقومون بدراسات عميقة ، وكانوا ، على سبيل المثال ، مطلعين جيدا على شئون الجزيرة العربية .

لقد اعتبرت بريطانيا ظهور القوات الهجرية في نجد خرقا لاتفاقية 1901 بشأن المحافظة على الأوضاع القائمة . وبعثت لندن إلى الباب العالي احتجاجا شديد اللهجة . وبعد حتى رأى العثمانيون وإبن متعب استحالة إقناع عبدالعزيز بالرضوخ لمطالبهم قرروا البدء بالعمليات الحربية . كان لدى الأتراك حوالي ألفين من المشاة أوثماني كتائب (11 كتيبة حسب رواية أخرى) من القوات النظامية وستة مدافع خفيفة وكمية كبيرة من النقود والذخيرة والأسلحة والأغذية . وبالإضافة إلى الشمريين التحق بقوات جبل شمر أبناء قبيلتي بني رشيد وحرب ، وكذلك سكان حائل . وعندما فهم عبدالعزيز باقتراب العدوقرر لقاءته في معركة مكشوفة . وخرجت من بريدة نحوالغرب قواته المكونة من أبناء الرياض والقصيم والخرج وقبائل مطير . على هذا النحونشأ الموقف قبيل معركتي الشتانة والبكيرية اللتين اتسمتا بأهمية كبيرة لتقرير مستقبل أواسط الجزيرة كأهمية استيلاء عبدالعزيز على الرياض .

الصراع مع الأتراك والشمريين من أجل القصيم (1904-1906) لم تكن مسقطة البكيرية معركة فاصلة واحدة بل سلسلة من الصدامات الكبيرة والصغيرة . حدثت المسقطة في أواسط تموز (يوليو) 1904 على وجه التقريب . وتؤكد مراجع الجزيرة حتى عدد القتلى من القوات النظامية الهجرية بلغ ما بين ألف وألف وخمسمائة إنسان ، ومن حائل 300-500 إنسان ، أما القوات السعودية فقد فقدت حوالي 1000 إنسان ، يظهر حتى هذه الأرقام مبالغ فيها جدا . وعلى أية حال فهي تضم الخسائر بسبب وباء الكوليرا والقيظ والأمراض . ومن شهود العيان على هذه المعركة المؤرخ ضاري بن فهيد بن الرشيد الذي أكد حتى متعب فقد مائة محارب ، بينما فقد عبدالعزيز مائتين . إلى غير ذلك اتسع نطاق الصدامات والصراع لأن احتلال الرياض مثلا ، أسفر عن مقتل بضعة أشخاص لاغير . وفي معركة البكيرية أصيب عبدالعزيز بجراح ثخينة كان يفقد حياته بسببها .

إلا حتى المعركة أخذت تتحول لصالح أمير الرياض . ويفيد لوريمير بأن أحد القادة العسكريين الأتراك اغتال ، كما اغتال عدد كبير من الجنود . واستولى ابن جلوى على جميع المدافع الهجرية وأخذ كثيرا من الأسرى . وانهمك إبن متعب في نهب قرى القصيم وهجر جميع مؤنه ومعداته الثقيلة تحت حراسة مفرزة صغيرة عند البكيرية . وعندما سمع باقتراب قوات عبدالعزيز التي استلمت إمدادات أوفد على الفور قسما من قواته لنجدة مفرزة الحراسة ، ولكن بعد فوات الأوان . فقد استولى عبدالعزيز على جميع مستونادىته وعلى مدينة البكيرية . وتوجه إبن متعب إلى منطقة الرس والشنانة في القسم الغربي من القصيم ، فوصلها في آب (أغسطس) من العام نفسه مؤملا ، على مايبدو، في الحصول على مساعدة الأتراك من الحجاز . إلا حتى مدينة الرس التي كانت خاضعة له في السابق قررت هذه المرة الانضمام إلى أمير الرياض ، ولذا نصب الشمريون معسكرهم في الشنانة . ووصل إلى نفس المنطقة عبدالعزيز مع قواته الأساسية ، إلا حتى كلا الخصمين لم يدخلا في قتال ، وربما كان ذلك بسبب حر الصيف . وتفشي وباء الكوليرا في معسكر إبن متعب ، بينما أخذ البدومن كلا الطرفين يتفرقون لأنهم لم يجدوا الغنائم المنشودة . وظلت عند إبن متعب وحدات هجرية من العراق وأفراد من جبل شمر فقط ، كما ظل في المعسكر السعودي أبناء المدن المخلصين لعبدالعزيز . وفي أواخر (أيلول) سبتمبر نشبت بين الطرفين معركة قرب الشنانة ، فر الأتراك بنتيجتها مع الشمريين . وفقدوا بضع عشرات من الأشخاص فقط ، لكن السعوديين المنتصرين فازوا بكل أعتدة معسكر العدووجماله وأغنامه وأغذيته وأسلحته وعدة صناديق مليئة بالنقود المضىية .

كان فوز عبدالعزيز هاما بخاصة لأنه أحرزه ضد عدة خطائب من القوات الهجرية النظامية . وتجدر الإشارة كذلك إلى حتى القوات الهجرية كانت تعاني من فرار أفرادها وأنها تقاتل في ظروف غير معروفة لها وغير ملائمة إطلاقا ، في معمعان قيظ فظيع .

إلا حتى دحر الأتراك بدأ لعبدالعزيز فوزا خطرا ججا ، فبعث إلى والي البصرة رسالة طلب فيها معونة مالية معتبرا نفسه من أتباع الباب العالي ومحاولا أبعاد خطر حملة هجرية جديدة . وبعد حتى استلمت السلطات العثمانية في وادي الرافدين تأكيدات عبدالعزيز بولائه للسلطان جهزت رغم ذلك قوات من السماوة إلى نجد بثلاثة آلاف إنسان مع المدفعية بقيادة أحمد فيضي باشا من الفيلق الذي يتواجد مقره في بغداد . وبالمناسبة فإن فيضي باشا كان مهتما بثرائه الشخصي أكثر من اهتمامه بنجاح الحملة ، فاقتنى بثمن بخس دواب نقل لاتصلح لشيء ولم يتمكن من تأمين نقل المقاتلين والذخيرة إلى أعماق الجزيرة في الوقت اللازم . وقد بدأت حملته في كانون الثاني (ينانير) 1905 . وفي مدينة الزبير ، شمالي الكويت ، جرى لقاء بين والي البصرة أحمد مخلص باشا وعبدالرحمن ، والد عبدالعزيز ، ومبارك شيخ الكويت . واطلع والي البصرة الوفد السعودي بأن الباب العالي عين عبدالرحمن قائمقاما وقرر بأن القصيم يجب حتى تكون منطقة محايدة عازلة بين آل الرشيد وآل سعود . وطلب الأتراك بأن يسمح لهم بإبقاء حامية في بريدة وأخرى في عنيزة لضمان حياد القصيم . ولجأ عبدالرحمن إلى تكتيك التملص فوعد بطرح هذه الاقتراحات على بساط البحث أمام أهالي نجد . إلا حتى قوات فيضي باشا الهجرية كانت قد زحفت نحوأواسط نجد ، وقد أسرع لنجدتها من المدينة المنورة 750 شخصا مع بطارية للمدفعية الميدانية بقيادة صدقي باشا .

كان إبن متعب متأملا لازدياد تبعيته للأتراك وسرعان ما اختلف مع أحمد فيضي باشا وهجر حماته الأقوياء أكثر من اللزوم . وتضعضعت مواقع عبدالعزيز بشدة نتيجة لتصرف أمير بريدة صالح بن حسن آل مهنا . فقد حاول التخلص من آل الرشيد ومن السعوديين معا وفضل الخضوع والتبعية للإمبراطورية العثمانية . وفي نيسان (إبريل) 1905 ولج الأتراك بريدة ، وبعد بضعة أيام احتلوا عنيزة وأقيمت في كلتا المدينتين حاميتان هجريتان حمل عليهما الفهم العثماني وتعالي نشيد (الحميدية) وصار اسم السلطان العثماني يذكر في صلاة الجمعة .

وقسمت نجد إلى وحدات إدارية تبعا للممارسات الهجرية المعتادة . وصارت بريدة قضاء يحكمه صالح الحسن بن مهنا . وأصبحت بريدة وعنيزة تابعتين إداريا لولاية البصرة . واعتبر جنوب نجد قضاء أيضا ، بينما صار عبدالعزيز بمثابة القائمقام ومركزه في الرياض ، وهوخاضع رسميا للبصرة . في تلك اللحظة كان إبن سعود يدرك حتى القوة ليست إلى جانبه ، وخوفا من الاستفزازات أمر فصائله بعدم القيام بأية أعمال عدائية ضد الأتراك . وتقابل أمير الرياض ووالده مع فيضي باشا الذي يردد مطلب الإبقاء على الحاميتين الهجريتين في بريدة وعنيزة حتى يتم عقد الصلح بين أل الرشيد والسعوديين مع اعتبار القصيم منطقة محايدة عازلة . إلا حتى عبدالعزيز وأباه تملصا من قبول هذه الالتزامات .

كان اهتمام الأتراك آنذاك منصبا على الأحداث في اليمن . فالقوات العثمانية عجزت عن إخماد حركة الإمام يحيى بن حميد الدين في صنعاء . وقرر الأتراك إرسال أحمد فيضي باشا من نجد إلى اليمن . وسلم قيادة القوات في القصيم إلى صدقي باشا . وفي نيسان (إبريل) 1905 على وجه التقريب انتهت المفاوضات بين عبدالعزيز والأتراك بلا نتيجة .

لقد قابل الأتراك في نجد صعوبات كبيرة بسبب قلة الأغذية وكثرة الأمراض وشيوع الفرار بين الجنود . ولم تتمكن الحاميات العثمانية في القصيم من إحلال الاستقرار . وكانت الأفخاذ والبطون الإقطاعية المحلية تعتقد بأنه تهيأت لها فرصة للانفصال عن آل الرشيد وعن السعوديين ، فحاولت إحراء مزيد من الاستقلال . وعمل بنشاط كبير بهذا الخصوص حاكم بريدة صالح الحسن بن مهنا . واستأنف الشمريون غزواتهم على القصيم ، وصار أهالي القصيم يتعاطفون من حديث مع السعوديين ، ووصلت المساعدة لإبن سعود من جهةغير متسقطة . فقد انضمت إليه مطير مع زعيمها البارز فيصل الدويش الذي تزعم حركة الإخوان فيما بعد .

وفي 13 نيسان (إبريل) 1906 نشبت في القصيم معركة بين السعوديين والشمريين شهدها المؤرخ الشمري ضاري بن فهيد بن الرشيد . ففي الفجر هاجم السعوديون معسكر إبن متعب بعد حتى قصفوه بالمدافع أولا . وأخذ حاكم حائل يتراكض بين محاربيه بغية إحلال النظام . وهرع إلى راية آل رشيد التي سقطت في أيدي محاربين من العارض متوهما أنهم من أفراده . فناداهم باللهجة الشمرية فعهدوه وأردوه قتيلا في الحال . وفر الشمريون مذعورين . تلك هي نهاية إبن متعب الذي كان قائدا عسكريا شجاعا ولكنه كان زعيما سياسيا غير موفق . وقد دشن مقتله فترة من عدم الاستقرار في جبل شمر .

ونحى أمير الرياض حاكم بريدة صالح الحسن من منصبه وزج به مع إخوانه في السجن في الرياض . وبعد فترة اغتال صالح أثناء محاولة الهرب . وعين لمنصب الأمير إبن عمه محمد عبدالله أبا الخيل . وسرعان مااتفق عبدالعزيز مع أمير حائل الجديد متعب بن عبدالعزيز بن معب على اقتسام أواسط الجزيرة . فقد سلمت إلى أمير حائل الأراضي والقبائل الواقعة جنوبيها . إلا حتى القوات الهجرية كانت لاتزال موجودة في القصيم ، فهما بأنها متعاطفة مع آل رشيد أكثر . ومنح الباب العالي متعب معونة بمبلغ 200 ليرة هجرية شهريا بالإضافة إلى الأغذية ، أما عبدالعزيز فقد استلم 90 ليرة هجرية فقط شهريا .

وفي تلك الفترة هبت مطير ضد أمير الرياض بعد حتى حرضها عليه الأتراك . ودحر عبدالعزيز هؤلاء البدووتوجه نحوبريدة التي يرابط فيها فصيل هجري . في صيف 1905 عين سامي باشا الفاروقي قائدا للقوات الهجرية في نجد بدلا من صدقي باشا . ولكنه لم يصل إلى القصيم على رأس فصيل مشاة من 500 إنسان إلا في تموز (يوليو) 1906 . ويبدوأنه التقى بعبدالعزيز في آب (أغسطس) 1906 وحاولا الاتفاق . فتظاهر عبدالعزيز بالغضب وانصرف بعد حتى خاطب سامي باشا بحدثات تعتبر من أفظع الإهانات في الجزيرة العربية . : (لولا أنك ضيف عندنا لما هجرناك تتحرك من مكانك) .

وحل شهر رمضان فصادف ذلك شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1906 وتأجلت العمليات الحربية . واقترح إبن سعود على سامي باشا حتى يختار أحد أمور ثلاثة فإما حتى يقرب القوات الهجرية من الرياض ، مما يجعلها تحت رحمة أمير الرياض ، وإما حتى يخرج القوات والعتاد من نجد وإما حتى يستعد للمعركة . كان الأتراك مرابطين في الجزيرة أكثر من عامين ونصف وكانوا يعانون من الجوع ، ويشعرون حتى بنقص التبغ . وتهرأت بزاتهم ، وكان العرب يشكلون قسما كبيرا من الجنود ، ولكنهم يكرهون أواسط الجزيرة لدرجة أنهم سموها ، بنت الشيطان . وكان جنود كثيرون يبيعون أسلحتهم وأعتدتهم لأهالي القصيم كي يطعموا أنفسهم . وانتشرت الأمراض وساد الفرار من الجيش . وفي هذه الظروف لم يكن أمام سامي باشا مخرج غير الجلاء .

وفي أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 1906 على وجه التقريب هجر سامي باشا معسكره المعزز على مقربة من بريدة وتوجه إلى المدينة المنورة . وفي تشرين الثاني (نوفمبر) بدأ الجلاء أيضا الأتراك الذين كانوا قد وصلوا من العراق (وعددهم 800 إنسان تقريبا مع مدافعهم) . فقد بلغوا الكويت ونقلوا منها إلى البصرة . وتفيد تقديرات لوريمير حتى حوالي أربعة آلا وخمسمائة جندي عثماني أوفدوا إلى أواسط الجزيرة في 1904-1905 . ولم يعد إلى المدينة المنورة والعراق إلا ألف منهم . وفقد الأتراك 3.5 آلاف إنسان بسبب الفرار والأمراض والمعارك . وكانت تلك هزيمة ماحقة . ولم يتمكن الأتراك حتى من الاحتفاظ بسيطرة صورية على القصيم .


ترسخ سلطة الرياض في جنوب نجد والقصيم (1906-1912)

في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1906 اغتال أمير حائل الجديد متعب الرشيد (الذي حكم أقل من عام) مع ثلاثة نم إخوانه على أيدي سلطان وسعود وفيصل أبناء حمود الرشيد . ولم يتخلص من الموت إلا الصبي شقيق الأمير متعب الأصغر الذي أنقذه خاله من آل سبهان وأوفده إلى المدينة المنورة التي كانت تحت السيطرة العثمانية . وصارت المعونات التي يقدمها الباب العالي إلى آل الرشيد تصل إلى المدينة مباشرة ، وكان ذلك دليلا على موقف الأتراك السلبي من مغتصبي السلطة في حائل .

أخذت إمارة آل الرشيد تزداد ضعفا . وراح شيخ قبيلة الرولة نوري الشعلان يدعي بإمارة الجوف بعد حتى وسع ديرة قبيلته في أراضي جنوب سورية وشرقي الأردن حاليا . واستفاد السعوديون من القلاقل في جبل شمر ليجتذبوا إلى القصيم قوافل الحجاج القادمة من العراق وبلاد فارس . واشتد الصراع بين حاكم حائل ، وحدثت تبدلات سريعة بين الأشخاص الممسكين بزمام الأمور فيها . وحل محل سعود بن حمود سعود بن عبدالعزيز الرشيد الصغير السن الذي أعاده إلى حائل في عام 1909 أخواله من أسرة آل سبهان القوية . وظل أبناء هذه الأسرة يمثلون السلطة العملية في الإمارة . وحتى سقوط إمارة جبل شمر في عام 1921 استلم زمام الحكم فيها حوالي عشرة من الأمراء أوالأوصياء .

ولم تتمكن إمارة جبل شمر التي غدت ضعيفة من الاستفادة من التوقف الموقت في التوسع السعودي مع حتى القصيم كانت مضطربة . وانفصل عن أميرالرياض فيصل الدويش وسائر زعماء مطير إذ دخلوا في تحالف سري مع حاكم بريدة عبدالله أبا الخيل .

وفي نيسان – آيار (إبريل – مايو) 1907 نشبت قرب مدينة المجمعة في سدير معركة بين مطير وقوات إبن سعود المكونة بالأساس من قبيلة عتيبة . واندحرت مطير . وأصيب فيصل الدويش بجراح في هذه المعركة فطلب الصلح وأعرب عن خضوعه لإبن سعود . كان كالسابق زعيما لقبيلة قوية ، وفي تلك الأزمان العصيبة كان إبن سعود بحاجة إلى أصدقاء أحياء أكثر من حاجته إلى أعداء موتى ، ولذا تقبل تأكيداته بالولاء . وفي آب – أيلول (أغسطس – سبتمبر) 1907 ظهر سلطان بن حمود في القصيم حيث انضم إليه أهالي بريدة بزعامة أبى الخيل ، وكذلك قسم من مطير . وعندما فهم عبدالعزيز بغارة سلطان جمع قوات من قحطان وعتيبة وسبيع والسهول وانضمت إليه قوات من العارض . وخلال المعارك اللاحقة في أيلول 1907 دحر عبدالعزيز مطير وزعيمها فيصل من حديث . ونشبت المعركة الحاسمة عند الطرفية على بعد بضع عشرات من الكيلومترات شمالي عنيزة . وقاتل ضد عبدالعزيز الشمريون وأهالي بريدة وكذلك مطير . وتعتبر معركة الطرفية من معارك عبدالعزيز الحاسمة ضد أعدائه . ويعتبرها المؤرخون السعوديون فوزا . إلا حتى أمير الرياض لم يتمكن من الاستيلاء على بريدة واكتفى بنهب أطرافها . وبعد واقعة الطرفية انسحب الشمريون إلى حائل ، كما تراجع فيصل الدويش إلى البادية .

كانت الكتلة الموالية للسعوديين في بريدة تتقوى . وعندما اقترب إبن سعود مع قواته من المدينة في آيار (مايو) 1908 فتح له أنصاره بوابتها . والتجأ أبا الخيل والمحاربون المخلصون له إلى الحصن . ولكنهم طلبوا الصلح بعد حتى أدركوا بأن لا أمل لهم في فك الحصار . وارتحل أبا الخيل إلى الكويت ومنها إلى العراق . وعين أحمد بن محمد السديري أميرا لبريدة . وهويمثل فخذا مرتبطا بالسعوديين من زمان . وفي تلك الأثناء اغتال سلطان بن حمود في حائل في كانون الثاني (يناير) 1908 . وتزعم الإمارة سعود بن حمود .

وفي تشرين الأول – تشرين الثاني (أكتوبر – نوفمبر) 1908 جرت في الحجاز أحداث هامة . فقد اضطرت الحكومة العثمانية إلى استبدال شريف مكة على بن عبدالله بالشريف الحسين بن علي . وكان الحسين قد عاد إلى مكة وهويداري رغبة خفية في حتىقد يكون ملكا للعرب أوحتى يغدو، على أية حال ، عاملا جديا في سياسة الجزيرة العربية .

وفي عام 1908 بدأ جفاف مرعب في أواسط نجد استمر عدة سنوات كما يقول فيلبي . ويتعارض قوله هذا مع ما خطه بعض المؤرخين العرب . وعلى أية حال ، من الممكن كانت الأمطار تهطل في مناطق أخرى ، أما الجفاف فقد أصاب أواسط نجد بالذات . وتجدر الإشارة إلى حتى الكثيرين من سكان أواسط الجزيرة كانواي عتقدون بأن الجفاف في أراضي عبدالعزيز كان إشارة مباشرة إلى الغضب الإلهي عليه . وخط موسيل حتى الكارثة الطبيعية ساعدت على التشوش العام في إمارة الرياض . إلا حتى أمطار غزيرة سقطت في جبل شمر فهجرت بعض القبائل عبدالعزيز ونزحت إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة إمارة حائل .

كان تدهور الزراعة وازدياد المجاعة وخراب البدوجميع ذلك شدد من عدم الاستقرار عموما وضعضع سلطة عبدالعزيز التي لم تكن قد توطدت بعد . وكان من دلائل عدم الاستقرار في الإمارة التمرد الذي وقع ضد إبن سعود في منطقة الحريق حيث اغتال الأمير الهزاني على يد منافسيه من نفس العائلة . وحدث ذلك ، على مايبدو، في شباط – نيسان (فبراير – إبريل) 1909 . واجتاحت القلاقل المنطقة كلها ، وتمكن عبدالعزيز من إعادة النظام بشق الأنفس .

ولم تصبح منزلة أمير الرياض في ممتلكاته نفسها راسخة تماما . فقد أفاده عدم وجود خصوم أقوياء ، إلا ان الاتجاهات اللامركزية والنزاعات القبلية الإقطاعية كانت تضعضع السلطة المركزية أحيانا . وفي الوقت الذي كان فيه أمير الرياض مشغولا بالشئون الداخلية أخذ يهدده من الغرب الحسين شريف مكة الهمام . حرضته الحكومة العثمانية دوما على العمل ضد نجد .

ولم ينس عبدالعزيز أنه محاط من الغرب والشمال والشرق بممتلكات عثمانية أوبأتباع ل~لأتراك معادين له . وكانت غزواته الجسورة البعيدة تدل على إمكانية بعث الدولة الوهابية في حدودها الشاسعة السابقة ، الأمر الذي كان يثير قلق الأتراك وحكام الجزيرة المعتمدين على بريطانيا وعلى الإمبراطورية العثمانية سواء بسواء.

وفي عام 1910 استمرت العمليات الحربية على نطاق غير كبير ضد أبناء عم عبدالعزيز الثلاثة الذين سماهم (بالعرايف) . ولم تسفر تلك العمليات عن نتائج جدية ، ولكنها كانت من عناصر عدم الاستقرار الداخلي الناجم عن تباطؤ توسع إمارة الرياض وعن الجفاف الفظيع . وفي آذار – نيسان (مارس – إبريل) 1910 لبى عبدالعزيز دعوة شيخ الكويت لمحاربة المنتفق وقائدهم سعدون باشا الذين كانوا آنذاك متحالفين مع الشمريين ضد الكويتيين . وفي حزيران (يونيو) 1910 دحر سعدون باشا القوات السعودية الكويتية الموحدة فاستولت المنتفق على غنائم كبيرة .

كانتا لعلاقات المتبادلة بين جبل شمر والسلطات العثمانية في الحجاز تتطور بصورة مضطربة . وفي حزيران 1910 طرد زامل آل سبهان الفصيل الهجري من واحة تيماء . إلا حتى نوري بن شعلان استولى على الجوف في عام 1909 واحتفظ بها لبعض الوقت وضغط بذلك على جبل شمر من الشمال والشمال الشرقي . ويبدوحتى نوري من شعلان وعبدالعزيز أقاما تعاونا متينا جدا ضد العدوالمشهجر .

وحاول الشريف حسين خلال عامين من حكمه حتى يثبت ولاءه للباب العالي فقام بحملة على عسير ، في حين كان الأتراك مشغولين بإخماد إنتفاضة الإمام يحيى في اليمن . واستولى الحسين على إقليم عسير لأجل الأتراك وعاد إلى مكة عبر واحات بيشة ورانية وتربة الواقعة على حدود نجد وفرض سيطرته عليها . وفي أواخر صيف 1910 جمع الشريف متطوعة من البدوودخل نجد . وفي الطريق تمكن بالصدفة حتى يأخذ سعد شقيق عبدالعزيز أسيرا . ولم يكن الحسين يتسقط حربا كبيرة ، ولم تكن قواته كافية . وصار المدعوخالد بن لؤي وسيطا بين أمير الرياض وشريف مكة ، وتعين عليه فيما بعد حتى يلعب دورا هاما في استيلاء النجديين على الحجاز . وبعد المفاوضات وعد عبدالعزيز بأن يدفع للسلطان العثماني ستة آلاف ريال سنويا ويؤكد سيادة الأتراك رسميا على نجد . وبعد ذلك أطلق سراح سعد وعاد الحسين إلى مكة .

وبعد عقد الصلح مع شريف مكة توجه عبدالعزيز إلى الحريق من حديث لإخماد الترمد الذي تزعمه هذه المرة أحد (العرايف) . وقد أعدم جميع أفراد آل هزان الذين شاركوا في العصيان . إلا حتى عبدالعزيز عفا عن مدبر التمرد وهوقريبه سعود بن عبدالله بن سعود . وظل هذا يخدمه بإخلاص مدى الحياة . وفر باقي (العرايف) إلى الحجاز حيث منحهم الشريف حق اللجوء .

في بداية عام 1911 طلب منه شيخ الكويت مبارك حتى يوجه ضربة إلى عدوهم المشهجر – قبيلة الظفير . ولكنه في الوقت ذاته أبلغ شيخ هذه القبيلة إبن سويط باقتراب قوات عبدالعزيز وحرم غزوته من عنصر المباغتة . إلا حتى شيخ الظفير هرب بعد حتى أبلغ إبن سعود بأن مبارك يلعب على الحبلين . كان حاكم الكويت يفرق بين قضيتين هما مساعدة آل سعود الضعفاء ضد إمارة جبل شمر القوية وبعث إمارة الرياض التي تحولت بسرعة إلى القوة الرئيسية في أواسط الجزيرة . ورغم التنافس الشديد ظل مبارك يخاطب إبن سعود كالسابق (يا ولدي) ، وكان عبدالعزيز يجيبه (يا والدي) .

وفي عام 1910 زار المعتمد السياسي البريطاني الكابتن شكسبير عبدالعزيز . وأفاد بأن أمير حائل والإمام يحيى وحاكم عسير تمحرروا من أجل تدبير تمرد على الأتراك . كان عبدالعزيز يريد طرد الأتراك من الإحساء وكان ينشد معونة الإنجليز في ذلك . وفي عام 1911 كانت الحكومة العثمانية لاتزال تسمى حاكم حائل (بأمير نجد) ، بينما كان الإنجليز يخاطبون عبدالعزيز في ممحرراتهم (بالشيخ عبدالعزيز بن الشيخ عبدالرحمن آل سعود) .

كان الإقليم الشرقي يجلب دوما انتباه حكام الرياض . ولم يكن الأمر يقتصر على اعتبارهم له ضيعة شرعية لهم . فإن واحات الإحساء الغنية والمداخيل الجمركية كان بوسعها حتى تعزز الحالة المالية للسعوديين . وكان أمير الرياض بحاجة إلى منفذ إلى البحر . وكان الوضع في الإحساء ملائما لخطط عبدالعزيز ، لأن السكان المحليين يكرهون الأتراك . إلا حتى ابن سعود كان يدرك من خبرة الحياة في الكويت حتى الإنجليز هم القوة الرئيسية في الخليج .

زار ابن سعود الكويت في عام 1911 وأجرى مباحثات ودية مع المعتمد البريطاني واتفق معه على التعاون . وتخلى حاكم الرياض عن جميع الانادىءات في مسقط وعمان ، وتقرر حتى يسيطر على الإحساء والقطيف وجزيرة دارين ومرفأ العقير وأن يحول الإنجليز دون تدخل أية دولة من جهة البحر . ولقاء ذلك كان يتعين على ابن سعود أ، يعترف بالحماية البريطانية على إمارته وأ، لايدخل في حرب بدون موافقة الحكومة البريطانية . ولم تسقط هذه الاتفاقية رسميا ، ولكنها كانت تستجيب لطابع المباحثات السابقة ولنهج بريطانيا في عدم إعاقة عبدالعزيز عن الاستيلاء على الإحساء ، وللأحكام العامة في معاهدة 1915 المرتبقة . كانت بريطانيا في تلك الفترة تعتبر إمارة الرياض محمية عملية أومحمية محتملة في إطار مجال نفوذها في حوض الخليج .

وفي عام 1911 بدأت في عسير انتفاضة ضد الأتراك تزعمها محمد بن علي الإدريسي . وأوفد إليه عبدالعزيز مساعدة عسكرية معينة . وأدت مشاعر أهل عسير الدينية القديمة وتعاطفهم مع الوهابيين إلى تقوية التحالف بينهما .

وفي مطلع عام 1912 حاول الباب العالي ، وهومنهمك بالحرب في أوروبا ، حتى يحصل على تأييد من أنطقيمه البعيدة في الجزيرة العربية أوالتأكد من وقوفها على الحياد . وبعث إلى عبدالعزيز وفدا أثار فيما أثار مسألة إرسال قوات نجدية لدعم الحامية الهجرية في الإحساء . وأدرك ابن سعود أ، الإحساء ستقع في القريب العاجل بيده كثمرة ناضجة .

وعندما منيت الحكومة العثمانية بهزيمة في البلقان حاولت بإصرار حتى تجعل من عبد العزيز حليفا لها في الجزيرة . ووصل وفد هجري إلى الرياض كي يستشيره ويستمع غلى آرائه وشكاواه . ورد عبالعزيز قائلا : (إنكم لم تحسنوا إلى العرب ، ولا عاملتموهم في الأقل بالعدل . وأ،ا افهم حتى استشاراتكم إياي هي وسيلة استطلاع ، لتفهموا ما انطوت عليه مقاصدي . وهاكم رأيي ، ولكم حتى تؤولوه كما تشاءون : إنكم المسئولون عما في العرب من شقاء . فقد اكتفيتم بأ، تحكموا وما تمكنتم حتى من ذلك . وقد فاتكم أ، الراعي مسئول عن رعيته . وفاتكم أ، صاحب السيادة لايستقيم أمره إلا بالعدل والإحسان . وفاتكم حتى العرب لاينامون على الضيم ولايبالون إذا خسروا جميع مالديهم وسلمت كرامتكم) . وفي الوقت ذاته اقترح عبدالعزيز عقد مؤتمر للزعماء العرب في مدينة محايدة لتتهيأ لهم إمكانية الإعراب عن آرائهم . واقترح بأن يعيد الأتراك النظر في مواقفهم من العرب لأجل إيجاد شكل أكثر ملائمة للحكم بمشاركة العرب . واقترح أمير الرياض بأن توجد في إطار الإمبراطولية العثمانية عدة دول عربية أودولة عربية موحدة بزعامة أحد الحكام أووحدات سياسية منفردة بزعامة حكام محليين يعملون بشكل ولاة عثمانيين يتمتعون بالحكم الذاتي . وكانت اقتراحات أمير الرياض متعارضة جدا مع مع سياسة زعماء هجريا الفتاة التي حال ضعفها العسكري والسياسي دون الرد بحملة حربية على مقترحات عبدالعزيز الجسورة وفي أواخر ربيع وأوائل صيف 1912 قام شريف مكة الحسين بحملة أخرى على نجد بعد أ، جمع المتطوعين من بدوعتيبة ، بينما هجم محمد شقيق إمام الرياض على بدوعتيبة الخاضعين للحسين . وتوترت العلاقات بين الحاكمين إلى أقصى حد . ومنع الشريف النجديين من أداء حج عام 1912 . وألب مخبروالحسين سكان القصيم على الرياض ، حتى حتى حاكم القصيم ابن جلوى أعدم عددا من أهاليه . وتلقى عبدالعزيز حقا ضربة شديدة ، إلا حتى كراهية النجديين اتجهت بالدرجة الأولى ضد شريف مكة . إلى غير ذلك نشأ أساس النزاع الذي سينتهي فيما بعد باستيلاء النجديين على الحجاز .

نشوء حركة الإخوان

لم يكن لدى عبدالعزيز سند متين وواسع بالقدر الكافي في أواسط الجزيرة رغم نجاحاته الأولى . فلم يكن يتمتع بدعم الدعوة الدينية السياسية التي رصت صفوف السكان وجعلتهم يلتفون حول آل سعود في عهد أجداده . كان آل سعود مرتبطين بفكرة دينية باركت النضال من أجل المركزية لصالح الأمير والوجهاء الحاكمين وباركت النضال من أجل المركزية لصالح الأمير والوجهاء الحاكمين وباركت الغزوات تحت راية (الإسلام الحقيقي) .

وفي تلك الأثناء ظهرت في نجد حركة الإخوان . ومن المستبعد أ،قد يكون عبدالعزيز من واضعي فكرة الإخوان أومن مؤسسي هذه الحركة . فإن المؤسسين الروحيين للحركة هم قاضي الرياض عبدالله بن محمد بن عبداللطيف من آل الشيخ وقاضي الإحساء الشيخ عيسى والمدعوعبدالكريم المغربي الذي وصل إلى الجزيرة العربية في أواخر القرن التاسع عشر واستقر في منطقة صارت فيما بعد هجرة الأرطاوية . وبالإضافة إلى الالتزام الصارم بالفرائض الأساسية الخمس في الإسلام كان الإخوان مطالبين بالإخلاص (لإخوانهم) في الدعوة وبالخضوع للإمام ومساعدة بعضهم البعض بكل الوسائل ، وعدم التعامل مع الأوربيين ومع سكان البلدان التي يديرها الأوربيون .

ولا أحد يعهد التاريخ الدقيق لنشوء بلدة الأرطارية الأولى ، إلا أنها ظهرت ، على مايبدو، في النصف الأول من عام 1913 . وفي الأول من آذار (مارس) 1929 خطت جريدة (أم القرى) لسان حال السعوديين التي تأسست بعد ضم الحجاز حتى كانون الثاني (يناير) 1913 هوتاريخ نشوء أول هجرة . نشأت أولى (هجر) الإخوان حول مجموعة الآبار في الوادي ذي المراعي الجيدة والأشجار الكثيرة . ويقع هذا الوادي على طريق القوافل من الكويت إلى القصيم في منطقة ديرة مطير التي هي من أقوى قبائل اواسط الجزيرة وأكثرها اعتزازا بنفسها .

وباع قسم من مطير طوعا بعض إبلهم ومعدات الخيام الضرورية لنمط الحياة البدوي . واستقروا في منطقة الرطاوية وأخذوا يبنون المنازل بعد أ، عزموا على ممارسة الزراعة وحدها ودراسة التوحيد . وانضم إلى مطير العريمات وهم فخذ من حرب قاموا بقسم كبير من البناء في الهجر لأنهم يمتلكون المهارات اللازمة في الصنائع والبناء والزراعة خلافا لسائر البدو. وتحول التعاضد القبلي التقليدي إلى تعاضد بين الإخوان . فإذا فقد أحد أملاكه بسبب غزوة أوبسبب هلاك الماشية فإن الإخوان يجمعون له التبرعات .

ونشأت هجر كثيرة على أثر الأرطاوية . فقد نشأت عتيبة هجرة في (الغطغط) وقد دمرت فيما بعد . وفي عام 1918 ظهر عدد كبير من هذه الهجر في كافة أراتى نجد . ولئن كان عدد هجر الإخوان في عام1920 52 هجرة في الجزيرة كلها ، فقد ازداد في عام 1923 إلى 72 ، وفي عام 1929 بلغ 120 هجرة تقريبا . وخطت (أم القرى) في عام 1929 حتى عنزة أسستسبعة هجر وشمر 16 حرب 22 ومطير 12 وعتيبة 15 وسبيع ثلاثة والسهول ثلاثة وقحطانثمانية والدواسر أربعة وبنوخالد 2 والعجمان 14 والعوازم 2 وبنوهاجر أربعة وآل مرة أربعة بني رشيد3 والظفير 1 . ولكنه حتى في أوج حركة الإخوان لم يستقر في الهجر إلا عشر أو، في أفضل الأحوال ، خمس البدوالرحل . وكانا لجفاف ومصاعبا لحياة البدوية ، أي الضرورة الاقتصادية ، من الدوالافع التي جعلت البدويستقرون ويتحولون إلى جاء . وكان نزوحهم إلى الشمال محدودا بسبب عدم رغبتهم في الاعتماد على أهواء الأتراك ومن بعدهم الإنجليز . وقد شجع إبن سعود عملية استقرار البدووساعد الإخوان بالنقود ولحبوب والأدوات الزراعية ومواد بناء المساجد والمدارس والهجر ، كما بعث المطاوعة لتعليمهم . وبالإضافة إلى ذلك زود المحاربين بالسلاح والذخيرة للدفاع عن الدين .

وكان أمراء حجر يستلمون من عبدالعزيز معونة نقدية ويتمتعون بحس ضيافته . وكانت أسماء الأمراء تسجل في سجلات خاصة ، وكان مقدار المعونة يحدد تبعا لخدماتهم وعدد أتباعهم ِ، وكان الإخوان المحاربون يتلقون مكافأة سنوية بعد حتى تسجل أسماؤهم في سجلات ديوان إبن سعود . إن الشرط الرسمي للانتماء إلى الهجرة هوالتخلي عن عادات والتزامات نمط الحياة العشائري . إلا حتى هذا الشرط لم يكن يطبق عمليا ، فصار الإسكان في الهجر يجري في الغالب على أساس قبلي . وصارت هجر الإخوان في الواقع مقرات لشيوخ أكبر القبائل . وأخفقت محاولة ابن سعود لحرمان القبائل من زعمائها التقليدين بواسطة فرق الإخوان. وقد استقر فيصل الدرويش زعيم مطير في الإرطاوية ، كما اتسقر زعيم عتيبة في الغطغط. وسكن زعيم حرب في دخنة وسكن ابن جبريل وابن ثنيان زعيما شمر في الاجفر وسكن الامير ابن براك الرشيدي في انبوان .

كان الحماس الديني لدى الاخان يتسهدف طاعة الله ويخدم من طبيعة الحال أولياءه في الأرض. وكان من المنتظر الثواب عل جهودهم الدينية والدنيوية ، كما في السابق عن طريق غنائم الحرب ولكن ليس بشكل غزوبعض القبائل لبعضها الآخر أوالنهب في الطرقات ، بل في الجهاد ضد المشركين. واقترنت الضرورة الاقتصادية والاجتماعية لاستقرار البدووالانتنطق الى الزراعة بالتفاني الديني والحاجات العسكرية ، الا حتى هذه المهمات يمكن ان تتعارض ، ولذا دمرت بعض القرى "الهجر". بديهي حتى من المستبعد تسقط تخلص البدوبسرعة من عاداتهم البدوية السابقة وتحولهم الى زراع جيدين. ففي غالب الأحيان لم يكن الحماس الديني يكفيهم من أجل التوحيد أكثر مما يرغبون في الزراعة.

وظلت باقية في قرى الهجر بعض الفوارق الطائفية بين القبائل الرفيعة التي تقدم المزارعين المقاتلين وبين القبائل الوضيعة التي كان يتعين عليها ممارسة الصنائع والبناء وتأمين مستلزمات القرى الجديدة. وبالعمل فان العريمات التي استقرت مع مطير في الارطاوية هي فخذ وضيع من قبيلة حرب التي تعتبر من أنبل القبائل في الجزيرة العربية.

وغالبا ما كان الصناع والباعة يعتبرون من الاشخاض الذين لا تضمهم الاعمال الحربية ، وكان يتعين عليهم حتى يصنعوا حدوات الجياد والسلاح والأدوات الزراعية ويصلحونها. وعندما تبدأ الحرب كانوا يبقون في القرى.

أما المطاوعة فكانوا يمثلون الفئة الأوطأ من فهماء الدين والفقهاء الذين يجرى إعدادهم في الرياض ومراكز أخرى. وكان هؤلاء المطاوعة في الواقع يؤدي في القرى دور نادىة ومخبري السلطة المركزية المتمثلة في فهماء الرياض والأمير شخصيا. وي أكبر الهجر كان عبد العزيز يعين قضاة من آل الشيخ عادة.

وكان سكان الهجر الملزمون بالخدمة العسكرية يقسمون إلى ثلاث فئات تضم الأولى الاشخاص الذين عم في حالة تأهب واستعداد دائم للقتال والذين يلبون نداء الجهاد حالا. وتضم الفئة الثانية الاحتياط ، أما الفئة الثالثة فتتكون من الذين يتظلون في القرى عندما تنشب الحرب. ولكن بقرار من الفهماء ان يجندوا في جيش الامير في الحالات الإستثنائية. وكان سكان الهجر يؤدون الخدمة العسكرية مع ابلهم وسلاحهم واغذيتهم. وكانت بعض الهجر فقط وهي الواقعة في اواسط نجد ، تستلم معونة من بيت المال للأغراض الحربية عندما تقدم عساكرها.

كان البدور الذين استطونوا الهجر يعتقدون بانهم انتقلوا من الجاهية واعتنقوا الاسلام الحقيقي. وكانوا ينهمكون في نشر معتقداتهم بحماس كبير ، حتى انهم كانوا يضربون البدووالحضر الذين لا ينضمون اليهم ويعتبرونهم من الكفرة. ونظر لأن البدوكانوا في السابق بالعمل لا يعهدون الاسلام الا القليل فان هذا الانتنطق ، وكذلك استبدال العهد القبلي بالشريعة ، قد استما بطابع مأساوي لدرجة ما ، فقد أشار موسيل ، مثلا الى اشتداد المشاعر الدينية بين الرولة الذين شارطوا في فرق الاخوان. وعلى أية حال فان الكثيرين من البدوصاروا يحفظون عن ظهر قلب سورة أوسورتين من القرآن.

من المعروف ان المتيدنيين الجدد اكثر حزما وتعصبا في أداء الفرائض الدينية من المتيدنين القدامى. ولذلك فان البدوالذين لم يعهدوا الاسلام سابقا أوالذين يعهدون عنه القليل جدا صاروا يؤدون فرائضه كالصلوات الخمس بحماس شديد واخذوا يضربون بالعصى من يتنصل عن أدائها. ولكي يميز الغخوان أنفسهم عن سائر المسلمين الذين اعتبرواهم مشركين صاروا يرتدون عمامة بيضاء بدلا من الكوفية العادية ، كما اخذوا يحلقون شواربهم ويقصرون لحاهم ن ويصبغونها بالحناء احياناز وقصروا دشداشتهم حتى صارت تغطي الركبتين بالكاد. ومنه الاخوان الموسيقى ايا كانت ، ما عدا طبول الحرب ن ولم يشربوا لقهوة لأنها لم تكن معروفة في زمن النبي ، وتحاشوا التدخين كما يتحاشون السم. وكان تعاطي الكحول محرما من طبيعة الحال ، وكذلك الحرير والنقوش المضىية على الألبسة الرجالية. وصبت اللعنات على القمار وقراء الفأل والألعاب السحرية. ونشير هنا إلأى الطابع التعادلي للكثير من محظورات الدين لدى الإخوان. وكان ذلك شكلاا لإحتجاج بسطاء أبناء الشعب على أبهة الطبقات الحاكمة (حسب مقاييس الجزيرة العربية).

وكان الاخحوان يطلقون نعت المشركين على جميع الذين لا يزيدونهم من أهالي المدن والواحات والبدو. وباسم تجديد الدين قامت فرق الإخوان بقساوات كثيرة مع حتى تعصبهم قوي القدرى الحربية لقوات بان سعود. ويعتقد ديكسون حتى نظام الفروسية البدري تضعضع في الفترة بين 1913 – 1930 بسبب حركة الإخوان.

واد مؤلفون كثيرون حتى ابن سعود نفسه لم يكن متعصبا ابدا.وقد انتفع من حركة الاخوان واستخدمها متجاوزا بمهارة مطالبها المتطرفة. وابان الحرب العالمية الأولى وافق ابن سعود على الحماية البريطانية واستلم معونات شهرية من الحكومة البريطانية وادعى بأن ذلك مجرد جزية كالتي كان المسيحيون يدفعونها للخلافاء الأوائل ولكنه حتى في الفترة الأولى من مراحل حركة الإخوان لم يكن ابن سعود يثق بهم حتى النهاية. وذلك بحكم منحدرهم البدوي وبحكم الافاراط في انتشار السمات التعادلية في حركة الاخوان من وجهة نظر الاقطاعي الكبير. وفي حاشية أمير الرياض كان قريبه ونصيره عبد الله بن جلوي من اشد معارضي الاخوان.

ضم الاحساء

عندما فهم عبد العزيز بعزيمة الأتراك في حرب البقلان اخد يستعد لحملة على الإحاء ، وفي ملطع عام 1913 وصل الى القصيم وأعرب التعبئة العامة.

في تلك الأثناء كان الاخوان من ضمن قواته ، ولكنهم لا يشكلون الأغلبية ، وبعد ان جمع جاء نجد والبدوالمنضمين إليه توجه إلى الاحساء . وقبل حتى يبدأ هذه الحملة تقابل مع الضابط الانجليزية ليتشمان ، لعله أبلغه بخطة الهجوم على الأتراك.

كان سكان الإحساء الذين أرهقم إبتزاز الأتراك وظلمهم ينظرون إلى النجديين كمنقذين لهم. ومنذ عام 1903 خط قنصل روسيا في البصرة ان المتصرف العثمناني في الاحساء كعل سكان هذا السنجق العرب في حالة ارهاق بالغ بسبب تعنته وطيشه. وخطت القنصلية الروسية في البصرة حتى سلطة الأتراك في الإحساء كانت وهمية . وقد انتهت تقريبا خارج حدود المدن.

وفي بداية مايوجمع بان سعود حواليثمانية آلاف من الأعراب المسلحين جيد واقتحم الإحساء بغتة قام بهجوم على الصفوف. ولم يجد صعوبة كبيرة في احتلال المدينة.

بدأ الهجومن على المدينة في الليل بواسطة جذوع النخيل والحبال والسلالم لمجهزة مسبقا. وسرعان ما سقطت المدينة وذلك حصن الكوت. ما عدا مسجد ابراهيم باشا في داخل الحصن ، والتجأ المتصرف قسم حاميته إلى المسجد ، وكان مجموع الأتراك في الهفوف أنذاك 1200 شخص.

وقرر المتصرف حتى يضع السلاح ، وتم اخلاء الحامية تحت حراسة مفرزة قادها أحمد بن ثنيان ، وهومن أقرباء عبد العزيز الأبعدين. ثم استولى النجديون على القطيف. وصار الاقليم الشرقي تحت سلطة ابن سعود ن وخطت القنصلية الروسية في البصرة "من المحتمل حتىقد يكون ذلك كله قد وقع ليس بدون فهم الإنجليز ، وربما ليس بدون نصائحهم ، فان دسائسهم بين الشيوخ العرب معروفة جيدا".

ولم يضيع حاكم الرياض الوقت فأخذ يروض الشيعة المعادين تقليديا للسعوديين. وعين عبد العزيز عبد الله بن جلوي حاكما للإحساء ، وأخذ هذا ينكل بنشاطء الشيعة دون رحمة وخصوصا في القطيف.

كانت عائدات الإقليم في عهد الإدارة العثمانية تعادل 37 ألف ليرة سنويا ، بينما بلغت نفقات الحاميات والادارة 52 ألفا. الا حتى عائدات الحاء ، كما يعتقد القنصل الروسي في البصرة ، يمكن زيادتها ، وهذا ما عزم عليه عبد العزيز. فقد طرد التجار الأجانب من الإحساء والقطيف وفرض ضريبة بنسبة 8% على جميع الواردات التي تصل الى الاقليم الشرقي من جهة البحر واجتث عبد اللن بن جلوي بيد من حديد النهب على طرق القوافل فاستطاع التجار ان يتجولوا في الاقليم بأمان نسبيا.

لقد انتزعت امارة الرياض من الإمبراطورية العثمانية اقليما عنيا نسبيلا من أنطقيم الجزيرةالعربية وحصلت على منفذ الىالخليج من الكويت حتى قطر. حتى أهمية الإحاء بالنسبة لإمارة الرياض تفوق التقدير. فالأراضي التي كان السعوديون يسيطرون عليها حتى ذلك الحين خالية من آية موارد طبيعية. ولم يكن محصول التمور في حدودها يكفي بالكاد لسد حاجة الحضر والبدو، ولم تكن الحبوب كافية ، وكانت الامارة بحاجة الى استيرادها ، وكان السكان الحضر يعتمدون كليا تقريبا على استيراد الأقمشة ، وكانت القوات بحاجة إلى مشتريات السلاح من الخارج ، وقد أمن الغستيلاء على اقليم الإحساء والحصول على منفذ الى الخليج قوة حيوية للدولة السعودية واستمرار تطورها.

ول تقف بريطانيا التي تؤمل في تحويل الدولة السعودية إلى محمية لها في آخر المطاف حجر عثرة أمام طرد الحامية الهجرية من الاحساء. وقد قام المندوب البريطاني في البحرين بزيارة مجاملة لعبد العزيز في مرفا العقير بعد سقوط الاحساء. وفي أواخر عام 1913 زار الرياض المعتمد البريطاني في الكويت الكابت شكسبير الذي كان قد تقابل من بان سعود سابقا. وقد ناقش مع أمير الرياض هذه المرة الوضع العام لأنه لم يكن يتمتع بصلاحيات أخرى.

بيد حتى بريكانيا كانت تلعب على الحبلين ، ففي خزيران (يونيو) 1913 سقطت بين السفير العثماني ابراهيم حقي باشا ووزير الخارجية البريطاني ادوارد جراي اتفاقية رسم الحديوبين ممتلكات الإمبراطورية العثمانية والمحميات البريطانية على الساحل العربي من الخليج – الكويت والبحرين وامارات ساحل الصلح البحري . وكانت جميع هذه الأراضي مرتبطة على نحوما بالاحساء التي لم يرد لها ذكر في الاتفاقية. وهذا يفترض رسميا أنها كانت جزء من الامبراطورية العثمانية.

وفي مارس 1914 وافقت بريطانيا والامبراطورية العثمانية على اقتسام شبه الجزيرة العربية . ونصت شروط المعاهدة على ان تمتد الحدود بين ممتلكات كلتا لادولتين بشكل خط مستقيم من شبه جزيرة قطر عبر بوادي أواسط الجزيرة العربية حتى الحدود بين ممحيمة عدن وايمن. وكان جميع ما يقع شمالي هذا الخط ملكات للعثمانيين ، بما في ذلك نجد فضلا عن الاحساء ، وكل ما يقع كنوبيه يعتبر من الأراضي البريطانية. وبالمناسبة فقد فقدت هذه المعاهدة قيمتها باندلاع الحرب العالمية الأولى.

وبعد سقوط الاحساء جرت مباحثات بين عبد العزيز وممثلي السلطات العثمانية. ولم تكن لدى الباب العالي القوى والنقود اللازمة لاستعادة الاقليم المفقود. وكل جميع ما يريده التاراك هوالحفاظ على ماء الوجه. وخطت القنصلية الروسية في البصرة في 27 آيار (مايو) 1914 "أن ارسال فيلق عمليات الى الاحساء في الوقت الحاضر غير ممكن بالنسبة للاتراك ن فليس لديهم العدد الكافي من الجنود لا في بغداد ولا في البصرة. زد على ذلك ان الجوكمة البريطانية التي تتابع ببالغ الاهتمام جميع ما يجري في الاحساء ستحاول إعاقة الأتراك في ترسيخ أقدامهم من حديث على سواحل الخليج".

وقد وافق أمير الرياض شفويا ن كما يقول قيبلي ، على الاعتراف بسيادة السلطان العثماني على أراضيه لقاء الأسلحة والنقود الهجرية.

ويؤكد الباحث الأمريكي ترولير يصورة قاطعة أنه تم توقيع معاهدة عثمانية سعودية رمسية في 15 أيار (مايو) 1914 نصت ، فيما نصت على "أن ولاية نجد يجب حتى تظل تحت حكم عبد العزيز باشا آل سعود طوال حياته بموجب فرمان سلطاني ، وبعد وفاته بنتقل الحكم الى أبنائه وأحفاده بشرط حتى يبقى الأمير مواليا للحكومة العثمانية ولأجداده". ونصت المادةسبعة على حتى يحمل الفهم الهجري فوق جميع دوائر الدولة وكلك فوق السفن العائدة لولاية نجد. واتى في المادةتسعة حتى الوالي المذكور لا يحق له التدخل في الشئون الخارجية ولا عقد المعاهدات الدولية ولا منح الامتيازات للأجانب". ونصت المادة 12 على ان حاكم نجد يجب ان يحارب الى جانب الإمبراطورية العثمانية. وثعتد فيبلي ان عبد العزيز صار مع اندلاع الحب العالمية الأولى ، في حل من التعقد الشفوي للأتراك . وعلى أية حالة فان سلوك أمير نجد منذ بداية العمليات الحربية كشف عن عدم تقديه لتعهداته أمام السلطان العثماني وعن قلة المرتكزات التي كان بوسع الأتراك استخدماها لحمله على العمل في صالحهم. واكدت مذكرة حكومة العربية السعودية أنه لا توجد في الارضيفات السعودية اية وثيقة تشير الى توقيع الاتفاقية السعودية الهجرية. ان عدم وجود مثل هذه الوثيقة في الارشيفات السعودية ، ان لم تكن موجودة عملا . لا يشير على شئ. فبدلا من الاتفاقية التحريرية يمكن ان يودد اتفاق شفوي ينفذه الطرفان اذا كان في صالحهما. وعلى أية حالة فقد قدم ترولير النص الكامل للمعاهدة الهجرية النجدية مع ان توقيع عبد العزيز غير موجود عليه بالعمل. وكان المسؤولين في الأستانة يدركون بأنهم فقدوا السيطرة العملية على نجد والإحساء رغم المعاهدة مع بريطانيا بشأن اقتسام الجزيرة العربية ورغم تعهدان ابن سعود الشفوية بولائه للسلطان. ولذلك أخذت السلطات العثمانية تعمل على تقوية جبل شمر ، حيث وعدوها ، مثلا بتقديمعشرة آلاف بندثية وأغذية ونقود ، وافقتنع عبد العزيز مرة أخرى بأن الأستانة تعول على حائل وان الخطر الهجري المحتمل على امارة الرياض لا يزال قائما.


نجد والحجاز إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918)

قبيل الحرب العالمية الأولى ازداد نفوذ ألمانيا في الإمبراطورية العثمانية لدرجة كبيرة . فبعد تردد قصير علق ثلاثي هجريا الفتاة الآمال على برلين ودخل الحرب ضد بلدان الوفاق . وبنتيجة مغامرة القيادة الهجرية بلغت الأزمة السياسية داخل الإمبراطورية العثمانية نقطة حرجة فطرح سكان أغلب الأنطقيم غير الهجرية ، وبالدرجة الأولى البلدان العربية ، مطلب تقرير المصير . إلا حتى دول الوفاق كانت تعتبر الإمبراطورية المحتضرة كلها غنيمة استعمارية لها ، وتعتبر القوميين العرب حلفاء مؤقتين خاضعين . استمرت المعارك الدموية في الشرق الأدنى زهاء أربعة أعوام . وأنجزت إليها بدرجات مختلفة جميع بلدان شبه الجزيرة العربية تقريبا ، مع حتى الجزيرة كانت مسرحا لعمليات حربية من الدرجة الثالثة بمقاييس الحرب العالمية .

منذ بداية العمليات الحربية ضد الإمبراطورية العثمانية كانت المهمتان الفوريتان لبريطانيا هما فرض السيطرة على مصر وقناة السويس والبحر الأحمر ، وكذلك الاستيلاء على رأس جسر في شط العرب – مصب دجلة والفرات لتأمين حماية حقول البترول في إيران من الهجوم الهجري الألماني المحتمل ، وقد أمن حل المهمة الأولى وجود القوات البريطانية في مصر وسيطرتها على مشارف القناة من جهة سنياء ، أما حل المهمة الثانية فأمنه إنزال فيلق الحملات في وادي الرافدين . وفي عدن جرى تعزيز الحامية وإرسال إمدادات من القوات الإنكلوهندية بغية احتفاظ بريطانيا بالمرفأ الاستراتيجي الهام ، مع عدم التورط في عمليات حربية نشيطة ضد القوات العثمانية التي اقتحمت اليمن الجنوبي .

ومن بين جميع حكام شبه الجزيرة العربية حظي شريف مكة الحسين بأكبر الاهتمام لدى الحلفاء الذين علقوا عليه آمالا تحققت فيما بعد بقدر ما . فقد كان الحسين بوصفه من العائلة الهاشمية المتحدرة من قريش من أكبر المتنفذين في العالم الإسلامي . وكان يعتبر من أحفاد النبي وسادن الحرمين الذي عين في هذا المنصب بفرمان من السلطان العثماني . كان الإنجليز يخشون من حتى دعوة السلطان العثماني للجهاد ضد المسيحيين ، وبالتالي ضد الإنجليز والفرنسيين يمكن حتى تؤثر على مصر والهند وشمال أفريقيا والمستعمرات الأخرى التي يقطنها المسلمون . وكان الحلفاء يعتقدون بأن تأييد الحسين لدعوة الجهاد من شأنه حتى يقوي تأثيرها . سليم حتى دعوة السلطان كان لها صدى محمود ، واتضح حتى المخاوف بشأن تأثيرها كان مبالغا فيها .

وخلال العامين الأولين من العمليات الحربية في وادي الرافدين منيت القوات الإنكلوهندية بعدة هزائم على يد القوات الهجرية التي كان فيها عدد غير قليل من العرب . وفي هليبولي حيث اندحرت قوات الحلفاء أيضا كان في الفرق الهجرية عرب من رعايا الإمبراطورية العثمانية . ولذلك كان تشجيع الحركة القومية العربية ذات الصبغة الدينية يستجيب في تلك الأثناء للمصالح البريطانية والفرنسية .

إمارة نجد والحرب العالمية الأولى - المعاهدة الإنكلونجدية

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى بعث أمير الرياض عبدالعزيز رسائل إلى الشريف حسين وسعود بن صالح في حائل والشيخ مبارك الصباح في الكويت واقترح عليهم عقد لقاء للحكام العرب للحيلولة دون جر العرب إلى العمليات الحربية وتوقيع معاهدة مع الدول الكبرى لضمان تقرير المصير للدول العربية . ولم تكن مصالح مختلف الأمراء العرب متوافقة آنذاك ، ولذا تعذر وضح منهاج مشهجر . فقد رد حاكم الحائل بأنه سيقاتل ضد الذين يقاتلون الأتراك وسيتصالح مع الذين يتصالحون معهم .

ووصل إلى نجد من بلاد الرافدين مبعوث السلطات العثمانية طالب النقيب الذي تقابل مع عبدالعزيز في بريدة ، ولكن مهمته أخفقت لأن القوات البريطانية احتلت البصرة آنذاك . وتوجه من المدينة المنورة في الوقت ذاته وفد هجري آخر ومعه مرشد من الوزن الثقيل على رغبة السلطات العثمانية في استمالة عبدالعزيز إلى جانبها . فقد حمل الوفدعشرة آلاف ليرة مضىا . وحاول أحد أعضاء هذا الوفد ، وهومؤرخ الحجاز والجزيرة العربية محمود شكري الألوسي ، إقناع عبدالعزيز بتأييد الأتراك . وتملص عبدالعزيز عن تقديم أية وعود قائلا بأنه عاجز عن مقاومة الإنجليز ، ولكنه وعد بعدم إعاقة تجار نجد عن تزويد الجيش الهجري بالأغذية . وطوال الحرب كلها كانت القوافل الهجرية المحملة بالسلاح والذخيرة تجتاز أراضيه من الشام إلى عسير واليمن . إلا حتى الإنجليز رغم اعتمادهم على الحسين ماكان بوسعهم حتى يتجاهلوا أمير نجد . ففي تلك الفترة كانت ممتلكات عبدالعزيز تنبسط من الكويت وجبل شمر حتى حدود صحراء الربع الخالي ومن الخليج حتى الحجاز . وكانوا يريدون من عبدالعزيز شيئا واحدا هوحتى يشل صنيعة الأتراك أمير حائل الذي يهدد جناح الجيش البريطاني في جنوب وادي الرافدين .

وعندما بدأت العمليات الحربية في الشرق الأدنى استدعى المعتمد البريطاني في حوض الخليج كوكس مخبره الموهوب الكابتن شكسبير من إجازت وأوفده إلى نجد . وحالما وصل شكسبير إلى الرياض أصر على حتى يبدأ الأمير النجدي العمليات الحربية ضد الشمريين . وفي بداية كانون الثاني (يناير) 1915 توجه عبدالعزيز نحوالشمال على رأس قوات بألف وخمسمائة إنسان أغلبهم من سكان واحات العارض . وفيما بعد انضم إليه محاربون من مطير والعجمان وسبيع والسهول . وتوجه للقائه سعود بن صالح حاكم حائل وكان معه هوالآخر ألف وخمسمائة إنسان تقريبا . (حتى ذلك الحين اغتال زامل السبهان) . ويصعب اعتبار هذه الأرقام سليمة ، ولكنها تبين على وجه التقريب نطاق العمليات .

وكانت عند عبدالعزيز عدة مدافع يقود بطاريتها الكابتن شكسبير ، مع حتى روايات أخرى تقول حتى شكسبير كان مجرد مراقب . ويبدوحتى إبن سعود ما كان يريد لإنجليزي أصلا ، ناهيك عن أنه إنجليزي رفض ارتداء الزي العربي ، حتى يتواجد ضمن قواته في وقت انتشر فيه أكثر فأكثر تعصب الإخوان . وحاول الأمير إقناع المبعوث البريطاني حتى يبقى في الزلفى ، ولكن هذا الأخير أصر على المشاركة في الحملة ، وربما كان يعتقد بأن القضية تمس شرفه ، أومن الممكن كان ذلك لأجل التأكد من نوايا عبدالعزيز والحيلولة دون تنصله عن القتال . وفي أواخر كانون الثاني (يناير) 1915 تصادمت قوات الطرفين قرب بئر جراب شمالي الزلفى . وبدأت معركة استمرت عدة أيام . وتفيد بعض المعطيات حتى الشخص الوحيد الذي اغتال هوالكابتن شكسبير ، وتفيد معطيات أخرى حتى الطرفين فقدا مائة إنسان لكل منهما . وكان محاربوعبدالعزيز المتأثرون بميول الإخوان تأثرا شديدا يطلقون صيحاتهم الحربية . أما الشمريون الذين يشكلون أساس قوات حاكم حائل فقد كانوا يقاتلون وسط صيحات قبيلتهم الحربية التي تطلقها فتيات حسناوات جالسات على الإبل بشعور مسترسلة . وهذه الوقائع ذات دلالة ليس فقط لأنها تشكل مشهدا صغيرا من حرب نشبت في أوروبا واستخدمت فيها لمدفعية والغازات السامة والطائرات ثم الدبابات . فبالنسبة للجزيرة العربية تجدر الإشارة إلى حتى واقع انتقاء صيحات الحربي يبين اختلاف قاعدتي الأميرين : القاعدة القبلية لجبل شمر والقاعدة العربية العامة المستندة إلى التوحيد الوهابي عند الإخوان لإمارة نجد . كان الشمريون يستنهضون بعضهم البعض بصيحات جد قبيلتهم ، أما المحاربون السعوديون فكانوا يستعينون بالجنة الموعودة في حالة الممات . وانتهت المعركة بتعادل الطرفين . إلا أنها جعلت أمير الرياض طوال عامين أوث لاثة يرفض الدخول في حرب كبيرة .

تمكن شكسبير من إجراء مباحثات سياسية مع عبدالعزيز . فوضعا مسودة معاهدة التزم الإنجليز بموجبها بضمان مواقع أمير الرياض في نجد والإحساء وحمايته من الهجمات العثمانية المحتملة من جهة البحر والبر إذا التزم بمساعدة الحلفاء . وتخلى الإنجليز عن سياستهم القديمة لعدم التدخل في الشئون الداخلية لشبه الجزيرة العربية . وألزمت المعاهدة إبن سعود بعدم إقامة علاقات مع البلدان الأخرى بدون مشاورة تمهيدية مع السلطات البريطانية . وتبين الدراسة التي أجراها ترولير لوثائق الأرشيفات الإنجليزي حتى عبدالعزيز كان يدرك بدقة مضامين السياسة البريطانية في الجزيرة العربية . فبعد مقارنة النص الأولى للمعاهدة الذي اقترحه الإنجليز مع التعديلات تأكد ترولير من حتى جميع اعتراضات أمير نجد تهدف إلى تقوية استقلاليته وتقليل تحكم بريطانيا بسياسته . وعندما كان إبن سعود يتباحث مع شكسبير وصل إلى نجد مبعوثون أتراك كانوا لايزالون يؤملون في اجتذاب الإمام للمشاركة في الجهاد ضد الكفرة .

وفي 26 كانون الأول (ديسمبر) 1915 سقط بيرسي كوكس مع عبدالعزيز المعاهدة في حزيران دارين اللقاءة للقطيف . ولذا سميت المعاهدة بمعاهدة دارين أومعاهدة القطيف . وصادق على المعاهدة نائب ملك بريطانيا وحاكم الهند في تموز (يوليو) 1916 . وقبيل توقيع المعاهدة بين بيرسي كوكس وعبدالعزيز قدم الإنجليز ، كما يقول فيلبي ، هدية إلى أمير الرياض هي ألف بندقية و20 ألف جنيه إسترليني وسمحوا له بشراء ذخيرة حربية في البحرين .

واعترفت الحكومة البريطانية بأن سيادة عبدالعزيز تضم (نجد والإحساء والقطيف وجبيل وجميع المدن والمرافئ التابعة لهذه المقاطعات) والتزمت (بحماية مصالحه ومصالح بلاده) بعد مشاورات مناسبة . ونصت المادة الثالثة من المعاهدة على مايلي : (يتعهد إبن سعود حتى يمتنع عن جميع مخابرة أواتفاق أومعاهدة مع أية حكومة أودولة أجنبية) . وأكدت المادة الرابعة حتى أمير نجد لايمكن حتى يتنازل عن الأراضي أوجزء منها ولا حتى يؤجرها أويرهنها أويتصرف بها بأي شكل ولا حتى يقدمها على سبيل الامتياز إلى أية دولة خارجية أخرى أوإلى أحد من رعايا دولة خارجية بدون موافقة الحكومة البريطانية . وتقول المادة السادسة : (يتهد إبن سعود كما تعهد والده من قبل بأن يمتنع عن جميع تجاوز وتدخل في أرض الكويت والبحرين وأراضي مشايخ قطر وعمان وسواحلها وكل المشايخ الموجودين تحت حماية إنجلترا والذين لهم معاهدات معها) . ولم يرد في المعاهدة شيء عن الحدود الغربية لنجد . إلى غير ذلك فرضت هذه المعاهدة في الواقع الحماية البريطانية على نجد وتوابعها . وصارت ههذ المعاهدة جزءا من شبكة النفوذ البريطاني التي أرادت لندن فرضه على القسم الأكبر من الشرق الأدنى ، وعلى أية حال ، على الجزيرة العربية كلها بعد الحرب العالمية الأولى . وفيما بعد ، اعتبارا من عام 1916 استلمت نجد لقاء توقيع المعاهدة ، معونة شهرية بمبلغخمسة آلاف جنيه استرليني ، مع إرساليات معينة من الرشاشات والبنادق .


انتفاضة العجمان

كان العجمان طوال خمسين عاما تقريبا من أصعب القبائل على السعوديين ، وقد خضعوا للحكومة المركزية على مضض . وعلى أثر معركة جراب نهب العجمان بعض القبائل التي كانت خاضعة لحاكم الكويت . وقد بعثت حاكم الكويت رسالة إلى عبدالعزيز يطلب فيها منه معاقبة العجمان . وكانت تلك هي الحجة المنشودة . إلا حتى أمير الرياض ما كان يثق بحاكم الكويت وكان يخشى حتى يغير الكويت موقفها أثناء حملته على العجمان وتغدوملجأ لهم .

وفي صيف 1915 توجه عبدالعزيز ، قبل حتى يسقط الاتفاقية مع الإنجليز ، إلى الإحساء على رأس فصيل من 300 إنسان . وانضم إليه متطوعون محليون . ولحق بالعجمان في آيار – حزيران (مايو– يونيو) 1915 عند جبل كنزان ، إلا حتى العجمان كانوا مستعدين للمعركة فقابلوه بمقاومة شديدة . وفقد النجديون حوالي 300 إنسان بمن فيهم سعد شقيق الأمير عبدالعزيز ، ثم حتى الانسحاب إلى واحات الإحساء . وكان الوضع خطيرا لدرجة جعلته يلتجئ إلى حسن الكوت في الهفوف . وأخذ العجمان ينهبون الواحات المجاورة وظلوا يحاصرون عبدالعزيز حوالي ستة شهور ، حتى أيلول – تشرين الأول (سبتمبر – أكتوبر) 1915 . ساعدهم بعض الأمراء المحليين و(العرايف) .

ولم يسفر عن نتيجة عاجلة طلب المساعدة من شيخ الكويت . وبعد تكرار الطلب بعث مبارك إبنه سالم مع مائتين من المحاربين لنجدة عبدالعزيز . وفي بداية العام التالي صار عبدالعزيز قادرا على مغادرة الهفوف والبدء بالهجوم على العجمان . وسرعان مااختلف عبدالعزيز مع سالم بن مبارك فعاد هذا الأخير إلى الكويت . ووصل العجمان إلى الكيوت يلاحقهم إبن سعود الذي صدقت شكوكه ، فقد التجأت هذه القبيلة إلى مبارك الذي آواها . وفي بداية كانون الثاني (يناير) 1916 توفي مبارك وصار شيخا للكويت إبنه جابر الذي كانت له علاقات طيبة مع عبالعزيز منذ عهد الغزوات المشهجرة . وطرد الشيخ الجديد العجمان من أراضي إمارته . فتحسنت العلاقات بين نجد والكويت لفترة ما . ولكن جابر توفي في عام 1917 فصار أخوه سالم شيخا للكويت ، وهوضد إبن سعود . في عام 1916 وصل سعود بن صالح من حائل على رأس قوات إلى القصيم وحاول الاستيلاء على بريدة ليستعيد سيطرته على الإقليم ، ولكنه منى بالهزيمة . فإن إمارة جبل شمر كانت تتدهور رغم دعم العثمانيين .

انتفاضة الحجازيين ضد الأتراك

تناولت المطبوعات السوفيتية والغربية والعربية بشكل جيد موضوع الانتفاضة العربية بقيادة الشريف حسين ضد الإمبراطورية العثمانية والملابسات المرتبطة بتقسيم الإمبراطورية العثمانية وحنث الإنجليز بالوعود والالتزامات التي أخذوها على عاتقهم . ولذا نكتفي هنا بسرد الأحداث بالخطوط العريضة مركزين على نجد التي نشأت فيها نواة المملكة العربية السعودية .

إن الاهتمام بالانتفاضة العربية ضد الأتراك في المطبوعات الغربية التاريخية والأدبية كبير إلى حد الإفراط ، وذلك بالارتباط بشخصية الكولونيل لورنس الذي وصل من القاهرة بمثابة ضابط ارتباط إلى شريف مكة في تشرين الأول (أكتوبر) 1916 . وبعد انتزاع مدن صغيرة من الأتراك على ساحل البحر الأحمر توجهت فصائل البدوإلى شمال الحجاز لتستولي على ميناء العقبة . وفي معركة هامة على مشارف العقبة حيث حسم الأمر زعيم بدوي شجاع ماهر كان لورنس في حالة جنونية يطلق النار بصورة عشوائية فقتل ناقته بإطلاقة في رأسها وسقط مغشيا عليه . ودحر البدوالفصيل الهجري الصغير الذي سد عليهم الطريق إلى العقبة واستولوا على المدينة . ثم اقتصرت عمليات الجيوش العربية على محاربة الأتراك شرقي نهر الأردن وعلى عمليات التفجير على السكة الحديدية والتي شارك فيها لورنس بنشاط . بديهي حتى انتفاضة العرب كساعدت على فوز الحلفاء وحقنت دماء الجنود البريطانيين . إلا حتى العرب ضحوا بحياتهم في الواقع لكي يقتسم المستعمرون فيما بعد البلدان العربية . وكان لورنس يعهد هذه الحقيقة ومع ذلك دفع عرب الجزيرة إلى الموت . وخط لورنس يقول : (بما أني لم أكن أحمق نهائيا فقد رأيت أنه إذا انتصرنا نحن في الحرب فإن وعودنا للعرب ستكون حبرا على ورق . ولوكنت مستشارا نزيها لبعثت رجالي إلى ديارهم ولما سمحت لهم بالمجازفة بحياتهم من أجل هذه القضية . إلا حتى الحماسة العربية كانت أداتنا الرئيسية لنكسب الحرب في الشرق . ولذلك أكدت لهم حتى إنجلترا ستبقى على العهد نصا وروحا ... ولكنني ، من طبيعة الحال ، كنت على الدوام أشعر بالمرارة والخجل) .

وتجدر الإشارة مرة أخرى إلى حتى اهتمام الحلفاء بشريف مكة في الحرب العالمية الأولى كان أكثر بكثير من اهتمامهم بأمير نجد . وفي المنطقة بين معان واليمن كان هناك حوالي أربع فرق هجريبة تقيد الانتفاضة العربية . كانت سياسة الشريف حسين مرتبطة بنهوض حركة التحرر الوطني في المناطقا لعربية من الإمبراطورية العثمانية . وفي مطلع القرن العشرين ظهرت في الإمبراطورية العثمانية مختلف الجمعيات والمنظمات للدفاع عن حقوق العرب . وكان الكثيرون من القوميين العرب في بداية القرن العشرين يتصورون بسذاجة حتى بريطانيا وفرنسا يمكن حتى تساعدا بنزاهة العرب في التحرر من نير الأتراك . وقد خابت آمالهم بمرارة ، كما حتى البعض منهم دفعوا حياتهم ثمنا لقصر نظرهم .

وقد تسلح أنصار هجريا الفتاة بالفكرة الهجرية القومية الشوفينية وأخذوا يتهمون العرب بالعمل لصالح الأجنبي . وفي حزيران (يونيو) 1913 عقد المؤتمر العربي في باريس حين نوقشت حقوق العرب في الإمبراطورية العثمانية . وأصر المشاركون فيه ، وأغلبهم من السوريين ، على ضرورة الإصلاحات بموجب المبادئ اللامركزية . وكان أنصار هجريا الفتاة قلقين من حركة التحرر الوطني العربية فلجأوا إلى التنكيل . ومع حتى الحكومة العثمانية أصدرت في آب (أغسطس) 1913 مرسوما نص ، فيما نص ، على توسيع حقوق هيئات السلطة المحلية والتدريس باللغة العربية في الولايات التي يشكل العرب أغلبية سكانها ، فإن جميع هذه الإصلاحات ظلت حبرا على ورق .

وعندما أعربت الحكومة العثمانية الجهاد في بداية الحرب حاولت حتى تشكر شريف مكة به . وتواردت عليه الرسائل طالبة منه أني علن تأييده للجهاد . وكان الحسين يتملص من الجواب متحججا بضعف مواقعه أمام ضربات الإنجليز وبخطر المجاعة في حالة محاصرة سواحل الحجاز . وفي البرقيات التي أوفدت إلى وزيرا لحربية الهجري أنور باشا الذي كان في الواقع بمثابة رئيس الحكومة طالب حاكم مكة بالاعتراف باستقلال الحجاز والعفوعن القوميين العرب المسجونين . وما كان بوسع الحكومة الهجرية حتى تلبي هذه المطالب . وقبل بداية الحرب أقام حاكم مكة علاقات مع الإنجليز عن طريق القاهرة . وكان عبدالله إبن الشريف حسين ، وهوعضوفي المجلس العثماني ، قد تقابل مرتين مع المندوب السامي البريطاني في مصر اللورد كيتشنير (في 1913 وفي بداية 1914) .

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عين اللورد كيتشنير وزيرا للحربية ، وشغل هنري مكماهون منصبه في مصر . وفي كانون الثاني (يناير) 1915 بدأ ستورس سكرتير الشئون الشرقية لدى المندوب السامي البريطاني في مصر وكلايتون مدير المخابرات العسكرية البريطانية في القاهرة بوضع خطة انتفاضة العرب إلى جانب دول الوفاق . وفي منتصف تشرين الأول (أكتوبر) وصل رسول من ستورس إلى مكة للاتصال بعبدالله . وبدأت مراسلات بين الشريف حسين والمندوب السامي البريطاني في مصر . وفي تلك الأثناء كان القوميون العرب ، وخصوصا من جمعيتي (الفتاة) و(العهد) يستعدون للانتفاضة في منطقتي سورية والعراق اللتين اجتاحتهما القلاقل المناوئة للأتراك . وطرحوا شرطا للتعاون مع الإنجليز هواعتراف بريطانيا باستقلال البلدان العربية التي يجب حتى تمتد حدودها عبر مرسين واطنة وأورفا وماردين في الشمال ، ولا يستثنى من (البلدان العربية) إلا عدن في الجنوب . ونص برنامجهم على توقيع اتفاقية دفاعية بين بريطانيا والدولة العربية المستقلة المرتقبة وتقديم امتيازات اقتصادية لبريطانيا . واعترفوا بشريف مكة زعيما للقوميين العرب .

وفي عام 1915 و1916 كشفت السلطات العثمانية في سورية تنظيمات عربية سرية وقبضت على زعمائها وأعدمتهم على مرأى من فيصل الذي كان عام 1916 في دمشق بمثابة أسير عند الأتراك في الواقع . ويبدوحتى الأتراك عهدوا بصلتها مع فيصل ، ولكنهم فضلوا عدم المساس به آنذاك . وفي عام 1916 جرى تدمير منظمات القوميين العرب في العراق . وأخذ أنصار هجريا الفتاة ينقلون إلى الجبهة الأوروبية قواتهم التي فيها كثير من العرب ، وصاروا يرسلون إلى البلدان العربية وحدات هجرية خالصة .

واستأنف الشريف حسين المباحثات مع الإنجليز في عام 1915 . وفي تلك الأثناء كانت الحرب بالنسبة لبريطانيا وحلفائها في الشرق الأدنى تجري بصورة غير موفقة . فقد أخفقت العمليات الهجومية في هليبولي وسيناء . وكان الأتراك يهددون عدد من اليمن . وكانت حالة فيلق العمليات في العراق صعبة .وعلق الحلفاء أهمية أكبر على انتفاضة العرب التي كان يتعين عليها حتى تساعد جهود الحلفاء الحربية في الشرق الأدنى . وجرى تبادل الرسائل بين الحسين ومكماهون ، مما أسفر عن مجادلات شديدة . ففي الرسالة المؤرخة في 14 تموز (يوليو) 1915 طالب حاكم مكة بأن تعترف بريطانيا باستقلال البلدان العربية وتوافق على إعلان الخلافة العربية . وأشار إلى حتى الحكومة العربية تلتزم بأن تقدم لبريطانيا امتيازات اقتصادية . ووردت في الرسالة شروط التحالف العسكري وإلغاء نظام الاستسلام ومسائل أخرى . وتتضح من نص الرسالة رغبة الحسين في حتى يتزعم بمساعدة الإنجليز الدولة العربية المستقلة التي من شأنها حتى تضم جميع المحميات العربية (وقسما من الممتلكات الكردية والهجرية الصرف للإمبراطورية العثمانية) وكذلك محميات بريطانيا في الجزيرة العربية ماعدا مستعمرة عدن .

وخط مكماهون في رسالته بتاريخ 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1915 (لايمكن القول حتى مناطق ميرسين والاسكندرية وقسم من سورية الواقع غربي مناطق دمشق وحمص وحماة وحلق هي مناطق عربية صرف ولذا يجب حتى تستثنى من التحديد المقترح وبشرط هذا التعديل وبدون إلحاق ضرر بالمعاهدات المعقودة بيننا وبين بعض الزعماء العرب نقبل هذا التحديد . أما بخصوص المناطق الواقعة داخل الحدود المقترحة والتي تستطيع بريطانيا حتى تعمل فيها بحرية بدون إلحاق ضرر بحلفائها فرنسا فأنا مخول بإعطائكم الإلتزامات التالية باسم الحكومة البريطانية ....1) حتى بريطانيا مستعدة ، بشرط إجراء التعديلات المذكورة أعلاه ، للاعتراف باستقلال العرب وحمايته في جميع المناطق الواقعة داخل الحدود المقترحة من قبل شريف مكة . 2) تضمن بريطانيا حماية العتبات المقدسة من أي عدوان خارجي . 3) يفترض حتى العرب قرروا طلب النصح والمساعدة من بريطانيا وحدها وأن المستشارين والموظفين الأوروبيين الذين سيحتاجهم إيجاد نظام صائب للإدارة سيكونون من البريطانيين . 4) فيما يخص ولايتي بغداد والبصرة فإن العرب يعترفون بأن المصالح والمواقع البريطانية فيما تتطلب إجراءات إدارية خاصة لحماية هاتين المنطقتين من العدوان الأجنبي) .

إن إلتزامات بريطانيا للشريف حسين تحتمل معنيين وقد قيدت مطالب حاكم مكة الذي قضي عشرات السنين في جوالاستانة المشحون بالنشاط السياسي ، جعلته يدرك تماما الحدود الحقيقية والمكنون العملي للوعود البريطانية . ولكن حتى أكثر التفسيرات تقييدا للرسالة البريطانية بدت له كافية لضمان مكانته المرتقبة كملك للعرب وكافية لإعلان الانتفاضة على الأتراك . فقد فسر الالتزامات البريطانية في بياناته العامة وفي مراسلاته مع الإنجليز وفي ميدان النادىية تفسيرا موسعا واعتبرها حاوية على الاعتراف باستقلال العرب برئاسته شخصيا كملك لهم ، وربما كان يؤمل في انتزاع أمور من الإنجليز بالقوة أكثر مما وعدوا به . ولكن حتى التفسير الحذر لرسالة مكماهون لم يمكن الشريف وحاشيته من التصور بأن جميع وعود لندن كانت خداعا وتضليلا ، وأن المفاوضات جارية بشأن التقسيم الاستعماري للبلدان العربية ، تلك المفاوضات التي انتهت بمعاهدة سايكس – بيكو. فقد سقطت تلك المعاهدة قبل بضعة أسابيع من اندلاع الانتفاضة وشطبت التزامات مكماهون .

وعشية الانتفاضة حذر حاكم مكة إبنه فيصل فتمكن من التملص من الرقابة الهجرية مع موكب صغير . وأعرب الحسين الاستقلال فيخمسة حزيران (يونيو) 1916 ، وفيعشرة حزيران بدأ الانتفاضة خوفا من ضربة وقائية يسددها الأتراك . وفي تموز (يوليو) استسلمت الحامية الهجرية في مكة ، وتم بالتدريج الاستيلاء على سائر المدن الكبيرة في الحجاز ، ما عدا المدينة المنورة التي يصل إليها فرع من سكة حديد الشام . وظهرت في جدة بعثتنا اتصال بريطانية برئاسة الكولونيل ويلسون وفرنسية برئاسة بريمون .

وفي أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 1916 أعرب الشريف حسين أنه ملك البلدان العربية . إلا حتى أحدا خارج الحجاز لم يعترف بالحسين ملكا لجميع العرب . وفي كانون الثاني (يناير) 1917 أبلغت الحكومتان البريطانية والفرنسية الحسين بأنهما تعترفان به (ملكا للحجاز) . وفي أواخر عام 1916 انضوى تحت لواء الحسين في الحجاز 30-40 ألف محارب ، ولكنه لم يكن لديهم غيرعشرة آلاف بندقية . وفي البداية أوكلت مهمة تنظيم العمليات الحربية لعزيز المصري وهوضابط من مصر ، ثم لجعفر العسكري وهوضابط من العراق غدا فيما بعد رئيسا للوزراء في العراق عدة مرات . إلا حتى الحسين وقادته العسكريين فضلوا الأساليب التقليدية لخوض العمليات الحربية على نصائح الضباط المتدربين في الجيوش النظامية .

وفي بداية عام 1917 احتل الأسطول البريطاني وفصيل حجازي بقيادة فيصل آخر موضع للأتراك على ساحل الحجاز وهوالوجه . وفي مطلع تموز (يوليو) 1917 استولى الثائرون العرب على العقبة . واجتذبت النقود الإنجليزية التي وزعها الحسين وأبناؤه على البدوعددا متزايدا من الأنصار للانتفاضة . وعلى أطراف البادية ، في أراضي الأردن حاليا ، بدأت القوات العربية زحفها نحودمشق ، الأمر الذي سهل عملية الجيش البريطاني التي قادها اللنبي في فلسطين . واقتربت نهاية الإمبراطورية العثمانية . وأخذ العرب يفرون من القوات الهجرية . قبيله بني رشيد بقياده الأمير شمال الحجاز سمران ابن سمره الرشيدي معركه هديه تعتبر من الأشهر معارك في الحجاز الفوز الرشايده حكم الشمال الحجاز

وعندما نشرت روسيا السوفييتية بعد ثورة أكتوبر المعاهدات القيصرية السرية (ومن ضمن ما نشر معاهدة سايكس-بيكوبشأن تقسيم الأقطار العربية) سلم الأتراك إلى الشريف حسين نص هذه المعاهدة . فاتصل الحسين بالإنجليز طالبا رأيهم في صحة هذه المعاهدة فاستلم منهم (تأكيدات صادقة) بأن هذه المعاهدة مزورة . وصدق الشريف حسين الإنجليز أوتظاهر بأنه يصدقهم وواصل العمليات الحربية ضد الأتراك . وكان ذلك يعني حتى الدماء العربية تراق في الواقع لأغراض ضد العرب . إلا حتى حكومة الحجاز كانت معتمدة كليا على المساعدات العسكرية والمالية والغذائية من الإنجليز وكانت لاتتمتع بحرية العمل .

وفي الفترة الختامية من الحرب وبعدها غدا واضحا حتى الإنجليز لاينوون تطبيق الوعود المائعة التي قدموها للحسين والقوميين العرب ، بل وراحوا يعمقون المشكلة بالتقسيم السافر للأراضي العربية وبوعد بلفور الصادر في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 بشأن تأسيس (موطن) لليهود في فلسطين . وتأزمت العلاقات بين الحسين والإنجليز . إلا حتى بريطانيا ثبتت (مصالحها الخاصة) في الجزيرة العربية من خلال مؤتمر صلح فرساي . وفي 30 أيلول (سبتمبر) 1918 دخلت جماعة من المحاربين من قبيلة عنزة إلى دمشق وجالت في ساحتها الرئيسية حاملة الفهم العربي . وبعد يوم تام دخلت وحدات اللنبي الإنجليزي المدينة وصار فيصل ملكا مؤقتا لسورية حيث تشكلت حكومة عربية . ولكن الفرنسيين طردوا فيصل من دمشق بعد عامين وأغرقوا الحركة التحررية لعرب سورية بالدماء .

عبدالعزيز وانتفاضة الحجاز

بعد بداية الانتفاضة المناهضة للأتراك في الحجاز كانت المهمة الرئيسية للحكومة البريطانية في شبه الجزيرة العربية هي حث عبدالعزيز على الانضمام إلى الشريف حسين ، أوعلى الأقل ، الحيلولة دون اشتداد التناقضات بينهما . إلا حتى عبدالعزيز لم يكن منذ البداية يثق بالشريف حسين . وعندما فهم أمير الرياض من بيرسي كوكس بنبأ الانتفاضة في الحجاز في حزيران (يونيو) 1916 أعرب عن مخاوفه من حتى رغبة الحسين في قيادة العرب يمكن حتى تخلق وضعا غير مقبول إطلاقا بالنسبة له . وبعد بداية انتفاضة الحسين كان النجديون يساعدون الأتراك تارة ويساعدون الحجازيين تارة أخرى ، كما يقول المؤرخ الزركلي الموالي للسعوديين .

وخط مرسيل يقول حتى فصائل عبدالعزيز قامت بغزوات على القبائل الخاضعة للشريف حسين وخصوصا في المناطق الحدودية . وأقام إبن سعود صلات مع الوالي العثماني والقائد العام للقوات الهجرية في أطراف المدينة المنورة . وفي أواخر أيلول (سبتمبر) 1917 توجه وفد نجدي إلى دمشق لمناقشة مختلف القضايا مع السلطات العثمانية ، مع حتى عبدالعزيز نفسه زار الإنجليز في البصرة في أواخر نشرين الثاني (نوفمبر) . ويبدوحتى عبدالعزيز أحس بالجهة ذات الكفة الراجحة . فصادر 700 جمل اشتراها أحد التجار الأثرياء لأجل الأتراك وسلمها إلى الإنجليزي في الكويت . ولاحظ الشريف حسين حتى الجهود البريطانية عاجزة عن وقف منافسه النجدي فبعث رسولا إلى عبدالعزي يحمل مضىا ودعوة للعمل ضد العدوالمشهجر (ضد الأتراك) . وبعد اندلاع الانتفاضة في الحجاز بدأت إمارة جبل شمر تستلم من الأتراك أسلحة . وعندما استوعب عبدالعزيز حتى القدرة العسكرية لحائل بعثت من حديث أخذ يسعى إلى تحسين العلاقات مع الشريف حسين ، إلا حتى السبب الرئيسي في تغير موقفه العدائي من الحجاز هوالضغط البريطاني .

وفي 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1916 عقد بيرسي كوكس في الكويت اجتماعا حضره عبدالعزيز وشيخ الكويت جابر وشيخ المحمرة خزعل وامتدح إبن سعود أعمال الشريف حسين وأكد على ضرورة تعاون جميع العرب المخلصين معه للدفاع عن القضية العربية . ولكن الأمير ، كما هي العادة ، لم يعد بتقديم دعم ملموس . وأقنع الإنجليز الحسين بإرسال برقية تحية إلى الحاضرين في اجتماع الكويت .

وقرر عبدالعزيز أثناء هذا الاجتماع التزام جانب بريطانيا كليا . وآنذاك استلم مع شيخ الكويت جابر الوسام البريطاني . وأقسم الرجال الثلاثة اليمين على التعاون بإخلاص مع بريطانيا . وعند ذاك قدم عبدالعزيز إلى الإنجليز بصورة تظاهرية ألـ 700 جمل التي كانت مخصصة للأتراك . وبعد اجتماع الكويت زار إبن سعود البصرة حيث استعرض الإنجليز أمامه الأسلحة الحديثة ورأيى الطائرات لأول مرة . ولم يبد الأمير إعجابه الشديد فهوقليل الكلام ، ولكن الآليات الحديثة ، كما هوالمفروض ، قد هجرت لديه انطباعا عميقا . وفي تلك الفترة تم الاتفاق على المعونة الشهرية لأمير الرياض بمبلغخمسة آلاف جنيه إسترليني .

وبالإضافة إلى المعونة المالية عرض بيرسي كوكس على أمير نجد أربعة رشاشات وثلاثة آلاف بندقية مع ذخيرتها ، وردا على ذلك وعد عبدالعزيز بتجنيد أربعة آلاف إنسان ضد حائل . ومع ذلك تأكد الإنجليز من عدم إمكان دفع أمير الرياض إلى العمليات المباشرة ضد جبل شمر ، وكانوا يؤملون ، على الأقل ، في حتى ترغمه المعاهدة المسقطه معه على فرض الحصار على الأتراك في الحجاز وسورية . إلا حتى أمير الرياض ، شأنه شأن الحكام الآخرين ، لم يعيقوا حتى نهاية الحرب التهريب الذي كانت ترد عائدات منه إلى الخزينة . وذات مرة نقلت قافلة من ثلاثة آلاف جمل بضائع إلى الحجاز فظهرت بسبب ذلك تعقيدات في علاقات إبن سعود مع الإنجليز .

وعندما أعرب الشريف حسين أنه ملك العرب أعرب أمير الرياض عن احتجاجه وطالب برسم الحدود بين نجد والحجاز والاتفاق على عائدية بدوالحدود . واعتبارا من عام 1917 حاول بيرسي كوكس حتى يصرف أنظار إبن سعود عن أعمال الحلفاء في الحجاز ، وظل يحرضه على مهاجمة إمارة جبل شمر التي كانت تقلق القوات الإنكلوهندية في وادي الرافدين من جهة الجناح . (وفي تلك السنة صار بيرسي كوكس معتمدا مدنيا لبريطانيا في بغداد لدى فيلق العمليات الإنكلوهندي) . وحاول الإنجليز من حديث وبدون جدوى حتى يوقفوا التهريب عبر بوادي الجزيرة . وكان سبل البضائع يجري كذلك من العراق الذي ترابط فيه قواتهم ، ومن موانئ الخليج ، بما فيها الكويت . ثم كانت القوافل تتجه إلى القصيم أوجبل شمر ، ومن هناك إلى المدينة المنورة أودمشق .

وفي خريف 1917 كانت فصائل الحسين تقاتل بفتور . فطالب المندوب السامي البريطاني الجديد في مصر وينهايت بممارسة ضغط أشد على إبن سعود لجعله يقوم بعمليات أنشط ضد جبل شمر . وتوجه ستورس الرياض أصيب بضربة شمس فاضطر إلى مغادرة الجزيرة العربية . وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 هبط ممثلوا بيرسي كوكس وعلى رأسهم الكولونيل هاملتون في العقير وتوجهوا إلى الرياض ليناقشوا الوضع مع الأمير في أواخر الشهر . وكان في هذه البعثة فيلبي الذي غدا من أكبر دارسي الجزيرة العربية وربط حياته فيما يعد بعبد العزيز والعربية السعودية . وغدا مندوبا دائميا لبريطانيا عند أمير الرياض . وخط فيلبي نفسه حتى مهمته كانت دفع عبدالعزيز لشن الحملة على جبل شمر والحيلولة دون تأزم العلاقات مع الحجاز والعثور على حل لمشكلة العجمان . ووعد عبدالعزيز ببدء العمليات النشيطة إذا قدموا له السلاح .

ولكن الإنجليز ، في نيسان (إبريل) 1918 عندما تم احتلال القدس ، لم يعودوا بحاجة إلى تصفية إمارة جبل شمر ، بل وصاروا يرفضون إرسال ماطلبه فيلبي في كانون الأول (ديسمبر) 1917 ، فخابت آمال عبدالعزيز . وفيخمسة آب (أغسطس) 1918 بدأت الحملة على جبل شمر ، وشارك فيها فيلبي الذي خط عنها درس مفصلا . وفي أيلول (سبتمبر)) 1918 تحرك الإخوان رافعين راياتهم نحوحائل . وكان عند النجديين حواليخمسة آلاف إنسان . وفي تلك الأثناء تأزم الوضع على الحدود مع الحجاز بسبب واحة الخرمة . وعقد الحسين صلحا مع حائل ، وأقلق ذلك كله أمير نجد . وعندما كان الشمريون على وشك الاستسلام قرر الإنجليز حتى فوز إبن سعود في حائل سيثير رد عمل سلبيا عند الحسين فأمروا الحملة بأن تعود . واشتاط عبدالعزيز غضبا . إلا حتى هذه الحملة عادت عليه بغنيمة كبيرة هي ألف وخمسمائة جمل وآلاف الأغنام و10 آلاف خرطوشة . ولكنه استوعب حتى الإنجليز لم تعد لهم مصلحة في أعماله ضد حائل ناهيك عن احتلاله جبل شمر .

وأثناء حصار الهاشميين للمدينة المنورة الذي استمر من آذار (مارس) 1917 حتى تشرين الأول (أكتوبر) 1918 وقع في معسكر عبدالله بن الحسين خلاف بين أحد شيوخ عتيبة وبين أمير واحة الخرمة الشريف خالد بن منصور بن لؤي . وتعرض هذا الأخير لإهانة إثارات غضبه . وفي خريف 1917 أدت مجموعة كبيرة من النجديين فريضة الحج ، وقابلهم الحسين بالتكريم . وأصر النجديون على تعيين حدود رسمية بين الدولتين ، ولكن الملك حسين تملص من الجواب وربما انتهز خالد فرصة الحج ليجري اتصالات مع النجديين ويتبنى التوحيد الوهابي . وقد لاحظ الحسين ذلك . وبعد فترة قصيرة طرد خالد من الخرمة القاضي الذي بعثه شريف مكة . وعندما طلب الشريف من خالد حتى يحضر لتوضيح هذا التصرف رفض خالد الحضور وقد أحس بأن حياته في خطر .

وفي عام 1918 بعث الملك حسين فصيلا للاستيلاء على الخرمة ، إلا حتى عبدالعزيز تمكن آنذاك من إرسال الإخوان لنجدة خالد ، ولذا دمروا بجهود متضافرة القوات التي اتىت من مكة عن بكرة أبيها . وكان ذلكتحديا سافرا للشريف حسين . إلا حتى خالد قد تقوى آنذاك وأخذ يقوم بغارات على المناطق الخاضعة للحسين . وكانت المدينة المنورة لاتزال في أيدي الأتراك ، وكان ذلك العمل في الواقع تعاونا مع الأتراك . وأخيرا استسلمت حامية المدينة المنورة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1918 ، وانتهت الحرب العالمية الأولى بالنسبة للجزيرة العربية . وجرت الأحداث لاحقا في تربة والخرمة الواقعتين بين الحجاز ونجد . وكان في تربة حوالي ثلاثة آلاف نسمة ، وكان فيها عدد من الأشراف يمتلكون كثيرا من أرضها . كانت هذه الواحة تعتب بوابة الطائف من جهة نجد . أما الخرمة فكان فيها حواليخمسة آلاف نسمة بعضهم من قبيلة سبيع وبعضهم من العبيد والمعتوقين . كما كانت فيها بضع عشرات من الأشراف .

الأحداث في اليمن وعسير

بعد استسلام الإمبراطورية العثمانية ظلت في الجزيرة العربية خمس دول مستقلة في الواقع هي الحجاز ونجد وجبل شمر وعسير واليمن . وكان مستقبلها مرتبطا بالصراع فيما بينها حيث ينتصر الأقوى ، وهوإمارة نجد ، وكذلك بسياسة بريطانيا . وخط اللورد ميلنر وزير المستعمرات البريطاني في 16 آيار (مايو) 1919 يقول (كانت الجزيرة العربية المستقلة مبدأ أساسيا دائما في سياستنا الشرقية . ولكن ما نعنيه بذلك هوحتى الجزيرة العربية رغم أنها ستكون مستقلة بحد ذاتها ، فإنها ستبقى خارج نطاق الدسائس السياسية الأوروبية وداخل مجال النفوذ البريطاني ، وبعبارة أخرى فإن ذلك يعني حتى حكامها المستقلين لن تكون لديهم معاهدات خارجية مع أحد سوانا) .

ولكن قبل حتى نعود إلى الأحداث الأساسية في السياسة في الجزيرة العربية والتي صارت تعتمد أكثر فأكثر على التنافس بين نجد والحجاز ووجود بريطانيا كحكم بينهما يتعين حتى نتناول الوضع في اليمن وعسير . ظل إمام اليمن في الحرب العالمية الأولى مواليا للأتراك ، ومن مسببات ذلك عدم رغبته في الوقوع في تبعية للإنجليز وكذلك مخاوفه من الأمير محمد الإدريسي الذي بسط سيطرته على جنوب عسير . وكان الإدريسي ضد الأتراك حيث سقط معاهدة مع المعتمد البريطاني في عدن في آيار (مايو) 1915 . وحاول على رأس قوات من 12 ألف محارب حتى يستولي على اللحية ولكن دون جدوى . وتمكن من الاستيلاء على قسم كبير من شمال تهامة ، أما اللحية فقد استولى عليها الأسطول البريطاني بواسطة فصيل من أبناء عسير في مطلع عام 1917 . وظل الحسن آل عايض شيخ القسم الشمالي من عسير (وعاصمته أبها) حتى حزيران (يونيو) 1916 محايدا ولكنه بدأ عمليات حربية محدودة ضد الأتراك فيما بعد .

وفي معرض تقييم الوضع في جنوب الجزيرة العربية في أواخر الحرب العالمية الأولى وبعدها مباشرة نشير إلى حتى اليمن وعسير كانتا مشغولتين بشئونهما الداخلية فلم تمارسا تأثيرا يذكر على نتيجة الصراع بين نجد والحجاز .

معركة تربة

كان الحلفاء المنتصرون يتصارعون في المؤتمرات السلمية من أجل الانتداب والامتيازات في الشرق الأدنى دون حتى يهتموا بكيفية تطور الأحداث في شبه الجزيرة العربية . وكانت الموجة المرعبة من (الحمى الإسبانولية) في شتاء 1918-1919 قد حصدت ضحايا في الجزيرة العربية أكثر ممن قتلوا في العمليات الحربية . وكان بين الضحايا هجري الإبن البكر لعبدالعزيز وإثنان من أبنائه الآخرين وكذلك زوجته الكبرى جوهرة . إلا حتى هذا الوباء لم يحل دون نشوب نزاع حديث على الحدود بين نجد والحجاز . وأوفد الملك حسين شاكر بن زيد على رأس فصيل من 1200 بدوي و500 من مشاة القوات النظامية للاستيلاء على الخرمة ، ولكن قواته منيت بالهزيمة تلوالهزيمة . وفي مطلع عام 1919 أوفد حام مكة قوات إبنه عبدالله البالغ عددهاثمانية آلاف لاحتلال الخرمة . وفي تلك اللحظة لم يكن واضحا هل حتى الصدام بين الحجاز ونجد نافع للإنجليز . إلا حتى سلوك الملك حسين واستياءه من السياسة البريطانية وتذكيره للإنجليز بأنهم خرقوا التزاماتهم وانادىءه بلقب ملك العرب كافة ، لعل ذلك كله هوما دفع لندن للتفكير بإيقاف الشريف عند حده . سليم حتى الإنجليز قد لايكونون يعهدون آنذاك القدرة القتالية العملية للنجدين . فقد خط فيلبي حتى جميع الحاضرين تقريبا في اجتماع عقده اللورد كيرزون في آذار (مارس) 1919 أعربوا عن رأيهم بهزيمة الوهابيين لامحالة ، وتقرر آنذاك تأييد انادىءات الحجاز بواحة الخرمة .

وفي أواخر آيار (مايو) 1919 استولى عبدالله على واحة تربة وسمح لجنوده بنهبها . وفي تلك الأثناء اجتمعت على مقربة من تربة وحدات الإخوان من الغطغط بقيادة سلطان بن بجاد وفصيل محاربين من قحطان بقيادة حمود بن عمر . ووصل إلى تلك البقعة خالد بن لؤي من الخرمة . وتفيد المعطيات النجدية أنه كان لديهم حوالي أربعة آلاف إنسان . وتحدث رسل عبدالعزيز الذين عادوا من تربة عن حوادث فظيعة للنهب والقتل والعنف قام بها جيش عبدالله ، وزعموا حتى عبدالله تباهى بأنه سيبدأ صيام رمضان في الرياض وسيحتفل بعيد الفطر في الإحساء . وهجم الإخوان على قوات عبدالله ليلا من ثلاث جبهات وأبادوها عن بكرة أبيها . واعترف عبدالله بأن ثلاثة فقط ظلوا على قيد الحياة من الـ500 جندي النظامي الذين كانوا عنده ، ولم يسلم إلا 150 شخصا من الـ850 حجازيا الذين كانوا معه . وسقطت في أيدي الإخوان جميع الأسلحة والذخيرة تقريبا . ومع حتى الإخوان شاركوا سابقا في بعض غزوات عبدالعزيز ولكن هذه المعركة كانت أول اختبار في بعض غزوات عبدالعزيز ولكن هذه المعركة كانت أول اختبار في عملية قتالية جدية . وبينت المعركة حتى لدى أمير نجد قوة قادرة على القتال . ونشأ وضع خطير بالنسبة للحجازين .

وصل عبدالعزيز إلى تربة في بداية تموز (يوليو) 1919 مع إمدادات كبيرة من 12 ألف إنسان ، مع حتى هذا الرقم فيه مبالغة على مايبدو. ولكن رسولا وصل من جدة في أربعة تموز 1919 يحمل رسالة من المعتمد البريطاني : (أمرتني حكومتي جلالة الملك حتى أبلغكم بأن تعودوا إلى نجد حالما يصل إلى يدكم كتابي هذا وتهجروا تربة والخرمة منطقة غير مملوكة حتى مفاوضات عقد الصلح وتحديد الحدود ، وإذا أبيتم الرجوع بعد الاطلاع على هذا الكتاب فحكومة جلالة الملك تعد جميع معاهدة بينكم وبيننا ملغية وتتخذ مايلزم من التدابير ضد حركاتكم العدائية) . . وطلب الإنجليز من عبدالعزيز حتى لايتحرك نحوالطائف . وعندما استلم أمير الرياض في الحال . وأمر الإخوان بأن يغادروا الواحات في هذه المنطقة واستبدلهم بفصيل وصل من منطقة حائل ، كما أعاد أمير تربة السابق إلى منصبه .

وعزز الإنجليز إنذارهم بإرسال طائرات وجنود إلى جدة . وكانوا آنذاك يعتقدون ، على مايبدو، بأن الملك حسين تلقى درسا وماكانوا ينوون إطلاق العنان لأمير نجد الذي يصعب عليهم ضبط تصرفاته . ولقد خضع إبن سعود لمطالب الإنجليز ، ولكن دحر الحجازيين السهل نسبيا بين له مدى القوة التي يمتلكها ، ولذا صار يعتقد بأن الحجاز سيكون ملكا له في آخر المطاف . ويمكن اعتبار معركة تربة نهاية التاريخ الحديث وبداية التاريخ المعاصر للجزيرة العربية .

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ظلت نجد مجرد دولة من عدة دول في الجزيرة العربية . وظلت قائمة إمارة جبل شمر ، وكانت الكويت تحت الحماية البريطانية ، ولم تكن عسير قد ضمت إلى نجد بعد . وكانت الحجاز تدعي بالتهام الجزيرة العربية كلها مع أنها لاتمتلك القوة اللازمة لذلك . وعلى اشلاء الإمبراطورية العثمانية وزعت الدول الاستعمارية الأوروبية أراضي الانتداب فيما بينها . وخط لويد جورج يقول : (إن أحدا ما لاينوي إرسال قوات خارجية لاحتلال جزء ما من الجزيرة العربية . فهي بلد فقير جدا لايستحق حتى تحتله دولة ضاربة) . ولم يتبادر إلى ذهن أحد حتى في هذا البلد يمكن حتى توجد احتياطات خيالية من البترول . وعلى أثر ثورة أكتوبر وبتأثير منها اجتاحت الكثير من البلدان العربية حركات التحرر الوطني من مختلف التلاوين . ورغم تنوع القوى التي شاركت في تلك الحركات فقد كانت موجهة ضد الأنظمة الاستعمارية التي فرضتها بريطانيا وفرنسا وضد التقسيم الإمبريالي للبلدان العربية ونظام الانتداب الذي ابتدعته عصبة الأمم . وكانت انتفاضات 1919 و1921 في مصر و1918-1920 في العراق والحركة الجماهرية الشعبية المناهضة للاستعمار في 1918-1924 في سورية ولبنان والانتفاضة السورية في 1925-1927 والانتفاضة في عدن عام 1919 – جميع تلك الأحداث كان لها تأثير مباشر وغير مباشر على الجزيرة العربية . وغدا واضحا حتى زمان النظام الاستعماري بأشكاله القديمة قد ولى بالتدريج .

توحيد أراضي الجزيرة من حول نجد (1918-1926)

أصبح وضع إمإرة نجد بعد الحرب العالمية الأولى أكثر تعقيدا مما كان عليه عشية نشوبها . فلئن كان بوسع أمير الرياض قبل الحرب حتى يستثمر التناقضات بين الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا العظمى ، فإن الإنجليز غدوا بعد الحرب القوة العملية الوحيدة في المنطقة . وتيقن عبدالعزيز من ذلك حينما منعوه من مهاجمة الحجاز وجبل شمر . ولكن بريطانيا ، من جهة أخرى ، تحاشت التدخل مباشرة في شئون شبه الجزيرة العربية وسعت إلى التملص من الإنفاق على حكامها .

العلاقات بين نجد والكويت

أحدث ازدياد شأن إمارة نجد قلقا لدى حاكم الكويت ، الذي شعر بخطر مباشر يهدده بعمل انضمام عشيرة مطير التي كانت الكويت هدفا تقليديا لهجماتها إلى حركة الإخوان . وتحت ستار حماية دعوة (التوحيد) ونشرها ، أعتبر مطير حتى من حقهم نهب الكويت ، بلد (المشركين) المتعاون مع الإنجليز . في عام 1915 ساعد الكويتيون قبيلة العجمان على تفادي الهلاك بإيوائهم أبناء هذه القبيلة . وإنصاح العجمان آنذاك لعبدالعزيز خوفا لإرادتهم . فقد احتوتهم حركة الإخوان ، ولكن عبدالعزيز كان يعتزم تقسيم العشيرة إلى زهاء عشرين هجرة صغيرة مبعثرة في المناطق الداخلية من نجد . وزعم حتى العجمان لم يعارضوا حركة الإخوان ، إلا أنهم رفضوا رفضا قاطعا الإقامة في مناطق مبعثرة خارج ديارهم في منطقة الإحساء .

وكان تدهور العلاقات بين الإنجليز والكويتيين عونا غير منتظر للنجديين . إذ اكتشف الإنجليز حتى تموين الأتراك في الشام كان يجري جزئيا ، عن طريق الكويت وحصل شيخها سالم على ولج من التهريب . وقد كان حاكم الكويت سالم على فهم بالاتفاقية البريطانية – الهجرية لعام 1913 التي ترسم حدود الكويت في منطقة جبل منيف . ولكنه لم يعهد بأن المعاهدة البريطانية النجدية لعام 1915 لم ترسم حدود الكويت . (كان يدعي بجزء كبير من الإحساء) . وقد أقام عبدالعزيز هجرة إخوانية على حدود الكويت ، ولكن ضمن حدود ديرة مطير ، فاحتج الشيخ سالم وجرى اشتباك بين الكويتيين والإخوان الذين كانوا بأمرة فيصل الدويش ، وانتهى بهزيمة الكويتيين . وإزاء الخطر الداهم سأل الشيخ سالم الإنجليز حتى يعينوه ، ولكن هؤلاء طالبوا بأن يوافق الطرفان المتخاصمان سلفا على حكم الإنجليز كقضاة .

في أيلول (سبتمبر) عام 1920 وافق الأمراء حتى يعينوه ، ولكن هؤلاء طالبوا بأن يوافق الطرفان المتخاصمان سلفا على حكم الإنجليز كقضاة . في أيلول (سبتمبر) عام 1920 وصل إخوانيون من قبيلة مطير يقارب عددهم الأربعة آلاف إلى مكان بعيد بضعة كيلومترات إلى الجنوب من مدينة الكويت . وفي اشهر ذاته أجرى بيرسي كوكس مفاوضات مع عبدالعزيز في العقير ، في محاولة لحل نزاعات الحدود حلا يرضي الإنجليز . ولكن فيصل هاجم في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1920 ، في مسقط قرب الجهراء ، القوات الكويتية الشمرية وهزمها ، رغم تكبده خسائر كبيرة . واحتمى الشيخ سالم بقصر له قرب الجهراء ودخل مفاوضات لكسب الوقت ، وفي الوقت ذاته طلب النجدة من الإنجليز . وفي اشهر ذاته قرر الإنجليز إغاثته فأوفدوا سفنا إلى سواحل الكويت وهددوا بالتدخل في النزاع إلى جانب الكويت ، مما اضطر فيصل إلى الانسحاب .

في أواخر شباط (فبراير) عام 1921 باغتت المنية الشيخ سالم . وقد سقط اختيار أعيان الكويت ، الذين أنهكتهم حرب هم في غنى عنها ، على أحمد بن جابر الصباح ، وهوالإبن الأكبر للشيخ جابر بن مبارك الصباح الراحل . وكان أحمد ذا شعبية ويؤيد التوصل إلى حل مقبول مع أمير الرياض . وفي تلك الأثناء كان يجري مفاوضات مع إبن سعود في نجد . أدرك عبدالعزيز حتى الإنجليز لن يتنازلوا له عن الكويت . وفي ذلك الحين كان اهتمامه منصرفا إلى الحملة المرتقبة على حائل ، وإمكانية إحكام سيطرته على جبل شمر بأسره .

إلحاق جبل شمر

خلال العامين المنصرمين بلغت النزاعات بين آل سبهان وآل رشيد درجة الغليان . وفي عام 1919 فر سعود آل سبهان إلى الزبير ، فانتقل منصب الوزير الذي كان يشغله إلى المدعوعقاب بن عجل الذي شرع يبحث عن واصلة بعبدالعزيز . وفي أواخر آذار (مارس) عام 1920 لقى أمير شمر سعود بن عبدالعزيز مصرعه على يد إبن عمه عبدالله بن طلال الذي قتله فيما بعد أحد خدام سعود . وبالتالي آلت الإمارة إلى عبدالله بن متعب بن عبدالعزيز . تلقى أمير نجد معلومات تفيد بوجود كثير من أنصار أسرة شريف مكة في حاشية آل رشيد ، وصار خطر اتحاد خصوم آل سعود القدامى خطرا عمليا في الظروف التي كان إبانها الإنجليز يعدون فيصل لتولي عرش العراق . في آذار – نيسان (مارس – إبريل) عام 1921 ، وأثر عقد الصلح مع ممثل الكويت ، قرر عبدالعزيز تجهيز حملة على حائل . وفي تلك الأثناء نكبت المناطق الوسطى من الجزيرة مرة أخرى بالجفاف الشديد وارتفعت الأسعار ، مما زاد من مصاعب جبل شمر .

في نيسان – آيار (إبريل – مايو) عام 1920 ألحقت قوات دليم ابن براك الرشيدي الهزيمة بقبائل شمر وأضحت عند جدران حائل ، فبدأ حصار مديد . قرر حاكم جبل شمر عبدالله بن متعب بن عبدالعزيز الاحتماء وراء جدران حائل المنيعة ، ولكن حينما أوشكت المؤونة في المدينة على النفاد ، أوفد وفدا للتفاوض . وكان مستعدا للقبول بأن تقتصر إمارة جبل شمر على مدينة حائل وأراضي قبيلة شمر ، ولكن إبن سعود الذي شعر بقوته ، طالب بالاستسلام الكامل . استمرت الاشتباكات بين الطرفين طوال عدة شهور ، دونما نتائج تذكر . ورغم حتى سكان حائل تمكنوا من الحصول على قدر من المؤونة يكفي لمقاومة الحصار ، إلا حتى الصراع الداخلي في المدينة استمر مستعرا ز وقد خلع أعيان حائل عبدالله بن متعب ونصبوا مكانه محمد بن طلال (شقيق عبدالله بن طلال) بعد إطلاق سراحه من السجن ، واستجار عبدالله بن متعب بأمير الرياض . وحتى ذلك الحين لم يسفر الحصار عن شيء.

في تلك الأثناء وضع ونستون تشرشل في اجتماع عقد بالقاهرة بنية الشرق الأوسط لفترة مابعد الحرب . قرر الإنجليز تنصيب فيصل ، إبن الشريف حسين ، ملكا على العراق ، وسرعان ماتوج . كما قرروا إسناد إمارة شرقي الأردن لعبدالله . وأدرك إبن سعود حتى عليه الإسراع ، وإلا فإن جبل شمر يفترض أن يفلت منه . قبل بدء الحملة الجديدة على حائل عقد عبدالعزيز مجلسا لأعيان وشيوخ القبائل وفهماء الدين حيث تقرر حتى يخلع على الأمير لقب (سلطان نجد والأراضي الملحقة) لحمل الهيبة الدولية للبلد .

في آب (أغسطس) عام 1921 عاد عبدالعزيز إلى مواقع قرب حائل على رأس قوة مؤلفة ، وفق بعض المصادر ، من زهاء عشرة آلاف إنسان من ضمنهم الإخوانيون بزعامة فيصل الدويش . أصبحت أوضاع المحاصرين ميئوسا منها ، وبعد شهرين من الحصار أوفد أعيان المدينة أحد أفراد آل سبهان للتفاوض ثم اتفقوا على الاستسلام . وفي الوقت المحدد شرعت أبواب حائل أمام قوات عبدالعزيز . لاذ بن طلال بالقلعة وأوفد نداء استغاثة إلى السلطات البريطانية في العراق وإلى الملك فيصل ، ولكن النجدة لم تصل وبعد فترة استسلم بشرط حتى تصان حياته . أقام إبن طلال في الرياض أسيرا مكرما وزوج إبنته لإبن سعود . وقد لقى آخر أمير مستقل لحائل مصرعه في الرياض على يد أحد عبيده عام 1954 .

في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1921 لم يعد هناك وجود لإمارة جبل شمر السمتقلة . وفي الثاني من الشهر والىسكان حائل عبدالعزيز الذي جعل من إبراهيم السبهان واليا للمنطقة الجديدة في سلطنته . وقد حرم أمير نجد السلب في المدينة ، بل وزود الجياع ببعض المؤن . وكان الشيعة أكثر من يخشى على حياتهم ، ولكن إبن سعود أصدر إيعازا خاصا يكفل لهم الحماية . ويجدر بالذكر حتى الإخوان لم يوافقوا على تسامح أميرهم وانتقدوه علانية لغضه النظر عن (المشركين) .

بسقوط جبل شمر أضحت جميع المناطق الوسطى من الجزيرة تحت سيطرة أمير الرياض وأصبحت نجد والمناطق الملحقة بها القوة الرئيسية في شبه الجزيرة العربية . ولم يقوجبل شمر على الصمود إزاء ضغط الجار الجنوبي الأقوى الذي استلهم جنده شعارات الممضى الوهابي بعد انبعاثه . لقد اعتمد جبل شمر ، في الأساس ، على قبيلة كبيرة واحدة ولم يصبح نواة لدولة موحدة في الجزيرة العربية ، وضعفت مواقعه إزاء المنافس القوي الحازم بسبب الحزازات الداخلية وغياب الزعيم القوي . وقد ربط حكام جبل شمر مصيرهم بالإمبراطورية العثمانية ، في حين حتى الحركة القومية لعرب الجزيرة كانت ذات طابع مناهض للأتراك بوضوح . وفي تلك الأثناء لم تكن بريطانيا تعتبر إلحاق الجزء الشمالي من وسط الجزيرة بنجد خطرا كبيرا على مصالحها في العراق وشرقي الأردن ، وآثرت حتى تظل بمعزل عن الأحداث هناك ، رغم حتى تعزيز مواقع نجد حملها هموما غير قليلة .

بداية النزاعات والاشتباكات الحدودية بين نجد والعراق وشرقي الأردن

بعد الاستيلاء على جبل شمر جابهت إمارة نجد ثلاث دول معادية لها يحكمها أفراد الأسرة الهاشمية ، وتحد نجد من الغرب والشمال .

لم ترسم الحدود بين جبل شمر وبين العراق وشرقي الأردن . وعلاوة على ذلك فإن مسألة الحدود البرية الثابتة كانت جديدة نوعا ما على حكام الجزيرة . وكان إبن سعود يرى حتى جميع قبائل شمر وعنزة تابعة له ، وبذا فإن رعاياه متواجدون في مناطق بعيدة يعتبرها الإنجليز جزءا من العراق . أضف إلى ذلك حتى بعض قبائل شمر وغيرها من القبائل الرافضة لمطامع السعوديين قد ارتحلت إلى العراق . وفيما بعد خط غلوب باشا قائد الجيش (الفيلق) العربي في الأردن : (لم تكن هناك حدود في أواسط الجزيرة . ولم تحاول الإدارة في بغداد قط إحكام سيطرتها في الصحراء لمسافة تزيد عن ميلين أوثلاثة من الفرات ... وكانت حياة الكثير من القبائل ذاتها مرتهنة بحقها في التنقل بحرية في المناطق الواقعة ضمن الحدود الحالية للعراق وسورية . وتصرفت القبائل السورية والعراقية على النحوذاته . لذا فإن رسم حدود ثابتة بدا لها أمرا خطيرا) .

أدت الخلافات والاشتباكات بين القبائل إلى تفاقم النزاعات بين العراق ونجد . وفي خريف عام 1921 عين المدعويوسف بن سعدون قائدا لفيلق الجمالة العراقي المشكل حديثا . وكان لهذا عداء شخصي مع شيخ قبيلة الظفير حمود بن سويط الذي فر إلى الرياض مستجيرا بعدبالعزيز وعاد بعد فترة من الزمن مع جباة الزكاة الذين أوفدهم أمير الرياض . والتحقت بحمود مجموعة من الإخوان من مطير برئاسة فيصل الدويش ، فهاجموا سوية معسكر يوسف في آذار (مارس) 1922 وأبادوا غالبية جنده ، فأوفد الإنجليز طائراتهم لنجدة العراقيين . عند ذاك سرحت الحكومة العراقية فيلق الجمالة وأنطقت قائده يوسف بن سعدون الذي ساءه الأمر فهرب إلى الرياض حيث عرض خدماته على عبدالعزيز .

ربيع عام 1922 التقى ممثلون عن عبدالعزيز ببيرسي كوكس في المحمرة ، وأصر الإنجليز على إقامة حدود ثابتة بين العراق ونجد ، وطالب الوفد النجدي برسم الحدود اعتمادا على تقسيم الديار التقليدي للبدوالرحل ، وفي الخامس من آيار (مايو) عام 1922 سقطت معاهدة المحمرة التي جعلت قبائل المنتفق والظفير والعمارات التي هي فخذ من قبيلة عنزة تابعة للعراق ، بينما جعلت قبائل شمر تابعة لنجد . غير حتى عبدالعزيز رفض إبرام الوثيقة بحجة حتى الظفير بزعامة حمود بن سويط احتموا به ورفضوا الانصياع للعراق .

في حزيران (يونيو) عام 1922 شرع الإخوان يتحركون باتجاه الشمال الغربي ، نحوشرق الأردن . وبعد الاستيلاء على واحة الجوف في تموز (يوليو) من نفس العام اشتبكوا مع دوريات تابعة لإمارة شرقي الأردن . وأثر ذلك استولوا على واحتي تيماء وتبوك وأرغموا سكانهما على إخراج الزكاة للرياض . وبعد ذلك زحف الإخوان على وادي السرحان الذي كان سابقا جزءا من جبل شمر ، وسرعان ماهاجموا واحة بني شاكر ، مما جعلهم على مقربة من عمان ، عاصمة شرقي الأردن . وفي ذات الوقت دنا النجديون من حدود سورية الواقعة تحت الانتداب الفرنسي ، وأخذوا يهددون ببتر ممر الارتباط المباشر بين الممتلكات البريطانية . وفي ذلك الحين كان الإنجليز يدرسون مسألة أعطى خط للسكك الحديد بين فلسطين والعراق عبر هذا الممر بالذات .

رأي بيرسي كوكس حتى من الضروري العمل على وضع حدود ثابتة ، واتفق على عقد لقاء شخصي مع أمير نجد . وفي 21 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1922 بدأ كوكس وعبدالعزيز مفاوضات استغرقت ستة أيام في العقير . وأسفرت المفاوضات عن وضع بروتوكولات (ملاحق) العقير التي سقطت في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) عام 1922 وألحقت بمعاهدة المحمرة . وكان هذا يعني للدبلوماسية البريطانية التي أرغمت سلطان نجد على الاعتراف بحدود العراق الخاضع للانتداب .

رسم البروتوكول الأول الحدود بين العراق ونجد وأسس المنطقة المحايدة التي يحق للقبائل العراقية والنجدية حتى ترعى أغنامها فيها . ومنحت القبائل النجدية التي كانت تستخدم بعض الآبار في أراضي العراق الحق في مواصلة استخدامها بشرط ألا تستثمر مصادر الماء في منطقة الحدود لأغراض حربية . وبذا فإن هذه الاتفاقية راعت حدود الديرة التقليدية لشتى القبائل .

نص البروتوكول الثاني على حتى لأي قبيلة تروم حتى تكون تحت رعاية حكومة أخرى الحق في ذلك . وإلى جانب رسم الحدود بين نجد والعراق سقط عبدالعزيز ومندوبون عن الكويت اتفاقية حول الحدود ، ضمنت بدورها منطقة محايدة للبدومن الطرفين ، لاستخدامها لأغراض رعي الأغنام .

إن مفاوضات العقير بحد ذاتها حرية بأن تتوقف عندها بشيء من التفصيل . وهاكم ماخطه أحد المشهجرين فيها وهوديكسون : (في اليوم السادس نطق السير بيرسي ... لكلا الطرفين حتى الوتيرةالتي تجري عليها المفاوضات لن تقضي إلى تسوية شيء طوال سنة . وفي لقاء خاص اقتصر على بيرس كوكس وإبن سعود وأنا لم يطق كوكس صبرا على ماسماه بموقف إبن سعود الضبياني من فكرة الحدود القبلية . ولم يكن السير بيرسي يجيد العربية كما ينبغي ، فتوليت الترجمة . كان أمرا غريبا حتى يلاحظ المرء كيف من الممكن أن يوبخ المندوب السامي لصاحب الجلالة سلطان نجد وكأنه تلميذ مشاكس . نطق كوكس لإنس عود بصرامة ، أنه هو(كوكس) الذي يقرر شكل الحدود وامتدادها العام ... كاد عبدالعزيز ينهار تماما ونطق بتأثر حتى السير بيرسي بمثابة أبيه وأمه اللذين أنجباه وحملاه من الحضيض إلى مقامه الحالي ، وأنه مستعد للتنازل عن نصف مملكته ، بل عن المملكة كلها إذا أمر السير بيرسي) .

إثر ذلك أخذ كوكس قلما أحمر ورسم بحضر على خارطة الجزيرة الحدود من الخليج العربي إلى شرقي الأردن . وفي مساء اليوم ذاته ، كما يقول ديكسون ، اتىت ( التتمة المدهشة) . (فقد طلب إبن سعود لقاءة السير بيرسي على انفراد . اصطحبني السير بيرسي ، وكان إبن سعود يقف بمفرده وسط سرداقه الكبير الذي كان مضيفا . بدا مغتما للغاية ونطق متوجعا : (ياصديقي ، لقد حرمتموني نصف مملكتي . الأفضل حتى تأخذوها كلها وتسمحوا لي بالاستنطقة) . وظل هذا الرجل القوي الضخم البنيان المتسامي بأساة ، واقفا ثم انحدرت من مآقيه الدموع على حين غرة . تأثر السير بيرسي غاية الأثر وأخذ يده وأنشأ ينتحب هوالآخر . تحدرت الدموع على خديه . لم يحضر أحد ، سوانا نحن الثلاثة ، هذا المشهد وأنا أنقل بدقة مارأيت لم تستمر الزوبعة العاطفية أمدا طويلا . نطق السير بيرسي وهومايزال يمسك بيد إبن سعود : (ياطويل العمر ، أنا أعهد بدقة حقيقة مشاعرك ، لذا فإنني أعطيك ثلثي أراضي الكويت . لا أعهد كيف من الممكن أن سيكون حمل هذه الضربة على إبن الصباح) .

ومهما كان من أمر لايجب حتى يغيب عن بالنا حتى عبدالعزيز وكوكس كانا ممثلين جيدين ، ورغم حتى جميع الأوراق الرابحة كانت في يد كوكس لأن بريطانيا بالذات هيا لتي تملي إرادتها في الجزيرة ، فإن عبدالعزيز تمكن من تحقيق الكثير من مطالبه . ففي تلك الفترة بالذات كان إبن سعود يعتزم تجهيز حملة على غرب الجزيرة ، وصار بوسع كوكس حتى يلمح إليه بأن بريطانيا يفترض أن تتغاضى عن استيلائه على الحجاز . لم يتم التوصل على اتفاق حول الحدود مع شرقي الأردن . وفي مستهل عام 1923 شنت مجموعة صغيرة من الإخوان هجوما جديدا على شرقي الأردن . أسر المهاجمون وأعدم أحد عشر شخصا منهم في عمان . وفي تلك الأثناء استمرت تصفية الحسابات بين القبائل القاطنة على الحدود بين العراق ونجد ، والتي جرى في العقير تقرير مصيرها دون مشاركتها . تمكن يوسف بن سعدون من تعبئة مجموعةم ن الإخوان لمهاجمة خصومه من قبيلة الظفير ، ولكن عبدالعزيز حينما فهم بذلك أوفد قوة لمعاقبته . عندئذ هرب يوسف وأنصاره (ومن بينهم الإخوان) وطلب اللجوء من الحكومة العراقية .

عند تقييم السياسة البريطانية في هذه المنطقة في بداية العشرينات ، لايمكن الزعيم بأن إيصال التناحر بين نجد والعراق والأردن إلى حد القطيعة كان من مصلحة لندن . فقد آثر الإنجليز حتى يستثمروا بهدوء ممتلكاتهم الجديدة . وعلاوة على ذلك فإنهم قدموا منحا كبيرة لجميع حكام المنطقة ، ولم يتوقفوا عن تقديمها إلا في 31 آذار (مارس) عام 1924 .

في كانون الأول (ديسمبر) عام 1923 عقد في الكويت ، بمبادرة بريطانية ، مؤتمر حضره ممثلون عن شرقي الأردن والعراق ونجد ، للقيام بمحاولة تسوية القضايا المتنازع عليها ، ولكن الأطراف لم تتفق على شيء . واستمرت غزوات القبائل عبر الحدود المرسومة شكليا ، وفي آذار (مارس) 1924 أوعز عبدالعزيز إلى فيصل الدويش بمعاقبة القبائل التي شنت هجمات على نجد من جهة العراق . استؤنف مؤتمر الكويت في آذار (مارس) عام 1924 واستمر حتى شهر نيسان (إبريل) دونما أي نتيجة . في أواسط آب (أغسطس) اتجهت قوة كبيرة من الإخوان نحوعمان عبر وادي السرحان ، ومرت بمحاذاة حصن القاف الذي شيده الإنجليز منذ أمد قريب ، ولكن حامية الحصن لم تكن لديها وسيلة للاتصال لذا فإن ظهورهم على بعد بضعة كيلومترات من عمان كان مفاجئا . استخدم الإنجليز الطائرات والمدرعات ووحدات الفيلق العربي فأبعدوا الإخوان وكبدوهم خسائر كبيرة .بيد حتى الحاز أخذت تستأثر باهتمام متزايد من لدن أمير نجد عند حلول صيف 1924 .

منذ سنوات عديدة تتطلع عيون النجديين بشوق إلى الحرمين ، بينما كان زعماؤهم يحصون العوائد التي يمكن حتى يدرها عليهم الحجاج ورسوم الجمارك في جدة . واقترن الحماس والتعصب الديني بمخططات الغزوالتي أعدتها الأرستقراطية الحاكمة في نجد . ظلت العلاقات بين نجد والحجاز في أقصى درجات التوتر بعد معركة تربة . وحينما جهز عبدالعزيز قوة مسلحة للاستيلاء على مدينة أبها في شمال عسير في آيار (مايو) 1920 ، منع الحسين النجديين من دخول الحجاز لأداء فريضة الحج في آب – أيلول (أغسطس – سبتمبر) عام 1920 . وحمل النجديون ظلامة إلى بيرسي كوكس بوصفه حكما ، ونزولا عند إصرار الإنجليز جاز الحسين لهم بأداء الفريضة في العام التالي ، ولكنه حدد عدد الحجاج خوفا من تقاطر عدد كبير من الإخوان على الحجاز . وعند حلول عام 1923 كان النجديون قد ثبتوا أقدامهم في عسير ، فتزايدت مخاوف الحسين .

الاستيلاء على شمال عسير

ابتداءا من عام 1871 وحتى الحرب العالمية الأولى كان الأتراك يمارسون إدارة عسير بشكل مباشر ، إذ كان يوجد متصرف هجري إلى جانب أمير من فخذ آل عايد . وعندما نشبت الحرب انسحب الأتراك من عسير وأصبح الأمير حسن بن علي آل عائق مستقلا في الواقع . ولكن الكثير من القبائل ، مثل قحطان وزهران وغامد ، وقفت ضده وارتحلت إلى عمق الجزيرة ، وفي ذات الوقت أوفدت وفدا لمبايعة عبدالعزيز . وقد أوفد أمير الرياض ستة من الفهماء ليهدوا أبناء عسير إلى رسالة التوحيد .

كان غالبية سكان عسير من أتباع الممضى الشافعي ، ولكن بالرغم من ذلك فإنهم كانوا منذ أزمان دولة السعوديين الأولى يميلون إلى الممضى الوهابي ، ولم يتنبتر صلاتهم بنجد . وقد استقبل عبدالعزيز موفدي القبائل وبعث برسالة إلى الأمير حسن يطالب فيها باحترام حقوقهم . وطالب حسن من جانبه بألا يتدخل عبدالعزيز في الشئون الداخلية لعسير . وفي آيار (مايو) عام 1920 ظهرت في جبال عسير قوة قوامها ثلاثة آلاف إنسان مؤلفة من سكان العارض وبدوقحطان ، بقيادة عبدالعزيز بن ساعد بن جلوى ، وانضم إليها بعض السكان المحليين . وقد هزم الأمير حسن في مسقط قرب العاصمة أبها ، واحتل بن جلوى أراضي تمتد حتى المنطقة الواقعة تحت سيطرة محمد الإدريسي . ونظرا لعدم توفر القوى لبسط سيطرة مباشرة على الإمار ، فإن عبدالعزيز نقل الأمير حسن وإبن عمه محمد إلى الرياض ، وبعد أشهر أعادهما إلى أبها كعاملين من الرياض . استمر الصراع الداخلي في عسير ، وأخيرا تولى الإمارة المدعوفهد العقيلي ، ولكن حسن تمكن من تدبير عصيان ضده واستولى على أبها بعد حصار دام عدة أيام . وقد ساعده الشريف حسين في الوقوف ضد صنائع النجديين .

بعد سقوط حائل جهز عبدالعزيز قوة قوامها زهاء ستة آلاف إنسان أسند قيادتها الإسمية إلى إبنه الصبي فيصل ، بينما تولى القيادة العملية إبن لؤي . غادرت القوة الرياض في حزيران – تموز (يونيو– يوليو) 1922 ، وفي الطريق التحق بها قرابة أربعة آلاف بدوي من قحطان وزهران وشهران . وبعد الاستيلاء على واحة بيشة في أيلول – تشرين الأول (سبتمبر – أكتوبر) عام 1922 شارف فيصل مدينة أبها واستولى عليها دون قتال ، وفر حسن بن عائض إلى الجبال . وقد أخفقت محاولة ملك الحجاز لنجدته ، وهزم الإخوان الحملة الحجازية . وبعد الاستيلاء على هذا الجزء من عسير ، وولى فيصل إمارة أبها لسعد بن عفيصان وأبقى معه حامية وعاد إلى الرياض في أوائل عام 1923 ، وسرعان ماتوفي إبن عفيصان فولى الإمارة بعده عبدالعزيز بن إبراهيم . وبعد فترة من الزمن استسلم حسن ووجه إلى الرياض حيث عاش مكرما . وبذا باءت بالفشل محاولة عائض لإنشاء إمارة مستقلة في شمال عسير .

الاستيلاء على الحجاز

عند حلول عام 1923 غدا واضحا حتى الاصطدام بين الملك حسين والنجديين بات وشيكا . وتزايد في الحجاز الاستياء من سلطة الملك ، إذ حتى الفساد والرشوة استشريا وأخذ جهاز الدولة يتآكل بعملهما . وعند حماية الخراج المعتاد من الحجاج عمد الحسين إلى زيادة الزكاة لتعزيز قواته المسلحة واستاءت القبائل من محاولته إرسال قوات لجباية الضرائب ، والتجأ الكثير من المستائين إلى نجد . وظل الملك حسين يعتبر عسير من ممتلكاته ، وفي نيسان (إبريل) عام 1923 حاصرت قوة من الحجاز مدينة أبها ولكن دون طائل .

يشير حافظ رهبة إلى حتى عبدالعزيز قرر غزوالحجاز عام 1923 ، غير أنه لم يكن واثقا من موقف الحكومة البريطانية ، فإن سلطان نجد لم ينس أنها هي التي أرغمته على سحب قواته بعد معركة تربة ، وحذرته من التقدم في الحجاز . وبديهي حتى إبن سعود كان على فهم بالاستياء من نظام الحسين في الحجاز وكان ذلك من العوامل التي دفعته إلى التحرك . وفي الوقت ذاته بدأت حزازات بين الحسين والحجاج الوافدين من الهند ومصر بسبب سوء الخدمات الطبية .

ساءت العلاقات بين الإنجليز والملك حسين الذي رفض إبرام معاهدة فرساي احتجاجا على تسليم سورية للفرنسيين ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني . وفي عام 1921 وفد لورنس يحمل إلى الحسين عرضا بعقد معاهدة بين بريطانيا والحجاز ، يحصل بمقتضاها الملك على إعانات من بريطانيا ويعقد معها معاهدة عسكرية ، وفي اللقاء يعترف بأن لها مصالح خاصة في الحجاز . وأكد الحسين على أنه لايمكن حتى يسود فلسطين السلام مادام العرب يتهيبون من حتى الهدف الأخير للصهاينة يتمثل في إقامة دولة يهودية في فلسطين على حساب مصالحهم القومية . وقد رفض ملك الحجاز توقيع المعاهدة وأهاب برئيس الوزراء البريطاني حتى ينفذ الوعود التي بترها أثناء الحرب ولكنه لم يحصل على جواب .

وقد تراجعت هذه الخلافات إلى المقام الثاني بعد حتى أعرب الشريف حسين نفسه خليفة في آذار (مارس) عام 1924 (إثر إلغاء الخلافة في هجريا التي صارت جمهورية) . وكان الحسين يأمل من وراء إعلانه الخلافة تعزيز سلطته وتأكيد مطامعه في حتىقد يكون أميرا لكل العرب ، أوعلى الأقل المقيمين إلى الشرق من السويس . ولئن كانت هذه المستوى قد قوبلت بالاستياء في مصر حيث كان الملك فؤاد يطمع في الخلافة ، وفي أوساط المسلمين بجنوب آسيا ، فإنها اعتبرت في نجد تحديا لمشاعر الإخوان الدينية وسياسة السلطان إبن سعود . وعلاوة على ذلك فقد أزم هذا القرار العلاقاتب ين الملك حسين والبريطانيين الذين خافوا من فقدان سيطرتهم على ملك الحجاز الذي كانوا يعتبرونه خصما محتملا يقف عائقا دون إحكام سيطرتهم الاستعمارية على الشرق الأوسط . في تموز (يوليو) 1924 افتتحت في جدة قنصلية عامة سوفييتية مما أثار حنق البريطانيين .

ولايجدر حتى ننسى وجود معاهدة شكلية عقدت بين بريطانيا ونجد عام 1915 حول الحماية . وأدرك سلطان نجد حتى بريطانيا يفترض أن تقف ، على الأرجح ، هذه المرة على الحياد في حالة قيام نزاع بينه وبين الحجاز . في تموز (يوليو) 1924 جمع عبدالعزيز قادة الإخوان الذين وفدوا إلى الرياض بمناسبة عيد الأضحى ليعرض عليهم مسألة غزوالحجاز فلقى عرضه صدى إيجابيا في نفوسهم ز وقد أراد الإخوان حتى يجاهدوا في سبيل (تطهير) بيت الله ، ولكي يغنموا الأموال أجرا لجهادهم .

قرر عبدالعزيز حتى ينزل ضربته الأولى بالطائف ، قرب مكة . وفيخمسة أيلول (سبتمبر) عام 1924 ولج الإخوان الطائف ومكنوا فيها ينتظرون أوامر عبدالعزيز . وكان قوام قوات عبدالعزيز مقاتلون من هجرة الغطغط بأمرة سلطان بن بجاد ومن هجر أخرى لعتيبة وقحطان وقبائل أخرى ، وانضمت إليها قوة من الخرمة بقيادة إبن لؤي . وقد استولى الإخوان على خزين الذخائر العسكرية في الطائف ، واستبيحت المدينة لمدة ثلاثة أيام ، وفر الكثير من أبنائها وسقط المتبقون صرعى بيد الإخوان . وقد روعت الحجاز للأمر ، وفي 22 أيلول (سبتمبر) أصدر عبدالعزيز أمرا حذر فيه بشدة من العودة إلى البطش وبتر عهدا بالحفاظ على أموال أهل الحجاز ودمائهم . وثمة معطيات تفيد بأن أربعمائة رجل وامرأة وطفل قد قتلوا في الطائف . وقد حاول علي بن الحسين تجميع قوات في الهدة ووقف زحف الإخوان على مكة ولكنه منى بهزيمة أخرى في خاتمة المطاف . أصبح وضع الحسين ميؤسا منه ، فاجتمع أعيان الحجاز ، ومنهم أشراف مكة وفهماء الدين وكبار التجار ، في جدة وقرروا خلع الحسين في محاولة لترضية إبن سعود . وبعد أخذ ورد وافق الحسين على التنازل عن العرش لولده علي الذي نص ملكا على الحجاز فيستة تشرين الأول (أكتوبر) 1924 . وشكل وجهاء الحجاز مجلسا (حزبا) وطنيا ، وهوشيء أشبه بالبرلمان ، وصارت الحجاز بمثابة مملكة دستورية . وبعد ثلاثة أيام أوفد الحسين مع أمتعته إلى جدة ، وفي أواسط تشرين الأول (أكتوبر) غادر إلى العقبة ومنها نقله الإنجليز إلى قبرص .

لم تتحقق الآمال المعقودة على ترضية إبن سعود . وبعد برهة قصيرة دنا الإخوان من مكة ، واضطر على الانسحاب إلى جدة على رأس قوة من 400 فرد . وفي أواسط تشرين الأول (أكتوبر) عام 1924 ولج الإخوان مكة وبنادقهم منكسة إلى أسفل . وتجدر الإشارة إلى حتى نية عبدالعزيز في التريث وعدم دخول مكة حتى يستبين عمل البريطانيين ، قد صارت طي النسيان بعد إحراز النصر الأول . بيد حتى سلطان جدة آثر المكوث في الرياض ، كي يحمل الإخوان مسئولية غزوالحجاز إذا ماتدخل البريطانيون . ورغم نهب الكثير من بيوت أشراف مكة بعد استيلاء الإخوان عليها ، فإن المدينة لم تشهد حمامات دم . نصب الشريف بن لؤي أميرا لمكة وظل إبن بجاد في الطائف .

كان أعيان جدة ومكة يأملون ، بتنصيبهم علي ملكا ، للتخلص من الغزوالنجدي ، لأن الكثيرين منهم اعتقدوا بأن خلاف سلطان نجد مع الملك حسين هوسبب المشاكل . غير حتى السلطان أراد طرد الأسرة الهاشمية بأسرها من الحجاز ولم يوافق على عقد الصلح بشروط أخرى . حاول أعضاء المجلس الحجازي إجراء المفاوضات ، ولكن إبن سعود أصر على وجوب مغادرة على الحجاز . وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1924 عاد وجهاء الحجاز إلى جدة وطلبوا من على التنازل عن العرش . وبدأت مفاوضات بين أنصار علي وخصومه اضطر أثرها المجلس إلى إعلان حله ، وفي كانون الأول (ديسمبر) 1924 اعتقل الكثير من خصوم علي .

تجدر الإشارة إلى حتى معتمدي الدول الأجنبية في جدة بعثوا إلى خالد بن لؤي رسالة يشيرون فيها إلى التزام حكوماتهم بالحياد ويطلبون ضمان حقوق رعاياهم وممتلكاتهم في جدة في حالة استمرار الحرب . ووعد خالد بأن يكفل الإخوان أمن الرعايا الأجانب . وفي أواخر تشرين الأول (أكتوبر) غادر عبدالعزيز الرياض على رأس جيش من خمسة آلاف مقاتل واستغرق طريقه إلى مكة ثلاثة أسابيع ، وبذلك لخشيته من تدخل البريطانيين في النزاع . ولكن حينما وصلت خط من قناصل الدول الأجنبية تعلن الحياد التام ، استوعب عبدالعزيز حتى الحجاز قد وضع تحت تصرفه .

فيخمسة كانون الأول (ديسمبر) 1924 ولج عبدالعزيز مكة ، وفي الثالث عشر من الشهر ذاته نشرت جردية (أم القرى) الرسمية التي بدأت الصدور بلاغه الذي استعرض فيه برنامجه في الحجاز . واتى فيه : ( 1- سيكون أكبر همنا تطهير هذه البلاد المقدسة من الأعداء أنفسهم الذين مقتهم العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها بما اقترفوه من الآثام في هذه الديار المباركة . 2- سنجعل الأمر في هذه البلاد المقدسة بعد هذا شورى بين المسلمين ، وقد أبرقنا لكافة المسلمين في سائر الأنحاء حتى يرسلوا وفودهم لعقد مؤتمر إسلامي عام يقرر شكل الحكومة التي يرونها صالحة لإنفاذ أحكام الله في هذه البلاد المطهرة . 3- إذا مصدر التشريع والأحكام لايكون إلا من كتاب الله ، ومما اتى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أوما أقره فهماء الإسلام الإعلام بطريق القياس . 4- جميع من كان من الفهماء في هذه الديار أومن موظفي الحرم الشريف أوالمطوفين ذوراتب معين فهوله على ماكان عليه من قبل ...) .

في فترة مكوث علي في جدة أجرى إبن سعود في كانون الأول (ديسمبر) 1924 انتخابات في مكة الغرض المعلن منها تكوين نوع من الإدارة الذاتية ، ولكن الهدف الحقيقي هواستمالة الواتى والتجار المحليين . وقد انتخب مجلس شورى قوامه 11 عضوا برئاسة الشيخ عبدالقادر الشيبي وعين حافظ وهبة حاكما مدنيا لمكة . سرعان ما حصل إبن سعود على تأكيد حديث لحياد الدول الأجنبية من قناصلها ، وكان هذا أبرز ما يصبر إليه . وعندما ألقت طائرة أوفدها علي بن الحسين مناشير فوق مكة يعلن فيها الملك عن اعتزامه استرداد المدينة ، قرر عبدالعزيز حتى أوان العمل قد حان . وفيالخامس من كانون الثاني (يناير) 1925 دنت من جدة قوة إخوانية وبدأ حصار دام زهاء عام . حصن على المدينة وأحاطها بحقول ألغام . ووصل إلى المدينة بضع مجموعات من المسلمين السوريين والفلسطينيين واليمنيين ، جندتهم الأسرة الهاشمية فيما يظهر . ويقدر خير الدين الزركلي تعدا القوات السعودية بـ 5-6 آلاف مقاتل معظمهم من عتيبة وبعض من مطير وكذلك من قبيلتي غامد وزهران الحجازتين . وكان لدى على زهاء 500 مقاتل حجازي وبضع مئات من الفلسطينيين والمصريين واليمنيين والسوريين . وفي المدينة كان هناك 200 بدوي ومايزيد على 300 مقاتل من فلسطين وشرقي الأردن وزهاء 250 يمنيا ، وكان في ينبع حوالي 300 من عتيبة وعقيل ، وبضع مئات أخرى في سائر المناطق . بيد حتى الجيش السعودي تناقص في خلال الحصار لأن البدولايطيقون البقاء أمدا طويلا عند الساحل القائظ .

ولم يحصل على بن الحسين على عون يذكر من العراق وشرقي الأردن ، وفي هذا الخصوص أشار عبدالحميد الخطيب في كتابه (الإمام العادل) إلى حتى الإنجليز تصروفا وكأنهم يريدون حتى يضمنوا لإبن سعود النصر ز وقد وافق عبدالله أمير شرقي الأردن على حتى يتولى الإنجليز نقل أبيه الحسين من العقبة خوفا من غزوقوات إبن سعود بحجة وجوده فيها . وفي آيار (مايو) 1925 وصل الملك السابق إلى السويس حيث كان في استقباله معتمد الحجاز في القاهرة عبدالملك الخطيب وأخوه عبدالحميد الخطيب . ونطق لهما الحسين حتى الإنجليز هم الذين نفوه وخانوه لرفضه الاعتراف بوعد بلفور وتمسكه بحق العرب في دولة مستقلة . وفي مطلع عام 1925 حاول مندوبون عن جميعة الخلافة الهندية وعدد من القناصل الأجانب التوسط بين علي وعبدالعزيز . وفي شهر نيسان (إبريل) من العام ذاته عقد لقاء بين وزير خارجية حكومة جدة وعبدالعزيز ولكنه لم يسفر عن نتيجة .

في حزيران (يونيو) حمل الحصار عن جدة بسبب القيظ ، وفي آب (أغسطس) توجه علي إلى الإنجليز بطلب آخر يناشدهم فيه التدخل ولكنهم رفضوا . وقد أشار البريطاني جيلبرت كلايتون الأمين العام السابق للحكومة في فلسطين ، في ملاحظة دونها بدفتر مذكراته في أواسط تشرين الأول (أكتوبر) أثناء مروره بجدة ، أشار إلى حتى علي كان منهارا معنويا وجسديا . وأعرب كلايتون عن استغرابه من أحجام عبدالعزيز عن الاستيلاء على جدة التي تعاني من الجوع . ويدوحتى سلطان نجد أثر التريث حتى تستسلم له المدينة حقنا للدماء . إبان غزوالحجاز وبعد إحكام السيطرة عليه استمرت الغزوات على أراضي العراق . كما عبر الإخوان وادي سرحان ووصلوا إلى الحدود السورية وبتروا شرقي الأردن عن العراق ، مما جعل الممتلكات البريطانية في الشرق الأوسط عرضة للتقسيم .وبعد حتى احتل عبدالعزيز مكة بمباركة غير معلنة من قبل الإنجليز ، استوعب حتى عليه وضع حد لمطامعه في الشمال .

كان ذلك عشية عقد اتفاقيات لوكارونو، في وقت تأزمت إبانه العلاقات البريطانية الفرنسية بسبب قضية الموصل ، واهتزت مواقع بريطانيا بعمل أعطى حركة التحرر الوطني في فلسطين . لذا لم تشأ بريطانيا التدخل في النزاع بين نجد والحجاز تدخلا صريحا . في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1925 وصل الكولونيل كلايتون إلى مقر عبدالعزيز في الحجاز . وأظهر إبن سعود ثانية أنه سياسي مرن ووافق على إعطاء تنازلات في الشمال لقاء اعتراف بريطانيا العملي بضمه الحجاز . وتمخضت المفاوضات عن اتفاقيتي بحرة وحدة اللتين سقطتا في 1 و2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1925 . وتخص الاتفاقية الأولى العراق ونجد وهي تنص على حتى غزوالعشائر القاطنة في أراضي أي من الدولتين على أراضي الدولة الأخرى يعتبر اعتداء يستلزم عقاب مرتكبيه من قبل الحكومة التابعة لها . ونصت الاتفاقية على تأليف محكمة خاصة من ممثلي الحكومتين للنظر في تفاصيل أي تعد يقع من وراء حدود الدولتين . كما أشارت الاتفاقية إلى حتى من حق العشيرة اجتياز الحدود لرعي الماشية بعد استحصال رخصة بذلك . أما اتفاقية حدة فقد ثبتت للمرة الأولى عمليا الحدود بين نجد وشرقي الأردن ، وتنازل بموجبهاسلطان نجد لشرقي الأردن عن الممر الذي يربطه بالعراق . وتضمنت اتفاقية حدة نصوصا مماثلة لاتفاقية بحرة حول غزوالأراضي وتأليف محكمة للنظر في النادىوي الدينية على أراضي البلد الآخر . ومن الواضح حتى هذا البند له علاقة بالتبشير بالدعوة الإخوانية .

إلى غير ذلك أقيمت الحدود مع الكويت والعراق ومع شرقي الأردن عمليا ، رغم حتى نزاعات الحدود استفحلت بعد برهة وجيزة . حينما بلغ ملك الحجاز نبأ اتفاقيتي بحرة وحدة ، بينما رفض كلايتون مساندته ، استوعب حتى أيام حكمه معدودة . وقرر علي بن الحسين الاستسلام بعد تيقنه من حتى أخويه في العراق والأردن حريصان على الاحتفاظ بعرشيهما أكثر من حرصهما على مؤازرته . وفي 16 كانون الأول (ديسمبر) أوفد على القنصل البريطاني للتباحث في شروط الاستسلام مع إبن سعود ، وقد استسلمت جدة في 22 من الشهر وغادرها علي بن الحسين ، وفي اليوم التالي ولج عبدالعزيز المدينة .

في مطلع شباط (فبراير) 1925 ، حينما كان حصار جدة في أوله ، أوفد عبدالعزيز قوة من الإخوان بأمرة فيصل الدويش إلى المدينة ، ولكن السلطان حذر بشدة من دخول المدينة بدون إذن منه ، خوفا من تعرض قبر النبي للأذى . وعندما لم يعد سكان المدينة قادرين على الصمود للحصار خطوا إلى عبدالعزيز يعربون عن موافقتهم على تسليم المدينة ولكن لأحد أنجاله وليس للإخوان ، فأوفد عبدالعزيز إبنه محمد إلى هناك في تشرين الأول (أكتوبر) . وفي هذه الأثناء استلم أهالي المدينة برقية من علي تعد بالنجدة ، فأجلوا الاستسلام . وفي الشهر التالي أصبح وضع المدينة حرجا ولم يبق أمل في النجدة ، فقرر أعيانها الاستسلام ، وفيستة كانون الأول (ديسمبر) 1925 ولج محمد المدينة وصل المسجد النبوي .

عشية سقوط جدة أبلغ إشراف مكة وفهماؤها وأعيان جدة عبدالعزيز عن استعدادهم لمبايعته ملكا على الحجاز . وفي 11 كانون الأول (ديسمبر) 1925 اجتمع الناس عند باب الصفا من المسجد الحرام بمكة وتلي نص البيعة ، وأطلقت المدفعي مئة طلقة . وتقبل عبدالعزيز البيعة من أشراف مكة ثم الوجهاء والأعيان وأركان المحكمة الشرعية فالأئمة والخطباء وأعضاء المجلس البلدي ، ثم أهل المدينة ، ثم المطوفون والزمازمة وسدنة وخدم الكعبة ، ثم سائر أهل المدينة ومكة . وأصبح عبدالعزيز يعهد بملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها .

وفي 16 شباط (فبراير) 1926 اعترف الاتحاد السوفيتي رسميا بحكومة الحجاز . وسلمت مذكرة إلى إبن سعود اتى فيها (...إن حكومة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية ، انطلاقا من مبدأ تقريب الشعوب لمصيرها ، ونظرا لاحترامها العميق لإرادة شعب الحجاز المعبر عنها في مبايعتكم ملكا ، تعتف بكم ملكا للحجاز وسلطانا لنجد وملحقاتها . وفي ضوء ذلك تعتبر الحكومة السوفييتية نفسها في حالة علاقات دبلوماسية طبيعية مع حكومة جلالتكم) . وأعرب الملك في مذكرة جوابية عن الشكر والاستعداد التام لمعاملة الحكومة السوفييتية ورعاياها بما يليق بالدولة الصديقة . وأعقب اعتراف الاتحاد السوفييتي بإبن سعود اعتراف دول أخرى .

بايع وجهاء الحجاز سلطان نجد وهم يخشون تسلط (بدونجد) على الحجاز الأكثر تطورا ، فحاولوا الاحتفاظ بحقوق واسعة . وقد شكل 56 من ممثلي الأرستقراطية المحلية والفهماء والتجار (مجلسا تأسيسيا) قرر حتى الحجاز يجب حتى يظل مستقلا عن نجد في الشئون الخارجية والداخلية ولا يجمع بين مملكتي الحجاز ونجد إلا إنسان الملك ، وتشكل في الحجاز حكومة إسلامية ويشرع دستور يستمد أحكامه من القرآن والسنة . واقترح (المجلس التأسيسي) صياغة أشكال البناء الداخلي والأحكام الإدارية وفقا للظروف المحلية . وخشي بعض الحجازيين من حتىقد يكون إبن سعود مازال واقعا تحت تأثير المعاهدة المعقودة مع بريطانيا عام 1915 والتي تجعله تحت الحماية البريطانية ، الأمر الذي يتناقض مع توقهم إلى الاستقلال . وحاول وجهاء الحجاز تحديد سلطة الملك ن غير حتى تناسب القوى كان لصالح إبن سعود . وفي عام 1926 شكلت ، وفق مرسوم ملكي ، المجالس الاستشارية في مكة والمدينة وجدة وينبع والطائف ، وصار لها فيما بعد طابع بلدي ، ومن ثم شكل مجلس شوري يضم 13 شخصا .

كانت المستوى التالية تتمثل في الحصول على اعتراف بسلطة إبن سعود على الحجاز من لدن الدولة الإسلامية ، وإن كانت هذه المسألة وقت ليس إلا . وبعد استيلاء النجديين على الحجاز وصلت إلى نجد بعثة إسلامية من الهند طالبت بأن تتولى الإشراف على الأماكن المقدسة لجنة تمثل جميع البلدان الإسلامية . مكنت البعثة فترة قصيرة ولم يصق إبن سعود صبرا فهيأ باخرة تنقلها إلى الهند . عام 1926 فرر إبن سعود الدعوة لمؤتمر إسلامي ينعقد في شهر حزيران (يونيو) بعد أداء فريضة الحج ، لكي يضفي المزيد من الشرعية على توليه الحجاز . ووجه ملك الحجاز الجديد رسائل إلى عاهل مصر وأفغانستان وإلى الرئيس الهجري وشاه إيران وملك العراق وأمير جمهورية الريف وإمام اليمن يحيى وسائل الحكومات الإسلامية ، وإلى رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في القدس ورئيس جمعية الخلافة في بومباي ، يعاهدهم فيها بأنه سيرعى الأماكن المقدسة ويعمل على تهيئة ظروف أفضل للحجاج . اجتمع في المؤتمر الإسلامي بمكة 69 مندوبا عن المنظمات الإسلامية في الهند ومصر والاتحاد السوفييتي وجاوا وفلسطين ولبنان وسورية وأفغانستان واليمن ومصر وغيرها . ولم يبقى عبدالعزيز لدى المؤتمرين شكا في أنه سيد الحجاز ولن يسمح بالتدخل في شئونه . وقد استاء البعض وغادروا المؤتمر ولكنهم لم يتمكنوا ، بطبيعة الحال ، من تغيير شيء . أما المتبقون فقد أقروا بالأمر الواقع . وقد أدلى المفتي رضا الدين سحر الدينوف رئيس وفد مسلمي روسيا وهجرستان ، رئيس الدائرة الدينية المركزية للمسلمين ، بتصريح لمراسل وكالة تاس تحدث فيه عن اعتراف المؤتمرين بإبن سعود (جاميا للحرمين) . ونادى المؤتمرون إلى إعادة العقبة ومعان إلى الحجاز ن وبذا أيدوا عمليا الملك الجديد . لقد أصبح النقاش حول تولي حماية البقاع المقدسة أمرا عقيما بعمل عوامل عديدة تتمثل في فوز القوات النجدية وموقف الحياد والتغاضي من قبل بريطانيا التي اختارت أهون الشرين أثناء غزوإبن سعود للحجاز وضحت بالحسين ، والسياسة الذكية للملك الجديد الذي جمع بين التشدد والمرونة .

اتى في رسالة صادرة عن القنصلية العامة السوفييتية في جدة عام 1929 : ( حتى الاستيلاء على الحجاز وعائداته من الحج والجمارك وما شاكلها (العائد السنوي من الحج وحده يصل إلى مليوني جنيه استرليني) يتيح لإبن سعود إمكانية استثمار جميع هذه الموارد الضخمة للحصول على منفعة سياسية كبيرة في نجد (إعانة المستوطنيني الجدد ودفع مخصصات لشيوخ العشائر البدوية) ... والتجار الذين يمثلون القوة الرئيسية في الحجاز يميلون إلى الإمبراطولية البريطانية ويدعون إلى الاتفاق مع الإنجليز . البدومستأوون : فهم يدفعون زكاة مقدارها 2.5 بالمائة ، والغزوات ممنوعة ، وحرمهم استيراد السيارات من مداخيلهم ، وليس ثمة إعانات من السلطان ، كما حتى الاستياء سائد في أوساط المطوفين الذين كانوا ينهبون الحجاج ، لأن الدولة تنظم الحج وتستولي على عوائده) . أحدق بعبدالعزيز الخطر ، ولكنه لم يكن خطرا خارجيا ، بل داخليا مصدره الإخوان إياهم الذين ألحقوا الحجاز بممتلكات السلطان .

توطد المركزية الإقطاعية وحركة الإخوان (1926-1934)

الوضع في الحجاز

قابلت إبن سعود ، بعد غزوالحجاز ، ضرورة إدارة بلد بلغ من التطور شأنا يفوق بكثير شأن نجد ، بل وحتى الإحساء . فقد تكون الجهاز الإداري البيروقراطي في الحجاز وفقا للمعايير العثمانية وكان أرقى الأجهزة في الجزيرة . وعلى عهد الملك حسين صدرت حتى ميزانية تتضمن شرحا للنفقات ، رغم أنه لم يجر التقيد بها ، بطبيعة الحال . كما ظهرت هناك النواة الأولى لجيش نظامي ، وافتتحت مدارس ثانوية . وصدرت صحيفة رسمية هي (القبلة) تنم كتاباتها عن دراية بالعالم الخارجي ، وغالبا ما كانت تولي اهتماما كبيرا للأحداث في أوروبا ، وتنشر أنباء عن الأشغال العمومية مثل توسيع شبكة الهاتف وتنظيف الشوارع . وقد استقر رأي عبدالعزيز على إبقاء الهيكل الإداري الذي أقامه الحسين وإبنه علي كما هو، على حتى يوظفه لخدمته .

وكان على إبن سعود حتى يوفق بين فهماء الدين في نجد والحجاز ويحمل فهماء مكة على التنازل لفهماء الرياض . وفي محاولة لإزالة الإشكالات عقد فهماء الرياض سلسلة من الاجتماعات مع زملائهم المكيين ، زعموا بعدها أنه لاتوجد خلافات جدية بين الطرفين . وقد استمرت بعض الأشغال العمومية التي تولتها شركات خارجية وبدأت بتطبيقها على عهد الحسين .

عند غزوالحجاز كان إبن سعود يدرك أهمية التلفون والراديولتعزيز سلطته ، وأهمية السيارات للأغراض الاقتصادية والعسكرية . غير حتى البدووالفهماء السلفيين كانوا يعتبرون التلفون والراديومنكرا من عملا لشيطان . وقد حل هذا الإشكال بعد حتى تليت عبر التلفون ، ثم من الراديوآيات من القرآن . كما اعتبر الإخوان السيارة من بدع المشركين ، إذا لم تكن من عمل الشيطان . وقد أحرقت أول شاحنة ظهرت في مدينة الحوطة ، وكاد سائقها يلقى المصير ذاته . ولم تكن الطائرة أوفر حظا . إلا حتى احتياجات المجتمع العملية كانت أقوى من الجهل والتحجر الذهني ، لذا فإن السيارة والراديووالتلفزيون أخذت تنتشر على نطاق متسع في مملكة إبن سعود . وبعد عقدين أوثلاثة أخذ فهماء الدين أنفسهم يمتطون الطائرات ، إلا حتى الحظر ظل مفروضا على الحاكي والسينما ، ورغم منع استيراد هاتين الآلتين فإنهما انتشرتا في البيوت الخاصة .

أدرك الملك حتى عليه إقامة اعتبار لمصالح وجهاء الحجاز . وعندما عين إبنه فيصل نائبا للملك في الحجاز (آب – أغسطس 1926) أصدر في الوقت ذاته (التعليمات الأساسية للملكة الحجازية) بمثابة دستور . وقد حددت وضع نائب الملك ومجلس الشورى والهيئات الإدارية .

كان مجلس الشورى المؤلف عقب إعلان الدستور يضم كلا من الأمير فيصل بوصفه نائبا للملك وأربعة مستشارين وستة من وجهاء الحجاز . ولا شك في حتى جميع أعضاء المجلس من ممثلي الأرستقراطية الحجازية لمقد يكونوا من قبل مناصرين للحسين أوإبنه علي ، وحتى إذا كانوا قد محضوهما التأييد فقد تخلوا عنهما . وفي عامي 1924 و1925 كانت توجد في مكة جمعيات لها وظائف استشارية تضم الوجهاء وفهماء الدين والتجار ، وكان بوسعها حتى تطمح إلى الاستقلالية وتحمل مطالب إلى الملك . ولكن أيا من أعضاء هذه الجمعيات لم يعين في مجلس الشورى عام 1926 ، لذا فمن المنطقي الافتراض بأن نشاطها قد أثار انزعاج إبن سعود . إن البون شاسع بين الجمعيات الأولى وبين مجلس الشورى المؤلف من أعضاء لا صوت لهم . لذا أحكم عبدالعزيز سيطرته على الحجاز دون منازع ، واعترف به ملكا على الحجاز داخل البلد وفي العالم الإسلامي كله ، لذا لم يكن بحاجة إلى مايجمل به قابلة حكمه . وعلاوة على ذلك يظهر حتى عبدالعزيز أحس بأن دستور الحجاز قد يصبح قدوة يطمح إليها أهل نجد ، لذا قام (وأد الوليد) .

في الأعوام التالية صار لحكومة فيصل في الحجاز طابع حكومات الشرق الأوسط البيروقراطية بشكلها البدائي ، ولكنها كانت بعيدة عن الحكم الملكي الدستوري . واعتمدت هذه البيروقراطية على الحجازين المتفوقين على النجديين من حيث مستوى التطور ، رغم أنها عملت تحت إشراف الأمير فيصل ومستشاريه المقربين . في الوقت الذي حاول عبدالعزيز ومجموعة من مستشاريه المتنورين إلى هذا الحد أوذاك توظيف الجهاز الإداري في الحجاز لمصلحته ، كان الإخوان قد عقدوا الهزم على تطهير الحجاز من البدع المنكرة وهدم القباب التي اعتبروها مخالفة للإسلام . ويمضى حافظ وهبة إلى حتى حماس الإخوان الجهلة للوهابية كان أكبر ما ابتليت به هذه الدعوة الإصلاحية على حد قوله . وقد قابل الملك الإقطاعي عبدالعزيز ، إثرة غزوة الحجاز معضلة التعامل مع الإخوان .

إذ حتى الإخوان أزالوا في مكة الشاهد المقام عند موضع ولادة النبي وهدموا منزلي خديجة وأبي بكر . وأشار فيلبي الذي جاء موسم الحج عام 1931 إلى هدم جميع الأضرحة والقباب في الحجاز وذكر حتى ذلك سيجعل الأجيال القادمة تنسى الوقائع التاريخية المرتبطة بهذه الأماكن . وإلى جانب الدافع الأخلاقي الديني ، تأصل لدى الإخوان العداء البدوي لكل مايجعله ويستأنس به الحضر في مدن الحجاز الذين اعتبروهم متنكرين للإسلام . ولما احتل الإخوان الطائف ومكة أخذوا يهشمون المرايا ويستخدمون أطر الأبواب والنوافذ كوقود للنار . ورغم حتى هذا واحد من طباع الغزاة المعتادة ، إلا أنه كان تعبيرا عن حقد البدوالدفين على ترف المدن . وقد اقترنت نزعة الإخوة لدى الإخوان بالتعصب الديني والعادات البدوية .

في عام 1924 أمر خالد بن لؤي بإحراق كمية كبيرة من التبوغ العائدة ملكيتها لمستوردين مكيين أثرياء ، فشكوه لعبدالعزيز الذي ألغى الأمر الصادر عن إبن لؤي ولكنه حرم استيراد التبغ مستقبلا . وفيما بعد جاز ثانية باستيراد التبغ . ولكن استمر إيقاع العقوبة بالمدخن . حينما أقصى خالد بن لؤي عن منصب حاكم مكة ، عقب سقوط جدة في كانون الأول (ديسمبر) 1925 ، كان هذا يعني تصميم عبدالعزيز على عدم إبقاء المناصب الإدارية في الحجاز بيد قادة الإخوان وقبل ذلك ، في أيلول (سبتمبر) من العام ذاته ، حظر رسميا في مكة حمل الأسلحة النارية لتقييد تحركات الإخوان . كان عبدالعزيز يخشى تعدي الإخوان على الحجاج المسلمين وبالعمل فقد جرحوا عددا من الحجاج مما أثار احتجاج القناصل الأجانب ، وحاولوا اغتال عدد من المسلمين العاملين في القنصليات الأجنبية . وسعى الملك لتوجيه طاقة الإخوان نحوغزوالمدن والموانئ الواقعة بين جدة وخليج العقبة ، ولكن سرعان ما أصبح الحجاز كله تحت سيطرته فلم يعد لجنوده عمل يؤدونه .

في مطلع موسم الحج صيف عام 1926 وصل مكة المحمل المصري تصحبه الموسيقى ، وعند اقترابه سمع الإخوان الذين كانوا بدون سلاح وليس عليهم سوى الإحرام ، الموسيقى لأول مرة فاعتبروا ذلك ضربا من الزندقة واستبد بهم الغذب فهبوا ليمنعوا تقدم الجمل الذي يقل المحمل . وهنا منح ضابط مصري أمرا بإطلاق النار فقتل زهاء 25 شخصا . وعلى الفور أوفد عبدالعزيز الذي كان قريبا من المكان ولديه فيصل وسعود لتهدئة ثائرة الإخوان . وأمر الملك باحتجاز الضابط المصري ومنعه من مرافقة الحجاج علاوة على منع المحمل من دخول مكة ، ولكنه لم يقدم على إيقاع عقوبة شديدة نظرا لانعقاد المؤتمر الإسلامي في مكة آنذاك . وقد انبترت العلاقات مع مصر إثر ذلك . غير حتى الإخوان ظلوا أمدا طويلا يلومون عبدالعزيز لأنه لم يعاقب (المشركين) المصريين على قتلهم 25 من الإخوان ، وفيما بعد تذرع جميع من فيصل الدويش وسلطان بن بجاد بهذا الحادث معتبرينه السبب الأول للخلاف مع الملك ، وأكدا على حتى إبن سعود لم يسمح للإخوان بهدم المحمل بل وبسط حمايته على (الصنم) .

شرع الملك بتطبيق مايدعوإليه الممضى الوهابي بصرامة ، وذلك لغرضين أولهما كسب رضا الإخوان وثانيهما تعزيز هيبته وسلطته . فإن المنبتر عن الصلاة يعاقب بالحبس مدة تتراوح 24 ساعة إلى عشرة أيام وبغرامة ، وإذا ماعادوها فيحبس لمدة قد تصل إلى سنتين . والعقاب الصارم يطال جميع من يصنع الخمر أويبيعها . وقد حظر التدخين ولكن لم يرد ذكر للمتاجرة به . واقترن هذا التقيد الصارم بالوهابية بممارسة العنف والتنكيل بالخصوم السياسيين لآل سعود . ويتعرض جميع من يشارك في اجتماع الغرض منه نشر الأفكار المنكرة والأخبار الكاذبة والأراجيف وكل من يشارك في اجتماعات مناوئة لسياسة الحكومة ، لعقوبة الحبس لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات ، أوالطرد من مملكة الحجاز . وكان ينبغي استحصال رخصة من السلطات لعقد أي اجتماع حتى وإن كان لأغراض حيرية. غير حتى التقيد الشديد بالأحكام الشرعية لم يدم أمدا طويلا . فبعد مغادرة الإخوان الحجاز خففت القيود المفروضة على المدخنين وصار بوسع الراغبين الحصول حتى على الخمر ، ولم يعد أحد يهتم بطول الشارب.

أراد عبدالعزيز حتى يؤكد حرصه على نقاء الدين ، ويحد في الوقت نفسه من تعسف الإخوان ، فأسس صيف 1926 جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت إشراف عالمين من آل الشيخ . وأمر إبن سعود الإخوان بأن يبلغوا الجماعة بكل منكر يرونه على ألا ينزلوا العقاب بالناس وفق هواهم .

وبالتدريج تحولت الجماعة إلى مايشبه الشرطة الدينية ، وفيما بعد وضعت هيئات الأمر بالمعروف التابعة للجماعة تحت إشراف مديرية الشرطة . وعهدت إلى الهيئات القضايا المتعلقة بالغش والخداع في الأعمال التجارية والامتناع عن إخراج الزكاة والإفطار العلني والخروج عن أصول الحج وسفك الدماء وتعاطي أوبيع الخمر . وعند صيف 1928 كانت الهيئات تساهم بنشاط في اجتماعات الحكومة وتشدد من رقابتها على أهالي الحجاز . وقد عثر عبدالعزيز هذه التجربة جديرة بأن تضم سائل أنحاء البلاد ، فأسس في الرياض مديرية الأمر بالمعروف صيف عام 1929 ، حينما بلغت انتفاضة الإخوان ذروتها .

وقد ندد القيمون على الجماعة بالرئيس الهجري مصطفى كمال (أتاتورك) والملك الأفغاني أمان الله بسبب ما أجرياه من إصلاحات . ونطق تورباكولوف القنصل العام السوفييتي في جدة : (يصعب على المرء حتى يتسقط موقفا آخر إزاء كمال باشا وأمان الله من بلد يقوم وجوده ذاته على حساب الحرمين ويشكل جميع ابتداع خطرا يهدد المصالح المادية للأغلبية) .

صارت هيئات الأمر بالمعروف أداة انتزع بواسطتها من الإخوان حق مراقبة تمسك الناس بأصول الدين . وقدمت الديمقراطية العشائرية ، بشكلها لديني المتعصب ، قربانا لجهاز الحكم في دولة إقطاعية مركزية . كانت تصرفات الإخوان تبدوللوافدين الأوروبيين وللمتفهمين من مستشاري الملك نوعا من الغلوفي التعصب وحتى الوحشية ، غير أنها مع ذلك كانت تنم عن سعي الجماهير الواسعة من عرب الجزيرة إلى الحياة البسيطة التي دعت إليها الوهابية . وتمسكت الجماهير بالدعوة إلى المساواة التي تضمنتها الوهابية ، وحاولت تحقيق مثلها عمليا وفق ماترتئيه . وقد اصطدمت طموحات الإخوان وممارساتهم بالمصالح العملية لعلية الإقطاعيين . لذا فإن تسمية هبات الإخوان بأنها رجعية سافرة تبدومغالاة في إبراز جانب واحد ، بل وحتى غير صائبة ، فقد كانوا رجعيين بنفس القدر الذي كانت عليه رجعية المشاركين في الانتفاضات الفلاحية في عصر الإقطاع بأوروبا ، بكل ماشهدته من بطش وبأس . وعندما خابت آمال الإخوان وعادوا من الحجاز إلى هجرهم وقبائلهم في وسط الجزيرة ، غدا واضحا حتى اشتباكهم مع دولة إبن سعود الإقطاعية المركزية بات وشيكا .

الفترة الأولى لانتفاضة الإخوان

بلغت العلاقات بين السلطة الإقطاعية المركزية والإخوان درجة الغليان بسبب تعاون عبدالعزيز مع الإنجليز عند رسم الحدود مع الكويت والعراق والأردن ، وبسبب سياسته في الحجاز . فقد اعتبر الإخوان إذا غبنا أصابهم عند توزيع الغنائم في الحجاز ، كما حتى موافقة عبدالعزيز على منع الغزوات على أراضي الكويت والعراق والأردن حرمهم من إمكانية تحسين أوضاعهم المادية عن طريق سلب المشركين . وفي ظروف تعمق أزمة تربية الإبل وتخلف الزراعة في الهجر ، كان الغزوالمتستر بذرائع دينية يظهر للإخوان مخرجا طبيعيا يدفع عنهم غائلة الفقر والجوع . وأدى تسامح عبدالعزيز مع الشيعة في الإحساء والقطيف إلى زيادة الطين بلة .

من تناقضات حركة الإخوان حتى قادتها كانوا من شيوخ العشائر الإقطاعيين الطامحين إلى حتى يصبحوا حكاما إقطاعيين مستقلين . وبذا صارت حركة الإخوان الديمقراطية من حيث هجريبها وعدد من مطالبها ، أداة لخدمة النزعة الإنفصالية الإقطاعية العشائرية . وكان من أبرز قادة الإخوان القائد العسكري والمقاتل الجسور ، شيخ قبيلة مطير فيصل الدويش الذي عاد بعد سقوط جدة في أواخر عام 1925 إلى مقره في الأرطاوية مستاءا استياءا شديدا من عبدالعزيز ، إذ أنه لم ينصب حاكما للمدينة المنورة كما كان يأمل . وأضيف إلى ذلك التناحر بين مطير وآل سعود الذي خفت بعض الشيء قبل عام 1925 . يقول المؤرخ خالد الفرج : (إذا راجعنا تاريخ نجد وجدنا قبائل مطير دائما في صفوف أعداء آل سعود . وهم أول من تلقى طوسون باشا في الحجاز ، ونقل حملته إلى القصيم . وانضموا إلى حملة إبراهيم باشا على الدرعية ، وقاتلوا في صفوفه ... وهم الذين هللوا لمقدم خورشيد باشا ، وجاؤوا معه إلى الخرج محاربين . وكانوا أخيرا في صفوف إبن رشيد ، إلى حتى ضربهم إبن سعود في سقطة جولبن فكسر شوكتهم) . وحتى بعد انضمام فيصل الدويش إلى إبن سعود ، فإن 150 رجلا مسلحا كانوا يصحبونه حدثا يقدم الرياض . وكان الملك ، كما يقول حافظ وهبة ، (يعتبره صديقا قديما وقائدا من عظام قوادة . وإذا جلس لايجلس إلا في جوار الملك ... وإذا استأذن في الرجوع إلى الأرطاوية قدم للملك قائمة تبتدئ من حبال الآبار .. إلى السلاح والجوادي ، ومابين ذلك من ملابس له ولأولاده وزوجاته) .

وكان من المعارضين لأبن سعود ضيدان بن حثلين شيخ العجمان وهم من أشد وأقدم خصوم آل سعود ولم يقهروا وينضموا إلى حركة الإخوان إلا منذ عهد قصير ، وكذلك شيخ عتيبة سلطان بن حميد بن بجاد رغم حتى عبدالعزيز بن سعود هوالذي ساعده على حتىقد يكون شيخا . وقد آمل إبن بجاد حتى ينصب حاكما للطائف ولكن كان للملك رأي أخر . وقد كانت عتيبة أقوى وأكبر قبائل وسط الجزيرة بعد عنزة . وفيما بعد انضم إلى الحركة المناوئة لإبن سعود واحد من مشايخ الدولة . وبذا فإن القبائل القاطنة إلى الشرق والشمال والغرب والجنوب الغربي من الرياض صارت معادية للسلطة المركزية . ومن المهم الإشارة ‘لى أننا لا نجد في معسكر المعادين لعبدالعزيز ممثلي القبيلة الأكثر بأسا وقوة وهي عنزة (باستثناء فخذ الرولة) وكذلك آل حرب ، والقسم الأكبر من شمر . أي حتى انتفاضة البدولم تكن شاملة الأمر الذي أنقذ النظام الملكي .

في مطلع عام 1926 اجتمع فيصل الدويش وإبن حثلين وإبن بجاد في الغطغط وأعدوا قائمة بمآخذهم على عبدالعزيز ، وصارت هذه القائمة أساسا للتهم التي وجهت للملك في الاجتماع العام الذي عقده زعماء الإخوان من مطير وعتيبة والعجمان في تشرين الثاني – كانون الأول (نوفمبر – ديسمبر) 1926 في الأرطاوية . وقد وجهت للملك سبع تهم: - سفرة إبنه سعود إلى مصر (إثر حادث المحمل) .

- سفرة إبنه فيصل إلى لندن في (آب أغسطس) 1926 للتفاوض مع الإنجليز) ، الأمر الذي يعني التعاون مع بلد الشرك.

- استخدام التلغراف والتلفون والسيارة في أراضي إسلامية . وكانت هذه النقطة خليطا من الاحتجاج الشعبي على تعزيز السلطة المركزية والعصبية البدوية .

- فرض رسوم جمركية على مسلمي نجد ، وكان هذا في الواقع احتجاجا على تشديد استغلال السكان عن طريق الضرائب التي تجبي مركزيا .

- منح قبائل الأردن والعراق حق الرعي في أراضي المسلمين – وهذا انعكاس للصراع بين القبائل في سبيل الحصول على المراعي .

- حظر المتجارة مع الكويت . فلوكان سكانالكويت كفارا فإن على عبدالعزيز إعلان الجهاد ضدهم ، وإن كانوا مسلمين فلا يجدر به الوقوف ضد المتاجرة معهم . - التسامح مع الخوارج (الشيعة) في الإحساء والقطيف . فقد أراد الإخوان لعدبالعزيز إما حتى يهديهم إلى الإسلام أويقتلهم .

شعر عبدالعزيز حتى استياء الإخوان قد يتخذ طابع انتفاضة صريحة ، فغادر الحجاز على عجل وعاد إلى الرياض في كانون الثاني (يناير) 1927 . وفي أواخر هذا الشهر نادى إلى العاصمة زهاء ثلاثة آلاف من الإخوان ، وفي هذا الاجتماع قدم فيصل الدويش وإبن بجاد وغيرهما من زعماء الإخوان المنشقين بنودهم السبعة . لم تكن الانتفاضة قد اتخذت طابعا صريحا بعد ، لذا أخذ إبن سعود يبحث عن حل وسط فوافق على تقليص الضرائب ولكنه رفض نبذ اللاسلكي والسيارة . بل أنه أقنع الحاضرين بمبايعته ملكا لنجد والحجاز فأصبح لقبه (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها) .

في شباط (فبراير) 1927 أصدر فهماء الرياض الذين أقلقتهم مطالب الإخوان فتوى اشتهرت فيما بعد . وقد سقطها 15 عالما الأمر الذي يشير على مدى تعقد الوضع . وتظاهر الفهماء بأن موقفهم محايد إزاء التلغراف ، ولكنهم نصحوا الإمام بهدم مسجد الحمزة وإرغام الشيعة على دخول الإسلام أوطردهم من البلد . (نذكر بأن الوهابيين لايعتبرون الشيعة مسلمين) . وطالب الفهماء الملك بمنع شيعة العراق من الرعي في أراضي المسلمين . وطالب الفهماء بأن يعيد الملك الضرائب المستوفاة خلافا للشرع ، ولكنهم أشاروا في الوقت ذاته إلى حتى فرض ضرائب غير شرعية ليس ببا كافيا لتصديع وحدة المسلمين . كما أكدوا على حتى الإمام هوالشخص الوحيد الذي يمكنه إعلان الجهاد .

في مطلع نيسان (إبريل) 1927 قرر عبدالعزيز حتى يعقد اجتماعا آخر لشيوخ القبائل وزعماء الإخوان ، فوفد إلى الرياض مايزيد على ثلاثة آلاف من الإخوان ، ولم يحضر إبن بجا . وفي هذه المرة حاول عبدالعزيز عزل فيصل الدويش الذي اعتبره خصمه الرئيسي . ويبدوحتى عبدالعزيز تمكن في هذا اللقاء من استمالة فخذ من مطير وجعله معاديا لفيصل . لكن الحركة المعارضة لإبن سعود لم تقتصر على الإخوان . ففي صيف 1927 اكتشفت مؤامرة تهدف إلى اغتيال سعود بن عبدالعزيز في الرياض وعبدالله بن جلوى في الإحساء . وزعم حتى بين المتآمرين شقيق عبدالعزيز محمد وإبنه (إبن محمد) خالد .

لم يجرؤ فيصل على تحدي الملك جهارا ، فأخذ يستعد لشن غزوات على العراق . وكان يأمل من وراء ذلك توزيع الغنائم على أتباعه وحمل الملك على مساندته أو، بخلاف ذلك ، البرهنة على أنه لم يعد مجاهدا في سبيل الله . ظل الملك يترقب ، إذ حتى (الحذر كان دوما السمة المميزة لعبدالعزيز بن سعود – كما يقول غلوب – وكان واثقا من قدرته على هزيمة خصومه من أمراء الجزيرة ، ولكنه لم يكن مستعدا لخوض معارك حربية ضد بريطانيا . أما الإخوان فقد كانوا مستعدين لإيراد أقوال عبدالعزيز السابقة كحجة ضده . واعتبروا العراقيين خوارج وأعداء الله ونطقوا بأن أرواحهم وممتلكاتهم مباحة للإخوان باعتبارهم مؤمنين بالدين الحق . غير حتى عبدالعزيز كان مثالا للحذر والتبصر . ولئن أيد العصبية فقد كان ذلك لغرض وحيد وهواستخدامها كأداة لبلوغ مآربه ، بينما لم يكن هوذاته متعصبا ابدا) .

رغم حتى وضع إبن سعود في المملكة صار مهزوزا فإن الدبلوماسية البريطانية ظلت ترى فيه القوة العملية الوحيدة في الجزيرة ، القوة التي تعتزم التعاون معها . وتخلت بريطانيا عن آمالها في فرض أوإبقاء الحماية على الحجاز ونجد وملحقاتها . وكانت مملكة الجزيرة المترامية الأطراف والقليلة السكان محاطة بمستعمرات أومحميات أوبلدان تابعة للندن . وقدر الإنجليز حتى المملكة ، حتى وإن ظلت مستقلة ، ليس بوسعها اتخاذ أية خطوات تضر بالمصالح البريطانية .

في آيار (مايو) 1927 أجرى المندوب البريطاني كلايتون مفاوضات مع عبدالعزيز في جدة ، وفي العشرين من الشهر عقدت (معاهدة صداقة وحسن تفاهم) وقد ألغت هذه المعاهدة النافذة لمدة سبعة أعوام ، اتفاقية عام 1915 واعترفت (بالاستقلال التام والمطلق) لممتلكات إبن سعود . ومن الناحية الشكلية لم تنص المعاهدة على أية امتيازات خاصة لبريطانيا ، ولكن إبن سعود التزم بالاعتراف بأن لها (أي لبريطانيا) علاقات خاصة مع إمارات الخليج ومحميات عدن . ولم يعترف الملك بإلحاق العقبة ومعان بشرق الأردن ، إلا أنه التزم بمراعاة الأمر الواقع لحين رسم الحدود بين الحجاز وشرق الأردن بشكل نهائي . وكانت المعاهدة نجاحا هاما للدبلوماسية السعودية وقننت استقلال الدولة الجديدة .

سرعان ما منح الإنجليز الإخوان ذريعة لغزوأراضي العراق . ففي أيلول (سبتمبر) 1927 أوفدت مجموعة من الشرطة العراقية إلى آبار البضية الواقعة على الأراضي العراقية على مقربة من الحدود لبناء مخفر هناك . وقد احتج عبدالعزيز استنادا إلى اتفاقية المحمرة والبروتوكول رقم واحد المسقط في العقير . وردت الحكومة العراقية بأن البضية تقع داخل العراق على بعد 80 ميلا عن الحدود ، وأن المخفر للشرطة وليس للجيش ، في حين حتى النجديين لمقد يكونوا يفرقون بين الشرطي والجندي . ولم يأبه الإنجليز باحتياجات إبن سعود الذي طالب بإزالة المخفر ، وذلك تحت ضغط الإخوان .

في ليلة السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) 1927 أباد مطير جميع رجال الشرطة العراقيين باستثناء واحد . وتدخلت إلى جانب العراق الطائرات البريطانية التي ألقت قنابلها على البدو. وفي مطلع كانون الأول (ديسمبر) هاجم 300 من مطير أراضي الكويت إلى الشمال الشرقي من الجهراء . وفي 13 من الشهر طلب إبن الصباح مساندة الطائرات البريطانية لمجابهة الغزوات . ولكن إبن سعود كان قبل ذلك قد أبلغ الحكومتين العراقية والكويتية بأن هذه الغزوات تجري خلافا لأوامره . وفي 16 كانون الأول أعيد بناء مخفر البضية ورابطت فيه فصيلة من الجيش العراقي . ومن كانون الأول (ديسمبر) 1927 استخدمت الطائرات البريطانية على نطاق واسع ضد الإخوان ، ولكن كان من الصعب في الصحراء تمييز الإخوان عن غيرهم ، فادت الغارات إلى مصرع سكان مسالمين . وقد استمرت غزوات الإخوان حتى شباط (فبراير) .

وقد نطق غلوب الذي عاصر تلك الأحداث وشارك فيها : (عام 1927 لم يعد إبن سعوند مسيطرا على الوضع سيطرة تامة . فقد اغتر الإخوان ، إثر فوزاتهم في الحجاز ، بقوتهم وزعموا حتى سيوفهم هي التي أعربت حدثة إبن سعود . وأدرك الإخوان أنهم عماد جيش الملك الذي لم يكن لديه قوات نظامية لضبطهم . وكانت الإنتفاضة الصريحة ضد إبن سعود صعبة ، فهوالإمام ويحظى بتعاطف أهل نجد . ولكنهم اعتبروا حتى من الواجب المقدس محاربة الشيعة العراقيين ، لإنهم خوارج ولكونهم تحت حماية الإنجليز . واتهم إبن سعود بالتسامح في الدين ورفض محاربة أعداء الله . ولم يكن النجديون ، رغم مساندتهم لإبن سعود ، مستعدين لاستخدام القوة بهدف منع الإخوان من شن الغزوات على العراق التي تعني الاصطدام ببريطانيا . ولم يكن بوسع إبن سعود حتى يعترف للدول الأخرى بأنه سيطر تماما عليهم كان ليعني تحمل مسئولية غزوات الإخوان . وقد أعطاه بناء مخفر البضية ذريعة لاتهام العراق والإخوان) . وفي هذا الظرف آثر ملك الحجاز نجد الاستمرار في ترينه . وفي آذار (مارس) 1928 عاد مطير إلى هجرهم بعد غزوات موفقة .

في كانون الثاني (يناير) 1928 التقى حافظ وهبة بالمندوب البريطاني هنري دوبس في الكويت ، بعد حتى حذر الإنجليز إبن سعود من حتى الطيران يفترض أن يستخم بكل ضراوة ضد الإخوان إذا لم يوقف الملك الغزوات . ولكن الإنجليز استمروا في تزويد الملك بالذخائر . وفي آذار (مارس) 1928 أعرب ناطق باسم الحكومة البريطانية في مجلس العموم حتى بلاده أعطت خلال الأشهر الأخيرة ثلاث مرات ترخيصا بتصدير الذخيرة إلى إبن سعود . في مطلع نيسان (إبريل) 1928 عقد في بريدة لقاء آخر مع الإخوان ، ولكن فيصل الدويش وابن بجاد لم يحضرا إلى المدينة ، بينما رفض عبدالعمزيز الالتقاء بهما في البادية . ووعد الملك الإخوان بأنه سيجري مفاوضات مع الإنجليز ويحتج على إقامة المخفر .

في آيار (مايو) 1928 جرت مفاوضات بين عبدالعزيز والمندوب البريطاني كلايتون ، ولكنها لم تسفر عن شيء ، كما لم يتمخض عن نتيجة اللقاء الآخر الذي عقد في آب (أغسطس) من العام نفسه . وقد أحس الإنجليز بأن بعدالعزيز أخذ يفقد السيطرة التامة على البلد . وأدرك الطرفان أنه لم يتبق لديهما سوى ستة أشهر يحل بعدها موسم الرعي الجديد الذي تعود فيه مناطق الحدود إىل حالة الفوضى . أمضى عبدالعزيز صيف عام 1928 كله في مكة يشن هجمات إعلامية ضد العراق ، يظهر حتى الغرض منه إقناع الإخوان بتمسكه بأسول الدين . ويقول فيلبي (إن ابن سعود شعر بالحاجة إلى الحد من تعصب أتباعه . وكان يعهد حتى الحرب مع العراق . مع القوات البريطانية تعني كارثة ، فقرر تحاشيها بأي ثمن . ولكنه كان يحس أيضا حتى الغليان في البادية بلغ حد تحديه لتسامحه مع المشركين) .

وضع كبار زعماء الإنتفاضة الإخوانية خطط اقتسام ممتلكات إبن سعود . فقد استقر الرأي على حتىقد يكون فيصل الدويش حاكما لنجد وإبن بجاد حاكما للحجاز وتعطى الإحساء لإبن حثلين . ووعد نداء بن نهير ، وهومن أبناء أحد أفخاذ شمر ، بتنصيبه حاكما للحائل إذا ما انضم إلى قادة الإخوان ولكنه آثر التريث وظل وفيا لإبن سعود .

في أيلول (سبتمبر) 1928 عاد الملك إلى الرياض ووجد حتى بعضا من أفخاذ العجمان قد اتحد مع فيصل وإبن بجاد . أخذ الملك يعمل على عقد الجمعية العمومية للحضر والإخوان وحدد شهر تشرين الأول (أكتوبر) موعدا لها ولكن الجمعية لم تنعقد إلا فيستة كانون الأول (ديسمبر) 1928 . جاء الجمعية العمومية زعماء الإخوان وشيوخ العشائر وأشراف المدن وفهماء الدين ، وتجاوز العدد الإجمالي للحاضرين ومرافقيهم 800 إنسان ، وتغيب عن الجمعية فيصل الديش وسلطان بن بجاد وإبن حثلين ، ولكن فيصل أوفد إبنه عزيز لحضورها . تحدث عبدالعزيز في الحاضرين طويلا وعدد منجزاته ومنها توحيد الجزيرة وإقامة صرح السلام .ثم لجأ إلى حركة مسرحية باقتراحه التنازل عن العرش شريطة حتى يبايع المجتمعون واحدا من آل سعود ملكا ، ونطق أنه يفترض أن يساعد من يختارونه . وتحدث عبدالعزيز عن مفاوضاته مع الإنجليز ونطق حتى غزوات فيصل الدويش هي سبب تعنتهم .

عملت الحركة المسرحية عملها في الحاضرين ، وخاصة سكان الحواضر وواحات نجد ، الركيزة التقليدية لآل سعود ، والذين كانوا يعهدون حق المعهد ما قد يعنيه بالنسبة لهم غياب عبدالعزيز وفوز فيصل الدويش وبان بجاد . ووسط صياح : (لانريد بك بديلا) أعرب جميع الحاضرين عمليا عن تأييدهم لسياسته و(إنكارهم) لزعماء الإخوان الثلاثة . ومن الواضح حتى المجتمعين كانوا يدركون حتى ابن سعود لايتنازل عن العرش طائعا ، وأنه كان قد بلغمن القوة والذكاء حدا كبيرا وأصبح مستعدا لمحاربة الإخوان . وتيقن أعيان الحواضر من ضرورة محاربة الإخوان ، وقد لعب دورا في ذلك السعي لحماية المصالح الطبقية في لقاءة البدوالثائرين ، إلى جانب نفور الحضر من البدو. غير حتى الصعوبة تمثلت في حتى حركة الإخوان اتخذت طابعا دينيا وزعم قادتها الثلاثة أنهم حماة الدين الحقيقيون وأن عبدالعزيز يقدم مصالحه الشخصية على مصالح الإسلام ويتعاون مع الإنجليز الكفار .

مع بداية موسم الرعي غدا واضحا حتى الحرب الأهلية قائمة لامحالة ، رغم حتى قبائل كثيرة اتخذت موقف متريث . وعوضا عن الوقوف جهارا ضد عبدالعزيز آثر زعماء الإخوان الثلاثة شن غزوات على العراق ، لكن لايتهموا بالعصيان . هاجم بن بجاد قرية الجميمة على الحدود مع العراق ، وقتل كثيرا من التجار بينهم عدد من أهالي نجد ، ثم هاجم شمر . وقد جعل الإخوان أكبر القبائل وهي عنزة وقبيلة حرب الحجازية تتألبان ضدهم . وحصل إبن سعود الذي كان قبل شهر فحسب مهتز الثقة بنفسه ، على دعم من البدووالحضر في نجد . وأبدى فيصل الدويش كياسة سياسية أكثر من ابن بجاد فاقتصر على مهاجمة العراقيين متظاهرا بأنه من رعايا الملك الأوفياء ولم يبتر الأواصر معه بشكل لارجعة فيه ، كما حتى الخلافات بينه وبين ابن بجاد تزايدت . وبعد مذبحة الجميمة وصل ابن سعود إلى القصيم حيث جهز حملة من المتطوعين النجديين الذين التحقوا بقواته عن طيب خاطر لأن المزارعين والتجار لم يشعروا بالأمان طالما استمر الإخوان البدوفي نهبهم وتقتيلهم . وسار في ركب ابن سعود فخذ من العتيبة على رأسه عبدالرحمن بن ربيعان منافس ابن بجاد ، ومشاري بن بصيص من مطير ودليم بن براك من بني رشيد وعدد كبير من قبيلة حرب وكل شمر ونجد تقريبا وجزء كبير من قبيلة الظفير وجزء من عنزة الحجاز ، وكذلك ولد سليمان وغيرهم . وصار جاء نجد العمود الفقري لقوات الملك. في مطلع آذار (مارس) 1929 بدأ ابن سعود حملته ، وكان ابن بجاد وفيصل عند آبار السبلة .

جرت سلسلة من المفاوضات ، وزار فيصل الدويش معسكر عبدالعزيز ثم عاد إلى جماعته . وفي اليوم الثاني ، في 31 آذار (مارس) 1929 نشبت معركة السبلة . حشد ابن سعود في الوسط مشاة من أهالي نجد ، وجعل إخوانه وأبناءه على رأس مجموعات وبدأ الهجوم ، وكان المتطوعون من البدوعلى الميمنة والميسرة . خسر الإخوان المعركة وأصيب فيصل الدويش بجرح بالغ في بطنه ، وتقدم سعود بن عبدالعزيز على رأس مجموعة من أهالي الرياض وحرس الملك ، ليكمل الفوزات . وتحمل جاء نجد العبء الأساسي في المعركة . هرب فيصل الجريح إلى الأرطاوية وأوفد نساءه إلى الملك لكي يطلبن منه الرأفة والعفو. وحينما فهم عبدالعزيز بأن فيصل أصيب بجرح شديد لان وعفا . وبعث بطبيبه الخاص إلى فيصل . ويبدوحتى الغرض لم يكن المداواة فقط ، بل فهم مدى خطورة الإصابة . وعلى أية حال فقد استوعب عبدالعزيز حتى فيصل لم يعد له وجود كمنافس له .

أما ابن بجاد فقد عاد بعد المعركة إلى الغطغط . وبعث إليه الملك رسالة يطلب منه فيها حتى يستسلم هووشيوخ القبائل الذين شاركوا في الانتفاضة . وقد انصاع ابن بجاد فحبس وسواه من زعماء الانتفاضة في سجن بالإحساء وهناك قضوا نحبهم . وأمر عبدالعزيز بتجريد هجرة الغطغطمن السلاح وهدم بيوتها . وما زالت أنقاضها قائمة حتى اليوم . اعتقد الملك حتى انتفاضة الإخوان قد قمعت ، فقصد المدينة ثم مكة للحج في آيار – حزيران (مايو– يونيو) 1929 .

الفترة الثانية من الانتفاضة

غير حتى فيصل الدويش ظل على قيد الحياة ولم تحبط عزائمه ، فعاد إلى تدبير غزوات ضد العراق . ورغم عدم اشتراك ضيدان بن حثلين وقبيلته في معركة سبلة ، إلا حتى ابن جلوى اعتبر تصرفات العجمان السابقة حجة كافية لضربهم . وأوفد عبدالله بن جلوى إبنه فهد لأسر ضيدان بن حثلين بالقرب من هجرته في الصرار . وقام فهد باستدراج ضيدان إلى لقاء في البادية حيث أسره . وحينما اكتشف الإخوان من جماعة ابن حثلين حتى زعيمهم لم يعد ، طوقوا فورا معسكر فهد الذي أمر بقتل ضيدان وخمسة من صحبه . وتلت ذلك معركة اغتال إبانها فهد ، بينما انضم إلى المتمردين نايف بن حثلين وهومن أقارب ضيدان وكان سابقا من المعارضين للإخوان . وأدرك زعماء هجرة الصرار حتى عبدالله بن جلوى سيعمل فور سماعه بمقتل إبنه على مهاجمتهم ، لذا لموا ماشيتهم وحوائجهم ونزحوا إلى الشمال . ويقول ديكسون حتى الغدر بضيدان ألب بدوالمناطق الشمالية الشرقية من الجزيرة ضد عبدالعزيز رغم أنه لم يكن مسئولا عن ذلك . وعاد جمع كبير من العجمان الذين هجروا أراضي الكويت بضغط من الإنجليز ، إلى الإحساء وانضموا إلى أفراد قبيلتهم .

بيد حتى حلول الصيف وضع حدا للمعارك الكبرى ، وكان العجمان قد تمكنوا من الحصول على بعض العون من الكويت حيث اشتروا مؤنا وذخائر في أسواقها . واحتج عبدالعزيز فيما بعد لأن الإنجليز تغاضوا عن هذه المشتريات . ولكن كان في العراق والكويت من يتعاطف مع الثائرين لذا لم يكن بوسع افنجليز السيطرة على جميع الأمور . وازدادت قناعة الإنجليز من حتى تحقيق أهدافهم في الكويت والعراق والأردن يحتاج منهم حتى يساعدوا ابن سعود في قمع انتفاضة الإخوان وتوطيد نظامه .

انضم فيصل الدويش الذي قرر حتى يحمل راية الانتفاضة مجددا ، إلى العجمان ، وفي منتصف تموز (يوليو) عمل وإياهم على بتر الطريق بين الرياض والهفوف . وبترت عتيبة سبل الاتصال بين الحجاز ونجد . وفي البدء كان العجمان يرومون مهاجمة القطيف والمدن الساحلية في الإحساء ولكن العوازم اعترضوا طريقهم . هاجم العجمان العوازم لسلبهم ولكنهم ردوا على أعقابهم . وكانت تلك هزيمة نكراء مني بها العجمان ومطير العوازم دارت في البلد رحى حرب أهلية ، وصار جامعوا الخراج عرضة للقتل في جميع مكان . ولم تعد طرق القوافل في الحجاز ونجد والإحساء آمنة .

عاد الملك إلى الرياض في تموز (يوليو) 1929 ومعه 200 سيارة لاستخدامها ضد المنتفضين . واتفق في الحجاز على شراء أربع طائرات وخطط لإقامة شبكة من محطات الإذاعة في البلد . ولم يرس طلب إقامة الإذاعات على شركة ماركوني إلا في أواخر عام 1930 ، أما الطائرات فقد وصلت سواحل الإحساء في نهاية عام 1929 حيث انتفت الحاجة لاستخدامها ضد البدو. في أيلول (سبتمبر) قرر ابن سعود القضاء على الثائرين ، ونادى أمراء القطيف والإحساء والقصيم وحائل إلى تزويده بالرجال والمال والسلاح ، واستنفر أهالي نجد من بدووحضر ، كما حصل على مؤازرة الهجر التي لم تنضم إلى فيصل الدويش .

أنزلت ضربة قوية بفيصل الدويش في أيلول (سبتمبر) ، حينما ألحقت قوة يترأسها ابن مساعد ، الهزيمة بقواتمطير بقيادة الشاب عزيز بن فيصل الدويش الذي اغتال هوونخبة من مطير في المعركة . وبعد بضعة أيام مني بالدويش بهزيمة أخرى ، إذ حتى فخذا من عتيبة له علاقة بالإخوان هزم من قبل فخذ آخر من نفس القبيلة ظل مخلصا لعبدالعزيز وساندته وحدة بقيادة إبن لؤي من الخرمة . انتهى أمر الانتفاضة . وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1929 هرب فيصل إلى الكويت أملا في الحصول على حق اللجوء له ولرجاله ولإبقاء أفراد عائلته هناك وأخذ وعد من الإنجليز بعدم قصف مطير . ولكن الإنجليز ظلوا يسوفون ولم يعطوا أية ضمانات . منظمة هربا من ابن سعود . وكانت القوات العراقية محشدة إلى الشمال من الكويت ، وقامت المصفحات البريطانية بطرد الإخوان ليعودوا إلى الأراضي السعودية . وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1929 أعرب عبدالعزيز حتى جميع من اشهجر في الفتنة يؤخذ ماله وجميع مالديه من إبل وخيل وسلاح ، وأن جميع من مالأ المنتفضين تؤخذ منه الذلول والفرس والبنادق ، على حتى يقسم جميع ماينتزع من المنتفضين على المشاركين في المعارك إلى جانب الملك . وأمر بأن جميع هجرة غلب الفساد على أهلها يطردون منها ... ولايسمح لفريق منهم بالاجتماع في مكان واحد .

في كانون الأول (ديسمبر) عام 1929 جمع عبدالعزيز قوة من جاء العارض والوشم والقصيم وبعض الأفخاذ الموالية له من مطير وعتيبة وحرب ووحدات من قبائل سبيع وقحطان والدواسر وبني رشيد . وبدأ بمطاردة فيصل . وجرت اشتباكات أدت إلى هزيمة الإخوان . وفي أواخر الشهر ذاته بعث فيصل الدويش رسالة إلى عبدالعزيز يطلب فيها العفووالأمان . ورد الملك بأن فيصل لمي عد له الحق في العفو. غير حتى الممحررات استمرت بين الجانبين . وفي الوقت ذاته بعث فيصل رسالتين إلى ملك العراق المخلصين . ولكن الإنجليز كانوا يميلون إلى القضاء على الإخوان . وفي نهاية كانون الأول أصبحت فلول قوات الدويش محصورة بين قوات عبدالعزيز والقوات البريطانية على الحدود بين نجد والعراق والكويت . وكانت قوات عبدالعزيز ومدرعاته أكثر بكثير من المتمردين .

في إحدى المعارك هزم آل حرب نفرا من مطير ففر هؤلاء إلى الكويت . وحينما نما الخبر إلى فيصل عبر مطلع كانون الثاني 1930 حدود إمارة الكويت . وحالما فهم عبدالعزيز بذلك خط إلى المقيم البريطاني في الكويت ديكسون يحتج على السماح للإخوان بالالتاتى إلى الكويت والعراق والأردن . وفي اليوم التالي تلقى تعهدا بأن المتمردين يفترض أن يطردون . ولكن لايستبعد حتى السلطات البريطانية والعراقية والكويتية كانت ترغب الإبقاء على زعماء الإخوان كأداة في يدها للضغط على ابن سعود .

استسلم فيصل الدويش وسواه من زعماء الإخوان إلىالسلطات البريطانية في العاشر من كانون الثاني (يناير) 1930 ، فنقلوا بالطائرات إلى البصرة حيث وضعوا على متن بارجة بريطانية في شط العرب . وبعد يومين طالب عبدالعزيز بتسليم زعماء الإخوان . وكان ملك العراق فيصل يدعوإلى منح حق اللجوء للإخوان ولكن البريطانيين لم يتفقوا معه في الرأي . وصل إلى معسكر ابن سعود وفد بريطاني وجرت مفاوضات تم بعدها التوصل إلى اتفاق حول تسليم زعماء الإخوان للملك . ووعد الملك بالإبقاء على حياتهم ، ومنع الغزوات على العراق والكويت . كما حتى عبدالعزيز تعهد بتعويض العراق والكويت عما ألحق بهما من أضرار ودفع عشرة آلاف جنيه تعويضا عن الخسائر التي سببتها غزوات الإخوان ، وأن يعين في أي وقت مندوبين إلى المحكمة المشهجرة وفقا لاتفاقية بحرة .

في 27 كانون الثاني (يناير) نقل زعماء الإخوان الثلاثة إلى مخيم عبدالعزيز حيث استقبل الملك عدوه اللدود المهزوم باللوم . ورفض فيصل الاعتراف بأنه ارتكب معصية أوخطأ . وقد نقل المعتقلون إلى سجن الرياض ، وتوفي فيصل في الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) 1931 في السجن . وظل حتى الرمق الأخير ثابت الجنان ومات وهويقسم بمحاسبة عبدالعزيز في يوم القيامة . إلى غير ذلك آخر وأكبر ممثلي عهد انصرم . وسرعان ماتوفي الباقون من زعماء الإخوان في السجن ، ولعل السجانين قد أعانوهم في ذلك . في كانون الثاني (يناير) 1930 انتهت انتفاضة الإخوان عمليا . وبذا انهزمت وتلاشت حركتهم التي لعبت دورا هاما في تعزيز سلطة ابن سعود وغزواته . وتوقفت حتى عملية تحضر البدووانتنطقهم إلى الزراعة . وكانت للدولة الإقطاعية المركزية الغلبة على الحركة الشعبية للبدوالذين قاموا ، بشكل غريزي ، تشديد الاضطهاد ووقفوا ضد التطلعات الإقطاعية الانفصالية لزعمائهم .

أصبح بدوالجزيرة ولعقود طويلة تحت رحمة الماكنة العسكرية البيروقراطية . ولكن لايستطيع أحد حتى يجزم ويحدد بثقة الجانب الذي يسلتزمه البدوفي حالة الصراعات المحتملة مستقبلا . في 20 شباط (فبراير) 1930 وصل عبدالعزيز إلى رأس تنوره ، واستقبل على متن بارجة بريطانية حيث التقى بالمندوب السامي البريطاني في العراق همفرز والملك فيصل . وخلال اللقاء الذي دام ثلاثة أيام تبادل العاهلان العتاب ، ولكن المصالح المشهجرة كانت لها الغلبة في آخر الأمر ، فاتفقتا على عقد معاهدة للصداقة وحسن الجوار سقطت بعد أسابيع بإلحاح من البريطانيين . وإلى بضع سنوات خلت كانت الأسرتان المالكتان تتحاربان في الحجاز الذي اعتبره الهاشميون ملكا متوارثا لهم . ولم تنس أسرة الشريف قط فقدانها مكة والمدينة والهزائم المنكرة التي ألحقها بها ابن سعود . بيد حتى متطلبات السياسة الواقعية كانت الأقوى . وقرر العاهلان تبادل الاعتراف بينهما كملكين للدولتين وتبادل المبعوثين الدبلوماسيين واحترام جميع طرف لحقوق العشائر والأراضي المشمولة بسيادة الطرف الآخر . بدا حتى النظام السعودي قد أنجز بنجاح حل مشاكله الخارجية والداخلية ، وصار بوسعه الخلود إلى عهد من الاستقرار النسبي . ولكن كان على ابن سعود حتى يمر ، قبل حلول هذا العهد ، باختبارين جديدين هما الحركات المسلحة في الحجاز وعسير والحرب مع اليمن ، وإن لم يشكل خطرا جديا على سلطته .

التحركات المسلحة ضد ابن سعود في الحجاز وعسير

أثار نظام ابن سعود الاستبدادي الذي فرض بقوة السلاح في الحجاز استياء شطر من أعيان المنطقة . وحافظ أعيان كثيرون وخاصة من عائلة الشريف على صلاتهم بأشقاء علي وهوآخر ملك هاشمي . ولم ينس عبدالله بن الحسين عاهل شرق الأردن قط هزيمته على يد الإخوان في معركة تربة . وقد أثارت غيظه معاهدة الصداقة بين ملك العراق فيصل وعبدالعزيز . ورغم الوجود البريطاني في شرق الأردن واعتراف بريطانيا الواضح بالنظام السعودي ، فقد قرر عبدالله مساعدة العناصر المعارضة في الحجاز وتزويدها بالمال والسلاح.

بدا حتى وضع الاستياء العام الذي عم الحجاز في أواخر العشرينات كان في صالح المعارضين . وتعرضت نجد والحجاز لجفاف خلال عامين متتالين . وأدت الحرب الأهلية بين الإخوان ونظام ابن سعود إلى دمار تام وزعزعت الاقتصاد . وأحدثت الأزمة الاقتصادية العالمية لأعوام 1929-1933 آثار موجعة في الجزيرة . فقد هبط تصدير المواشي والجلود والتمور ، ولم يكن ثمة مال لتغطية استيرادات المواد الغذائية ، وتقلص عدد الحجاج بشكل مأساوي (من 191 ألفا عام 1926 إلى 29 ألفا عام 1932) . وخوت الخزانة . وشرع الموظفون الذين لم تدفع رواتبهم لعدة أشهر بفرض أتاوات على السكان وتوقف دفع المخصصات لشيوخ الكثير من القبائل . وبدأ الجوع يجتاح البلد .

غير حتى الوضع الاقتصادي المزري واستياء السكان لمقد يكونا كافيين بحد ذاتهما لكي تحرز الحركات المناوئة للسعوديين داخل البلاد نجاحات تذكر . كانت قد أنشئت في مصر ، بعيد سقوط جدة رابطة الدفاع عن الحجاز ومن قادتها عبدالرؤوف الصبان والشقيقان الدباغ وكان النزاع بين ملك مصر فؤاد وابن سعود قد دفع المصريين إلى تأييد هذه المنظمة المهجرية . في أواخر العشرينات أسس المعارضون الحجازيون ، بتشجيع من الملك عبدالله ، حزب الأحرار الحجازي لطرد النجديين من الحجاز وإقامة دولة مستقلة . وتزعم الحزب طاهر الدباغ الذي كان في زمن الملك على سكرتيرا للحزب الوطني الحجازي . وكان بين قادة الحزب الجديد الشريف شاكر والشريف خالد وحسين الدباغ وعلي الدباغ ومحمد أمين . وحاول الأحرار الحجازيون تأسيس فروع للحزب في مختلف مدن العالم العربي . وتوجيه حسين الدباغ إلى القاهرة مزودا بمبلغ كبير من المال ، حيث أقام صلة بحامد بن سالم بن رفادة الملقب بالأعور وهومن شيوخ قبيلة بلي التي غادر عدد من أفرادها الحجاز إلى مصر بعد التحركات المناهضة لآل سعود عام 1929 .

وجرت مساع لإيجاد أنصار في جنوب الجزيرة ، فزار حسين الدباغ عدن حيث التقى بعدد من اللفسة القانطين في المهجر . وكان يأمل حتى تؤازر العمليات المسلحة في الشمال بانتفاضة في عسير ، تليها انتفاضة شاملة في الحجاز . ولما عاد حسين الدباغ إلى القاهرة أكد لإبن رفادة حتى الاستياء يعم الجنوب وأن الناس هناك في انتظار إشارة البدء . في أواسط آيار (مايو) 1932 عبر ابن رفادة وقبيلته الحدود المصرية قرب العقبة حيث زوده سعود الدباغ بالمؤونة . وسرعان ماظهر ابن رفادة ومسلحوه في شمال الحجاز . ويبدوحتى نشاطات (أحرار الحجاز) لم تكن خافية على ابن سعود . فما حتى فهم بظهور قوة ابن رفادة ، أمر في حزيران (يونيو) 1932 بأن يعتقل فورا جميع المعارضين في مكة ، وكان بينهم عدد من آل الدباغ ، وحظر نشاط جميع الأحزاب السياسية في الحجاز .

وفي الوقت نفسه أوفد عبدالعزيز وحدات محمولة بالسيارات إلى ضبا والبدع لتطويق ابن رفادة . وتولت القوات البريطانية إغلاق الحدود بين شرق الأردن والسعودية ووصلت العقبة باخرة بريطانية للحيلولة دون مرور المؤن والذخائر إلى الحجاز . وأغلق عبدالعزيز الحدود من جهته . لم يحصل ابن رفادة ومسلحوه من قبيلة بل على دعم السكان فاحتموا بجبل شار على بعد 50 كيلومترا من ضبا . واستدرجهم عبدالعزيز من هناك بعد حتى أوعز إلى أعيان ضبا بأن يبعثوا رسالة إلى ابن رفادة يعربون فيها عن استعدادهم للانضمام إلى حكرته . فنزل زعيم البلي من الجبل وسقط في الكمين وطوقت وحدته وبعد معركة قصيرة دمرت تماما . وفي هذه المرة استخدم عبدالعزيز السيارات والمصفحات على نطاق أوسع مما أثناء قمع انتفاضة الإخوان .

بذا منيت مغامرة ابن رفادة و(أحرار الحجاز) بالهزيمة قبل حتى تبدأ حركة أنصارهم المسلحة في عسير . نصت المعاهدة المعقودة مع ابن سعود عام 1920 على احتفاظ محمد الإدريسي بالسيادة على جنوب عسير وجزء من تهامة اليمن . ولكن الوضع أخذ يتغير بشكل جذري بعد الاستيلاء على الحجاز . ففي ظل الدولة السعودية القوية تحول استقلال إمارة اللفسة إلى مسألة شكلية صرف . واستغل إمام اليمن يحيى انشغال النجديين في عمليات بالحجاز ، فضم إلى ممتلكاته الحديدة وجزءا من تهامة في نيسان (إبريل) 1925 ، هما أدى إلى تأزم العلاقات بين ابن سعود ويحيى .

وبعد الاستيلاء على الحديدة تقدمت قوات أحمد بن يحيى نحوالشمال مهددة مراكز عسير الأساسية وهي جيزان وصبيا وأبوعريش . وكان من الواضح حتى الإمام يحيى يعتزم إلحاق جنوب عسير كله باليمن . انتابت أمير عسير الحديد الحسن الإدريسي مخاوف من اليمنيين ، فعقد في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 1926 معاهدة حول الحماية السعودية لإمارته ، وتخلى اللفسة عن الاستقلال في السياسة الخارجية ولكنهم احتفظوا باستقلال ذاتي في الشئون الداخلية . وكانت تلك بداية النزاع السعودي اليمني . سحب يحيى قواته المرابطة بالقرب من جيزان وصبيا ، وفي حزيران (يونيو) 1927 وصل صنعاء وفد سعودي للتفاوض . وأصر يحيى على حتى عسير جزء من اليمن اقتطعه اللفسة (الغاصبون والطارئون) فيما مضى . وسعى السعوديون للبرهنة على حتى هذه المنطقة لاترتبط باليمن وطالبوا باستعادة جزء كبير من أراضي عسير التي احتلها الجيش اليمني عام 1925 ، وصولا إلى باجل .

لم يكن اليمن مستعدا لتوسيع شقة الخلاف . فقد كانت حدوده الجنوبية تشهد اشتباكات متواصلة مع قوات بريطانيا ومحمياتها . وفي عام 1928 قصفت الطائرات البريطانية عددا من المدن اليمنية . في 27 تشرين الأول (أكتوبر) 1930 فرض ابن سعود على الحسن الإدريسي معاهدة جديدة غيرت سلطة الأمير غلى مسألة شكلية صرف . ونصت المعاهدة على حتى السلطة بكاملها ستنقل إلى ابن سعود بعد وفاة الحسن . وعند ذاك شرق اللفسة بإقامة اتصالات سرية مع الإمام يحيى (أحرار الحجاز) . شهد عام 1931 و1932 نزاعات مسلحة على الحدود السعودية اليمنية .

كان حسين الدباغ قد وصل إلىمدينة اللحية الساحلية عام 1930 مندوبا عن حزب الأحرار الحجازي ، واتفق مع الحسن على القيام بعمليات مشهجرة ، وبدأ تزويد أمير عسير بالمؤن والذخائر . وفي عام 1932 حاول التحرر منا لحماية السعودية .

بدأت الانتفاضة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1932 ، وبعد بضعة أيام دمرت قوات الحسن ففر إلى صبيا . واتى في تقرير للقنصلية السوفييتية في جدة : ( إذا الحركة في الجنوب قد هيئت من قبل . نفس المنظمة التي وجهت نشاطات ابن رفادة صيف 1932 ، والتي عملت بإيعاز من عمان (شرق الأردن) ... وكان نشاط المنظمة ، كما في حالة هجوم ابن رفادة على الحجاز ، يهدف إلى إقامة اتصال مع سواحل عسير وأذكاء النادىية المناوبة للسعوديين وإرسال موفدين إلى بعض البلدان الأوروبية لشراء الأسلحة ونقل المؤن والذخائر إلى سواحل عسير بالقوارب الشرعية .... وبعد بدء الانتفاضة وصل إلى جيزان قارب شراعي وعلى متنه علي الدباغ وعبدالعزيز اليماني ، وجلبا كمية منا لرز والطحين والتمر ... ولكن بعد ثلاثة أيام من الحادث وصلت إلى جيزان وحدة حكومية ألفت القبض على اليماني . وحاول علي الدباغ الهرب على متن القارب الشراعي .... وفيما بعد تلقت السلطات إبلاغا بأن علي الدباغ غرق في البحر) .

إثر ذلك بقليل احتلت قوة سعودية باهرة خالد بن لؤي وعبدالعزيز بن مساعد عسير بأكملها . وحاول اللفسة والقبائل الموالية لهم المقاومة في الجبال ، ولكنهم فروا فيما بعد إلى اليمن . وطالب عبدالعزيز بتسليم المتمردين ولكن الإمام يحيى اشترط لذلك حتى يعد الملك بالعفوعنهم . وفي آيار (مايو) 1933 عاد عدد من اللفسة إلى مكة حيث ظلوا تحت المراقبة ويتقاضون مرتبات . وأصبح حاكم عسير يعين من قبل الرياض . منذ صيف 1932 أصبح واضحا حتى النظام السعودي توطد وتحول إلى السيد غير المنازع في جميع الأراضي الشاسعة لمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها . وما السهولة التي تم بها قمع الانتفاضات في شمال الحجاز ومن ثم في عسير ، سوى تأكيد على ذلك .

في 18 أيلول (سبتمبر) ام 1932 أصدر ابن سعود في الرياض الأمر الملكي بنظام (توحيد المملكة) التي تقرر حتى تعهد من ذلك الحين باسم المملكة العربية السعودية . ويشير النظام إلى حتى هذا التحويل لنقد يكون له أي أثر على المعاهدات والاتفاقات والالتزامات الدولية التي نبقى على قيمتها ومفعولها ، شأنها شأن النظامات والتعليمات والأوامر السابقة . ويلزم النظام مجلس الوكلاء (الوزراء) الذي شكل في كانون الأول (ديسمبر) 1931 يوضع النظام الأساسي للمملكة ونظام توارث العرش . وفي عام 1933 عين عبدالعزيز ابنه سعود وليا للعهد . ظل ابن سعود متمسكا بتكتيكه المعتاد في العفوعن الخصوم الذين كفوا عن محاربته في الوقت المناسب وشراء المعارضة ، وأعرب عام 1935 العفوالعام . وفي الوقت نفسه حل (حزب الأحرار الحجازي) نفسه . وعاد كثيرون إلى السعودية ، فأصبح طاهر الدباغ مديرا للمعارف والشيخ الصبان عضوا في مجلس الشورى.

الحرب السعودية اليمنية

ثمة أمور كثيرة كانت تجمع بين الحاكمين السعودي واليمني . فإن كلا منهما تزعم ي نفس الوقت تقريبا حركة توحيد بلده . وكل منهما حارب الأتراك وتمكن من الحصول على الاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى . وشعر كلاهما بضغط الإمبريالية البريطانية . ولكن الصراع على عسير أدى بهما إلى اشتباك العسكري . في نيسان (إبريل) 1933 وأثناء قمع انتفاضة القبائل المناوئة للإمام في شمال اليمن ، استولى الأمير أحمد علي نجران بحجة حتى عشيرة يام التي تعتبر فخذا من قبيلة همدان اليمنية قد ساعدت المتمردين . وفشلت المفاوضات التي أجراها وفد سعودي في صنعاء لتسوية النزاع . وقام الإيطاليون بتحريض الإمام ووعدوه بالمساعدة ، وذلك سعيا منهم لتعزيز نفوذهم في اليمن . كما حرضه البريطانيون الذين كانت لهم مصلحة في صرف اهتمام يحيى عن محمياتهم في عدن .

عاود اليمنيون الهجوم في تشرين الأول (أكتوبر) 1933 واحتلوا بدر . وبدأ اللفسة يستنهضون أنضارهم من قبائل عسير ضد ابن سعود . وفي تشرين الثاني (نوفمبر) أمر ابن سعود بتعزيز القوات على الحدةد ووجه إنذارا إلى يحيى بوجوب الجلاء عن الأراضي المحتلة وإعادة الحدود إلى سابق عهدها وتسليم اللفسة. وخشية من ضربة سعودية قدم الإمام يحيى تنازلات جزئية لبريطانيا لحماية حدوده الجنوبية . وفي شباط (فبراير) 1934 سقط الحاكم العسكري البريطاني في عدن ريلي معاهدة في صنعاء (حول الصداقة والتعاون المتبادل) فسرها البريطانيون فيما بعد على أنها تعني موافقة الإمام على السيطرة البريطانية في جنوب الجزيرة .

في أواخر شباط (فبراير) وأوائل آذار (مارس) عام 1934 عقد في أبها لقاء حديث بين مندوبي المملكتين . وقرر ابن سعود التخفيف من مطالبه وعرض حتى تكون منطقة نجران المتنازع عليها محايدة . وبما حتى يحيى لم يعط جوابا محددا ، فإن السعوديين بدأوا الهجوم .

كانت السعودية متهيئة للحرب أفضل من اليمن . إذ كان قد حصلت على قرض من شركة (ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا) وتمكنت من شراء السلاح . وظهرت لديها أول وحدات الجيش النظامي . شن السعوديون هجومهم بطابورين : بمحاذاة تهامة وفي الجبال . وتمكن طابور بأمرة سعود من الاستيلاء على نجران بسرعة ، ولكن تقدمه تباطأ في الجبال حيث كانت جميع قرية قلعة حصينة .

وتقدمت قوة بأمرة فيصل في تهامة وفي الثاني من آيار (مايو) استولت على الحديدة دون حتى تخوض معركة. وظهرت بعض الوحدات بالزحف على صنعاء . وقد أعاقت وعورة المنطقة تقدم السعوديين الذين لم يعتادوا خوض معارك في الجبال . أضف إلى ذلك حتى سفنا بريطانية وفرنسية وإيطالية اقتربت من الحديدة ، وأنزل الإيطاليون المؤيدون للإمام قوة في الحديدة . وأدرك السعوديون أنه لن يسمح لهم بإلحاق الحديدة ناهيك عن اليمن كله . وقرر ابن سعود الاكتفاء بالقليل .

في 15 آيار (مايو) 1934 سقط الأمير فيصل وعبدالله الوزير ، وهومن أقرب مساعدي الإمام ، الهدنة واتفقتا على شروط معاهدة الصلح . وفي العشرين من الشهر ذاته سقطا بالأحرف الأولى في الطائعملى معاهدة الصداقة الإسلامية والإخوة العربية . وأبرمت المعاهدة في اليمن والسعودية . وفي 23 حزيران (يونيو) نشرت الصحف الرسمية في مكة وصنعاء وفي القاهرة ودمشق في وقت واحد نص المعاهدة . تضمنت المعاهدة 23 مادة وعهد تحكيم . وحددت مدة المعاهدة بعشرين سنة قابلة للتمديد . وأشارت المعاهدة إلى حتى الشعبين السعودي واليمني هما من أمة واحدة ، ونصت على إقامة علاقات سلمية وودية بين البلدين واعتراف جميع منهما باستقلال الآخر وسيادته . وتخلى الإمام عن انادىءاته بأراضي إمارة اللفسة ، وفي اللقاء تنسحب القوات السعودية من الأراضي التي احتلتها . وتقرر تدقيق رسم الحدود . وألزم الإمام بدفع مائة ألف جنيه استرليني مضىي كتعويضات . وأنجز رسم الحدود عام 1936 .

بدأت العلاقات بين البلدين تأخذ مجراها الطبيعي ، رغم حتى ثلاثة حجاج يمنيين حاولوا اغتال عبدالعزيز بالخناجر في مكة في العام التالي لعقد المعاهدة . وقد أصيب الأمير سعود الذي حما أبيه بجسده بجرح في ظهره وكتفه وقتل الحراس الأشخاص الذين قاموا بالهجوم .بعد حرب 1934 صارت العلاقات بين آل سعود وبيت حميد الدين ذات طابع ودي ، وبدأ التعاون السياسي بين العاهلين السعودي واليمني .

البنية الاجتماعية السياسية للملكة العربية السعودية إثر قيامها

شغلت المملكة العربية السعودية الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية وضمت عددا من الكيانات الإقطاعية القبلية التي كانت تربطها عرقات تبعية متفاوتة بالإمبراطورية العثمانية . وأدى قيام دولة مركزية تطمن في المقام الأول مصالح الصفوة الإقطاعية القبلية عموما والتجار ، إلى ضمان أمن سكان البلاد ، ودفع ويلات التناحر الإقطاعي القبلي . غير حتى الجماهير صارت عرضة لاستغلال ضرائبي متعاظم الوطأة ، ولاضطهاد الفئة العليا والجهاز البيروقراطي المتضخم ، في حين حتى الحريات الديمقراطية العشائرية للبدوتوارث تدريجيا ليحل محلها طغيان النظام الملكي الإقطاعي .

وقد اتخذ آل سعود من التبشير بالإصلاح الديني على الطريقة الوهابية ركيزة وراية في صراعهم من أجل توحيد أراضي نجد بزعامة الرياض . وفي حقبة تاريخية حرجة تزعم حركة الانبعاث الجديد لإمارة نجد زعيم إقطاعي ورجل دولة وقائد عسكري يعتبر فذا في الإطار المحلي ، ألا وهوعبدالعزيز بن عبدالرحمن (ابن سعود) .

وكان ينبغي حتى تتوفر ظروف خارجية ملائمة ووضع دولي مناسب ، لكي يصبح الطموح إلى المركزية وقيام الدولة المستقلة في نجد أمرا واقعا ، ولكي تتمكن هذه الدولة من ضم بعض المقاطعات المجاورة . وقد ساعد على نجاح ابن سعود في الفترة الأولى دعم بريطانيا له في كفاحه ضد الإمبراطورية العثمانية وولاتها ، وانهيار هذه الإمبراطورية نتيجة للحرب العالمية الأولى ، كما ساعده بعد ذلك عجز بريطانيا التي أخذ الوهن يدب في اقتصادها ، عن فرض سيطرة مباشرة على جزء كبير من الجزيرة العربية التي بدت للبريطانيين غنيمة باهظة الثمن ومثقلة .

إن الباحث الموضوعي الذي يتعامل مع الوقائع لايجد تغيرات جديرة بالاهتمام في مستوى تطور قوى الإنتاج في مجتمع الجزيرة خلال الثلث الأول من القرن العشرين بالمقارنة مع القرنين الثامن عشر والتاسع عشر . بل يمكن الافتراض بأن الدمار الاقتصادي الذي أحدثته الحروب والانتفاضات المتتالية ، بالإضافة إلى الأزمة المتفاقمة في تربية الإبل ، قد أديا إلى انتكاس اقتصادي . وعند متابعة عملية نشوء العربية السعودية في القرن العشرين لانجد فيها طبقات أوفئات أوشرائح جديدة تختلف مبدئيا من حيث طابعها ومسقطها في المجتمع عن القوى الاجتماعية التي كونت الدولة السعودية الأولى في القرن التاسع عشر تحت لواء الوهابية . بعد الحرب العالمية الأولى طرحت في عدد من البلدان العربية – مصر ، سورية ، فلسطين ، العراق ، الجزائر ، المغرب – مسألة نيل الاستقلال الوطني للسير في طريق تطور مستقل يرتهن طابعه بتناسب القوى بين العناصر الإقطاعية والبرجوازية وبمستوى الاقتصاد ودرجة التحديث ونموالطبقة العاملة . وفي هذه الأثناء لم تكن في العربية السعودية المستقلة سياسيا حتى أجنة العلاقات الرأسمالية ، بل إذا الدولة تكونت على أساس إقطاعي قبلي بدائي في مجتمع قروسطي من حيث الجوهر . ولكن العربية السعودية لم تكن البتة معزولة عن العالم المحيط بها ، لذا كان من المتعذر حتى يبقى هجريبها الداخلي بمنأى عن التأثيرات الخارجية . وقد تجسد ذلك سواء في الأدوات الفنية لإقامة الدولة المركزية (اللاسلكي ، التلفون ، الطيران ، السيارات) أوفي الأشكال التنظيمية : استحداث الوزارات والمديريات والنظام المدرسي . غير حتى التصادم بين المؤسسات الاجتماعية السياسية التقليدية النابعة من مجتمع العربية السعودية ذاته والمناسبة للإقطاع الشرق أوسطي ، وبين نزعات التحديث المستقدمة من الخارج ، لم يخل بالاستقرار الاجتماعي السياسي في الدولة خلال العقد الأول . ويعزي ذلك ، في المقام الأول ، إلى الضعف المطلق والنسبي لنزعة التحديث الوافدة من بلدان شرق أوسطية أكثر تطورا بمراحل . كما يعزي إلى الهيمنة التامة للبنى التقليدية . ولم يبدأ التغير الجذري في الوضع إلا في أواخر الأربعينات حينما أخل انفجار العوائد النفطية بالتوازن الاجتماعي القديم في البلد .

إن تسمية البلد ذاتها – المملكة العربية السعودية – تعني أنها واقعة تحت سيطرة آل سعود . ويرمز لون فهم الدولة الأخضر إلى الجنة ، وهواللون الأثير لدى النبي محمد . وقد نقشت على الفهم تعبير (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ورسم سيف أبيض يرمز إلى الجهاد .

سلطة الملك - العلاقات بين الصفوة الإقطاعية العشائرية وفهماء الدين

إن تغير ألقاب الحاكم السعودي هوانعكاس لما وقع من تغيرات في سلطته السياسية . ونعيد إلى الأذهان حتى الأتراك كانوا يخاطبون ابن سعود بعبارة حاكم نجد والقائد عبدالعزيز باشا بينما خاطبه الإنجليز بعبارة الشيخ عبدالعزيز بن الشيخ عبدالرحمن آل سعود . وفي عام 1921 بايعه الأمراء والشيوخ وفهماء الدين سلطانا لنجد وملحقاتها وأصبح يلقب بصاحب الجلالة في الممحررات الرسمية . وفي عام 1926 ملك العربية السعودية . ولكن هذه الألقاب جميعا كانت في الفترة الأولى للاستهلاك الخارجي أساسا ، ولتعزيز الهيبة الدولية للبلد وحاكمه .

أما داخل البلد فقد ظل ابن سعود بالنسبة للحضر أميرا ، أي حاكما إقطاعيا ، لنجد والأراضي التي فتحها ، ولذا كان تحول لقبه إلى سلطان وملك أمرا طبيعيا بالنسبة لهم . هذا بينما اعتبره البدوشيخ المشايخ . وقد أراد آل سعود تعزيز مكانتهم كشيوخ للمشايخ فنسبوا أصلهم إلى قبيلة عنزة وهي أكبر قبائل الجزيرة وأشدها بأسا . وتمكن عبدالعزيز من السيطرة على البدوالكثيري العدد والصعبي القياد في السابق ، وذلك باستخدامه الحاذق لأرستقراطية القبائل والجمع بين أساليب الضغط والتنكيل وبين توزيع الهبات وإغداق العطايا على الأعيان .

خلعت على سلطة الطغيان المسموح الأبوية – الديمقراطية . فقد كان بإمكان أفقر البدومحاورة الملك بكل بساطة وبدون ألقاب . وكان عبدالعزيز يحب حتى يسمي ابن فيصل تذكيرا بجده ، أوابن مقرن تذكيرا بواحد من أسلافه وأصل الفخذ السعودي ، أوأخا نورا ، وهي أخته الأكبر التي كن لها الحب والاحترام . ثمة مثال أعلى للعربي القح إبن الجزيرة ، أنه مثال البدوي الذي تضفي عليه مسحة رومانسية في مجتمع الجزيرة وفي بعض البلدان العربية الأخرى : فهومحارب شجاع ، يسهر على حماية الإسلام وسموح مع المغلوب ، علاوة على أنه رجل فحل . وقد تعمد ابن سعود حتى يخلع على نفسه هذه الصفات طلبا للهيبة والجاه .

لكن (ديمقراطية) و(أبوية) الملك لم تخنادى جميع من استوعب المسقط الحقيقي للملك المطلق في نظام الدولة المركزية . لقب عبدالعزيز ، شأن أسلافه ، بالإمام . ولم يكن ذلك يعني حتى يؤم المصلين فحسب ، بل يعني أيضا زعامته لجميع الموحدين المناهضين للمشركين من مسلمي البلدان الأخرى . ورغم انحسار روح العصبية لدى الجماهير بعد فشل انتفاضة الإخوان ، فإن اتباع الإمام بوصفه الزعيم الديني كان عامل توحيد للمجتمع وجعل من الدين هالة تضفي على أعلى سلطة في الدولة .

لقد كان رئيس دولة الموحدين في الوقت ذاته قائدهم العام الذي يستنهضهم للجهاد ضد المشركين . وأدى عبدالعزيز هذه المهمة بنجاح أثناء حروبه الاغتصابية . ح-ذا عبدالعزيز حذوأسلافه في اتخاذ التنطقيد الإسلامية ، وبخاصة تعاليم ابن تيمية ، مصادر يستمد منها الحجج لتدعيم السلطة المركزية . وكان ابن تيمية يرى حتى المجتمع المثالي هوالذيقد يكون فيه الرأي المطاع لفئتين : الفهماء المتمسكين بالشريعة والأمراء الحائزين على السلطة السياسية اللازمة لتطبيق أحكام الشرع .

ويجب على رعايا الأمير إطاعته دون قيد أوشرط . والأمير هوالمشرف على التطبيق السليم لأحكام الشرع التي تضم المسلمين كافة ، وهوالذي يتولى تطبيق الأحكام القضائية ويقوم بعمل الخير والإشراف على الأشغال وتوفير الأمن للرعية وضمان عمل الخدمات العامة بشكل طبيعي ، وهوأخيرا الجهة التي تصدر عنها التوجيهات الاجتماعية والاقتصادية التي تكفل لكل فرد العزة في إطار الشريعة وطبقا لمسقطه في المجتمع .

يتشاور الأمير مع الفهماء في إدارة أعماله ، ولكن من حق الأمراء التصرف وفق ماتمليه عليه ضمائرهم . والأمي رملزم بالتمسك بأحكام الكتاب والسنة وفقا لتفسيرات الفهماء . وهذا يوفر للفهماء وسائل هامة ، وإن كانت محددة ، للتأثير والرقابة . ومن الناحية النظرية فإن الأمراء أحرار في تصرفاتهم في جميع مالا يتعلق بالدين ، ولكن من الناحية العملية يتخلل الإسلام جميع ميادين الحياة في السعودية . لذا يلعب الفهماء في المجتمع الوهابي دورا هاما ومما يزيد من هيبتهم حتى الكبار منهم ينتسبون إلى آل الشيخ الذين تصاهروا مع آل سعود منذ أمد طويل .

إبان الأزمة التي سببتها عصبية الإخوان عامي 1914-1915 ، أصدر عبدالعزيز مرسوما ، وأصدر الفهماء فتوى ، يدينان تعصب الإخوان ومغالاتهم . غير حتى علاقات ابن سعود بالفهماء شهدت فترات تأزم . وحسبنا التذكير بأن الفهماء وقفوا ضد استخدام التلغراف واللاسلكي . وعلى أية حال فقد كانت الغلبة لإرادة عبدالعزيز عند حصول نزاعات حول قضايا كبرى ومبدئية . فذات مرة عارض الفهماء زواج عربي غير وهابي على فتاة من إحدى عوائل الرياض العريقة ، ولكن عبدالعزيز لم يحفل برأيهم بل وطرد ثلاثين عالما من نجد . ولعل النزاع حول هذه المسألة كان مجرد حجة اتخذها الحاكم للتخلص من فهماء لايستأنس بهم . وكان يطلب من جميع فرد في البلد إطاعة الأمير وإسداده النصح عند الاقتضاء . وفي عام 1950 نطق فيصل في خطاب ألقاه عند افتتاح مجلس الشورى حتى (واجب الرعية هومساعدة الجهات المنوط بها أمر التطبيق ، لتسهيل مهمات السير بحسب الأوامر والتوجيهات التي توجه إليهم) .

كان عبدالعزيز يتظاهر دوما باحترام الفهماء ولهم في مجلسه حدثة مسموعة ، كما أنه كان يستمع إلى نصحهم. وقد أظهر الفهماء سلطتهم حينما قرر ابن سعود الاحتفال بالذكرى الخمسين لجلوسه على العرش . ورد الفهماء بأن الإسلام لايعهد عيدا من هذا القبيل فوافق الملك على رأيهم . وفي بعض الحالات كان عبدالعزيز يتعامل مع ملاحظات الفهماء بروح النكتة . فقد روى أنه كان يتسار في قصره بالرياض وعليه ثوب طويل يمس الأرض ، فدخل عليه أحد الفهماء ونطق (الله يا عبدالعزيز! لقد دخلك الكبر وصرت تجر ذيلك وراءك) . التفت عبدالعزيز إلى الخدم في الحال قائلا : (هاتوا المقص) . فلما جاؤوا به أعطاه إلى الشيخ ونطق : (قص ماتراه مخالفا للدين!) .

خط فيلبي عام 1918 يقول حتى عدد الفهماء ستة في الرياض وثلاثة في القصيم وثلاثة في الإحساء وهناك عالم واحد في جميع من مناطق نجد الأخرى ، ويقرب عددهم الإجمالي من العشرين . ويبدوأنه يقصد كبار الفهماء فقط ، وعلى أية حال فإن عددهم في العاصمة كان يتغير من عام لعام . كان الفهماء في السعودية يعتبرون متضلعين في الفقه والشرع بفضل عمق إيمانهم وانكبابهم على الدراسة . ومن الطبيعي حتى الفهماء ينتسبون في العادة إلى قبائل (كريمة المحتد) أومن السادة ، الذين يعتبرون من سبط النبي . إلا حتى أكثر فهماء السعودية هيبة وثقة هم أفراد آل الشيخ ، رغم أنهم ليسوام ن السادة . وكانت تربط آل الشيخ صلات قربى مع عبدالعزيز تعود إلىزمن عبدالعزيز الأول وابن عبدالوهاب . وكان الملك فيصل الذي اغتال عام 1975 إبنا لعبدالعزيز من زوجة من آل الشيخ .

حينما حان الوقت لإجراء تحديث ولوجزئي في الدولة الإقطاعية وقف الفهماء وقفة حازمة ضد التغيير ، وما برحوا متمسكين بموقفهم حتى يومنا هذا . وفي حزيران (يونيو) 1930 احتج الفهماء الذين اجتمعوا بمكة على أدراج مواد مثل الجغرافيا واللغات الأجنبية والتخطيط الهندسي في برنامج مديرية المعارف المؤسسة حديثا . وزعموا حتى التخطيط الهندسي هوتصوير بكل حال ، أما اللغات فاعتبروها وسيلة لفهم الأفكار الدينية للمشركين ، وأثارت الجغرافيا نقمتهم لقوها بكروية الأرض . بيد حتى عبدالعزيز تجاهل احتجاجاتهم . وفي حالات أخرى وقف فهماء الرياض إلى جانب عبدالعزيز مناهضين لتعصب الإخوان .

في مطلع الخمسينات تكون نوع من السلم الوظيفي بين فهماء الدين . فقد اعتبر مفتي الديار السعودية بمثابة رئيس للفهماء . وحظي بهيبة خاصة رئيس جماعة الأمر بالمعروف في الرياض وقاضي القضاة في مكة وقاضي الدلم وقاضيا المحكمة الشرعية في الرياض وعضولجنة الأمر بالمعروف في الرياض . لعب عبدالله بن محمد بن عبداللطيف ، وهوفقيه وخطيب شهير من آل الشيخ ، دورا هاما في إرساء الركيزة الدينية للدولة المركزية . وقد تفهم في المدينة وتونس والقاهرة وطاف المغرب وأسبانيا والهند وأفغانستان وإيران والعراق . وقد انضم إلى آل سعود إبان فترة نفيهم في الكويت وتتلمذ عليه عبدالعزيز . وظل عبدالله حتى وفاته عام 1925 زعيما لاينافس لآل الشيخ . ويقول فيلبي أنه كانه يلقي خطب الجمعة في مسجد الشيخ عبدالله بحي الفهماء في الرياض ومواعظ في المسجد الجامع بالرياض ، كما أنه كان قاضي القضاة في العاصمة .

أدى قيام المملكة العربية السعودية وتوطد استقلالها وانبعاث بعض المؤسسات الاجتماعية السياسية الإسلامية إلى استنارة الاهتمام بالوهابية من حديث خارج حدود المملكة . ففي مصر وجدت مجموعة محمد رشيد رضا التي كانت مجلة (المنار) أساسا لها ، وجدت في الوهابية آراء مماثلة لما تدعوإليه . فقد كانت هذه المجموعة تدعوإلى تحديث المجتمع الإسلامي بالاستفادة من منجزات الحضارة الغربية (الأوروبية ، الرأسمالية) وتطالب من جهة أخرى بالعودة غير المشروطة إلى القيم الإسلامية وبعث الأفكار والمؤسسات التي كانتق ائمة في صدر الإسلام ، واعتمادها في جميع مناحي الحياة . وقد هيأت مجموعة رضا التربة لانتشار أفكار حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين . وألف رضا نفسه عدة خط يثنى فيها على الوهابية . وفي داخل مصر كان يمكن اعتبرا ذلك تعبيرا عن الميول المعارضة للملك فؤاد ، لأن العلاقات بين مصر والسعودية ظلت مقطوعة حتى عام1936 بسبب حادث المحمل .

تنظيم سلطة الدولة والإدارة في نجد

في معرض الحديث عن أوضاع نجد والحجاز في الدولة الموحدة نطق فؤاد حمزة : (أما من الوجهة الحقوقية والقانونية فإن كلا من الحجاز ونجد كان مملكة مستقلة عن الأخرى لاتجمع بينهما إلا رابطة العرش المشهجرة وشخص الجالس على هذا العرش) . ومن جهة أخرى أشار المؤلف إلى أنه لم تكن بين المملكتين حدود مرسومة ولا رسوم ، ولهما سياسة خارجية موحدة ، ناهيك عن القوات المسلحة الموحدة وهي بيت القصيد . وفي فترة 15-20 عاما الأولى كانت الفروق في الإدارة بين شقي المملكة ملموسة ، ولكنها تضاءلت بالتدريج . وكانت السلطة العملية كلها في يد الملك ابن سعود وحاشيته .

قام البلاط الملكي في الرياض بوظائف الحكومة في البلد كله وفي الوقت نفسه كان يؤدي وظائف حكومة نجد . ويفصل الزركلي الوثيق الفهم بالبلاط هجريبه على النحوالتالي : - المجلس الخاص وكان الملك يسمي أعضاءه بالجماعة أوالربع . وكان هؤلاء يعقدون ، برئاسة الملك ، اجتماعين في اليوم : قبل الغذاء وفي المساء . ويحضر المجلس شقيق عبدالعزيز الأمير عبدالله بن عبدالرحمن وولي العهد سعود ونائب ملك الحجاز فيصل ، إذا كان متواجدا في الرياض . ثم كان يحضره الوزراء والمستشارون وكبار الفهماء وسائر الوزراء والسفراء السعوديين المتواجدين في الرياض . وقد يضم المجلس أمراء المناطق وشيوخ القبائل .

  • الشعبة السياسية واختصاصها الشئون الخارجية .
  • الديوان الملكي واختصاصه الشئون الداخلية .
  • شعبة الشفرة والبرقيات .
  • شعبة البادية واختصاصها داخلية نجد .
  • شعبة المحاسبات والأعطيات .
  • شعبة الوفود والضيافة . واختصاصها السهر على راحة الوفود والإشراف على القصور الملكية المخصصة لضيوف الملك . وكان الوافدون يقسمون إلى ثلاث فئات : كبار الضيوف ، ووفود الحضر ، ووفود البلاد .
  • الخاصة الملكية واختصاصها ما يتعلق بشئون القصر الملكي .
  • شعبة أهل الجهاد واختصاصها النظر في شئون الجند غير النظامي .
  • شعبة الخزينة الخاصة .
  • شعبة المخازن الخاصة (المستونادىت) .
  • شعبة الحاشية .
  • شعبة الخيل .
  • شعبة الإبل واختصاصها النظر في إبل (الخاصة الملكية) .
  • شعبة السيارات .
  • شعبة الإذاعة التي أسست بعد ظهور اللاسلكي في البلد ، وكانت تتولى أيضا الإنصات بالعربية واللغات الأجنبية وتعد نشرات موجزة للملك .
  • شعبة الحرس الملكي .
  • الشعبة الصحية واختصاصها طبابة القصر الملكي .

ويتطابق وصف الزركلي للبلاط الملكي مع ما أورد نالينوعموما ، ولكن هذا أدرج ضمن سلسلة وظائف الديوان الملكي شئون الحجاز وعسير الإحساء ، وذكر شعبتي الزكاة والخزانة العامة اللتين ألغيتا شكليا بتأسيس وزارة المالية ، وشعبة التلاوات والمؤذنين التي لم يذكرها الزركلي . ولكن لانعتقد إذا هناك تعارضا بين المؤلفين . فالأرجح إذا شعب البلاط الملكي كان يمكن حتى تظهر وتختفي وتدمج ، يعلوشأنها أوتصبح ثانوية تبعا لوزن مسئوليها وعمق صلتهم بالملك . ولم تكن توجد أية قواعد مكتوبة أوأحكام مدونة تثبت بنية البلاط الملكي ، وظلت الحدثة الفصل في جميع القضايا للملك .

أما بالنسبة للمحافظات الرئيسية فإن الملك كان يعين أمراءها للفترة التي يرتئيها . ولم توجد في الثلاثينات قوانين أوأصول للإدارة المحلية في نجد وملحقاتها . وكان أمراء التقسيمات الإدارية الأصغر يعينون من قبل حكام المقاطعات ، ولكن بوسع الملك التدخل في اختيارهم . وفي البدء كان البلد ، باستثناء الحجاز ، مقسما كما يقول فؤاد حمزة إلى خمس مقاطعات كبرى هي نجد التي ضمت إليها العارض والمناطق المجاورة ، والقصيم وجبل شمر والإحساء (حيث يحكم آل جلوى) وعسير . ومن الناحية العملية فصلت عن جبل شمر مقاطعة وادي سرحان ، بينما قسمت عسير إلى عسير وعاصمتها أبها وتهامة ونجران .

وأسندت إلى سلطات المحافظات مهمة الإشراف على قبائل البدو. ويذكر ماكاي فرودا حتى قبائل عتيبة وجزءا من مطير والدواسر وقحطان وسبيع كانت تابعة لحاكم العارض ، وأن العجمان وبنوهاجر وبني خالد والحوازم والمناصير وآل مرة وجزءا آخر من مطير تابعة لحاكم الإحساء ، وجعلت شمر وشرارات وجزء ثالث من مطير تحت إشراف أمير جبل شمر . وتجدر الإشارة إلى حتى قبيلة مطير المتمردة على آل سعود قسمت إلى ثلاثة أقسام .

لم يقتن الحكم الذاتي للمنطقة الشرقية بمراسم خاصة ، ولكن في أواخر الثلاثينات كان قد تم هناك استحداث مؤسسات بيروقراطية خاضعة لابن جلوى ، وجعل أقارب بن جلوى حكاما لأهم الواحات وشكلت في الهفوف مديريات الشرطة والمالية والجمارك وخفر السواحل وفرع لمديرية المعادن في جدة .

إدارة الحجاز

أقام ابن سعود في الحجاز نظاما معقدا للسلطة والإدارة . ففي آب (أغسطس) 1926 أصدر الملك وثيقة تعهد باسم (التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية) وهي تسمى أحيانا (الدستور) . وتنص الوثيقة على حتى (المملكة ... مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا لايقبل التجزئة ولا الانفصال بوجه من الوجوه) وإن الحجاز (دولة ملكية شورية إسلامية مستقلة في داخليتها وخارجيتها) وأن (مكة المكرمة عاصمة الدولة الحجازية) . وأن (إدارة المملكة بيد صاحب الجلالة عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وهومقيد بأحكام الشرع).

ونصت الوثيقة على حتى تتولى تصريف شئون الدولة الحجازية ست شعب أساسية : - الشرع.

- الداخلية.

- الخارجية.

- المالية .

- المعارف.

- الجيش.

وأكدت مادة خاصة على حتى الشئون العربية وكل مايتصل بها من وظائف خاضعة لإشراف الملك . كما نصت الوثيقة على تأسيس مجلس شوري يضم نائب الملك ومستشاريه وستة من أشراف الحجاز يعينهم الملك . كما تشير الوثيقة إلى وجود نية لإنشاء مجالس إدارية في المدن الرئيسية تمنح صلاحيات البلديات ، ولكن قراراتها لاتسري إلا بعد مصادفة الملك . وتقرر أيضا إنشاء مجالس في الوحدات الإدارية الصغيرة .

بدا لإبن سعود حتى بعض التعليمات الأساسية تتناقض وسلطته المطلقة . لذا فإن المواد 28-37 المتعلقة بمجلس الشورى والمجالس المحلية تجوهلت بعد مضي عام ، في حين حتى المواد 43-45 حول تشكيل هيئات لها حق الإشراف على نفقات الخزانة لم تطبق قط وبطل مفعولها فيما بعد .

ثمة خاصية جوهرية (دستور) الحجاز تتمثل في الغياب التام للأحكام المتعلقة بالحقوق الفردية والعامة ، وكذلك الأحكام التي تحد من سلطة الملك المقيد بأحكام الشرع فقط . ويقول الزركلي الذي تفهم النشاط العملي لهيئات السلطة في الحجاز ، إذا مجلس الشورى كان يعالج القضايا المتعلقة بميزانية دوائر الدولة والبلدية ويتولى إعطاء الرخص للشروع في عمل مشاريع اقتصادية وعمرانية ويسن القوانين والأنظمة ويبت في استخدام الموظفين المحليين والأجانب ، ومن عام 1932 أضيفت إلى اختصاصاته العناية بشئون الحجاج .

ويشير الزركلي إلى حتى صلاحيات المجلس تشريعية واستشارية ، وكان بوسعه حتى يلفت نظر الحكومة (يقصد بذلك مجلس الوكلاء – مجلس الوزراء – الذي شكل في الحجاز) . إلى أي خطأ في تطبيق القوانين والأنظمة ، وإقرار أونقض أوتعديل مشاريع الحكومة .

وفي تموز (يوليو) 1928 صدر مرسوم ملكي يقضي بتشكيل مجلس شورى للحجاز ونجد سوية ، ولكن هذا المرسوم لم يطبق . كما لم تصدر قرارات تقصر صلاحيات مجلس الشورى على الحجاز ، أوتقضي بشمول سائر أراتى المملكة بها . وقد أنجز المجلس حتى عام 1950 مئات من الأنظمة والتعليمات حول مختلف القضايا لتحديد وضع الهيئات الحكومية والعامة والقضاء الشرعي والصحة والبرق والبريد والتلفون . وفي الواقع طبق الكثير من أنظمة وتعليمات مجلس الشورى في الحجازي في سائر أراتى البلد .

قبل الاستيلاء على الحجاز كانت الروابط بين نجد والعالم الخارجي تجري بأكملها تقريبا عن طريق الخليج . وتولى الملك الممحررات ومتابعة الاتصالات وكان يعطى الإيعازات لمندوبيه في المفاوضات . وبعد ضم الحجاز تعقدت الروابط الدولية للملكة الجديدة . وكان في جدة عدد من القناصل الأجانب الدائمين . كما حتى وفود الحجاج كان يضع أمام حاكم الحجاز عددا من القضايا الحساسة . لذا ظهر منذ عام 1925 شيء أشبه بمديرية الشئون الخارجية وترأسها يوسف ياسين السوري المولد الذي كرس نفسه لخدمة ابن سعود . وقد شارك مع المصري حافظ وهبة مفاوضات بحرة وحدة عام 1925 ، وشارك في بعثات دبلوماسية أخرى فيما بعد . وقد ترأس في مكة تحرير صحيفة أم القرى وتولى رئاسة الدائرة السياسية لدى الديوان الملكي . وفي عام 1930 أصدر ابن سعود مرسوما بتشكيل وزارة الخارجية التي أسندت لابنه الثاني فيصل نائب الملك في الحجاز .

أقامت العربية السعودية علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي في 16 شباط (فبراير) 1926 ، وفي الأول من آذار (مارس) 1926 مع بريطانيا العظمى وفي الشهر نفسه مع هولنده وفرنسا وهجريا ، وفي عام 1928 مع ألمانيا وفي عام 1929 مع إيران وبولنده وفي 1931 مع الولايات المتحدة الأمريكية وفي 1933 مع إيطاليا وفي 1936 (بعد وفاة الملك فؤاد) مع مصر . وكان في السعودية عام 1950 سفاراتان : أمريكية وبريطانية ، أما الدول الأخرى فقد تمثلت ببعثات دبلوماسية . وغادرت البعثة السوفييتية جدة في 1937/1938 ، ولكن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تبتر رسميا .

تولى جميع شئون الخزانة في إمارة الرياض خلال الحقبة الأولى إنسان يدعى عبدالله السليمان ولم يكن لديه هلاك خاص من المساعدين . وانشئت في جميع بلدة إدارة لجباية الزكاة مستقلة عن غيرها ومحاسبة إمام الأمير والملك . وقد كانت على غرار هيئات الضرائب في الدولتين السعوديتين الأولى والثانية . وأسست في مكة عام 1927 مديرية المالية العامة وترأسها عبدالله السليمان ذاته . ومن عام 1929 جعلت المديرية وكالة ، أي صارت وزراة عمليا . وفي عام 1932 قرر الملك تحويل الوكالة إلى وزارة المالية ذات الصلاحيات الواسعة وأسندت إلى عبدالله السليمان اياه . واضطلعت الهيئة الجديدة بصلاحيات وزارة الاقتصاد . وربطت بالوزارة إدارات التموين والحج والزراعة والأشغال العامة والسيارات . كما كان من صلاحيات الوزارة توقيع عقود الامتياز لاستخراج المضى والنفط ، وشكلت إدارة المعادن والنفط تابعة لها . وعمل سرويون ولبنانيون ومصريون وعراقيون كخبراء في الوزارة . استمر توسع الوزارة وبلغ عدد العاملين فيها عام 1949 زهاء 5400 إنسان .

يعود تاريخ مجلس الوزراء في الحجاز برئاسة فيصل نائب الملك ، إلى كانون الثاني (يناير) 1932 حينما شكل مجلس الوكلاء بصلاحيات مماثلة لصلاحيات مجلس الوزراء ، ولكنها غير مطابقة لها كليا . وقد ضم المجلس الرئيس ، أي نائب الملك ووكلاء الخارجية والمالية والداخلية وأعضاء مجلس الشورى . وكانت وزارةالداخلية تضم إدارات الصحة والمعارف والبرق والبريد والتلفون واللاسلكي والقضاء والحربية ومديرية الأوقاف والكعبة والبلديات والثروة المائية والمحاجر الحصية وخفر السواحل والشرطة العامة . تأسست في مكة عامة 1925 "إدارة الأمن العام" . وقد شكلت شرطة حماية الأخلاق وشعبة التفتيش والمحاسبة ومراقبة الأجانب. وضم نشاط ادارة الامن العام جميع أنحاء العربية السعودية ، وأنشئت إدارات وتشكيلات لها في جميع مدينة كبيرة. وفي مطلع الأرعبينيات أنشئت في مكة مدرسة للشرطة. كان لنائب الملك فيصل ديوان بمكة يضم مخطا خاصا للممحررات السرية والخاصة ، ومخطا لتلقي المعلومات والأوراق الرسمية ، ومخط اللجنة الدائمة لمجلس الوكلاء ، وشعبة الخيل وشعبة البادية وشعبة الجيش – الابل – وشعبة السيارات.

ان حدثة وزير ليست غريبة عن النجديين ، ولكنها خلافا للعالم الخارجي ، تعني لديهم السكرتير . فحتى الآونة الاخيرة كان لكل أمير وزير ، ولدى كبارة الامراء عدة وزراء يتولون الحسابات والمراسلات وغيرها من الشئون. لذا فان حدثة وزير بمفهوما الأوربي والعام تنطبق أكثر على مسؤولي ادارات الديوان الملكي الذين تولوا تصريف الشئون العامة باشراف الملك. منذ عام 1925 انشئت مصلجة الصحة العامة التي اخذت صلاحياتها ووظائفها في الاتساع. وبعد مرور بضع سنوات أنشئت ادارات للصحة في كبريات المناطق. عام 1931 أنشئت مديرية خفر السواحل ومركزها جدة وأوكلت إليها شؤون الموانئ وخفر السواحل ومكافحة التهريب وتنظيم الملاحة. عام 1926 أنشئت بلدية مكة بميزانية خاص ، وسن لها نظامن هام عام 1929 وعدلعام 1938.

عند حلول عام 1934 عام الحجاز قد قسم إلى 14 محافظة ، ويخضع أمراء جميع منها لوزير الداخلية شكليا ولنائب الملك فيصل عمليا. وأوكل إلى المحافظين الإهتمام بشئون البدو. حينما أصدر ابن سعود في 18 سبتمبر 1932 مرسموما حول توحيد أجزاء المملكة العربية أصبحت هذه المملكة كلا واحدا من حيث الهجريب الإداري. فقد أشارت المادة الخاصة من المرسوم إلى حتى تشكيلات الحكومة الحاضرة في الحجاز ونجد وملحقاتها تظل على حالها مؤقتا إلى حتى يتم وضع تشكيلات جديدة للمملكة كلها على أساس التوحيد الجديد. وكلف مجلس الوزراء الحجازي بأن يشرع فورا في اعداد النظام الأساسي (الدستور) للملكة ونظام تشكيلات الحكومة. ولم ينجز ذلك أبدا. وظلت الفوارق الإدارية بين الحجاز ونجد قائمة لفترة طويلة لم تزل بشكل نهائي حتى الوقت الحاضر.

مهما تعقد الجهاز الإداري البيروقراطي في العربية لاسعودية ، فإن جميع القرارات الأساسية تتخذ من قبل الملك وحاشيته. لذا فإن المقريبن للعاهل كان لهم القدر الأكبر من السطوة في الدولة. ويقول فيلبي "أن الأشخاص الذين كان ابن سعود ينتقيهم للمناصب الإدارية في مملكته ظلوا في مناصبهم حتى نهاية حياته عمليا. وكان ذلك تعبيرا عن سمة محددة في مزاج الملك: العزوف عن الاختلاط مع الغرباء ، وان كان متسترا بالضيافة الرائعة الواهتمام الودي الخالص بالضيف. وكان يؤثر حتى يرى دوما من حوله ، ليلاا ونهار ، سنة أثر سنة ، نفس الأشخاص أوأفراد العائلة أوالإداريين أوالخدم أورفاق السلاح. فهولا يستطيع حتى يصبح على سجيته بشكل تام إلا معهم . وكان بوسعه حتى يثق بهؤلاء الأشخاص لمعهدته بهم عن كثب ، ولفهمه بمزاياهم ونواقصهم. وكان يغدق على هؤلاء بلا حدود ، حدثا تزايدت موارده". عملى سبيل المثال لم يتسقل عبد الله السليمان من منصبه كمسؤول عن المالية إلا بعد وفاة عبد العزيز وتولي محمد سرور الصبان مسؤولية المالية.

كان من بين مستشاري ابن سعود إنسان يدعى عبد الله الدملوجي ، وهوعراقي من مدينة الموصل ، إستقدمه ابن سعود عام 1915 بصفة مستشار طبي وطبيب ، وللإلمامه بالفرنسية أوكل إليه استقبال الضيوف الأجانب في ديوان ابن سعود بالرياض. وبعد الإستيلاء على الحجاز عين ممثلا شخصيا للملك في جدة ، ثم صار نائبا لوزير الخارجية (وكان فيصل الولد الثاني فبن سعود ووزيرا أنذاك) وظل يشغل هذا لامنصب حتى سنة 1930. وقد خلفه فؤاد حمزة وهوفلسطيني ، وعمل في وزارة الخارجية حتى وفاته. وعمل مع ابن سعود حافظ وهبة ويوسف ياسين. وحافظ وهبة مصري احتجزه البريطانيون في فترة من الوقت في مالطا بسبب ثورة 1919 في مصرز وصار مديرا للمعارف ثم ممثلا للسعودية لدى الكرسي البابوي. ثم سفيرا في لندن . أما يوسف ياسين ، وهوسوري من اللاذقية ، فقد عمل سكرتيرا سياسيا للملك وترقى حتى صار وزيرا للدولة. وتولى الإسشراف على المراسلات الدبلوماسية مع الممثليات السعودية في الخارج. هذا وكان قد وصل إلى الجزيرة في 1923-1924 ، وخظي بإعجاب ابن سعود.

في بداية حكمخ كان ابن سعود يتحاشى إشراك أبنائه وسائر أفراد عائلته في قيادة الشئون الإدارية . ولم يستثن من ذلك سوى أكبر أبنائه وهما سعود وفيصل اللذين عينا نائبين له في نجد والحجاز على التوالي. ولم ينس ابن سعود المصير المفجه الذي آلت إليه الدولة في زمن جده فيصل ، الذي اغتال بسبب التنافس بين أبنائه. وبمرور الوقت زال التقليد المذكور واصبح أفراد العائلة المالكة يتبوأون أبرز المناصب في جهاز الدولة.

الشرع والوهابية

إن الإسلام بتفسيره الوهابي هوالإيدولوجيا التي إعتمدت في السعودية. إذا الإقرار بوجود إله واحد (الله) وملك واحدة وممضى ديني واحد (الحنبلي) ، تطلب وجود نظام قانوني وقضائي واحد. ولم تكن تلك مهمة سهلة في مجتمع متباين يضم فئات وشرائح إجتماعية مختلفة (البدووالحضر على أقل تقدير) ظلت طوال قرون تعتمد مدارس فقهية مختلفة ، وتطلب تطبيقها إيجاد حلول وسط.

عند إبتداء القرن العشرين عادت العادات والعهد لتبوء مكان الصدارة إلى جانب الشرع الذي حاول الوهابيون تطبيق أحكامه في قبائل البدوفي القرن الثامن عشر ومستهل القرن التاسع عشر. وكانت الممارسات القضائية تحتلف من قبيلة لأخرى. فقد كان لدى البدوكما يذكر الزركلي ، نظام قضائي يشبه المحاكم الإبتدائية ومحاكم الإستئناف والتمييز. وكان القضاء قائما على الإستشهاد بالسوابق التي يجب حتىقد يكون قد مضى عليها ، في بعض الأحيان ، ما لا يقل عن خمس سنوات كما لدى الرولة.

من البديهي حتى يحدث صدام بين النظامين القضائيين بظهور الدولة الإقطاعية المركزية التي طبقت أحكام الشريعة وكان لديها جهاز قسري لإنفاذ القرارات القضائية. فالعهد ، مثلا ، ينص على منح المطارد حق اللجوء بشروط معينة ، وكلن الدولة المركزية لم تعترف بهذا الحق. والبدويعتبرون بعض الأعمال جريمة إذا أقترفت داخل القبيلة ، مثل النهب أوالقتل ، في حين حتى هذا يتناقض مع احتياجات الدولة وسياسيتها. ونشأت مشاكل بسبب الغزووالبت في أمر الماشية التي تغنم . كما ظلت معلقة مسائل الثأر الذي حاولت الحكومة باستمرار تحديد مداه.

منذ عام 1914 تقريبا بدأ اتخاذ خطوات عملية للحد من نفوذ العارفة في القبائل ، وبدأ تعيين المطاوعين والقضاة. وانزلت ضربة بإمتيازات العوارف ولكن لم تجر في السنوات الأولى محاولة لإستبدالهم بالقضاة. واخد بأحكام العهد والشرع على قدم المساواة في القبائل ، وجرى تحديد الوظائف بينهما مؤقتا . واستمر العوارف في الاهتداء بالعهد في القضايا التي تقع ضمن أحكامه كالعلاقات بين القبائل ، أما قضايا مثل الإرث ، فقد كانت تنظر من قبل القضاة على أساس الشرع. ومن المهم الإشارة إلى حتى حركة الإخوان سرعت في عملية إحلال القضاة محل العوارف.

آثر حكام المقاطعات السعوديون عدم التدخل في القضايا العشائرية الداخلية. عملى سبيل المثال تضمن كتاب "مذكرة الحكومة السعودية" ثلاثين قرارا إجرائيا قضائيا وكلها تتعلق بالعلاقات بين القبائل واعادة الممتلكات المغتصبة وخاصة الماشية . جرى تدريجيا فصل الواظائف القضائية للحاكم (المحافظ) والقاضي. فأنوكلت إلى القضاة المنازعات الشخصية والقضايا التجارية والشرعية والأحوال الشخصية والإرث. أما الأمراء فقد تولوا قضايا النزعات بين القبائل وجباية الضرائب والتجنيد والمشاكل الإدارية. ويكون الأمير بمثاة قاض عند معالجة هذه الأمور. ولكن لاشرع خول الأمير النظر في منازعات لا علاقة لها بالأمور العسكرية والادارية والمالية.

إن الصراع من أجل تثبيت أحكام الشريعة بصيغعتها الحنبلية لتحل محل العهد العشائري لم يكن العقبة الوحيدة في طريق إقامة نظام قضائي وقانوني موحد في البلد. فبعد قيام الدولة السعودية ظل الممضى الحنبلي سائدا في نجد بينما كان الممضى الشافعي هوالسائد في الحجاز ، في حين حتى الممضى الحنفي كانم السائد في المدن المرتبطة بالسلطات العثمانية. وكانت الإدارة العثمانية تعين عادة أربعة قضاة ، واحدا من جميع ممضى ، رغم إعطاء الأولية للممضى الحنفي. ويشير الباحث الأمريكي وايدل حتى المدرسة الحنفية في القضاء ظلت قائمة طوال عقود في المراكز الإدارية العثمانية السابقة بالإحساء مثل الهفوف.

بعد إلحاق الإحساء قابلت الحكومة المركزية معضلة الأقلية الدينية – الشيعة. ولا توجد أرقام عن عدد الشيعة في بداية القرن ولكن تقديرات وايدل في عام 1955 تفيد بأن عددهم بلغ في الإحساء 130 ألفا . وقد حافظ وهبة عدد الحضر في الإحساء في الثلاثينيات بزهاء تسعين ألفا ، نطق إذا ستين ألفا منهم شيعة. وهذا لا يختلف كثيرا عن رقم الباحث الأمريكي الذي قد يحدث أدخل في حساباته شبه الرحل. وبالإضافة إلى ذلك شهدت المنطقة الشرقية زيادة كبيرة في عدد لاسكان أثر إكتشاف النفط. ويقول وايدل حتى نسبة الشيعة إلى السنة في واحات الإحساء هي 45 إلى 55 أو40 إلى 60. ونظر حتى الشيعة غالبا ما كانوا يخفون معتقداتهم الدينية ، فمن المحتمل حتى عددهم في المحافظة الشرقية كان أكبر مما ذكر الباحثون. يقول هارسيون حتى السنة (الوهابيين) كانوا الأقلية في الإحساء وهم من الحكام والتجار والمزارعين. أما الغالبية من صيادي اللؤلؤ والحرفيين والفلاحين ، فهم شيعة . واشار وايدل أيضا إلى حتى غالبية الحرفيين من الشيعة. وكان مجتمع المنطقة الشرقية ينطوي على تناقضات إجتماعية خطيرة مبرقعة بغلاف ديني. كما سكنت مجموعات شيعية صغيرة في مكة والمدينة ، وقطن عسير ممثلوإحدى الفرق الشيقية وهي الزيدية.

وكان في الحجاز أعضاء من مختلف الفرق الصوفية : السنوسيون واللفسة والقادريون والبكتاشيون ، ولكن هذه الفرق انحسرت بعمل ضغوط الوهابية التي رفضت الصوفية من حيث المبدأ .

كانت أوضاع الشيعة صعبة في دولة إسلامية سنية خالصة . وفي عام 1927 أصدر الفهماء الوهابيون ، بضغط من الإخوان فتوى تطالب عبدالعزيز بمنع الشيعة من أداء الصلاة في الأماكن العامة والنادىء لأهل بيت النبي والاحتفال بذكرى وفاة النبي وأهل بيته وزيارة كربلاء والنجف ، وإرغامهم على أداء الصلوات الخمس في الجوامع . ورأى الفهماء حتى على الشيعة حتى يدرسوا دين الله على كتاب محمد بن عبدالوهاب (الأصول الثلاثة) . ودعت الفتوى إلى هدم جميع الأضرحة الشيعية . ولكن عبدالعزيز رأى حتى هذه المطالب متطرفة ورفض تلبيتها . غير حتى الوهابيين اعتبروات شيعة المنطقة الشرقية (كفارا) ومن أهل الذمة . صدرت عامي 1926 و1927 أوامر ملكية أنشئ بموجبها نظام قضائي موحد للدولة وأصبح القضاء قائما على أساس الفقه الحنبلي . وأصدر الملك أمرا ألزم القضاة بأن يتقيدوا بستة مراجع أساسية هي : (الإقناع) للشيخ مرسي الحجاوي ، و(كشف القناع عن متن الإقناع) لمنصور البهوتي الحنبلي و(منتهى الإرادات) للفتوحي و(شرح منتهى الإرادات) لمنصور البهوتي و(المغني) للشيخ عبدالله بن أحمد بن قدامة و(الشرح الكبير) للشيخ عبدالرحمن بن أبي عمر بن قدامة . ويبدوحتى اعتماد الفقه الحنبلي قابل مصاعب في الحجاز وعسير والإحساء.ولم يحدث الإصلاح القضائي تغييرات تذكر في نجد ، إلا أنه جرى في الرياض وبعض المدن الكبيرة الأخرى فصل محاكم البدووالحضر .

بعد إعادة تنظيم القضاء في الحجاز عام 1927 أسست ثلاثة أنواع من المحاكم : المحاكم المستعجلة والمؤلفة من قاض واحد ، واختصاصها النظر في القضايا المدنية التي لايتجاوز المطلوب فيها ثلاثين جنيها استرلينيا ، وفي قضايا الجنح والجنايات التي لاتصل إلى حد البتر أوالقتل . ويرى القانوني العربي صبحي المحمصاني حتى في ذلك عودة إلى الشرع بصيغته الكلاسيكية لأن القضايا المدنية سابقا كانت مفصولة عن الجنح والجنايات . المحاكم الكبرى وتضم قاضيا ونائبين له ، وهي تنظر في القضايا التي لاتدخل ضمن اختصاص المحاكم المستعجلة ، بما فيها الجرائم التي تستوجب البتر أوالقتل ، ولكن لابد من صدور إجماع جميع القضاة عند إصدار قرار بهذا الشأن .

هيئة المراقبة القضائية في مكة ، وهي بمثابة محاكم الاستئناف ، وتتألف من مدير وأربعة أعضاء . وتولى المدير الإشراف على سائر المحاكم والقضاة في الحجاز ، وكان بمثابة وسيط بين الحكومة واتلمحاكم . وتكتسب الأحكام درجتها البترية عند تأييدها من قبل الهيأة خلال عشرين يوما (عشرة أيام وفق مصادر أخرى) من صدورها . أما الأحكام التي تنقضها الهيأة فتعاد إلى المحاكم التي أصدرتها لإعادة النظر فيها . وذكر الزركلي حتى هجريب الهيأة تعقد فيما بعد وزادت عدد القضايا التي تنظر فيها . كانت في الحجاز المحاكم التالية : في مكة اثنتان من المحاكم المستعجلة ومحكمة كبرى ، وفي جدة محكمة مستعجلة . وفي عام 1932 أنشئت في مكة محكمة مستعجلة لقضايا البدو.

نظرا لطابع مكة الدولي ظلت فيها المدارس الفقهية الأربع ، رغم حتى الحنبلية كانت السائدة بطبيعة الحال . وكانت رواتب القضاة من أموال الزكاة ، ولكن المدعي يدفع رسوم خدمة تستوفي لصالح الخزانة . أسست في الحجاز عام 1927 أول دوائر كتاب العدل التي كانت تتولى تسجيل الوثائق القانونية باستثناء مايتعلق بالأوقاف . وفي عام 1926 ، أي قبل الإصلاح القضائي أسس في جدة المجلس التجاري المؤلف من رئيس وخمسة أعضاء من ذوي الخبرة في الشئون التجارية للنظر في المنازعات بين التجار والصيارفة والوكلاء وأصحاب الحوانيت ، والبت في القضايا المتعلقة بتصريف العملة ودفع الحسابات التجارية عبر البنوك ، والنظر في المنازعات بين التجار وأصحاب السفن في حالة فقدان الأمتعة أواصطدام السفن أوتعرضها للهجوم ، وفي الخلافات الناشئة عن تحرير العقود أواتفاقات الأسعار . وفيما بعد أخذت هذه المحكمة تعمل وفق نظام التجارة لعام 1931 الذي وضع على غرار نظام الإمبراطورية العثمانية ، واستثنيت منه القضايا الخاضعة لأحكام الشرع .

من المهمات التي أنيطت بالمحاكم الشرعية في شبه الجزيرة خلال فترة العشرينات والثلاثينات ، محاولة بتر دابر الثأر بفرض دية عن دم القتيل وحمل أهله على قبولها . وحددت مبالغ معينة عن جميع نوع من التشويه الجسدي . وكما كان الحال إبان الدولة السعودية الأولى ، كانت تلك محاولة تهدف إلى إضعاف النزاعات بين العشائر والتقليل من احتمالات التحارب فيما بينها . وبعد صدور قرار قضائي كان أهل القتيل يرغمون على الإعلان عن عفوهم عن القاتل . هذا فهما بأن الأفخاذ الأرستقراطية ، بما فيها آل سعود ، استمرت ترفض الدية وترى حتى الدم لا يغسله إلا الدم .

فيما يخص السرقة وبتر يد السارق ، تجدر الإشارة إلى حتى مثل هذه العقوبات تطبق أقل كثيرا مما قد يظهر لغير المطلع ، وذلك لوجود عدد من التقييدات . فيجب حتى تكون السرقة مثبتة والسارق بالغا سن الرشد وفي تام قواه العقلية وقد عمل بمحض إرادته . وينبغي حتىقد يكون المسروق ذا قيمة إذ حتى الماء والخمر والآلات الموسيقية والصور وخط الفقه لاتعتبر ذات قيمة . ويجب ألا تقل قيمة المسروق عن ثلاثة دراهم . كما حتى المسرق يجب حتىقد يكون قد سرق من محل يحفظ فيه عادة مغلقا بمفتاح . وإذا ماكسر سارق القفل وقام آخر بالسرقة ، فلا تبتر يد أي منهما . ولاتحتسب سرقة الأقارب . وينبغي حتىقد يكون هناك شاهدان على واقعة السرقة . ويلغي بتر اليد في سنوات الجوع أوالغلاء . ويعتبر الزنى جريمة بحق الأسرة والأخلاق العامة ، ويرجم الزاني والزانية . كان الجلد عقوبة تعاطي الخمر . كما حددت الممارسات القضائية جملة من العقوبات الصارمة عن نهب القوافل .

الواردات والنفقات

كان خمس غنائم الغزوات ، التي يحالفها التوفيق دخلا لخزانة الدولة . ولكن خلافا للدولة السعودية الأولى كانت تمر في إمارة نجد ، ومن ثم في مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها ، سنوات عديدة دونما غزوات تذكر ، وأخذت الغزوات ذاتها تكلف جميع مرة . لذا فإن مداخيل الدولة أخذت تعتمد أكثر فأكثر على جباية الضرائب بانتظام ، وأهمها الزكاة .

إن الصلاة بين المؤمن وربه ، في حين حتى الزكاة ، هي بمثابة مرشد على الولاء للحاكم الذي ينفذ مشيئة الله . لذا فالزكاة ليست مجرد فرض من الفرائض الدينية ، بل هي أيضا مرشد ولاء الحاكم . في أيلول (سبتمبر) 1925 أصدر ابن سعود مرسوما يحدد مقادير الزكاة وطرق جبايتها .

ونص المرسوم على حتى الزكاة لاتستوفي عن الدواب المستخدمة للأغراض الحربية وللنقل . وكانت الزكاة تستوفي عن الإبل إذا زاد عددها عن خمسة ، وعن الأغنام إذا ازداد عددها عن الأربعين ، وعن الأبقار إذا زاد عددها عن 30 . وتدفع الزكاة عن جميع محصول الحبوب والفواكه التي يمكن قياسها وحفظها كالتمر والزبيب واللوز والفستق والجوز ، ولاتستوفي عن سائر أنواع الفاكهة أوالخضروات . وتستوفي الزكاة عن الأراضي المروية بنسبة 5% من المحصول وعن أراضي الديم بنسبة 10% . وتستوفي عن الفضة بنسبة 2.5% من قيمتها وعن المضى بنسبة 2.5% وترتفع النسبة إلى 5% ابتداءا من وزن معين . ويستوفي عن الرأسمال التجاري وريعه 2.5% .

وكلف أمراء المقطاعات بالإشراف على استيفاء الزكاة . وفي زمن عبدالعزيز كان جباة الزكاة ينفسمون إلى فئتين رئيسيتين ، تعمل إحداهما في المدن والواحات ، وتستوفي الأخرى الزكاة من البدو.وكان العاملون ضمن الفئة الأولى يحصلون على نسب من المجموع العام المستوفي ، بينما عينت للعاملين ضمن الفئة الثانية رواتب محددة . ومن الناحية الشكلية كان مقررا حتى تجبي الزكاة في نهاية جميع عام هجري ، ولكن من الناحية العملية كانت الجباية تجري في موسم معين ، حتى وإن لم يتطابق مع نهاية العام الهجري . ففي المقاطعة الشرقية كانت الزكاة تجبي في الربيع أوالصيف . وكان جباة الزكاة يعهدون الطرق التي تسلكها القبائل وأماكن تجمعها فيقصدونها . وعندما كانت حركة الإخوان في ذروتها تولى المطاوعة جباية الزكاة في الهجر ، وكانوا يمثلون الإمام – الأمير في ذلك . وفي بعض الأحيان كان أفراد آل الشيخ يشرفون على جباية الزكاة إلى جانب المطاوعة .

إن جباة الزكاة كانوا عيون الحكومة بين البدووركائز لهيبة السلطة المركزية ولكنهم كانوا يتجاوزون صلاحياتهم ، وقد اعترف عبدالعزيز لفيلبي ذات مرة ، أنه لايحصل إلا على ثلث الضرائب . كما كان الحال إبان الدولة السعودية الأولى ، ألغيت في إمارة الرياض الخوة التي تدفعها القبائل الضعيفة للقوية . ولكن ديكسون أشار إلى حتى الخوة كانت تدفع بأشكال أخرى . ثمة مسألة كبرى مختلف عليها وصارت لها أهمية عملية إبان النزاع على الحدود مع العراق ثم أثناء الخلاف على واحة البريمي ومفادها : هل حتى أداء الزكاة من قبل القبائل يعتبر اعترافا بسيادة حكومة الرياض ، وبالتالي الدولة السعودية ، على أراضي هذه القبائل ،يا ترى؟ وأجاب فقهاء الرياض على هذا السؤال بالإيجاب ، في حين منح الفقهاء من مختل المدارس الإسلامية والأوروبيون تفسيرات متباينة .

فقد رأى ديكسون المعتمد البريطاني في الكويت والباحث في قضايا الجزيرة حتى لرئيس الدولة الحق في حتى يجند أثناء الحرب جميع من يدفع له الزكاة لكي يقاتلوا تحت لوائه ، وله حتى يصادر ماشية من لاينصاع له . ووفقا للعهد الوهابي فإن القبيلة إذا لم تؤد أولم تتمكن من أداء الزكاة لحاكمها الشرعي فإن بوسع الحاكم حتى أ) يصادر ممتلكاتها ب) يتخلى عن مسئولية حمايتها من سائر القبائل الخاضعة له ج) لايؤازرها عند تعرضها لغزوأعداء خارجيين . أما إذا كانت القبيلة تؤدي الزكاة فإن الحاكم أورئيس الدولة ملزم بحماية هذه القبيلة من العدوان الداخلي أوالخارجي وليس لرئيس الدولة الحق في جباية الزكاة من قبيلة لا تأتمر بأمره ولكنها ترعى ماشيتها في أراضي دولته ولاتعتزم المكوث إلا فترة قصيرة تعود بعدها إلى أراضيها وتؤدي الزكاة لحاكمها الشرعي . ويقول ديكسون حتى هذا قانون قديم ومحكم في الجزيرة ويفهمه الجميع . ويمضى مؤلف (مذكرة الحكومة السعودية) إلى حتى رأى ديكسون هذا يمكن حتىقد يكون مدخلا لفهم الجوانب السياسية لأداء الزكاة ابتداءا من القرن الثامن عشر .

بعد الاستيلاء على المنطقة الشرقية فرضت رسوم جمركية مقدارها 80% وإن كان فيلبي قد أشار إلى حتى رسوم الدخان وصلت إلى 20% . وفرضت الجزية على الشيعة والمسيحيين واليهود في الإحساء . وإثر الاستيلاء على الحجاز ظهرت ضريبة جديدة تستوفي من الحجاج وكانت ترفد خزانة الدولة بعوائد كبيرة ز ولكن الدولة ظلت فقيرة إلى حد كبير ، ومن أدلة ذلك حتى عوائدها الإجمالية من الضرائب عام 1927 بلغت 1.5 مليون جنيه استرليني .

جرت المحاولة الأولى لوضع ميزانية السعودية عام 1929 ، ولكن وضعها لم يتم إلا عام 1934 . ولأول مرة قامت الدوائر الرسمية للدولة بوضع مشاريع للنفقات وقدمتها إلى وزارة المالية . ثم أحيلت المشاريع إلى مجلس اشورى الذي أحالها بدوره إلى مجلس الوكلاء (الوزراء) . وبديهي أنه لم يجر التقيد بالميزانية ، ولكن من المهم الإشارة إلى ضآلتها ، إذ حتى باب النفقات بلغ 14 مليون ريال (كان الجنيه الاسترليني الواحد يعادل ثمانية ريالات تقريبا) ، وبلغ باب الواردات مقدارا مماثلا .

يذكر الزركلي أنه سقط على تقرير لوزارة الخارجية المصرية عن واردات الدولة السعودية في أواخر الثلاثينات . ويشير التقرير إلى حتى الموارد الرئيسية تتلخص في رسوم الحج والعوائد من البترول والمضى والزكاة . ولم تتجاوز الميزانية مليوني جنيه مصري سنويا . كان الاضطهاد الضرائبي الذي مارسته الدولة المركزية العبء الأفدح بالنسبة للجماهير ، رغم حتى مستوى تطور القوى المنتجة لم يسمح بالمغالاة في جباية الضرائب . وكانت الضرائب المستوفاة تمضى إلى بيت المال ، أما النفقات فإن الجيش حصة الأسد منها . كما كانت تدفع مخصصات لأرامل وأيتام الشهداء وللجرحى والسقمى . ومن بيت المال أيضا جرى الإنفاق على الفهماء والمدارس وتنشئة الجيل والموظفين .

وأشار حافظ وهبة في معرض حديثه على حكام الجزيرة إلى أنهم يعتبرون أيديهم مطلقة في خزانة الدولة . ونطق عن إمارة الرياض حتى (مايدخل خزانة الحاكم يصرف منه على حاجاته الشخصية وعلى الأعطيات التي يجود بها على الوافدين . أما المدارس والصحة ووسائل تنظيف البلد وتجميلها فإنه ، مع استثناء الحجاز ، نجد الأهالي والحكام مشهجرين في عدم الشعور بالحاجة إليها) .

وكان في الرياض جيش من الفقراء يعيله الملك . وكان ما يترواح بين الألف والألفين يأكلون في القصر مرتين جميع يوم . وعلاوة على ذلك كان في العاصمة زهاء مائة من عوائل الأسرى تكلف عبدالعزيز بنفقات بيوتها وخيلها وإبلها وثيباها وجواريها وعبيدها . ويذكر حافظ وهبة حتى عدد الضيوف الدائمين لايقل عن خمسمائة ، وقد يبلغ عشرة آلاف . وكان بدوكثيرون يجتازون مئات الكيلومترات للحصول على هبة من الملك . وتجدر الإشارة إلى حتى هذه الهبة غدت بمثابة واجب مفروض على الحاكم . وكل أعرابي يمنحه عبدالعزيز منحة ، كبيرة أوصغيرة ، نقدا أوكسوة أومؤنة ، تصبح في نظره ، كما يقول الزركلي ، (حقا) له واجبا جميع عام . وإذا نقص النقد ريالا أوالكسوة غترة أوالمؤنة بعض الشيء طالب به وألح ، وإذا منعت عنه المنحة غضب.

وكمان كان الحال في عهد السعوديين الأوائل ، صارت الضيافة لدى ابن سعود الوسيلة المركزية لإعادة توزيع الواردات على الصفوة في المجتمع . وإن من تدول دولتهم من شيوخ القبائل وأمراء الحواضر كانوا يحلون ضيوفا تحت المراقبة . أما إطعام الفقراء ومنحهم بعض العطايا فإنهما كانا يؤديان وظيفة (حلقة الوصل الوتيرة) بين المالكين والمعدمين ، ويعززان سمعة الملك كعاهل سخي مضياف وأب للشعب وشيخ ديمقراطي .

عند حلول الثلاثينات كانت القوات المسلحة في العربية السعودية قد شهدت تطورا ملحوظا . شكلت قوات حاكم الرياض في الأعوام الأولى التي أعقبت قيام الإمارة على غرار ما كان يجري في زمن أجداده . فقد خط سليمان الدخيل عام 1913 يقول ما معناه : (متى أراد الحاكم حتى يغزواستنفر قومه ، فنفر مع الكبير والصغير . اللهم إلا ذاك الهرم العاجز ، أوذاك الصغير الضعيف أومن كان يعني بالفلاحة والزراعة . وإذا كان في البيت الواحد أخوان يمضى أحدهما ويبقى الثاني . وكذلك قل عن ابني العم أوابني الخال ، فإن أحدهما ينفر للقتال والآخر يبقى عونا لأهل البيت . والأمير في إبان الحرب لايقوم بشيء من المؤن أوالذخائر الحربية . لأن جميع من يخرج للغزاة مكلف بأعباء نفسه ، من اتخاذ الأسلحة اللازمة والمتاع وكل مايضمن له القتال مدة من الزمن . فإذا طالت المدة ، فالحاكم يجدد له الخيل والركاب والأسلحة إذا تلف منها شيء . وهويمدهم بالأطعمة) .

واتى في جريدة (أم القرى) إذا (كل فرد في نجد محارب بطبيعته ، يحمل السلاح منذ نشأته ، ويتمرن عليه ، فإذا دعى تقلد بندقيته وركب ناقته ومضى إلى المعركة . وكل نجدي من سن الثالثة عشرة إلى السبعين صالح للقتال ... ولم يكن في نجد ثكنات عسكرية ، لأن بلاد نجد كلها ... تؤلف ثكنة تضم الرجال جميعا ...) . ويذكر مؤلفوكتاب (الجزيرة العربية في عهد ابن سعود) حتى القوات المسلحة النجدية كانت تنقسم إلى أربع أصناف 1) أهل العارض 2) الحضر 3) الإخوان 4) البدو.

وامتاز من بين أهل العارض الحرس الملكي الذي تولى حماية الملك والأمراء من أفراد الأسرة المالكة ، ومنتسبوالحرس الملكي لايفارقون السلاح حتى أثناء نومهم . ومن أهل العارض أيضا موظفوا الحكومة باستثناء الأجانب الذين كانوا يستنفرون عند الضرورة ، والجيش الجهاد المسلح . والحرس الملكي أيضا من جيش الجهاد لكنهم يختلفون عن سواهم بملازمتهم للملك أوالأمراء . وكان في ديوان الملك دائرة خاصة للجهاد مسئولة عن هؤلاء الجند وسلاحهم ومؤونتهم .

أما فئة الحضر فتضم سكان الحواضر والمدن النجدية . وهم يشكلون أثناء المعركة الميسرة والميمنة ، في حين حتى أهل العارض يقاتلون في الوسط . وكانت درجات الاستنفار أربعا . الدرجة الأولى . عندما يسود السلام فترة طويلة وليس ثمة خطر حرب ، فإن جميع حاضرة ملزمة باستنفار عدد معين من الرجال بأسلحتهم ومؤنهم لمدة أربعة أشهر سنويا . وإذا لم تكن حاجة لهم فإن أهل الحاضرة يدفعون لبيت المال مبلغا معادلا لكلفة إعالة الجند .

الدرجة الثانية . تجرد جميع حاضرة عددا من المقاتلين مع مؤنهم للمشاركة في الحملات العسكرية الصغيرة . وتوفر لهم الخزانة السلاح والذخائر ، أما إذا استمر بقاؤهم في الخدمة العسكرية أكثر من أربعة أشهر فإن الخزانة تتولى تزويدهم المؤن للمدة المتبقية . الدرجة الثانية . بغية خوض حملات عسكرية طويلة الأمد أوصعبة يعلن الجهاد الأصغر فتلزم المدن والقرى بمضاعفة عدد الجند المستنفرين . الدرجة الرابعة . في الظروف الطارئة ، وإذا تعرضت الدولة للخطر ، يستنفر الحاكم جميع رجل قادر على حمل السلاح . وخلافا لسكان الحواضر فإن جميع رجل قادر على حمل السلاح من هجر الإخوان كان يشارك في الحروب والحملات الحربية .

وكانت لكل وحدة رايتها ، وللقائد العام رايته الخاصة ومسقطه عادة في الوسط ، ولكل منها صيحة حرب خاصة بها يتعهد بواسطتها جميع من أفرادها على الآخر ، وصيحة حرب مشهجرة للقوات السعودية كلها . كان الحرس الملكي وجيش الجهاد في وضع متميز عن سواهما ، ولهما الأفضلية في التموين والتسليح ، ويزودان بالخيول الملكية . وإذا كان منتسبوهاتين المؤسستين مسجلين في قوائم مديرية الديوان الملكي فإنهم يتقاضون مرتبا ، وفي الحالات الأخرى يحصلون على هبات ومخصصات .

وكان لدى الملك مجموعة من الحراس الشخصيين الذين يتم انتقاؤهم خصيصا . وإذا سار عبدالعزيز راجلا فإن حارسا يتبعه كظله مسلحا ببندقية ومسدس وخنجر ، ويقف خلفه في جميع المجالس . ولايصلي الحارس مع الجماعة حينقد يكون في المسجد ، وإنما يستمر واقفا يراقب جميع حركة حوله . وجرى عبدالعزيز في هذه العادة على سنن أسلافه ، منذ حتى اغتال الإمام عبدالعزيز الأول في مسجد الدرعية عام 1803 . ومن البديهي حتى تنظيم القوات لم يكن على المستوى المبالغ فيه الذي أورده كتاب (شبه الجزيرة في عهد ابن سعود) فحسبنا تذكر الحملات العسكرية لأمير الرياض ، الذي صار سلطانا وملكا ، وتباين هجريب قواته المسلحة وكون الأغلبية فيها كانت تارة للحضر وتارة للبدووالإخوان . ولكن من المؤكد حتى العارض والمناطق المجاورة لها كانت الركيزة الرئيسية للقوات المسلحة والمصدر الدائم الذي يمده بالمقاتلين الأشداء . ذكرت صحيفة (أم القرى) حتى (الجيش الذي كان يعتمد عليه الملك عبدالعزيز في فجر حياته ، هوجيش الجهاد الذي كان مكونا من حاضرة أهل نجد ، مضافا إليه جيش الإخوان الذي كان مكونا من القبائل البدوية الرحالة التي وضع لها نظام (الهجر) وأنزلها من البادية إلى الحاضرة ، واصبحت هجرها كثكنات عسكرية . وظل هذا ساندا إلى عام 1348 هـ (1930 م) حين رأى الملك مجاراة تطور التسلح فأمر بتكوين إدارة للأمور العسكرية ، فكان ذلك إيذانا بغرس النواة للجيش النظامي) .

كانت فكرة تأسيس جيش نظامي قد راودت ابن سعود قبل هذا التاريخ . فقد شاهدت القوات الأنجلوهندية المسلحة في العراق إبان الحرب العالمية الأولى ، وكان قبل ذلك قد حارب ضد الوحدات النظامية المسلحة الهجرية ، فتأكدت لديه أفضليات القوات الحديثة المنضبطة والمدربة .

وبعد استسلام جدة عرض عبدالعزيز على جميع ضباط الجيش الهاشمي الانتفال إلى الخدمة لديه ، فعين عددا منهم في شرطة مكة أولا ، ثم أخذ يشكل من بينهم أولى الوحدات النظامية . واستقدم الملك ضباطا من سورية والعراق للعمل في الدائرة العسكرية . شهدت جدة عام 1930 أول استعراض عسكري شارك في ثلاثة أفواج : من المدفعية والرشاشات والمشاة ، وهي نواة الجيش النظامي . ونظم الجيش على شكل كتائب وألوية ، ووزع على خمس مناطق عسكرية وتم توحيد الزي العسكري وشارات الرتب ، وافتتحت في الطائف مدرسة عسكرية . وفي عام 1935 أسست وكالة (وزارة) الدفاع ومقرها في الطائف ومديرية الأمور العسكرية . وفي عام 1938 ألغيت المديرية وفي العام التالي شكلت (رياسة الأركان الحربية) . وفي عام 1946 أنشئت وزارة الدفاع .

إن أهمية الطيران ، العسكري والمدني ، لبلد مترامي الأطراف وقليل السكان ، كانت واضحة للعيان . لذا أوفد عام 1931 إلى إيطاليا عشرة شبان سعوديين لتفهم الطيران ، وبعد عودتهم تم شراء عدد من الطائرات . وفي زمن الحرب اقتنى الملك خمس طائرات أمريكية من طراء (داكوتا) ثم تسعا أخرى . وبدأت أولى الرحلات الجوية داخل السعودية ، ثم إلى مصر وسورية ولبنان . وأنشئت في الطائف مدرسة للطيران . واستقل عبدالعزيز ذاته الطائرة لأول مرة في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1945 بالقرب من الطائف . أدرك الملك بسرعة أهمية اللاسلكي للعمليات الحربية وحفظ الأمن فأنشئت أربع مدارس لتعليم الهاتف اللاسلكي في مكة وجدة والمدينة والرياض ، وأوفد بعض خريجيها إلى بريطانيا وبلدان أخرى لمواصلة الدراسة . وخلال عهد عبدالعزيز أنشئ في المملكة ستون مركزا لاسلكيا ثابتا ، منها ثلاثة مراكز رئيسية في جدة والرياض والظهران .

وتجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب الجيش النظامي في السعودية كان يوجد جيش الجهاد وجيش الهجانة المكون من البدوالأقحاح المخلصين للملك . ويرجع هجريب القوات المسلحة على هذا النحوإلى طابع ومستوى تطور مجتمع الجزيرة ، ولكنه في الوقت نفسه كان عاملا يقلل من خطر الانقلاب العسكري .

التعليم والتربية الدينية

إثر انهيار دولة آل سعود في وسط الجزيرة في أواخر القرن التاسع عشر ، بدأ تدهوالتعليم الديني التقليدي ، ونقل قسم كبير من مخطات الرياض إلى القصيم وحائل . وسافر نفر قليل إلى الخارج لغرض الدراسة . ولم يكن في وسط الجزيرة كله مدرسة واحدة ، رغم وجود بعض الحلقات الدراسية الخاصة في مساجد عدد من المدن . كما حتى البعض كانوا يفهمون التلاميذ القراءة والكتابة في منازلهم لقاء أجر . وقد افتتحت مدرسة دينية في العاصمة إثر عودة عبدالله الشيخ إليها ، وأخذ الكثيرون من كبار فهماء الدين يقيمون مدارس منزلية . وبديهي حتى الهجريز جرى على حفظ القرآن وتعليم أصول الفقه الحنبلي لكي يتمكن الدارس من حتى يصبح قاضيا . وكانت تقرأ في مجالس أمير الرياض الأحاديث النبوية وتاريخ الطبري أوالسيرة النبوية .

وأشار حافظ وهبة إلى حتى أمراء الجزيرة نادرا ماكانوا يهتمون بتعليم أبناءهم ، واعتبر بعضهم التعليم شيئا لايليق بمقامهم . وتغيرت هذه الآراء مع تطور حركة الإخوان حينما صارت تلاوة القرآن تحظى بتأييد من الأوساط العليا وبتأييد الإخوان أنفسهم .

حينما استولى النجديون على الحجاز وجدوا حتى نظام التعليم فيه أرقى بكثير . فقد كان عدد القادرين على القراءة في وسط الجزيرة ضئيلا للغاية ، في حين أنه كانت تصدر في الحجاز صحيفة وتوجد عدة مدارس مماثلة للمدارس الهجرية ، علاوة على المخطات الخاصة الكبيرة نوعا ما . وبدأ إبان الحكم العثماني في أواخر القرن التاسع عشر إصدار صحيفة (الحجاز) (صدرت حتى عام 1909 باللغتين العربية والهجرية) . وصدرت لعدة شهور صحيفتا (شمس الحقيقة) و(الإصلاح) . وأسست في مكة مطبعة أهلية . وكانت توجد مدرسة حكومية تدرس باللغة الهجرية ومدرستان دينيتان أهليتان . وبعد ثورة هجريا الفتاة عام 1908 أفتتحت مدرستان أهليتان واحدة بجدة والأخرى بمكة .

إثر إقامة سلطة الشريف حسين المستقلة شهد الحجاز نوعا من النهضة في مجال التعليم ، رغم حتى المؤلفين السعوديين المعاصرين لايميلون إلى الإقرار بذلك . وانقسمت المدارس في عهد الحكم الهاشمي إلى قسمين : الأميرية والأهلية . كما أسست مدرسة عسكرية ومايشبه المعهد الزراعي . وكانت غالبية المدارس في مكة . وفي عهد الحسين بدأ صدور صحيفة (القبلة) التي نشرت مواد كثيرة عن جهود الحسين في مجال التعليم . واستمر صدورها من عام 1915 إلى عام 1924 . كما صدرت لفترة قصيرة مجلة يعدها طلبة المعهد الزراعي . وفي الأشهر الأخيرة لحكم الملك علي صدرت في جدة نشرة (بريد الحجاز) .

أعجب عبدالعزيز بنظام التعليم في الحجاز ، فأسس عام 1926 (إدارة المعارف العامة) التي شرعت باستقدام المدرسين من الخارج . وفي العام نفسه أسس في الرياض والمناطق المتاخمة لها مدرسة حكومية وأهلية (بلغت ميزانيتها زهاء ستة آلاف جنيه في 1928-1929 و23 ألفا في 1929-1930) . وفي الثلاثينات أنشئت مدارس جديدة في كبريات مدن الحجاز وفي الرياض ، ثم في حائل وبريدة وعنيزة والقطيف والجبيل.

وحتى الخمسينات كان زهاء 22 ساعة من مجموع 28 ساعة دراسية في المدارس الابتدائية مكرسة للمواد الدينية . وحتى في السنة المنتهية من المدرسة الثانوية كانت هذه المواد تشكل 25% من الحصص . ورغم مقاومة فهماء الدين ، أيد عبدالعزيز حتى تدرج في المناهج المدرسية مواد مثل الرسم الهندسي واللغة الأجنبية والجغرافيا . ولكن فهماء الدين تمكنوا من أحكام رقابتهم على إدارة المعارف ، وذلك من خلال نظام تعيين المفهمين والمطاوعة . ولم تطبع ، عادة ، في مطابع مكة إلا الخط الدينية . وأنشئت في المنطقة الشرقية مدارس شيعية شبه علنية أنفقت عليها الطوائف الشيعية .

ابتداءا من كانون الأول (ديسمبر) عام 1924 بدأ صدور جريدة أسبوعية شبه رسمية بمكة هي (أم القرى) وهي المرجع الأساسي للبلاغات الحكومية الرسمية . وقامت الجريدة بنشر أخبار تنقلات الملك وخطبه ونصوص المعاهدات والاتفاقيات التي تعقد مع الدول الأجنبية ، وأخبار الحياة الأدبية . وبمرور الزمن تقلص حجم الجريدة واقتصرت على البلاغات والإعلانات الرسمية .

بدأ بمكة عام 1932 صدور جريدة (صوت الحجاز) الأسبوعية التي دامت سبعة أعوام . وحلت محلها صحيفة (البلاد السعودية) التي أصبحت عام 1953 أول جريدة أسبوعية في البلد . وصدرت في المدينة عام 1938 جريدة (المدينة المنورة) . وصدرت مجلات بشكل غير منتظم في مكة . أما بالنسبة لنجد فإن أول ماصدر هي مجلة (اليمامة) الأسبوعية التي بدأت الصدور عام 1953 في الرياض . ولم يكن للصحافة السعودية تأثير يذكر على تكوين الرأي العام وتطور الأحداث . لاتتوفر لدينا معلومات موثوقة عن نظام التعليم السعودي قبل الخمسينات . ويذكر الزركلي أنه في عام 1950 كان هناك زهاء 50 مدرسة قروية (ألفا طالب) و90 مدرسة ابتدائية (13 ألفا) وعشر مدارس ثانوية (600 طالب) . وبذا بلغ العدد الإجمالي للطلاب زهاء 16 ألفا .

عند دراسة إصلاحات ابن سعود نتوصل ، حتما ، إلى استنتاج مؤداه حتى سعيه لبناء سلطة الدولة وإدارة شئونها وفقا للقيم السائدة في صدر الإسلام كان أكثر تطابع مع مستوى التطور الاجتماعي للمملكة من البدع المأخوذة عن المشركين (الكفار) . فعقارب الساعة في شبه الجزيرة العربية كانت موضع مغاير لما هي عليه في البلدان الأكثر تطورا في الشرق الأوسط . ولكن ابن سعود ضاته بوصفه من حكام الإقطاع المبكر ، ومذاهب الإسلام الخالص المجدد التي ظهرت في شبه الجزيرة العربية المتخلفة ، قد ولدا بعد بضعة قرون مما ينبغي . فإن مجتمع العربية السعودية ما كان بوسعه حتى يصمد أمام الأفكار الجديدة الكاسحة للنظام القديم ، حتى لولم تهدم البنية الاجتماعية السابقة بعمل تدفق النفط ، ومن ثم أمواله . وخير مثال على ذلك مصير اليمن في الستينات . فإن البنى الاجتماعية التقليدية تغدوفي العالم المعاصر المترابط بعضه ببعض عاجزة عن البقاء في لقاءة ضغوط العالم الخارجي الجاري عبر روابط السوق وعبر تسرب الأفكار وعبر المحاولات الرامية لتغيير ولوجزء من المجتمع (القوات المسلحة مثلا) لصد الخطر الخارجي .


وقد غدت العربية السعودية عرضة لتأثير خارجي عات . فقد شاءت الجغرافيا والجيولوجيا والتاريخ حتى تصبح السعودية أكبر منتج للنفط . وإن صناعة استخراج النفط ذاتها والفروع المرتبطة بها ، والأهم من هذا وذاك عوائد النفط الأسطورية التي سيطرت علهيا الطبقة الحاكمة ، هذه العوامل جميعا أثرت في البنى الاجتماعية التقليدية للبلد تأثيرا بالغا جعلها تتهدم وتتبدل .


امتيازات النفط

كان الحج المصدر الرئيسي لعائدات المملكة ، لذا فإن تقلص عدد الحجاج بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية جعل المالية السعودية في حالة يرثى لها . وقد أقامت الحكومة محطات الإذاعة وحسنت إسالة المياه في جدة واشترت سيارات ، فبلغ إجمالي ديونها 300-400 ألف جنيه استرليني ، وتوقفت عن تسديد ديونها ، ولم تفلح محاولاتها للحصول على قروض جديدة .

في هذه الأثناء استغل فيلبي صلاته الشخصية بالملك فأقنعه حتى يلتقي بالمليونير الأمريكي كراين الذي كان يقوم بجولة في البلدان العربية بحجة سعيه إلى القيام بأعمال البر والإحسان . ويبدوأنه كان على صلة بشكرات البترول الأمريكية ويعمل على جس النبض تمهيدا لتوغلها في منطقة جديدة عليها تماما . ورافق كراين بصفة مترجم في جولته ج. أنطونيوس الذي ألف فيما بعد كتاب (يقظة العرب) . كما أوفد المليونير الأمريكي الخبير الجيولوجي تويتشيل إلى السعودية تحت ستار التنقيب عن الماء .

ربيع عام 1932 اكتشف تويتشيل ترسبات نفطية واعدة في منطقة الظهران ، فعاد إلى الولايات المتحدة ليحيط شركات البترول فهما بذلك .

بدأت بواشر عهد حديث في تاريخ العربية السعودية ، عهد سيحدث في مجتمعها تأثيرا لايمكن مقارنته من حيث أبعاهده إلا بتأثير الإسلام ، غير حتى القوى المحركة لهذه التحولات كانت خارج الجزيرة العربية ، إذ حتى أصلها يعود إلى تحول اقتصاد القرن العشرين إلى وقود حديث هوالنفط الذي بدأ البحث عنه في جميع بلدان العالم .

الاحتكارات الأمريكية في الشرق الأوسط في العشرينات

قبل عام 1920 كانت الشركات الاحتكارية إما غير مكترثة بالاحتياطات النفطية خارج بلدها أوتمني بإخفاقات في محاولاتها للحصول على امتيازات في النصف الشرقي من العالم بسبب قيود السياسة الوطنية والاستعمارية للدول الأوروبية وشركات النفط الخاصة . ولكن الشركات الأمريكية أخذت تهتم اهتماما كبيرا بعد عام 1920 بالرواسب النفطية في الخارج ، بدافع مخاوف ذات طابع مزدوج : فهي تخشى نضوب النفط في الولايات المتحدة من جهة وتخاف أحكام السيطرة الإنكلوهولندية على موارد النفط العالمية من جهة أخرى . ولكن السبب الرئيسي هوحتى الشركات المذكورة لم تشأ حتى تظل بمنأى عن استثمار حقول النفط الرخيص الموجودة في مواقع قريبة من الأسواق الهامة .

عام 1920 نطق فيريش الذي صار فيما بعد رئيسا لشركة (ستاندارداويل اوف نيوجرسي) حتى النفط يوشك على النضوب في تكساس واوكلاهوما . وفي العام نفسه تنبأ وايت ، كبير خبراء الإدارة الجيولوجية في الولايات المتحدة ، بأن احتياطات النفط الأمريكي يفترض أن تنضب خلال 18 عاما . وبهذا الصدد أبدت مديرية الأسطول البحري الحربي قلقها لأن الخبراء زعموا بأن على الولايات المتحدة تقليص استهلاك النفط أوالشروع باستيراده . وحذر السناتور هنري كابوت لوج الكونغرس من حتى (بريطانيا آخذة في السيطرة على صادرات النفط في العالم) .

وليس من المعروف ما إذا كانت الشركات مقتنعة عملا بأن احتياطات النفط الأمريكية محدودة إلى هذه الدرجة ، أوحتى ذلك كان ذريعة لجر الحكومة الأمريكية إلى المساهمة النشيطة في عملية توسع الشركات خارج حدود البلاد . إذا أساليب الضغط على الحكومة وغسل دماغ الرأي العام خدمة لمصالح الاحتكارات متقنة في الولايات المتحدة إلى حد كبير ، لذا فمن الأرجح حتى السبب الثاني هوالذي أدى إلى انتشار المزاعم المذكورة. خشيت الاحتكارات الأمريكية من حتى تكون قد تخلفت عن عملية اقتسام (كعكة) النفط في الشرق الأوسط . ووضعت وزارة الداخلية سياسة لمساندة الشركات الأمريكية في صراعها من أجل الحصول على امتيازات في الخارج ، ولحث جميع الدوائر والوكالات الأمريكية على مساعدتها . وكان مصير الإمبراطورية العثمانية موضع درس في مؤتمر السلام بسان ريموفي نيسان (إبريل) 1920 ، حيث اتفقت لندن وباريس على اقتسام نفط العراق . وتدخلت الحكومة الأمريكية من أجل الحصول على حصة لشركاتها النفطية ، وأخذت تتحدث عن (تمييز) تتعرض له الولايات المتحدة في العمليات التجارية على أراضي ألمانيا وحليفاتها وتطالب بسياسة الانفتاح) .

ولما حاولت حكومة أتاتورك إثارة قضية لواء الموصل وارتباطه بتأييد مطالب هجريا . لذا تم عام 1921 – 1922 الاتفاق على إعطاء الأمريكان 20-25% من من أسهم شركة النفط المزمع إقامتها . وفي عام 1921 ، وبعد حتى قرر مجلس عصبة الأمم ضم الموصل إلى العراق قدمت الحكومة العراقية امتيازا لمدة 75 سنة لشركة (هجريش بتروليوم) ولكن حينما بدأ استخراج النفط في الموصل عام 1927 لم يكن الأمريكان قد حصلوا على حصتهم بعد . وفي تموز (يوليو) 1928 تم أخيرا التوصل إلى اتفاق كانت ملكية (هجريش بتروليوم) (منذ عام 1929 ايراك بتروليوم أوشركة نفط العراق) موزعة في الأساس بين الشركة الإنجلوفارسية للبترول (صارت فيما بعد دوتش شيل) البريطانية الهولندية وشركة النفط الفرنسية ونيراستون ديفلوبمنت التي تضم ستاندارد اويل (نيوجرسي) (عهدت فيما بعد أكسون) وسوكوني واكوم (سوكوني موبيل فيما بعد) ومنحت 5% من الأسهم لكالوست غولبنكيان ، وهوأحد مؤسسي شركة النفط الهجرية .

توغلت الشركات الأمريكية في إيراك بتروليوم رغم حتى دورها كان ثانويا . ولكن اتفاقية الخط الأحمر وضعت قيودا كبيرة على حرية تصف الشركات ، إذ حتى المساهمين في شركة نفط العراق التزموا بأن تكون الامتيازات التي يحصلون عليها في أراضي ونذكر بأن نجد والإحساء كانتا عشية الحرب العالمية الأولى تعتبران شكليا جزءا من الإمبراطورية العثمانية .

الحصول على الامتيازات السعودية

كانت شركة (ستاندارد اويل اوف كاليوفرنيا) (سوكال) من شركات البترول الأمريكية التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى بمحاولات جادة للإسهام في عملية استخراج النفط خارج الولايات المتحدة . ولكن كما ارتبط مصير (ايراك بتروليوم) بشخص غولبنكيان ، فإن البحث عن النفط وامتيازاته في عدد من بلدان الجزيرة العربية ارتبط باسم الميجر النيوزيلاندي الدؤوب فراتك هولمس . فقد وصل إلى لابحرين في العشرينات بحجة المشاركة في البحث عن الماء . وفي عام 1922 قصد نجد للتفاوض مع عبدالعزيز نيابة عن شركة (استرن اند جنرال سنديكات) البريطانية . وقد وافق ابن سعود على منح الشركة امتيازا في 30 ألف ميل مربع في الإحساء . وطبقا للاتفاقية التزم أصحاب الامتياز بدفع ألفي جنيه استرليني سنويا لقاء حق الاستثمار . وفي عام 1925 حصل هولمس على امتياز آخر في البحرين .

كان المسؤولون عن شركة (سنديكات) أناسا لاتعوزهم روح المغامرة . إذ لم يكن لدى الشركة رأسمال كاف ، وأملت حتى تثير اهتمام شركات النفط البريطانية بالامتيازات ، ولكن هذه كانت واثقة من أنها ليست بحاجة إلى وسيط . ولم يجد هولمس دعما توقف عن تسديد الأقساط بعد دفع أربعة آلاف جنيه استرليني فألغي عام 1928 الامتياز في أراضي توجد فيها أغنى احتياطات النفط في العالم . أما الامتياز في البحرين الذي منح لمدة سنتين فلم يلغ لأن (سنديكات) تمكنت من تمديده . وبعد حتى أخفقت (سندييكات) في محاولات استمالة شركات النفط البريطانية اتصلت بشركة (غالف اويل) الأمريكية . وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1927 بعثت (غالف) جيولوجيا لدراسة أراضي البحرين ووضع خارطة جيولوجية ، وإثر ذلك قرر الأمريكان حتى المسألة تستحق المجازفة ، فاشتروا الامتياز من (سنديكات) .

غير حتى (غالف) قابلت تعقيدات ، إذ أنها كانت آنذاك مرتبطة بشركة (هجريش بتروليوم) ، و(اتفاقية الخط الأحمر) سارية المفعول على البحرين . عند ذاك نقلت (غالف) في كانون الأول (ديسمبر) 1928 حقوقها المشتراة من (سنديكات) إلى سوكال .

إن عدم اهتمام شركات النفط البريطانية بالامتيازات في البحرين والجزيرة العربية يعزي إلى اعتقادها بأنه لاوجود للنفط هناك ، لذا لم تعتزم المجازفة . فقد كان استخراج النفط في العراق وإيران يتم من طبقات جيولوجية غير الطبقات الموجودة في البحرين والجزيرة العربية . ولم يتم العثور على النفط في طبقات مماثلة بجزيرة القشم عند سواحل إيران ، فاعتبر البريطانيون البحرين والجزيرة العربية مناطق غير واعدة . ولكن تاريخ الصناعة النفطية يعهد حالات عثر فيها المنقبون الجدد على النفط في مواقع أهملتها شركات سابقة لاعتبارات جيولوجية .

عارضت بريطانيا وجود شركة نفط أمريكية في الخلجي . وقد التزم حاكم البحرين ، حسب اتفاقية عام 1914 ، بعدم منح امتيازات في أراضيه والامتناع عن قبول عروض أي كان دون موافقة بريطانيا . حينذاك تحايلت سوكال على القيود الشكلية البريطانية وأسست في آب (أغسطس) عام 1930 شركة (بحرين بتروليوم) وسجلتها في كندا ، أي أنها جعلتها شركة بريطانية من الناحية الشكلية . وفي هذه الأثناء قام إثنان من موظفي سوكال هما دافيس (صار رئيسا لمجلس إدارة أرامكوفيما بعد) وتايلور بدراسة البحرين في ربيع 1930 وأوصيا بإجراء أعمال الحفر .

أثارت الطبقات الجيولوجية في البحرين الحاوية على دلائل تشير إلى وجود النفط ، اهتمام سوكال بالجزيرة العربية المجاورة . وقد تم اكتشاف النفط في البحرين بعد عامين ، في حزيران (يونيو) 1932 . عندما قررت سوكال الاتصال مباشرة ، أي دون وساطة هولمس ، بالملك السعودي ، وعهدت حتى الحكومة البريطانية في الهند أوصت (سنديكات) بالأحجام عن خدمة مصالح (غولف) أوسوكال في العربية السعودية . في عام 1930 طلب ممثلوا سوكال من المندوب السعودي في لندن السماح لجيولوجييهم بزيارة الإحساء ولكن الملك رفض الاستجابة للطلب . وفي هذه الأثناء كان (الجيولوجي المستقل) تويتشيل قد قام بجولة في شرقي المملكة بناء على طلب من المليونير كراين وأوصى بالسعي للحصول على امتياز ز وقد أجرت سوكال اتصالات مع تويتشيل .

في مطلع عام 1933 وصل هاملتون ، مندوب سوكال إلى جدة وساعده في المفاوضات تويتشيل الذي تفهم مصادر المياه والمعادن في الجزيرة العربية . وفي الوقت ذاته وصل إلى جدة لونغريغ مندوبا عن (ايراك بتروليوم) وهولمس عن سنديكات . وطالب المندوب السعودي في المفاوضات بأن يدفع صاحب الامتياز المقبل مائة ألف جنيه مضىي عند توقيع الاتفاقية . خرجت (سينديكات) توا من اللعبة ، وعرضت شركة نفط العراق عشرة آلاف جنيه استرليني كحد أقصى لعدم ثقتها بوجود النفط في السعودية ، فكسبت سوكال الامتياز لقاء خمسين ألف جنيه .

من مسببات فوز الأمريكان في الصراع على الامتياز أنه لم يكن لهم ماض إمبراطوري في الشرق الأوسط . فإن ابن سعود المحاط من جميع الجوانب بالمستعمرات والبلدان التابعة لبريطانيا كان مرغما على التظاهر دوما بالصداقة معها ، ولكنه رغم ذلك لم يكن يثق بها ولم يشأ حتى يسمح لشركة بريطانية بدخول بلاده . جرت المفاوضات في جوكثيب بالنسبة لرجال الأعمال الأمريكان ، سببته أزمة 1929 . وبعد إعداد جميع بنود الاتفاقية بين سوكال والعربية السعودية ، أعربت الولايات المتحدة الأمريكية في 20 نيسان (إبريل) حظرا على تصدير المضى ثم تخلت عن استخدام المضى كمعيار . حينذاك عمدت الشركة إلى شراء المضى في سوق العملة البريطاني . وأخيرا سقط الاتفاقية في 29 آيار (مايو) 1933 عبدالله السليمان وزير المالية السعودية وهاملتون ممثلا عن (ستاندارد أويل اوف كاليفورنيا) . وأبرمت الحكومة السعودية هذه الاتفاقية بمرسوم ملكي صادر فيسبعة تموز (يوليو) 1933 وسرى مفعولها منذ 14/7/1933 .

في تشرين الثاني (نوفمبر) 1933 منح امتياز لفرع سوكال يحمل اسم (كاليفورنيا-اريبيان ستاندارد اويل كومباني) ، وعدل الإسم في كانون الثاني (يناير) 1944 إلى (أراب أميركان اويل كومباني) (أرامكو) . في عام 1926 كانت لسوكال قدرات إنتاجية ضخمة في النصف الشرقي من العالم ، يقابلها ضعف في شبكة وسائط النقل والعلاقات التجارية . ومن جهة أخرى طورت (تكساس كومباني) (تكسكوحاليا) شبكة واسعة لتوزيع النفط ولكنها كانت بحاجة إلى مادة الترويج ذاتها . لذا وحدت الشركتان مصالحهما في منطقة مترامية الأطراف تمتد من مصر إلى جزر هاواي . وحصلت تكسكوعلى نصف أسهم شركات النفط العاملة في السعودية .

بعد مضي فترة قصيرة على منح امتياز النفط حصلت المجموعة الإنجلو- أمريكية على امتياز لاستثمار مكامن المضى ، وبدأ استخراج المعدن الثمين في معهد المضى ولكن احتياطاته نفدت عام 1953 . لقد كان في جبال الحجاز الكثير من المضى ولكن يظهر حتى كميات كبيرة منه قد استخرجت في زمن سليمان الحكيم وإبان حكم الخلفاء العباسيين ، لذا فإن استثمار مناجم المضى أصبح غير مريح بعد فترة قصيرة من بدئه .

منحت اتفاقية الامتياز شركة سوكال (حقا استثنائيا لمدة ستين عاما لإجراء أعمال البحث والتنقيب والحفر والاستخراج والتكرير والإنتاج والنقل والبيع والتصدير) للنفط ومشتقاته وإقامة الوسائل اللازمة لإدامة هذه العملية . ومنحت الشركة حقوقا استثنائية في أرض مساحتها 400 ألف ميل مربع تكاد تضم جميع الجزء الشرقي من العربية السعودية . ونصت الاتفاقية على حتى تتمتع سوكال بحق الأفضلية في الحصول على امتيازات إضافية في سائر مناطق الجزء الشرقي من السعودية ، وكذلك الحقوق الأخرى التي قد تحصل عليها الحكومة في المنطقة المحايدة إلى الجنوب من الكويت .

ولقاء هذا الامتياز وافقت الشركة على تطبيق الشروط التالية : - منح العربية السعودية قرضا مقداره 30 ألف جنيه مضىي أومايعادلها . ومنح قرض إضافي قدره 20 ألف جنيه مضىي بعد 18 شهرا إذا ظلت الاتفاقية سارية المفعول .

- دفعخمسة آلاف جنيه مضىي مقدما جميع سنة لحين اكتشاف النفط بكميات تجارية .

- بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية تدفع الشركة فورا بدل إيجار قدرهستة آلاف جنيه وتدفع مثلها بعد سنة . وتدفع المبالغ من بدل الإيجار التخميني . تبدأ الشركة بإعادة المناطق التي لا تعتزم استثمارها .

- بعد اكتشاف النفط تحصل الحكومة على بدل إيجار قدره أربعة شلنات مضىية أومايعادلها عن جميع طن من النفط . تلتزم بأن تقدم للحكومة سنويا ودون لقاء كمية من النفط لإنتاج البنزين والكيروسين .

- تشييد الشركة مصنعا لتكرير النفط بعد اكتشافه وتزود العربية السعودية مجانا بمائتي ألف غالون أمريكي من البنزين ومائة ألف غالون أمريكي من الكيروسين (يعادل الغالون الأمريكي 3.78 لتر) .

- ووافقت الحكومة من جانبها على إعفاء الشركة ومؤسساتها من جميع الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم الجمركية وما إلى ذلك .

- لاشك حتى شروط الاتفاقية كانت كسبا كبيرا للشركة وغبنا للعربية السعودية ، ولكنها انعكاس لتناسب القوى بين الطرفين آنذاك . فحينما عقدت الحكومة السعودية الاتفاقية لم تكن لديها أية خبرة في شئون النفط ، إلى جانب حاجتها الماسة إلى المال . وكان الشغل الشاغل للحكومة هوالحصول على مكاسب مالية بشكل ريع وبدلات إيجار وقروض .

إن بند الاتفاقية الذي ينص على إعفاء الشركة من جميع الضرائب المباشرة وغير المباشرة قد حرم المملكة من مصدر هائل للعائدات ومنح الشركة إمكانات ضخمة للحصول على أرباح من الرأسمال المستثمر . ويجدر بالذكر حتى الشركات العاملية في البلدان الأخرى كانت دوما تدفع ضرائب .

بعد الاستخراج

كانت الشركة في عجلة من أمرها . فوصل أول جيولوجيين إلى الجبيل في أيلول (سبتمبر) 1933 ، أي بعد مرور أقل من أربعة أشهر على توقيع اتفاقية الامتياز . وفي 28 أيلول (سبتمبر) اكتشفت دلائل تشير إلى وجود طبقة نفطية . وقد بدأ بعد بضعة أشهر استخدام الشاحنات بعد حتى كان الجيولوجيون يستخدمون الجمال . وكانت الشركة تنقل جميع المعدات وجزءا كبيرا من المواد الغذائية من الولايات المتحدة عبر مينا الخبر . وفي أواخر عام 1933 بلغ عدد خبراء النفط الأمريكان في السعودية ثمانية أشخاص .

عام 1935 عثر الجيولوجيون على طبقة واعدة وبدأوا الحفر ، ولكن البئر الأولى لم تثبت إلا وجود قرائن عن توفر النفط وقليل من الغاز . أما أول كميات تجارية من النفط فقد اكتشفت عام 1938 . وفي شهر أيلول (سبتمبر) 1938 بدأ نقل كميات قليلة من النفط الخام إلى مصنع التكرير في البحرين العائد لشركة (بحرين بتروليوم) . وبعد ذلك سقط الاختيار على رأس تنورة لاستخدامه كميناء لتصدير النفط . عام 1939 زار الملك وحاشيته منطقة استخراج النفط في الظهران حيث أقيم مخيم من 350 خيمة . واستمرت احتفالات الأعيان السعوديين ببدء استخراج النفط عدة أيام ، وفي الول من آيار (مايو) 1939 غادرت السواحل السعودية أول ناقلة محملة بالوقود السائل .

حينما بدأت الحرب العالمية الثانية كان الجيولجيون قد أنجزوا عمليات التنقيب الأولى في 175 ألف ميل مربع والتنقيب التفصيلي في 50 ألف ميل مربع . أما التنقيب الزلزالي والحفر فقد جريا في مساحات أصغر . ولما توقفت الأعمال بسببب الحرب كان الجيولوجيون الأمريكان قد أدركوا أنهم اكتشفوا مكامن نفط أسطورية ، ولكنهم لم يحددوا بعد مقاديرها بشكل تام . هذا وكانت الشركة قد حفرت عام 1934 بئرا في الجوف فوجدتها خالية تماما ، واعتبر المنطقة عقيمة .

بعد اكتشاف النفط وافقت الحكومة السعودية على توسيع مساحة الامتياز الأولية في المناطق الجنوبية والشمالية من شرقي الجزيرة ، ومنح الشركة حق استثمار الحصة السعودية في المنطقة المحايدة بين العراق والكويت والمملكة العربية السعودية . وأدى ذلك إلى توسيع المساحة التي يتمتع فيها صاحب الامتياز بحقوق استثنائية إلى نحو496 ألف ميل مربع ، منها 484 ألف ميل مربع على اليابسة و11 ألفا على لجرف القاري في الخليج . وكانت مساحة الأراضي المشمولة بالامتياز تعادل مساحة ولايات أريزونا ونيومكسيكوالواقعة إلى الغرب من منطقة الحقوق الاستثنائية .

منح الامتياز الجديد لمدة ستين عاما ومددت فترة الاتفاق الأولى لست سنوات . ولقاء هذه الامتيازات الإضافية التزمت الشركة بأن : - تعيد مناطق الامتياز التي لاتعتزم استثمارها بعد غلقها لمدة عشر سنوات .

- تدفع فورا 140 ألف جنيه مضىي ومائة ألف جنيه أخرى بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية .

- تخصص ريعا سنويا مقداره 20 ألف جنيه مضىي لقاء المنطقة الإضافية ، على حتى تدفع لحين اكتشاف النفط بكميات تجارية .

- تزيد إنتاج البنزين المقدم مجانا للحكومة السعودية لكي تصل كميته إلى 1.3 مليون غالون .

منذ أواخر الثلاثينات دشنت العربية السعودية عصرا جديدا هوعصر النفط ، رغم حتى البلد لن يتحسس تاثيره بشكل ملموس إلا في أواخر الأربعينيات .


العربية السعودية والحرب العالمية الثانية (1939-1945)

خلافا لما حصل في الحرب العالمية الأولى ، ظلت الجزيرة العربية منأى عن عمليات الحرب العالمية الثانية . بيد حتى المملكة العربية السعودية تحسست تأثيرات الحرب الاقتصادية والسياسية والعسكرية . كانت ألمانيا الهتلرية تأمل في الوصول إلى إيران وأفغانستان والهند واحتلا رأس جسر لمهاجمة الاتحاد السوفييتي ، وذلك مرورا بالبلدان العربية وهجريا . واستأثرت منطقة الشرقين الأوسط والأدنى باهتمام الاستراتيجيين الفاشست لما تزخر به من ثروات نفطية .

ووضع النازيون في حساباتهم السياسية الميول المعادية لبريطانيا في بلدان الشرق الأوسط والناجمة عن سياستها الاستعمارية . فأخذت ألمانيا الهتلرية تصور نفسها صديقا للعرب وتعلن عن تأييدها لتطلعاتهم القومية . وجرت النادىية في بلدان الشرقين الأوسط والأدنى تحت شعار فوز بلدان المحور يحرر بلدان الشرق الأوسط من النير البريطاني . وفي الوقت نفسه قام الألمان بعمليات بتجسس وتخريب في البلدان العربية . كانت تشاطات ألمانيا تهدد مسيطرة بريطانيا على بلدان العالم العربي وتضعف مواقعها الاستراتيجية العالمية وتعوق استنفار الموارد البشرية والخامات في هذه البلدان لاستخدامها في الحرب . وكما بينت الأحداث فإن خطر الاحتلال الألماني للشرقين الأوسط والأدنى كان خطرا حقيقيا ، ولم يدرأه عن البلدان العربية الواقعة إلى الشرق من ليبيا إلا تقل القوات الألمانية لمهاجمة الاتحاد السوفييتي

حياد العربية السعودية

إثر ابتداء الحرب العالمية الثانية أعربت العربية السعودية الحياد رغم حتى ابن سعود أوفد قوات إلى الحدود مع العراق والكويت وشرق الأردن . وكان حياده ذا طابع موال لبريطانيا ، الأمر الذي يعزي إلى تبعية مملكته لها في أمور كثيرة . ففي ذلك الحين كانت العربية السعودية تتاجر أساسا مع البلدان التابعة للإمبراطورية البريطانية أوالدائرة في فلكها . فقد كانت الهند البريطانية المصدر الرئيسي للحبوب إلى المملكة ، بينما يصل غالبية الحجاج من بلدان إسلامية تابعة لبريطانيا ، إضافة إلى ارتباط النقط السعودي الجنيه الاسترليني . وكانت العربية السعودية محاطة بمحميات وقواعد عسكرية بريطانية ، والأسطول البريطاني يسيطر على البحر الأحمر والخليج .

أحكم عبدالعزيز سيطرته على الوضع الداخلي في البلد ، رغم حتى ذلك لم يحل دون وقوع اضطرابات عشائرية بين الحين والحين . وفي عام 1939-1940 هاجر من السعودية إلى العراق عدد كبير من بدوشمر . ويبدوحتى الحكومة العراقية قد شجعت شيوخهم أملا في استخدام قبائل شمر لتحقيق مآربها . غير حتى ابن سعود تعرض لضغط من بلدان المحور أيضا ز وطالب عدد من مستشاريه بتوسيع الصلات مع إيطاليا وألمانيا ز وبعد احتلال القوات الإيطالية أثيوبيا ظهرت بتر من الأسطول الإيطالي في البحر الأحمر . وكان لإيطاليا بعض النفوذ في اليمن المعادي لبريطانيا تقليديا . وكانت السعودية قد عقت معاهدتي صداقة وأقامت علاقات دبلوماسية وقنصلية مع ألمانيا عام 1929 ثم منع إيطاليا عام 1932 .

في أواخر عام 1939 ومطلع عام 1940 تمكنت ألمانيا ، بوساطة إيطاليا ، من الحصول على موافقة السعودية على قبول أوراق اعتماد الدبلوماسي غروبا الذي كان واحدا من مسئولي المخابرات الهتلرية في الشرق الأوسط . وكان غروبا حتى خريف عام 1939 سفيرا لألمانيا في العراق ، وطرد من هناك لاشتراكه في محاولة تنظيم تمرد ، ثم عمل ملحقا في السفارة الألمانية بأنقرة .

طلب الإنجليز (ولا شك أنهم كانوا على فهم بنشاطات غروبا) من ابن سعود رفض أوراق اعتماده . وفي ذلك الظرف كان الملك يخشى إثارة نقمة من الطرفين ، ولكنه رضخ أخيرا للضغوط البريطانية . تغير قرار الحكومة السعودية بعمل فوزات ألمانيا الفاشية على جبهات القتال ، فسمح لغروبا بالقدوم إلى جدة بمعية بعثة كبيرة ، فبدأ هناك نشاطه المحموم . ونشطت النادىية الألمانية ، الموجهة ضد الإنجليز أساسا ، في أوساط الحجاج ، وبدأ المبعوث الألماني بتشيل مجموعات تخريبية ضم إليها المستائين من الملك وزودهم بالمال والسلاح .

بعد الاستيلاء على يوغوسلافيا واليونان ، ومن ضمنه جزيرة كريت ، بدأت ألمانيا النازية تشق الطريق نحوالشرق الأوسط ، وخاصة نحوالعراق وسورية ز وفي ربيع عام 1941 جرى في العراق انقلاب معاد لبريطانيا وطلب قادته مساندة ابن سعود إلا أنه رفض متذرعا بأن ذلك سيكون خيانة لبريطانيا التي تربطه وإياها علاقات ودية . وقد بعث إليه هتلر رسالة شخصية عرض فيها العمل ضد بريطانيا ووعده لقاء ذلك بعرش جميع العرب . ورفض عبدالعزيز عرض هتلر واستدعى من سويسرا السفير السعودي فؤاد حمزة الذي عمل على دفعه للتعاون مع دول المحور ونقل إليه رسالة هتلر . دبر عملاء غروبا سلسلة من أعمال التخريب في السعودية ، ثم عدد منها في حقول النفط بالإحساء ، فأوفد البريطانيون إلى السعودية سربا من الطائبات يحمل معدات لإخماد الحرائق .

في أواخر آيار (مايو) 1941 احتلت القوات البريطانية مواقع هامة استراتيجيا في العراق ، وفي الفترة ذاتها ألحقت القوات البريطانية والثوار الأثيوبيون الهزيمة بجيش الاحتلال الإيطالي في اثيوبيا . وفي تموز (يوليو) 1941 احتلت القوات المسلحة البريطانية وقوات فرنسا الحرة سورية وطردت من هناك إدارة فيشي . هكذا طرأت تغيرات إشارة على الوضع في الشرق الأوسط . وقد كانت القيادة الهتلرية منشغلة بالإعداد للحرب ضد الاتحاد السوفييتي ولم تتمكن من جرد قوات كافية لاتزال ضربة بالمواقع البريطانية في الشرق الأوسط .

نوقشت في بريطانيا ، التي حافظت على سيطرتها في هذه المنطقة ، مسألة إدخال قوات بريطانية إلى المراكز الهامة استراتيجيا في السعودية ، على غرار ماتم في العراق وسورية . بيد حتى الحكومة البريطانية كانت مرغمة على حتى تحسب حساب الولايات المتحدة لأن للاحتكارات الأمريكية مصالح في المملكة أضف إلى ذلك حتى احتلال بلد مترامي الأطراف يسود فيه النفور من الأجانب قد يجابه بصعوبات كثيرة . تحاشيا لوقوع استفزازات على الحدود مع العراق وشرق الأردن سحب ابن سعود قواته إلى عمق بلاده ، وسرعان ما فسخ معاهدة الصداقة مع ألمانيا ، وفي أيلول (سبتمبر) 1941 طرد المبعوث غروبا من البلد .. وكانت العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا قد بترت منذ عام 1940 . طلب رشيد عالي الكيلاني زعيم الانقلاب في العراق اللجوء إلى السعودية ، فحل ضيفا مكرما رغم مطالبة الإنجليز بتسليمه لأن المحكمة العسكرية العراقية أصدرت حكما بإعدامه . رغم حتى أراضي العربية السعودية لم تصبح مسرحا للمعارك ، فإن اقتصاد البلد ناء بأعباء الحرب . فقد استنزفت القوات المستنفرة عوائد الدولة ، وأدى تغيب الرجال فترة طويلة إلى الإضرار بالزراعة . أصبح البلد في وضع مالي مزر ، وبلغ العجز في الميزانية عام 1941 مقدار 1150 ألف جنيه استرليني ، وهبطت عوائد الحج . فبعد حتى كان عدد الحجاج عشية الحرب يتراوح بين 50 و100 ألف ، ويعود على الخزينة بـ5-6 ملايين دولار ، فإن عددهم تقلص في زمن الحرب إلى 20-30 ألفا ، وتزايدت أسعار السلع المستوردة ، بينما لم تحصل زيادة في استخراج النفط في بداية الحرب .

طالب ابن السعود الشركات صاحبة الامتياز بأن تسلفه على حساب الريع مبلغ ستة ملايين دولار سنويا . وخشية إلغاء الامتيازات ومنحها للبريطانيين ، التزمت الشركة الأمريكية بتزويد العربية السعودية بقرض مقداره ثلاثة ملايين دولار ، على حتى يزداد مستقبلا إلى ستة ملايين . بل إذا الشركة أبقت مبالغ المدفوعات عن الامتياز على وضعها السابق ، في ظرف كان من المزمع إبانه تقليص استخراج النفط . أبقت بريطانيا العربية السعودية مرتبطة بتبعية مالية ، وذلك بتزويدها بالسلع والعملات المضىية والفضية للتداول .

وبغية تقييد نشاط شركة النفط الأمريكية ، استغلت بريطانيا مركز تموين الشرقين الأوسط والأدنى بمشتقات النفط ، والإشراف على توزيع المواد الغذائية على بلدان المنطقة . وتولى البريطانيون ترويج نفط إيران والعراق ، ولكنهم في الوقت ذاته قيدوا ترويج نفط السعودية لجيوش الحلفاء . وعلاوة على ذلك أحكموا سيطرتهم على جميع صادرات الأغذية إلى المملكة .

أثار تزايد النفوذ الاقتصادي لبريطانيا في العربية لاسعودية قلق شركات النفط الأمريكية ، فقررت الحكومة الأمريكية تقديم عون غير مباشر لأبن سعود . إذ أنها قدمت لبريطانيا قرضا بـ425 مليون دولار وطالبت بأن تمنح العربية السعودية جزءا من هذه الأموال . وقد أبلغ ممثلوشركة النفط ابن سعود بذلك ، ولكن الملك كان مرتبطا بالدرجة الأولى بمن يقدم له العون المباشر . وخشية استمرار توطد مواقع بريطانيا في العربية السعودية أصرت الاحتكارات النفطية الأمريكية على حتى تزود الحكومة الأمريكية المملكة بمساعدة مباشرة . قبل نشوب الحرب العالمية الثانية كانت الحكومة الأمريكية تعتبر الشرقين الأوسط والأدنى دائرة نفوذ أوروبية ، وبريطانية بالدرجة الأولى . ولم يكن لدى الإدارة الأمريكية الكثير من الوسائل السياسية العملية لدعم الشركات الأمريكية الخاصة ، بما فيها شركات النفط ، في هذه المنطقة منا لعالم . وعشية الحرب ، عام 1939 ، لم تكن حصة الأمريكان من استخراج النفط في الشرق الأوسط تربوعلى 10% .

خلال سنوات الحرب طرأت تغيرات عميقة أساسية على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط . ووضعت الولايات المتحدة تصب عينها مهمة الحلول محل بريطانيا كدولة مهيمنة على المنطقة لاعتبارات عديدة من أهمها الاحتياطات النفطية . فقد تغير دور النفط في العالم وتحول من سلعة تجارية في الأساس إلى سلعة استراتيجية ذات أهمية من الدرجة الأولى .

وفي الثامن من شباط (فبراير) 1943 تلقى وزير الداخلية الأمريكي هارولد ايكيس مذكرة من (ستاندارد أويل اوف كاليفورنيا) تضمنت الأفكار التالية : (يتزايد القلق بصدد التنامي السريع لنفوذ بريطانيا الاقتصادي في العربية السعودية ، لأن ذلك يمكن حتى يحدث تأثيرات جوهرية في نشاط الأمريكان بعد الحرب . ولوقدمت الحكومة الأمريكية معونة مباشرة للحكومة السعودية ، عوضا عن المعونة غير المباشرة التي نقدمها حاليا عن طريق البريطانيين ، لوضع حد لذلك ولأعطي ضمانة معينة بأن احتياطات النفط في العربية لاسعودية ستبقى تحت سيطرة الأمريكان . وبوسع الحكومة الأمريكية تقديم معونة مباشرة للحكومة السعودية ، وخاصة عن طريق برنامج الإعارة والتأجير) .

في 18 شباط (فبراير) 1943 ، أي بعد مرور عشرة أيام على حمل المذكرة ، أوعز روزفلت إلى نائب وزير الخارجية ستينيوس المسئول آنذاك عن برنامج الإعارة والتأجير بتنظيم مساعدة للحكومة السعودية وفق برنامج الإعارة والتأجير وأكد الرئيس حتى الدفاع عن السعودية (له أهمية حيوية لمسألة الدفاع عن الولايات المتحدة) رغم حتى المملكة لم تكن مشاركة في الحرب لاشكليا ولاعمليا . وفي عام 1948 قدرت اللجنة الخاصة التي شكلها مجلس الشيوخ للنظر في برنامج الدفاع الوطني ، حجم المساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة للعربية السعودية خلال الحرب ، عن طريق برنامج الإعارة والتأجير والصادرات الأخرى بتسعة وتسعين مليون دولار .

عند حلول عام 1943 بدأ استخراج النفط بتزايد من حديث بعد حتى كان قد انخفض بسبب إغلاق أسواق أوروبا الغربية والقيود التي وضعها البريطانيون . وتعزي الزيادة إلى ازدياد الطلب على النفط من قبل جيوش الحلفاء في مسارح العمليات الحربية بالمحيط الهادي والبحر الأبيض المتوسط ، وإلى توقف صادرات النفط من بورما وأندونيسيا بعد استيلاء اليابان عليهما . وتولت شركة أرامكوتزويد الحكومة الأمريكية بمشتقات النفط للأغراض الحربية ، وبلغ استخراج النفط في السعودية عام 1943 مقدار 4.9 مليون برميل ، وازداد إلى أكثر من عشرة أضعاف عام 1946 .

في آذار (مارس) 1942 عينت الولايات المتحدة قائما بالأعمال في جدة ، بعد حتى كان السفير الأمريكي في القاهرة معتمدا في السعودية إضافة لوظيفته . ربيع عام 1943 وصل الجنرال هارلي إلى السعودية مندوبا عن روزفلت لاستيضاح مواقع شركات النفط الأمريكية هناك . وفي تشرين الأول (أكتوبر) من نفس العام قام ولي العهد سعود بزيارة رسمية إلى واشنطن وأمضى في الولايات المتحدة شهرا كاملا . وفي نفس السنة زار الأمير فيصل وأخوه خالد الولايات المتحدة وقابلا روزفلت وأعضاء الإدارة ومجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس الأمريكي . في ذلك الحين قدرت أرامكواحتياطات النفط في العربية السعودية بعشرين ألف مليون برميل ، أي مايعادل جميع الاحتياطات المكتشفة في الولايات المتحدة . وكان ذلك أقوى حجة تعتمدها شركات النفط لحفز الحكومة الأمريكية على دعم مصالحها .

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1943 أعدت مجموعةمن الجيولوجيين الأمريكان تقريرا بعد جولة في الشرق الأوسط ، اتى فيه حتى مركز استخراج النفط يفترض أن يتحول من حوض خليج المكسيك والبحر الكاريبي إلى منطقة الشرق الأوسط . وذكر الخبراء حتى تقديراتهم تفيد بأن أكبر احتياطات النفط في العالم موجودة في حوض الرافدين والخليج العربي . وكان إنتاج النفط في هذه المنطقة أقل تكليفا مما في أي مكان في العالم . عام 1943 تمكنت شركة أرامكومن الحصول على تخصيصات مالية لبناء مصنع لتكرير النفط في رأس تنورة بسعة خمسين ألف برميل يوميا ، وبدأ المصنع العمل في أيلول (سبتمبر) 1945 . وفي آذار (مارس) 1945 أعطى خط لأنابيب النفط إلى البحرين حيث يوجد مصنع كبير للتكرير .

في كانون الأول (ديسمبر) 1943 زار العربية لاسعودية الجنرال رويس ، القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية في الشرق الأوسط ، وأنفق على بناء مطارات حربية في الظهران والدوكة . وقد بدأ بناء قاعدة الظهران الجوية عام 1944 وأنجز عام 1946 . ووصلت إلى العربية السعودية بعثة عسكرية أمريكية تولت ، إلى تدريب الجيش السعودي . وخلال سنوات الحرب زودت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية بالأسلحة والمعدات العسكرية وفق برنامج الإعارة والتأجير .

لقاء ابن سعود وروزفلت

أظهرت لقاء روزفلت والملك عبدالعزيز أهمية المسقط الذي احتلته السعودية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط . فقد أقام الرئيس المريكي في طريق عودته إلى الولايات المتحدة بعد مؤتمر يالطا صلة شخصية بزعيم واحدة من الدول التي كانت تعتبر تقليديا ضمن دائرة المصالح الإمبراطورية البريطانية . وأحيط لقاء روزفلت وابن سعود بسرية تامة ، وخاصة بالنسبة للبريطانيين الذين لم يفهموا عن شيئا إلا في اللحظة الأخيرة .

استقل ابن سعود وحاشيته البارجة الأمريكية (مورفي) من جدة إلى قناة السويس حيث كان الرئيس روزفلت بانتظاره على متن الطراد الأمريكي (كوينسي) في البحيرات المرة . أقيم الملك سرداق على ظهر البارجة وكانوا يذبحون له شاة جميع يوم ، وفي ساعات النهار يعرضون عليه أفلاما تسجيلية عن عمليات القوات الأمريكية .

جرى لقاء روزفلت وابن سعود في 14 شباط (فبراير) 1945 ، وحاول الرئيس الأمريكي الحصول على موافقة الملك على مشروع إسكان اليهود في فلسطين ، قائلا أنهم ضحايا للنازية . فرد الملك بما معناه : للتحمل ألمانيا مسئولية هذه الجرائم . ولما كان الألمان قد آذوا اليهود ، فليعاقب المذنب . ولماذا يجب حتى يحمل العرب جريرة آثام ارتكبها آخرون ،يا ترى؟ ولم تفلح محاولات روزفلت لحمل ابن سعود على تغيير موقفه . في الخامس من نيسان (إبريل) بعث روزفلت رسالة إلى ابن سعود وعد فيها بالامتناع عن الإقطام على أي عمل قد يحدث معاديا للعرب . كما أنه التزم بأن الحكومة الأمريكية لن تغير نهجها السياسي الأساسي في فلسطين إلا بعد مشاورات تمهيدية شاملة مع اليهود والعرب على حد سواء .

وأكد ابن سعود في لقائه مع روزفلت موافقته على حتى السفن البريطانية والأمريكية حرة في استخدام الموانئ السعودية على الخليج ، كما وافق على إقامة قاعدة جوية ضخمة . ولكنه اشترط إبان ذلك ألا تتعرض السعودية بأي حال من الأحوال للاحتلال ، كما جرى في مصر وسورية والعراق وإيران ، وألا يقتطع أي جزء من أراضيها . وفيما يخص المناطق التي يحتاجها الجيش الأمريكي فإنها تعار لفترة لاتتجاوز الخمس سنوات . كما طلب ابن سعود بأن تحصل الحكومة السعودية على جزء من السلاح الخفيف المخزون في إيران ، وفي لقاء ذلك تعهد ابن سعود بإعلان الحرب على دول المحور . طلب الملك من الرئيس الأمريكي أعطى يد الصداقة له ودعم استقلاله ، وحصل على وعود بهذا الخصوص . ويرى ايدي حتى ابن سعود اعتبر هذا اللقاء ضمان تقيه من المحاولات التي قد تقوم بها بريطانيا للنيل من استقلاله .

أما بالنسبة لموضوع النفط فقد أكد ابن سعود لروزفلت حتى الامتيازات الأمريكية باقية على حالها ، ووافق على بناء خط لأنابيب الامتيازات المريكية باقية على حالها ، ووافق على بناء خط لأنابيب النفط عبر الجزيرة العربية يربط منطقة الإحساء بسواحل البحر الأبيض المتوسط . إثر مغادرة روزفلت عقد رئيس الوزراء البريطاني شرشل لقاء مع ابن سعود في مصر للحد من نفوذ الأمريكان ، ولكن اللقاء لم يسفر عن حديث . ولم يكن بوسع لقاء مثل هذا حتى يحول دون خروج المملكة العربية السعودية من دائرة النفوذ البريطاني بدعم من الولايات المتحدة . فقد استغلت واشنطن عدم ثقة آل سعود ببريطانيا لتعزيز مواقع الولايات المتحدة في المملكة . في آذار (مارس) 1945 أعربت العربية السعودية الحرب على دول المحور ، مما أعطى لها إمكانية الانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة .

ولكن تجدر الإشارة إلى حتى هجريا وإيران ومصر كانت في فترة مابعد الحرب (أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات) تحتل المسقط الأول في مجال المصالح العسكرية الاستراتيجية لواشنطن في الشرقين الأدنى والأوسط . وظلت بلدان الخليج العربية أوعلى الأقل البلدان الواقعة على بر الجزيرة العربية في المقام الثاني . وتولت بريطانيا الحفاظ على مصالح الغرب العسكرية الاستراتيجية في الخليج وفي الجزيرة العربية . عام 1945 كان التناسب بين الرساميل الأمريكية والبريطانية والفرنسية في الصناعة النفطية كالتالي : شركة النفط البريطانية العراقية تسيطر على 27.750 مليار برميل من احتياطات النفط و(رويال داتش شيل) 2.750 مليار و(غالف أويل)خمسة مليارات و(ستاندرد اويل اوف كاليفورنيا) و(تكساس اويل) 20 مليارا و(ستاندرد اويل اوف نيوجرسي) و(سوكوني واكوم اويل) 2.750 مليار و(فرانسيز دي بترول) 2.750 مليار . وقدرت الاحتياطات الإجمالية بـ61 مليار برميل . وكانت الشركات ذات الرأسمال البريطاني والبريطاني – الهولندي تستخرج القسم الأكبر من النفط آنذاك . ولكن الوضع بدأ يتغير تغيرا جذريا نظرا لتزايد إنتاج النفط بسرعة في العربية السعودية حيث اكتشف المزيد من الحقول الجديدة ، ونتيجة للأزمة الإيرانية في بداية الخمسينات التي أضعفت إلى حد كبير مواقع الرأسمال البريطاني في المجال النفطي .


الفصل السادس عشر: الوضع الداخلي في المملكة وسياستها الخارجية (1945-1958) إن المؤرخ الذي يعكف على دراسة العربية السعودية في فترة ما بعد الحرب يقابل عقبة كأداء تتمثل في شحة المعلومات عن حقيقة الوضع السياسي في البلد ، مع وجود فيض من المعلومات حوله في منطقات الصحف والمجلات والمعطيات الإحصائية والخط المتزلفة ، بل وتوجد حتى بعض الدراسات الاجتماعية . وجرى الصراع السياسي داخل الطبقة الحاكمة بين مختلف التكتلات من الفخذ السعودي المتشعب ، هذا فهما بأن أفراد العائلة ، باستثناء حالات نادرة للغاية ، لايسمحون بتسرب معلومات حول الطبيعة العملية للصدامات والتغيرات في قمة السلم السعودي . ولم يتوفر تصور عن الوضع في العائلة المالكة إلا بعد احتدام الصراع السلطة بين لاملك وولي العهد في فترة 1958-1964 وانتفاضة أمراء الأحرار التي جرت في إطار هذا الصراع . وفيما يخص نشاطات المعارضة بمختلف أشكالها ، فرغم أنها أثارت مخاوف الطبقة الحاكمة ، كانت ضعيفة ومشتتة (باستثناء التحركات العمالية عامي 1953 و1956) وقمعت دون صعوبة تذكر . والمعلومات لمتوفرة عن نشاط المعارضة شحيحة ومتبترة ومتناقضة .

إن جزءا كبيرا مما نعهده عن تاريخ العربية السعودية ينحصر في علاقاتها مع شركات النفط وصلاتها الدولية وسياستها الخارجية . ويبدوحتى ثمة مسوغات لذلك . فإن التصاعد الحاد للصراع الدولي في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية وانخراط العربية السعودية في الصراع إلى جانب هذا الطرف أوذاك ، وما طرأ على حركة التحرر الوطني من أعطى وجزر ، والترابط القوي بين مصائر البلدان العربية ، هذه العوامل جميعا زادت من وزن وأهمية السياسة الدولية في العملية التاريخية . وقد تأثرت السياسة الداخلية والخارجية للعربية السعودية بعامل حديث ، هوعامل النفط . وخلال بضع سنوات تحولت المملكة الصحراوية إلى واحد من أكبر مصدري الوقود السائل ، وفي السبعينات صارت أكبر مصدر على الإطلاق .

العلاقات مع شركات النفط

عند انتهاء عام 1945 كانت أرامكوقد اكتشفت أربعة حقول ضخمة للنفط – في الدمام وأبوحدرية وبقين والقطيف . وفي آيار (مايو) 1951 اكتشفت أكبر مستودع في العالم في السفانية بالجرف القاري في الخليج . وأكبر حقل نفطي على اليابسة في العالم ، هوحقل غاوار الذي يبلغ طوله زهاء 240 كيلومترا وعرضه 35 كيلومترا ، وقد اكتشف في مستهل الخمسينات . وبالإضافة إلى ذلك افترض الخبراء وجود مستونادىت جديدة من الوقود السائل في الطبقات الجيولوجية الفريدة بالعربية السعودية .

جرى توسيع في ميناء تصدير النفط برأس تنورة وبدأ استخدامه في كانون الأول (ديسمبر) 1945 بسعة قدرها 50 ألف برميل يوميا . وازدادت تدريجيا قدرة مصنع تكرير النفط في رأس تنورة وبلغت في أواسط الستينات 15 مليون طن سنويا ، ثم تضاعفت . ووشيد مصنعان آخران لتكرير النفط في جدة والرياض . بعد الحرب العالمية الثانية أدى تحول مؤسسات إنتاج الطاقة في البلدان الرأسمالية إلى استخدام الوقود السائل وكثرة عدد السيارات وتطور الكيمياء ، إلى تزايد لم يسبق له مثيل في الإقبال على النفط وخاصة في النصف الشرقي من العالم . وأخذت مناطق عديدة من العالم كانت متخلفة عن الولايات المتحدة في استخدام النفط ، تعمل بوتائر سريعة على اللحاق بها . ولئن كان الطلب على النفط قد ازداد خلال ربع القرن الذي أعقب الحرب لأكثر من 2.5 مرة في الولايات المتحدة ، فإن الزيادة في سائر أنحاء العالم ربت علىثمانية مرات ، وبلغت الزيادة أسرع وتأثرها في اليابان وأوروبا الغربية . وأصبحت منطقة الشرقين الأدنى والأوسط أكبر منتج لهذه المادة الخام عام 1965 ، حينما بلغ الاستخراج هناك زهاء 8.5 مليون برميل يوميا ، أي أكثر من إنتاج الولايات المتحدة .

أخذت صناعة تكرير النفط تنتقل شيئا فشيئا إلى مراكز الاستهلاك . فإن نقل النفط الخام أرخص من نقل مشتقاته الجاهزة ، علاوة على حتى بوسع المستورد حتى يشتري منه كميات أكبر ، كما جرت في مراكز الصناعة الاستفادة من نفايات التكرير على نحوواسع . وأضيفت إلى الحسابات الاقتصادية اعتبارات سياسية هامة : فقد خشيت الشركات (وخاصة بعد محاولة تأميم النفط الإيراني في مستهل الخمسينات) من إنشاء مصانع ضخمة لتكرير النفط في البلدان النامية .

إبان سنوات الحرب خمن المساهمون في أرامكوحتى خط الأنابيب بين العربية السعودية والبحر الأبيض المتوسط يمكن حتى يقلص نفقات نقل النفط إلى أوروبا بنسبة تتراوح من ثلث إلى نصف كلفة استخدام الناقلات . وتقرر أعطى خط للأنابيبب بقطر 30 بوصة (762 ملم) من منطقة بقيق النفطية بالعربية السعودية إلى السواحل اللبنانية قرب مدينة صيدا ، بطول إجمالي قدره 1712 كيلومترا وبسعة 15 مليون طن سنويا على حتى تزداد السعة إلى 25 مليون طن . في تموز (يوليو) 1945 أسس المساهمون في أرامكوشركة التابلاين (شركة خط أنابيب نفط البلاد العربية السعودية) .وعندما كانت أعمال أعطى الخط في أوجها عمل فيها 16 ألف إنسان واستخدم زهاء ثلاثة ألاف ماكنة مختلفة .

ولكن إذا كانت الشركات والحكومة البريطانية عاجزة عن عرقلة زيادة استخراج النفط من قبل أرامكو، فإنها حاولت إعاقة وصول خط الأنابيب الأمريكي إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط ، لأنه يفترض أن يتيح للأمريكان إمكانية نقل النفط إلى أوروبا الغربية بسرعة وبكلفة زهيدة . وبمد الخط يفقد البريطانيون جزءا من العوائد التي يحصلون عليها لقاء نقل النفط في ناقلاتهم بالإضافة إلى رسوم نقل النفط عبر قناة السويس . كان الصراع السياسي في سورية ولبنان والعراق في فترة ما بعد الحرب مرتبطا ، ارتباطا مباشرا أوغير مباشر بالتنافس النفطي بين بريطانيا والولايات المتحدة ، بما في ذلك مايتعلق بمد خط الأنابيب .

أيد ابن سعود الحكومة التي استلمت زمام الحكم في سورية إثر الانقلاب العسكري في آذار (مارس) 1949 بقيادة حسنيا لزعيم المرتبط بالولايات المتحدة ، ومنحه قرضا قدره ستة ملايين دولار . وقد عارض حسني الزعيم مشروعي (سورية الكبرى) و(الهلال الخصيب) اللذين كان وراءهما البريطانيون ونادى إليهما عبدالله أمير شرق الأردن ، وأبرم حسني الزعيم الاتفاقية المسقطة سابقا حول أعطى خط الأنابيب عبر أراضي سورية . غير حتى حكومة جديدة شكلت في سورية برئاسة سامي الحناوي تتبع سياسة موالية لبريطانيا وأبطلت اتفاقية خط الأنابيب وباركت فكرة (سورية الكبرى) .

واتى أديب الشيشكلي الذي قام بانقلاب آخر في كانون الأول (ديسمبر) 1949 ليعيد لاحتكارات النفط الأمريكية مواقعها وأجاز أعطى خط الأنابيب . ولجأ الدكتاتور الشيشكلي إلى السعودية بعد انهيار نظامه في شباط (فبراير) 1954 . عام 1950 أنجز أعطى خط أنابيب التابلاين الذي بلغت كلفته 230 مليون دولار وبدأ العمل .

أدى التطور السريع للصناعة النفطية في العربية السعودية بعد الحرب العاملية الثانية إلى وصول شركتي سوكال وتكسكوإلى قناعة بأنهما لاتمتلكان الأموال الكافية لاستثمار المكامن الهائلة في البلد ، لذا قررت الشركتان التعاون مع (ستاندرد اويل اوف نيوجرسي) و(موبيل اويل) . وحملت اتفاقية إسهام هاتني الشركتين مع أرامكوفي أواخر عام 1946 وظلت الاحتكارات البريطانية طوال سنتين تعارض هذه الاتفاقية لأن (ستاندرد أويل) و(موبيل اويل) سقطتا من قبل (إتفاقية الخط الأحمر) .وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1948 تجاهلت الشركتان الأمريكيتان معارضة (شركة النفط العراقية البريطانية) و(رويال داتش شيل) وانضمتا إلى أرامكو، وبذا أصبحت (اتفاقية الخط الأحمر) في عداد الأموات . منذ عام 1948 صارت أسهم أرامكوموزعة على النحوالتالي : سوكال 30% ، تكسكو30% ، (ستاندرد اويل اوف نيوجرسي) 30% و(موبيل اويل) 10% .

عام 1948 تخلت أرامكوعن حقوق الامتياز في المنطقة المحايدة بينالسعودية والكويت لقاء الحصول على الجزء السعودي في الجرف القاري بالإحساء . ومن مسببات ذلك أنه تم آنذاك عقد اتفاقية امتياز فيا لمنطقة المذكورة بين شركة (أمريكان انديبندنت أويل) و(أمين اويل) وحكومة الكويت وفق شروط أفضل بكثير مما نصت عليه الاتفاقية بين أرامكووالسعودية . وقد آثرت أرامكوالانسحاب من المنطقة المحايدة خشية حتى تؤدي بها موافقتها على المطالب الكويتية إلى زيادة مدفوعاتها للعربية السعودية عن الامتياز الأساسي . ولكن السبب الأهم هواكتشاف حقول نفطية ضخمة في الجرف القاري العائد للسعودية .

في تشرين الأول (أكتوبر) 1948 سقطت اتفاقية جديدة حول بدل الإيجار عن استخراج النفط في الجرف . ووافقت أرامكوعلى دفع بدل إيجار مماثل لما نصت عليه اتفاقية الامتياز الأولية ، يضاف إليه خمسة سنتات أمريكية لقاء جميع برميل يستخرج من الجرف القاري . وتعهدت أرامكوحتىقد يكون الحد الأدنى لبدل الإيجار السنوي عن العمليات في الجرف القاري مليوني دولار تدفع مقدما . ورافقت على تحديد فترة مدتها 22 سنة تعيد خلالها بالتدريج القطاعات التي لاتعتزم مواصلة التنقيب فيها من (منطقة الحقوق الخاصة) المعطاة لها . كانت ألأرباح المتوفرة من استغلال احتياطات النفط في حوض الخليج طائلة إلىحد دفع إلى المنطقة (أطرافا خارجية) مستعدة للحصول على امتياز بشروط أفضل بكثير مما تقدمه الشركات السابقة للحكومات المحلية . وكان بين هذه الأطراف شركات أمريكية مستقلة لايمكن تجاهل ثقلها . فقد كانت متفرقة كثيرا من حيث الموجودات والرأسمال المتداول على كبريات شركات أوروبا الغربية واليابان . وبظهور الأطراف الخارجية أدركت الحكومة السعودية مدى ماكانت أرامكوتحجبه عنها عن أموال ، فتعزز موقف الحكومة في التفاوض بشأن إعادة النظر في اتفاقيات الامتياز .

عام 1949 منح امتياز في المنطقة المحايدة لمدة ستين عاما إلى (باسيفيك ويسترن اويل كوربريشن) (بدل اسمها فيما بعد إلى (غيتي اويل كومباني) وذلك على حساب حصة العربية السعودية . ولقاء حق التنقيب والاستثمار في أرض مساحتها ألفا ميل مربع ، بما فيها الجرف القاري لمسافة تمتد ستة أميال عن الساحل ، وافقت الشركة على : دفع 9.5 مليون دولار مقدما ومنح بدل إيجار قدره 55 سنتا عن جميع برميل من النفط الخام و12.5% من عوائد ترويج الغاز ومشتقاته ، ودفع سلفة مقدارها مليون دولار كمقدم عن بدل الإيجار . وإذا كان بدل الإيجار المستحق الكامل أقل من هذا المبلغ فإن الحكومة غير ملزمة بإعادة القسط الأول . عام 1953 تدفقت نافورة النفط الأولى في المنطقة المحايدة ونقلت أول كمية من النفط الخام عام 1954 . وشرعت (امين اويل) ، و(غيتي اويل) باستخراج النفط جميع في حقولها وضخه عبر أنابيبها وموانئها ومستونادىتها .

سقطت في كانون الأول (ديسمبر) 1957 اتفاقية مع شركة (جابان بتروليوم ترايدنغ كومباني اول طوكيو) اليابانية التي قامت بتأسيس (شركة النفط العربية) ومنحت هذه الشركة حقا استثنائيا في التنقيب لمدة لاتتجاوز السنتين في الجرف القاري للمنطقة المحايدة خارج حدود الستة أميال عن الساحل . وفي حالة اكتشاف النفط تمنح الشركة امتيازا لمدة 44 سنة . وقد بدأ الحفر عام 1959 وتم استخراج الدفعات الأولى من النفط في كانون الثاني (يناير) 1960 . وتعهدت الشركة بدفع 1.5 مليون دولار سنويا لحين اكتشاف كميات تجارية من النفط ، ومليون دولار أضافي سنوية بعد اكتشافه على حتى تدفع المبالغ الإضافية عن جميع الفترة الممتدة من توقيع الاتفاقية وحتى اكتشاف النفط .

وتقرر حتىقد يكون الحد الأدنى لبدل الإيجار 2.5 مليون دولار ووافقت الشركة على دفع ضريبة ولج عن جميع العمليات داخل السعودية وخارجها ، بما في ذلك عن بيع النفط الخام وتكريره ونقله وتصديره إلى الأسواق . وفي جميع الأحوال تقرر ألا تقل المدفوعات عن 56% من عوائد الشركة ، وزيدت النسبة إلى 57% عام 1963 . منحت شركات إيطالية حق التنقيب عن النفط في سواحل البحر الأحمر . وفي عام 1965 منح امتياز لشركة (اوكسيراب) الفرنسية ونصت الاتفاقية على حتى للعربية السعودية حق المساهمة الفعالة في جميع عمليات هذه الشركة . وفيما بعد عقدت شركة بترومين السعودية اتفاقية للتنقيب عن النفط في الربع الخالي مع (اجيب) (فرع شركة ايني الإيطالية) وشركة (فيليبس) . وفي سنة 1967 نقلت (بترومين) حق التنقيب على سواحل البحر الأحمر لمجموعة تتألف من (ناتوماس انترناشنل كوربريشين) و(سينكلير ارابيان اويل كومباني) والشركة الحكومية الباكستانية. وقد تغيرت هجريبة المجموعة فيما بعد ، ولكن البحث عن النفط في الربع الخالي وعلى سواحل البحر الأحمر لم يسفر عن شيء .

منذ أواخر الأربعينيات وبعد حتى تحسن اطلاع الحكومة السعودية على الشئون المالية وإدراكها لضخامة عوائد أرامكومن استثمار ثروات البلد النفطية ، أخذت تطالب بتوزيع الأرباح بشكل أكثر إنصافا . وكان السعوديون قد سمعوا بالتوفيق الذي حالف فنزويلا التي تمكنت من زيادة عوائدها من الامتياز زيادة كبيرة ، فعقدوا مع (غيتي اويل كومباني) اتفاقية بشروط أفضل بكثير من اتفاقيتهم مع أرامكو. عام 1950 صدر في أربعة تشرين الثاني (نوفمبر) و27 كانون الأول (ديسمبر) مرسومان ملكيان فرضت بموجبها ضريبة الدخل على الأرباح الصافية لكل الشركات الأجنبية العاملة في السعودية . وقد احتجت أرامكوولكن أجحاف الاتفاقية الأولية كان باديا للعيان . ففي السعودية كان صاحب الأرض والحكومة شخصية معنوية واحدة ، في حين حتى الشركات في البلدان الأخرى ، ومن ضمنها الولايات المتحدة ، كانت ملزمة بأن تدفع الريع لمالك الأرض والضريبة للحكومة .

بعد مفاوضات مضيئة عقدت في 30 كانون الأول (ديسمبر) 1950 اتفاقية جديدة تنص على فرض ضريبة عن المداخيل المستحصلة من بيع النفط . ووافقت أرامكوعلى دفع الضريبة بشرط ألا يتجاوز الحجم الإجمالي لكل الضرائب والإيجار والمدفوعات الأخرى للحكومة 50% من العائد الإجمالي لأرامكو، على حتى يحدد هذا العائد بعد حسم كلفة العمليات بما فيها الخسائر وضرائب الدخل إذا كانت تدفع لأي بلد آخر . والتزمت الشركة بأن تقدم للدولة السعودية مجانا 2.6 مليون غالون من البنزين و200 ألف غالون من الكيروسين و7500 طن من الاسفلت . كان ذلك إنجازا هاما ، وأدى إلى جعل عوائد السعودية من النفط تصل عام 1957 إلى زهاء ضعف ما انت عليه عام 1950 . ولكن موطن الضعف في هذه الاتفاقية حتى العوائد احتسبت على أساس الدخل الإجمالي لأرامكو. وكان الغبن الواضح متمثلا في تناقص مايدفع للعربية السعودية في حالة فرض ضرائب على الشركة في دولة أخرى . وقد ألغي هذا البند في 13 شباط (فبراير) 1952 .

بالرغم من زيادة المدفوعات للحكومة السعودية ، فإن الاحتكارات ظلت تحصل على أرباح طائلة بعمل الكلفة الزهيدة للغاية لاستخراج النفط ورخص الأيدي العاملة . فقد كان النفط المستخرج في السعودية يكلف أرامكومبلغ يقل عشر مرات تقريبا عن كلفة فنزويلا . وبلغت الأرباح الصافية لأرامكوبعد حسم المدفوعات والضرائب للحكومة السعودية 2.8 مليار دولار في فترة 1952-1963 أي بمعدل 57.6% من الرأسمال المستثمر وبلغت النسبة 81.5% عام 1961 . أما فيا لولايات المتحدة فإن الربح الصافي يعادل 10-12% من الرأسمال المستثمر . في آذار (مارس) 1963 وافقت التايبلاين على زيادة ثمن جميع برميل ينقل إلى صيدا ، وأنقد يكون لهذا الإجراء مفعول رجعي منذستة تشرين الأول (أكتوبر) 1953 ، كما وافقت على دفع ضرائب ولج عن الربح الصافي .

أعرب في شباط (فبراير) 1954 حتى الحكومة السعودية منحت مالك الأسطول التجاري اليوناني ارسكوكاليس اوناسيس الحق في حتى ينقل بحرا من العربية السعودية جميع النفط باستثناء ما ينقل على السفن العائدة أ) للشركات صاحبة الامتياز ب) لشركاتها الأصلية أولفروعها ج) لمشتري النفط . وأشارت الاتفاقية إلى حتى النية متجهة لتأسيس شكرة نقل مختلطة يمتلكها اوناسيس والحكومة السعودية وقد نددت بريطانيا بهذه المستوى تنديدا شديدا ، ووصفتها الغرفة البحرية البريطانية بأنها (أوقح مثال على الاستخفاف بالفهم) و(تدخل فظ في القانون التجاري المتعارف عليه) . كما حتى ناطقا بلسان وزارةا لخارجية الأمريكية احتج على الاتفاقية . ونظمت شركات النفط مقاطعة لسفن اوناسيس في جميع أنحاء العالم ، وبعد بضعة أشهر من الصراع استسلم اوناسيس وتخلي عن العقد .

منذ بداية الأربعينات ، وخاصة في الخمسينات ، أخذ مسئولوأرامكويدركون حتى الظروف المناسبة لاستغلال حقول النفط السعودية قد تتعرض للخطر إذا لم يضمن نظام حكم مستقر موال لأمريكا في البلد . ولم تكن جهود الشركة أرامكوووسائل الضغط التي بحوزتها كافية لإبقاء المملكة في الفلك الأمريكي ، لذا كان ينبغي تحريك ماكنة الدولة الأمريكية بكل دوائرها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية – النادىئية والعسكرية . وأخذ دور العربية السعودية يتعاظم باستمرار في قائمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية .

السنوات الأخيرة من حياة عبدالعزيز - بداية حكم سعود

في آخر سنوات حياة ابن سعود أخذت إدارته لشئون المملكة تسوء شيئا فشيئا . فإن مؤسس الدولة الإقطاعية المركزية كان وليد عصر ولي زمانه ، وليد المجتمع الإقطاعي القبلي ، ولم يكن ليفهم التغيرات أويتقبلها . بفضل الزيادة السريعة في استخراج النفط وتعديل اتفاقيات الامتياز ، ازدادت عوائد السعودية في السنوات الأولى التي أعقبت الحرب عشرات المرات . ورغم ذلك ظلت المملكة بمثابة ضيعة إقطاعية عائلية كبيرة ، ويعتقد الحكام حتى عوائدها يجب حتى تنفق ، في المقام الأول ، على احتياجات العائلة المالكة .

وبعد حتى سافر أفراد العائلة السعودية في الأربعينات والخمسينات إلى الخارج واطلعوا على ظروف حياة الطبقات الحاكمة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة ، تاقت أنفسهم إلى الأبهة المعقولة وغير المعقولة . واقترن ذلك بالعجز التام عن التوفيق بين النفقات والمداخيل ، والعزوف عن حساب المال وهوأمر تتميز به الأرستقراطية الإقطاعية القبلية ، علاوة على السخاء – وهوخصلة بشرية إيجابية تحولت عندهم إلى نقيضها حينما صارت إسرافا لم يسبق له في التاريخ مثيل في بلد بشكل غالبيته سكان شبه جياع يرزحون في لجة الفقر والأمراض .

بدأ تصاعد مجنون في الإنفاق على البلاط والفخفخة ، وكثرت الأمثلة على إسراف العائلة المالكة وورد ذكرها في الكثير من الخط والمجلات والصحف بحيث لم يعد ثمة داع للاستفاضة فيها . تقاطر على الرياض شذاذ الآفاق والنصابون من جميع أنحاء الشرق الأوسط . ورست الصفقات على جميع من يدفع رشوة أكبر . واستشرى الفساد في البلاط الملكي وجهاز الموظفين وبلغ مدى مروعا . ومنذ ذلك الحين بدأت الأموال تتسرب منا لمملكة لإيداعها في الخارج . وكانا لتجار والمقاولون الجشعون يخدعون الحكام ويبيعون السلع والخدمات بأسعار تزيد خمس أوعشر أوعشرين مرة عن ثمنها الحقيقي . ولكن عندما لايوجد مايكفي من المال كانت العائلة المالكة لاتكلف نفسها من عناء سوى الامتناع عن سداد الديون . وأصبح الوضع الشاذ وخطره على النظام جليا لعدد من الأفراد العائلة الحاكمة البعيدي النظر . ولكن إجراءات الملك الرامية لتحديث الدولة كانت ذات طابع شكلي وسطحي بحت .

وفي أواخر أيامه فحسب ، في تشرين الأول (أكتوبر) 1953 ، أصدر ابن سعود مرسوما حول إعادة تنظيم مجلس الوزراء الذي أصبحت وظائفه لاتقتصر على الحجاز بل تضم ، شكليا وعمليا ، البلاد كلها . ولكن مجلس الوزراء الجديد لم يشرع بمزاولة أعماله إلا بعد وفاة ابن سعود . كان عبدالعزيز في شبابه وكهولته إنسانا قويا شجاعا ، رويت فيه الأساطير . ونقل الزركلي عن طبيب ابن سعود الخاص رشاد فرعون الذي صار وزيرا للصحة وواحدا من أغنى أغنياء البلد ، أسطورة تقول حتى عبدالعزيز أصيب في إحدى المعارك بجرح في بطنه . وقد عرض فرعون عليه حتى يحقنه بالمخدر (البنج) فأخذ عبدالعزيز المبضع وشق موضع الإصابة وأخرج الرصاصتين وأمر بخياطة الجرح .

كان عبدالعزيز يعاني من آلام بسبب جرح في ساقه وقد تزايدت مع تقدمه في العمر . ولم يكن بوسعه ثني إحدى ركبتيه إذ حتى ذلك يسبب له آلاما مبرحة ، ولايستطع حتى يخلد للنوم إلا بعد حتى تفرك ركبته ساعة أوأكثر . وقد أهداه الرئيس الأمريكي روزفلت كرسيا متحركا هونسخة طبق الأصل من كرسيه . وأعجب ابن سعود أيما إعجاب بالكرسي ولم يعد يفارقه . ويبدوحتى ذلك عجل في وفاته لأنه لم يعد يتحرك فترهل . كان أكثر مايخشاه ابن سعود هوحدوث تنافس بين ولديه الأكبر سنا . فطلب منهما قبيل وفاته حتى يقسما على ألا يتقاتلا . وكان يذكر ماحل بأبيه وأعمامه بعد وفاة جده فيصل ويخاف حتى يؤدي الشقاق داخل العائلة إلى تقسيم مملكته .

توفي عبدالعزيز في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1953 في الطائف . وأقسم زهاء مائة أمير اجتمعوا عند جثمانه يمين الولاء لسعود الذي بايعه ملكا ولفيصل كولي للعهد . ونقل جثمان ابن سعود جوا إلى الرياض حيث دفن وفق التنطقيد الوهابية المعتادة دون شاهد أوتابوت أوضريح . ويصعب تمييز مقبرته عن سواها ، وهي تقع إلى جوار مقابر سائر أفراد العائلة ومنهم أحب أخواته نورا . وبذا ظل الوهابيون الذين هدموا القباب وشواهد القبور أوفياء لأنفسهم .

في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1953 أكد العاهل الجديد سعود تعيين شقيقه فيصل نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية ، واحتفظ لنفسه برئاسة الحكومة . يقول الزركلي حتى عبدالعزيز حينما توفي كان عدد الأحياء من أبنائه 34 ولدا وبلغ العدد الإجمالي لأبنائه وأحفاده وحفيداته – عدا أبناء بناته – 160 ، ويزيد العدد على الثلاثمائة إذا أضفنا ذريته بناته . وكان قد عقد خلال حياته عشرات الزيجات .

كان ولي العهد سعود المولود عام 1902 الإبن الثاني لعبدالعزيز بعد هجري الذي توفي شابا بسبب إصابته بالأنفلونزا . وأم سعود من آل عريعر الأرستقراطيين وهم شيوخ بنوخالد ، وقد توفيت عام 1969 ، أي بعد وفاة إبنها . وولد فيصل عام 1906 من الزوجة الثالثة لعبدالعزيز وهي من آل الشيخ . وقد جرى بين الأخوين غير الشقيقين تنافس مستمر لم ينبتر حتى بعد وفاة والدهما بالرغم من اليمين الذي أقسماه له . كان لسعود 40 ولدا وهوعدد مقارب لعدد إخوته . أما غريمه فيصل فلم يكن له غير ثمانية أولاد بعث خمسة منهم للدراسة في المدارس والجامعات الأمريكية وواحدا إلى اوكسفورد وآخر إلى كلية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية .

في آذار (مارس) 1954 أدلى سعود في أول اجتماع لمجلس الوزراء ببيانه السياسي الأولى بصفته ملكا ز وقد أعرب عن تمسكه بأهداب الدين وعزمه على مواصلة سياسة والده وأساليب حكمه . ونطق حتى هدفه الأول هوتثبيت أصول الدين والشرع . وذكر حتى من مهمات حكومته تعزيز الجيش ومكافحة الفقر والجوع والسقم وتحسين الخدمات الطبية وتأسيس وزارات للمعارف والزراعة والمواصلات . وتضمن خطاب العرش الذي ألقاه سعود فقرات صارت فيما بعد سمة ملازمة لكل التصريحات السياسية للحكومة السعودية : التأكيد على الالتزام بالتنطقيد ومراعاتها ، وفي الوقت نفسه الإشارة إلى الرغبة في إجراء تحديث وتطوير في الجهاز الحكومي .

أسست في العربية السعودية ثماني وزارات : الداخلية ، الدفاع ، والطيران ، المواصلات ، المعارف ، المالية والاقتصاد الوطني ، الصحة ، التجارة والزراعة ، الخارجية . ونجد بين الوزراء عددا من الأشخاص الذين ستظل أسماؤهم تتردد طويلا في الحياة السياسية بالبلد : فهد بن عبدالعزيز (وزير المعارف) ، سلطان بن عبدالعزيز (وزير المواصلات) ، رشاد فرعون (وزير الصحة) . غير حتى الملك كان يتدخل باستمرار في أعمال أخيه ويقيد سلطته . وفي أواخر الخمسينات بلغ الصراع الخفي بينهما حدا جعل الناس تتحدث عن ازدواجية السلطة في المملكة .

الحركة العمالية

في أواخر الأربعينيات ومطلع الخمسينات لاحت في العربية السعودية البوادر الأولى التي تشير إلى حتى قوى اجتماعية جديدة لم يعهدها البلد من قبل أبدا أخذت تظهر على المسرح السياسي ، وأن نزاعات اجتماعية لم يسبق لها مثيل آخذة في التطور . ولأول مرة طرحت الطبقة العاملية الفتية مطالبها .

جرى أول إضراب لعمال أرامكو، العمال الأجانب في الأساس ، عام 1945 . وقدمت الإدارة تنازلات وقتية ، إذ ضمنت حتىقد يكون العمل لمدة 8.5 ساعة يوميا وستة أيام في الأسبوع ، وأن تعطي إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة أسبوعين . ولكن الأجانب المضربين سرحوا فيما بعد . وفي أواخر الأربعينات شهدت حقول النفط اضطرابات عمالية جديدة . إزاء هذا الوضع أصدرت الحكومة السعودية في تشرين الأول (أكتوبر) 1947 قانون عمل استخدمت عند رضعه التشريعات المصرية . وحدد أسبوع العمل بستة أيام ويوم العمل بثماني ساعات في جميع مؤسسة يزيد عدد العمال المأجورين فيها على العشرة .

شكل عمال أارمكوعام 1952 لجنة بمثابة نقابة ، وفي العام التالي بدأوا كفاحهم بحزم . فقد طالبوا بضمان حق التنظيم النقابي وزيادة الأجور وبتر دابر التمييز العنصري وتوفير مساكن جديدة للعمال ودفع أجور النقل واعتماد اللغة العربية في المدارس . وامتنعت إدارة أرامكوعن تطبيق هذه المطالب ، وأيدتها عملاي اللجنة الملكية الخاصة ، واعتقل 12 عضوا من اللجنة العمالية . وفي 17 تشرين الأول (أكتوبر) بدأ إضراب شارك فيه زهاء عشرين ألفا من العمال العرب في أرامكو، وأعرب سكان المنطقة الشرقية عن تعاطفهم مع المضربين ، إذ حتى الموقف من الأمريكان وثرائهم ونمط حياتهم كان سلبيا أوعدائيا .

أعربت الأحكام العهدية في حقول النفط ، ونقل إلى المنطقة مع اللجنة العمالية والقبول بالكثير من مطالب المضربين : زيادة الأجور بنسبة 12-20% وتزويد العمال بملابس العمل والغذاء وتوفير وسائط النقل ومنحهم درجات تأهيلية أعلى . وأطلق سراح المعتقلين من أعضاء اللجنة وأعيدوا إلى أعمالهم ، ولكن العمال لم يحصلوا على حق التنظيم النقابي . وقد انتهى الإضراب في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) . بدأ حتى الإضراب يعني بداية فترة جديدة نوعيا في الحركة العمالية بالعربية السعودية . وبالعمل استمرت في السنوات الثلاث التالية المفاوضات بين ممثلي العمال والشركات ، وتولت لجنة ملكية خاصة النظر في النزاع . ولكن السعي للحيلولة دون وجود حركة عمالية منظمة كان القاسم المشهجر بالنسبة للسلطات السعودية والشركات .

شكلت أرامكومايسمى بـ(لجان الاتصال) ، وكلفت شكليا بدراسة مطالب العمال لتفادي النزاعات . أما في الواقع فإن هذه اللجان كانت تبحث عن (العناصر الحربية) وتلاحق النشطاء من العمال . عام 1956 ، حينما أدت الأحداث الثورية في مصر إلى تعاظم الحركة المناهضة للإمبريالية في سائر البلدان العربية ، أصبحت المنطقة الشرقية المركز الطبيعي للتحركات الجماهيرية . وعندما وصل الملك سعود إلى ظهران فيتسعة تموز (يوليو) 1956 استقبلته مظاهرة جماهيرية تحمل شعارات مناهضة للإمبريالية وطالب المتظاهرون بإجلاء القاعدة الأمريكية . وسلمت إلى الملك مطالب العمال وهي : الاعتراف رسميا باللجنة التي انتخبوها وزيادة علاوة غلاء المعيشة وزيادة الأجور وتقليص يوم العمل ووقف التسريح الكيفي ومساواة العمال المحليين والأمريكان في الحقوق وإلغاء التمييز العنصري وإصدار قانون يكفل بحقول عمال أرامكوويحمي كرامتهم .

بعد مرور يومين ، في الحادي عشر من تموز (يوليو) ، أصدر الملك مرسوما يمنع جميع الاضرابات والمظاهرات ويسقط على المخالف عقوبة الحبس لمدة لاتتجاوز الثلاث سنوات . بدأت حملة اعتنطق وتعذيب العمال النشطاء وفق قوائم أعدتها الأجهزة الخاصة لأرامكو. وفي 17 تموز (يوليو) أعربت اللجنة المركزية للعمال العرب الإضراب العام , كان من بين المطاليب التي طرحتها الطليعة الواعية من العمال : سن الدستور وإجازة الأحزاب السياسية والتنظيمات الوطنية وتقنين حق التنظيم النقابي وإلغاء المرسوم الملكي حول حظر الإضرابات وإيقاف تدخل أرامكوفي شئون البلد الداخلية وإجلاء القاعدة الأمريكية من الظهران وإطلاق سراح المعتقلين كافة . ولكن من المستبعد حتى تكون جماهير العمال في الإحساء قد بلغت آنذاك مستوى عاليا من الوعي البروليتاري والسياسي يؤهلها للدفاع عن مثل هذه المطالب لذا فإن الإضراب القصير لم يعطل عمل حقول النفط . واستخدم في عمليات قمع العمال بدومن هجر الإخوان والحرس الشخصي لأمير المنطقة الشرقية المكون من العبيد والمعتوقين . وقد اعتقل مئات الأشخاص وعذبوا وصدرت أحكام بالحبس لمدة مختلفة والطرد من البلاد .

جرى الإضراب الأول بعد مرسوم الحظر الصادر عام 1956 ، سنة 1958 حينما توقف السواق العاملين لدى إحدى المقاولين عن العمل احتجاجا على الساعات الإضافية . ولكن من المهم الإشارة إلى حتى الاضطرابات العمالية عام 1956 كانت آخر تحرك كبير تقوم به البروليتاريا السعودية من الخمسينات إلى السبعينات .

تأزم الوضع الداخلي في أواسط النصف الثاني من الخمسينات

لم يكن سعود يتمتع بالهيبة وقوة الشخصية اللتين كانتا سمة عبدالعزيز ، ولكنه كان يحاكي والده في نواقصه إلى حد كبير بحيث بدأ نسخة كاريكاتورية عنه . فقد واصل العيش في عالم يمت إلى ماضي الجزيرة وله حريم كثير العدد وبلاط قوامه خمسة آلاف إنسان ، وكان يبذر المال معتبرا عوائد البلد ملكه الخاص ولا يقر بوجود فرق بين كثرة المال ولا محدوديته .

وكان طرد فيلبي من القرائن التي توضح الجوالسائد في البلاد عقب وفاة عبدالعزيز . فبعد وفاة ابن سعود أخذ فيلبي ، الذي كان يعتبره بطلا ، يتحدث جهارا عن الفساد المستشري في البلاط والمملكة مما أثار نقمة سعود . ولكن ما حتى غادر فيلبي البلد حتى عثر جمهورا كبيرا ومنبرا لانتقاد النظام . فاختار الملك أهون الشرين وسمح له بالعودة لكي يقضي آخر سنوات حياته في وطنه الثاني .

أخذت الرشوة تنخر في جهاز الدولة من أعلاه إلى أدناه . واتى في كتاب (جحيم الحكم السعودي) الصادر عن ممثلي المعارضة الديمقراطية الثورية ، حتى حاكم المنطقة الشرقية حصل على ثلاثين ألف ريال لقاء إطلاق سراح مقاولين كبار حكم عليهم بالسجن سنة واحدة والضرب لتعاطيهم الخمرة . وزاول الكثير من أفراد العائلة المالكة وأمراء المحافظات عمليات نقدية غير مشروعة . فقد استغل حاكم المنطقة الشرقية سلطته وأرغم البنوك على بيعه النقد الأجنبي وفق الثمن الرسمي (الدولار الواحد = 3.75 ريال) ومن ثم قام ببيع الدولار الواحد في السوق السوداء لقاء ستة ريالات أوأكثر . خلال فترة 15-20 سنة الأولى من عصر النفط أدت الزيادة الكبيرة في عائدات النخبة الحاكمة إلى زيادة الطلب على العمال العبيد . ورغم حتى الرق كان ألى حد ما ذا طابع أبوي ، فإن العبيد غالبا ماكانوا يتعرضون لاستغلال بشع ومعاملة قاسية في أحوال كثيرة . ولكن ظلت قائمة عادة عتق العبيد حينماقد يكون السيد في النزع الأخير لأن الإسلام يعتبر ذلك مغفرة للذنوب .

وفي الخمسينات استمرت في السعودية تجارة العبيد وأسواق الرقيق ، وكان غالبية العبيد من الصومات وأثيوبيا والسودان والمستعمرات الفرنسية في غرب أفريقيا ، علاوة على بلوجستان . لم تتأثر تجارة الرقيق في السعودية كثيرا بالكفاح الدولي ضد هذه الآفة . وكانت الحكومة السعودية قد أعربت عام 1936 حتى استيراد العبيد أواستعباد الحر أمر غير مشروع ويعاقب المخالف بالحبس لمدة لاتتجاوز السنة . ولكن تجارة الرقيق استمرت عمليا وكان العبيد ينقلون إلى السعودية في الغالب أثناء موسم الحج كحجاج . أدى انتشار الفساد بين الفئة الحاكمة وعدم التمسك بالزهد ولوشكليا ، والترف في الملبس وأبهة القصور والسيارات ، إلى إثارة النقمة ليس في أوساط الجماهير فحسب بل ولدى بعض الفهماء من الحريصين على التنطقيد الوهابية ، وخاصة الذين لم يرتقوا إلى قمة السلم الديني . واعتبر هؤلاء حتى اعتماد عناصر التحديث وإن كانت سطحية ، وأنماط الحياة الجديدة (بدعة) مرفوضة . وتعارضت أفكارهم مع آراء مجموعة الفهماء المقربة من البلاط .

في معرض الحديث عن فهماء الدين الرسميين يقول فيلبي : (يبدوحتى الفهماء المسئولين عن الأخلاق والسلوك في البلد قد تخلوا عن رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معتبرينها مهمة عقيمة . ألم تكم أفواههم بالمضى ،يا ترى؟ ... يحصل الفهماء على مبالغ طائلة مخصصة للإنفاق على الفقراء والمحتاجين وما إلى ذلك من أعمال الخير) . ولم يقدم أي كشف بالحساب من قبل هؤلاء الأطهار المنزهين ... (ولا توجد أية وصولات ممن يتلقون العون ... وهناك فرص سانحة لنهب أموال الدولة . فحتى فهماء الدين الوهابيون بشر قبل جميع شيء) .

في مطلع الخمسينات ، وخاصةب عد الثورة المصرية عام 1952 وتحت تأثيرها ، ظهرت براعم تنظيم ديمقراطي ثوري سري معارض للنظام . وكانت أول مجموعة شكلت بعمل الإضراب العمالي عام 1953 هي جبهة الإصلاح الوطني التي أسسها شباب سعوديون من منتسبي القوات المسلحة والموظفين والمستخدمين في أرامكووالذين حصلوا على مناصب من التعليم . وأعربت الجبهة حتى أهدافها هي : - تحرير البلاد الناجز من الهيمنة الإمبريالية ومن التسلط الاقتصادي لأرامكووشركات النفط الأخرى .

- اعتماد دستور يكفل الانتخاب البرلماني وضمن حرية النشر والتجمع وإجازة الأحزاب والنقابات وحرية التظاهر والإضراب .

- طوير الصناعة الوطنية وتوفير البذور والأسمدة والآلات الزراعية للفلاحين بأسعار منخفضة .

- إلغاء الرق .

- إعادة النظر في الاتفاقيات المعقودة مع شكرات النفط وتعديلها بشكل يضمن حق استثمار ثروات البلد بشكل يكفل تقدمه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي .

- مكفاحة الأمية وتأسيس مدارس البنات وتوسيع التعليم العالي والمهني .

واعتبرت جبهة الإصلاح الوطني نشاطها جزءا من الكفاح التحرري الذي تخوضه الشعوب العربية ضد الإمبريالية وفي سبيل التعاون والوحدة على أساس حر ديمقراطي . وعلى صعيد السياسة الخارجية دعت الجبهة إلى تعزيز العرلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع البلدان العربية وإقامة علاقات اقتصادية مع الدول الاشتراكية ، واتباع سياسة الحياد الإيجابي والتعايش السلمي ومناهضة المذاهب والأحلاف الإمبريالية . أعربت الحكومة السعودية عام 1956 عن تصفية جبهة الإصلاح الوطني ، واعتقل عدد من أعضائها ، علاوة على 56 شابا عهدوا بأفكارهم الديمقراطية . وصار عمل الجبهة في الداخل صعبا للغاية ، ولكن أعضاءها واصلوا التبشير بآرائهم في مصر وسورية ولبنان وفي المحافل الدولية .

كان من أنشط العاملين على تنظيم جبهة الإصلاح الوطني الملازم عبدالرحمن الشمراني الذي عمل بين مجموعة من الضباط الشباب في الجيش النظام وسجن الشمراني مع أربعة ضباط آخرين بتهمة التآمر ضد النظام القائم ، ثم أعدم . وأهدى كتاب (جحيم الحكم السعودي) لذكراه . وتحت تأثير إذاعة القاهرة وجدت الميول المناوئة للحكومة تربة خصبة بين جزء من الضباط وفئة المنفقين الناشئة والطلاب وتلاميذ المدارس .

كانت صحيفتا (الفجر الجديد) و(أخبار الظهران) تنشران منطقات تنتقد الحكومة علنا أوبشكل غير مباشر . وقد اعتقل صاحب امتياز (الفجر الجديد) ورئيس تحريرها يوسف الشيخ يعقوب والصحفي احمد الشيخ يعقوب ، وأغلقت الصحيفة . كما اعتقل رئيس تحرير (أخبار الظهران) عبدالكريم جهيمان وجلد قبل إيداعه السجن . عام 1956 أسست لأول مرة في تاريخ نجد منظمة تلاميذ المدارس في مدن عنيزة وبريدة وشقراء والرس . وكان من مطالبها الأساسية حل جماعة الأمر بالمعروف التي شكلت في العشرينات وصارت بؤرة عفن تشكل خطرا على الأطفال الطامحين إلى الفهم . وطالب التلاميذ بتوحيد أساليب وبرامج التدريس وجعلها على غرار النظام المتبع في مصر وسورية ، وتأسيس معاهد عليا في البلد . وجرت في بريدة اشتباكات بين التلاميذ والمتعصبين من جماعة الأمر بالمعروف والشرطة ، واعتقل أثرها عشرات الأشخاص وجلدوا .

خشيت الحكومة حتى يؤدي تطور التعليم والدراسة في الخارج إلى ظهور أفكار هدامة في البلد فقررت منع الدراسة في الخارج . وفي نيسان (إبريل) 1955 أصدر الملك مرسوما يقضي باستنادىء جميع الطلبة السعوديين الدارسين في الخارج وحرمان المخالف الجنسية السعودية . واستثنى المرسوم طلبة المعاهد العليا الذين يدرسون الهندسة والحقوق والطب . وكان القرار منافيا لاحتياجات البلد إلى حد بحيث أنه أصبح باطل المفعول عمليا بعد سنوات .

في محاولة لمنع الأفكار الجديدة لجأت الحكومة وفهماء الدين إلى سلاح مجرب ، وهوالتعصب الديني ، فانتعشت في البلد جماعة الأمر بالمعروف وازدادت المبالغ المخصصة لها . استخلص آل سعود من ثورة 1952 في مصر التي جرت بشكل انقلاب عسكري ، استنتاجا مفاده حتى ثمة خطرا على النظام يكمن في الميول الثورية في الجيش النظامي ، وعلى وجه التحديد بين الضباط الذين يتأثرون بالأفكار المناهضة للإمبريالية والحكم المليك . وكان قد جرى بعد الحرب الهجريز على بناء الجيش النظامي ، وأبقيت الكتيبة التي كانت قد أوفدت لمحاربة اسرائيل عام 1948 في مصر لإعدادها عسكريا . وتولت البعثتان الأمريكية والبريطانية ، ومن ثم البعثة المصرية ، تدريب الجيش النظامي .

وفي الخمسينات توصل الملك وحاشيته إلى استنتاج مؤداه حتى عصبية الإخوان الآخذة في الخمود لم تعد تشكل خطرا على النظام ، بل أنها موجهة ضد البدع وإغراءات الحضارة العصرية . لذا أخذت السلطات تولي اهتماما كبيرا للمجندين من البدو. أصبح البدوالمجندون يسمون الحرس الوطني أوالجيش الأبيض . وجهز الحرس الوطني بالأسلحة الحديثة وصار المنتسبون إليه – المجاهدون – يتقاضون رواتب عالية . رابطت غالبية وحدات الحرس الوطني قرب المدن الكبيرة وخاصة قرب حقول النفط . وفي عام 1957 كان يوجد من الحرس الوطنيعشرة آلاف في الحجاز و5 آلاف في الإحساء و5 آلاف في الشمال . ويقع مقر قيادة الحرس الوطني في الرياض ، وهناك مدارس في الحجاز ونجد لإعداد الآمرين والفنيين .

يورد الباحث الفرنسي المختص بشئون الشرق الأوسط بويربى في كتابه (شبه الجزيرة العربية) مضمون الإيعاز الخاص بالصادر عام 1957 بعنوان (الإخوان ينافسون الجيش) . واتى في الإيعاز حتى الدولة السعودية يفترض أن تواصل إيلاء الاهتمام لبناء جيش نظامي كبير ، غير انها تفضل مع ذلك الإنفاق على وحدات أفرادها من البدوفقط . ويبقى تنظيم الإخوان القوة الأساسية للجيش بسبب طابعها الديني ووفائها للأسرة المالكة . وتكمن خاصية تنظيم الإخوان في القدرة على تعبئة جيش قوامه مائة ألف مقاتل خلال فترة قصيرة جدا . ولكن اتضح حتى الإجراءات التي اقتصرت على تعزيز القوات المسلحة لم تكن من الفعالية بالقدر الكافي لتوطيد النظام . فقد كان البلد على حافة إفلاس اقتصادي . وأدى تبذير آل سعود والبلاط الملكي ونهب أموال الدولة على أوسع نطاق ، إلى حتى ديون العربية السعودية للبنوك الأجنبية وحدها بلغت عام 1958 زهاء 120 مليون دولار . وبلغت ديون خزانة الدولة للبنوك المحلية والتجار ورجال الأعمال والمقاويل مئات ملايين الريالات . وطوال عدة أشهر لم يتقاض الموظفون رواتبهم فاضطروا إلى الاستلاف أوالاختلاس .

في سنتي 1956-1957 تقلصت إلى حد كبير المدفوعات عن حقوق الامتياز بسبب إغلاق الأسواق الأوروبية أمام النفط السعودي وبدء انخفاض الأسعار القياسية . وأدى تقلص استيراد السلع ، ومن ضمنها الأغذية ، إلى تزايد الأسعار داخل البلد . وقاد الغلاء وتقلص تدفق العملة من الخارج إلى التضخم والمضاربة بالنقد . وبسبب عدم توفر العملة اللازمة لشراء السلع الضرورية والمعدات فيا لخارج صار الكثير من المقاولين والتجار السعوديين على حافة الإفلاس ، وساعد ذلك على انتشار الاستياء في أوساطهم . وقد حاول بعضهم إقامة صلات مع البلدان الاشتراكية . ففي عام 1957 اقتنى التاجر السعودي العباسي كمية كبيرة من الأسمنت السوفييتي . وزار بعض رجال الأعمال تشيكوسلوفاكيا حيث اتفقوا على شراء معدات مصنع للسكر وسلع صناعية ومواد غذائية . إلا حتى أرامكورفضت التعاون مع التجار ورجال الأعمال الذين يتعاملون مع الدول الاشتراكية ومنعت استخدام الأسمنت السوفييتفي في مشاريع البناء التي ارستها على مقاولين محليين وهددت المخالف بفسخ عقد المقاولة . وضغطت الحكومة الأمريكية على الملك فمنع التعامل التجاري مع البلدان الاشتراكية.

أحدثت السياسة الداخلية للحكومة السعودية استياء بين أوسع فئات السكان وبدأت تتكون في البلد عناصر وضع ثوري . كان جميع من الطبقة الحاكمة والمعارضة يضع في حسبانه عاملا آخر بالغ الخطورة ذا أهمية بالنسبة لمصير النظام ، ونعني التأثير الثوري الذي يمارسه الوضع السياسي في الشرق الأوسط على الأوضاع في العربية السعودية .

الاتجاهات الأساسية للسياسة الخارجية

نشر الزركلي وثيقة سرية هامة تحدد السياسة الخارجية للعربية السعودية في النصف الثاني من الأربعينيات والنصف الأول منا لخمسينات ، ونعني بتلك الوثيقة التفهميات السرية التي تللقاها ولي العهد سعود قبيل زيارته إلى الولايات المتحدة عام 1947 .

وأشارت التعليمات إلى وجود مصالح عديدة ومشاعر بأهداف عامة تربط بين العسودية والولايات المتحدة الأمريكية . وثبتت هذه الأفكار في رسالة رسمية إلى الرئيس ترومان . وطلب من الأمير سعود حتى يؤكد للرئيس الأمريكي ولأعضاء حكومته تصميم السعودية على اتخاذ جميع التدابير التي تكفل حسن العلاقات وتنمية الصداقة والمصالح الاقتصادية والأدبية للجانبين . كما طلب ابن سعود من ولده حتى ينقل للأمريكان (أننا قد نظرنا بعين الرضاء والاطمئنان إلى هجر الولايات المتحدة سياسة العزل والانقطاع التي كانت تسير عليها في الماضي ، وعلقنا الامال الجسام على دخولها معهجر سياسة الشرقين الأدنى والأوسط) . وبالنسبة لبريطانيا أراد ابن سعود حتى يقوم ولي العهد بإفهام ترومان ورجال حكومته (أننا ، منذ نشأتنا ، كنا ولانزال أصدقاء أوفياء لبريطانيا بالرغم من ... حصول مشكلات ومتاعب عديدة . خبرنا الإنجليز وهم خبرونا ، وعهدناهم وهم عهدونا) لذا فإن التفاهم بين الطرفين كان سهلا رغم حتى بريطانيا اتخذت مواقف سلبية أوغير ودية في بعض الأحيان إزاء السعودية .

واتى في التعليمات حتى بريطانيا كانت حريضة على الاحتفاظ بمنطقة الشرق الأوسط ، ضمن دائرة النفوذ السياسي والاقتصادي بالريطاني . غير حتى دخول أمريكا بنشاطها الملموس ، أثار مخاوف الإنجليز . ومن ثم بدأنا نشعر بانحرافهم عنا إلى خصومنا، وأشارت التعليمات إلى عدول بريطانيا عن سياسة التوازن بيننا وبين خصومنا ، وشروعها في تقويتهم بصورة مباشرة وغير مباشرة .

وطلب من سعود التأكيد على ضرورة التفاهم مع الولايات المتحدة ، وألمحت التعليمات إلى حتى التفاهم مع أمريكا أمر ضروري . وهومانرجوحتى نفهم من الآن المدى الذي توافق أمريكا على السير فيه . يتعلق البند السابع من التعليمات بموقف السعودية من الاتحاد السوفييتي ، الذي زعم أنه يشكل خطرا غير مباشر على المملكة بسب العلاقات القوية بين الشيوعية والصهيونية والنادىية الروسية التي تقوم بها الكنيسة الأرثوذكسية . واتى في الوثيقة أننا نناهض الصهيونية والشيوعية ، ولا نرى حتى تتخذ الكنيسة الأرثوذكسية وسيلة للنادىية الروسية في البلاد العربية) .

أما النبد الثامن فيتناول الصهيونية ويذكر (نحن مسلمون عرب ، قبل جميع شيء .. واليهود أعداء ديننا منذ ظهور الإسلام) ولكن الإسلام لايقر مبدأ العنصرية ... ونحن لسنا عنصريين . ولسنا نقاوم اليهود لأنهم يهود ، ولكننا نقاوم السياسة التي يدعوإليها بعض اليهود . أي الصهيونيون . السياسة الغاشمة . وأسباب مقاومتنا لها عديدة ونذكر أهمها :

- الصهيونية غاشمة ظالمة وتقوم على مبدأ جائر .

- أنها تتظاهر بأنها قائمة على أساس تخليص اليهود المضطهدين . وكيف يجوز معالجة اضطهاد باضطهاد آخر ،يا ترى؟ أوحمل الحيف بإيقاع حيف آخر أشد منه ؟

- لأنها مناقضة للمصالح السياسية القائمة في البلاد العربية .

- لأنها تهدد البلاد العربية من الوجهتين الحربية والاستراتيجية . يخص البند التاسع من التعليمات الرئيس الأمريكي . فالمسألة الأولى التي نراها هي ضرورة تجرد السياسة الأمريكية عن التأثر بالعوامل اليهودية المحلية وتحررها من سيطرة النادىية الصهيونية . والمسألة الثانية نرى ضرورة الفصل بين قضية اللاجئين المضطهدين والصهيونية السياسية ، للأسباب التالية :

- حتى فلسطين لايمكنها استيعاب جميع اللاجئين من اليهود فهي إذن ليست بحل للموضوع .

- لايجوز إرغام بلاد ما على قبول لاجئين إليها بدون إرادتها .

- ليس من العدل حتى ترفض الولايات المتحدة قبول اللاجئين إليها ، بينما هي تصر على ضرورة فرضهم على فسطين ...

- حتى قضية المائة ألف لاجء ليست في الحقيقة مسألة إنسانية ولكنا ستار لتبرير إيجاد أكثرية يهودية في فسطين .

- ليس من الحق ولا من العدل أوالإنصاف ، حتى تسمح الحكومة الأمريكية لرعاياها من اليهود بأن تكون لهم سياسة مزدوجة ، كأنهم رعايا دولتين منفصلتين . فيجب حتىقد يكون إخلاصهم للولايات المتحدة فقط ، لا حتىقد يكونوا مواطنين أمريكيين وصهيونيين في نفس الوقت) .

وكانت السعودية بحاجة إلى الرساميل الأمريكية لأغراض التنمية ، فقدم لها قرض قيمته عشرة ملايين دولار ، بيد أنها كانت تروم الحصول على 25-30 مليون دولار أخرى لمد خط للسكك الحديد من الخليج إلى الرياض . التعليمات التي نشرها الزركلي وثيقة فريدة لم ينشر مايماثلها . فقد حددت الحكومة السعودية فيها بوضوح تام حتى بريطانيا هي خصمها لسياسي الخارجي . وطوال سنوات عديدة تزعم عبدالعزيز دولة تقع في دائرة النفوذ البريطاني التام ، وسارت العربية السعودية في فلك السياسة الخارجية البريطانية ، رغم استقلالها شكليا . وبظهور منافس قوي لبريطانيا ، هوالولايات المتحدة ، تمكنت السعودية من إضعاف ، ثم بتر أواصر التبعية التي تربطها بلندن . وساد العائلة السعودية الحاكمة رأي مفاده حتى الاعتماد على الولايات المتحدة لايجب حتى يؤدي إلى بسط هيمنة استعمارية أمريكية .

على الصعيد العربي ظلت العائلة الهاشمية الحاكمة في شرق الأردن والعراق والتي تقف وراءها بريطانيا الخصم الخطر لآل سعود . وكانت خطتا سورية الكبرى والهلال الخصيب اللتان جرى إعدادهما في العاصمتين الهاشميتين خطرا يهدد العربية لاسعودية . وظلت المحميات البريطانية تطوق المملكة بنصف دائرة في شبه الجزيرة العربية التي تعتبرها الرياض مجالا لنفوذها . وكان عبدالعزيز يتسم بقدر كاف منا لحذر منعه من تحدي بريطانيا مباشرة ، ولكنه حاول الارتكاز على الولايات المتحدة للوقوف ضدها .

إن النزعة المناوئة لبريطانيا في السياسة الخارجية للعربية السعودية في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينات قد أدت بها إلى عقد تحالفات ومناورات سياسية غير متسقطة . ويجب ألا يغرب عن البال حتى حركة التحرر الوطني في البلدان العربية ذات الصبغة القومية آنذاك ، كانت مناوئة لبريطاني بالدرجة الأولى . وفي البداية لم يكن زعماء الحركة يعتبرون الولايات المتحدة عدوهم الرئيسي . (كان ذلك قبل سنوات من ازمة السويس وانهيار العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والذي كان يعني أفول الاستعمار البريطاني في الشرق الأوسط) ./ لذا فإن مصالح الأسرة الإقطاعية الحاكمة في الدولة السعودية تطابقت وقتيا مع النضال التحرري الوطني لبلدان عربية أخرى رغم كونه ذا طابع اجتماعي مختلف .

وكانت معاداة الشيوعية متماشية مع فكر الفئة السعودية الحاكمة . ويبدوحتى مستشاري ابن سعود هم الذين صاغوا معاداة الشيوعية بالشكل الذي اعتمد في المملكة (الشيوعية المرتبطة بالصهيونية ، والتي تستخدم علاوة على ذلك الكنيسة الارثذوكسية كأداة للتغلغل) . ومن المؤكد حتى واحدا من أولئك المستشارين كان فؤاد حمزة ، ذلك الشخص الذي كان هتلر قد عرض من خلاله على ابن سعود (عرش حاكم العرب) لقاء التعاون مع ألمانيا النازية ومحاربة بريطانيا. وظلت المسحة النازية لهذه المنطلقات الأيوديولوجية طاغية على السياسة الخارجية للعربية السعودية سنوات طويلة . ورغم حتى مصلحة الدولة لكل من الاتحاد السوفييتي والعربية السعودية لم تكن متضاربة في قضايا كبيرة ، بل غالبا ماكانت تتطابق فإن العداء للشيوعية وللاتحاد السوفييتي البالغ حد اللامعقول كان يغشى بصيرة الزعماء السعوديين ويحول بينهم وبين إقامة أبسط الصلات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي ، ويضعف استقلال البلد .

اتخذت العربية السعودية موقفا ثابتا ، قولا وتصريحا ، ازاء القضية الفلسطينية . فقد كان ابن سعود قد أشار منذ عام 1937 في حديث مع ديكسون إلى اعتقاده بأن الهدف النهائي للصهاينة هوالاستيلاء ليس على فلسطين فقط ، بل وعلى أرض تمتد حتى المدينة المنورة ، وفي الشرق يأملون بسط هيمنتهم على أراض تمتد إلى الخليج العربي . وحاول الصهاينة مرارا التوصل إلى اتفاق معا لملك . ومن هذه المحاولات العرض الذي نقله فيلبي من وايزمان (رئيس اسرائيل فيما بعد) إلى ابن سعود عام 1940 . إذ حتى الصهاينة استغلوا مصاعب ابن سعود المالية فعرضوا عليه عشرين مليون جنيه استرليني لقاء تخليه عن موقفه ازاء القضية الفلسطينية والقبول بإسكان جميع عرب فلسطين في الجزيرة العربية . وقد رفض ابن سعود هذا المشروع .

إن ماورد في التعليمات الموجهة إلى سعود من تقييمات للنفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة والسياسة الصهيونية في فلسطين هي واقعية في بعضها ومبالغ في بعضها الآخر . وبعد حتى أخل ترومان بالوعد الذي بتره روزفلت بعدم انتهاج سياسة معادية للعرب حيال القضية الفلسطينية ، نشأت تعقيدات بين واشنطن والرياض إزاء هذه القضية . بيد حتى عبدالعزيز ومن تلاه من ملوك كانوا يتعاملون مع القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني بشكل براغماتي بحت ، واضعين في المقام الأول المصالح الملموسة للعائلة السعودية الحاكمة التي ازدادات روابطها بالولايات المتحدة متانة . وعوضا عن المساهمة في النضال ضد مشاريع الصهاينة وضد العدوان الإسرائيلي فيما بعد كانت العربية السعودية تدفع البلاد بتصريحات شديدة اللهجة على غرار ماورد في التعليمات الموجهة إلى سعود ، أوبتقديم عون مالي للفلسطينيين ودول اللقاءة .

منذ السنوات الأولى التي أعقبت الحرب تعقدت علاقات الولايات المتحدة مع العربية السعودية بسبب الدعم الأمريكي للمطامع الصهيونية في فلسطين ، ولنهج اسرائيل التوسعي العدواني فيماب عد . ففي تشرين الأول (أكتوبر) 1945 نطق الرئيس ترومان في حديث مع رؤساء البعثات الدبلوماسية الأمريكية في البلدان العربية الذين أبدوا تخوفهم من ميل واشنطن الواضح إلى جانب الصهاينة ، نطق (أنا آسف جدا ، ولكن ينبغي علي حتى أحسب حساب مئات الآلاف من المقيمين في بلدي الذين لهم مصلحة في فوز الصهيونية . وليس بين ناخبي مئات الآلاف من العرب) . إذا هذه الحدثات الصلفة يمكن حتى تكون ديباجة لأي تصريح صادر عن أي رئيس أمريكي بخصوص النزاع في الشرق الأوسط .

وأوصلت العربية السعودية في السنوات الأولى التي أعقبت الحرب السعي للحصول على مساعدات اقتصادية وعسكرية أمريكية وحصلت عليها بالعمل . وقدم أول قرض للمملكة ، خارج إطار برنامج الإعارة والتأجير ، في نيسان (إبريل) 1945 وكان تعبير عشرة ملايين دولار لمدة عشر سنوات (بفائدة سنوية قدرها 3%) لشراء مواد غذائية ومعدات زراعية من الولايات المتحدة . وفي السنة نفسها قدم القرض الثالث وقدره 25 مليون دولار لشراء منتجات زراعية . وحصلت السعودية على عشرة ملايين دولار نقدا لإعادة تجهيز ميناء جدة وكهربة مدينة جدة . وقدمت جميع هذه القروض من قبل بنك التصدير والاستيراد الأمريكي . وعلاوة على ذلك حصلت السعودية في آيار (مايو) 1946 على قرض من الوكالة الأمريكية لتصفية فائض المعدات العسكرية الأمريكية في الخارج قدره مليوني دولار كسلفة تجارية لشراء معدات عسكرية .

عند حلول عام 1951 كان قد أنجز أعطى خط للسكك الحديد بين الدمام والرياض بمساعدة أمريكية . وطبقا للنقطة الرابعة من برنامج ترومان التزمت الولايات المتحدة منذ عام 1952 بمساعدة العربية السعودية في تطوير الزراعة والمواصلات والثروات الطبيعية. واقتصرت هذه المساعدة عمليا على الدراسات وكانت مخصصاتها ضئيلة (1.7 مليون دولار وفق مصادر سعودية) . أضف إلى ذلك حتى جزءا كبيرا من الأموال كان مخصصا للإنفاق على البعثة الأمريكية ذاتها . ونظرا لذلك قررت العربية السعودية عام 1954 الكف عن التعاون مع الولايات المتحدة وفق النقطة الرابعة ، وتذرعت شكليا بأن اسرائيل تحصل على مبالغ أكبر بكثير وفق البرنامج نفسه .

كانت القاعدة الجوية في االظهران التي أنجز أبناؤها عام 1946 الركيزة العسكرية الأساسية للولايات المتحدة في السعودية . وقد مدد عقد إيجار القاعدة لمدة خمس سنوات حسب اتفاقية سقطت في 18 حزيران (يونيو) 1951 ، وتعهدت الولايات المتحدة لقاء ذلك بتجهيز الجيش السعودي بطائرات ودبابات حديثة . ونص ملحق خاص بالاتفاقية على حتى يتولى خبراء أمريكان تدريب الطيارين السعوديين . أصبحت الظهران مقرا للمستشارين الأمريكان الذين وصلوا إلى السعودية عام 1952 ، وتولوا إعداد القوات الجوية السعودية في جدة والطائف . وكان اتساع نشاط الخبراء العسكريين الأمريكان يعني إزاحة البريطانيين الذين تولوا تدريب الجنود السعوديين منذ عام 1947 .

العلاقات مع بريطانيا - أزمة البريمي

لم ترسم الحدود بين العربية السعودية والمحميات البريطانية – قطر وإمارات ساحل الصلح البحري وعمان ومحميات عدن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فيما بعد) – ومع اليمن في منطقة الربع الخالي ، وكانت الحدود موضع خلافات . واكتسبت المسألة حدة خاصة في أواخر الثلاثينات ، وخاصة في الأربعينات عندما بدأ البحث عن النفط في مناطق شاسعة من شبه الجزيرة العربية . وأصبحت عائدية هذه الأراضي الصحراوية أوتلك ، والتي لم تكن لها من قبل قيمة اقتصادية ، مثار نزاعات بسبب احتمال وجود نفط فيها . وفي أواخر الأربعينات جرى بين السعودية وبريطانيا صراع ضار على واحات البريمي . وادعت ملكية الواحات جميع من إمارة أبوظبي وسلطنة مسقط اللتين كانتا تحت الحماية البريطانية ، والمملكة العربية السعودية .

بلغت مساحة البريمي ، حيث توجد تسعة مراكز مأهولة ، زهاء ألفي كيلومتر مربع . وكانت المنطقة تعتبر تقليديا مركز تقاطع طرق القواف المتجهة إلى الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية ، وألحقت بالدولة السعودية الأولى عام 1795 . واعتبر السعوديون البريمي جزءا من المنطقة الشرقية ونطقوا حتى هيمنتهم على الواحات استمرت 155 سنة . وطعنت بريطانيا بهذه الانادىءات معلنة حتى فترة السيطرة السعودية لم تكن إلا نظرة عابرة في تاريخ البريمي ، وأن المنطقة تعود لأبوظبي وسلطان مسقط .

يقول الزركلي (امتدت أنوف المنقبين عن النفط ، تشم رائحته في بعض أراضي البريمي . ولم ير الملك عبدالعزيز بأسا في حتى يقوم بعض مهندسي شركة الزيت العربية الأمريكية بالتنقيب) . كان ذلك عام 1949 . طالبت الحكومة البريطانية ، نيابة عن أبوظبي ومسقط ، بوقف التنقيب في أراض لم يتفق على عائديتها . فقرر عبدالعزيز ألا يصعد الأزمة وأمر باستنادىء الباحثين عن النفط من هذه الأراضي وتأجيل الأعمال لحين الاتفاق على تدقيق الحدود . غادر جيولوجيوأرامكووبدأ تبادل سيل من المذكرات بين الحكومتين البريطانية والسعودية .

غير حتى جيولوجي B.I.P.C (بريتيش بتروليوم) فيما بعد بدأوا عام 1950 التنقيب في بعض الجزر التي تعتبرها السعودية ملكا لها . ومن ثم بدأوا البحث عن النفط في أراض لم يتفق على عائديتها حسب قول البريطانيين .

في 21 آيار (مايو) 1950 احتجت الحكومة السعودية ، وفي الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) 1950 رد السفير البريطاني في جدة بأن حكومته ترى حتى انادىء الحكومة السعودية بهذه الأراضي ليس له أساس . عقد في آب (أغسطس) 1951 لقاء في لندن بني وفد سعودي برئاسة وزير الخارجية فيصل ووفد بريطاني برئاسة وزير الخارجية موريسون . وتقرر عقد مؤتمر خاص يشارك فيه ممثلون عن الإمارات المعنية ويترأسه مندوب بريطاني وممثل عن الملك عبدالعزيز للاتفاق على الحدود . واتفق الطرفان على وقف أعمال التنقيب الجيولوجي وتحركات القوات المسلحة في المنطقة المتنازع عليها لحين إنجاز المؤتمر . في أواخر كانون الثاني (يناير) وفي شباط (فبراير) 1952 عقد المؤتمر في الدمام ولكنه لم يتمخض عن نتائج.

بدأ تدهور العلاقات السعودية – البريطانية يضم مجالات لا علاقة لها بالخلاف على الأراضي . ففي سنة 1951 توقف عمل البعثة العسكرية البريطانية في السعودية . وكانت مجموعة صغيرة من المستشارين العسكريين البريطانيين قد أوفدت إلى السعودية أثناء الحرب العالمية الثانية ولكن عملها لم يؤد إلى نتائج تذكر فاستدعيت قبل انتهاء الحرب . وفي سنة 1947 استأنفت البعثة العسكرية البريطانية عملها للتولى تدريب عشرة آلاف بدوي للعمل في وحدات شكلت على غرار الفيلق العربي بشرق الأردن . وأوفد للدراسة ي الكليات العسكرية البريطانية نفر قليل من الضباط السعوديين غالبيتهم من أبناء الملك وأقربائه . وتوقف هذا التعاون بسبب النزاع على البريمي . وابتداءا من سنة 1952 أخذ الأمريكان على عاتقهم إعداد الكوادر العسكرية السعودية ، بعد أ، توطدت مواقعهم الاقتصادية في البلد . بعيد إخفاق مؤتمر الدمام وصل إلى البريمي وكيل سياسي بريطاني (لأداء وظائفه الإدارية) .

وتلقى حاكم الإحساء إيعازا من عبدالعزيز بتشكيل بعثة مدنية وإرسالها إلى البريمي . وترأس البعثة هجري بن عطيشان الذي عين رئيسا إداريا لها ، وانتقل في مطلع أيلول (سبتمبر) 1952 إلى البريمي ونزل في حماسا . وللتوتوجه الوكيل السياسي البريطاني من الشارجة إلى البريمي على رأس وحدة عسكرية ، وتوقف على بعد أربعة كيلومترات من السعوديين وبدأت الطائرات البريطانية تحوم فوق حمامسا . وللتوتوجه الوكيل السياسي البريطاني من الشارجة إلى البريمي على رأس وحدة عسكرية ، وتوقف على بعد أربعة كيلومترات من السعوديين وبدأت الطائرات البريطانية ابن سعود باستنادىء بعثة ابن عطيشان . فيعشرة تشرين الأول (أكتوبر) 1952 عرض السفير الأمريكي في جدة التوسط بين الطرفين واقترح حتى يحجما عن الأعمال الاستفزازية ويلازما مواقعهما في البريمي ويستأنفا المفاوضات . وكان هذا الاقتراح في صالح أرامكولأنه يبقى للسعوديين نصف الحقوق في البريمي على أقل تقدير . واقترح عبدالعزيز إجراء استفتاء بين سكان الواحات ولكن البريطانييين رفضوا الاقتراح .

عاد الجيولوجيون البريطانيون إلى منطقة البريمي عام 1953 كان هجري بن عطيشان ما زال في مسقطه محاصرا ، بينما واصل البريطانيون البحث عن النفط بوتائر حثيثة . في تموز (يوليو) 1954 سقط مندوبون عن السعودية وبريطانيا اتفاقية في نيس حول حمل الخلاف إلى هيئة تحكيم بدأت أعمالها في جنيف في مطلع عام 1955 . وفي شهر أيلول (سبتمبر) 1955 استنطق ممثل بريطانيا في المحكمة لإدراكه حتى قرارها لنقد يكون في صالح بلاده . وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1955 أدخلت إلى البريمي وحدات من أبوظبي ومسقط بقيادة ضباط بريطانيين . وبعد مقاومة رمزية استسلم رجال الشرطة السعوديون ، فأعيدوا إلى وطنهم عبر أبوظبي والبحرين . وزعم البريطانيون أنه ليس لهم ولج في احتلال الواحة ، بل حتى القوات المسلحة لأبوظبي ومسقط هي التي احتلتها . أومسقط ، بل ثمة خلافات بينها وبين الحكومة البريطانية ، واحتجت وطالبت بسحب القوات البريطانية ، ثم حملت شكوى ضد بريطانيا إلى مجلس الأمن للأمم المتحدة .

التزمت الولايات المتحدة في هذه المسألة الجانب السعودي ولكنها عملت كوسيط خوفا من تفاقم النزاع واقنعت الحكومة السعودية بسحب احتجاجها المرفوع إلى هيئة الأمم المتحدة واستئناف المفاوضات مع بريطانيا . وفي آيار (مايو) 1956 وصل إلى جدة وكيل وزارة الخارجية البريطانية وعقد سلسلة من الاجتماعات مع فيصل ، ثم واصل السفير البريطاني في جدة التفاوض من بعده . ولكن السعودية بترت علاقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا فيتسعة تشرين الثاني (نوفمبر) 1956 وحظرت تصدير النفط إليها بسبب اشتراكها في العدوان الثلاثي على مصر.

بعد إعلان استقلال الكويت في حزيران (يونيو) 1961 قابلت هذه الإمارة خطر غزوها من قبل العراق. وقد ساندت السعودية الكويت وألفت نفسها في جانب واحد من المتاريس مع بريطانيا. وأوفدت إلى الكويت قوات سعودية وبريطانية ظلت هناك حتى يناير 1963. وي سنة 1964 إقتسمت السعودية والكويت إدارة المنطقة المحايدة ، ولكنها حافظتا على الاتفاقية السابقة القاضية بتقاسم الموارد النفطية مناصفة.

أخذت التناقضات السعودية البريطانية تنحسر تدريجيا تحت ضغط مصالح الطرفين المشهجرة في محاربة الحركة الثورية والتحررية الوطنية في الشرق الأوسط عامة والجزيرة العربية خاصة.وفي سبتمبر 1963 التقي الأمير فيصل في دورة هيئة الأمم المتحدة في نيويورك مع وزير الخارجية البريطاني واتفقا على استئناف العلاقات الدبلوماسية واجراء مفاوضات جديدة حول البريمي. وفي يوليو1963 عاد السفير السعودي الى لندن.

في الخمسينيات كان أحداث عمان قد زادت من تعقيد العلاقات السعودية البريطانية. فقد أخذت الرياض تساند أعداءها السابقين من الأبضيين الذين حاولت تأسيس دولة مستقلة في عمان وخاضوا من عام 1954 وحتى عام 1959 كفاحا مسلحا ضد البريطانيين وقوات سلطان مسقط . وبعد هزيمة إمامة عمان عام 1959 إلتجأ قادتها إلى العربية السعودية.

سياسة المللكة المتحدة في الشرق الأوسط

شارك مندوب عن السعودية في المفاوضات التي جرت بمصر عام 1943 حول تأسيس منظمة إقليمية للبلدان العربية. وسقط ولي العهد سعود وثائق تأسيس جامعة الدول العربية في القاهرة عام 1945. لقد أيدت بريطانيا تأسيس هذه المنطقة الإقليمية آملة إستخدامها كأداة للإبقاء على نقوذها في الشرق الأوسط ،ولكنها عجزت فيما بعد عن وقف الفهميات الإجتماعية السياسية ذات الطابع المناوئ لبريطانيا ، كما عجزت عن شل حركة التحرر الوطني في البلدان العربية.

لم تسنح لإبن سعود الفرصة للعب دور قيادي في الجامعة العربية ، لذا كان موقفع إزاء متحفظا في الفترة الأولى. وقد أخافه تأثير الأسرة الهاشمية المعادية له على المنظمة ، كما أ،ه لم يكن مرتاحا لمطامع مصر في الزعانة. لذا إشترطت الرياض لإنضمامها إلى الجامعة الحفاظ على وحدة أرضاي وإستقلال سوريا ولبنان معتبرة إياهما المعادل للأسرة الهاشمية ، كما اشترطت ضمان الحدود القائمة بين البلدان العربية.

في السنوات الأولى التي أعقبت الحرب اعتبر ابن سعود الأسرة الهاشمية ألد خصم له . ومن الطبيعي ان يقف ابن سعود ضد مشاريع إقامة امبراطورية هاشمية تضم العراق وسورية ولبنان وفلسطين وشرق الأردن باسم (الهلال الخصيب) أوإمبراطورية أصغر باسم (سورية الكبرى) . كما كانت القاهرة تنظر بعين الريبة إلى مثل هذه المشاريع .

ظل عبدالله ، أمير شرق الأردن ، يأمل في استعادة سلطة عائلة الشريف على الحجاز . وفي عام 1947 رتب ما يدعى بمؤتمر الحجاز الذي أيد الكتل المناوئة للسعوديينن في الحجاز . وردا على ذلك عددت الحكومة السعودية بأن تثير مجددا مسألة منطقتي العقبة ومعان المتنازع عليهما واللتين كانت تعتبرهما جزءا من الحجاز . وتخلي عبدالله مؤقتا عن مشاريع إقامة سورية الكبرى بحجة ضرورة اتخاذ موقف عربي موحد حيال القضية الفلسطينية وأوقف النادىية المناوئة للسعوديين في الحجاز .

خلال فترة الانتداب في فلسطين قامت الحكومة البريطانية بإنشاء (وطن قومي لليهود) هناك . وعملت السلطات البريطانية على إثارة التطاحن القومي والاشبتاكات بين العرب واليهود بغية الإبقاء على هيمنتها في فلسطين .

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1946 نادى الرئيس ترومان إلى تأييد الصهاينة في فلسطين والسماح بدخول مائة ألف يهودي إلى البلد دون مشاورات مع الدول العربية . وردا على ذلك بعث ابن سعود رسالة إلى ترومان اتى فيها : (لقد دهشت للإذاعات الأخيرة التي نسبت تصريحا لفخامتكم بدعوى تأييد اليهود في فلطين وتأييد هجرتهم إليها بما يؤثر على الوضعية الحاضرة فيها خلافا للتعهدات السابقة) .

عندما أحيلت المسألة الفلسطينية إلى هيئة الأمم المتحدة (1947) كانت العلاقات بين اليهود والعرب في فلسطين قد تأزمت إلى أقصى حد ، ولكن الدول العربية نفسها لم تجتمع على رأي حيال فلسطين . فقد كانت شرق الأردن ترغب ضم فلسطين ، بينما عارضت هذه المطامع السعودية ومصر وغيرهما من أعضاء الجامعة العربية ، كما جوبهت مشاريع الأمير عبدالله بمقاومة فعالة من الولايات المتحدة الأمريكية .

في 29 آيار (مايو) 1947 اتخذت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة قرارا بإلغاء الانتداب البريطاني في فلسطين وتقسيمها إلى دولتين مستقلتين . وأدى قيام دولة إسرائيل في جزء من الأراضي الفلسطينية والحروب الاسرائيلية العربية الأولى إلى خلق وضع حديث من حيث المبدأ في المنطقة .

لم تشارك السعودية عمليا في حرب فلسطين . فقد اقتصر ابن سعود على إرسال كتيبة عملت ضمن قوام الجيش المصري .

وفي حزيران (يونيو) 1948 قام عبدالله بزيارة للرياض تكللت بصلح شكلي مع ابن سعود ، غير حتى الخلافات بينهما كانت بعيدة عن التسوية .

أدت هزيمة الدول العركبية في حرب فلسطين إلى تفاقهم التناقضات بين أعضاء الجامعة العربية . واقترحت الحكومتان السعودية والمصرية طرد شرق الأردن من الجامعة بسبب مشاريعها الرامية إلى إلحاق شرق فلسطين ، والتي اعتبرتها الحكومتان المستوى الأولى في طريق إنشاء سورية الكبرى . غير حتى الجامعة لم تتصرف بشكل حازم ، فتجرأ عبدالله وألحق رسميا في كانون الأول (ديسمبر) 1949 الجزء العربي من فلسطين بشرق الأردن . وفي 20 تموز (يوليو) عام 1950 اغتال الملك عبدالله فخلفه ابنه طلال الذي سرعان ما أصيب بلوثة عقلية فتبوأ العرش حسين بن طلال .

تراوحت العلاقات بين السعودية ومصر من التحالف الوثيق إلى القطيعة التامة واللقاءة العسكرية . فبعد الاشتباكات الخطيرة التي جرت بين الحجاج المصريين والإخوان عام 1926 ، رفضت الحكومة المصرية الاعتراف بسلطة ابن سعود على الحجاز . وقد استثار الملك فواد نقمة عبدالعزيز حينما حاول حتى يصبح خليفة . ولم تستأنف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلا بعد وفاة فؤاد عام 1936 .

بعد الحرب العالمية الثانية تحسنت العلاقات المصرية السعودية بشكل ملموس ٍ. وبعد زيارته إلى مصر عام 1946 منح ابن سعود الملك فاروق عونا سنويا مقداره زهاء مليون جنيه استرليني . ووصل إلى السعودية مفهمون وفنيون ومستشارون مصريون وأوفدت بعثة عسكرية مصرية لتدريب الجيش السعودي .

أكد الملك سعود في خطاب العرش الذي ألقاه في آذار (مارس) 1954 على ضرورة التعاون مع البلدان العربية في إطار الجامعة العربية وطبقا لميثاقها ومعاهدة الدفاع المشهجر . ونادى الملك إلى تعزيز العلاقات مع البلدان الإسلامية ووعد بمواصلة اتباع سياسة مناوئة لاسرائيل وأعرب عن الرغبة في تحسين العلاقات مع الدول كافة . غير أنه أشار إلى وجود قضايا معلقة بين العربية السعودية والحكومة البريطانية الصديقة .

إن الدعوة إلى تعاون البلدان العربية والوعيد التقليدي الموجه لإسرائيل والمسحة المناوئة لبريطانيا في السياسة السعودية ، قد هيأت جميعا التربة للتقارب مع مصر . واتخذ الملك سعود موقفا واقعيا من التغيرات الثورية في مصر واعترف بالنظام الجديد . وكان أول رئيس دولة عربية يزور القاهرة بعد ثورة 23 يوليو، والتقى أثناء زيارته الرسمية إلى مصر في آذار (مارس) 1954 برئيس الدولة محمد نجيب وبجمال عبدالناصر .

في مطلع آب (أغسطس) 1954 انتهز عبدالناصر وجوده في السعودية لإيداء فريضة الحج وعقد مفاوضات مع الملك سعود الذي أيد جهود مصر الموجهة ضد حلف بغداد الذي جرى تشكيله آنذاك .

أثار انضمام العراق وإيران إلى حلف بغداد ارتياب العربية السعودية بهذا الحلف ، لذا تقاربت وقتيا مع مصر وسورية واليمن . وزعم حتى السعودية ، شأن مصر ، كان لها ضلع فثي الاضطرابات التي هزت الأردن شتاء 1955/1956 وأدت إلى طرد قائد الفيلق العربي غلوب باشا ورفض الأردن الانضمام إلى حلف بغداد .

لقد سعى الرئيس عبدالناصر إلى عقد اتفاقيات عسكرية ثنائية مع سائر البلدان العربية لتكون نقيضا ومعادلا لحلف بغداد . وسقط ميثاق الدفاع المشهجر مع سورية آذار (مارس) 1955 ، وأعربت السعودية عن تأييدها للميثاق المصري السوري بعد زيارة وفد سوري الى الرياض. وفي أكتوبر من العام نفسه عقد السعودية معاهدة عسكرية ثانئية مع مصر. وشكل مجلس أعلى وزراء الخارجية والدفاع في البلدين ، إلى جانب مجلس عسكري وقيادة عسكريةمشهجرة. وعقد المعاهدة لمدة خمس سنوات على حتى تمدد تلقائيا اذا لم يعلن أي من الطرفين عن أبطال مفعولها.

في ملطع عام 1956 رفضت الحكومات العربية الانضام الى ميقان الدفاع المشرتك للشرق الأوسط الذي دعت اليه لندن وواشنطن.

وفي مارس 1956 وصل الملك سعود إلى القاهرة للقاءة الرئيس عبد الناصر ، كما وصل الى هناك الرئيس السوري شكري القوتلي ، وتقرر عقد ميثاق للتعاون والاخوة. ونسقت الدول الثلاث ذات الأنظمة المتنوعة والمصالح المتناقضة سياساتها على أساس معاد للإمبريالية., ففي أوساط الخمسينات ركب بعض الحكام الاقطاعيين موجة الحركة القوية والنزعات المعادية للغرب ولبريطانيا بالدرجة الاولى في العالم العربي . وفي ابريل 1956 وصل امام اليمن أحمد إلى جدة حيث التقى بسعود وعبد الناصر ، وفي اليوم التالي سقطوا اتفاقية الدفاع المشهجر.

يعزى تحالف سعود مع عبد الناصر الى ان الحكومة المصرية احجمن لحين تأميم قناة السويس عن معاداة الولايات المتحدة بشكل فعال. وكانت السياسة المصرية موجهة ضد البريطانيين وانصارهم الهاشميين في العالم العربي. وكان ذلك متفقا مع النهج السياسي للرياض والنزعات التقليدية المناوئة لبريطانيا في صنعاء.

ابان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ايدت الرياض القاهرة وأعربت عن استعدادها لمساعدة مصر عسكريا وبترت العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا وفرنسا ، وأوقفت عمليا ضخ البترول الى هذين البلدين وأعانت مصر بمبالغ كبيرة من المال.

ولكن مع توقف التعاون بين السعودية ومصر تزايد القلق الذي يثيره هذا التعاون في الأسرة الحاكمة وفي أواسط الفهماء المتنفذين. وأخذت النادىية الاذاعية المصرية تؤثر في بعض فئات السكان في السعودية ،والتي كانت ميولها المعادية للغرب وللإمبريالية تقترن بالميول المناوئة للملكية. وأثار تعاظم شعبية الرئيس عبد الناصر في السعودية قلق الملك وحاشيته. ويذكر بعض المؤلفين أنه كانت قد أكتشفت في مايو1959 مؤامر لإسقاط نظام الحكم في السعودية أعد لها ضباط تجاوز لهم حتى دربوا في مصر. وزعم حتى لعدد من المستشارين العسكريين المصريين ضلغا في المؤامرة. وكانت الإضطرابات والإضرابات العمالية في الظهران ما زالت ماثلة في ذاكرة الملك والأمراء .ولوحظت أيضا دلائل الغليان الثوري في الأردن والعراق. وإضافة إلى ذلك كان ايقاف ضخ النفط إلى بريطانيا وفرنسا ضربة لخزانة الدولة ، وبالتالي لخزانات الأمراء الخاصة ، مما جعلهم يفكرون فيما اذا كان هناك ما يستحق تقديم هذه التضحيات إلى مصر. وأخيرا فإن واشنطن التي اعتبرت القاهرة خصمها العربي الأول في الشرق الأوسط ، عملت على تأليب الرياض ضدها.

بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر اخذت واشنطن تبحث عن طرق واساليب جديدة لإخماد هوجة حركة التحرر الوطني والحيلولة دون توطد التعاون بين عدد من البلدان العربية والاتحاد السوفييتي. ونتيجة لذلك البحث ظهر مبدأ إيزنهاور في يناير 1957 الذي زعم بأن هزيمة بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي على مصر أدت إلىظهور فراغ مزعوم في الشرق الأوسط. واتى في مبدأ إيزنهاور ان القوات المسلحة الأمريكية يفترض أن تستخدم للدفاع عن وحدة أراضي واستقلال البلدان التي قد بحاجة إلى مساعدة للقاءة العدوان من قبل أي بلد تسيطر عليه الشيويعة الدولية. وطالب الرئيس الأمريكي إيزنهاور إبان ذلك بتخويله صلاحية تمهيدية مع الكونجرس . وفي الواقع كان المقصود من ذلك اعتزام الولايات المتحدة بسط هيمنتها على الشرق الأوسط بقوة السلام ان اقتضى الامر. ولكن مع الاعتماد على النظمة الصديقة لواشنطن. وفي مارس 1957 سقط الرئيس الأمريكي برنامج الكونجرس. وطبق مبدأ إيزنهاور عمليا بعد سنة اذ هبط مشاة البحرية الأمريكية في لبنان.

أملت واشنطن حتى تستخدم العربية السعودية لتطبيق سياستها في الشرق الأوسط ، نظرا لإرتباط المملكة اقتصاديا بالولايات المتحدة ، ولما تتمتع به من نفوذ في العالم الاسلامي. ونادى إزينهاور الملك سعود لزيارة الولايات المتحدة في يناير 1957.

في هذه الأثناء عمت عددا من البلدان العربية نشاطات مناوئة لمبدأ إيزنهاور. وعرج الملك سعود وهوفي طريقه للولايات المتحدة على القاهرة حيث التقى بالرئيسين المصري والسوري وملك الأردن. وصدر بيان مشهجر يتعبر مبدأ إيزنهاور برنامجا لإستبعاد الشعوب التي انخرطت في طريق التطور المستقل. ورفض المجتمعون نظرية ملئ الفراغ الأمريكية وأعربوا ان بلدانهم لن تتحول أبدا إلى ميدان لنقوذ أي دول أجنبية. وكلف الملك سعود بنقل هذه الأفكار إلى الرئيس إيزنهاور.

ولكن الملك سعود تصرف على نحوآخر في الولايات المتحدة. فقد تم خلال المفاوضات الرسمية الإتفاق على تزويد السعودية بمعدات للقوات البحرية والبرية والجوية ،وتدريب طياريها توفير الفنيين لقواتها المسلحة بتقديم قرض للسعودية لتعمير ميناء الدمام. كما تقرر مضاعفة تعداد الجيش النظامي السعودي الذي بلغ عدد منتسبيه أنذاك 15 ألف. ووعد سعود بتمديد فترة تأجير قاعدة الظهران الجوية لمدة خمس سنوات ، والسعي لإقناع البلدان العربية الأخرى بالقبول بمبدأ إيزنهاور.

ولكن الملك سعود اكتشف بعد عودته إلى الشرق الأوسط إشتداد المعارضة لمبدأ إيزنهاور في المنطقة ، بما في ذلك داخل المملكة ذاتها. وكانت سمعة عبد الناصر عالية إلى درجة بحيث لا يمكن تجاهل رأيه. وفي 24-27 فبراير 1957 عقد في القاهرة اجتماع حديث لرؤساء الدول في جميع من مصر وسوريا والسعودية والأردن حاول خلاله سعود حتى يدافع عن مبدأ إيزنهاور . ولكن الملك إضطر إزاء ضغط الرئيسين عبد الناصر والقوتلي والرأي العام السعودي ، إلى التخلي عن تأييده للمبدأ المذكور والانضمام إلى الدول التي رفضته مجددا واعلنت حتى العرب أنفسهم يجب أويتولوا الدفاع عن أنفسهم خدمة لأمنهم الحقيقي وخارج اطار التحالفيات الأجنبية.

ولكن موقف السعودية هذا كان بمثابة مناورة تكتيكية لتهدئة الراي العام في المملكة وسائر بلدان الشرق الأوسط ولتفادي لقاءة مع مصر تهدد النظام السعودي بالخطر. وصار واضحا لكل من القاهرة والرياض حتى التطابق المؤقت في المصالح في إنتهى. وكان سعود قد إلتقى في الولايات المتحدة ، وبوساطة أمريكية مع ولي العد العراقي عبد الإله ، إذ حتى العداء العائلي السابق بين آل سعود والأسرة الهاشمية انحسر الى المقام الثاني ازاء مصلحتهما المشهجرة في الاستمرار في الحكم في ظروف الغليان الثوري المتصاعد في الشرق الاوسط.

في ابريل 1957 أنطق الملك حسين حكومة سليمان النابلسي المتجهة إلى اليسار . وقدم سعود للملك حسين مساعدة عسكرية وسياسية : فقد وضع تحت امرته لوائي الحرس الوطني السعودي المرابطين في الأردن منذ العدوان الثلاثي على مصر.وحولت الحكومة السعودية للعاهل الأردني قسطا من المعونة السنوية البالغ 30 مليون دولار والذي كان قد تم الاتفاق عليه بين مصر وسوريا والسعودية عام 1956 للتعويض عن المساعدة البريطانية ، هذا في حين حتى مصر وسوريا رفضتا دفع قسطيهما . وشهد الشرق الأوسط استقطابا للقوى وصارت القاهرة والرياض على طرفي نقيض.

بعد مرور فترة قصيرة على انطقة حكومة النابلسي قام الملك حسين بزيارة الرياض ، الأمر الذي كان يعني استمرار التقارب بين العائلتين المالكتين المتعديتين سابقا. وبضغط أمريكي أخذ الملك سعود يميل إلى فكرة تأسيس اتحاد بين الملوك الثلاثة في السعودية والأردن والرياض ولكن الزيارة لم تسفر عن قيام تحالف رسمي . فان سعود لم يجرؤ على التصل جهازا من مصر وسوريا خشية حدوث عواقب جدية تهدد عرشه. وآثر حتى يؤكد في التصريحات الرسمية إلتزامه بمبدأ الحياد الإيجابي ومقررات مؤتمر القاهرة.

في مارس 1957 أعتقلت في السعودية مجموعة من الفلسطينين بحوزتهم متفجرات ، وزعم حتى الحكومة المصرية أوفدتهم لنسف قصر الناصرية في الرياض. ورد المصريون بأن المجموعة أوفدت بالاتفاق مع السعوديين للقيام بعمليات ضد حكم نوري السعيد في العراق. وتدهورت العلاقات السعودية المصرية تدهورا خطيرا ، ولم يؤد قدوم وفد مصري إلى تحفيف حدة التوتر.

شنت في السعودية حملة معادية للشيوعية بقيادة الجهاز النادىئي لشركة أرامكو، الذي كان ينسب للشيوعية لادولية أي مظهر من مظاهر النضال التحرري الوطنيز وأكد بلاغ مشهجر صدر في ربيع 1957 أثر الزيارة التي قام بها إلى السعودية ريتشاردس المساعد الخاص للرئيس لتنفقيد برنامج مساعدة بلدان الشرق أوسطيين ، أكد على ضرورة مجابهة النشاط الشيوعي.

في شباط (فبراير) 1958 انبثقت الجمهورية العربية المتحدة المكونة من مصر وسورية ، وكان ذلك فوزا كبيرا للقوى الوطنية الديمقراطية في العالم العربي . وشجعت واشنطن ولندن قيام الاتحاد العربي بين العراق والأردن ليكون معادلا للجمهورية العربية المتحدة ، وأخذتا تسعيان لحمل بلدان عربية أخرى على الانضمام إليه . ولكن الحكومة السعودية اعتبرت الاتحاد المذكور إحياء للخطر الهاشمي ورفضت الانتماء إليه ، وأعربت عن حيادها إزاء الاتحاد العربي والجمهورية العربية المتحدة .

دب البرود في العلاقات السعودية الأردنية ، وفيثمانية نيسان (إبريل) 1958 توقفت الرياض عن دفع المعونات لعمان المنصوص عليها في اتفاقية 19 كانون الثاني (يناير) 1957 .وردا على ذلك طالب الملك حسين بسحب القوات السعودية من الأراضي الأردنية ، فعادت إلى الوطن في آيار (مايو) .

ورغم ذلك فقد اعتبر الملك سعود الجمهورية العربية المتحدة الخطر الأساسي على عرشه . فقد كانت إصلاحات عبدالناصر تمارس تأثيرا قويا على الرأي العام في العربية السعودية ، حيث تزايدت شعبية الرئيس المصري . وخشية الدخول في مجابهة صريحة مع الجمهورية العربية المتحدة ، قرر سعود اللجوء إلى أسلوب التآمر بعبد الناصر .

انظر أيضاً

  • جغرافيا السعودية
  • نزاع الحدود الإماراتي السعودي
  • المنطقة الطبيعية السعودية الكويتية
  • المنطقة الطبيعية السعودية العراقية
  • اتفاقية سايكس بيكو

هوامش

[a].  توحيد السعودية (إجمالي عدد الضحايا 7,989–8,989+) of:

معركة الرياض (1902) – 37 قتيل.
معركة الدلم (1903) – 410 قتيل.
الحرب السعودية الرشيدية (1903–1907) – 2,300+ قتيل.
ضم الإحساء والطائف (1913) - غير معروف.
معركة جراب (1915)
معركة كانزان (1915)
الحرب النجدية السعودية الأولى (1919–1920) – 1,392 قتيل.
1921 غارة الإخوان على العراق- 700 قتيل
Kuwait–Nejd Border War (1921) – 200+ قتيل.
فتح حائل (1921) - غير معروف
غارة الإخوان على إمارة عبر الأردن (1922–1924) – 500–1,500 قتيل.
الفتح السعودي للحجاز (1924–1925) – 450+ قتيل.
ثورة الإخوان (1927–1930) – 2,000 قتيل .

هوامش

  1. ^ David Murphy, (Illustrated by Peter Dennis), The Arab Revolt 1916-18: Lawrence Sets Arabia Ablaze, Osprey Publishing, 2008, p. 26.
  2. ^ University of Central Arkansas, Middle East/North Africa/Persian Gulf Region

المصادر

  • Almana, Mohammed (1982). Arabia Unified: A Portrait of Ibn Saud. London: Hutchinson Benham. ISBN .
  • Commins, David (2006). The Wahhabi Mission and Saudi Arabia. London, New York: I.B. Tauris. ISBN .
  • Helms, Christine Moss (1981). The Cohesion of Saudi Arabia. Baltimore: The Johns Hopkins University Press.
  • Kohn, Hans (1934). "The Unification of Arabia". Foreign Affairs. 13 (1): 91–103. Unknown parameter |month= ignored (help)
  • Lacey, Robert (2009). Inside the Kingdom: Kings, Clerics, Modernists, Terrorists, and the Struggle for Saudi Arabia. New York: Viking. ISBN .
  • Lacey, Robert (1982). The Kingdom. New York: Harcourt Brace Jovanovich. ISBN .
  • Al-Rasheed, Madawi (2010). A History of Saudi Arabia (2nd ed.). New York: Cambridge University Press. ISBN .
  • Troeller, Gary (1976). The Birth of Saudi Arabia: Britain and the Rise of the House of Sa'ud. London: Routledge. ISBN .
  • Vassiliev, Alexei (1998). The History of Saudi Arabia. London: Saqi. ISBN .

وصلات خارجية

  • Hous of Saud, a 2005 documentary by PBS' Frontline. Website includes interviews and an excerpt containing the chapter on the Ikhwan.
تاريخ النشر: 2020-06-04 21:20:55
التصنيفات: Pages using infoboxes with thumbnail images, مقالات ذات عبارات بحاجة لمصادر, Pages with citations using unsupported parameters, Use dmy dates from July 2011, مقالات تستعمل قوالب صيانة غير مؤرخة, نزاعات القرن 20, تاريخ السعودية, معارك السعودية, معارك الدولة العثمانية, القرن 20 في السعودية, National unifications

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

جائزة أبو ظبي الكبرى: فيرستابن يختتم موسمه بفوز قياسي جديد

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:09:11
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 87%

بوريس جونسون ينضم إلى مسيرة ضد معاداة السامية في لندن

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:10:04
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 98%

قتيل بغرق سفينة شحن قبالة سواحل اليونان وعمليات بحث عن 12 مفقوداً

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:09:09
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 91%

ختامها مسك.. فيرستابن يتوج بجائزة أبو ظبي الكبرى (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:10:30
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 86%

بطولة فرنسا: نيس يواصل ملاحقة سان جرمان بفوز صعب على تولوز

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:09:17
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 87%

جائزة فالنسيا الكبرى: بانيايا يحتفظ باللقب عن جدارة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:09:14
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 92%

رئيس الوزراء الإسباني يدافع عن مواقفه بشأن غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:09:54
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 87%

إدارة ريال مدريد ترحب بعودة زيدان

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:10:34
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 85%

نتنياهو يتوجه إلى شمال غزة ويتحدث عن 3 أهداف للحرب على القطاع

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:10:07
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 91%

مجلس الحرب الإسرائيلي يلتئم لمناقشة تمديد الهدنة في غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:10:19
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 86%

"كيف ستغير أزمة الرهائن الإسرائيليين العالم إلى الأبد" - التلغراف

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:08:22
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 94%

غازبروم تسجل رقما قياسيا تاريخيا في إمداد الصين بالغاز

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:09:52
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 91%

مطار دمشق الدولي يخرج عن الخدمة بعد قصف إسرائيلي استهدفه

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-26 18:09:59
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 95%

تحميل تطبيق المنصة العربية